dimanche 20 décembre 2020

حوارٌ، أغلبُه صامتٌ، دار بيني وبين أحدِ رُوّادِ مقهى الشيحي مِنَ الذين يصنفُهم البعضُ خطأً في خانةِ "غير عادي" ؟ مواطن العالَم

 

 

ملاحظة ديونتولوجية: لقد طلبتُ إذنَه في النشر، أذن لي (عادة دأبتُ عليها).

ملاحظة توضيحية: لا أعرف اسمَه ولا لقبَه ولا مهنتَه ولا مستواه التعليمي أو الثقافي ولا محلَّ إقامتِه ولا أعرفه في الفيسبوك. شاب تقريبًا في الأربعين، من الروّادِ الجُدُدِ لكنه لا يأتي إلا لماما. وعندما يأتي يقول لي دومًا: "صباح الخير أستاذ". أردُّ على تحيته بمثلها، ثم ينزوي وحيدًا مثلي في طاولة غير بعيدة عني. هل هو يعرفني في الواقع أو في الافتراضي.. الله أعلم.

 

منذ يومَين، بعد تحية الصباح المعتادة ودون مقدمات، توجه لي بالسؤال التالي: "ما الفرق بين العقل والتعقل؟" ثم أردف: "خمّم في عقلك" وغادرَ.

أخذتُ سؤالَه مأخذ الجد ومن الصدف الغربية أنني قرأتُ أخيرًا للفيلسوف إدﭬار موران مقدمة تقارب نفس الموضوع (العقلانية والعقلنة: La rationalité et la rationalisation )، ونشرتُ عنها مقالاً بتاريخ  4 أكتوبر 2020. في الغد، طبعتُ لأجله هذا المقال، لم يأتِ.

اليوم أتي، "صبّحَ"، "صبّحتُ"، ناولتُه المطبوعة (تجدون نص المقال أسفله)، أخذها، نظّف طاولتي، غيّر المنفضة، جلب لي قارورة ماء صافية بلاّر وكوب "جوتابل"، ثم عاد إلى طاولتِه. بعد برهةٍ قصيرةٍ، رجع وناولني جذاذة صفراء كُتِبَ عليها بالقلم الأحمر حَرفيًّا الآتي: "بسم الله الرحمان الرحيم سيدي وسيادة المربّي لولا التعقل ما جاءت كلماتكم معلِّمة شكرًا إمضائي". ثم كرر نفس الحركة في مرّتين متباعدتَين قليلاٌ. في الثانية، كتب: "هل نضرية دارْوين نجحت في الانضمام إلى العقلانية البنائية؟ وإلى مَدَى؟ شكرًا". في الثالثة، كتب على غلاف ظرف بريدي أبيض فارغ: "بسم الله الرحمان الرحيم سيادة المفكّر [المفهوم الحقيقي للخلافة في الأرض] صمت لسان عقلي إحتراما ونطق لسان قلبي قائلا: أحبّكَ سيدي الكريم [تحدّث تعرف] [تحدّث = فكّر].

انتهى الحوار.

 

ملاحظة أخيرة: هل يحق لبشرٍ أن يصنّفَ بشرًا آخرَ ؟ أيهما "غير عادي" المُصَنَّفُ أم المُصَنِّفُ ؟

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 20 ديسمبر 2020.

 

 

نَصُّ المقالِ المعنِي والمذكورِ أعلاه:

ما الفرق بين العقلانية (La rationalité) والعقلنة (La rationalisation)؟ نص الفيلسوف العظيم إدﭬار موران، ترجمة مواطن العالَم

1. نص الفيلسوف العظيم إدﭬار موران:

العقلانية تُميّز بين اليقظة والحلم، الخيال والواقع، الذاتي والموضوعي. العقلانية هي النشاط العقلاني للعقل الذي يعتمد على مراقبة المحيط -environnement (مقاومة الوسط للرغبات والخيال)، ومراقبة الفِعل (أنشطة التدقيق والتثبت والتحقق)، ومراقبة الثقافة (بالرجوع للمعرفة المشتركة)، ومراقبة الغير (هل ترونَ ما أرى؟)، ومراقبة القشرة المخية (ذاكرة، مسائل منطقية). بلغة أخرى، العقلانية هي التي تراقب وتصحّح وتصوّب كل أعمالنا.

العقلانية هي أفضل وقاية ضد الخطأ والوهم، أقصد العقلانية البنائية التي تنتج نظريات متماسكة وتتحقق من منطقيتها، العقلانية التي تحافظ على انفتاحها على مَن يخالفها في الرأي وإلا تحوّلت إلى عقيدة وانغلقت وأصبحت عقلنة ولم تعد عقلانية. من جهة أخرى توجد العقلانية النقدية التي تُمارَس خاصة ضد الأخطاء والأوهام والنظريات والمعتقدات.

لكن العقلانية تحمل في أحشائها أيضاً احتمال الخطأ والوهم عندما تنحرف عن مسارها، وهذا ما أشرنا إليه بالعقلنة: العقلنة تعتقد أنها عقلانية لأنها تُشَكِّلُ نظاماً منطقيّاً لا تشوبه شائبة، نظاماً يعتمد على الاستنتاج أو الاستقراء (déduction ou induction)، لكنها تعتمد أيضاً على دعائم مشوّهة أو خاطئة وتغلق بابَها على البَرهَنة والتجربة.

العقلنة منغلقة والعقلانية منفتحة. العقلنة تغرف من نفس العين التي تشرب منها العقلانية، لكنها تُشَكِّلُ مصدراً من أكبر مصادرً الأخطاء والأوهام. وبالتالي، إذا عقيدةٌ كانت خاضعةً إلى رؤية معينة للعالَم، رؤية ميكانيكية وحتمية (un modèle mécaniste et déterministe)، فهي لا يمكن أن تكون عقلانية بل هي عقلنة.

2. إضافة مواطن العالَم:

يبدو لي أن الإضافة هي مِن أصعب المهمات الفكرية، خاصة إضافة من قِبل غير فيلسوف (مواطن العالَم) على كلام فيلسوف (إدﭬار موران)، لكنني سأتجرّأ وأضيفُ مثالاً يجسّم العقلنة كمصدرٍ للأخطاء والأوهام، أعني به عقلنة الماركسية من قِبل الماركسيين الأرتدوكسيين الذين يحاولون أن يعقلنوا عقيدتهم (La rationalisation) ويُصبغون عليها تعسّفاً صفة "العلمية" ويُسمّونها اعتباطاً "الاشتراكية العلمية" (Le socialisme scientifique)، عقيدةٌ خاضعة إلى رؤية معينة للعالَم، رؤية ميكانيكية وحتمية.

مثال مقتضب على حتميتها: الحتمية التاريخية.

مثال مقتضب على ميكانيكيتها: لو غيرنا البنى التحتية الاقتصادية والاجتماعية فسوف تتغيّر البنى الفوقية الثقافية تقريباً أوتوماتيكيّاً.

مثال مقتضب على أخطائها الجسيمة: الديكتاتوريات الدموية التي حكمت في الدول الاشتراكية وانقرضت مثل ستالين في الاتحاد السوفياتي وماو في الصين وبول بوت في كمبوديا.

مثال مقتضب على أوهامها الكبيرة: الماركسية عقيدة خَلاصية وليست علمية (une doctrine messianique)، أي يعتقد معتنقوها أنها ستخلص البشرية من الفقر والجهل والجور والأشدّ وأنكَى أنهم يعتقدون جازمين أنها نهايةُ التاريخْ.

Référence biblio : Exergue Edgar Morin, in Apprendre par l’erreur, sous la coordination de Maridjo Graner et André Giordan, Ecole changer de cap (Article traduit en arabe par Mohamed Kochkar, docteur en didactique de la biologie, UCBL1, 2007.)

إمضائي:

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 4 أكتوبر 2020.

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire