samedi 25 mai 2013

محاولة فلسفية 22: استفاد الغرب من أعظم ما فينا و انغلقنا نحن على أنفسنا و استمعنا إلى أدنانا تكوينا، أخذ منا كتب ابن رشد و نحن أحرقناها بأيدينا! مواطن العالم د. محمد كشكار

محاولة فلسفية 22: استفاد الغرب من أعظم ما فينا و انغلقنا نحن على أنفسنا و استمعنا إلى أدنانا تكوينا، أخذ منا كتب ابن رشد و نحن أحرقناها بأيدينا! مواطن العالم د. محمد كشكار

يبدو لي و الله أعلم أن لكل حضارة غثها و سمينها، جمالها و قبحها، محاسنها و مساوئها، ازدهارها و انحطاطها، علمها و جهلها، تصوراتها العلمية و تصوراتها غير العلمية، خطؤها و صوابها، رجالها و نساؤها المخلصون و المخلصات و عملاؤها و عميلاتها المتواطئون و المتواطئات، علوّ همّتها و رخص ذمّتها، عهدها الذهبي و سنوات جمرها، حلوها و مرّها.

أفاق العرب على فجر الإسلام في القرن السابع ميلادي و أسسوا حضارة عالمية، تفاعلوا مع تراث غيرهم و تثاقفوا و أنتجوا أدبا و شعرا و علما و فلسفة و ترجمة و لاهوتا في حين كان الأوروبيون يغطون في نوم عميق و ينعمون في جهالة قرونهم الوسطى.

لم تدم نهضتنا إلا خمسة قرون فقط ثم عدنا إلى جاهليتنا و عصبيتنا القبلية و بداوتنا الأصلية و لم نحتفظ من الحداثة الإسلامية القروسطية إلا بالقشور و الفرائض الدينية التي أفرغناها بسطحية ذهنية من عمقها و غناها الفكري و من مدلولاتها و مقاصدها التجريدية النبيلة و لم يبقى فيها إلا الطقوس الشكلية كحركات المصلي و جوع الصائم و تجارة الحاج.

غربت  عنا شمسنا و لم تعد تشع علينا بنورها، حجبناها فحجبتنا عن العالم، هجرناها فهجرتنا، تلقفها منا الغرب و فاز و رب الكعبة الفوز العظيم فنهض من سباته و غرقنا نحن في عصور الانحطاط و إلى اليوم لم نفق.

سأوخز إبري الحداثية النقدية في جلد هذا الديناصور العربي الإسلامي علّه يشغّل مخه و أعصابه من جديد و يحس بوخزي المؤلم فينبض قلبه و يضخ دما و أوكسجينا في أطرافه فتدب فيه الحياة و ينتفض بعد ما كاد ينقرض كزميله الحيواني.

على سبيل الذكر لا الحصر، سأحاول النبش في الذاكرة الجماعية المحنّطة و أحاول كشف مواضع ضعفها و مناطق ظلها و أسباب انهيارها المتواصل من القرن الثاني عشر ميلادي إلى القرن الواحد و العشرين ميلادي:
-         تنكّرنا لفلاسفتنا العقلانيين العظام مثل ابن رشد و ابن سينا و الفارابي و ابن المقفّع و سيبويه و التوحيدي و المعرّي و الحلاج، كفّرناهم و أتلفنا بأيدينا تراثهم. أحرقنا بعض كتبهم و نثرنا رمادها في الأنهار، فسافر دخانها و هجر أرضنا و سماءنا و تخطى حدودنا سحابا محمّلا بعبير مفخرتنا المتمثلة في حداثتنا القروسطية العربية الإسلامية . روائح هذا الدخان الفكري و نسائم ريحه أنعشت الأوروبيين المتخلفين، استنشقوا عطره العبق فنهضوا و لم يناموا منذ القرن الثاني عشر ميلادي حتى الآن. بنوا حضارتهم و جامعاتهم بعلمنا و علمهم و منطقنا و منطقهم و ترجمتنا لأرسطو و تراجمهم، تكيّف جسمهم العليل و تأقلم مع الفكر الوافد الجديد و الحديث، لم يصرخوا و لم يتظاهروا و لم يقاوموا هذا الغزو الثقافي الفكري العربي الإسلامي بل استعملوه و وظفوه لبناء حضارة كونية عتيدة و عظيمة. و نحن نصرخ اليوم و نقاوم بدوغمائية و دون تمييز غزوهم الحداثي، "قتلتنا الردة. قتلتنا إن الواحد منا يحمل في الداخل, ضده" كما قال الشاعر العراقي اليساري العظيم مظفر النواب.

-         لم نول اهتماما لأروع ما في ديننا الحنيف من قيم إنسانية مجردة سامية و نبيلة تتمثل في العلاقة العمودية و المباشرة بين الخالق و المخلوق و لا هداية و لا وصاية لمخلوق على مخلوق مثله، صفات أخص بها الله نفسه وحده في قوله تعالى مخاطبا رسوله الكريم: "انك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء". أخذ هذه المفاهيم الإسلامية المجردة أو استوحاها المصلح الألماني العظيم مارتن لوثر، تبناها و نفض عنها الغبار و جمّلها و أدلجها و أقلمها و كيّفها و مسّحها (من المسيحية) و أضافها إلى المبادئ الأساسية لمذهب البروتستانتية المسيحية و قام بثورة دينية ضد سلطة البابا الكاثوليكي و نزع عنه قداسته و وساطته بين الله و عباده المؤمنين و ألغى صكوك غفرانه المزيفة.

-         الدكتور الهندي محمد إقبال (1877م - 1938م)، شاعر الإسلام و فيلسوفه، غربل تراثنا الإسلامي و أوّلَ مفهوم "ختم النبوة" الذي يختلف عنده عن المفهوم الكلاسيكي للختم الذي يشير إلى الاكتمال ضمن منطق تأبيد الوصاية على عقل الإنسان و شرح كيف أن هذا الختم يعبّر - عكس المفهوم الكلاسيكي تماما - عن معنى ارتفاع الوصاية عن عقل الإنسان. زار هذا العلاّمة بريطانيا و إيطاليا و اسبانيا أستاذا جامعيا محاضرا. طمسنا تفسيره العقلاني الإنساني لختم النبوة. ذهب الفيلسوف الحداثي العبقري و ترك لنا أبو الأعلى المودودي مرجعا على مقاسنا و هو أحد أبرز رموز الحركة السلفية المعاصرة. و "عَـلَى قَـدْرِ أَهـلِ العَـزمِ تَأتِي العَزائِمُ === وتَــأتِي عَـلَى قَـدْرِ الكِـرامِ المَكـارِمُ"، كما قال أشعر شعراء العرب على الإطلاق منذ سُمّي العرب عربا، أبو الطيب المتنبي.

-         كتب الدكتور و الأكاديمي المصري نصر حامد أبو زيد نقدا في الحاكمية لله (الحكم باسم الله و ليس باسم الشعب)، كفّرناه و نفيناه و طلّقناه قسرا من زوجته. هاجر إلى هولندا أستاذا زائرا بجامعة ليدن بدءا من أكتوبر 1995م.

-         دافعت الدكتورة نوال السعداوي على كيان المرأة العربية المسلمة، كفّرناها و حاصرنا فكرها في بلدها و في العالم العربي فهاجرت هي أيضا.

-         ضيقنا الخناق على علمائنا و لم نوفّر لهم محيطا مشجعا، لا ماديا و لا معنويا، و أجبرناهم على الهجرة، الواحد تلو الآخر بعشرات الآلاف إلى بلدان الحرية و الديمقراطية و البحث العلمي. أذكّر بثلاثة من أشهرهم، و هم المصريان، العالم أحمد زويل، صاحب جائزة نوبل 1999 في الكيمياء و فاروق الباز، العالم الجيولوجي في وكالة "نازا"، و التونسي محمد أوسط العياري، عالم الميكانيك التطبيقية و الهندسة الفضائية. درّسوا في أحسن الجامعات الغربية و بحثوا في أفضل مراكز البحث الأمريكية و الكندية و أنتجوا علما، أصبحنا نحن نستورده بالعملة الصعبة تحت علامة "صنع في الولايات المتحدة الأمريكية". أَيفعل الجاهل بنفسه أكثر مما فعلناه نحن العرب بأنفسنا؟

-         كنا نحمي تقليديا تربتنا و جونا و مائنا من التلوث. كنا لا نبذّر في استغلال الثروات المنجمية الوقتية و نقتصد في الثروات النباتية و الحيوانية. كنا نورّث أبناءنا بيئة سليمة و نظيفة. كنا روّاد الفلاحة البيولوجية و التنمية المستدامة. كنا نزرع بذورنا و نربّي حيواناتنا المحلية المتأقلمة مع مناخنا. كنا في كتاتيبنا، نلقّن قرآننا العربي الفصيح و هذا ما يُسمى في البيداغوجيا الحديثة بالـ"حمّام اللغوي" حيث يستوعب الطفل اللغة الصحيحة دون فهم المعاني و يكتسب و يخزن لغة فصيحة و نطقا سليما، قد يستثمرهما و يوظفهما في مرحلة الفهم. كنا نتّبع تقليديا نظاما غذائيا متوسطيا صحيا و بيولوجيا و اقتصاديا متوازنا، تغلب عليه البروتينات النباتية و الألياف.

-         أصبحنا نسمّم تربتنا بأسمدتهم الكيميائية المستوردة أو المصنعة في بلداننا. أصبحنا نفرّط في ثروتنا المنجمية على شكل مادة خام بأبخس الأثمان و نستوردها من الغرب سيارات و آلات مصنعة بأبهظ الأثمان. أصبحنا نستورد أبقارهم و بذورهم أو قل بذورنا التي سرقوها في غفلة منا و عدّلوها جينيا و باعوها لنا صالحة للاستعمال لكن لمرة واحدة فأجبرونا على التبعية الغذائية الجذرية و استيراد البذور سنويا. أصبحنا نورّث أبناءنا تربة مفقرة و أرضا قاحلة. أصبحنا نستورد تكنولوجيا الفلاحة البيولوجية و علم التنمية المستدامة. أصبحنا نودِع أبناءنا في روضات شكليا غربية و فعليا عقوبة سجنية يسلطها الوالدان على أبنائهما. استوردنا من الغرب نظام غذائه و ذوقه فانتشرت فينا أمراضه مثل السكر و أمراض القلب و الشرايين بل تفوقنا عليه في هذا الميدان: نسبة مرضي السكري في فرنسا 2 بالمائة أما عندنا في تونس فقد بلغت نسبة 10 بالمائة.

-         استعمرونا استعمارا مباشرا فكبدتهم المقاومة المسلحة خسائر مادية و بشرية. أخرجناهم من الباب فرجعوا إلينا من النافذة في ثوب ناعم يُسمى شركات متعددة الجنسيات. نهبوا ثرواتنا النفطية و المنجمية و سرقوا كنوزنا الأثرية و رفضوا إرجاعها لنا، و زيادة في صفاقتهم و إمعانا في إذلالنا، أقاموا بتراثنا متاحف في باريس و لندن و برلين و أصبحنا نحن الذين نسافر إليها لرؤية تاريخنا و دراسته.

تاريخ أول نشر على النات

حمام الشط في 27 فيفري 2012

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire