mercredi 21 janvier 2015

لقد سبقتْ قرية جمنة دولة إيطاليا في احتضان مختلِّيها العقليين أحرارا خارج أسوار المستشفات النفسية (مثل مستشفى الرازي بتونس) و كذلك فعلت كل قرى الريف التونسي. مواطن العالم أصيل جمنة ولادة و تربية د. محمد كشكار

لقد سبقتْ قرية جمنة دولة إيطاليا في احتضان مختلِّيها العقليين أحرارا خارج أسوار المستشفات النفسية (مثل مستشفى الرازي بتونس) و كذلك فعلت كل قرى الريف التونسي. مواطن العالم أصيل جمنة ولادة و تربية د. محمد كشكار


المصدر
مقالي هذا حول المستشفات النفسية مستوحى من مقال صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 16 تحت عنوان "رفع القيود عن المجانين" (Fous à délier) بقلم الصحافية ماتيلد ڤونيك (Mathilde Goanec).

حدث في إيطاليا سنة 1970
أغلِق المستشفى النفسي في ترياست (Trieste) في أوائل السبعينات من قِبل الدكتور فرانكو بازاڤليا (Franco Basaglia) أين كان يقيم 1200 "مجنون" و لم تنقرض المستشفات النفسية في إيطاليا إلا في أواسط التسعينات . ولِد بازاڤليا بطل الطب النفسي البديل سنة 1924 بمدينة البندقية (Venise) و جرّب الإقامة كـ"مريض" في هذه المستشفيات طيلة شهور بسبب قربه من مجموعة تناضل ضد الفاشية. تأثر بـنقد ميشال فوكو و فرانز فانون للمؤسسات الاستعمارية. كانت المستشفات النفسية الإيطالية بعد الحرب العالمية الثانية تأوي أكثر من 100 ألف شخص.

يقول بازاڤليا: "لا يمكن إقامة علاقة علاجية إلا مع المريض النفسي الحر"

حدث في قرية جمنة الخمسينات
تركنا مريضنا النفسي حرا في جمنة و لم تقم دولتنا بواجبها نحوه فبقي محروما من علاقة علاجية حرة كانت قد تحسِّن من حالته الصحية النفسية. كنا في جمنة مجنونين بمجنوننا "الساسي بن احمد" و لو خُيِّرْنا بين تقييده بالحبال و "علاجه" بالمهدئات العصبية داخل "مستشفى - سجن" لاخترنا تركه حرا "دون علاج".
إذا أخذنا بتعريفات العلوم الغربية الحديثة نستطيع أن نصنّف "الساسي بن احمد" كمختل عقليا. و إذا طبقنا نصائح الأطباء النفسيين الأفاضل فسنعزله في مصحة الأمراض النفسية. هو "مجنون" أو "مهبول" أو "درويش" القرية بالمعنى الدارج للكلمة.

نحن أولاد بلده "جمنة" لم نصنِّفه كمختل أو معتوه و لم نحاكمه و لم نحكم لصالحه و لا ضده و لم نعزله في أي مكان بل رحبنا به يعيش حرا طليقا بيننا. نكنّ له كل الاحترام  و المحبة و المعاملة بالمثل مثله مثل أي مواطن "جمني"، لا نعطف عليه عطفا مرضيا خاصا.

لو دخل مصحة نفسية لسمّم الأطباء جسمه بالمهدئات العصبية و لجعلوا منه جثة هامدة تنتظر الموت. نحن "الجمنين" أعطيناه أهلا وأملا و عملا تطوعيا و حمّلناه مسؤولية نظافة قريتنا و ملأنا حياته حيوية و نشاطا فغمرنا هو بمزاياه و نظف شوارعنا و جامعنا القديم و أسعدنا بإشعاعه و غنائه و أعجبنا كبرياؤه. عاش و مات بيننا كالسمكة في الماء و أقمنا له جنازة لا تضاهيها جنازة في المهابة و الحزن و الحضور.

هذه تصرفاتنا و هذه تقاليدنا الوطنية الصادقة, لم نقرأها في كتب فوكو و فانون و لم نستوردها من اليابان و لا من الغرب بل على العكس فنحن الذين ندعوهم للتعلم من ثقافتنا و لم أقل من علمنا، لأن ما فعلناه لا يرتقي إلى مرتبة العلوم مثل الذي فعله  الطبيب العالِم الإيطالي بازاڤليا لذلك دُرِّست تجربته و عُمِّمت و لم تُدرَس تجربتنا من قبل علماء تونسيين فبقيت تراثا جميلا يضاف إلى قيمنا الإنسانية. و بعدنا أو قبلنا، لا يهم،  تفطن علماؤهم النفسيون لعدم الفائدة الصحية من عزل المختلين عقليا في مصحة نفسية و شرعوا في إطلاق سراح جميع المعتقلين فيها.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 21  جانفي 2015.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire