لماذا ؟
لأن تقاطُع وتلاقُح فكرتين مختلفتين أو متناقضتين
(إسلامية ويسارية) قد ينبثق منهما فكرة جديدة إسلامية-يسارية قد تُثري وتُغني
الثقافة التونسية المشتركة المجمِّعة والموحِّدة. أنتقل بكم من المجال الإيديولوجي
إلى المجال البيولوجي حيث يعطي التناسل الجنسي بين فردين مختلفين جنسيا (ذكر
وأنثى) كائنا جديدا فريدا من نوعه في التاريخ والعالَم، كائنٌ يرث صفات عن أبيه
وأخرى عن أمه لكنه لن يكون نسخة مطابقة للأصل من أبيه ولا من أمه. تكاثُرٌ جنسي يقع عند جل الحيوانات ومنها الحيوان
شبه العاقل وأعني به الإنسان: رجل وامرأة غير عقيميْن يتناكحان فينجبان مولودا،
ولدًا أو بنتًا، لا يشبه أحدا ولم يُخلَق قبله ولن يُخلق بعده نسخة مطابقة له إلا
في حالة التوأمين الحقيقيَّيْن
Les vrais
jumeaux proviennent du même spermatozoïde et du même ovule.
أما التقاطع والتلاقح بين فكرتين متمثاليَّتيْن
أو متقاربتين (إسلامية وإسلامية أو يسارية ويسارية) فقد ينبثق منهما فكرة إسلامية
متطورة لكنها تبقى دائما إسلامية قاصرة أو فكرة يسارية متطورة لكنها تبقى دائما
يسارية قاصرة، فكرتان متطورتان لكنهما متخاصمَتان متنافرتان. قد تُغني كل واحدة منهما الثقافة الإسلامية أو
الثقافة اليسارية كل على حِدَه، لكنهما لن تُثريان الثقافة التونسية المشتركة.
أنتقل بكم ثانية من المجال الإيديولوجي إلى المجال البيولوجي حيث يعطي التناسل
اللاجنسي من أصل واحد كائنا مماثلا للأصل، كائنٌ جديدٌ لكنه ليس فريدا من نوعه في التاريخ والعالَم، كائنٌ يرث
كل صفات الأصل فيعطينا نسخة مطابقة له خالية من كل جديد مثل ما يقع عند جل
النباتات والجراثيم: البكتيريا هي
كائن وحيد الخلية لا جنس له، يحدث التناسل أو التكاثر عندها بانقسام خلية
البكتيريا إلى خليتين ثم تنقسم الخليتان البنتان إلى أربع خلايا وهكذا دواليك تنتج
البكتيريا الواحدة ملايين من البكتيريا، كلها نُسخٌ مطابقة للبكتيريا الأصل أو
الأم. يتكاثر شجر النخيل عن طريق التناسل اللاجنسي أو التناسل النباتي لكنه ينتج
التمور (ثمرة النخلة) عن طريق التناسل الجنسي.
كيف يقع التناسل
اللاجنسي عند النخيل ؟: النخلة الأنثى دڤلة النور تعطي غَرسة (نخلة صغيرة العمر
والحجم تنبت في أدنى جذع النخلة الأم)، يفصل الفلاح هذه الغرسة عن أمها (لا أب
لها) ويغرسها فتنمو وتكبر وبعد خمس سنوات تنتج تَمْرَ دڤلة نور بنفس مواصفات ثمار
أمها وبذلك يحافظ الفلاح على جودة إنتاجه.
كيف يقع التناسل الجنسي
الذي يؤدي إلى إنتاج التمور عند النخيل ؟: تنحدر ثمرة النخيل أي التمرة من تلاقُحٍ
بين أزهار نخلة ذكر (في واحة النخيل يتواجد عدد قليل من النخل الذكر لذلك نستطيع
أن نشبههم باليساريين لقلتهم في المجتمع التونسي) وأزهار نخلة أنثى (في واحة
النخيل يتواجد عدد كبير من النخل المؤنث لذلك نستطيع أن نشبههم بالإسلاميين
لكثرتهم في المجتمع التونسي)، تلاقُحٌ يُسمَّي بالعربية تأبير وبالدارجة تذكير.
إذن لا يمكن لأزهار النخلة الأنثى أن تتحول إلى ثمرة وتنتج تمرا جيدا إلا بعد أن
تلقحها أزهار النخلة الذكر. لا يمكن أن ينتج الذكر تمرًا دون الأنثى أما الأنثى
فهي تستطيع أن تنتج تمرا دون الذكر لكنه سيكون تمرًا ضعيفا غير مكتنِزٍ وغير جيدٍ
نُسمّيه في جمنة "صِيصْ". كذلك قد يُنتِج الإسلاميون فكرا دون تشريك
اليساريين لكنه قد يكون فكرا لا يتماهى نسبيا مع الفكر الغربي العلمي الإنساني
الحديث. أما اليساريون بمفردهم فلن يستطيعوا إنتاج فكرٍ يتماهى مع مجتمعهم ذو
الغالبية المسلمة. يبدو لي أن لا أحد من الفريقين يملك الحل بمفرده أو يستطيع أن
يستغني عن الآخر. فمستقبلهم إذن مرهون بتعاونهم وتوافقهم وإن لم يفعلوا فلِتونس
ربٌّ يحميها من خطر نزعة التعصب ألاستئصالي الكامنة لدى البعض من الفريقين الأخوين
اللدودَيْن.
أنهِي المقارنة بين
الثقافي والطبيعي بالقول أن الأجسام المشحونة إيجابًا تنجذب نحو الأجسام المشحونة
سلبًا فتخلق جسمًا جديدا ولكنها تَنفُر من الأجسام المماثلة لها شحنًا، أتمنى أن
يحدُثَ مثل هذا التجاذب بين الفُرَقاء الإسلاميين واليساريين المشحونَين بالتضاد،
وفي الوقت نفسه آمل أن لا يحصل تنافرا إيديولوجيا داخل الإسلاميين ولا داخل
اليساريين. لذلك أحاول أن أبذل قصارَى جهدي للتقريب في وجهات النظر الفكرية بين
الإسلاميين التونسيين واليساريين التونسيين وأحاول تجنيبهم خطر إقصاء أحدهما
للآخر. وأناضل فكريا عبر الفسبوك، الوسيط
الرقمي الأمين، من أجل إرساء ثقافة تونسية مشتركة مجمِّعة وموحِّدة قد ينبثق منها مواطن تونسي جديد غير سلفي (إسلاميا كان أو ماركسيا) وغير
منبت، مواطن إسلامي لا يعادي الثقافة العلمية الإنسانية الغربية الحديثة المكتسبة
(خاصة العلوم الإنسانية)، يرافقه مواطن يساري لا يعادي الثقافة الإسلامية
التقليدية الموروثة. مواطنان تونسيان عَلمانيان، الإسلامي التونسي واليساري
التونسي، يؤمنان بصدق بحرية الضمير
والمعتقَد إسلاميًّا كان هذا المعتقد أو يساريًّا، ويتودد كل واحد منهما للآخر
ويناديه: يا رفيق.
إمضائي المحيّن:
قال الشاعر الشيوعي التركي
العظيم ناظم حكمت: "أنا الذي أحمل في رسغي الطوق الحديدي، وكأنه سوار من ذهب،
وأتطلع إلى حبل المشنقة، دون أن يهتز جفنه، هل يهتز لتهديدك نعلي ؟".
قال
علي حرب: "الحقيقة أن الفلسفة لا تعدو كونها تجربة إنسانية فريدة، تحقيقا
لحلم شخصي". وقال: "الإنسان لا يقع خارج التاريخ بل داخله. ولا
يتعالى عليه بل ينخرط فيه. من هنا قلّما تصح النبوءات والتكهنات".
قال جان بول سارتر:
"يجب أن لا نشعر بالخجل عندما نطلب القمر".
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل
باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".
قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي
فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".
قال مواطن العالَم: عندما تنقد
إيديولوجية في حضور صديقك فأنت تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت غير إيديولوجيته
شجعك وشكرك. وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا
لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"،
"نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلمي ويخفّف عني
حملي؟"، "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من
الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى"، "أنا
الذي أحمل في رأسي نقدٌ دائمٌ لكل شيء، وكأنه مرضٌ مزمِنٌ، وأتطلع إلى مواجهة
الحجة بالحجة، دون أن يتهافت عقلي فهل تعتقد أن يهتز لعُنفك اللفظي نَقديي ؟".
أؤكد ما قلت صادقا مع نفسي وليس عن تواضع مبطّن بالغرور،
ولا عن مَسكنة يُراد بها استجداء العطف، إنما لأنني أعي جيدا أن اختصاصي العلمي
يبقى بطبيعته ناقصا محدودا واختزاليا.
معنى كلمة
"كشكار":
"كشكار دائم ولا
علامة مقطوعة" (مَثل متداوَل
في مصر منذ سبعة قرون). تفسيره: الكشكار هو الدقيق الخشن الذي يقدر على شرائه الفقراء، والعلامة هي الدقيق
المكرَّر الذي لا يقدر على شرائه الفقراء. يشرِّفني أن تكون مقالاتي الفيسبوكية
غذاءً فكريّا في متناول الفقراء.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire