jeudi 15 janvier 2015

بعض أسباب تراجع الحس النضالي لدى بعض قواعد الأحزاب اليسارية التونسية في الجبهة الشعبية. مواطن العالم د. محمد كشكار

بعض أسباب تراجع الحس النضالي لدى بعض قواعد الأحزاب اليسارية التونسية في الجبهة الشعبية. مواطن  العالم د. محمد كشكار

المصدر
مقالي هذا حول الأحزاب التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 1 و 17- 22.

بدأت أزمة تراجع الحس النضالي لدى بعض قواعد الأحزاب اليسارية التونسية في الجبهة الشعبية مع تنامي حاجة هذه الأحزاب إلى كفاءات مرتزقة من التكنوقراط غير الملتزمين بخط إيديولوجي معيّن لإدارة حملاتهم الانتخابية (التجأ حمة الهمامي، مرشح الجبهة الشعبية اليسارية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة إلى قناة نسمة الليبرالية من أجل مَكْيَجَةِ صورته و تلميعها أمام الرأي العام) و تناقص اعتمادها على الطاقات النضالية القاعدية التطوعية داخل الجبهة. انجرّ عن هذه الإستراتيجية الليبرالية الانتهازية تهميش لدور هؤلاء المناضلين الملتزمين و انجرّ عنها أيضا خضوع اليسار لتكتيك عدوه الطبقي المتجسم في البورجوازية الليبرالية ممثلة في حزب حركة نداء تونس. دخل اليسار أرضا غير أرضه فعليه إذن أن يتكلم بلسانها (البورجوازية) و ينطق بمنطقها و يخضع لقانونها. انقلب السحر على الساحر فلم يعد المنتمون الجدد للجبهة الشعبية - اقتداءً بنظرائهم في الأحزاب البورجوازية - يرضون بانتظار وتيرة التدرج البطئ في سلم التراتبية الحزبية اليسارية و أصبحوا يتسابقون و يتُوقون لتبوُّءِ مناصب مهمة ماديا و معنويا في الاتحاد و البرلمان و الحكومة و المجالس البلدية.

أمسَى المنتخَبون الجبهويون الجدد يهجُرون الاجتماعات الحزبية الدورية داخل التنسيقيّات الجبهوية المحلية و الجهوية و نتج عن هذه الهجرة إضعاف مبيَّت و ملحوظ للحس النضالي القاعدي و أصبحت هذه الاجتماعات تُعقدُ في أوقات العمل القانونية حيث يتغيب مكرَهون المناضلون الملتزمون المتطوعون المباشرون لمِهَنِهم العادية و لا يحضرها إلا المنتمون المحترفون المتفرغون من كتبة و أعوان تسيير و حاشية السيد النائب الجديد.  أصبح للنواب الجبهويين الجدد اهتمامات خاصة بهم، و منها تحضير الانتخابات البلدية القريبة و الانتخابات التشريعية و الرئاسية القادمة التي تتطلب حتما انتداب خبراء في علوم التواصل و إطارات جامعية في سبر الآراء و تسيير الإدارة العمومية و هؤلاء المحترفون يشبهون طبقيا مشغِّلِيهم من القيادات اليسارية و هم أقرب لهم من قواعدهم المناضلة في الأحزاب و الجمعيات. ساهمت هذه الإستراتيجية الانتهازية في تعميق الهوة - عوض تجسيرها - بين القيادة اليسارية و قاعدتها المتكونة من البروليتاريا اليدوية (عمال الصناعة و الفلاحة) و البروليتاريا الذهنية (موظفون عموميون). و في ظل هذا الإقصاء و التهميش لدور أعضاء الجبهة المنحدرين من الشرائح الاجتماعية المفقرة أصبح النشاط القاعدي الجماهيري يقتصر على تنظيم تظاهرات احتفالية و تذكارية كالوقفة الاحتجاجية الأسبوعية "اشْكونْ اقْتَلْ شُكرِي" التي يحييها بعض العشرات من الجبهاويين الذين لا يلينون كل يوم أربعاء أمام وزارة الداخلية في شارع الثورة، شارع الحبيب بورڤيبة.


تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 15  جانفي 2015.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire