أبدأ بنظارات النصوص الإيديولوجية نصف الشفافة:
- أحزابنا اليسارية تقرأ واقعنا من خلال نصوص ماركسية وتصرّ على أنها تمثل
طبقة البروليتاريا وتناضل ضد طبقة البورجوازية. يبدو لي أن واقعنا في تونس يقول
العكس: لا يوجد في تونس طبقة بروليتارية أو طبقة بورجوازية بالمعنى الماركسي
لمفهوم الطبقة. تُعرّف الطبقة بوعيها الطبقي، والوعي الطبقي عندنا مفقودٌ مفقودْ،
والحمد لله الذي لا يُحمد على مكروهٍ سواه.
- قيادة أحزابنا اليسارية ترى نفسَها الممثل الوحيد للبروليتاريا وترى نفسَها
طليعتها المناضلة. يبدو لي أن واقعنا في تونس يقول العكس أيضًا: أولاً، تتألف هذه
القيادة الموقرة من عناصر بورجوازية صغيرة لم تنسلخ بعدُ عن طبقتها الأصلية
(الطبقة المتذبذبة بين انتمائها الفكري اليساري وانتمائها الطبقي البورجوازي
الصغير)، وإن لم تحسم أمرها وتتخلى عن تطلعاتها البورجوازية الانتهازية، فلا رجاء
ينتظره منها العمال. ثانيًا، عَجَبِي من أحزابٍ تدّعي أنها تمثل العمال، لا يصوّت
لها جل أو كل العمال، بل يصوتون لخصمها الليبرالي بوجهيه المتحرر والمحافظ (النداء
والنهضة) !
أنتقل إلى نظارات النصوص المقدسة نصف الشفافة أيضًا:
- نحن المسلمون نقرأ واقعنا من خلال نصوصنا المقدسة (القرآن والحديث، روعة
النصّين تكمن في مثاليتهما، لذلك يستحيل تحقيق ما جاء فيهما من قِيمٍ سامية
ونبيلة، مجهودُ لا يقدر عليه إلا الأنبياء والأولياء الصالحون من رواد التصوف)
ونُصِرّ على أننا "خيرُ أمة أخرِجت للناس".
يبدو لي أن الواقع التونسي يؤكد قولنا !: أنحنُ أفضلُ أمْ الأمم الأسكندنافية
أفضلُ ؟ أنحنُ أتقَى أم المواطنون الأسكندنافيون أتقَى ؟ نردد خمسَ مراتٍ في اليوم
أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر. أصَلاتُنا أم صلاة المتقين نقصد ؟
- علماؤنا وأئمتنا ودعاتنا يحاجّوننا يوميا بسيرة العُمَرَيْنِ رضي الله عنهما ولم
يقلدهما في تاريخنا الإسلامي أحدٌ من سلاطيننا. قلدهما أخيرًا رئيس وزراء
أسكندنافي عندما تنكر يومًا كاملاً في دورِ سائق تاكسي حتى يكتشف بنفسه رأي الرعية
فيه.
- ننعتُ شهرَ رمضان بشهرِ التقوى ! أعطوني بربكم سلوكًا واحدًا من سلوكاتنا
الرمضانية اليومية يدل على تقوى أو حتى نصف تقوى ؟ مَن لا يحمل نظاراتكم، لا يرَى
في رمضانكم إلا التبذير والاحتكار والزيادة في الأسعار، ويرى أيضًا أن مَن يمارس
هذا المنكر منكم بشكلٍ مريحْ لا تفوته صلاة واحدة من صلوات التراويحْ.
- وجب علينا أن نتقي الله في خلق الله، ولا نكلف نفسًا إلا وسعها، ولا نزكي
بين الأمم بالوهمِ أمتنا، ولا نتباهى بما ليس فينا، قرآننا وسُنّة نبينا. لِننزع
نظاراتنا ونفتح واسعًا أعيننا على واقعنا المتخلف جدا، والله لَهُوَ أسوأ من واقع
أمَمِ ما قبل الإسلام.
- نظاراتنا تصف لنا واقعًا غير واقعِنا. أعَلَى الله أم على أنفسنا نكذب ؟
"مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا
النَّاسَ جَمِيعًا"، هذه الآية نزلت للعالَمين وطبقها الأسكندنافيون. أما نحن
مسلمو اليوم، أنتجنا دواعشَ كواسِرَ جوارِحَ تفسد في الأرض وتقتل الناس جميعًا.
"لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" وهل فينا مؤمنون ؟ حديث لم
يُطبق في التاريخ البشري إلا من قِبلِ الرسلِ والأولياء الصالحين أو بعض المنظمات
العالمية غير الحكومية أو بعض الزعماء من غير بلاد المسلمين مثل غاندي ومانديلا.
- المفروض حسب رأيي القاسي جدا قسوة الطبيب الجرّاح، المفروض نؤنب ضمائرنا
النائمة بعد كل صلاة علها تستفيق من سباتها الطويل، ومَن لم يستفق ضميره منا بعد
خمسِ صلوات في اليوم طيلة ثمانية قرون (1200م - 2000م) فلا حياة لمن تنادي ولنترك
الإسلام للعالمين من غير المسلمين، لعلهم من قِيمه السمحة أفضل منا يستفيدون،
ويأتوننا يومًا فاتحون، فنصبح بفضل الله وفضلهم حقًّا مسلمين.
حمام الشط، السبت 12 نوفمبر 2016.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire