jeudi 4 juillet 2024

لماذا لستُ ماركسيًّا ولا قوميًّا ولا إسلاميًّا، وكيف تصالحتُ مع هويتي العربية-الإسلامية ؟

 

 

1.  لماذا لستُ ماركسيًّا ؟

أ‌.     لستُ ماركسيًّا لأنني:

-       لا أؤمن بديكتاتورية البروليتاريا ولا بالإلحاد ولا بالصراع الطبقي ولا بالمادية الجدلية ولا بالحتمية التاريخية ولا بالحزب الواحد ولا بالفصل بين تناقض رئيسي وآخر ثانوي ولا بالعنف الثوري ولا بالثورة البلشفية أو الصينية نموذجًا ولا بمفهوم الثورة كأداةٍ للتغيير الجذري أصلاً، لأن كل الثورات الشيوعية أتت للبشرية بديكتاتور وهُم للأسفِ الشديدِ كُثرُ مثل لينين، ستالين، ماو، كاسترو، شاو سيسكو، أنور خوجا، بول بوت، إلخ.

-       لا أعتبر الماركسية نظرية علمية بل أعتبرها حلمًا جميلاً ما زلتُ أحلمه، ألا وهو زوال استغلال الإنسان للإنسان.

-       لا أعتبر لينين فيلسوفًا بل أعتبره رجل دولة وديكتاتور دموي، هو وماو وستالين.

-       أعتبر كل التجارب الشيوعية تجارب فاشلة لأنها لم توفّر الحرية والكرامة للشعوب التي مرّت بها (الاتحاد السوفياتي، دول أوروبا الشرقية، الصين، كوبا، ألبانيا، يوغسلافيا، كوريا الشمالية، ألمانيا الشرقية، إلخ.)، والحرية والكرامة عندي قبل الخبز.

ملاحظة هامة جدًّا: قبل نشر هذه الفقرة أعلاه حول نقد الماركسية، وليطمئنَّ قلبي، سألتُ فيلسوف حمام الشط، جليسي اليومي الماركسي حبيب بن حميدة، فاطمأنَّ قلبي والحمد لله !

2.  لستُ قوميًّا:

-       لستُ قوميًّا لأنني أؤمن بالأممية، وهي أرحب وأقرب لأنسنة الإنسان من العولمة الرأسمالية السائدة حاليًّا والمبنية على تفوق العنصر القومي الغربي المتعالي.

-       الدولة القومية (l’Etat nation indépendant et souverain) ولّى زمانها وانتهى دورها التاريخي الاستعماري الدموي (النازية، الفاشية، الستالينية، الاستعمار الفرنسي والبريطاني)، وجاء دور التكتلات الإقليمية واتحادات الدول (أوروبا، أمريكا، روسيا، الهند) المبنية على مصالح الشعوب المشتركة وليس على العِرق أو اللغة أو الدين مثلما يعتقد القوميون العرب.

-       أعتبر كل التجارب القومية العربية تجارب فاشلة لأنها لم توفّر الحرية والكرامة للشعوب التي مرّت بها (مصر، سوريا، العراق، ليبيا، اليمن)، والحرية والكرامة عندي قبل الخبز.

3.  لستُ إسلاميًّا:

-       لستُ إسلاميًّا لأنني مسلمٌ علمانيٌّ، أؤمن بفصل الدين على عن السياسة وليس فصلَه عن الدولة والمجتمع، والمفارقة أنني أعتمد في موقفي هذا على آية قرآنية واضحة الدلالة ولا تحتاج إلى مفسّرين، ألا وهي: "إن الله لا يغيّر ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم".

-       لا أؤمن بأن الرجوعَ للإسلامِ فيه كل الحل، بل أؤمن أنه جزءٌ من الحلْ، لا أكثر ولا أقلْ.

-       لا أعتمد كثيرًا كلامَ الدعاة ولا كتابات علماء المسلمين وذلك لسبب علمي بحت: هؤلاء السلفيين، الذين يبدون في ثوب مجدّدين حداثيين، لا يوظفون العلوم الحديثة في تأويل القرآن والحديث، أقصد العلوم الحديثة التالية: الفيزياء، الجيولوجيا، البيولوجيا، الإبستمولوجيا، الأنتروبولوجيا، البسيكولوجيا، الفيلولوجيا، الأركيولوجيا، السيميولوجيا، الألسنية، إلخ.

-       يبدو لي أن العقوبات البدنية (جلد، قطع اليد، إعدام) لم تعد صالحة لهذا الزمن، والمفارقة الثانية أنني أعتمد في موقفي هذا أيضًا على ما جاء في أواخر آيات الحدود من حَثٍّ على تجنبها ما أمكن ذلك ومن حسن حظنا كمسلمين أن القرآنَ نفسَه وفّر لنا بدائلَ أخرى أفضلَ، بدائلَ خاليةً من العنف البدني، بدائلَ أكثر رحمةً بالمذنب، كالعفو مثلاً: "وإن عفوتم فهو خيرٌ لكم".

4.  كيف تصالحتُ مع هويتي العربية-الإسلامية ؟

-       المفارقة أنني اكتسبتُ هذا التصالح من خلال قراءاتي الإسلامية باللغة الفرنسية وبعضها باللغة العربية (الفرنسية لغتي الأولى، والعربية لغتي الأم). لكن المفارقة تزول ولا تغدو مفارقة

Le paradoxe n’est pas aussi paradoxal qu’il le parait.

عندما نكتشف السر: الكتابات الإسلامية باللغة الفرنسية، خلافًا للكتابات الإسلامية باللغة العربية، توظف العلوم الحديثة المذكورة أعلاه (علي شريعتي، هاشم صالح، محمد أركون، هشام جعيّط، محمد الطالبي، يوسف الصديق، جاكلين الشابي، أمين معلوف، محمد حداد، عبد الله العروي، عبد المجيد الشرفي، ميشيل أونفري، إلخ).

-       قبل عصر الحداثة وقبل سقوط غرناطة وقبل عصور انحطاط الحضارة العربية-الإسلامية وقبل القطيعة مع الفلسفة الإغريقية العقلانية، أي قبل القرن 15 ميلادي: لو قارنّا بين حضارتنا والحضارة المسيحية لوجدنا أن الأولى أقل ظلمًا وأقل دموية وأقل احتلالاً للبادان وأكثر مساواة وأكثر عدلا وأكثر تسامحًا مع اليهود. ولو أن المقارنة، أخلاقيًّا لا تغسل أيدينا من دماء ضحايانا، حتى ولو كانوا أقل عددًا. أليس ديننا وقرآننا هو القائل: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".

"وشهد شاهدٌ من أهلها": أمين معلوف، المفكر-الروائي، عضو الأكاديمية الفرنسية منذ 2011، الفرنسي-العربي-االلبناني-المسيحي، قال: "عشنا 14 قرنًا في ظل الحضارة العربية-الإسلامية، ولم يمسَسْنا أيُّ سوءٍ في كنيستنا ولا في عرضننا ولا في مالنا"، وقال أيضًا: "في القرن 19م، كان ثلثَيْ سكان مدينة اسطنبول، عاصمة الخلافة الإسلامية، غير مسلمين، وكانوا يعيشون في سلامٍ وتسامحٍ ووئامٍ مع المسلمين"، وأضافَ: "لو فتحتَ دفاتر التراث الإسلامي، فلن تجد للإرهاب الداعشي دعامة ولا سابقة، لكنك لو فتحتَ دفاتر الحداثة (القومية الغربية الاستعمارية والشيوعية الشمولية) لوجدت عوض الدعامة الواحدة دعامات وعوض السابقة الواحدة سابقات كثيرات.

-       بعد الحداثة (بعد القرن 15م) أي أثناء عصور الانحطاط الحضارة العربية-الإسلامية حدثت القطيعة النهائية مع الفلسفة الإغريقية العقلانية وأحرِقت كتب الفيلسوف المسلم العقلاني ابن رشد. تزامن هذا العصر العربي المنحط مع بداية النهضة الأوروبية وبداية تشكل أمريكا البيضاء. عصر الحداثة تمثل في تغوّل الغرب وهيمنته على الشرق بقوة السلاح والعلم والتكنولوجيا: لو قارنّا بين حضارتنا والحضارة الغربية لوجدنا أن الأولى أقل ضررًا بالإنسانية وأقل تلويثًا للبيئة. "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم": المفرِح أو المحزِن، لا أعرف ؟ كنا كذلك وما زلنا كذلك أقل ضررًا بالإنسانية ,أكثر ضررًا بأنفسنا، للأسف ليس عن وعي بل بسبب تخلفنا الصناعي والعلمي والتكنولوجي ولانعدام وسيلتنا، "رُبّ ضارّة نافعة"، ولو خيّروني بين "التخلف مع عدم إلحاق الأذى بالإنسانية والبيئة" و"التقدم مع إلحاق الأذى بالإنسانية والبيئة"، لفضّلتُ، ودون تردّدٍ، الأول عن الثاني، حفاظًا واحترامًا لكياني الإنساني، لا فرق عندي بين عربي وصيني وألماني.

حمام الشط في 14 ديسمبر2019.


 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire