المصدر: كتاب
"مسرح سعد الله ونّوس بين التوظيف التراثي والتجريب الحداثي"، محمد
عزّام، منشورات دار علاء الدين، الطبعة الثانية 2008، دمشق، 264 صفحة.
صفحة 91: أما ابن خلدون فيصف مقابلته المنفردة لتيمور: "ومد
يده فقبلتُها. وأشار بالجلوس فجلستُ حيث انتهيتُ، ثم استدعى من بطانته الفقيه عبد
الجبار فأقعده يترجم بيننا. ففاتحته وقلتُ: أيدك الله، لي اليوم ثلاثون أو أربعون
سنة أتمنى لقاءك. فقال: وما سبب ذلك؟ فقلت: أمران، الأول أنك سلطان العالم وملك
الدنيا، وما أعتقد أنه ظهر في الخليقة منذ آدم لهذا العهد ملك مثلك، ولست ممن
يقولون في الأمور بالجزاف، فإنني من أهل العلم. والأمر الثاني هو ما كنت أسمعه من
المنجمين والأولياء بالمغرب عن ظهور ثائر عظيم في الجانب الشمالي الشرقي يتغلب على
المماليك، ويقلب الدول ويستولي على أكثر المعمور. فسرّه كلامي وتبسّط معي وقال لي:
أين مولدك؟ فقلت: بالمغرب الجواني. فطلب مني أن أكتب عن بلاد المغرب كلها، أقاصيها
وأدانيها، وجبالها وأنهارها، وقراها وأمصارها، حتى كأنه يشاهدها. فقلتُ يحصل ذلك
بسعادتك".
هكذا يُوضَع العِلم الوطني في
خدمة الغازي الهمجي. وهل أكثر من ذلك وُلوغا في الخيانة، واستمراءً في التزلف؟
صفحة 92: ولا شك أن ابن خلدون كان يدرك أبعاد الموقف جيدا، ويدرك
النتائج العظيمة التي يؤدي إليها الوصف الذي يقدمه لبلاده المغرب، ولكنه تغافل وتجاهل
كي يكسب مرضاة تيمور. مدعيا (الحياد العلمي) و(الجدارة العلمية) و(المثقف التقني)،
وما هذه كلها سوى تِعِلاّت لا تخفي انتهازية ابن خلدون وطمعه في مال أو جاه يناله
من تيمور الذي آلت إليه الأمور.
على الرغم من أن الولاة والسلاطين
لم يقصّروا تجاهه، فقد كلفه كل مَن عرفه منهم، بالقضاء. وظل طوال حياته يتقلب في
المناصب والمراتب، وحتى عندما حضر في ركاب السلطان من مصر فقد كان قاضي المالكية
فيها.
وتاريخنا القديم يحتوي على
مثل هذا الموقف ونقيضه، فقد وُجّه اللوم للغزالي لأنه اعتزل الحروب الصليبية وآثر
الابتعاد للتأليف بدلا من الإسهام في الحضّ على الجهاد، ولكنه لم يُعِن العدو على
بني قومه.
ونقيض هذا الموقف موقف العزّ
بن عبد السلام الذي تولى منصب الإفتاء في مصر، وكان جريئا في الحق، شديدا في
معاملته للحكام.
صفحة 93: والعودة إلى المصادر التي تناولت ابن خلدون ورسمت صورة
ثابتة له. كان يعنيها إظهار الجانب النظري من علمه، دون كبير التفات إلى الجانب
السلوكي من حياته، رغم أن ونوس لم يفتئت عليه، ولم يضف إليه أدنى مبالغة، بل حاول
أن يكون موضوعيا جدا في رسم صورته وسلوكه في لقائه بتيمورلنك، مستمدا معلوماته من
المصادر التاريخية القديمة.
صفحة 94: وقد اختار ونوس فترة قصيرة من حياة ابن خلدون لا تتعدى
الشهرين، هي الفترة التي أقامها في دمشق، ولم يتطرق إلى باقي حياة هذا الرجل وإنجازاته
العلمية في مجال التاريخ إلا عرضا، وإنما وصف موقفا واضحا من مواقف ابن خلدون وهو
لقاؤه بتيمورلنك.
تاريخ أول إعادة نشر على
مدونتي وصفحتيّ الفيسبوكيتين:
حمام الشط، الأربعاء 8 ماي 2014.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire