mercredi 28 avril 2021

التعليم الفنلندي.. ارتضى أبسط الطرق وأقصرها فحقق أفضل النتائج. المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


 منذ سنوات معدودات، أصبحت فنلندا مثالاً يحتذى به من قِبل جميع بلدان العالم، مثال في كيفية بناء نظام تعليمي فائق الفعالية، بأقل عدد من أيام وساعات الدوام المدرسي السنوي، فتربع هذا البلد الإسكندنافي على عرش العالم في كفاءة النظام التربوي وفقاً لآخر تقييمين أجرِيا عامَي 2003 و2006، من قِبل منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، لقياس كفاءة طلبة المدارس (عمر 15 سنة)، بواسطة اختبار بدأ العمل به عام 2000، ويجرى مرة كل ثلاث سنوات، ويحمل اسم "برنامج تقييم الطلاب العالمي" (PISA ).

البرنامج يقيس كفاءة الطلبة في المجالات المختلفة مثل تعلم القراءة والرياضيات والعلوم، ويستنتج منها الكفاءة العامة لطلبة كل بلد يُجري فيه الاختبار، وقد حصل طلبة فنلندا على المرتبة الأولى في القراءة والعلوم، والمرتبة الثانية في الرياضيات بعد كوريا الجنوبية وبدرجات عالية ليس من السهل على أي بلد الحصول عليها. ولعل أهم الصفات الإيجابية في نتائج فنلندا هي تجانسها أي تَحصّل جميع الطلبة على كفاءة مرتفعة، والنجاح في تقييم (PISA ) لم يكن حكرا على بعض الطلبة المتميزين.

 

كثير من التربويين في جميع أنحاء العالم يتوقون لمعرفة كيف طوّر الفنلنديون نظامهم التربوي بهذه الفعالية والاستفادة من خبرتهم في هذا المجال ولعله من المفيد هنا ذكر بعض مواصفات النظام التربوي الفنلندي التي وصلت به إلى هذه المنزلة الرفيعة:

 

لا يُسمى إصلاح التعليم إصلاحا إلا إذا أخذ بأيدي التلامذة الذين تعترضهم صعوبات في التعلم:

-         التعليم في فنلندا مجاني في جميع المراحل بما فيها المرحلة الجامعية.

-         التعليم إجباري في فنلندا للصفوف التسعة الأولى في المدرسة التي يدخلها الأطفال الفنلنديون عندما يبلغون السابعة من عمرهم (خلافا لأغلبية بلدان العالم، ست سنوات).

-         نسبة التهرب من التعليم الإجباري في فنلندا لا تتجاوز 0.5%..

-         نسبة الرسوب في الصف في فنلندا لا تزيد عن 2% .

-         الفرق في المستوى بين المدارس بسيط جداً.

-         عدد أيام الدوام المدرسي 190 يوماً في العام الدراسي، وعدد ساعات الدراسة اليومية من 4 إلى 7 ساعات.

-         يُكلف التلميذ بواجبات مدرسية منزلية مخففة لا تستغرق أكثر من خمس ساعات في الأسبوع.

-         غياب الدروس الخصوصية  بعد الدراسة في المؤسسات العمومية (ce qu`on appelle communément “Etude” en Tunisie).

-         مساعدة أولئك الذين يجدون صعوبة في موضوع معين، وذلك بتوفير مدرس إضافي لمساعدة هؤلاء الطلبة.

-         يبقى جميع الطلبة في الصف نفسه مهما كانت قدرتهم مختلفة في موضوع الدراسة.

 

مرتكزات التفوق:

-         وِفقاً لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، تُعتبر فنلندا الأولى بين دول العالم المتقدمة من حيث قلة عدد الساعات التي يقضيها الطالب في القسم. وهذا يعكس أحد أهم الأفكار التي يقوم عليها نظام التربية الفنلندي.

-         تقوم الفكرة الثانية على مبدأ المدرسة الواحدة للتعليم الابتدائي والثانوي، بحيث لا يضطر الطالب لتغيير المدرسة عندما يبلغ الثالثة عشرة من العمر مما يجنبه المرور بفترة انتقالية يُحتمل أن تكون مربكة عند انتقاله من مدرسة إلى أخرى.

-         أما الفكرة الثالثة فتنص على أن يبدأ الطفل مرحلة التعليم في سن السابعة، ممضياً سنوات الروضة بنظام خاص لا يوجد فيها تعليم مباشر مما يكسِب الصغار معرفة عن طريق اللعب ويجعله تواقاً لبدء مرحلة التعلم النظامية.

-         تقوم الفكرة الرابعة على مبدأ أن كل طالب لديه شيء ما يساهم به في القسم، لذلك يجب عدم فصل الطلبة الذين يعانون صعوبة في بعض المواضيع عن زملائهم الممتازين، ويجب توفير الوسائل التي تساعد غير المتفوق على التفوق.

-         أما الفكرة الخامسة فتقول إن معلم أي صف مدرسي يجب أن يكون مؤهلاً جامعياً وحاصلاً على درجة الماجستير. وهذا يعني أن كفاءة التعليم لا تتحقق دون مدرس كفء. وتُعتبر مهنة التدريس وفقاً لهذه المقاييس مهنة مرغوبة معنويا وماديا.

-         تعتمد الفكرة السادسة للنظام التربوي الفنلندي على أن الطلبة يجب أن يتعلموا في وضع مريح وجو يسهل فيه انتقال المعرفة. يساعد على ذلك تجانس المجتمع الفنلندي وقلة تواجد الأجانب فيه، مما يجعل الطلبة يتعلمون جميعاً تقريباً بلغتهم الأم دون عقبات من النواحي اللغوية. كما يساعد على ذلك غياب السياسة عن الجو المدرسي، مما يجعل الجميع متكافئين ولا يسمح بترك أي طالب في حالة تخلف عن الآخرين.

 

لا وجود لاختبارات توجيه خلال السنوات التسع الأولى:

في فنلندا لا توجد اختبارات عامة للطلبة خلال السنوات التسع الأولى، فيما يتم تقييم الأداء بناءً على اختيار 10% من كل شريحة عمرية لإجراء الاختبارات عليها، وتحتفظ المدارس بالنتائج بكل سرية. وبعد السنة الخامسة لا يسمح قانونياً بوضع درجات للطلبة، ولا يسمح بالمقارنة بينهم. يضع المعلمون اختباراتهم الخاصة، ولا يأخذونها من مؤسسات خارج المدرسة. لا تقارن المدارس مع بعضها، حيث تبقى النتائج سرية حتى يطلبها مجلس التعليم الوطني لغرض تحسين التعليم. تُصنف نتائج الاختبارات في التعليم الثانوي والمهني بنسبة 5% في أعلى السلم و5% في أسفل السلم، وما بينهما هو المتوسط، وتستخدم هذه النتائج لدخول الجامعات، وعليها يحدد دخول الطلبة في تخصصات العلوم الطبيعية أو الاجتماعية.

 

بعض الحقائق المدهشة عن طرق التعليم الطريفة في فنلندا:

-          لا يدخل الأطفال للمدرسة الابتدائية إلا بعد بلوغ سن السابعة.

-         المدارس ممولة بنسبة 100% من الحكومة.

-         نادرا ما يُكلّف الأطفال بأداء واجبات منزلية أو امتحانات حتى بلوغ سن المراهقة.

-         لا يوجد سوى اختبار إلزامي واحد وموحَّد في جميع أنحاء فنلندا، يتم إجراؤه في سن السادسة عشرة.

-         جميع الأطفال يدرسون جميعا في فصل مدرسي واحد دون تمييز ذهني مغلوط في أغلب الحالات.

-         تنفق فنلندا على كل طالب حوالي 30% أقل مما تنفقه الولايات المتحدة.

-         30% من الأطفال يحصلون على مساعدة تعلمية إضافية خلال السنوات التسعة الأولى بالمدرسة.

-          حوالي 66% من تلامذة الثانوي يلتحقون بالجامعة.

     -     93 % من الفنلنديين يصلون إلى مستوى المدرسة الثانوية العليا، مقابل 17.5% للأمريكيين.

     -    تحتوي فصول تدريس العلوم على 16 طالبا فقط مما يضمن قيام كل فئة بتجارب كافية.

     -   43 %  من طلاب المدارس الثانوية يلتحقون بمدارس مهنية.

     -    تلاميذ المدارس الابتدائية يحصلون على 75 دقيقة راحة بين الحصص الدراسية، مقابل 27 دقيقة لنظرائهم في الولايات المتحدة.

     -   يقضي المدرسون أربع ساعات فقط بالفصول الدراسية يوميا، بينما يتم تخصص ساعتين أسبوعيا لتنمية المهارات.

    -  عدد المدرسين في فنلندا يساوي تقريبا عدد مدرسي مدينة نيويورك "عدد الطلاب 600 ألف بالمقارنة مع 1.1 مليون في نيويورك".

    -   يجب أن يكون جميع المدرسين حاصلين على درجة الماجستير، وكلهم يحظون بدعم كامل.

    -   يتم اختبار المدرسين من الـ10% الأفضل بين الخِرِّيجين.

    -   يبدأ راتب المعلم الفنلندي من 29 ألف دولار (عام 2009) بالمقارنة مع 36 ألف دولار في الولايات المتحدة.

    -   لا تُدفع علاوات للمدرسين.

    -   يحصل المدرسون على نفس درجة الأطباء والمحامين.

    -  طبقا للمعايير الدولية عام 2001، حصل الطفل الفنلندي أو جاء قريبا من أعلى درجة في القراءة، العلوم، والرياضيات.

-         نظام تربوي متساوٍ لأبناء المتوسطين وأبناء الميسورين على السواء.

-         بعد المرحلة الأساسية التي تدوم 9 سنوات، ينقسم التعليم إلى نوعين من التكوين: تكوين نظري يُقدم في المعاهد الثانوية التي تفضي إلى الجامعة وتكوين مهني يُقدم في المعاهد المهنية ويفضي إلى الحياة العملية ولا يُحضّر التلميذ للتعليم العالي.

-         ترتكز نجاعة هذا النظام التربوي على تحميل التلميذ مسؤولية نفسه منذ الصغر وترتكز أيضا على غياب التوتّر داخل المدرسة وفي المنزل لانعدام الرسوب وندرة الواجبات المنزلية.

-         حين يخاطِب التلميذ أستاذه، يقول له: أنت (tu) و ليس أنتم (Vous). ولعل في هذا السلوك حكمة تتمثل في عدم تقديس الأستاذ حتى يتمكن التلميذ من معارضته ونقده - إن لزم الأمر- ولكن بكل بأدب ولياقة واحترام خاصة عندما يناقشه في العدد. لا يسلّم التلميذ بكل ما يقوله الأستاذ دون استغلال حقه في الشك والغربلة والمراجعة حتى يستطيع تحديد موقف شخصي نقدي  وهذا ما يساعده على التدرّب على المعارضة والجهر بكلمة لا. كلمة "لا" هي أول كلمة في التوحيد -لا إله إلا الله- لو تفكّر المؤمنون وواضعو البرامج التعليمية التونسية والمدرسون المنفذون للسياسة التربوية.

-         يتوفّر التعليم العالي الفنلندي على نوعين من المؤسسات: الجامعات التي تُعدّ الطالب للبحث العلمي وتقدّم مزيدا من التعليم النظري، أمّا المعاهد متعدّدة التقنيات فهي تفضّل التطبيقات العملية. مثلا: يتخرج الطبيب من الجامعة ويتخرج الممرّض من المعاهد متعدّدة التقنيات.

-         يُعفَى الطالب من دفع الرسوم الجامعية تماما ويتمتع بمنحة دراسية، قد يُحرم منها عند الرسوب. قد لا تغطِّي هذه المنحة مصاريف واحتياجات الطالب غير التعليمية فتساعده الدولة وتوفر له شغلا موازيا أو تمكنه من قرضٍ على الشرف.

-         في فنلندا يُطبّق برنامج "الجامعة المفتوحة"، أتمنى أن تسير على خطاها الجمعية التونسية الجديدة المسماة "الجامعة الشعبية محمد علي الحامي" لو تولاها مثقفون جديون غير إيديولوجيين وغير إقصائيين. هذه "الجامعة المفتوحة" الفنلندية تمكِّن الطلبة المنقطعين عن التعليم مبكرا بمتابعة دروس الجامعة بصفة فردية. تستقبل هذه الجامعة طلبة أحرارا من كل المستويات ومن كل الأعمار دون شروط مسبقة نظير مقابل زهيد (بالنسبة لهم) لا يفوق 60 أورو لكل درس يُنجَز (60 euros, l’équivalent de 120 dinars tunisiens).

-         يرافق  هذا التفوّق العالمي الذي تنفرد به المدرسة الفنلندية، غياب التفقد البيداغوجي بصيغته التونسية الحالية في 2010. عن اقتناع تام بعدم جدوى التفقد البيداغوجي وانطلاقا من التجربة الفنلندية الناجعة والناجحة عالميا، أطالب وبإلحاح وزارة التربية التونسية بإلغاء التفقد البيداغوجي بصيغته الحالية من المدارس التونسية الأساسية والثانوية أمّا الجامعة التونسية فهي -ولحسن حظ زملائنا الجامعيين- خالية منه منذ نشأتها. للتوضيح، أنا لا أطالب بإلغاء التفقد البيداغوجي دفعة واحدة وجملة وتفصيلا بل أطالب في البداية بتحديد مقرّ نشاطهم في المراكز الجهوية للتكوين المستمر (CREFOC) حيث ينحصر نشاطهم في الإشراف على تأطير وتكوين الأساتذة بمساعدة أساتذة جامعيين أو مختصين من أساتذة الثانوي الأكفاء وأعتبر هذا النشاط نشاطًا مهما ومتكاملا ومفيدا جدا. أودّ من كل قلبي أن لا يزور المتفقدُ الأستاذَ في القسم إلا للإرشاد العلمي والبيداغوجي والتعلّمي والمساندة المعنوية والتشجيع ومحاولة  التقليل من آثار التوتّر الناتج عن مهنة التدريس الشاقة وظروف العمل القاسية ونقص التجهيزات في المخابر وتدهور القدرة الشرائية للمدرّس. أنا -بصدق ونية صافية - لا أحمل موقفا شخصيا عدائيا من التفقد والمتفقدين خاصة بعد ما صالحني أحدهم مع نفسي ومعهم بعد 20 عاما تدريس، يومَ طرق باب قسمي، وقبل أن يدخل طلب مني بكل لطف وأدب واحترام الإذن في الدخول، أذنت له طبعا وزادني أربع نقاط ونصف في عدد التفقد ليصبح ثلاثة عشر ونصف. لكنني أحمل موقفا فكريا ووجهة نظر "علمية" ذاتية -قد تكون خاطئة- من التفقد البيداغوجي بصيغته التونسية الحالية. شخصيا أكنّ لبعضهم كل الاحترام والتقدير والتبجيل وأشهد بكفاءتهم العلمية والبيداغوجية والتعلّميّة وأخص بالذكر ستة ممّن عاشرتهم وخبرتهم من متفقدي علوم الحياة والأرض. ثلاثة منهم تفقّدوني وعملت معهم في الوقت نفسه أستاذا مُكوّنا. واحد منهم أنصفني أيّما إنصاف عندما زارني في القسم وزادني ثلاث نقاط و نصف في عدد التفقد ليصبح 17 على 20 بعد ما ظلمني -قبلها بعشر سنوات-  أيّما ظلم خلال زيارتين متقاربتين بشهر وخفّض لي حينذاك العدد من 16 إلى 9 على 20. أما الثلاثة الآخرون فهم أصدقاء وزملاء مرحلة ثالثة متخرّجون جدد من معهد قرطاج للتفقد ويتمتعون بكفاءة علمية عالية في الاختصاص وفي البيداغوجيا وفي تعلّميّة البيولوجيا ويتميّزون بسمعة جيدة لدى الزملاء التابعين لدوائر عملهم. أوجّه لهم من خلال هذا المقال تحياتي القلبية وتمنياتي لهم بالنجاح في مهنتهم النبيلة. والدليل القاطع أنني لا أكره التفقد والمتفقدين، أنني ما تمنيت في حياتي أمنية أعظم من أن أمارس هذه المهنة النبيلة لكن حسب المواصفات العلمية التي درستها أو اطلعت عليها أو سمعتها من أهل الذكر. (مصدر من المصادر: Wikipédia)


المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 374-382).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي بحمام الشط (23139868)، أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire