وشهد شاهد من أهلها
مصدرها
قناة "دريم" الفضائية المصرية، برنامج "دين ودنيا"، الخميس
9/09/2010، الساعة الواحدة و النصف بعد الزوال بتوقيت تونس. رغم علمي بأن التلفزة
ليست مصدرا علميا موثوقا به، سأنقل بعض ما ورد في البرنامج على لسان الأساتذة
الثلاثة المشاركين فيه (عمار وإمام والبنّا) بكل ما استطعت من الأمانة العلمية
التي تعلمتها في البحث العلمي. قد ينسب الناقل عن الكلام الشفوي حديث هذا لهذا،
فاغفروا لي زلاتي في النقل إن خانتني ذاكرتي في هذا العمر، فهي والله غير مقصودة.
حاولت التثبّت مما قيل بالرجوع للأنترنات ككل باحث كسول فلم أعثر على إثبات فقلت بيني وبين نفسي: زادي الوحيد هو النية الطيبة وعدم إضمار الشر
لحضارتي ولأمتي العربية الإسلامية والصدق في القول والإخلاص في العمل وكما أكرّر
قصدا في إمضائي على مقالاتي "أنا أكتب -لا لإقناعكم بالبراهين أو
الوقائع- بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر أخرى" وعلى القارئ الحصيف ترك
الغث وأخذ السمين.
قال
مقدم البرنامج الأستاذ عمار:
[الإعجاز العلمي في القرآن ثقافة شائعة
ضارّة... قال "علي
عبد الواحد وافي" عن الإعجاز العلمي في القرآن: "جناية كبرى" وقال
عنه الإمام محمد الغزالي: "كلام فارغ"...قال كاتب إسلامي، مات سنة 1960،
إن المقصود بالسماوات السبع في القرآن هي الكواكب السبعة التي اكتشفها العلم لكن
ما لا يعلمه هذا الكاتب أن العلماء الغربيين وصلوا إلى حد الآن إلى اكتشاف تسعة
كواكب، حذفوا منها أخيرا واحدا بعد ما عرفوا أنه نجم وليس كوكبا...
وفي الإعجاز العلمي اليهودي نُسِبت عظامٌ
قديمة اكتُشِفت في فلسطين إلى يهود عاشوا منذ آلاف السنين في فلسطين وبعد مدّة
كذّب العلماء مسعاهم عندما تأكّدوا بعد
تحليل الحمض النووي أن العظام المكتشفة عظامٌ حيوانية وليست بشرية...
الدكتورة بنت الشاطئ نقدت نقدا لاذعا
الدكتور مصطفى محمود في إعجازه الذي ينسبه تعسّفا إلى اللغة العربية والقرآن...
اعترف مصطفى محمود بنظرية النشوء والارتقاء لداروين ونسبها للقرآن رغم رفض كل الأديان التوحيدية الاعتراف بها حتى
الآن وليس الدين الإسلامي وحده.
قال
الأستاذ إمام:
[القرآن
ليس في حاجة للعلم ليثبته... نستطيع أن نقول الإعجاز العقلي في القرآن وليس
الإعجاز العلمي في القرآن... الإغراق في هذا المجال يدفع إلى تكذيب النص والنص
معجزة إلهية في حد ذاتها لا تحتاج إلى معجزة علمية بشرية لإثباتها... نحتاج العلوم
الحديثة لنفهم فهما عصريا النص القرآني لذلك نقول أنه صالح لكل زمان و مكان]
قال
الأستاذ جمال البنّا:
[من باب حرية التفكير، لا نحجر على أحد
البحث في الإعجاز العلمي في القرآن، فإن اكتشف شيئا مفيدا فخير يفيد الأمة
الإسلامية وإن لم يكتشف شيئا فقد أضاع وقته وماله وجهده] (إضافة المؤلّف محمد كشكار: نسي الأستاذ
البنّا أن السعودية تصرف أموالا طائلة في هذا المجال من بيت مال المسلمين).
1.
رأي المؤلف محمد كشكار، رأي متواضع جدا إلى
جانب رأي علماء الطبيعة الكبار أو علماء الدين الأجلاء:
يتصوّر البعض من
المسلمين خطأً أنهم يرفعون من شأن القرآن عندما ينسبون إليه أحدث الاكتشافات
العلمية (الإعجاز العلمي في القرآن). أنا لست مختصّا في تفسير القرآن، إذن فليس
بوسعي تأكيد أو نفي الإعجاز العلمي في القرآن. لكن، رغم عدم اختصاصي في الفقه
الإسلامي، أرى أنه يحق لي كمثقف أن أدلي بدلوي الإبستومولوجي في النقاش الدائر حول
كيفية توظيف مفهوم "الإعجاز العلمي في القرآن" بعد تصديقه من قبل
بعض المسلمين لتثبيت إيمانهم أو بعد تكذيبه من قبل بعض الملحدين لنفي المصدر
الإلهي للقرآن ولن أنحاز إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء متوخيا الحياد المنهجي. سأحاول
فقط تسليط بعض النقد على الموقفين السابقين. لا نستطيع ولا نفكّر في محاكاة
المعجزات الغيبية في القرآن لكننا مطالبون بنشر وإعادة إنتاج المعجزات العلمية
المادية البشرية للاستفادة منها في حياتنا اليومية ولا غِنى لنا عنها مثل ما فعل
الغرب مع كتاب "القانون في الطب" لابن سينا. القرآن معجزة إلهية، عندنا نحن المسلمين فقط، نحن خُمس سكان العالم، والعلم
معجزة مادية بشرية معترف بجدواها ونجاعتها من قبل كل سكان العالم مع اختلاف
عقائدهم السماوية منها والبشرية. على حد علمي، لقد توصّل العلماء
المسلمون القدامى إلى تطوير العلوم دون اللجوء إلى القرآن كمرجع علمي و توصّل أيضا
العلماء الغربيون المعاصرون إلى اكتشافاتهم الحديثة دون الاعتماد على الكتب المقدّسة.
القرآن مقدّس عند المسلمين بطبيعته الإلهية ولا يحتاج
إلى سند أو برهان من العلم ذي الطبيعة المادية البشرية الدنيا بل العكس هو الصحيح
فالعالِم المسلم يحتاج للقرآن -وليس للعلم- لإثبات إيمانه وترسيخه في نفسه. القرآن
كتاب إيمان وهداية للعالِم والجاهل والإسلام –كوحي- مبني على اليقين والتسليم بما
جاء في القرآن، أمّا العلم فهو مبني على الشك والخطأ والصواب. القرآن ثابت والعلم
متحوّل. القرآن عابر للزمان والمكان والعلم ابن بيئته. القرآن متماسك ومتجانس
والعلم قد يناقض نفسه كل يوم. القرآن يدعو لتصديق ما جاء فيه والعلم يدعو لتفنيد
ودحض وتكذيب حجج العلماء لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.
خلاصة القول:
أتوجه للقارئ كصديق حميم له وليس كباحث علمي. لم أعدْ
أصلا باحثا علميا منذ حصولي على شهادة الدكتورا ككل الدكاترة العرب الذين يطلّقون
البحث العلمي بمجرد توظيفهم بالجامعة ويتفرغون لنقل العلم وليس إنتاجه، ويجنّدون
كل طاقتهم العلمية من أجل الترقية المهنية السخيفة لحشو سيرتهم الذاتية بأشباه
البحوث المنقولة أو المسروقة من أصحابها الغربيين أو الآسيويين صناع الحضارة
العلمية الحديثة. أعلمكم أساتذة جامعاتنا "العظام" أن الجامعات العلمية
المتطوّرة علميا -ليس للجامعات العربية مكان في الترتيب العلمي للخمس مائة جامعة
الأولى في العالم في البحث العلمي- أعلمكم أنها ألغت الملاحظات عند منح شهائد
الدكتورا (لا حسن ولا مشرّف لأن كل بحث علمي هو حسن ومشرّف مهما كانت نتائجه)
وألغت أيضا التصنيفات الأستاذية السخيفة من مساعد إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر
إلى أستاذ فخري ووحّدتهم في صنف أستاذ تعليم عالي حتى يتفرّغ الأستاذ الغربي إلى
البحث العلمي ولا تلهيه الترقيات المهنية عن مهمته الأساسية.
أنبه القارئ أنني لست مختصا في علوم القرآن ولست متبحّرا
في العلوم رغم حصولي على الأستاذية في علوم الحياة والأرض والدكتورا في تعلمية
البيولوجيا من جامعة تونس وجامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا لكن هذا لم يمنعني من
الإدلاء برأيي في هذا الموضوع كمفكر حر ومستقل عن الإيديولوجيات. لا أقولها مجاملة
أو تقية بل أؤمن إيمانا راسخا بعدم جدوى الإيديولوجيات لأنها كما قال سارتر:
"الإيديولوجيات حرية في بداية تشكّلها وظلم و قهر بعد نهاية
تشكّلها"
« Les
idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont
faites » (Jean-Paul Sartre)
وأضيف ما قاله جوزيف
غابــل في نقد الإيديولوجيات: "
فالإيديولوجيا، من حيث إنها متجهة صوب الماضي، ستكون وظيفتها هي الحفاظ على الوضع الاجتماعي،
في حين أن اليوتوبيا، وهي مشرئبة نحو المستقبل هي عامل ثوري" : يكفي القرآن الكريم شرفا عند المسلمين أنه كتاب إيمان وهداية، يحثّ
ويشجّع على العلم والعمل وإعمال العقل ولن يزيده رفعة وشرفا احتواؤه للاكتشافات
العلمية الحديثة المادية البشرية ولن ينتقص من قيمته الروحية عند المسلمين خلوّه
من النظريات العلمية الحديثة التي لا ترتقي في مجملها إلى حقائق ثابتة ثبوت النص
المقدّس.
يهدف القرآن إلى بناء علاقة روحية عمودية سرية شخصية ومتعالية على العقل والعلم والمادّة، علاقة
مع المسلم العالم والجاهل على حد السواء ليهديه ويجذبه ويقرّبه من ربه وأما العلم فيبني
علاقة ظرفية شكّية أفقية عمومية مشتركة ونديّة مع الإنسان مسلما أو غير مسلم
ليربطه بواقعه المادّي المحسوس ويشدّه إلى جذوره المادية الطبيعية. لن يزيد المسلم
إيمانا فوق إيمانه، اتساع القرآن ليشمل نظرية النشوء والارتقاء لداروين أو نظرية النسبية لأينشتاين كما لا
ينقص إيمانه عدم وجود النظريتين بوضوح في نصه المقدّس. المسلم الذي ينتظر من القرآن
شواهد وإثباتات علمية مادية محسوسة وواضحة حتى يسلّم بإعجازه ومصدره الإلهي هو
إنسان مادّي بالقوة (en puissance) "قد" يلتقي في شكّه مع الملحد الذي لا
يؤمن بالقرآن كتابا مقدّسا والذي يؤكد جازما أن هذا الكتاب بشريّ لأنه لا يحتوي
البتة على حجج وقرائن مادية مقنعة ودالة على وجود خالق وراء هذا الوجود المادي
المحسوس وغير المحسوس والمرئي وغير المرئي. أما الملحد الذي يبحث في الغيبيات
ويحاول تكذيب عقيدة غير مادية مستعينا بمنطق مادي فهو مؤمن بالقوة لكنه ضعيف الإيمان.
خاتمة:
لنفرض جدلا أن كل الاكتشافات العلمية الغربية البشرية
الحديثة موجودة في القرآن الكريم منذ 14 قرنا. فهل هذه الحقيقة تضيف شيئا من
الاستحقاق العلمي للمسلمين المعاصرين الذين لم يشاركوا في صنع هذه الاكتشافات ؟
وهل تضيف شيئا إلى قدرة الله الذي يقول للشيء: "كن فيكون" ؟ ولماذا لا
نقول الحق كما أمرنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وننسب المجهود إلى أصحابه،
علماء الغرب الذين ألهمهم الله -أليسوا من عباده الصالحين ؟- فاجتهدوا وعملوا
ووصلوا ونجحوا بواسطة جهدهم البشري إلى صنع العلم وبناء المعرفة وسهروا وحرصوا على
تطويرهما ؟ أما نحن المسلمون العرب المقيمون في بلدان إسلامية، فقد فشلنا أيما فشل
في بناء العلوم وصنع أبسط الآلات، ولم يبق لنا سوى الادعاء الكاذب وانتحال صفة
العلماء الغربيين (مسلمين وغير مسلمين) ونسبة اكتشافاتهم لأنفسنا زورا وبهتانا،
والله -سبحانه وتعالى- غني عن عملهم وعملنا ووجوده لا يحتاج إلى برهان علمي إلا
لدى ضعاف الإيمان من أمثالنا ولكنه في الوقت نفسه كريم وسيجازي العلماء الغربيين
على ما فعلوه من أجل تقدم ورقي البشرية وسيلوم المسلمين المتقاعسين على ما فعلوه
بأنفسهم.
وأخيرا أنوّه بالعلماء الغربيين المسلمين الذين شاركوا
زملاءهم العلماء الغربيين غير المسلمين في بناء العلم والمعرفة (وليس اكتشافهما
كما يُقال خطأ) وأشد على أياديهم وأقول لإخوانهم المسلمين المقيمين في البلدان
الإسلامية، باستثناء ماليزيا: ما فعله إخوانكم المسلمون المقيمون في البلدان
العَلمانية الديمقراطية هو الإعجاز العلمي بعينه، فعلوه بالعمل والمثابرة في
المخابر العلمية الغربية جنب زملائهم العلماء غير المسلمين، ولم يفعلوه بالتعسف
والإسقاط في تأويل آيات القرآن الكريم،
القرآن المنزّل النهائي هو كتاب يقين و إيمان ولا يجوز حسب رأيي مقارنته
بكتب العلم البشرية المبنية أساسا على الجائز والطارئ والشك والخطأ والصواب،
والإيمان أرقى ألف مرة من العلم لو كنتم تفقهون !
"الإعجاز العلمي" في القرآن (منتشرٌ بكثرةٍ في تركيا
والسعودية وفضائياتها) أو في الإنجيل (منتشرٌ بقوةٍ وكثرةٍ في أمريكا الشمالية
وبولونيا): عبارةٌ يرددها كثيرٌ من المسلمين وقليلٌ من المسيحيين. عبارةٌ، تبدو لي
أنها تحملُ في الداخل ضدها: لو كان إعجازًا فهو ليس علمًا ولو كان علمًا فهو ليس
إعجازًا، لأن الإعجازَ إعجازٌ إلهيٌّ، مُنزَّلٌ وأبديٌّ، يصيبُ دومًا ولا يخطئ
أبدًا، أما العلمُ (La science
moderne) فهو بشريّ، قاصرٌ وظرفيٌّ، يصيبُ ويخطئ، وقابلٌ للدحض والتكذيب
بطبيعته (Falsifiable).
ملاحظة: لا أشك لحظةً في العلم
الإلهي، تكفيني "كن فيكون"، ولا أحتاج لبهلوانيات الدعاة الجهلة تجار
الدين، ولم يحتجْ إليها الصحابة قبلي حتى يؤمنوا. العلم الإلهي في القرآن معجزة
ربانية، فما دخلك أيها المسلم فيها ؟ أوَ تظن أن الله ربك لوحدك ؟ الله رب
العالمين مسلمين وغير مسلمين، فبماذا تتباهى أنتَ إذن على غير المسلمين ؟ الله قال
لك: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ".
غيّرْ يا سِيدي وانتجْ علمًا حديثًا وانسبه لنفسك عِوض التطاوُسِ بما ليس فيك،
واتركْ ما لله لله، الله يهديك !