دون جهويات، يبدو لي أن الثورة التونسية لم تنجح إلا في جمنة! مواطن العالم
أصيل جمنة ولادةً و تربيةً د. محمد كشكار
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 6
جويلية 2012 (نسخة معدلة في 2015).
أبدأ باسم
الرحمانْ، في تونس أُسقِطَ مخلوعٌ و في جمنة مخلوعانْ!
جل المعارضين التونسيين ينقدون السلطة و
يغازلون الشعب لأنهم يسعون إلى السلطة عن طريق الشعب أما أنا فأنقد الشعب و لا
أغازل السلطة لأنني لم أسعَ يوما و لا أسعى أبدا و لن أسعى البتة لإرضاء الشعب
نفاقا و لا لإرضاء السلطة متقرِّبًا متزلِفًا. أسعى فقط إلى تغيير المفاهيم غير
العلمية بالتعامل معها بحذر لدى من يحملها و محاولة تعويضها قدر المستطاع بمفاهيم
علمية بمساعدة من لديه رغبة في التحول المفاهيمي التقدمي و الإيجابي من وجهة نظري
الضيقة بطبيعة الحال (Changement conceptuel progressiste et positif).
الشعب الذي لا يعمل و لا يبادر و لا يشارك و لا يتطوع لحل أزمته، هو شعب واهم و كسول و لا يستحق حرية و لا كرامة مع احترامي للمناضلين الطيبين فيه من كل الحساسيات السياسية دون استثناء أحد و هم في الشعب كُثْرُ. الحرية و الكرامة ليستا هديتين تُمنحان من الحكومة أو من الخارج بل هما قِيمتان تُكتسبان و تُصنعان بعقل عمالنا بالفكر و بعرق عمالنا بالساعد.
يقولون و أنا أول المصدقين، أن العامل
الألماني، بعد هزيمة بلاده في الحرب العالمية الثانية، كان يعمل 12 ساعة في اليوم
و يتقاضى أجر 8 ساعات فقط و ذلك من أجل إعادة تصنيع بلاده و إعمارها من جديد بسرعة
البرق للحاق بركب الدول الغربية المتقدمة و المنتصرة. كذلك فعَل العامل الياباني و
العامل الكوري الجنوبي.
لماذا لا نتخذ هذه الشعوب الوطنية قدوة
لنا و نصبر و نصابر و نعمل حسب جهدنا و نأخذ حسب حاجتنا حتى تنهض بلادنا و بعد ذلك
نطالب بالزيادة في الأجر و تحسين ظروف العمل؟ لو لم نخلق ثروة بأدمغتنا و سواعدنا
و نراكم رصيدا نقديا في البنوك، فمِن أين سنأتي بالزيادة في الأجر؟ أمامنا حل واحد
لا ثاني له، نأتي بها من البنوك الأجنبية (صندوق النقد الدولي و البنك العالمي) و
هذا الإجراء يُعتبر في علم الاقتصاد الرأسمالي من أوهى الحلول و هو في الحقيقة
مجلبة للتبعية و باب للتفريط في كرامتنا و التخلي عن استقلاليتنا الوطنية.
رد استباقي جدي و حازم لمن سيقول لي جدلا
أن مقارنتي بين الشعب التونسي و الشعب الألماني لا تجوز:
لماذا دوما نحتقر أنفسنا و لا نثق في قدراتنا؟ أهُمُ رجال، و نحن رجال مع تأجيل التنفيذ؟ و ها قد حان موعد التنفيذ! و نحن في جمنة قررنا و نفذنا و لم ننتظر.
لماذا دوما نحتقر أنفسنا و لا نثق في قدراتنا؟ أهُمُ رجال، و نحن رجال مع تأجيل التنفيذ؟ و ها قد حان موعد التنفيذ! و نحن في جمنة قررنا و نفذنا و لم ننتظر.
يُقيَّمُ نجاح الثورة بتحقق أهدافها و
تفعيل شعاراتها: في جمنة، تَجسَّمت شعارات الثورة التالية: "التشغيل استحقاق
يا عصابة السرّاق" و "تونس حرة و التجمُّع على برَّة". و فعّلتها
جمنة بالكيفية التالية: أسوق لكم مثالا تونسيا خالصا في الوطنية و التطوع و نكران
الذات، مثال حدث في خضم ثورة 14 جانفي 2011، وقع في جمنة، قرية في ولاية قبلي:
اعتصم أهلها 150 يوما من أجل استرداد حقهم في ملكية واحة تقع في أرضهم، واحة كبيرة
تعدّ تسعة آلاف نخلة نوع دڤلة نور، استرجعوها من متسوغ سارق ("عصابة السرّاق")
كان يستغلها بالرشوة و يكسب سنويا من ورائها نهبا و ظلما و بهتانا ملايين
الدنانير، اعتصموا 150 يوما و لم يقطعوا طريقا و لم يحرقوا شجرة و لم يقتسموا أرض
الواحة و لا نخيلها فوضويا رغم احتياجهم الشديد و كثرة العاطلين في القرية. تكونت
في الإبان "لجنة حماية الثورة" التي تحولت فيما بعد إلى "لجنة
حماية واحات جمنة" (تتألف هذه اللجنة المحلية جدا من اثني
عشر عضوا و هي ليست تابعة لرابطات حماية الثورة
المتهمة بممارسة العنف ضد النقابيين في ساحة محمد علي و غيرها من الساحات
النقابية) فمنعت أولا المتسوغ المخلوع من دخول الواحة المعنية و ثانيا حافظت على نخيل
الواحة من الإتلاف و النهب و الحرق، فحسّنته و لقّحت أزهاره و غلفت عراجينه ضد
الأمطار و داوَت ثماره ضد الأمراض و باعت محصوله لِخريف 2011 بمليون دينار، أكثر
من العام السابق، و شغّلت ("التشغيل استحقاق") العشرات من أبناء البلد
العاطلين عن العمل (تقريبا 114 عامل قار عوض 8 فقط في عهد المخلوعَين، السلطة
المستبدة مجسمة في المخلوع بن علي و رجال الأعمال السرّاق ممثلين في المخلوع متسوغ
الواحة المذكور أعلاه) و تعتزم الآن تكوين شركة و بناء مصنع للتمور في نفس البلدة.
تتكون "لجنة حماية الثورة" أو "لجنة حماية واحات جمنة" لاحقا
من أساتذة و عمال و فلاحين و تجار، فيهم المصلي النهضاوي و المصلي القومي و المصلي
المستقل و ناطقهم الرسمي، الذي لا يدعي رئاستهم و لا قيادتهم، زميلي و صديقي أستاذ
الفرنسية المصلي اليساري النقابي القاعدي المستقل (و هو مواطن جمني عادي أصيل و
شريف و صادق و مسالم ، دمث الأخلاق، مواطن يحضى بثقة جميع الحساسيات السياسية و
العروشية في جمنة). كل أعضاء اللجنة متطوعون ليلا نهارا دون مقابل و لا يوجد فيهم
تجمّعي واحد ("تونس حرة و التجمُّع على برَّة"). عملوا متطوعين لوجه
الله متضامنين بصدق و جد و شفافية لمدة عام أو أكثر و لا زالوا يسعون لتحقيق أهداف
الثورة في سبيل المحافظة على المصلحة العامة و قد لاقوا المساندة الكاملة من كل
الأطياف السياسية الجمنية دون استثناء، لكن - و للأسف الشديد - لا زالت الحكومة
الحالية تماطلهم و لم تفوّت لهم في هذه الواحة الواقعة على أرضهم بيعا و شراء. فاق
أعضاءُ اللجنة العمالَ الألمان و اليابانيين و الكوريين في الوطنية و التضحية و
نكران الذات و أصبح بعض أهالي قبلي ينعتونهم باليابانيين الجمنين، عملوا خارج
أوقات عملهم الرسمي ليلا نهارا دون أجر، خالصي النية و الفعل، ناكرين لذواتهم، و
تبرعوا لموطنهم جمنة بأكثر ما تبرع به العامل الألماني و الياباني و الكوري
لأوطانهم، خدمة للمصلحة العامة دون انتظار جزاء أو شكور من أحد.
بما أنني أصيل هذه القرية العريقة، جمنة،
شاركت عن بعد في إنجاح هذا المشروع الثوري الجبار بما أقدر من مجهود متواضع جدا
جدا، ماديا و معنويا و دعائيا و لا زلت أتابع خطواته و أبارك طموحاته في إنشاء
شركة رسمية تتولى إدارة المشروع و مما أثار إعجابي أكثر بجميع أعضاء "لجنة
حماية واحات جمنة" هو إصرارهم كلهم دون استثناء على عدم الترشح لتبوّء أي
منصب في مجلس إدارة هذه الشركة المحتملة أو شغل أي وظيفة مستقبلية فيها.
و أستغل هذه المناسبة لأتقدم بالشكر و
الامتنان لجميع أعضاء "لجنة حماية واحات جمنة" لأنهم وفروا لي فرصة
تجسيم "مواطنتي العالمية" أفضل و أنفع تجسيم قولا و فعلا: لقد ساندهم
معنويا مدير أطروحتي بيار كليمان، الأستاذ المتقاعد من جامعة كلود برنار بليون 1
بفرنسا، بمعية زملائه من عديد الجنسيات و زارهم بواحة جمنة صحبة زميلة له من جينيف
بعد ما قدم لهم في البداية مساندة مادية متواضعة تجسمت في حوالة بمقدار ألف أورو،
جمعها من زملائه الفرنسيين المساندين للثورة التونسية الذين يرون كما أرى أن
الثورة التونسية لم تتحقق على أفضل وجه إلا في جمنة. و يا ليتها تعمّمت بهذا الوجه
في الشمال الغربي بجميع أراضي الطرابلسية و ضيعات أزلام النظام القديم التي عُيِّن
على رأس كل واحدة منها مؤتمن عدلي حكومي و لم ترجع لمستحقيها من المواطنين.
أدخل في الفقرة الموالية بكل نسبية و
احتراز الحذر العلمي تجنّبا للوقوع في خطأ تحليلي أو منهجي و تجنّبا لظلم أي مواطن
تونسي شريف دون قصد:
مع احترامي لعدنان الحاجي، نائب الشعب
الجديد و القائد النقابي في الحوض المنجمي و الرجل الكريم المتبرّع - لمن لا يعلم
- بأحد كليتيه لزوجته، و بمناسبة إعادة نشر هذا المقال، أدعوه بكل تواضع الجمنين و
بكل لطف و ترحيب المُضيِّف الجمني السخي أن يزور جمنة و يطّلِع على التجربة
الثورية الجمنية و يستخلص منها العبر والدروس و يأخذ منها ما يفيد جهة الحوض
المنجمي و يضمن المصلحة العامة لجميع التونسيين. و لا ندعي البتة محاولة إقناعه هو أو غيره بالوقائع أو
الحجج و البراهين و إنما لنعرض عليه بكل تواضع وجهة نظر أخرى لا أكثر و لا أقل. ومع اعترافي بحق الإضراب الشرعي،
تصوروا معي أو احلموا معي، لو وقع في مناجم الفسفاط بالحوض المنجمي نفس التجربة
الناجحة التي حدثت بجمنة، مع فارق الآليات بطبيعة الحال و فارق الرهان الاقتصادي
(بيعت الصابة السنوية لواحة جمنة تحت إشراف "لجنة حماية واحات جمنة"
خريف 2011 بمليون دينار و في 2014 بمليون و ثمان مائة ألف دينار أي الضعف تقريبا،
أما دخل شركة الفسفاط بڤفصة فيفوق تقريبا الثلاثة ملايين دينار يوميا و يكوّن هذا الدخل
مع دخل مصانع كيمياء قابس حوالي 15 في المائة من الناتج القومي التونسي) ، لو
تكونت "لجنة حماية الثورة" بالحوض المنجمي و تولت إدارة الشركة و زادت
في الإنتاج و حافظت على التجهيزات و عقدت الصفقات مع الخارج مباشرة (في مدينة دوز
المجاورة لقرية جمنة، يبيع بعض الفلاحين إنتاجهم من دڤلة النور مباشرة إلى شركات
أجنبية دون وسيط بستة أورو الكيلوغرام الواحد أي بستة أضعاف ثمنه المحلي) و لو
تبرع عمال الشركة و المشرفون عليها بأربع ساعات عمل يومية زائدة - لغة
"لو" لغة حالمة لكنها ليست مستحيلة التطبيق لو توفرت الثقة بين الحكومة
و شعبها و لو صدقت النوايا لدى الاثنين و لو تحقق كل هذا الحلم - لاستغنينا عن
القروض الهزيلة و الهِبات المشروطة من قطر و اليابان و أمريكا و الاتحاد الأوروبي
و لَمَا اضطررنا لبيع البغدادي المحمودي بمائة مليون دينار (أنا لست ضد تسليمه
لبلده ليبيا، لكن بشروط حقوقية عالمية و دون مقابل و لو مليما يتيما واحدا). لو
ركّز المواطن التونسي على البناء و تجنب الهدم و الحرق و النهب و التكاسل و لو
استقل بقراره عن الحساسيات السياسية لكسبنا الكثير الكثير، خاصة في ظل غلاء أسعار
الفسفاط و مشتقاته.
خلاصة القول:
كما قال صديقي الحقيقي
الأمين البوعزيزي في قناة الحوار التونسي (هو مواطن من سيدي بوزيد، يساري اجتماعي
و مناضل قيادي بحركة شباب الكرامة): "لو كان الحزب الحاكم، حزب حركة النهضة
صادقا في نواياه الثورية لأعاننا على إسقاط النظام القديم بعد ما ساعدناه، نحن
مناضلي اليسار النقابي القاعدي، على إسقاط رأس النظام و مهدنا له استلام السلطة
بمباركة شعبية أغلبية و انتخابات ديمقراطية على "الطريقة الغربية" أي
غير النزيهة فعليا رغم أنها غير مزورة شكليا. لكن رغم أنوفنا و رغم أنف حزب حركة
النهضة نفسه - حتى و لو تلاقت مصلحته وقتيا مع مصلحة الأمريكان و الخليجين على
حساب مصلحة جزء غير هيّن من الشعب التونسي الثائر - و يا لعجزنا و عجزه، فُرضت
أمريكا علينا و عليه مساندة أجنبية سيئة العواقب حسب التجربة العراقية الفاشلة.
مساندة مشروطة و مسمومة، نرفضها كلنا و لم نطلبها و لن نطلبها يوما و المؤمن لا يُلدغ
من جحر مرتين، فإن لدغنا مرة فتبا له و إن لدغنا مرتين فتبا لنا و نحن العرب و
المسلمون لُدِغنا من الجحر الأمريكي السامّ ملايين المرات و لسوء حظنا و طالعنا و
انتهازية حكامنا من المحيط إلى الخليج و عمالتهم السرية و المكشوفة للعم سام، لم
نتعظ و لم نعتبر و لم نُرِدْ لذلك أظن لم يستجبْ لنا القدر.Haut du formulaire
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire