lundi 19 janvier 2015

يسارٌ استقطبَ اليمينَ في اسبانيا و يمينٌ استقطبَ اليسارَ في تونس. مواطن العالم د. محمد كشكار

يسارٌ استقطبَ اليمينَ في اسبانيا و يمينٌ استقطبَ اليسارَ في تونس. مواطن  العالم د. محمد كشكار

المصدر
مقالي هذا حول الأحزاب التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015) صفحة 1 و 17- 22.

حكاية الحزب الاسباني "بوديموس" الذي صعد بسرعة مذهلة مثل حزب نداء تونس
في أوروبا بدأت المعارضة لسياسة التقشف تنتظم خارج الأطُر الحزبية المتهمة بكونها جزءا من المشكل و ليس من الحل حتى تأسيس حزب "بوديموس". في 15 ماي 2011 خرج مئات الآلاف من المتظاهرين ينددون بتسلط البنوك على الاقتصاد الاسباني و يشجبون ديمقراطية "لا تمثلهم" و منعوا الأحزاب و الجمعيات من التعبير عن مواقفها أو حمل رموزها و رايات خلال المظاهرة. انبثق من صفوفهم شعار "الشعب الموحد لا يحتاج أحزابا". و بعد ثلاث سنوات انبثق مفارقة من نضالاتهم حزب "بوديموس"،  يعنى بالعربية "نحن نستطيع"، فصادف نجاحا غير منتظر في حين أن جل الأحزاب الأوروبية كانت تلاقي تهميشا شعبيا متزايدا  على مدى ثلاثة عقود.

تأسس هذا الحزب اليساري في جانفي 2014 و بعد خمسة أشهر فقط تحصل على 8%  من الأصوات في الانتخابات الأوروبية. و اليوم كل الاستطلاعات تبوؤه المركز الثاني بعد الحزب الاشتراكي العمالي الاسباني. انتقدت قيادات هذا الحزب اليساري الجديد أداء اليسار الأورتدوكسي و تحاليله المبهمة و مرجعياته الغامضة و لغته المشفرة. و قد سبق لزعيم  اليسار الجديد أن قال في 2012: "لا يصوّت الناس لشخص لأنه وفيٌّ لإيديولوجيته و ثقافته و قيمه بل يصوتون له لمجرد أنهم يتفقون معه" و يفعلون ذلك أكثر كلما كان الشخص عاديا و خفيف الروح و حتى مضحكا (رغم أنني أعارضه هو و حزبه، يبدو أن هذه الأوصاف المطلوبة في اسبانيا لم تتوفر في تونس إلا في  شخصية السبسي دونًا عن كل رؤساء الأحزاب الآخرين). قرّر اليساريون الجدد أن يفعلوا في المجتمع الاسباني، فتكلموا بلسانه و نطقوا بمنطقه و خضعوا لقانونه (المجتمع) و عَوّضوا معاداتهم للرأسمالية بمطالبتهم بالديمقراطية الاقتصادية و شطبوا من قاموسهم السياسي الثنائية الكلاسيكية "يسار- يمين" و أصبحوا يقسّمون المجتمع بين أكثرية مفقرة و نخبة مرفهة، بين مَن هم تحت و مَن هم فوق، بين مَن هم مع السوق و البنوك ومَن هم مع الديمقراطية مثلنا (نوفمبر 2014). و قد تباهى حزب "بوديموس" بأن 10 من ناخبيه في الانتخابات الأوروبية في ماي 2014 كانوا قبلها من ناخبين اليمين (أما في تونس فنصف ناخبين اليسار في الدورة الأولى انتخبوا اليمين في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية الأخيرة).

مقارنة بين كرامة زعمائهم مع مذيعيهم و بين ذل زعمائنا أمام "سي سمير"
متوجها للمنتج المذيع في القناة الوطنية الأولى، قال زعيم حزب "بوديموس": "دعْوتكم لي في قناتكم لم تأت نتيجة محاباة منكم لحزبنا بل كانت نتيجة نضالات و اسمح لي أن أشكر العاملين في هذه القناة لأنك، كما تعرف، لم تكن لتستقبلني في هذا البلاتوه لولا الضغط الذي مارسوه عليك".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 19  جانفي 2015.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire