يبدو أن اليساريين التونسيين بدؤوا
يتخلون عن اعتماد مفهوم صراع الطبقات لتفسير الظواهر الاجتماعية. مواطن العالم د. محمد كشكار
المصدر
مقالي هذا حول الأحزاب
التونسية مستوحى من ملف حول الأحزاب الأوروبية صدر في جريدة "العالَم
السياسي" (Le Monde Diplomatique, janvier 2015)
صفحة 1 و 17- 22.
نص المقال
يبدو أن الشعار الأساسي
للماركسية المسمى "صراع الطبقات" بدأ يفقد موقعه المركزي عند اليساريين التونسيين أنفسهم و يفسح
المجال شيئا فشيئا أمام إشكاليات اجتماعية محددة و متعددة: مثل التوزيع العادل
للثروة (مثل ما هو واقع حاليا في الدول الأسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية: خصصت
النورفاج عشر ريع الثروة النفطية غير المتجددة و ادخرته في صندوق بنكي لفائدة الأجيال
النورفيجية القادمة) و الحركة النسوية (أسس
حزب العمال التونسي منظمة نسوية داخلية للمناضلات اليساريات) و حماية البيئة و التنوع البيولوجي (حزب الخضر التونسي اليساري)
و العولمة و تعليق الديون الخارجية أو إعادة جدولتها أو توظيفها في الاستثمار
الداخلي لحل مشكلة البطالة أو مراجعة جدواها و محاسبة مانحيها المتواطئين مع نظام المخلوع
بن علي (جزء من البرنامج الاقتصادي للجبهة الشعبية).
أصبح اليساريون التونسيون
يفضلون النضال الجمعياتي على النضال الحزبي في مجالات الثقافة و التربية و البيئة
و الأعمال التطوعية في الصحة و الكوارث المناخية مثل كارثة الثلج في الشمال الغربي.
هذا التفتت في الالتزام يتناقض مع المكانة المركزية التي كان يتبوؤها الحزب و الإيديولوجية
الماركسية في العالَم الشيوعي (بعد الثورة حذفَ حزب العمال الشيوعي التونسي كلمة
شيوعي من اسمه). و نتيجة لهذا الوضع الجيوسياسي الجديد أصبح بعض العمال و الموظفين
اليساريين يستثمرون طاقاتهم النضالية في النشاط النقابي (أكثر القيادات النقابية
المحلية و الجهوية و الوطنية و القطاعية في الاتحاد العام التونسي للشغل تنتمي
للتيار اليساري بجميع تفرعاته المذهبية) و يعزفون عن الانتماء الحزبي، أما اليساريون
الأكاديميون و المحامون فقد اختاروا النضال في المنظمات الشغلية و الحقوقية الوطنية و العالمية مثل الرابطة (المحامي
مختار الطريفي) و المعهد العربي لحقوق الإنسان (الأستاذ الجامعي الطيب البكوش) و منظمة العمل الدولية (أستاذ التعليم الثانوي عبيد البريكي، العضو السابق في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل لمدة عشريتين
تقريبا، يشغل الآن خطة مدير مشروع -
المكتب الإقليمي ببيروت - عنوانه: «مشروع تعزيز قدرات المنظمات العمالية بالمنطقة
العربية» يشمل ما يقارب 11 دولة عربية)، بقي نواب الشعب اليساريون الجدد الذين
بدؤوا يركّزون نشاطهم بشكل حصري على
مهامهم كمنتخَبين محليين. لقد فقدت الأحزاب اليسارية التونسية إذن إشعاعها في
الأوساط اليسارية التونسية عموما إلا أن ائتلاف الأحزاب اليسارية في جبهة هو الذي
أنقذ نسبيا مرشحها حمة الهمامي في الانتخابات
الرئاسية الأخيرة و مكنته من التحصل على نسبة مئوية مشرِّفة لليسار التونسي. و تكمن
المفارقة الكبرى في تزامن المتضادات: صعود نجم الجبهة الشعبية اليسارية و نجاحها
النسبي في الانتخابات التشريعية الأخيرة ، بعد تحالفها المشبوه في "جبهة
الإنقاذ" مع اليمين الممثل في حزب نداء تونس، قد يحمل في رحمه أسباب فشلها و
يكبح مستقبلا تجددها.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 16
جانفي 2015.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire