Affichage des articles dont le libellé est جمنة. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est جمنة. Afficher tous les articles

lundi 9 mai 2016

أثرٌ على الأثرِ. بقلم رؤوف ساسي، أستاذ السيميائية بكلية الآداب 9 أفريل

أثرٌ على الأثرِ. بقلم رؤوف ساسي، أستاذ السيميائية بكلية الآداب 9 أفريل (Sémilogie: Pour F. de Saussure, science dont l'objet est l'étude de la vie des signes au sein de la vie sociale.)

"جمنة" قرية\مدينة تقع في الجنوب الغربي للبلاد التونسية فيها ولد محمد كشكار (الكاتب) وترعرع طفلا إلى حين انتقاله إلى مدينة ڤابس فإلى حمام الشط المدينة الساحلية بضواحي تونس العاصمة الجنوبية... هناك استقر الرجل زوجا وأبا لأسرة منذ أكثر من ربع قرن... هناك خاض المعارك الفكرية والنقابية وتزودت ثقافته بما أتيح له من أمهات الكتب وأرقاها في شتى مجالات العلم والمعرفة.
بين كشكار الكاتب ومسقط رأسه علاقة حب لا متناهية فكما حضنته صغيرا وساهمت في صقل شخصيته على أكثر من صعيد اجتماعيا وروحيا وسياسيا ففيها تدرب على الصعاب وأدرك المعاني الحقيقية للنضال والمقاومة والصبر والتآزر والتسامح والتحابب، سعى هو الآخر في الجزء الأول من هذا الكتاب إلى رد الاعتبار إلى هذه الحاضنة المعطاء بإزالة الغبار عن العديد من وجوهها المغمورة في شتى مجالات الحياة... عطاء بعطاء وإكرام بإكرام.
ماذا تعني هذه البيئة الريفية القروية التي أراد الكاتب أن يخرجها للناس ويعرّفها على أكثر من صعيد؟ إنها بإيجاز العالم القديم الذي ولى وانقضى أو هو في العديد من وجوهه في طور الانقراض منذ أن أرست دولة الاستقلال بانفتاحها المفرَط على الغرب في الستينيات وخاصة السبعينيات تحديدا نظمها المختلفة في الاقتصاد والتربية والثقافة بشكل عام والكاتب في رد اعتباره لجمنة إنما أراد في واقع الأمر أن يصحح العديد من المفاهيم والمقولات الخاطئة حول العالم الريفي\القروي إلى حدود الخمسينيات وهو بذلك يواجه أفكار العديد من المثقفين "الحداثيين" الذين يرون في ذلك العالم مرادفا للتأخر والتقهقر (عادات وتقاليد لا يمكن أن تساير العصر وأن تنصهر في روحه وفي فلسفته الواعدة بالسعادة الأرضية كما بشر بها روّادها...) ينحو كشكار منحى معكوسا تماما لهؤلاء ويقدم الدليل على أن الريف أو العالم الريفي القروي القديم كان قبل أن تطأه أقدام الحداثة الزاحفة نموذجا ذا قيمة عالية جدا في العديد من المجالات الحيوية الاجتماعية والفكرية والروحية وحتى الصحية والبيئية وغيرها... يكفي حسب الكاتب أن نزيل الغبار عن هذه البيئة وأن ننظر إليها بعين مغايرة بعيدا عن الأفكار المسقطة (préjugées) وأن نتسلح أيضا بمقاربات جديدة تأخذ من شتى أصناف العلوم والمعارف الحديثة حتى ندرك ما لهذا العالم الريفي من درَرَ وجواهرَ أهمِلت أو أقبِرت عمدا لتضاربها رأسا مع "الفكر الحداثي" في أساليبه وغاياته.

 الطرح الحداثي\Thèse                             طرح الكاتب\Anti-thèse
                                           
المدينة\الإنسانية الموعودة، السعادة             الريف\الإنسانية المنجزة، السعادة
 

الريف\شقاء الإنسان وبؤسه                           المدينة\شقاء الإنسان وبؤسه

فحوى الجزء الأول من هذا الكتاب: الطرح والطرح المعكوس: نماذج للاستدلال:
في ثلاث أرباع هذا الجزء تقريبا يقدم كشكار بحكم تكوينه العلمي (التعلّمية Didactique وتعلّمية البيولوجيا بوجه أدق) نماذج يبين من خلالها مدى ثراء البيئة الريفية\القروية في العديد من المجالات وتحديدا تربية الأطفال قبل المدرسة والتغذية البيولوجية وجمنة في البابين مدرسة تحقق -حسب رأيه- للفرد تكوينا تلقائيا طبيعيا يتضارب مع السائد في عالم المدينة من ناحية ويتناغم مع أهم الاكتشافات  الحديثة بل ولعله يفوقها أيضا (منجزات مونتيسوري وبياجي وفيڤوتسكي) من ناحية أخرى.
         في المقال المخصص للتربية الحديثة يشير كشكار إلى المسافة الإبستيمية (المعرفية) الفاصلة بين عالم القرية الريفي وعالم المدينة... في جمنة يتعلم الأطفال بالاختبار والتجربة، يدركون الأشياء ومعانيها من خلال الصعوبات التي تعترضهم دون أي تدخل خارجي مؤطِّر يُبلِّد أذهانهم ويدجنها... فالحياة بكل ضروبها وألوانها بأهوالها ومسراتها، بأزماتها وآلامها وانفراجاتها (بحلوها ومرِّها كما يُذكر في الأمثال الشعبية) هي التي تشحذ العقل وتنميه وتجعل الكهل لاحقا قادرا على البناء والتشييد وخاصة على اجتياز العقبات التي تعترضه أثناء حياته الطويلة.
         إن الطفل المختبر للحياة هو صانع الرجل: "أبوه" بالمعنى الفرويدي وهذا تحديدا ما أراد الكاتب أن يبرزه من خلال نماذج حية استقاها من معيشيه الخاص... نماذج ما كان له بدونها أن يكون كما أصبح عليه اليوم.
"تعلمت عن طريق اللعب..."
"تعلمت فلاحة الأرض..."
"تعلمت تربية الماعز..."
"تعلمت الاعتماد على النفس..."
"تعلمت وتحملت مشقة العمل اليدوي..."
"تعلمت التكفل بمصاريف عائلتي..."
"في المقابل" "تعلم البيئة الحضرية" "الذهاب إلى الروضة أو المدرسة" (الترويض كشكل من أشكال التدجين) أو إلى حصص المراجعة حيث يُستهان بالذكاء التجريبي والجسماني وتُقمع المبادرة الفردية ويُركز على الذكاء الذهني... لا يتعلم أطفالنا الأعمال اليدوية ولا النحت ولا الرسم ولا المسرح ولا الموسيقى ولا الطبخ ولا الخياطة..." بل يتحول جلهم إلى كائنات مبرمجة (formatés) مكيفة (acclimatés) تصنع ما يراد منها أن تصنع حسب أهواء السوق وبعيدا عن حاجيات الإنسان الأساسية الطبيعية... والذكاء المبرمج لدى الكاتب لا علاقة له في خلفياته وأهدافه مع الذكاء التجريبي، الاختباري الذي يجعل من الفرد ذاتا حرة، مستقلة، منعتقة، (sujet)، لا آلة بين الآلات التي سخرها النظام الرأسمالي (أي موضوعا objet) لبلوغ أهدافه اللائنسانية.
         في باب آخر من "جمنة" وطبقا لنفس المنطق التحليلي النقدي يشير الكاتب إلى مزايا ومناقب النظام الغذائي التقليدي الطبيعي في الريف وفي القرى الريفية... فإن كان الإنسان في الحاضنة الطبيعية "صانع" نفسه وصانع حاجياته بنفسه فإنه على عكس ذلك تماما في المدينة فهو مهيأ (مروض\مدجن ) منذ صغره بحكم تكوينه المعرفي من المحظنة (Le jardin d`enfants) إلى المدرسة فإلى الجامعة أن يكون عجينة طيعة لما تريده السوق بكل وسائلها وتقنياتها الدعائية الضخمة، فهو لا يتغذى حسب ما تمليه عليه تركيبته البيولوجية بل طبقا لمواصفات المختصين الغذائيين (Les nutritionnistes) في عالم الاستهلاك الرأسمالي المحلي والعالمي على حد سواء.
         وإذا ما نظرنا إلى هذين النظامين التعليمي (نمو الروح والذهن) والغذائي (نمو الجسد) والعلائقي أدركنا حجم الكارثة التي حلت بالإنسان "المتحضر" في عالم المدينة الفاضلة الموهومة منذ بدايات الستينيات وأواسط السبعينيات تحديدا...
        









الطبيعة\جمنة                                         السوق الرأسمالية\المدينة

الإنسان الحر                                         الإنسان المكبَّل

الذكاء التجريبي                                      الذكاء المبرمج
(Expérimental)                               (Artificiel)

الغذاء                                                           الغذاء
حسب حاجيات الجسم الأولية                       حسب حاجيات السوق

التواصل مع الآخر كامتداد للأنا                             التواصل مع الآخر من حيث
في كنف الطبيعة الحاضنة                          بضاعة أي قيمة تجارية
Valeur d`usage             تناغم           Valeur marchande
                                        داخلي

        
يتعلق كتاب "جمنة" بآخر حلقات هذه السلسلة المنظومية ليقدم الكاتب من خلال بلدته القروية الريفية نماذج نيرة ومشرقة من التعامل الإنساني... مشاهد مختلفة من التآزر والتضامن الاجتماعيين... وآيات في التعاطف والتحابب والكرم والإخلاص والتفاني في العمل والصدق والتضحية وحفظ الأمانة إلخ... لم يتعلم ابن جمنة هذه القيم في المدارس والمؤسسات الرسمية للدولة\السلطة وإنما استقاها بوعيه "الفطري" من حاضنته الطبيعية ومن صميم حياته اليومية وما خاضه فيها من تجارب... ولعل أهم قيمة فيما ألح عليه الكاتب في خاتمة الجزء الأول من كتابه حول "جمنة"، الحرية... ففي جمنة يولد الناس أحرارا ويبقوا هكذا إلى مماتهم... فهذه القيمة ليست مكسبا اجتماعيا أو سياسيا مسَنَّى في قولنين معينة ومحصن بالعديد من الضوابط والشروط والآليات التطبيقية كما هو الحال في العديد من الدساتير الوضعية بل هي من وحي الوجود الكوني نفسه والتحام الإنسان به التحاما كليا مطلقا... وليس غريبا أن يفصح ابن الجريد، الشاعر التونسي أبو القاسم الشابي عن ذلك مغنيا:
خلقت طليقا كطيف النسيم
         وحرّا كنور الضحى في سماه
تغرد كالطير أين اندفعت
         وتشدو بما شاء وحي الإلاه
         إن الحرية في  هذا العالم الريفي حاجة طبيعية تسري في أذهان الناس وأنفاسهم سريان الدم في العروق فلا ضرورة للتذكير بها والاحتفاء بمزاياها ومناقبها كما تفعل الدولة\السلطة في مؤسساتها...ثم ألا نجد في ما ذكره الكاتب عن جمنة الحرية أو جمنة الحرة أثرا لذاك التراث الأمازيغي الضارب في القدم والمتأصل أيضا إلى حد الساعة في عقلية الإنسان الريفي فالأمازيغي اسم على مسمى... حرٌّ أو لا يكون. ومن تلك القيمة المقدسة استمد الريفي والقروي على حد سواء أجلى وأبهى معاني وجوده...

أزمة الحداثة وأزمة الهوية في جمنة
         "جمنة" شجرة تخفي غابة من الطروحات والمقولات حول الحداثة والأصالة... أسئلة عديدة تفرض نفسها بإلحاح منذ بدايات عصر النهضة في أواسط القرن التاسع عشر وتعممت بشكل درامي مع اللبرالية الزاحفة والرأسمالية المتسلطة المتجبرة في خمسينيات وستينيات وأواسط السبعينيات من القرن المنصرم...
         إضافة إلى قيمته الوثائقية الأنتروبولوجية والأكاديمية بشكل عام ينفتح الجزء الأول من هذا الكتاب " في فن العيش قديما جمنة الخمسينيات نموذجا؟" على بعدٍ آخر، إيديولوجي يحيل الكتاب إلى مأزقين متزامنين لا ندري تحديدا كيف يمكن تجاوزهما... مأزق الفكر الحداثيي العولمي المتوسل بالعلم والمعرفة والأخلاق أيضا (حقوق الإنسان وما تبعها) لفرض أنماط من العيش والتعامل بعيدة كل البعد عن عادات وتقاليد العديد من المجتمعات النامية أو في طور النمو... والعولمة في ممارساتها المعروفة في شتى مجالات الحياة برهنت بشكل مفضوح وصارخ على مدى لا إنسانيتها مما دفع بالعديد من المفكرين الغربيين من أمثال شمسكي وإدغار موران وميشال هونفري وألبار جاكار كل في اختصاصه إلى التفكير في بدائل أخرى تعيد للإنسان إنسانيته (بدائل ما بعد الحداثة)... عربيا يقدم كشكار النموذج التقليدي(ما قبل الحداثة) كمسلك من المسالك الممكنة للخروج من الراهن المعفّن، المدنّس، الردي، إلى حياة أخرى تعيد للإنسان حريته المفقودة وبالتالي إنسانيته وكرامته... لكن كيف؟ وبأي وسائل عملية ملموسة يتحقق هذا المطمح النبيل؟ رائع أن نحلم بماضينا وبكل وجوهه النيرة المشرقة لكن أروع أن نجد له السبل الكفيلة لتحقيقه... كيف يمكن لجمنة كمنظومة من "القيم النبيلة" (Valeurs authentiques) على حد قول جورج لوكاتش أن تفرض نفسها مجددا على عالم آخر، نقيضها تماما (وجهها المعكوس)، عالم "القيم المدنّسة" (Valeurs dégradées) إن الصراع القائم اليوم بين هاتين الرؤيتين للعالم (Visions du monde) ومدى التصادم بينهما تحت العديد من المسميات: صراع أجيل، صراع حضارات، صراع ثقافات، صراع جنوب شمال، مستعمِر مستعمَر، طبقة رأس المال العالمي بكل كمبرادورياته وترساناته المالية والعسكرية والملتميديائية وعمال العالم في كل الأقطار، إلخ... يفرض في اعتقادنا وبحكم خطورته نمطا جديدا من التفكير الوسطي البراڤماتي... ولقد ذهب كشكار في هذا المنحى شوطا فكان همه في كل أبواب كتابه أن يوفق بين جيد القديم وجيد الحديث... وما هذا التناغم والتلاقي بين ما قدمت جمنة الأصيلة وأحدث الدراسات العلمية التي ذكرنا إلا دليل قاطع على إمكانية التجاوز دون الوقوع في التطرف تحت أي عنوان باسم الأصالة كان أو باسم الحداثة وهنا تكمن خصوبة هذا العمل وقيمته المعرفية الأكاديمية.
         نعم! يُمْكِنُ كما فعل الكاتب أن نعيد قراءة الماضي لنستفيد منه مستنيرين بالحاضر كما يجوز لنا أيضا أن ننقذ هذا الحاضر من براثن العولمة العمياء الطاغية المستبدة مستفيدين من دروس الماضي. وأية دروس!!








dimanche 8 mai 2016

جمنة الخمسينيات تعطي درسا في الرحمة: سِيدِي المبروك، أبٌ لمَن لا أبَا لَهْ وحبيبُ المحتاجين

جمنة الخمسينيات تعطي درسا في الرحمة: سِيدِي المبروك، أبٌ لمَن لا أبَا لَهْ وحبيبُ المحتاجين

حَسَنُ الوجه، جميل الهندام، يرتدي غالبا جبة بيضاء. مواطن جمني يقطن في مدينة ڤبلي. موظف بالشركة الجهوية للنقل ڤبلي-ڤابس. يقصده العابرون، صباحًا مساءً ويومَ الأحد ولا يردّ أحد، القاصي والداني، القريب والبعيد، الكبير والصغير، السليم والمريض، يرتاحون، يبيتون أو بالقيلولة يكتفون، يشربون، يأكلون، يأخذون أو يقترضون وأكثرهم لا يُرجعون والبسمة لا تفارق ثغره حتى يفارق ضيفه.
كلما سافرتُ إلى مدينة ڤبلي لقضاء حاجة في سوق الثلاثاء، لا يفوتني إلا أن أسلّمَ عليه في داره أو في مقرِّ عمله. في الستينيات، كنتُ تلميذًا بيّاتًا في إعدادية سيدي مرزوڤ بڤابس وعمري لم يتجاوز خمسة عشر عامًا بعدُ، وعند بداية كل سنة دراسية كان المبيت يبعث لي قائمة ملابس داخلية إلزامية (Trousseau obligatoire)، ولقِلّة ذات اليد كانت أمي تحتار في توفير المطلوب فتبعثني دون تردد أو سابق إعلام إلى سيدي المبروك، أسلِمه القائمة، يرافقني إلى المغازة، أرجع لأمي فرحًا مزهوَّا.
لِسِنينَ كنتُ أظن أنني الوحيدُ المستفيدُ من هذا المخلوق المسخَّرِ ربّانيًّا لخدمة الفقراء واليتامَى أمثالي حتى تعرّفتُ على غيري مِمَّن شملهم كرمُه الحاتِمِي. بلغني مرّةً أن شرطيًّا جمنيًّا تجرأ عليه وصفعه في مركز الشرطة بڤبلي. كانت تربطني بهذا الشرطي علاقة صداقة طفولة وشباب، تُوُفِّيَتْ صداقتُنا مذ وصلني الخبر. لكن وبعد مرورِ عقودٍ من الزمن، التقيتُ به صدفةً، سألته عمّا ارتكبه من جُرمٍ في حق مَن انتدبه التاريخ ليقدّمَ مساعدات مادية عينيّة لوجه الله خالصا لا ينتظر من وراء صنيعه هذا، لا جزاءً ولا شَكورَا. أجابني: تُقطَع يدَ مَن نَوى أو فعلْ حتى لو كان أبي أو أخي أو أي رَجُلْ، ثم أردف وكله وَجَلْ: لو كان القائل مهبولا يكون السامع أعقلْ،   بالله عليك هل تصدّق أنني كنت قادرا حتى ولو أردتُ على أن أصفع مَن معي مثلما معك فعلْ؟ صدّقتُه وعلِي لا يكذب ولَمْ يومًا يزِلْ.
ماتت زوجته الصحبيّة الطيبة البهيّة وهو في سن متقدمة نسبيَّا فتزوج وأنجب زوحًا من الذرِّيّة. قال حسن: لا يحق للشيوخ أن يتزوجوا بعد وفاة زوجاتهم إلا سِيدِي المبروك، لا لأنه في ذاك السن في الزواج هو الأْفضلُ بل لأن نسلَه في ڤبلي هو الأجمَلُ.
ارتوتْ نفسُه بالإيمان وخدم المحتاجينَ جميعًا فسَمَوا به وبهم في العلياء سَمَا.
يا سِيدِي المبروك، لستُ مِن صُلبِك لكنني أحببتُ وأنا طفل أبوَّتَك، واليوم في شيخوختي ما زالت ذكراكَ بعد مماتِك تمدّني بنسيمٍ عليلْ، لا أعرف هل هو الحنين إلى جيلْ أو الاعتراف بالجميلْ.
سيدي المبروك، كرمٌ جمنيٌّ فاق الكرمَ الحاتميَّ.
سيدي االمبروك وعمتي رڤيّة كانا أحنَّ الأقارب عليَّ بعد والِدَيَّ.


lundi 28 décembre 2015

لفتةٌ كريمةٌ حظِيتُ بها أخيراً من قِبل مواطنٍ جمني كريمٍ؟ مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

خلال زيارتي الأخيرة إلى مسقط رأسي وقِبلة قلبي جمنة، التقيتُ صدفة بمواطنَيْنِ جُمَّنَيْنِ غير يساريّيْن، ودار بيننا نقاشٌ مطوّلٌ بُحْتُ لهما فيه بعلاقتي المتوتّرة مع بعض أصدقائي الماركسيين الحميمين دون ذِكرِ أسمائهم واستعنتُ لإقناعهم بكتاب أمين معلوف حول "الهويّات القاتلة" (1998). لو تصنّتَ علينا ماركسيٌّ لَصاح قائلا: وجدتُها (Eurêka )! نفاق محمد كشكار للإسلاميين. لقد سبق وقلتُ لكم أن الماركسيين لا يعرفون أنهم لا يعرفونني! إذْ لا يمكن أن يُعتبرَ هذا الحديث الذي دار بيننا أثناء السهرة نميمةٌ (ڤَرْضَة) في حق أحدٍ، لأن كل معلومة أسْرَرْتُ بها إليهما هي ملك للعموم. لقد سبق لي وأن نشرتُها حَرفيا على مدونتي وعلى صفحاتي الفيسبوكية الثلاث.

في الغدِ، اتصل بِي في حانوت أخي أحد جليسيَّ البارحة وقال لي بالحرف الواحد: "أنتَ يا سي محمد نَوّرتَ وجوهنا في تونس العاصمة وأكيد أن لك هنالك أصدقاء ترغب في أن تقدّم لهم صندوق دڤلة هدية. فكم تحب من صندوقٍ أهاديكْ (يا شاغلَ البالِ: هذه دعابة من عندي)؟" صَمَتُّ حياءً من فرطِ كَرَمِه.

صَدَقَ في قَوله ونَفّذَ وَعدَه. وزّعتُ الصناديقَ على أصحابي في تونس. كم أنتِ رائعة يا جمنة، الله يُعْلِيكِ على مَن يُعادِيكِ.

في الآخر وللتشويق، أتركُ لكم لذة اكتشاف هذا المواطن الجمني العتيق؟ كم أسعدتني أيها الفلاحُ الجمني المثقفُ الباسِقُ والمِعطاءُ كالنخلة. أنتَ خيرَ راعٍ  لناشِئَتَنا ولنخيلِنا.

إمضائي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى وعلى كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.
Ma devise principale : Faire avec les conceptions non scientifiques (elles ne sont pas fausses car elles offrent pour ceux qui y croient un système d`explication qui marche) pour aller contre ces mêmes conceptions et simultanément aider les autres à auto-construire leurs  propres conceptions scientifiques
Mon public-cible: les gens du micro-pouvoir (Foucault) comme  les enseignants, les policiers, les artisans, les médecins, les infirmiers, les employés de la fonction publique, etc

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 28 ديسمبر 2015.




mardi 13 octobre 2015

مهام وأهداف "جمعية حماية واحات جمنة" كما أفهمها شخصيا؟ مواطن العالَم من أصل وتربية جمنية د. محمد كشكار

مهام وأهداف "جمعية حماية واحات جمنة" كما أفهمها شخصيا؟ مواطن العالَم من أصل وتربية جمنية د. محمد كشكار

1.     يقولون: "تجربة جمنة هي تجربة تسيير ذاتي اشتراكي".
أردّ وأقول: "هي ليست تجربة تسيير ذاتي وليست تجربة اشتراكية: هي ليست تجربة تسيير ذاتي لأن المسيّرين، عمالا وإداريين ومشرفين، لا يسيّرونها لمصلحتهم الخاصة بل يسيّرونها لفائدة الصالح العام لكل سكان جمنة. وهي ليست تجربة اشتراكية لأن مردود الواحة لا تأخذه الدولة الاشتركية بل تستفيد منه قرية جمنة أولا وولاية قبلي ثانيا وجمهورية تونس ثالثا. تجربة جمنة هي تجربة اجتماعية مبتكرة وفريدة من نوعها، تَقدَّم فيها بعض الجمنين لخدمة باقي الجمنين وأنكروا ذواتهم من أجل إنجاز مصالح عامة وأخص بالذكر منهم أعضاء الجمعية المتطوعين مجانيا دون أن نقلل من دور العمال والإداريين المؤجرين لأن مهمة هؤلاء الأخيرين لا تُقاس بأجر زهيد يتقاضونه. تجربة جمنة ليست موجهة ضد أحد ولا تنافس ولا تعادي مؤسسات الدولة بل تساند القطاع العمومي وتعاضده. وحتى إن سهّلت مهمة الدولة فما الضرر؟ هل الدولة التي تخدمها هي دولة إسرائيل؟

2.     يقولون: "جمعية حماية واحات جمنة لا تقوم بمشاريع مربحة"
أردّ وأقول: "مربحة لمَن؟ إذا قصدتم مربحة للجمعية فالجمعية ليست شركة رأسمالية تستغل العمال وتراكم ربحا من وراء عرقهم، أما إذا قصدتم مربحة لأهالي جمنة فهي فعلا كذلك. تبنِي سوق فلاحية مغطاة بجمنة فيربح فلاحو جمنة بعرض تمورهم في فضاء محمي ونظيف ويربح متسوقو التمور من سوق جمنة، جمنين وزوارا، ويقضوا حوائجهم في ظروف مريحة وطيبة. تشتري سيارة إسعاف فيربح مرضى جمنة نقلا سريعا ومجانيا ولا تربح الجمعية ولو مليما واحدا. تجهِّز مستوصف جمنة بمكيّف فيربح الجمنين من مرتادي المستوصف نسمة عليلة في الصيف الصائف. تقدم إعانة مالية لجمعية مرضى السرطان بقبلي فيربح أحق الناس بعطفنا وتضامننا وتقدم مثلها لجمعيات ثقافية وخيرية جمنية وجهوية فيربح فقراء الجهة وتربح الثقافة عموما.

3.     يقولون: "جمعية حماية واحات جمنة تخدم ناجي جلول، وزير التربية، عندما تبني قاعات تدريس وفضاء صحي في مدرستي جمنة وقاعة رياضة في معهد جمنة".
أردّ وأقول: "تلامذة جمنة هم أبناؤنا وبناتُنا وليسوا أبناء جلول وهم المستفيدون الوحيدون من القاعات والفضاء الصحي وقاعة الرياضة".


إمضائي المحيّن:
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".
قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".
قال مواطن العالَم د. محمد كشكار: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد"، "لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى"، "على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي"، "عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت غير إيديولوجيته شجعك وشكرك. وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلما ويخفّف عني حملي؟"، "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الثلاثاء 13 أكتوبر 2015.


dimanche 4 octobre 2015

زيارة خاطفة إلى جمنة: زادَ إنتاجُ التمورِ فيها ولم تنقطع الرحمةُ منها ولا الإيثارُ. مواطن العالَم د. محمد كشكار، أصيل جمنة ولادة وتربية

زيارة خاطفة إلى جمنة: زادَ إنتاجُ التمورِ فيها ولم تنقطع الرحمةُ منها ولا الإيثارُ. مواطن العالَم د. محمد كشكار، أصيل جمنة ولادة وتربية

إليكم أخبارها السارة لمن لم يسمعها:
-         رأيت وسمعت والعهدة على الراوي: "جمعية حماية واحات جمنة" دفعت تسبقة بـ45 ألف دينار لشراء سيارة إسعاف مجهزة جديدة (Fiat ivecco) سوف تستلمها مدرسة الصم والبكم بجمنة كهِبَةٍ من الجمعية. يُقدَّرُ ثمنها بـ90 ألف دينار وقد تُعفى من الأداء (TVA) فيصبح ثمنها 77 ألف دينار. تكون على ذمة كل  مريض جمني بمقابل رمزي يتمثل في ثمن مازوط السفرة ولن نجحدها على غير الجمنين لو طلبوها مقابل نصف ما يطلبه الخواص. سوف يُنتدب لتشغيلها سائق وممرض. لو أصبح للسيارة رِبحٌ فسيُضاف إلى ميزانية المدرسة ولن يرجع إلى الجمعية الواهِبة أي دينار.
-        توجد في جمنة جمعية خيرية نادرة، تتمثل إحدى مهامّها في تقديم وجبة ساخنة لعائلة أي ميت جمني، فقيرا كان أو غنيا: قصعة مقرونة فِلْ بالدجاج.
-         توجد في جمنة جمعية خيرية تربوية اسمها "إيثار"، تتمثل مهمتها في تقديم أدوات مدرسية كاملة مجانيا لكل تلميذ محتاج ومنحة جامعية قارة لكل طالب معوز.
-         تقريبا اكتمل بناء سوق مغطاة لبيع التمور بتكلفة تُقدَّرُ بنصف مليار من المليمات.
-         اكتمل بناء قاعات وبيوت راحة وسور في المدرستين الابتدائيتين وستُقامُ قاعة رياضة مغطاة بمعهد جمنة بتكلفة قد تصل إلى  نصف مليار من المليمات.
-         جارنا عامل بالخارج متقاعد ومقيم بجمنة يقضي جل وقته يؤنس أمه المريضة في الحوش المشترك ويرعاها ويلبِّي كل طلباتها بحب وتفانٍ كبيرين.

إليكم خبرها غير السار الوحيد  لمن لم يسمعه: انتحر شنقا في منزل والدته شاب متخرج عاطل عن العمل (27 عام) وهو ابن زميل دراسة في قابس الستينات. صلى وترحم عليه الجميع ورافق جثمانه جمعٌ غفيرٌ إلى مثواه الأخير: أي نبلٍ وأي تسامحٍ؟ قالت لي صديقة أمي "لَلْتِ مبروكة الخليل" أنها لم تسمع بعملية انتحار في جمنة منذ صغرها يعني منذ ثمانين عاما.

ماذا جنيت أنا من زيارة جمنة: حبا وترحيبا وتقديرا ودفءً علائقيا من قِبل كل مَن قابلتُ خلال إقامتي القصيرة (3 أيام فقط)، مودة أنستْني وَجَعَ عيوني الذي رافقني في الطريق وفارقني في جمنة لسبب أجهله. صديق مثقف حميم قديم مقيم في قابس جاء خصيصا من قابس إلى جمنة وأقام في حوشِه وفرح بقدومي وأكرمني واحتفى بي أيما احتفاء رغم اختلافنا الحاد في السياسة والفكر والمنهجية. زرت صديقات أمي وقدمت تعازيَّ لأهل مَن مات بعدي وقدمت تهانيَّ لأهل مَن تزوج بعدي. زرت أختي وسعدت جدا بلقاء حبيباتي بنات أختي. زرت زميلا مرزوڤيا رجع من الحج وتمنيت لو كنت حاجا مرزوڤيا حتى أتمتع مثله بحفاوة الاستقبال وحرارة العلاقات العائلية. سافرتُ مع أول وأقدم صديق مرتاحًا جسما وروحًا في سيارته الفاخرة. أقمت معززا مكرما في حوشنا المشترك مع أختي الكبيرة وأخي الأصغر وزوجته الملاك. وإلى سفرة أخرى إلى أعز بلدة وأعز ناس.

إمضائي المحيّن:
قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتها".
قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني أن لا أطرب لمديح ولا أجزع لمذمّة".
قال مواطن العالَم د. محمد كشكار: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد"، "لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى"، "على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي"، "عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك. فإن كانت غير إيديولوجيته شجعك وشكرك. وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك"، "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر، ولا تكتب، فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت"، "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حلما ويخفّف عني حملي؟"، "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى".

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأحد 4 أكتوبر 2015.