lundi 1 juillet 2024

رسالةٌ مفتوحةٌ مُطوّلةٌ موجهةٌ إلى مناضلٍ تونسيٍّ يساري لم تلِدْهُ أمُّهُ بعدُ! جزء 3

 

 

رفضتَ بشدة طلبَ العفو الرئاسي، على عكس ما فعل جل رفاقك. قضيتَ 43 عامًا و8 أشهر متنقلاً بين ستة سجون من رجيم معتوڤ بڤبلي إلى سجن الناظور ببنزرت. توحّد في قمعك الزعيم المستبد المثقف (بورڤيبة) والمافيوزي المستبد الجاهل (بن علي). لم يتركوا لك في حياتك السياسيّة إلا سبع سنوات من الحرية المشروطة تحت مراقبة دود الأرض وجراثيمه الضارّة، تخللها غصبًا عنهم جرعات من الأكسجين ضيفًا على بعض المنظمات غير الحكومية في الخارج.

لا أقدر على مسك إعجابي بشخصكم، فرغم الإقامة الجبرية بمسقط رأسك في قرية صحراوية، وفي هذه السنوات القليلة من الحرية استطعتَ أن تُأسس مدرسةً للجدل الفكري، شعّت بتخريجها لثلة من المناضلين المدافعين على الفكر اليساري العَلماني العقلاني الديمقراطي التحرري غير الليبرالي، مناضلون نشيطون انتشروا في كل ربوع تونس ، بعيدًا عن التقوقع الإيديولوجي المَقيت، رافضون لعقلية استعداء أواستئصال الفكر الديني المغاير، أعني به فكر أمك وأبيك وأخيك وأصدقاء شبابك وطفولتك، فكرٌ لا يخلو من الجمع بين الروحانيات والتنوير. إنجازٌ عظيمٌ لم ينجزه في تونس قبلك أحدٌ غيرك. وبهذا الإنجاز نِلتَ إعجابَ خصومك من النهضاويين قبل حلفائك من اليساريين غير الماركسيين.

عمركَ تجاوز اليوم 80 سنة، وبإمكاننا أن نقول أن سَجَّانِيكَ لم ينجحوا في كسرِ إصرارِك على النضالِ والعطاءِ لوجهِ اللهِ والإنسانِ أو خدشِ إيمانك القوي بـ"إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". لم ينجحوا أيضًا في زحزحة تشبّثك بـ"الأممية" قيمةً نبيلةً عاليةً. طيلة نصف قرنٍ من الحياة النشيطة سياسيًّا بقيتَ نقيًّا ولم تنزل إلى مستنقع العنصرية السخيفة أوالتعصب بجميع تلويناته، الدينية منها والعرقية والقومية والمذهبية والطائفية، وكان يؤلمك أشد إيلامٍ قتلُ طِفلٍ يهودي بنفس الدرجة التي يؤلمك فيها قتلُ طِفلٍ فَلسطيني، لا فرق عندك بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى

La Vertu, rien d`autre que la vertu.

جعلوا منك دون قصدٍ منهم بطلاً أسطوريًّا عابرًا للأنظمة الديكتاتورية المتتالية وكأنها قَدَرٌ على شعبنا بتونس الحبيبة. كنتَ في سجنِك مقيّدًا مسلسلا، لكنك كنتَ تبث فينا، نحن السجناء خارج الأسوار، طاقةً نوويةً مُشبعةً أملاً في مستقبلٍ أفضلَ، طاقةٌ ملأتْ قلوبَنا بِحبِّ البشرٍ كل البشرِ في كل العالم، وكنت دومًا تردد "تونس وهُويتها الأمازيغية-العربية-الإسلامية في القلب، لكن يبقى العالَمُ والفكرُ الإنسانِي دائمًا أغنَى وأوسعَ وأرحبَ وأرحمَ". فشلوا فشلاً ذريعًا في كبتِ صوتك الحالمِ الحُرِّ، وأخفقوا في كسْرِ إرادتك، ولم يفلحوا في تلويث سمعتك، طلبوا تدنيسَ شرفِكَ فلم يَظْفَروا إلا بتشويه سمعتهم.

ملاحظة: للأمانة العلمية، نَصٌّ مُستوحَىمن كتاب:

Michel Onfray, Politique du rebelle Traité de résistance et d`insoumission, Ed. Grasset, 1997.

حمام الشط، الخميس 25 ماي 2017.

Haut du formulaire

 


 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire