lundi 1 juillet 2024

أستاذ ثانوي فرنسي يُسنِدُ لكل تلامذته دومًا 20 على 20

 

 

الزمان: العشرية الأولى من القرن 21.

المكان: معهد ثانوي عمومي بباريس.

البطل: أستاذ ثانوي مختص في تدريس التاريخ،   واسمه

Pascal Diard, Lycée Suger à Saint Denis, Paris


الخبرُ، كما وصلني بالسماع وليس بالمعاينة:

أستاذٌ أقام وزارة التربية الفرنسية منذ سنوات ولم يُقْعِدْها: قرّر أن يسند لكل تلامذته دومًا 20 على 20 في كل الامتحانات، الرسمية وغير الرسمية، داخل المعهد الذي يدرّس فيه بباريس.

حُجتُه في ذلك أن الأعداد الجزائية المسنَدة إلى التلامذة هي بالأساس أعدادٌ تقييميّةٌ اعتباطيّةٌ وقد تصدم التلميذ أو تؤلمه أو تحبطه أو تخيفه أو تفزعه، لذلك رأى بطلُ قصتنا وارتأى أن واجبَه يُحَتِّمُ عليه عدم إرباك أبنائه التلامذة.

تَجدرُ الإشارةُ إلى أن هذا الأستاذ المتنطع والثائر على قوانين وزارة التربية الفرنسية يرى أن لا وصاية على الأستاذ في المسائل البيداغوجية، ومن بين هذه المسائل حرية إسناد الأعداد كما يشاءُ هو، لا كما يشاءُ وزيرُ التربية. لم أجرؤ طوال حياتي المهنية على فِعل ما فَعل زميلي الأجنبي، لكنني تمنيتُ في داخلي أن أفعل ما فعل. أتعاطفُ مبدئيًّا مع زميلي الفرنسي وأؤيدُ تبريرَه المنطقي دفاعًا عن سيادةِ وحريةِ الأستاذ داخل قسمِه.

اعتباطيةُ إسنادِ الأعدادِ تظهرُ أساسا في أن مَن يُسنِدُ الأعداد (أي المعلم والأستاذ) ويقيّمُ التلاميذ، هو نفسُه لم يدرسْ أكاديميًّا ولو شهرا واحدا علم التقييم، فمَثَلُ مدرّسِينا كما أسلفتُ كمَثَلِ "تاجر يقدّر وزن سلعة دون ميزان"، أتوجدُ اعتباطيةٌ أكثر من هذه الاعتباطيةِ ؟

حاولتْ الوزارة ثَنْيَه عن صنيعه هذا فلم تفلح في ردعه، لا بالجزرة ولا بالعصا. قاموا بتفقده قصد إرهابه 8 مرات خلال 11 عاما تدريس. عرضتْ عليه الوزارة تقديم استقالته من التدريس ووعدته بتكليفه بعمل إداري فرفض. أرادت الوزارة إسكاتَه وإخمادَ صوته، فذاع على العكس صيتُه في كامل التراب الفرنسي، وتأسست من أجل حمايته ومساندته لجنة قومية، وتكوّن حول هذه الأخيرة حزامٌ نقابي يضم الآلاف من المتعاطفين الفرنسيين وغير الفرنسيين،  وحصل لي الشرف أن كنتُ واحدًا منهم ولو بالإيمان بقضيته فقط وقد بلّغته فعلا تحياتي عن طريق ابن أختي، زميله في نفس المعهد. أخبرني ابن أختي أخيرا أن زميلَه تنازل قليلا لصالح الوزارة وأصبح يسند لتلامذته أعدادا أقل من 20 لكن تفوقُ 17 على 20.

 

مع العلم أن بطلَ قصتنا الواقعية هذه، هو أستاذُ تاريخٍ كفءٌ وقديرٌ ومن مهاراته أنه عندما يدرّس تاريخَ حركة المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، يستدعي إلى القسم بطلاً من أبطالِها الناجين (هل فعلها أستاذٌ تونسيٌّ واحدٌ ؟ لا أظنُّ، رغم أن التجربة تبدو سهلةً وفي متناوَل أي أستاذ تاريخ !)، ومن إنجازاته أيضا أنه يؤطِّر تلامذة الباكلوريا ويحثهم على البحث العلمي، وبفضل علاقاته الثقافية والصحفية والجمعياتية يُمهِّدُ لهم نشرَ إنتاجِهم الفكري في مجلات مختصة، ويساعدهم على إصدارِ أقراصٍ رقميةٍ مضغوطةٍ (CD) تروي التاريخَ بأسلوبٍ بيداغوجيٍّ جذّابٍ وطريقةٍ تعلّميةٍ ناجعةٍ لفائدة تلامذة المعهد وتلامذة المعاهد الأخرى.

 

تعليق فيسبوكي (Afifa Sioud):

درّس معي زميل ذات مرة وكان قد أسند لتلاميذه أعدادا لا تقل عن 16 على 20 في كل من المواد الاجتماعية تاريخ جغرافيا تربية مدنية وحتى الإيقاظ العلمي. لا يمكن ان تتصور سعادة وفرحة التلاميذ وهم عائدون إلى منازلهم يقفزون ويرقصون ويقهقهون والسعادة تشع من أعينهم وقد سارعوا نحوي وكنت في الشارع المحاذي للمدرسة والكل يسابق الآخر في إخباري بأعداده المتميزة فهذا يقول بأن لديه ثلاثة عشرينات والآخر أربعة وتلك اثنتان.

يومها خامرتني العديد من التساؤلات حول صحة أو خطأ نظام إسناد الأعداد. وعادت بي الذاكرة بعيدا لسنوات بل عقدين من الزمن تذكرت رشاد المشاغب والذي لا يمر يوما إلا ويرتكب فيه تصرفا عنيفا تجاه تلاميذ المدرسة. وكان تحصيله العلمي ضعيفا جدا. سنة رابعة ولا يعرف الحروف. تخيرت له مكانا في أول مقعد أمامي وكنت كلما أنجزنا تمرينا أضع أمامه لوحة الحروف وأساعده على الإجابة ومع مرور الأيام بدأ يأخذ ثقة بنفسه وذات يوم أنجزنا فيه تقييما مطولا فخصصت له تمرينا واحدا وأخبرته بأنني سوف أسند له عددا جيدا لو أجاب عنه. تعمدت يومها أن أغض الطرف عن بعض الهنات إن وجدت وأسندت له 10/10. لا يمكن أن تتصور ردة فعل رشاد عندما كتبت له العدد ورآه بأم عينيه فظل يفركهما لعدة مناسبات ثم صاح بأعلى صوته 10. 10 .10، وقال: "في كامل حياتي لم أحصل حتى على نصفها" ثم اتجه نحوي يقفز وقد عانقني بقوة غريبة كدت أفقد أنفاسي من شدة الضغط على عنقي وأوشكت على الاختناق لو لا ألطاف الله وتدخل البعض من تلاميذي. أذهلني رد فعل رشاد: سعادة لا توصف ضحكات متتالية كمن فاز بحلم حياته. ومنذ ذلك اليوم عزمت معه على أن ينجح في المناظرة الوطنية للسنة الرابعة أساسي المعمول بها آنذاك .وقد فعلها رشاد بعد حصوله على 19 في الرياضيات وارتقى للسنة الخامسة إلا أنني انتقلت إلى ولاية أخرى ولكن تلك الحادثة جعلتني في كل مرة أتساءل عن مدى تأثير وتداعيات أعداد نسندها سلبا أو إيجابا على نفسية المتعلمين بمختلف أصنافهم.

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire