mardi 29 décembre 2020

هل يحق للأستاذ أن يتباهَى بتلامذته المتفوّقين الذين تخرّجوا أطباء ومهندسين ؟ مواطن العالَم

 


1.     يبدو لي أن الأستاذ الذي يتباهَى بتلامذته المتفوقين الذين تخرّجوا أطباء ومهندسين هو أستاذٌ قد أخطأ مرتين: المرة الأولى، أخطأ في حق نفسه لأنه نسي أن فَشَلَ التلامذة غير المتفوقين -وهم عادة أكثر- سوف يُنسَبُ إليه أيضا. المرة الثانية، أخطأ في حق هؤلاء المتفوّقين لأنه نَسَبَ نجاحَهم إليه، أي تباهَى بإنجاز ليس هو مَن صَنَعَه على الأقل جزئيا.

2.     يبدو لي أن هذا الأستاذ الشاكِر نفسه قد ظلَمَ تلامذته -ربّما عن حسن نية- مرتين أيضا: المرة الأولى، ظلمَ تلامذته غير المتفوّقين لأنه لم يصنع منهم متفوّقين خاصة وهو يحاول أن يوهِم السامعين بقدرته العجيبة على صُنعِ العباقرة. المرة الثانية، ظلَمَهم لأنه ميّز عليهم، خلال دراستِهم ودون وجه حق، زملاءَهم المتفوّقين.

3.     يبدو لي أن هذا الأستاذ قد انحاز حيث يدّعي أنه عَدَلَ: قدّم مساعدةً أكبرَ لمَن ليسوا في حاجة إلى مساعدته من التلامذة المتفوّقين (جلهم أولاد أغنياء أو أولاد مثقفين أو أولاد متوسطي الحال تلقوا دروسًا خصوصيةً خارج المعهد)، وكان الأجدَرَ به أن يقدّم هذه المساعدة لمَن هم في حاجة ماسّة وأكيدة إليها، أعنِي بهم الأكثرية غير المتفوّقة التي تتعرّض إلى صعوبات تعلّمية ولا تنتظر مساعدة إلا منه هو فقط وليس لها أحد غيره (عادة ما يكونوا مِن أبناء الفقراء والمحتاجين الذين لا يقدرون على دفع ثمن باهظٍ مقابل الدروس الخصوصية).  التلامذة يأتون إلى المدرسة وهم غير متساوين، لكل واحد منهم إرثه الجيني ورأسماله الثقافي العائلي (المستوى التعليمي والثقافي للأب والأم والإخوة والأخوات وحضور المكتبة أو غيابها في المنزل)، وواجب المدرس يتمثل إذن في العدلِ بين تلامذته -العدلُ وليس المساواةَ-  وذلك بتقديم مساعدة أكبر للأقل حظ فيهم.

4.     يبدو لهذا هذا الأستاذ أنه أعدَلُ من الفاروق عندما قدّم درسًا موحدًا إلى تلامذة مختلفي القدرات الذهنية نتيجة اختلاف موروثهم الجيني وحالتهم المادية والاجتماعية والثقافية، وهو بصنيعه هذا نسي أنه ظلم الأقل حظًّا. 

5.     يبدو لي أن هذا الأستاذ غيرَ المطّلِعِ على مزايا المدرسة البنائية أو غيرَ المؤمِنِ بنجاعتها (L`école constructiviste de Piaget, Vygotsky et les néo-piagétiens : l`élève construit son savoir lui-même avec l`aide de son prof et ses pairs)، المدرسة التي تقول أن ذكاء التلامذة لا يُرَتّبُ 

(Le biologiste, généticien et essayiste français, Albert Jacquard a dit: On ne peut pas catégoriser l`intelligence)،  

وقال فيـوتسكي أن الذكاءَ الخفيَّ المحتملَ لا يَراهُ إلا الأساتذة المستنيرون بعلوم التربية والديداكتيك وهُمُ للأسف الشديد قلة قليلة جدا (La ZPD de Vygotsky: Zone Proximale de Développement mental de l`élève). هذا الأستاذ المغترّ بنفسه والذي يمشي على الأرض مرحًا، هذا الأستاذ الراضِي عن نفسه رضاءُ الجاهل الذي لا يعي أنه جاهلٌ، هذا الكائن الغريب العجيب لا زال يطبق التعاليمَ الباليةَ للمدرسة السلوكية (L`école béhavioriste de Watson et Skinner: on donne à l`élève une question, on attend de lui une réponse et on ne cherche pas plus loin)، المدرسة السلوكية التي تعتبر التلميذَ عجينةً مرنةً نشكّلها كما نشاءُ أو إناءً فارغًا نملؤه بما نريدُ أو فأرَ تجارِبٍ نرسمُ له مسبقًا مدخلَ المتاهة ومَخرجَها.

6.     يبدو لي أن هذا الأستاذ المسكين، الذي يشعر بالتفوق لمجرّد تفوق تلامذته ولا يشعر بالفشل لفشل تلامذته، يجهل أن التفوقَ ليس من عنده والفشلَ أيضا ليس من عنده. التفوقُ والفشلُ يا سِيدِي هما انبثاقان (Émergence) ينتجان عن تفاعلٍ معقّدٍ ومستمرٍّ (Interaction complexe et permanente) بين قدرات التلميذ الذهنية الوراثية (Son patrimoine génétique) وقدراته المكتسبة من المحيط التربوي (Ses acquis mérités)، أعني بالمحيط، البرنامج ووسائل التعلم والبِنية التحتية للمدرسة والحالة المادية والاجتماعية والثقافية لعائلة التلميذ نفسه، إلخ، وما الأستاذ إلا حلقة من هذه الحلقات المترابطة والمتشابكة، حلقة مهمة، أكيد، لكنها ليست محدِّدَة في تربية التلميذ.

 

خاتمة:
يبدو لي أن الأستاذَ المثاليَّ هو أستاذٌ مُطالَبٌ بالزرعِ دون انتظار الحَصَدِ. هو إذن زارِعٌ وليس بِحاصِدٍ. هو مطالبٌ بالعطاءِ دون انتظار الجزاءِ. هو لا يدري أنه يملك كنزًا لا يفنَى، كنزٌ فريدٌ من نوعه، كنزٌ يزيدُ كلما زاد العطاءُ منه، كنزٌ اسمه العِلمُ. هنيئًا له وطُوبَى له، فاز في الدنيا وفي الآخرة. فهو في عالم المُثُلِ يُعدُّ من أغنى الأغنياء وأشرفُ العطّائينَ جميعًا من حاتم الطائي إلى بيل ڤيتس!

 

إمضائي: على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 4 جوان 2016.

Haut du formulaire

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire