mardi 16 juillet 2024

أفكارُ اليساريينَ والإسلاميينَ التونسيينَ، هل غيرت من عقليةِ المواطنِ التونسيِّ، وهل غيرت من عقلياتِهم هم أنفسِهم ؟

 

 

يبدو لي - والله أعلم - أن معظم اليساريين والإسلاميين التونسيين يلتقون ويتوحدون حول الأفكار الإيجابية والغايات والقِيم الإنسانية، مثل العدالة الاجتماعية، التضامن، التضحية، المساواة في الحقوق والواجبات، الصدق في القول والإخلاص في العمل. كلها أخلاقٌ نبيلةٌ وعاليةٌ، ثمّنها القرآن الكريم قبل ماركس بعشرة قرونٍ أو أكثر قليلاً. للأسف الشديد، هذه الأفكار السليمة بقيت سجينة الكتب، بشريةً كانت أو مقدسةً، لم تترك أثرًا طيّبًا في عقلية المواطن التونسي، ولم تغيّر من سلوكاته وسلوكاتهم (اليساريين والإسلاميين) السيئة شيئًا يُذكَر فيُشكَر.

المفارقة الكبرى تكمن في أن سلوكات المجموعتين السيئة هي التي سادت وانتشرت في مجتمعنا التونسي، مثل الأنانية، المحسوبية، الجهويات، الربح السهل والسريع دون جَهدٍ ولو يَسيرٍ، الفساد، الرشوة، تراجع الضمير المهني، إلخ: تجد اليساري والإسلامي على حد سواء من بين الأساتذة المقاولين تجار المعرفة الجشعين ومن بين الموظفين عديمي الضمير ومن بين المسؤولين المرتشين ومن بين الحِرفيين الغشاشين ومن بين الأطباء الجشعين ومن بين القضاة والمحامين الفاسدين، إلخ. التونسي يبقى تونسي، يَسّرَ أو تخونجَ والطبعُ غالبًا ما يغلب التطبّعَ !

كمختص في إبستمولوجيا التعليم (الديداكتيك)، أنا أعي جيدًا أن الأفكار السلبية، مثلها مثل التصورات غير العلمية، تصمد بقوة ضد التنوير العلمي أو الديني أو الفكري أو الثقافي، لا تنهزم بسهولة، ولا تزول بسرعة. وأعرف أيضًا أن المستوى التعليمي لا يغير أوتوماتيكيًّا الأخلاقَ إلى الأفضلِ إلا عند الفيلسوف سقراط الذي يمثل المثل الأعلى لتصالح المعارف والقِيم وترافقها وتعايُشها وتجسّمها في شخصِ واحدٍ أحدٍ. شيئٌ شبه مستحيلٌ لكن سقراط نجح في تطبيقه على نفسه على الأقل، ومات مُضحّيًا بروحه من أجله، متجرّعًا السم تنفيذًا لحكمٍ بالإعدام.

ماذا تَعَلمَ المواطن التونسي من المجموعتين المتخاصمتين ؟

من اليساريين، دون تعميمٍ، تَعَلمَ الخطابَ "الجبهاويَّ" (Le discours frontal) الذي غالبًا ما يوصِل إلى نتيجةٍ عكسيةٍ تتمثل في تَجنُّبِ محاورتهم والابتعاد عن مخالطتهم، معاداةَ الحضارة الإسلامية عن جهلٍ بإنجازاتها أو تضخيمٍ لسلبياتها، والعنفَ اللفظيَّ الذي اكتويتُ بناره شخصيًّا والذي سُلِّطَ عليّ أنا من قِبل عديد الأصدقاء الحميمين وغير الحميمين، أنا ابن العائلة اليسارية، العاقُّ في نظرهم. آه لو يدرون أن تجاهلَهم المقصودَ لأفكاري وأطروحاتي قد أعطاني - عكس ما ينتظرون - طاقةً رهيبةً للكتابةِ والنشرِ والقراءةِ أكثرَ. لن أهضم حق بعض أصدقائي اليساريين، وهم قلة، الذين شجعوني، وأقول لهم شكرًا من القلبِ والعقلِ.

من الإسلاميين، دون تعميمٍ، تَعَلمَ الإقصاءَ لغير الإسلامي، التسرعَ في التكفير، عدمَ الانفتاح على الأفكار غير الإسلامية، والتعصبَ الأعمَى المُضِرَّ بالهُوية الإسلامية نفسِها. أما معاملةُ جل مَن عرفتهم من النهضاويين لي شخصيًّا فقد كانت أرقَى بكثيرٍ من معاملة المذكورين أعلاه (يبدو أنه استثناءٌ كما أكد لي بعض اليساريين الثقاة، استثناءٌ محمودٌ، لكنه، وككل الاستثناءات، يؤكد القاعدة ولا ينفيها، حتى ولو كنتُ المستفيدُ الوحيدُ منه)، وأما دواخِلُهم فلا يعرف كنهَها إلا الله سبحانه وتعالَى.

إمضائي

"وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا" (قرآن)

Les vices privés des capitalistes décideurs ne feront jamais la vertu publique du peuple gouverné.

حمام الشط، الجمعة 30 مارس 2018.


 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire