جمنة
الخمسينات تعطي درسا في الجيرة الطيبة: "كلمة حق في جار حق". مواطن
العالم أصيل جمنة ولادةً و تربيةً د. محمد كشكار
تاريخ النشر على النت: حمام الشط في 16 ديسمبر 2010.
أدعوه بكل حب و
مودة و اختصار "عمي نصر". لم يكن لي عم غيره. لا قرابة دموية بينينا، جيرتنا
الطيبة أرقى من صلة الرحم.
مات أبي و أنا في سن الخامسة عشرة فلم أجد أمامي بعد أبي
أبا سواه. قمحي اللون، باسم الثغر، حلو الكلام، عطوف حنون، ينبعث من وجهه السمح نور
كنور الملائكة.
لم أسمع منه يوما كلمة قاسية، لا في حقي و لا في حق
أندادي. فلاح جنوبي يتميز برقة لا تتوفر عادة في رجال الصحراء الغلاظ.
يزورنا في المناسبات و يهدينا من "دڤلة" نخيله.
و في صباح عيد الأضحى، يمر على الجيران الواحد تلو الآخر، يذبح الضحية و يسلخها،
يأكل قطعة من كبدها و يمضي و في الغداء يجمع كل الجيران حول مائدته، عادة ورثها عن
أبي.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
"إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة
جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له". أعمّم المقاصد من الحديث و
أضيف: "أو جار وفيّ يذكره بخير". سوف أذكر "عمي نصر" و
أتذكّره دوما.
عيش مستقر و حلم مستمر. لم يكن يوحَى إليه أن تحت السطح
حزن مستمر. سعادته كانت هي الاستثناء فظنها القاعدة و من أين له أن يعرف أن الكدر
هو القدر. رجل تلاحقه من حيث لا يدري بفواجعها الأقدار و من بطشها لا مفر. تكيد له
كيدا. تتالت عليه البلايا، في الأولى فقد ابنه البكر مبكَّرًا، و في الثانية فُجِع في
زوجته، غرق و شجا ثم هبَّ و طَفَا و بعد كل نائبة رِضَا، و في الثالثة و الأخيرة انتهَى. البقية من حياته أكملها في الثلاثة من سجونه،
فقدُ ناظره و لزومُ بيته و كون النفس الأبية في الجسم الضعيف. صبرَ لكن قلبه لم
يعد يحتملْ فأفلَ النجمُ ثم انطفأ تحت رتل المصائب و عَنَّا، بعد معاناة الأبطال، في
الثمانين رحلْ و ذِكرُه الطيّب في حيِّنا لا يزلْ. نُفِّذَ حكم الإفناء و قُضِيَ
الأمر.
"عمي نصر" قُدوةٌ للأقارب و الجيران في الإقبال
على الحياة رغم بؤس الحياة. أهو حقّاً في هذا العصر عاش أم في زمن الملاحم
الأسطورية؟
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire