في تونس بعد الثورة، نلاحظ
تراجع الأحزاب الإيديولوجية المتجانسة و صعود الأحزاب غير الإيديولوجية و غير
المتجانسة. مواطن العالم د. محمد كشكار
المصدر
مقالي هذا حول الأحزاب
التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم
السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015)
صفحة 1 و 17- 22.
تراجع الأحزاب الإيديولوجية
المتجانسة في الانتخابات التشريعية الأخيرة
فقد الحزب الجمهوري و حزب
التكتل و حزب المؤتمر من أجل الجمهورية الكثير من مقاعدهم في البرلمان و ذلك نتيجة
طبيعية لتكلسهم و عدم مسايرتهم لتطور المجتمع و عدم تفاعلهم مع الإكراهات الدولية.
أحزاب لم تتفطن بعدُ - أو تفطنت و عجزتْ عن التكيّف - لتعقّد الوضع الجديد، وضع
يوحي للفطِن البراڤماتي الذكِي بتدرج هجرة السلطة التنفيذية نحو مؤسسات لا تمتّ
بصلة قرابة للاقتراع العام - البنك العالمي و صندوق النقد الدولي - مما فتح المجال
واسعا للنخب الحزبية للولوج بسهولة إلى عالَم الرفاهية المخصص للمناصب العليا في
المنظمات الدولية، مناصب محمية من مخاطر الانتخابات و مفاجآتها غير السارّة أحيانا.
لقد انتهى عهد حكم الشعب نفسه بنفسه و انتقلنا و الحمد لله - الذي لا يُحمد على
مكروه سواه - إلى حكومة للشعب، حكومة قد تتطور أكثر فأكثر نحو حكومة تسحب البساط
من تحت أقدام الشعب و ربما تعوضه دون استشارته.
صعود الأحزاب غير
الإيديولوجية و غير المتجانسة في الانتخابات التشريعية الأخيرة
نلاحظ اليوم في تونس انبثاق
معارضة غير إيديولوجية و غير متجانسة من خارج الأحزاب الكلاسيكية. ذكي مَن يصطاد
هذه الفرصة و يقطف ثمرة لم يسقِها بعرقه و هذا ما فعله بالضبط الباجي قايد السبسي
(أنا أعارضه و لم أتعاطف معه لحظة واحدة في حياتي منذ ستين سنة لكن موقفي الذاتي هذا
لم يمنعني من أن أثني على الحِرفية السياسية الذي يمتاز بها دونا عن كل السياسيين
التونسيين - ما عدى راشد - خاصة في تحالفه
الانتهازي الإيجابي مع الجبهة الشعبية). لقد نجح في تجميع ما لا يُتجمّع إلا في
التجمّع، جمعَ التجمّعيين و اليساريين و النقابيين و الديمقراطيين الليبراليين و
كوّر بهم و أسس حزب حركة نداء تونس، حزب دون إيديولوجية و دون برنامج أو بالأحرى ماكينة
ناجعة في الوصول إلى السلطة مستغلا هِنّات الديمقراطية الليبرالية أفضل استغلال،
أجاد توظيف آلياتها الداخلية و الخارجية لصالحه فوصل إلى القمة بسرعة برقية دون جهد
يُشكر أو نضال يُذكر.
أقل ذكاءً من السبسي، كانت الأحزاب
اليسارية التونسية التي تكاتفت فيما بينها و صنعت من الضعف قوة و تخلت عن
إيديولوجياتها المختلفة و المتخلفة و أسست جبهة غير إيديولوجية و غير متجانسة و
نجحت و حققت في الانتخابات التشريعية الثانية ما فشلت في تحقيقه فُرادى في
الانتخابات التشريعية الأولى. كيساري غير ماركسي و غير منتم لأي حزب، أنا أعارض
الجبهة الشعبية سياسيا و فكريا و أنقدها صباحا مساءً و يوم الأحد لكن موقفي النقدي
هذا لم يمنعني من أن أثني على الحِرفية السياسية التي تتميز بها الجبهة الشعبية خاصة
في تحالفها الانتهازي السلبي مع حزب حركة نداء تونس.
تهميش دور البرامج الحزبية
بأيدي مصمميها من الأحزاب التونسية أنفسهم
أحزاب يسارية (الجبهة
الشعبية) تطلب من حكومة يمينية (حكومة جمعة السابقة و حكومة الصيد القادمة) تنفيذ
برنامجها في العدالة الاجتماعية. أبعدَ هذا الخورِ السياسي خورٌ؟
بعد الانتخابات التشريعية
الأولى تخلى حزب التكتُّل عن برنامجه الاشتراكي الديمقراطي الليبرالي و تكتَّل مع
حزب يميني محافظ، حزب حركة النهضة. قال
تعالى : "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا
تَفْعَلُونَ ، كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ".
الصيد، رئيس الحكومة الجديد،
لا يحمل برنامجا أصلا و موكولٌ له خياطة ثوب من تمزيق أثواب الآخرين. و إذا برنامجُه
سُئِل من أي برامج فُصِّلَ؟
ملاحظة: التحليل أعلاه لم يشمل قصدا حزب حركة النهضة لغياب مثيل
له في الأحزاب الأوروبية.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 14 جانفي 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire