لَمَاذا انهزم اليسار التونسي
في انتخابات
23 أكتوبر 2011؟ مواطن العالم د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام
الشط في 30 أكتوبر 2011.
أبدأ مقالي هذا بجملة
رائعة للفيلسوف المغربي عبد الله العروي، اليساري المتأقلم و الناقد بشدّة لهُويته العربية الإسلامية:
"لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف
كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه".
أستعير القالب التركيبي
لقولة عبد الله العروي، و أقول: "اليساري
التونسي ليس مُجبرا على التماهي مع مجتمعه التونسي العربي الإسلامي. لكن إذا
ما قرّر اليساري التونسي أن يمارس السياسة، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع
التونسي العربي الإسلامي، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه".
اليسار
التونسي عارض و ناضل منذ الستينات ضد بورقيبة، في الثمانينات انضمت قلة منه إلى
حكومة بن علي و انضمت قلة أخرى إلى حكومة جراد (المكتب التنفيذي للاتحاد العام
التونسي للشغل)، و انخرط السواد الأعظم- المنتمي منه وغير المنتمي - في
العمل النقابي، و داخل هذا الصنف الأخير يتواجد رفاقي محركو الإضرابات و التجمعات و
الاعتصامات و الاجتماعات منذ 1976. بقيت قلة قليلة تمارس النضال السري التام.
شارك
اليسار مع القوميين و الإسلاميين و الليبراليين - دون تنسيق مسبق - في التحضير
للثورة، كل من موقعه سجنا كان أو نقابة، داخل البلد أو خارجه. بدأ القوميون في محاربة
النظام البورقيبي قبل و بعد الاستقلال ثم تبادل اليساريون و الإسلاميون نهش جسم
النظام البورقيبي و البنعلي حتى سقط رأسه يوم 14 جانفي 2011.
من
أشعل فتيل ثورة 14 جانفي 2011 و عجّل
بهروب الطاغية ؟ أشعله عمال و أهالي الحوض ألمنجمي سنة 2008 بقيادة محلية نقابية
يسارية و مساندة قاعدة نقابية يسارية موسعة على كامل تراب الجمهورية التونسية، مع
التذكير بأن البيروقراطية النقابية المتمثلة في المكتب التنفيذي بقفصة بقيادة
العباسي و المكتب التنفيذي الوطني يتونس بقيادة جراد، تحالفا و وقفا ضد نضالات أهل
الرديف و جمّدا نشاط القائد النقابي المحلي عدنان الحاجي و تخليا عنه فوضعه بن علي
في السجن هو و عمروسية بوكت و غيرهم من المناضلين اليساريين الذين لا أعرفهم.
من أجج الثورة و نفخ في نارها من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011؟
أججها أصحاب الشهائد العاطلون عن العمل و الفقراء المهمشون في كامل
الجمهورية و اليسار النقابي القاعدي و القيادي بشقيه القومي و الماركسي في جميع
فروع الاتحاد العام التونسي للشغل بكامل
الجمهورية و شاركهم المثقفون و الممثلون و الأطباء و المحامون و الصحافيون و
الفيسبوكيون و المُدَوّنون. يبدو لي أن جل الإسلاميين القياديين
قد غابوا عن العرس الثوري
(من 17 ديسمبر 2010 إلى 14 جانفي 2011)، على الأقل مشهديا. تعرفت فقط على
بعض الأصدقاء القدامى من الإسلاميين في شارع بورقيبة يوم 14 جانفي، و هذا ليس دليلا
على عدم مشاركتهم في الثورة، قد يرجع عدم تعرّفي أنا عليهم أو عدم تعرف المتظاهرين
غير الإسلاميين على البقية منهم إلى الصورة النمطية
التي أحملها أنا و يحملها عنهم جل الناس و جل اليساريين منذ السبعينات.
أرجح أن تغيّب الإسلاميين في الثورة - لو ثبت علميا - يرجع إلى خمسة
احتمالات:
- لا نستطيع تفسير تغيبهم بهروبهم من المواجهة فهم
مِن بين أشجع من واجه بورقيبة و بن علي.
- لا نستطيع تفسير تغيبهم بعدم تحمل المسؤولية فهم
من أكثر المناضلين تحملا للنفي و التعذيب و التجويع و السجن الطويل.
- قد يُفسّر تغيبهم على
الساحة الثورية في كل مظاهرات المدن و القرى التونسية بطاعتهم لأوامر عليا لا تَرى
في خروجهم ضرورة أو مكسبا سياسيا في ذلك التوقيت الحرج و ذلك يرجع لحسابات حزبية
لا يعلمها إلا الله و زعماء النهضة.
- قد يُفسّر تغيبهم بما تركه
إرهاب نظامَي بورقيبة و بن علي في نفوسهم
المكسورة، إرهاب الحزب الحاكم، التجمع الدستوري الديمقراطي و إرهاب وزارة الداخلية
اللذان سُلّطا عليهم على مدى ثلاثة عقود متتالية مما جعلهم لا يصدّقون أن نظام بن
علي لم يعد يخيف المواطن التونسي.
- قد يُفسّر تغيبهم بتواجد
عشرات الآلاف منهم في السجون أيام العرس الثوري في الشارع التونسي.
شارك
اليسار في الثورة مشاركة فعالة و لم يجن ثمارها السياسية، زرع و روى و لم يحصد.
يبدو لي أن اليسار أقام عوائق إبستومولوجية بينه و بين الشعب، عوائق اسمها العَلمانية
و اللائكية و الشيوعية و الإلحاد و المساواة التامة بين المرأة و الرجل و حرية
الإبداع و التعبير المطلقة.
لو
شك عامل أو فلاح تونسي، مجرد شك، في عقيدة السياسي التونسي و هويته فلن يمنحه ثقته
و صوته حتى و لو وعده بمضاعفة مرتبه الشهري.
أستغرب
من مواقف بعض الأحزاب الشيوعية التونسية التي اعترفت سرا و علنا بأن هُوية الشعب
التونسي هي الهوية العربية الإسلامية و لا زالوا يحتفظون و يجاهرون بهويتهم
الماركسية اللينينية الستالينية و أطرح بالمناسبة ثلاثة أسئلة استنكارية:
- هل يمكن التوفيق سياسيا بين الهوية الأممية
الماركسية و الهوية العربية الإسلامية؟ لا أعرف من أوجه التوفيق إلا أن الإسلام و
الشيوعية يشتركان في فكرة الأممية لأن النظرية الماركسية تتجه إلى كل عمال العالم
و الرسالة المحمدية نزلت للعالمين و الناس أجمعين.
-
كيف يُنكر اليساري التونسي على الإسلامي التونسي توظيف هذا الأخير لمرجعيته
العربية الإسلامية، مرجعية المجتمع التونسي، و يبيح لنفسه استعمال مرجعية سياسية مستوردة؟
مع التأكيد على أن الفكر - خلافا للسياسة - عالمي أو لا يكون.
-
كيف يعيب الشيوعي على الإسلامي عدم إيمانه بالديمقراطية؟ هل الأنظمة الشيوعية كانت
ديمقراطية؟ أم الاثنان لا يريان عوج رقبتيهما.
أستغرب
من الأحزاب و لكن لا أستغرب من مواطن فرد، فنان أو مؤلف أو مخرج، فهو حر، يستطيع أن
يكفر أو يلحد، يطير و يجنّح في فضاء الإبداع كما يشاء. هذا حق تكفله له الشريعة
الإسلامية قبل القانون التونسي. لكن لو اختار الفرد التونسي ممارسة السياسة فهو
مجبر على التماهي مع مجتمعه التونسي العربي الإسلامي،
و عليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن
ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه و لا يخاطبه بهوية مقنعة. صدقوني، أنا لم أكتشف بعض الهويات
السياسية و الأيديولوجية المستترة لأصدقائي و رفاقي إلا بعد 20 سنة عِشْرَة في النضال النقابي،
و لم أعرف جيدا تفرعات اليسار و الإسلام السياسي التنظيمية السرية إلا أخيرا بعد
قراءة أطروحة لبشير ميشال العياري، ليون 2، يتحدث فيها بالتفصيل الممل على
المعارضة الإسلامية و اليسارية زمن بورقيبة و زمن بن علي و يسمّي المناضلين القياديين
بأسمائهم و يورد بعض علاقات المصاهرة بين المنتمين داخل التنظيم و يذكر
الأحكام المسلطة عليهم و يشهد بأن عديدا من اليساريين "قلبوا الفيسته" و
التحقوا بمراكزهم في نظام بن على مقابل قلة قليلة من الإسلاميين فعلوا مثل هؤلاء
الأخيرين.
يقرأ
بعض اليساريين كثيرا لماركس و لينين و ماو و ستالين و تروتسكي و سارتر و فرويد و
سيمون دي بوفوار و لا يقرؤون لغيرهم. يبدو لي أنهم تقوقعوا داخل سجن "عقلانية
و عَلمانية القرن الأوروبي التاسع عشر" التي لا تعترف بالعنصر الديني كعامل مادي
مؤثر في البنى التحتية (شروط الإنتاج المتمثلة في المناخ و الثروات الطبيعية + قوى
الإنتاج المتمثلة في الأدوات الميكانيكية للإنتاج + علاقات الإنتاج المتمثلة في
الطبقات الاجتماعية و الهيمنة و الاغتراب و اليد العاملة) و في البنى الفوقية (المؤسسات
السياسية و القوانين و الدين و الفكر و الفلسفة و الأخلاق).
يبدو
لي أن الفترة السياسية الحالية تحتاج إلى تيار يساري متطور و متجدد، تيار يقطع مع
الأيديولوجيا الماركسية بجميع تفرعاتها اللينينية و الستالينية و الماوية و التروتسكية
و الشيقيفارية و الكستراوية، تيار يحتفظ باللب و يلفظ القشرة، يحتفظ بمبدأ العدالة
الاجتماعية و يلفظ نهائيا و علنيا ديكتاتورية الحزب الواحد الحاكم باسم
البروليتاريا. جل اليساريين يعتزون بأنهم تربوا سياسيا و فكريا في العائلة
النقابية اليسارية و كانت نعم التربية. بعضهم لم
ينبتّ عن مجتمعه العربي الإسلامي و نزع عن نفسه "الزبد"
الأيديولوجي اليساري الذي ذهب بطبيعته جفاء و تمسك بما يمكث في الأرض و ينفعه و
ينفع طبقته المتوسطة - المتكونة من "العمال بالفكر و الساعد" - و يرجع
بالخير على المجتمع كله، نساء و رجالا، بجميع طبقاته بما فيها الطبقة البرجوازية و
طبقة الفقراء المعدمين و طبقة العاطلين عن العمل بشهائد أو دون شهائد و طبقة
المبدعين و الفنانين و الكتاب و المفكرين. احتفظ هذا التيار اليساري المتطور و
المتجدد بمكسب واحد من مكاسب النظرية الماركسية، و هو مبدأ العدالة الاجتماعية
الذي يمثل الركيزة الأساسية للنظرية
الاشتراكية، و هذا مكسب ليس بالهيّن لو تَفَكّر اليساريون قليلا و تبنوا هذا
التعريف الاجتماعي السياسي المبسط لليسارية المتأقلمة مع مجتمعها التونسي العربي
الإسلامي و المفرغة حقا و ليس تكتيكا من محتواها المناقض للحضارة التونسية العربية
الإسلامية، هوية و مرجعية الأكثرية الساحقة للمجتمع التونسي.
تتنافى
العدالة الاجتماعية مع الربح السهل و استغلال عرق "العمال بالفكر و
الساعد" و ما تدعو إليه من فكر و ممارسة لا يتناقض تماما مع ما تنادي به جميع
الأديان بما فيها الإسلام و ما تطرحه كل الأيديولوجيات بما فيها الماركسية.
مفهوم
العدالة الاجتماعية ليس مفهوما لقيطا تكفله نظرية سياسية متى تشاء و تتنكر له متى تشاء. العدالة الاجتماعية لا تكتفي بالعدل السطحي و المشهدي بل
ترسي عدالة فعلية ليست شكلية.
لماذا
لا يتأقلم اليسار التونسي مع مجتمعه التونسي العربي الإسلامي؟ كيف؟
رغم
أنني لا أؤمن بما يؤمن به اليسار التونسي المنظم من وجوب تقديم البديل عند النقد
لكنني سأحاول الاجتهاد في هذا المضمار و أدعو بكل لطف اليساريين التونسيين
للنضال على الجبهات التالية و مراجعة برامجهم الحزبية إن ارتأوا ذلك و إن لم يرتؤوا
ذلك فـ"أهل مكة أدرى بشعابها":
1. كبح جماح الربح
السهل و السريع:
لا
يتأتى ربح رجل الأعمال الرأسمالي من التقوى حتى ندعو له أن يبارك الله في ماله،
تاجرا كان أو مصنّعا أو فلاحا! يتأتى ربحه من القيمة الهامة و الضرورية التي
يضيفها العامل للمادة الأولية بواسطة العمل و وسائل الإنتاج. نريد تقليص هامش ربح
الرأسمالي بالزيادة في أجور العمال بالفكر و الساعد و بفرض ضريبة تصاعدية على رؤوس
الأموال و بتخصيص جانب من الربح للبحث العلمي و التكنولوجيا. أذكّر بالمناسبة أن
الرأسماليين التونسيين الذين يملكون الأرض و ما عليها يشاركون بنسبة 11 في المائة
فقط في مجموع ضرائب الدولة التونسية في حين يدفع الأجراء المعذبون في الأرض صاغرين
حصة الأسد من الضرائب.
2. حماية الاقتصاد
الوطني من المنافسة الخارجية:
من
واجب الدولة الوطنية أن تحمي اقتصادها الناشئ من المنافسة غير المتكافئة المسلطة
عليه من الواردات غير المشروعة و غير الخاضعة للمواصفات العالمية و هذا ما تفعله
بالضبط الولايات المتحدة الأمريكية، أقدم و أكبر الدول الرأسمالية.
3. تشجيع الفلاحة المحلية:
من
واجب الدولة الوطنية أن تشجع فلاحيها بشراء منتجاتهم و لا تتركهم لعبة في يد بعض
الوسطاء الرأسماليين، يحتكرون السلع الحياتية للمواطن و يرفعون في الأسعار و
يسكبون الحليب المغذي في الشارع أمام عدسات الفضائيات دون أي إحساس بالمصلحة
العامة.
4. إدماج العامل
الأخلاقي في المعاملات التجارية للشركات الرأسمالية:
و
قد فعلته دولة رأسمالية كدولة النورفاج و قننت تجريم التعامل مع الشركات الأجنبية التي تشغل
الأطفال أو تنتج الأسلحة المحرمة دوليا أو تتعامل مع المستوطنين الصهاينة.
5. تخصيص حصة من ريع
الثروات الطبيعية الحالية للأجيال القادمة:
و
قد فعلتها دولة رأسمالية كدولة النورفاج و أنشأت "صندوق الأجيال
القادمة" يُموّل من عُشر رَيع النفط و الغاز الطبيعي و المناجم.
6. مجانية التعليم:
و
قد ضمنتها دولة رأسمالية كدولة فنلندا. في فنلندا الغنية يوجد أفضل نظام تعليمي في
العالم: تعليم مجاني، أدوات مدرسية مجانية، نقل مجاني من البيت إلى المدرسة و من
المدرسة إلى البيت، وجبة يومية متوازنة مجانية، منحة جامعية لكل الطلبة مع الإشارة
و التذكير بأن كل هذه المكتسبات الفنلندية، سبق و إن تمتعت بها و أنا جيلي من التلامذة و الطلبة في
تونس الفقيرة من 1965 إلى 1974 فترة الثانوي و العالي و تونس الستينات ليست أفقر
من تونس 2011 و تلامذة تونس الستينات ليسوا أعز على أبائهم و أمهاتهم من تلامذة
تونس 2011. الفرق حسب رأيي يكمن في الظرف العالمي و في نوعية النظام الحاكم في
الستينات. أما اليوم فقد أحكمت الامبريالية الأمريكية و الأوروبية و الآسيوية
قبضتها الحديدية على مصائر شعوب دول العالم الثالث و عينت و شجعت طغاتها و سيطرت على سياساتهم الداخلية و
الخارجية و أصبحت تقرر مكانهم ثمن الرغيف و سياسة التعليم في بلدانهم المستقلة ظاهريا
و المحتلة فعليا.
7. إدماج تعليم
القيم العلمية في تدريس العلوم:
مثل
الأديان و الأيديولوجيات، لا يخلو العلم من قيم سامية لذلك يجب حث مدرسي العلوم في
الابتدائي و الثانوي و العالي على تدريس القيم العلمية. على مدرسي العلوم أن لا
يقتصروا على تدريس المعارف الجافة بدعوى أن العلم موضوعي و محايد. لم يكن العلم
يوما محايدا و موضوعيا. العلم ينتجه علماء و العلماء بشر مثلنا يتأثرون بما نتأثر.
يجب على مدرسي العلوم أن لا يستقيلوا و يتخلوا عن واجبهم التربوي الأخلاقي و أن لا
يتركوا مهمة تربية الأجيال القادمة إلى وسائل الإعلام الكلاسيكية و الحديثة غير
المؤهلة لمثل هذه المهمة النبيلة. على سبيل الذكر لا الحصر أورد بعض القيم العلمية
السامية التي قد يجر نقيضها إلى العنصرية و الإضرار بالنفس و بالجيل الحالي و
القادم: مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل و ليس
مماثلا له و الذكاء لا يرتبط بوزن أو حجم المخ فالمرأة إذن ليست أقل ذكاء من
الرجل. الذكاء و العنف و الإبداع و الإدمان (على التدخين أو المخدرات أو الخمر) و
الشذوذ ليسوا بصفات وراثية مائة بالمائة. كل الصفات البشرية السلوكية البيولوجية و
النفسية هي صفات وراثية مائة بالمائة و مكتسبة مائة بالمائة في الوقت نفسه و ذلك
ناتج عن التفاعل المستمر بين الوراثي و المكتسب داخل كل خلية في الجسم. كل الأمراض
البشرية بيولوجية مائة بالمائة و نفسية مائة بالمائة و ذلك ناتج عن التفاعل
المستمر بين البيولوجي و النفسي في جسم الإنسان. الوقاية خير من العلاج و يجب
التدليل على ذلك في الدرس. الأغذية البيولوجية أفضل للجسم من الأغذية المعروضة
حاليا في أسواقنا. الفلاحة البيولوجية أفضل من الفلاحة العصرية لأنها لا تستعمل
أسمدة كيميائية مصنعة و لا مبيدات حشرات و لا مبيدات أعشاب بل تستعمل الأسمدة
العضوية الطبيعية و تقاوم الحشرات مقاومة بيولوجية (حشرة تأكل حشرة) و تحافظ على
التوازن الطبيعي و تحمي التنوع البيولوجي الحيواني و النباتي و تسعى إلى تركيز
التنمية المستديمة في صالح الأجيال القادمة. تطوير و مكننة استغلال مصادر الطاقة
المتجددة كالشمس و الماء و الريح و لنا منهم الكثير و الحمد لله.
8. تقليص الدروس النظرية في التعليم و إعادة
الاعتبار للتعليم المهني و التطبيقي:
و
قد فعلتها دولة رأسمالية كدولة ألمانيا حيث تُوجّه الدولة 70 في المائة من
تلامذتها - بعد عشر سنوات تعليم أساسي - إلى التعليم المهني المحترم الذي يفضي إلى
التعليم الجامعي إن رغب التلميذ في ذلك.
9. مجانية الصحة و
ضمان جدواها و فاعليتها و تشجيع الوقاية:
في
حين يدفع الأجير التونسي نسبة محترمة لصندوق الضمان الصحي فهو لا يجد دواء متوفرا
و لا علاجا جيدا في المستشفيات العمومية و لا يقدر ماديا على مجابهة مصاريف العلاج
الجيد باهظ الثمن في المتشفيات الخاصة ذات الخمس أو ست نجوم. يجب على الدولة أن
توفر طبيبا مختصا في الوقاية في كل مستوصف تونسي و أن ترسل البعض منهم يجوبون
الجبال و الصحاري لتوعية الناس بأهمية الوقاية في الحفاظ على الصحة و تجنب بعض
الأمراض.
10.
سيطرة الدولة دون الخواص على القطاعات الحياتية
الإستراتيجية:
تكونت
الثروات الطبيعية (النفط و الغاز الطبيعي و الفسفاط و الحديد و غيرهم) في الأرض
عبر ملايين السنين فلا عليسة و لا الرومان و لا الفاتحين المسلمين و لا بورقيبة و
لا بن علي و لا تونسي واحد له فضل في وجودها. فهي إذن ملك للجميع. على الدولة أن
تشرف بمفردها على قطاع توزيع الماء و الكهرباء و الغاز.
11.
قضية المرأة:
أيها
المَدينيون (سكان المدن)، البرجوازيون الكبار و المثقفات و المثقفون البرجوازيون
الصغار، ارفعوا أيديكم الناعمة عن قضية المرأة و اعتقوا المرأة التونسية و اتركوها
تحل مشاكلها بنفسها! لو كنتم صادقين في الدفاع مثلا عن حقوق المرأة الريفية
التونسية لَمَا رفضتم العمل مثلا كأطباء مختصين في مناطق الظل. لم أسمع و لم أر
يوما رجلا ريفيا يدافع عن المرأة لا لأنه يجهل حقوقها بل لأنها هي واعية بحقوقها و
تفرضها فرضا على الرجل الريفي المعتد برجولته. قد تكون المرأة الريفية التونسية
أرجل من الرجل المَديني! أما المرأة المدينية فقد أثبتت تحررها من سيطرة الرجل بخروجها
اليومي الإرادي في مظاهرات ثورة 14 جانفي. أبهرت المرأة التونسية العالم بمشاركتها
المكثفة في انتخابات المجلس التأسيسي الأخيرة و أعجبتني أنا باستقلاليتها حيث منحت
صوتها لمن تريد و ليس لِما يريد زوجها أو ابنها. هي بشر كامل، ليست أقل و ليست مماثلة
للرجل، يفوقها و تفوقه في أداء بعض الواجبات، و يمتاز عليها و تمتاز عليه في
التمتع ببعض الحقوق حتى حق الإرث في الإسلام. يحترم المواطن التونسي أمه و أخته و
جارته و زميلته. المرأة الريفية تعمل جنبا إلى جنب مع الرجل و في بعض المناطق تعمل
أكثر منه. ملايين من التونسيين و التونسيات ربتهم نساء أرامل أحسن تربية. نحن نعرف
أن الرجل التونسي يميل في السكن مع زوجته حيث تميل و هذا دليل قاطع على قوة شخصية
المرأة التونسية. الموظفة التونسية تحصل على مرتب مساو للرجل. عشرات المئات من أبناء و بنات سجناء اليسار و عشرات الآلاف
من أبناء و بنات سجناء النهضة، قامت بشؤونهم على أحسن ما يُرام، نساء مناضلات.
المرأة التونسية محررة، المرأة التونسية محررة، بن علي هرب، بن علي هرب.
12.
عمال القطاع الخاص:
على
مدى عقدين أو أكثر، سيطر اليسار على جل النقابات في القطاع العمومي و لم ينجح في
تأطير عمال القطاع الخاص. لو وجه نشاطه إلى هذه الشريحة الكبرى من العمال و
العاملات لحسّن أجورهم و كسب فيهم ثوابا انتخابيا.
13.
المساواة في حرية التعبير:
ينادي
اليساريون بحرية التعبير، حرية التعبير لمن؟ لهم كمثقفين أو للعمال و الفلاحين؟ هم
تحصلوا على بعضها بنضالهم و البعض الآخر بفضل الفيسبوك أما العمال و الفلاحين فلم يتحصلوا على شيء حتى بعد الثورة. حرية التعبير
كذبة كبرى صنعتها البرجوازية و روجتها رابطات حقوق الإنسان لطمأنة المواطن العادي
و إيهامه بأنه تحصل على حق و هو في الواقع عاجز عن تفعيل هذا الحق المزيف: هل يتساوى
"مردوخ" مالك و ملك الإعلام البريطاني مع أي مواطن بريطاني في حرية
التعبير؟ هل يتساوى "شيخ روحه" مالك
جريدة الصباح التونسية سابقا مع أي مواطن تونسي في حرية التعبير؟ هل يتساوى
العربي نصرة باعث القناة مع فقراء الريف في حرية التعبير؟ حرية التعبير هي كلمة حق
أُريدَ بها باطل، من يملك وسائل الإعلام هو الوحيد الذي يتمتع بحرية التعبير أما
السواد الأعظم من الشعب فلا حرية له و لا تعبير له.
تحت
لواء هذه اليسارية التونسية العربية الإسلامية المتطورة و المتجددة، يستطيع أن
ينضوي "العمال بالفكر و الساعد" الاشتراكيون و القوميون و الإسلاميون
دون تستر أو نفاق أو تقية و دون تناقض مع مرجعيتهم الأصلية الدينية أو الفكرية أو
الأيديولوجية.
يبدو
لي أن الأنظمة السياسية الأسكندنافية انبثقت من تفاعل مكتسبات النظرية الاشتراكية مع
مكتسبات النظرية الرأسمالية. أسست هذه الأنظمة دولا تتوفر فيها نسبيا العدالة
الاجتماعية و استطاعت إلى حد كبير أن تتجنب سلبيات الاشتراكية و سلبيات الرأسمالية.
ملاحظة هامة
أنبه قرائي الكرام إلى أن المقال ليس شاملا لجل أو كل
طرق التكيّف الممكنة و المحتملة لليسار التونسي إنما هي مجموعة خواطر
"كشكارية" انطباعية لا ترتقي إلى مستوى و مواصفات المقال العلمي
الأكاديمي و لا تستوفي حتى بعض شروطه الأساسية.
السؤال المنتظر من القراء: لماذا تكتب إذن؟
الجواب
غير المنتظر من الكاتب: أنا
حر، أكتب لنفسي ما أشاء و في أي موضوع أشاء و الفضل يرجع لـ"الفييسبوك"،
هذه المساحة الحرة التي منحتها لنا و متعتنا بها التكنولوجيا الحديثة. أحلم بما
أريد و كيفما أريد فلا رقابة لأحد على أفكاري المتواضعة و المخالفة للسائد. أظن
أنني لم أجبر أحدا على قراءة ما أكتب لكنني أحمل همّ الكاتب
حول أهمية ما يكتب و في الوقت نفسه لا يضيرني إن قرأ ني واحد أو ألف لأنني لست
داعية و لا أرغب و لا أستطيع - حتى و إن رغبت في ذلك - أن أقود قطيعا سياسيا أو فكريا.
أعمل بكل جهدي للمساهمة في تعجيل قدوم زمن ينقرض فيه المثقف الذي يفكر لغيره حتى
يصبح كل الناس يفكرون لأنفسهم في تفاعل مع الآخرين. أنا "رئيس جمهورية
نفسي"، لا أحتاج تكتيكا و لا إستراتيجية، أكتب
لنفسي أوّلا و أخيرا بهدف تقصير زمن انتظار الموت بالمتعة الفكرية الذاتية كما
قصّر أبو نواس انتظار ساعته بالسكر و المجون.
إمضاء م. ع. د. م. ك.
لا أحد مُجبر على
التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم
بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه.
عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو
الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي -
أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم
بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و
على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.
أيها القارئ المحترم، أنا لست داعية فكري أو سياسي أو ديني بل أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك
وجهة نظري المتواضعة والمختلفة عن السائد، إن تبنيتها أكون سعيدا، وإن نقدتها أكون
أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه، وإن عارضتها فيشرفني أن يصبح
لفكرتي معارضون.