الأحزاب اليسارية التونسية
بين التخلي الإرادي عن الماركسية أو الانقراض الحتمي اللاإرادي ! مواطن العالم د. محمد كشكار
المصدر
مقالي هذا مستوحى من مقال صدر
في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier
2015) صفحة 18 بعنوان "انحراف
حكم الأقلية قابل للمقاومة" (La résistible dérive
oligarchique) بقلم أنتوان شوارتز (Antoine Schwartz) حول كتاب "الأحزاب
السياسية" للكاتب الإيطالي روبير ميشالس (Robert Michels, 1914).
ملاحظة منهجية
كل ما يرد بين ظفرين في هذا المقال
هو ترجمة لنص كاتب المقال أو كاتب الكتاب، أما القليل الباقي فهو لي.
مقدمة نظرية أتبناها أنا
شخصيا
"مفارقة :رغم أن التنظيم يمثل حاجة ضرورية لممارسة الديمقراطية السياسية،
إلا أنه يقسِّم "كل حزب أو كل نقابة مهنية إلى قلة مسيِّرة و أكثرية
مسيَّرة" بعبارة أخرى، "كل مَن يقول تنظيم يقول نزعة مفضوحة لحكم
الأقلية".
الموضوع
-
نقد التركيبة الاجتماعية للأحزاب اليسارية التونسية
هذه
الأحزاب تستقطب أعضاءها خاصة في دوائر البورجوازية الصغيرة (الجامعات و المعاهد و
الوظيفة العمومية و البيروقراطية النقابية) و ليس في المصانع. في العشريتين
الأخيرتين ارتفع عدد العمال اليدويين في تونس بسرعة خاصة في القطاع الخاص لكن نسبة
المنضمين من العمال اليدويين لم ترتفع داخل هذه الأحزاب. أمناؤها العامون، حمة
الهمامي و زياد لخضر و جمال لزهر، ثلاثتهم أساتذة خريجو جامعة.
-
نقد إيديولوجيا الأحزاب اليسارية التونسية
فقدت
هذه الأحزاب بريقها المتوهج الماركسي العمالي و في العهد البائد، عهد بن علي، انخرطت
في العمل الجمعياتي و خير دليل هو هيمنة حزب العمال الشيوعي على الرابطة التونسية
للدفاع عن حقوق الإنسان في عهد رئيسها المتعاطف مع هذا الحزب، المحامي المحترم مختار
الطريفي.
-
نقد بيروقراطية الأحزاب اليسارية التونسية
"صحيح أن البروليتاريا تحتاج
إلى خصم سياسي أو عدو طبقي متمثل في البورجوازية إلا أنها تحتاج أيضا إلى تكوين
نفسها و تهيئة أفرادها لقيادة الأحزاب التي تمثلها. و حتى لو كانت بعض كوادر الأحزاب
اليسارية من أصول بروليتارية فإنها قد تبتعد عن عالم الشغل في المصنع و عن هموم
أعضائها القاعديين و يستهويها نمط العيش البورجوازي الصغير المريح نسبيا
بالمقارنة. و ينتهي المطاف بهذه البيروقراطية الحزبية اليسارية إلى اعتبار
الانتماء الحزبي غاية في حد ذاته و ليس وسيلة نضالية لتحقيق العدالة الاجتماعية.
فتصبح الإستراتيجية تخضع للجرْي وراء المناصب السياسية في السلطة، نائب أو وزير أو
مستشار. و هنا لا يجامل الكاتب روبير في
نقده: "فبِقدر ما تزيد حاجة الحزب للتماثل و الراحة، تتقلّم أظافره الثورية و "بشجاعة" يصبح حزبا محافظا لكنه و من أجل الإبقاء على ماء الوجه النضالي يستمر في
ترديد الشعارات الثورية، مع أنه في الممارسة لا يقوم بأي وظيفة سوى وظيفة حزب
معارض و ليس حزبا ماركسيا ثوريا". من جهة، تحرض القيادة كل يوم على الثورة، و
من جهة أخرى، تقدِّم تكتيكا سياسيا يعتمد كليا على الروتين و التسويات و
التنازلات".
خلاصة
القول
يعمّم
كاتب كتاب "الأحزاب السياسية" رأيه ثم ينهي كتابه بمسحة تشاؤمية قائلا:
"القانون الحديدي للأوليغارشية (حكم الأقلية) يجعل هيمنة المنتخَبين على
المنتخِبين شيء لا مفر منه و كذلك المندوبين على النادبين و النخبة على الجماهير. "لا
تستطيع الحكومة، أو الأفضل الدولة، شيئا آخر غير أن تكون منظمة أقلية" تفرِض على
باقي المجتمع نظاما مطابقا لمصالحها. و في حين تتصارع الكتل الحاكمة على السلطة،
تبقى الجماهير تتفرج و لا تُدعى للحسم إلا موسميا في الانتخابات". رؤية مثل
هذه لكاتب الكتاب قد تحبط كل نَفَس ثوري طامح للتغيير الديمقراطي لكن هذا لا يمنع بعض
القراءات من اعتبار رؤيته رؤية تنبئية (مات سنة 1936) في ما يخص مصير الأحزاب
الشيوعية و الديمقراطيات الشعبية. و من شدة يأسه من الديمقراطية البرلمانية انضم
سنة 1924 إلى الفاشية الموسولونية بعد ما كان متعاطفا مع النضال النقابي الثوري في
ذلك العهد. كان يؤمن بالتكوين السياسي الذي يسمح بــ"تنمية القدرة الذهنية
على النقد و المراقبة""
يبدو
لي أن هذه الكفاءة الأخيرة غائبة تماما أو مغيبَة أو حتى منبوذة و محاربَة داخل
الأحزاب اليسارية التونسية المعاصرة و أتمنى كيساري ناقد لليسار أن لا تكون نهايتي
كنهاية كاتب الكتاب.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 13
جانفي 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire