dimanche 2 février 2025

Mon 9e livre : حدّث أمين معلوف قال

 


 


 

د. محمد كشكار

مواطن العالم، أصيل جمنة ولادة وتربية

 

حدّث أمين معلوف قال...

 

تقديم عبد الحق الزموري

باحث في تاريخ الذهنيات

 

 


 


 

الإهداء

أُهْدِي كتابي التاسع، هذا، إلى كل أصدقائي الافتراضيين، وعددهم 5.000 على الفيسبوك موزَّعين على جميع أصقاع العالم.

تحية خاصة أوجهها إلى صديقي عفيف ساسي، أستاذ اللغة العربية، على التعديلات اللغوية التي أجراها على نصوص خمسة من كتبي التسعة.

 


 

شكرا لعلم الأنتروبولوجيا، حررني من عقدة النقص حيال الحضارة الغربية. وشكرا للمفكر الإسلامي الجزائري مالك بن نبي، خلصني من الإحساس بالذنب عند نقد الحضارة الإسلامية.

« Les dieux rendent arrogant celui dont ils veulent la perte »

disaient les anciens Grecs.

Mes exemples : Les États Unis d’Amérique et Israël !

يقابلها في القرآن الكريم : "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"
[الإسراء: 16]

"إذا فهمتَ كل شيء، فهذا يعني أنهم لم يشرحوا لك جيدًا !"

 [عندما ننطق كلمة "نحن"، يجب أن نفرق بين "نحن" الطيبة (un « nous » généreux) و"نحن" العدوانية (un « nous » agressif)]

أتمنى أن تساهم ترجمتي لأمين معلوف في خدمة الثقافة والفكر واللغة العربية. يُقالُ عن الترجمة إنها مهنةُ "المفكر الفاشل" أما أنا -حسب تجربتي المتواضعة- فأرى فيها بحثًا وتمحيصًا ومتعةً فكريةً وتقويةً في اللغتين.

فهرس الكتاب

 

1.     تقديم بقلم الباحث عبد الزموري......................9

2.    تصدير بقلم مواطن العالم......................12

3.     فلسفة أمين معلوف في الحياة.........................13

4.     حول الشيوعية.........................................17

5.     حول الحضارة العربية-الإسلامية.....................19

6.     حول جمال عبد الناصر...............................74

7.     حول كمال أتاتورك....................................86

8.     حول اللغة والدين......................................89

9.     حول الهويات القاتلة...................................93

10.  حول الصداقة.................................95

11.  حول القُبلةُ في الفضاء العربي العام.........98

12.  حول الفلسفةٍ...................................100

13.  حول الثقافة....................................102

14.  حول النبي ماني...............................105

15.  حول  العالم المختل...........................110

16.  حول الصين...................................116

17.  حول أمريكا والحرب الباردة.................123

18.  هل يأتي يومٌ ! ................................130

19.  حركة ودّية سرتني جدًّا.......................133

20.  قائمة الكتب التي قرأتُها لأمين معلوف.......136

21.  إضافة للكتاب..................................138

22.  إصداراتي..................,,,.................164

 


 

تقديم كشكار، أم تقديم معلوف ؟ بقلم عبد الحق الزموري، باحث في تاريخ الذهنيات، ومترجم، مدير مؤسسة أبعاد للدراسات المستقبلية

 

 

عندما عرض عليّ الصديق محمد كشكار تقديم كتاب جديد له حول أمين معلوف، لم أتردد في الاستجابة لطلبه، وكنت أعلم منذ مدة حرصه على قراءة كل ما أنتج هذا الأخير من رواية وتاريخ وسياسة ... (أكّدَ هو نفسه قائمة كتب معلوف التي قرأها في الصفحة 125 من كتابه) وقد أشْرَكَنا عبر صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي قراءاته اليومية لكتاب معلوف الأخير "متاهات الحيارى"، ما شجعني ودفعني إلى اقتنائه.

إختلِفْ مع الرجل كيف شئتَ، واعترض على آرائه وتحليلاته بما يُمليك عليك عقلك ومواقفك، ولكن لا يمكنك بأي حال أن تغمطه حقّه في الاعتراف له بالحرص الشديد على القراءة، وانفتاحه على كل ما يقع بين يديه من كتب ومجلات، وتبجيله للعلم وأهله بقطع النظر عن موقفه منهم، واستعداده الدائم لتصويب طريقه كلما كشفت له الحقيقة عن وجه من وجوهها.

إحترامي للدكتور محمد كشكار، وتقديري لنزاهته الفكرية وشجاعته الأخلاقية، هما ما دفعاني إلى الإسراع بالاستجابة لطلبه تقديم كتابه هذا، قبل أن أقرأه حتّى، اعترافا له بالمعروف.

ولكن بعد قراءتي المتأنية للكتاب، ساءلتُ نفسي هل يحسُنُ بي (أو بغيري) كتابة تقديم له ؟ هل سيتناول التقديم أفكار معلوف أم تعليقات كشكار، وهذا الأخير لا يرسم بوضوح – في الكثير من الأحيان – الحد الفاصل بين هذه وتلك ؟ وهل يمكن التقديم لآراء معلوف المُنتَجَة خلال أربعة عقود دون دراسة نقدية لها في أفق الزمن الطويل وتطور السياقات الحافّة بإنتاجها ؟

يعرض علينا الدكتور كشكار كمًّا هائلا من أفكار معلوف ومواقفه الخاصة من بعض القضايا الأساسية بالنسبة له كالهوية والدين، أو من بعض الأحداث التاريخية التي لا تشكل بالضرورة أولوية في مسيرة مُنتَج معلوف. كان عرض الكاتب لتلك القضايا هنا طبقًا لقائمة من الموضوعات المُنتقاة، (دون ربطها بتواريخها وسياقات تحريرها)، وطبقا أيضا لانشغالات شخصية يبحث لها كشكار عن إجابات؛ وقد اعتمد في عرضه لها أسلوبًا غير مألوف، نَحَتَه – أو فُرض عليه – في سياق تفاعلاته الحينية، أثناء القراءة ومشاركة قُرّائه على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة به (وقد أهداهم كتابه هذا في صدر هذا العمل).

لذلك ربما سمحنا لأنفسنا أن نفهم من اختيارات رؤوس الموضوعات التي عرضها كشكار على لسان معلوف اهتماماته هو الشخصية في الزمن الراهن، وبالتالي تتبع مناقشاته الخاصة في سياق مُحدَّثٍ جدا (زمانًا ومكانًا). عاينّا ذلك في كثير من فقرات عرضه، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر قوله في الصفحة 48 "ما أنشره من آراء موضوعية حول الإسلام والمسلمين لو لم يكن نقلا عن أمين معلوف المسيحي لاتّهمني رفاقي بالتقرب من الإسلاميين" (!!).

ولكن ما شدّني بشكل خاص في هذا الكتاب فصله الأخير الذي عنونه (ظُلمًا): "إضافة للكتاب"، وهو في الحقيقة – برأيي –أهم ما ورد فيه.

يناقش كشكار، ابتداء من الصفحة 126، آراء الفيلسوف كريستيان دو دوف حول الصفات الوراثية والصفات المكتسبة في الإنسان، ويتوسع معه في مراتب النفس (بصنفيها: الأمّارة بالسوء والخيّرة)، وقدرات الإنسان في التحكم فيهما وتعديلهما عبر آلة التعليم (يعرض لمفهوم الجهاد الأكبر الإسلامي)، وعبر الدعوة إلى تبني علم الــــــــ"ما فوق الوراثي المُخي"، الذي أطلق عليه (تأسّيًا بالاستعمال الأكاديمي له) تسمية "التخلّق"، وهو – كما يصفه (ص 138) – "نضالٌ يربّي النفسَ، يدرّبها، يصقلها، يهذبها" ... لذلك يعتبر الكاتب أن من أكبر المصائب التي حلّت بنخبنا في العصر الحديث أخذنا بالنضال السياسي أداة لتغيير الإنسان، وهو في الحقيقة "أكبر خدعة استوردناها من الغرب".

 


 

تصدير بقلم مواطن العالم

 

الشاعر الألماني غوتة، 1827: "كل مترجم يرى بالطريقة نفسها، فهو يبذل جهده ليكون الوسيطَ في هذا النشاط الروحي ذي البُعد الكوني ويقوم بتطوير التبادل المشترك. لأنه مهما قِيل عن عدم كفاية الترجمات، فإن الترجمة ستبقى أحدَ النشاطات الأكثر أهميةً والأكثر احترامًا في عملية التبادل العالمي الشامل. وقد جاء في القرآن "وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه" ومن ثَمّ يمكن القول إن كل مترجم نبي بين قومه". (المصدر: أوهام الإسلام السياسي، عبد الوهاب المؤدب، نقله إلى العربية مجمد بنيس والمؤلف، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء 2002، 181 صفحة، الثمن: 62 درهمًا، ص 167.

بكل لطف، ألفِتُ انتباه القارئ الكريم أنني لم أتمسك بالترجمة الحرفية بل أخذتُ مسافة من الحرية لكنني بقيتُ مخلصًا لروح أمين معلوف أكثر من إخلاصي لنصوصه لذلك انصهر أحيانًا نصُّه في نصّي وانصهر أحيانًا نصّي في نصِّه. الكتابة في نظري فن وإبداع ومشروع وتخطيط وهدف وجهد ومعاناة، وأنا أكتب للمتعة الفكرية وتكريما لكُتّاب أنا معجب بهم، لا أكثر ولا أقل.

يقولون لي: كيف تقرأ لأمين معلوف وهو من طبّع مع إسرائيل ؟

أقول لهم: كيف تقرأون لابن خلدون وهو من تَخابَر مع المغتصب تيمورلنك وهو يحاصر دمشق ؟

أنا أعي جيدًا أن جل المثقفين الغربيين منحازون إلى إسرائيل. شيء محزن لكنه لن يمنعني من قراءتهم.


فلسفة أمين معلوف في الحياة (متاهة الضائعين، 2023)

 

"ليست لي الرغبة ولا القدرة على إقامة تَراتُبِية أخلاقية بين الحضارات ولا بين الاعتقادات التي تحركها ولا بين الأمم التي تحملها. على الأصح وانطلاقًا من طبعي وإيماني أبحث على المشترك بينها. أحلم بعالمٍ متصالحٍ مع جميع مكوّناته، يتقاسم نفس القيم الكونية دون إقصاء لأي ثقافة مهما كان حجمها. أحلم بإنسانية اقتربت من مرحلة البلوغ، إنسانية ذات مكونات ثقافية مختلفة لكنها مكونات قابلة للتبادل والتأثير والتأثر دون أن تتسبب إحداها في إهانة أخرى أو ترضى بالإهانة لنفسها.

بالتأكيد، أعي أن حُلمي هذا هو حلم بعيد المنال والطريق إليه صعب وطويل لكن ليس محَرَّمًا علينا أن نحلمَ ونحن نمشي نحو حُلمِنا وما أحلامُ اليوم إلا حقائقُ الغد".

تعليقي: نفس الفلسفة التي أتبناها أيضا قبل قراءة معلوف وبعد قراءته.

 

 


 

Seul, tous les matins au café Chihi, avec Amin Maalouf. Citoyen du Monde

 

Je me suis bien régalé de ces dix-neuf merveilles d`Amin Maalouf, l`auteur romancier, le magicien sans amulettes, le Georges Zaydan de la francophonie, le prix Goncourt, le libanais qui vit à Paris depuis quatre décennies, le parisien qui a mérité son adoption, le fauteuil 29 à l`académie française, occupé avant lui par le grand anthropologue Claude Levy Strauss, le « trait d`union » entre deux civilisations, la sienne d`origine, l`héritée, l`arabo-islamique et l`adoptive, l`acquise, la conquise, la gréco-latine. Un trait d`union qui m`a servi à moi de vrai pont.

Ses prétendues prises de positions politiques pro-israéliennes (personnellement, je n`en ai pas eu connaissance,  je n`ai entendu que les échos) ne tachent en rien son talent de conteur de belles histoires fortes, tendres, douces, alléchantes, prodigieuses, instructives, constructives, philosophiques, spirituelles et semi-véridiques. 

 


 

خطاب عالِم الأنسنة ليفي ستروس (l’anthropologue) أمام الأكاديمية الفرنسية يوم 27 جوان 1974

 

مهمة عالِم الأنسنة لا تتمثل في دراسة المجتمعات "المتوحشة" أو "البدائية" أو "الغَرِيبة" (exotiques)، بل تتمثل في دراسة الإنسان، بكل بساطة، في تنوعه، أكيد، لكن في وحدته العميقة أيضًا وقبل كل شيء. وحدته التي تتجاوز كل الاختلافات العرقية لأن في "الآخر" يوجد شيءٌ من "الأنا" وفي "الأنا" يوجد شيءٌ من "الآخر"، لذلك أرى أنه من الواجب أن نعي هذه الحقيقة الأنتروبولوجية حتى نعرف أنفسنا بصفة أفضل وأعمق.

 

Source d’inspiration : Un fauteuil sur la seine. Quatre siècles d’histoire de France, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2016, Prix : 8,20 , 341 pages.

 

 


 

 

 

 

 

حول الشيوعية

مفهوم "صراع الطبقات" وحده لا يفسر كل شيء كما يعتقد أغلب الماركسيين وكذلك "صراع الحضارات" ما يعتقد "زمّور" واليمين عمومًا.

 


 

مشروعٌ واعدٌ، قد يبدو لقابِرِي الأحلامِ مشروعًا طوباويًّا !

 

مشروعٌ واعدٌ أو تسويةٌ تاريخيّةٌ (Un compromis historique) أو فرصةٌ ذهبيةٌ رُمِيت في مزبلة التاريخ، مشروعٌ يتمثل في التأليف بين الإيديولوجيات المتناقضة (الرأسمالية والشيوعية). طُرِح في إيطاليا السبعينيات بين الحزب الشيوعي (أنريكو برلنڤير) والحزب الديمقراطي المسيحي (ألدو مورو)، لم يعجب القيادة السوفياتية، فشل وقُبِرَ في روما مع مورو في الصندوق الخلفي لسيارة يوم 16 مارس 1978. اغتالته منظمة شيوعية إرهابية تُدعَى "الألوية الحمراء".

من الرأسمالية نأخذ الحرية والديمقراطية، ومن الشيوعية العدالة الاجتماعية.  الدعوة للوفاق لم تكن فخًّا منصوبًا للشيوعية، بل على عكس ذلك بالضبط، كانت لها المنفذ الأخير للنجاة من الفخ القاتل الذي بدأ يضغط عليها منذ الانتفاضة المجرية سنة 1956، ثم ربيع براغ سنة 1968، ثم غزو أفغانستان سنة 1979. قتلها هذا الفخ سنة 1989 ودُفِنت الشيوعية تحت أنقاض جدار برلين (المصدر: أمين معلوف، غرق الحضارات، ڤراسّي، 2019).

 

في تونس، ماذا يمنعنا من التأليف بين مشاريع مختلفة: القوميون واليساريون والإسلاميين والدساترة ؟  "مِن ذا أتومٌ ومن ذاك أتومان": حرية + ديمقراطية + عروبة + عدالة اجتماعية + محافظة دينية. و أجزم للقارئ الكريم أنني أعتبر نفسي اليومَ مواطنا تونسيا، مسلما يساريا محافظا، حرا، ديمقراطيا، عروبيا، ومؤمنا بالعدالة الاجتماعية في آن واحد.

 


حول الحضارة العربية-الإسلامية

 

"الهزيمةُ قد تكون فرصة لم ينجح العرب في استغلالها، والنصرُ قد يكون فخًّا لم ينجح الإسرائيليون في تجنبه"

غرقُ الحضارات، أ معلوف، 2019

 

[مع سقوط جدار برلين (1989) سقطت نظرية "صراع الحضارات" (هنتنڤتون، 1996)

وعوّضتها نظرية "غرق الحضارات"]

أمين معلوف، 2019


 

في النصف الثاني من السبعينات، كنتُ أظن أن جميع مُنْتَسِبِي الحركات الإسلامية يتحلّون بمثلِ هذا السلوك الإسلامي المثالي !

نص أمين معلوف: "المكان: مدينة فاس المغربية. الزمان: أواخر القرن الخامس عشر ميلادي، سنوات قليلة بعد سقوط غرناطة الأندلس (1492 ميلادي). كان يعيش في فاس "جماعة الحمّالين"، مجتمع صغير منظم يتكون من 300 رجل مع عائلاتهم، كلهم بسطاء، كلهم فقراء، جلهم أمّيون، ولكن رغم ذلك نجحوا في تكوين منظمة اجتماعية (Corporation-"نقابة"). كانت "نقابتهم" هي الأكثر احترامًا والأكثر تضامنًا والأحْكَم تنظيمًا. كل سنة كانوا ينتخبون رئيسَا يدير نشاطهم بدقة متناهية. وفي أوّل كل أسبوعٍ، الرئيس هو مَن يعيّنُ مَن مِن رجالِه سيشتغلُ، ومَن منهم سيرتاحُ حسب حالة نشاط السوق وتوافد القوافل وتَوفُّر المرافقين لها. ما يكسبُه الحمّالُ خلال يومِ عملٍ، لا يحملُه إلى منزلِه بل يضعه كله في صندوقٍ مشتركٍ، وفي آخرِ الأسبوعِ يُوزَّعُ المالُ المجمَّعُ بالتساوي بين مَن اشتغلوا في ذلك الأسبوع، باستثناء حصةٍ صغيرةٍ تُنفَقُ بكرمٍ في الأعمالِ الاجتماعيةِ المتعددةِ، مثلا: عند موتِ عاملٍ، تتكفلُ المجموعةُ بالمصاريفِ الكاملةِ لعائلتِه ويساعدونَ زوجتَه على البحثِ عن زوجٍ جديدٍ ويرعَوْن أطفالَه الصغارَ حتى يبلغوا أشدَّهم ويتعلموا مهنةً شريفةً. ابنُ أحدِهم هو ابنُ الجميعِ. أموالُ الصندوقِ تُنفَقُ أيضًا في الأفراحِ: كلهم يساهمونَ في توفيرِ مبلغٍ محترمٍ للزوجينِ، يمكِّنهما من بناءِ عُشِّ الزوجيةِ بأريَحيةٍ.  يراقبونَ كل ما يُعرضُ في السوق، يضمنونَ سلامتَه، ويَشهِرون محاسنَه في السوقِ بالصوتِ، طبعاً بِمقابل. كل المستهلكين وكل التجار يثقونَ في شهادتِهم ونزاهتِهم.

لا يتجرأ على أحدهم أحدٌ لأنه يعرف مسبقًا، إذا أصرّ وتمادَى، أنه سيواجه 300 رجلٍ وليس رجلاً واحدًا معزولاً. شعارُهم حديثٌ للرسول (صلى الله عليه وسلّم): "انصرْ أخاكَ ظالمًا ومظلومًا": نادرًا ما يتسبب أحدهم في شجارٍ، ولو حصلَ فسيجدُ دائمًا بين إخوته عاقلاً يرده عن غِيِّهِ.

هكذا كانوا، متواضعين جدًّا، لكنهم فخورون جدًّا بمهنتهم, محتاجون جدًّا، لكنهم كرماء جدًّا، بعيدون جدًّا عن سرايا السلاطين، لكنهم حاذقون جدّاً في حُكمِ أنفسهم بأنفسهم.".

تعليق المؤلّف محمد كشكار: مرّ نصفُ قرنٍ على تأسيس "الاتجاه الإسلامي" في تونس (حاليّاً "النهضة") وكَبُرْتُ في السن فاكتشفتُ أن إسلاميينا التونسيين لا يختلفون كثيراً عن باقي التونسيين، هُم أبناءُ مجتمعِهم وبيئتِهم ونشأتهم، وليسوا أبناءَ إيديولوجيتِهم الإسلامية، فيهم الصالحُ وفيهم الطالحُ،  كإخوانِهم السلفيين واليساريين والقوميين والليبراليين، كلنا في محاسننا ومساوئنا سواسية، تونسيون متشابهون فكأن الإيديولوجيات أو المذاهب لا تغير من سلوكنا شيئًا ذا بال !

Source d’inspiration : Amin Maalouf, Léon l‘Africain, éd. 34 J-C Lattès, 2012, pp. 111-112.

 

 

 


أمّة بين هُوَّتَيْن أو هاوِتَيْن !

 

حفرَ الغربُ هُوَّةً بين مستقبل العربِ وحاضرهم وحفر العربُ بأيديهم هُوَّةً أخرى بين حاضرهم وماضيهم المجيد جزئيًّا ونسبيًّا، فأصبحوا أمة بين هُوَّتَيْن أو هاوِتَيْن !

 

نبذة عن أمين معلوف:

أمين معلوف، كاتب باللغة الفرنسية (Prix Goncourt 1993 pour « Le Rocher de Tanios »)، مزدوج الجنسية، من عائلة وتنشِئة مسيحية-عربية، لبناني-فرنسي، متعدد الهويات، لا ينكر انتماءه إلى أي واحدة منها وفي الوقت نفسه لا يضخّم من شأن واحدة على حساب الأخرى.

قال عن نفسه: "أنتمي" على الأقل إلى شعبين، اللبناني والفرنسي، أشعر أنني أوروبي عربي متوسطي، أحِسّ أن قطعة مني مرتبطة بكل هذه الشعوب.

نصوص مختارة من أمين معلوف:

"الشيء الذي أناضل اليوم ضده وسأناضل دومًا ضده، هو هذه الفكرة الثنائية الخاطئة القائلة بوجود من جهة، دينٌ -مسيحي- يهدف إلى نشر التقدم والحرية والتسامح والديمقراطية، ومن الجهة الأخرى دينٌ -إسلامي- مهيأ منذ البداية للاستبداد والظلامية".

"أعرِّف المؤمن كالآتي: هو مَن يؤمن بـبعض القيم -التي ألخصها في واحدة:  كرامة الكائن البشري. أما الباقي فلا يعدو أن يكون إلا أساطير وآمال".

"لا تخلو ديانة من التعصب والتشدد والتطرف، لكن إذا قمنا بجردِ ما أنجزته الديانتان المتنافستان عبر التاريخ، لَلَاحظنا أن الإسلامَ لا يخجل من ماضيه.  لو كان أجدادي مسلمين في بلدٍ محتل من قِبل الجيوش المسيحية عوض أن يكونوا مسيحيين في بلدٍ محتل من قِبل الجيوش الإسلامية، لا أعتقد أنهم كانوا قادرين على مواصلة العيش والمحافظة على إسلامهم مثلما حافظنا نحن على مسيحيتنا طيلة 14 قرنًا. ماذا حصل في المقابل لمسلمي إسبانيا وسيسيليا ؟ انقرضوا عن بكرة أبيهم، مقتولين أو مُكرَهين على الهجرة أو مُمَسَّحِين بالقوة. منذ فجره، يزخَر التاريخ الإسلامي بقدرة عجيبة على التعايش مع الآخر. في أواخر القرن XIX، كانت إسطنبول، عاصمة أكبر قوة إسلامية في ذلك العصر، تعدّ في سكّانها أغلبية غير مسلمة، أساسيا يونانيين وأرمينيين ويهودا. لـنتخيل في نفس العصر أن نصف سكان باريس أو لندن أو فيانّا أو برلين يتكون من مسلمين ويهود ؟ لا يزال بعض المواطنين الأوروبيين إلى اليوم يمتعضون من سماع الآذان في مدنهم".

"يجب أن نقارن ما يصلح للمقارنة. أسسَ الإسلام "اتفاقية تسامح" (un “protocole de tolérance”) في عهدٍ كانت فيه المجتمعات المسيحية لا تتحمل الآخر".

"بعد ما كان العالَم الإسلامي وعلى مدى قرون، رافعًا راية التسامح، أصبح اليوم في مؤخرة الأمم" (المؤلّف محمد كشكار: "أضحَى العالَم الإسلامي اليوم يُنعتُ بالتشدد والتطرف والتعصب والرجعية والظلامية ومعاداة المرأة والفن وحقوق الإنسان".). فلماذا يا ترى ؟

"بالنسبة لي، بيّنَ التاريخ بوضوح أن الإسلامَ يحمل في داخلِه استعدادات وإمكانيات كبيرة للتعايش والتفاعل الخصب مع الثقافات الأخرى، لكن التاريخ الحديث بيّن أيضا أن رِدّة قد تحدث وقد تبقى هذه الإمكانات الكامنة فيه على مر الزمان. (...) لو طبقنا التاريخ المقارَن على العالَم المسيحي والعالَم الإسلامي، لاكتشفنا من جهة، دينا متعصبا، حاملا لنزعة الاستبداد، لكنه تغيّر شيئا فشيئا إلى دين تفتح على الآخر (المسيحية)، ومن الجهة الأخرى، دينا حاملا لرسالة تفتّح، لكنه شيئا فشيئا انحرف إلى سلوكيات متطرفة واستبدادية" (الإسلام).

"المجتمع الغربي صَنَعَ الكنيسة والدين اللذَين كان هو في حاجة لهما". ... كل المجتمع شارَك، بمؤمنيه وملحديه" (المؤلّف محمد كشكار: "يبدو لي، حسب اجتهادي، أن هذه الجملة الأخيرة لأمين معلوف، يقابلها جملة قالتها جاكلين الشابي، عالمة أنتروبولوجيا: "الدين يخلق المجتمع والمجتمع يخلق دينَه").

 


 

Quelle tolérance qui contraste avec le paysage actuel en terre d`islam ! Amin Maalouf

 

Le Coran incite à la tolérance entre les différentes religions de Dieu: « Dites : Nous croyons en Dieu et à ce qui a été envoyé du Ciel à nous, à Abraham et Ismaël, à Isaac, à Jacob, aux douze tribus, aux Livres qui ont été donnés à Moise et à Jésus, aux livres accordés aux prophètes par le Seigneur ; nous ne mettons point de différence entre eux, et nous sommes musulmans, résignés à la volonté de Dieu »

 

Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C Lattès, 2012, p. 275

 


Religion comparée : Islam et Protestantisme ! Amin Maalouf

 

« Luther ne recommande-t-il pas d`enlever des lieux de culte toutes les statues, estimant qu`elles sont objets d`idolâtrie ? « Les anges n`entrent pas dans une maison où se trouve un chien ou une représentation figurée », a dit le Messager de Dieu dans un hadith certifié. Luther n`affirme-t-il pas que la chrétienté n`est rien d`autre que la communauté des croyants, et ne doit pas être réduite à une hiérarchie d`Église ? N`assure-t-il pas que l`Écriture sainte est le seul fondement de la Foi ? Ne tourne-t-il pas en dérision le célibat des prêtres ? N`enseigne-t-il pas qu`aucun homme ne peut échapper à ce que son Créateur lui a prédestiné ? Le Prophète n`a pas dit autre chose aux musulmans. »

Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C Lattès, 2012, p. 288


 

الناس تحملُ في أسمائها رايات دياناتِها، كما أجبِرَ اليهود على حَملِ النجمةِ الصفراءِ في أوروبا أيام النازية !

 

Citoyen du Monde, « Naître, c`est venir au Monde, pas dans tel ou tel pays, pas dans telle ou telle maison » Amin Maalouf, Les Désorientés.

نص أمين معلوف، دون إضافةٍ أو تعليقٍ:

كنا في لبنان نحلُمُ بِبَلدٍ حيث المواطنون لا يُعرَّفون أولاً بِهوياتهم الدينية. كنا نريدُ رَجَّ العقليات وخلخلة التقاليد.

لماذا المسيحيون يحملون وبصفة منهجية أسماءً مسيحيةً (ميشيل، جورج، إلخ)، والمسلمون أسماءً إسلامية (محمود، عبد الرحمان، إلخ.)، واليهود أسماءً يهودية (مُووِيز، سولومون، إلخ) ؟

كل واحدٍ منّا يحملُ اسمًا يُعلِنُ عن دينِه، وكأنه يتباهى على خلقِ الله بانتمائه العقائدي.

لماذا لا نختارُ مكانها أسماءً محايدة مثل نعيم، سليم، أمين، سامي، رمزي، إلخ.

 

 

اليوم فقط فهمتُ حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن دخلَ بيتَ أبي سفيان فهو آمِنٌ" و"اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ"، وحكمة ميركل مع المليون لاجئ ! مواطن العالَم

 

يبدو لي أن ميركل، الرئيسة السابقة للحكومة الألمانية، قرأتْ التاريخ جيداً، أما الرسول فقد يكون وحيًاً أو اجتهادًاً، الله أعلَم !

ماذا يقول التاريخ ؟


نص أمين معلوف: أسوق إليكم خمسة أمثلة من التاريخ الحديث والمعاصر:

1. فرنسا: في سنة 1685، قرّر لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، تهجير الأقلية البروتستانتية الفرنسية (Les huguenots). هؤلاء المهجَّرون من فرنسا ساهموا وبصفة كبيرة في نهضة العواصم الأوروبية الثلاث التي احتضنتهم، أمستردام ولندن وبرلين التي أصبحت بفضلهم مدينةً منافسة لباريس (La grande rivale de Paris). في المقابل، ساهم هذا التهجير المكثف في إفقار فرنسا ثقافيًّا.

2. اسبانيا: في سنة 1492، سنة سقوط غرناطة، هُجِّر اليهود والمسلمون قسريّاً من قِبل كاثوليك اسبانيا المنتصرين، فنتج عن هذه الهجرة أن اسبانيا فقدت نخبتها وعجزت عن الاستفادة من فتحِها لأمريكا، ولم تتجاوز تخلفها مقارنة بالأمم الأوروبية إلا بعد 500 عام.

3. في أمريكا: ليس صدفةً أن تختص أمريكا، أقوى دولة في العالم، باستقبال أفواجٍ متعاقبةٍ من المُهجَّرين المغضوبِ عليهم في بلدانهم الأصلية مثل المتشددين البريطانيين، اليهود الألمان، الناجين من الثورات الروسية والصينية والكوبية والإيرانية والبروتستانت الفرنسيين.

4. في جنوب إفريقيا: نجح مانديلا في تحويل العسكر والشرطة، أدوات القمع لدى نظام البِيض العنصري، إلى مساندين لـ"أمة-قوس قزح" (Nation arc-en-ciel).

5. في مصر: مباشرة بعد ثورة 52، اتخذ عبد الناصر حُزمةً من الإجراءات القمعية: مصادرة، سَجْن، نَزْع ملكية، تأميم، إلخ. بهدف سَلْبِ الأقليات الأجنبية أملاكهم، لا لذنبٍ اقترفوه إلا لكونهم أقليات احتفظت بهُويتها وثقافتها وتعايشت مع السكان الأصليين في وئام وسلام، ولكون بعضهم يحمل جنسية دول العدوان الثلاثي في 56 بعد قرار تأميم قناة السويس (فرنسا، بريطانيا، إسرائيل). وبهذه الإجراءات التعسفية أصدر عبد الناصر حكماً بالإعدام على مصر الليبرالية والعالمية (L`Égypte cosmopolite et libérale). تسبب عبد الناصر في هجرة مكثفة لكل الأقليات "المتمصِّرة" على ضفاف النيل، البعض منها مستقر منذ عدة أجيال والبعض الآخر منذ عدة قرون. الأقليات، هُمُ اللبنانيون، السوريون، اليهود، الأرمن، اليونانيون، الإيطاليون، الفرنسيون، الأنڤليز، الأتراك، إلخ. هذه الأقليات كانت تفضل حكم الباشوات على حكم العسكر، وكانت تنظر بعين الرضا إلى تواجد الجنود البريطانيين في مصر، وترى فيهم ضمانة للاستقرار عكس ما يراه السكان الأصليون من الأقباط والعرب. أقليات عوقِبت على مواقفها اللاوطنية. هل تستحق العقاب بتلك الكيفية أو لا تستحق ؟ تلك هي المسألة.


كلمة طيبة في أفراد الأقليات: هُمُ المُلَقِّحونْ كعاملات النحل، يحومون، يجمعون رحيقَ الزهور، مما قد يظهرهم في صورة انتهازيين أو طفيليين. لذلك لا نقتنعُ بإيجابيةِ دورِهم إلا بعد غيابهم أو فقدانهم. نستطيع أن نقارنهم بالشريان الذي يربط العالم المتخلف بالعالم المتقدم، لو قطعناه قطعَنا.

 

خاتمة المؤلّف محمد كشكار: أرأيت أيها القارئ الكريم كيف أدركتُ حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم حين قال: "مَن دخلَ بيتَ أبي سفيان فهو آمِنٌ" و"اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ"، وحكمة ميركل المتمثلة في منحها اللجوء السياسي لمليون لاجئ (سوريين وعراقيين وأكراد وأفغان: نُخَبُ بلدانهم الأصلية، فنانون، أطباء، ممرّضون، مهندسون، تقنيون، مدرّسون، إلخ) ؟



غمزة موجهة لأولي الألباب من بني وطني: المضحك-المبكي أننا ما زلنا في تونس القرن 21 نتغنى ونتباهى بكوننا مجتمعا متجانسا (Une société homogène)، أي مجتمعٌ عربيٌّ مسلمٌ سنّيٌّ مالكيٌّ أشعريٌّ جُنيدي... ماذا فعلنا بتجانسِنا وماذا فعل أجدادُنا بِعدم تجانسِهم ؟ تقدّموا عن عصرهم وتخلفنا نحن عن عصرنا ! وهذا أكبر دليل على جهلنا بتاريخ حضارتنا العربية-الإسلامية قبل جهلنا بتاريخ الحضارات الأخرى: عدمُ تجانسِ مواطني دولة الخلافة العباسية كان سببًا من أسباب ازدهار عصرها الذهبي (القرن الثالث والرابع هجري)، وعدمُ تجانسِ مواطني الدولة الأموية في الأندلس كان سببًا من أسباب نهضتها الثقافية (القرن 12 ميلادي). يبدو لي أن عدمَ تجانسِ المواطنين كان العاملَ الأساسيَّ الذي ساهم في ازدهار الحضارة العربية-الإسلامية في تلك العهود (خليط من الأعراق واللغات والثقافات: عرب، فرس، أتراك، سود أفارقة، هنود، أكراد، أوربيون، إلخ. وخليط من الديانات: مسلمون، مسيحيون، يهود، إلخ. تقريباً مثل أمريكا اليوم وفرنسا بصفة أقل).



إمضاء مواطن العالَم: و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران


 يجب أن لا نخجل من أنفسنَا، لنا ضلع في هذا الإرهاب كما لغيرنَا ولنا كما لغيرنَا أيضا باع وذراع في المشاركة الفعّالة في بناء الحضارة الإنسانية !

 

ملاحظة:

الفكرة الأصلية للمقال مستوحاة من كتاب:

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.

 

نص مواطن العالَم:

كتب أمين معلوف ص 94: "أنا أعتبِرُ الحضارة الغربية المعاصِرة المسيطِرة حدثًا لا سابقةَ له في التاريخ. مرّت في التاريخ فترات تجلى فيها تقدّمِ بعض الحضارات على غيرها جميعًا (الفرعونية المصرية، ما بين النهرين في العراق، الصينية، اليونانية، الرومانية، البيزنطية أو العربية-الإسلامية). لكن ما تفجّرَ في أوروبا منذ القرن الثالث عشر ميلادي هو شيء مغاير تمامًا. أنا أتمثله كعملية إخصاب: عديد الحيوانات المنوية تتجه نحو البويضة، واحدٌ منها فقط نجح في اختراق غشائها وأبعِدَ باقي المرشحين. من الآن فصاعدا أصبح للحضارة الغربية المسيطِرة أبٌ واحدٌ، لا أبًا قبله ولا أبًا بعده، وهو الوحيد يشبه الابن. لماذا هو وليس غيرَه ؟ هل هو أفضل من جيرانه أو منافسيه ؟ هل كان الأسلم فيهم أو الأكثر وعْدًا مستقبلا ؟  ليس بالضرورة، ليس بصورة قاطعة. عديد العوامل تدخلت في انبثاق الحضارة الغربية، منها ما هو مرتبط بأداء وكفاءة المواطن الغربي، ومنها ما هو خاضع للظروف الموضوعية، ومنها ما هو رهين الصدفة...". انتهت الاستعارة وتوقف الاستشهاد.

رغم أن الحظ لم يحالِفنا ولم نلقِّح بويضَة الحضارة المتفوقة لكننا لم نكتف بدور المتفرج: لقد شاركنا في تأسيس العمران وفي تطوير الطب والفلك والجبر والألڤوريتم والبصريات كذلك فعلنا، وفي التعايش بين الأديان سبقْنا غيرنا. كنا لهذه البويضة بمثابة الرحم الحنون ولم نتنكر للمولود إلا بقدر عقوقه لنا. في القرنين الماضيين، غذّينا الغربَ بعَرَقِنا ولم يبخل عليه الملايين من عمالنا المهاجرين بجهدهم في مزارعه ومصانعه، دخلوا دواميسَ مناجمه واستخرجوا فحمها  وبأيديهم عبّدوا طرقاته السيّارة وشيدوا قناطره وأعلوا ناطحات سحابه. واليوم مئات الآلاف منّا يدرّسون في معاهده وجامعاته ويعملون بحّاثة في مخابره، وبفضل ابتكاراتهم نالَ الغربُ أعلى الجوائز العالمية العلمية والأدبية (أحمد زويل وفاروق الباز ومحمد أوسط العياري وأمين معلوف والطاهر بن جلون ومحمد أركون وغيرهم كثيرون).

فلماذا نُصِرُّ على رفضِ مولودٍ (الحضارة الغربية)، شاركْنا، نحن المُبدِعون باللغة العربية عبر التاريخ، في تنشِئته وتربيته وأفدنا واستفدنا ولا زلنا نستفيدُ من ذكائه ! كمواطن عربي-مسلم، أنني أسعى لمرافقة نفسي ورفاقي في العِرق والثقافة من أجل مساعدة أنفسنا على تخطي أزمة الهوية التي نمرُّ بها في هذا الزمن الرديء. نساعد أنفسنا على تجاوز حزننا على فقدان جزء هام من هويتنا وحضارتنا العربية-الإسلامية دون الإحساسِ بمرارة عقدة الذنب أو حلاوة وهم التفوق ودون شعورٍ بالإهانة ودون تنكّرٍ لتاريخنا المجيد جزئيًّا ونسبيًّا ككل التواريخ.

إذن لقد ساهمنا في صنع الحضارة الحديثة. صحيح أن الغربيين تفوقوا علينا علميًّا وتكنولوجيًّا لكنهم كذلك فعلوا في مجال الإرهاب، فلا ينتظروا منّا إذن تبنّي انفرادي للقيط مزدوج النسب والهوية، سليل صُلبِنا وسليل صُلبِهم في آن. نحن اكتوينا بنارَين، نارُ إرهابهم الجوّي ونار إرهابنا الأرضي. ما أبعد إرهابهم على إرهابنا ! ما أكثر قتلانا من الإرهابَيْن، الإسلامي والغربي، مقارنة بعدد قتلاهم ! نُدينهم ونُدين أنفسنا وسنقاوم إرهابهم وإرهابنا وسننتصر بحول السماء وسنبقى شامخين أحياء كالنسر فوق القمة الشمّاء. أتمنى أن نتخلى عن عاداتِنا المتخلّفة. نحن زرعنا البذرة فلماذا نُنكِر نسبَ المولودَين إلينا في الحالتيْن (الإرهاب والعلم) !

 وفي هذا الصدد أتساءل:

لماذا لا تصنَعُ الدولُ الأسكندنافية -مثَلي الأفضل حاليًّا- إرهابًا، ولا تصدِّرُ إرهابًا، ولا تستورِدُ إرهابًا، ولا تغذِّي إرهابًا، ولا تأوي إرهابًا، ولا تسلّطُ إرهابًا على أحد، ولم يُسلَّط عليها إرهابٌ إلا نادِرًا ؟

 

 

 


ما لِقومي وماذا دهاهم ؟

 

نص المؤلف:

"إنما الأمم كالمعادن، لا يتلألأ منها إلا السطحُ" أنتوان ريفارول، 1753-1801

 

الغريب أن الشعوبَ العربية أضحت شعوباً كارهةً لنفسها مما دفعها دفعاً إلى الحنين لزمن الاحتلال الغربي. نادراً ما تجد في تاريخ البشرية شعوباً مثل العرب، كرههم لأنفسهم أوصلهم إلى التطرف ! فعوض أن يرفعوا من شأن ماضيهم الحضاري المشرّف ويفتخروا بمساهماتهم الهامة في بناء الحضارة الإنسانية، مساهماتهم في الرياضيات والفلك والهندسة المعمارية والموسيقى وفن الخط والطب والفلسفة، وعوض أن يُذكّروا معاصريهم بأمجاد قرطبة وغرناطة وفاس والأسكندرية وسِيرتة وبغداد ودمشق وحلب، عوض كل هذا نرى أحفادَ عظماء بنائي الأمس غير قادرين على إثبات أحقيتهم في إرثٍ هُمُ أصحابه الشرعيون، وكأنهم يتعمّدون إحراجَ عشاق حضارتهم ويمنحون مجاناً حُجَجًاً لذامّيها.

قديما، كل من كان يكره العرب كان يُنعت بالعنصري المعادي للأجانب والمشتاق لزمن الاستعمار، أما اليوم فكُره العرب أصبح عند غير العرب كُرهًا شرعيا وغير مخالف للضمائر. باسم الحداثة أصبح العرب يوصَمون بمعاداة المرأة، وباسم العلمانية أصبح العرب يُنعتون بأعداء حرية الضمير والتعبير.

أشَد ما كان يضايقني في شبابي هو تفشي ظاهرة فقدان الثقة لدي بني قومي (p. 18: l’auteur a écrit: ma nation arabe) وانعدام القدرة لديهم على تولي مستقبلهم بأيديهم. يبدو أن هذه الظاهرة السلبية ليست حكرا على العرب أو المسلمين بل هي ظاهرة نجدها عند كل الشعوب التي خضعت للاحتلال طويلا أو رضخت لأوامر تأتي من سلطة تقع وراء البحار (العثمانيون والغرب). شعوبٌ مستلبة السيادة والإرادة. شعوبٌ تابعة للدول العظمى (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، روسيا، الباب العالي). شعوبٌ تنتظر قرارا قد يأتي أو لا يأتي من هيئة خارجية عُليا. شعوبٌ لا تثق في قراراتها السيادية خوفا من أن تُحتقر أو لا تُؤخذ في الاعتبار أو تُرفض تماما ودون مبرر معقول. تبعيةٌ نتجت عن شعور بالنقص جراء تاريخ طويل مليء بالهزائم والنكسات والإحباطات المتعاقبة واليأس الموروث والمكتسب في آن: ما الفائدة من المقاومة، من الاحتجاحات، من الغضب، من المطالبة بالحقوق ما دمنا نعرف مسبقا أن كل هذا سينتهي بحمّام دم ؟ ومَن يدّعي عكس هذا فهو ساذجٌ أو جاهلٌ.

مهما كان مضحكا ومزعجا، فإن ظاهرة فقدان الثقة في النفس تبدو مع ذلك خفيفة بالمقارنة مع ما بدأ ينطلق منذ عقد أو عقدين وينتشر في العالم العربي والإسلامي وفي أماكن تواجد العرب والمسلمين بالخارج، ألا وهي ظاهرة كُره النفس وكُره الآخر. ظاهرةٌ مقرونةٌ بتبجيل الموت وتمجيد العمليات الانتحارية. ليس من السهل ترتيب الكلمات لتفسير مثل هذا الانحرافُ المَسْخُ: "إلى الجنة ذاهبينْ، شهداء بالملايينْ" (شعار رُفع في سوريا، فيديو نُشِر في أفريل 2011). شعارٌ رُدِّد في عدة بلدان مجاورة. كنتُ أنظر إلى هؤلاء الرجال بإعجاب مخلوط بِرعبٍ. لقد أثبتوا شجاعة كبيرة في مواجهة الطلق الناري بأيدي فارغة وصدور عارية. لكن كلماتهم هذه كشفت عن نفوسٍ مكسورةٍ، وعرّت كل مأساة العالم.

عندما ييأس فردٌ معزولٌ ويفقد الأمل في الحياة، نُحمِّل المسؤولية لعائلته في بعث الأمل فيه من جديد. لكن عندما تيأس شعوبٌ بأكملها وتستسلم لشعور الرغبة في تدمير الآخر وتدمير نفسها في آن، هنا نُحمِّل المسؤولية لأنفسنا كلنا، للشعوب الأخرى المعاصرة، لشركائنا في الإنسانية، نُحمِّلهم جميعًا مسؤولية إيجاد علاج ودواء. إن لم يكن من باب التضامن مع الآخر، يكون على الأقل من باب إرادة الحياة، لأن اليأس، في زمننا هذا، بدأ ينتشر ويَنفُذ إلى ما وراء البحار، من مسامّ الجدران، ويَعبُر خطوط الحدود الجغرافية والذهنية، وليس من السهل صدّه أو الحد من انتشاره.

 

Source d’inspiration : Le naufrage des civilisations, éd. Grasset ; 332 pages, Prix : 22 €, pp. 85-92. 

 


 

مقارنة طريفة بين عنف "الحشاشين" في القرن 11-12م وعنف "الدواعش" في القرن 20-21م ؟

 

ملاحظة منهجية: هذه المقارنة الطريفة التي سأجريها بين عنف "الحشاشين" في القرن 11-12م وعنف "الدواعش" في القرن 20-21م، لا تعني البتة أي إدانة مُسقطة للتاريخ الإسلامي بل هي عبارة عن بحثٍ في سببٍ واحدٍ من بين الأسباب الأخرى العديدة المولِّدة للإرهاب الداعشي المعاصر ولا تعني أيضاً أنني لا أعي أو أهمل الأسباب الخارجية التآمرية. منهجية تحديد البحث على سبب واحد لا تعني تهميش الأسباب الأخرى وليعلم القرّاء أنني قد سبق لي أن نشرتُ حولها عدة مقالات نقدية، ولكل مقام مقال.

كل ما سأذكره عن "الدواعش" من معلومات تاريخية هو من عندي، وكل ما سأذكره عن "الحشاشين" هو مأخوذ من الكتاب التالي:

Les croisades vues par les Arabes, Amin Maalouf, Editions J`ai lu, Paris, 1985, 316 pages.

المقارنة:

1.    ظروف التأسيس:

-        "الحشاشين" في القرن 11-12م: وُلِد مؤسِّسُهم حسّان (الشيعي) في عهد كان المذهب الشيعي فيه مُسيطرا على مصر وسويا (الفاطميون) وفي فارس والعراق (البويهيون يسيطرون على فارس وعلى الخليفة العباسي في قلب بغداد). وجدَ حسّان في مصر أتباعاً متدينين أصوليين شيعة يشاركونه فكرة تجديد الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر والثأر من الخلافة السلجوقية السنية في العراق. احتل حسّان حِصْناً جبلياً يُسمى في ذلك العصر "حصن الموت" قرب مدينة قزوين على بعد 100كلم من طهران اليوم.

-        "الدواعش" في القرن 20-21م: وُلِد مؤسِّسُهم أبو بكر البغدادي (السنّي) في عهد كان المذهب السنّي فيه مُسيطرا على جميع البلدان الإسلامية عدا سوريا (الحكّام علويون وأغلبية الشعب سنّية) وسَلطنة عُمان (الشعب  إباضي) وإيران (الشعب شيعي في أغلبه). وجدَ البغدادي في  العراق أتباعاً متدينين أصوليين سنّة يشاركونه فكرة تجديد الخلافة السنّية في العراق وسوريا والثأر من الحكم الشيعي في العراق (المالِكي) وسوريا (بشّار) وإيران. واحتل البغدادي مدينة الموصل ثاني مدينة بعد بغداد وأكبر منتج للنفط.

2.    طريقة الاستقطاب والتلقين العقائدي أو المذهبي:

"الحشاشين" في القرن 11-12م: يُصنف الأتباعُ حسب مستواهم الثقافي وإخلاصهم وشجاعتهم. يتلقون تكويناً مكثفاً في أصول الدين وفنون القتل والقتال. وكذلك يفعل "الدواعش" في القرن 20-21م.

3.    طريقة تنفيذ العمليات "الإرهابية" من منظورنا و"الجهادية" من منظورهم: 

"الحشاشين" في القرن 11-12م: سلاحهم المفضل هو الاغتيال. ينتشر أعضاء المذهب فُرادى أو على شكل مجموعات قليلة العدد. يتنكرون في زِيِّ تجار أو نُسّاك، يتعرفون على مكان تنفيذ الجريمة ويرصدون تحركات ضحيتهم المحتملة ثم يضربون. التحضير سري للغاية والتنفيذ علني عمومي ومَشهدي (Spectaculaire): يقع أمام أكبر عدد ممكن المتفرجين. لذالك يكون مكان التنفيذ المفضل بالنسبة لهم هو المسجد، والزمان هو وضح النهار. ويُعتبر القتل لديهم ليس فقط وسيلة للتخلص من الخصم بل هو قبل كل شيء درسٌ يُعطَى للعموم: درسٌ مزدوج يتلخص في تسليط عقابٍ قاسٍ على الضحية وإبراز بطولة المُنفذ الانتحاري في الشجاعة و"التضحية في سبيل الله". إذعان المنفذين للأوامر وهدوؤهم ورباطة جأشهم عند التنفيذ تدعوان للشك في أنهم يتناولون منشطات أو مخدرات. وكذلك يفعل "الدواعش" في القرن 20-21م.

4.    تهمة الخيانة للوطن العربي وتهمة التخابر مع العدو من أجل انتصار مذهبهم الإسلامي (سنّة أو شيعة ) على المذهب الخصم وهو إسلامي أيضاً:

 "الحشاشين" في القرن 11-12م: يُلامون على تعاطفهم مع الأعداء (الفرنجة في الحروب الصليبية، المحتلون للقدس). ينظرون بعين الرضا للجيوش الصليبية التي تلحق الهزيمة تلو الهزيمة بالحكّام السنّة السلاجقة. فِعْلُ "الحشاشين" يشبه داء الجذام (La lèpre) الذي ينخر العالَم العربي في وقتِ يحتاج فيه هذا العالَم لشحن كل طاقاته من أجل التصدي للاحتلال الصليبي. نفس اللوم يُوجه لـ"الدواعش" في القرن 20-21م على تعاطفهم مع الإسرائيليين المحتلين للقدس. ينظرون بعين الرضا للجيوش الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية التي تلحق الهزيمة تلو الهزيمة بالحكّام الشيعة في سوريا (نظام بشّار) ولبنان (حزب الله). فِعْلُ "الدواعش"  يشبه داء السيدا (Le SIDA) الذي ينخر العالَم العربي من الداخل ويضعف مناعته (جيوشه واقتصاده) في وقتِ يحتاج فيه هذا العالَم لشحن كل طاقاته من أجل التصدي للاحتلال الصهيوني.

5.    لا يعترفون بأي سلطة إسلامية قائمة حتى لو كانت تنتسب إلى مذهبهم لذلك هم مكروهون ومضطهَدون من قِبل جميع الدول الإسلامية:

"الحشاشين" في القرن 11-12م: لا يعترفون بالخليفة الفاطمي رغم أنه شيعي. وكذلك يفعل "الدواعش" في القرن 20-21م، لا يعترفون بملك السعودية، الراعي الرسمي للمذهب السنّي في العالَم الإسلامي المعاصر. لذلك لعل واعزهم الوحيد وديدنهم هو بلوغ السلطة وكرسي الحكم ولا غير ذلك...

 


 

هل "حشّاشو" القرن الثاني عشر ميلادي هم أجدادُ "دواعش" القرن الواحد وعشرون ؟ تأليف عبد الوهاب المؤدب، 2002، نقل مواطن العالم، 2024

 

"أمّا الأفق القاعدي للإرهاب السياسي، الذي ابتدعته الإسماعيلية (الحشّاشين)، فلا يمكن أن يكون ذا صلة مع الأفق القاعدي الذي يوجه سلوك الأصوليين والوهابيين المتكاثرين في شبكات "القاعدة" وهم لا يحلمون إلا بفرض الشريعة في العالم، تلك الشريعة نفسها التي قوضها الحشاشون. (...) فما بين الوهابية الأصولية (القاعدة وداعش) وبين الإسماعيلية الباطنية تبدو مقاربة النص القرآني على طرفَي نقيض. فالأولون مَهْوُوسُون بالمعنى الظاهر والآخرون يولون كل اهتمام لتقديس المعنى الباطني. ومن ثمَّ يتبين بالتالي أن الوهابية والإسماعيلية تشكلان في المشهد الإسلامي موقفَين لا يلتقيان. وليس هذا التعارض موجودًا على المستوى العقائدي وحسب، بل إنه يتناول أيضًا منهج العمل. فالحشّاشون لم يلجأوا بتاتًا إلى المجازر مُوقعين ضحايا أبرياء، كما أنهم لم يستهدفوا الأجانبَ، باستثناء إقدامهم على إعدام الماركيز كونراد، ملك القدس عام 1192. (...) وما عدا ذلك فإن جميع ضحايا الإسماعيلية كانوا من رجالات السياسة والعسكريين ورجال الدين وكبار الموظفين الإداريين ومن الخاصة المنتمين إلى جهاز الدولة السنّية (من الخليفة إلى السلطان ومن الوزير إلى الحاكم، ومن المفتي إلى الوالي، ومن الحاكم إلى المدرّس العالي). (...) ثم إن الفكر الإسماعيلي قد تطور نحو تبنّي الفلسفة الأفلاطونية المحدثة وتمجيد العقل الذي تجلّى عبر "رسائل إخوان الصفا" (القرن العاشر ميلادي) (...) لذلك لا يمكن أن يقارَن الإرث الروحي للإسماعيلية بركاكة نتاج الأصوليين والوهابيين (...) التي أقل ما يقال فيه أنه مستهجنٌ لفقره وتعصّبه. (...) المستشرق البريطاني برنار لويس نفسه (1916-2018) يقرّ بأنه ليس في الشريعة الإسلامية ولا في السنّة ولا في السيرة ما يحضّ على تضحية الإنسان بذاته ولا على القتل باحتفائية دينية.

 

المصدر: أوهام الإسلام السياسي، عبد الوهاب المؤدب، نقله إلى العربية مجمد بنيس والمؤلف، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء 2002، 181 صفحة، الثمن: 62 درهمًا (ص.ص 138-143).

 

الحضارة الإسلامية (وليس الإسلام كَـوَحْي) هي التي اكتشفت التسامح وكانت سباقة في احترام الأديان الأخرى، هي نفسها لا تتسامح اليوم جيدًا مع غير المسلمين الذين يتمسكون بدينهم  ولا يعتنقون الإسلام.

 

عالِم الأنسنة ليفي ستروس (l’anthropologue, 1908-2009)، عضو الأكاديمية الفرنسية، قال: "التجديد لا يعني بالضرورة تقدّمًا، والتقدّم نفسه له وجهان، واحدٌ مشرقٌ والآخرُ مظلمٌ".

الوجه المشرق مثل الاكتشافات الطبية ووسائل النقل والاتصال والوجه المظلم مثل التلوث البيئي والأسلحة الذرية والكيميائية والبيولوجية.

 

Source d’inspiration : Un fauteuil sur la seine. Quatre siècles d’histoire de France, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2016, Prix : 8,20 , 341 pages.

 


 

قضيةُ مطالبة المهاجر المسلم في أوروبا بحقه في احترام "خصوصيته الثقاقية"، قضيةٌ حَمّالةُ أوجُهٍ

 

-        يحق للمهاجر المسلم في أوروبا أن يطالب باحترام "خصوصيته الثقاقية"، احترامٌ يتجسّم في تعلّم لغته الأم والاعتراف والتعريف بأدب ثقافته الأم وشِعرِها ومسرحِها وأساطيرِها وآثارِها وبطولاتِها وسينماها وموسيقاها ورسومِها ورَقصِها وغِناها وصناعتِها التقليدية وفنونِ طبخِها.

-        لكن لا يحق للمهاجر المسلم في أوروبا أن يطالب باحترام "خصوصيته الثقاقية"، لو طالب باحترام خِتان البنات أو تزويج القُصّر من البنات أو تزويجهن رغمًا عن إرادتهن أو عدم المساواة بين الذكر والأنثى أو تخفيف العقاب على مرتكِبِي جرائم الشرف أو تعدّد الزوجات. لو صدر - من الأوروبيين الأصليين ولو عن حسن نية - هذا النوع الغريب من الاحترام الذي يطالب به بعض المسلمين فهو لا يُسمَّى احترامًا بل يُسمَّى احتقارًا مقنَّعًا لأنها حقوق فيها ظلم للمرأة ولا يسمحون بها لبني جلدتهم.. فهل سيسمحون بها لغيرهم ؟

الحضارة الغربية تختلف عن الحضارة الإسلامية لكن الاثنتان غير معزولتين عن بعضهما بعضا وقابلتان للتطور والتأثير والتأثر.

الحضارة الغربية المعاصرة هي نِتاج تفاعل عدة حضارات: الإغريقية والرومانية والبيزنطية واليهودية والمسيحية والأندلسية والفارسية والهندية والمصرية والتركية.

صراع الهويات الدينية والمذهبية الذي نعيشه اليوم دليل على أن خصوصية كل واحدة بدأت تتلاشى تحت انتصارات العولمة.

لقد حان الوقت لنشيّد حضارة مشتركة ذات دعامتَين: الأولى تتكون من القِيم الكونية والثانية من التعبيرات الثقافية المختلفة شريطة ألا تتناقض مع الأولى.

والتعصّب الأعمى لدين بعينه هو بمثابة السم القاتل لهذا الدين نفسه وذلك بتشويه رسالته، الروحية والأخلاقية، الموجهة أصلاً للعالَمين كافة.

والعنف الإرهابي يجر آليًّا إلى العنف ضد الإرهاب الذي بدوره يسهل على الإرهابيين انتداب متعصبين جدد يحضّرون لعمليات قادمة.

ومحنة العرب لا تتمثل أساسا في لسعة الفقر بل في لسعات الإذلال والاحتقار والشعور بأن لا مكان لهم في هذا العالم، مهزومون مقموعون مقصيون.

ومن أخطر مساوئ العولمة أنها أحيت النعرات الطائفية الدينية وساهمت وسائل الاتصال الاجتماعي في انتشارها في العالم أجمع.

ومنذ سقوط الشيوعية انحسرت الهويات الإيديولوجية وازدهرت الهويات الطائفية وتبين أن الثانية أخطر من الأولى، خاصة بين الشيعة والسنّة في العالم الإسلامي.

وما يحتاجه المهاجر المسلم في أوروبا هو الاعتراف بثقافته بجميع عناصرها كالدين واللغة والملبس والمأكل والمشرب.

والتعددية (pluralisme) / الطائفية (communautarisme) متقابلتان: الأولى محمودة ومرتبطة بالثقافة بجميع عناصرها أما الثانية فمنبوذة  ومرتبطة بالعرق والدين لا غير.

لذلك فالنظام الطائفي (لبنان) قد يكون حلا ضد حرب الكل ضد الكل لكنه حل أخطر من المشكل كالأفيون يخفف آلامك لكنك تصبح مدمنا لا علاج لك.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 




 

أين تكمن الحكمة في التعامل مع المختلف عنّا لَونًا أو عِرقًا أو دِينًا ؟

 

الحكمة لا تكمن في تجاهل الفروقات بين مواطن عربي ومواطن أوروبي، بل تكمن في الاعتراف بوجودها ثم تجاوزها إلى اللبّ والإقرار بأن نفس الفروقات موجودة أيضًا داخل كل أمة فالمواطن الأوروبي قد يكون مسلمًا أو يهوديًّا أو مسيحيًّا أو بهائيًّا أو ملحدًا أو لا أدرِيًّا، متعصّبًا أو منفتحًا، مثقفًا أو غير مثقفٍ، كفئًا أو غير كفئٍ، صادقًا أو كذّابًا، باسم الثغر أو مكفهرَّ الوجه، قادمًا على الحياة أو مُدبِرًا عنها، يحترم المرأة أو لا يحترمها، متأدّبًا أو متعدّيًا، محافظًا أو تقدّميًا، يساريًّا أو يمينيًّا، مجتهدًا أو كسولاً، معترفًا بنظرية داروين أو ناكرًا لها، مؤمنًا بحرية المعتقد أو غير مؤمنٍ بها... والمواطن العربي كذلك... والصيني والهندي والإفريقي والتركي والماليزي كلهم سواسية في هذا المجال.

لم يبقَ للمسلمين المضطهَدين من ملاذٍ إلا الدين يستمدّون منه ثقتهم بأنفسهم، لذلك لو طلبتم منهم، "أيها الغربيون المعادون للإسلام"، التخلي عنه فكأنما تطلبون منهم التخلي عن الافتخار بمساهمتهم الوحيدة في تاريخ الحضارة الإنسانية، أي بصورة أوضح كأنما تطلبون منهم التخلي عن سبب وجودهم أصلاً (leur raison d‘être).

أمين معلوف يدعو إلى تكثيف اللقاءات بين يهود المهجر وعرب المهجر عوض مواصلة المواجهة المرهقة والعقيمة التي تنهك الشرق الأوسط.

أمين معلوف يدعو إلى تسوية تاريخية تأخذ في الاعتبار مآسي اليهود والفلسطينيين والعرب ومسيحي الشرق والطريق الضال الذي سلكه الغرب. 

يوجد العرب حاليا في وضع مزر. فهل الخطأ خطؤهم ؟ جزئيا نعم لكن أليست مسؤولية للغرب الذي لم ينجح في إدارة علاقاته مع العرب ؟

ليبحث المسلمون في القرآن، أكيد سيجدون ما يبيح الديمقراطية والحداثة والعلمانية وتثمين العلم والتعايش السلمي وتمجيد الحياة.

عنصرية عن حسن نية: السماح للمهاجرين بإنشاء جمعيات دينية (شيء لا يُسمح به للأوروبيين) يفاقم مشاكلهم أكثر من أن يحلها.

أيها الأصدقاء الغربيون لا تمعنوا في السخرية من الإسلام لأنكم لا تعرفون مكانته عند المسلمين وإلا جعلتم من الصديق المسلم عدوا.

الإسلام بالنسبة للعربي المهزوم هو سفينة وسط طوفان من الإسلاموفوبيا خارجيا وداخليا فرجاء لا تسقطوا غصن الزيتون من يده وإلا غرقتم معه.

فبعض المواطنين العربي تتنازعهم رغبتان: رغبة للتنكر لهويته (عند أغلب اليساريين) ورغبة جامحة لتأكيدها ضد الكل (عند بعض الإسلاميين).

كيساري عربي مسلم تتصارع في داخلي نزعتان متناقضتان: حب الغرب وكرهه. ولكل منهما مبرراته لأن الغرب لم يفعل شيئا لترجيح الكفة لصالحه بل لعله ساهم في تأجيج هذا الصراع الداخلي.

لذا أضحى ماضي العرب الزاخر بالانتصارات العسكرية والمعرفية هو الملاذ الوحيد الذي حمى وحافظ على هوية العربي وكرامته من الاندثار.

اعتقاد المسلم الجازم بأنه سيدخل الجنة وأعداؤه سيدخلون النار (أجانب ومحليون) هو الذي يخفف عنه شعوره بالذل والمهانة في هذه الدنيا.

الإسلام هو العنصر الوحيد الذي يجعل المسلمين يشعرون بأنهم خير أمة أخرِجت للناس رغم أن محيطهم يشعرهم بأنهم شعب منبوذ.

وجيوشهم مهزومة وأراضيهم محتلة وسيادتهم مستباحة وشعوبهم مقموعة وأعداؤهم متغطرسون لكن وبفضل الإسلام وحده ما زال المسلم شامخا بين الأمم.

 

ولإذكاء الثقة بالنفس لا يحتاج الغرب لاسترجاع أمجاد الماضي لأن أمجاد حاضرهم تغنيهم أما المسلمون فيحتاجون لأن حاضرهم يخجلهم.

أعتقد أننا أعطينا وزنًا كبيرًا لتأثير الدين على المجتمعات ولم نعط نفس الوزن لتأثير المجتمعات على الدين.

الغربيون ابتعدوا عن المسيحية ورجعوا إلى ديمقراطية أثينا وقانون روما.

ونحن إذا ابتعدنا عن الإسلام فلا مرجع لنا إلا الجاهلية !

تغيير حال المسلمين لن يتم بالرجوع للنصوص المقدسة بل بالرجوع لنصوص الحضارة الإسلامية. الأولى لا يحق لنا تغييرها أما الثانية فواجب علينا تطويرها.

لم يبق لنا خيار للإقلاع إلا الإسلام فليس لنا أرض صلبة نقف عليها غيره خاصة بعدما انهارت القومية والشيوعية، والرأسمالية في الطريق.

لم يبق لنا خيار للإقلاع إلا الانطلاق من الثقافة الإسلامية السائدة: كلام أقوله وأردده حتى ولو كنت مسيحيًّا أو يهوديًّا أو بهائيًّا أو ملحدا عربيًّا.

ما أنشره من آراء موضوعية حول الإسلام والمسلمين -لو لم يكن نقلا عن أمين معلوف المسيحي- لاتهمني رفاقي بالتقرب من الإسلاميين.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 


 

بعض المبادئ العلمانية الواردة في النصوص الإسلامية قبل ظهورها في الغرب بِـعِدّة قرون

 

-        لا وجود لـكنيسة مركزية ولا رهبنة في الإسلام.

-        لا وساطة بين الخالق والمخلوق.

-        لا سلطة دينية لمخلوق على مخلوق.

-        لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

-        حرية المعتقد في القرآن الكريم: "لكم دينكم ولي دين"، "فمَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر"، إلخ.

-        حرية اليهود والمسيحيين في ممارسة شعائرهم الدينية علنًا وحرية الاحتكام قضائيا إلى شرائعهم.

-        لا وجود لصكوك غفران تمكِّنك من دخول الجنة.

-        لا شفاعة لأحدٍ ولا حتى لنبي إلا بإذنه تعالى.

-        مسلم يتزوج مسيحية، لا يحق له إجبارَها على تركِ دينها بل واجبٌ عليه مرافقتها للكنيسة يوم الأحد وانتظارها حتى تُكمل صلاتها.

-        أمين معلوف المسيحي اللبناني قال: "في القرن 19 ميلادي كان ثلثَا سكان اسطنبول غير مسلمين لكنهم كانوا متعايشين في سلام تحت الحكم الإسلامي". وقال أيضًا: "عِشْنا في لبنان أربعة عشر قرنًا تحت الحكم الإسلامي ولم يمسسنا سوءٌ في كنيستنا ولا في عِرضنا ولا في مالِنا".

كل الإيديولوجيات والديانات تحمل في كتبها بذور التضامن وبذور الأنانية في آن. فبالتربية لا غير نستطيع تنمية الأولى على حساب الثانية.

على عكس ما يعتقد الكثيرون فإن إحدى مآسي المسلمين، قديما وحديثا، تتمثل في تعدِّي السلطة السياسية على السلطة الدينية وليس العكس.

تعدِّي السلطة السياسية على السلطة الدينية في العالم الإسلامي قد يكون سببه عدم وجود "كنيسة" مركزية تحميها من التوظيف السياسي.

في العالم الإسلامي، كلما حاول الحكام الحد من سلطة الدين كلما انتشر الدين أكثر.

والأمثلة كثيرة: الشاه، ناصر، بورقيبة، الأسد، بومدين.

في العالم المسيحي كان الملوك يرتعدون عندما يهددهم البابا بالتكفير. في العالم الإسلامي، لا كنيسة ولا بابا ولا تكفير لأن السلطة الدينية محدودة.

في الإسلام، لا وساطة بين الخالق والمخلوق. مبدأ سامٍ لم يتبناه جزء من المسيحيين إلا في القرن 16 على يد المصلح الروتستنتي مارتن لوثر.

في الإسلام، لا سلطة دينية لمخلوق على مخلوق. مبدأ سامٍ، كان من الممكن أن يكون سببا في ظهور العلمانية في العالم الإسلامي قبل المسيحي.

منطقيا لا أحد كان يتصور أن العالم المسيحي سيصل إلى فصل الدين عن الدولة قبل العالم الإسلامي لما لهذا الأخير من مبادئ علمانية واضحة.

على عكس ما يعتقد الكثيرون فإن تأخر ظهور مطلب الحرية في العالم الإسلامي تسبب فيه حكم الطغاة المطلق في ظل سلطة دينية مقموعة أو موالية للحكام.

عدم وجود "كنيسة" مركزية في الإسلام. مبدأ سامٍ لكنه قد يشجع على ظهور حركات متطرفة تنطق باسمه مثل داعش والقاعدة وبوكو حرام.

عدم وجود "كنيسة" في الإسلام قادرة على رسم حد بين السياسي والديني قد يفسّر الإصرار على الخلط بينهما اليوم. خلط لا يوجد في النصوص الدينية.

في المسيحية، فكرة الكنيسة ليس منصوصًا عليها في الأناجيل، لذلك

لم تظهر كسلطة دينية مركزية إلا في القرن الرابع بعد ميلاد المسيح.

 

 

 


 

لماذا فشل القوميون والماركسيون العرب ؟ (لم أقل أن الإسلاميين العرب نجحوا !)

 

فشل القوميون والماركسيون العرب في كسبِ ودِّ شعوبهم. فشلٌ قد يكون مردُّه إلى ابتعادهم عن الثقافة الإسلامية (لم أقل عن الإسلام السياسي). الماركسيون ابتعدوا بصفة واضحة وعلنية أما القوميون فقد ابتعدوا بصفة غير واضحة وغير علنية.

إضافتي وقد يكون -حسب رأيي- مردّه أيضًا إلى كونهما أصحاب إيديولوجيات غربية علمانية مستوردة تزامن ظهورها في العالم العربي مع قدوم الاستعمار الغربي الغاشم.

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 


 

تَصالُحُ بعض اليساريين العرب مع هويتهم الإسلامية: هل فيه خيانة ليساريتهم أم فيه تأصيل وتكيِيف لأهم ما جاء فيها ؟ 

 

بعض اليساريين العرب اللذين تَصالُحُوا مع هويتهم الإسلامية (وأنا منهم) لا يشعرون بأنهم خانوا يساريتهم لأنهم بدورهم وجدوا أن للثقافة الإسلامية الشعبية نفس الأهداف (لم أقل للإسلام السياسي الحاكم في إيران أو للترويكا التي حكمت تونس لفترة قصيرة جدًّا) وهي على التوالي دون ترتيب: معاداة الإمبريالية الغربية وإسرائيل والليبرالية المتوحشة التي سلعنت كل القِيم ووصلت إلى كراء أرحام النساء وقنّنت الرشوة والربا المجحف، مساندة الطبقات المسحوقة وتحقيق العدالة الجزائية والاجتماعية على الأرض في انتظار تحقيقهما في السماء، معاداة الأنظمة العربية الملَكية والجمهوريات غير الديمقراطية كبورقيبة وبن علي وناصر وصدام والأسد والسيسي وبومدين والقذافي وغيرهم.

المفاجأة السارة التي اكتشفها الناشطون السياسيون اليساريون العرب المتصالحون مع هويتهم الإسلامية (وأنا لستُ منهم أي لستُ ناشطًا سياسيًّا، أنا ناشطٌ فكريٌّ لا غير) هي التالية: وجدوا أنفسهم يناضلون وهم ملتحمون بشعوبهم أي "كالسمكة في الماء" كما قال "ماو" ولم يعودوا كما كانوا معزولين منفردين يوزّعون مناشير مترجمة عن الروسية أو يبيعون كُتُبًا حمراء صغيرة لا يطالعها أحدٌ. أصبحوا يتكلمون لغة أي فرد من أفراد شعوبهم. لغة تنقل عن القرآن والحديث والتراث لا لغة تنقل عن ماركس ولينين وستالين.

الهوية الإسلامية ثقافة وانتماء في آن ولا يحتاج اليساري العربي للانضمام إليها إلى تأشيرة دخول أو مطلب لأنه مولود فيها واسمه مشتقّ من تراثها.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 


 

أمين معلوف يوضّح مقولة ماركس المشهورة "الدين أفيون الشعوب"

 

"الدين أفيون الشعوب"، مقولة مشهورة، أكيد قالها ماركس، قالها ولم يكن يقصد التسلية عن الأهم أو الإساءة للدين على عكس ما فهمها أغلب مريديه من الماركسيين العرب. لذلك وجب علينا التذكير بجملة ماركس وهذا نصها كاملاً غير مبتورٍ: "المحنة الدينية (أي الإحساس بالضياع والوحدة والعجز الذي نشعر به أمام الفقر والخطر والمرض) هي وفي نفس الوقت تعبيرةٌ عن محنة حقيقية وعن احتجاج ضد هذه المحنة نفسها. الدين زفرة المظلوم، هو قلب عالَم بلا قلب، هو روح عالَم بلا روح. الدين أفيون الشعوب".

حسب وجهة نظر ماركس، يجب هدمُ هذه "السعادة الوهمية" حتى يشرع الناس في بناء سعادة حقيقية، مما يجعلنا نتأمّل في العِبرة من الحدث التاريخي التالي: عندما تبين أن السعادة الموعودة من قِبل الحكّام، شيوعيين ورأسماليين وإسلاميين، هي أيضًا أفيون، رجع الناس إلى أفيونهم الغيبي اللذيذ والمريح والمعتاد أي رجعوا إلى الدين. أبلَغُ مثال يؤكد وجاهة هذا التحليل الأخير: عندما تفككتْ دولة الاتحاد السوفياتي سنة 1991، رجعت شعوبها المختلفة كلٌّ إلى دين آبائهم وأجدادهم.

إضافة: حُلم ماركس بالعيش في جنة على الأرض، لا أراه يتناقض مع حُلم المتدينين بالعيش في جنة في السماء، ولِما لا الحلم بجنتين، واحدة في الدنيا وأخرى في الآخرة !

 

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

كل الفلاسفة، الذين قالوا أن الدين مصيره المتحف، ذهبت تماثيلهم للمتحف وبقي الدين مزدهرًا غازيا وفاتحا.

الدين الموروث أكثر استمرارية من الإيديولوجيات المكتسبة: ذهب ستالين وبقيت روسيا أرتودوكسية وذهب أتاتورك وبقيت تركيا مسلمة.

نجح الإسلاميون حيث فشل القوميون والماركسيون العرب، نجحوا في احتواء مطالب خصومهم: ضد الإمبريالية ومع الجمهورية والعدالة الاجتماعية.

 

أرنست رينان (1823-1892): "إذا كانت الديانات تفرّق بين الناس، فإن العقل يقرّب بينهم (...) وليس هناك سوى عقل واحد". (عبد الوهاب المؤدب، 2002).

لقد عانت البشرية من "حضور الدين" في العالم لعدة أجيال في عهد ابن رشد بالأندلس (ق12) وعهد سبينوزا بالبرتغال (ق16) وعهد فولتير بفرنسا (ق18).

 

ولكنها عانت أيضا من غياب الدين لاسيما في أوروبا لمدة قرنين فحكمها طغاة علمانيون أمثال روباس بيار وستالين وهتلر وموسوليني.

واحتل السوفيات أفغانستان سنة 1979 وقبلهم دمّر الأمريكان النخبة التقدمية في أندونيسيا: حوالي 600 ألف قتيل بين قوميين وشيوعيين سنة 1965.

أما الإسلام الأكثر تسامحًا في العالم الإسلامي فقد كان سائدًا في عهد "سوكارنو" (رئيس علماني مستبد غير دموي) قبل مجيئ الإسلاميين.

"الصابئة" أقلية دينية في العراق، حماها القرآن أربعة عشر قرنًا ودمّرها المتطرفون الإسلاميون في بضع سنوات ؟

 

"الصابئة" (les Sabéens ou les Mandéens) هي أقلية دينية تعيش قرب بغداد منذ القرن الثالث الميلادي وقليل من الناس يعرفها خارج العراق. كان عددهم يقارب الثلاثين ألف نسمة سنة 2002 وبعد أربع سنوات فقط نزل إلى ستة آلاف جرّاء اعتداءات بعض أبناء وطنهم من المتطرفين الإسلاميين.

يؤمنون بنبي اسمه ماني (Mani, les manichéens)، ظهر في العراق في القرن الثالث ميلادي ولهم طقوسهم الخاصة التي مارسوها تقريبًا في سلام طيلة أربعة عشر قرنًا تحت الحكم الإسلامي وذلك -على الأقل جزئيًّا- بفضل ما جاء في القرآن الكريم في شأنهم ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ [البقرة:62].

ثم جاء المتطرفون الإسلاميون في القرن 21 ميلادي الذين لا يحترمون قرآنًا ولا سنة بل وشوّهوا مبدأ التسامح الإسلامي الألفي العريق (millénaire) فقضّوا مضاجعهم : رفتوهم من وظائفهم وطردوهم من بيوتهم ونهبوا متاجرهم وباعوا بناتهم كالعبيد في سوق النخاسة.

فهاجر معظم صابئة العراق إلى الغرب وخاصة إلى دولة السويد لكن لغتهم الأصلية أصبحت مهددة بالانقراض وطقوسهم الدينية سوف تندثر بعد بضع سنوات. ثقافة عريقة عمرها 17 قرنًا تتلاشى تحت أعيننا دون مبالاة منّا. لقد اخترتُ إثارة مأساتهم هم بالذات، الصابئة، لأنها مأساة معبّرة عن غرق حضاراتنا المعاصرة وبربرية عصرنا الحالي وخاصة بربرية العالمَين اللذين أنتمي إليهما ، العالم العربي والعالم الغربي (أمين معلوف، مزدوج الجنسية والانتماء، لبناني-فرنسي أو عربي-غربي).

إن العالم العربي، يبدو اليوم وكأنه لم يعد متسامحًا كعادته قبل 50 سنة أو  100 سنة أو حتى  1000 سنة. أما العالم الغربي، فبربريته لا تتجسم في عدم تسامحه أو ظلاميته بل تتمثل في عقدة تفوق المركزية الأوروبية وسياسة الكيل بمكيالَين.

 

ملاحظة للمقارنة: ما بين القرن 10 و13 ميلادي، أقلية (les Cathares)، دينيًّا مثل صابئة العراق، كانت تعيش في جنوب فرنسا ثم انقرضت.

 

خاتمة: "يفعل الجاهل بنفسه ما يفعل العدو بعدوه" وهؤلاء المتطرفون الإسلاميون فعلوا بالإسلام والمسلمين أكثر مما فعله بنا الأعداء. سامحهم "وعلى نفسها جنت براقش" كما يقول المثل العربي.

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 




 

العرب والأمريكان ؟

 

لقد تصالح الألمان واليابانيون مع أعدائهم أما العرب فلم يتصالحوا لأن أعداءهم الغربيين ما زالوا يعتدون عليهم ويسرقون ثرواتهم: فلسطين وليبيا نموذجًا.

يبدو لي أن فشل الأمريكان في حكم العراق وأفغانستان نتج عن عدم دراية بأنتروبولوجيا الشعبين وعن نظرة استعلائية لثقافة الشعبين.

وسياسة المحاصصات الطائفية التي اعتمدتها أمريكا في العراق: لو فعلتها عن جهل فهو أمر محزن ولو فعلتها عن قصد فهي جريمة !

مَن يقول أن الشعوب العربية غير راغبة في الديمقراطية هو أعمى البصيرة لأنه لم ير ملايين العرب في طوابير أمام مكاتب الاقتراع في 2011 في تونس.

تحميل أسباب تخلفنا بالكامل للغرب: لو قالها حاكم عربي فرُبّ عذر أقبح من ذنب. لو قالها مواطن عربي فهي جزء من الحقيقة وليست كل الحقيقة.

عندما نتكلم عن الغرب في العالم العربي لا يأتي في المقام الأول سقراط أو أنشتاين أو فوكو بل يأتي استعمار فلسطين وغزو العراق.

عدوانية الغرب ضد الدول غير الغربية لا يفسرها عداؤهم للإسلام وحده وإلا كيف نفسر إذن عدوانية أمريكا الشمالية ضد الجنوبية المسيحية ؟

قال أمين معلوف: "مسؤولية أمريكا على تردي الأوضاع في العراق أكيدة. لكن عندما يقوم سنّي بتفجير سيارته في سوق شيعية ونسمي هذا القاتل "مقاوما" أو "بطلا" أو شهيدا" فلم يعد من المعقول أن نتهم أمريكا. يجب أن نتهم أنفسنا ونراجع ثقافتنا."

اعتراضي: نتهم أنفسنا ونتهمها أيضًا لأنها هي التي أخرجت المارد من قمقمه وغذت الصراعات المذهبية والعرقية. وعملية إرهابية كهذه كان من المستحيل تنفيذها أو حتى مجرد التفكير فيها في عهد صدام. كلمة حق أقولها في حقه رغم أنني لست من المعجبين به.

حول الإسلام، قال أمين معلوف: "الغرب بدأ يفقد مصداقيته الأخلاقية أما العرب فلا مصداقية لهم". اعتراض: مثلهم مثل الغرب، لهم ولكنهم بدؤوا يفقدونها.

-        مشكلتي مع قراءاتي لـمفكرين غربيين: صرامتهم العلمية وعقلانيتهم ومنطقيتهم، كلها تتعطل عند الصراع العربي-اليهودي. الكيل بمكيالين.

-        العالم العربي اليوم في وَضْعٍ مُخْجِلٍ لا يُحْسَدُ عليه. جلبَ العارَ لأولاده وأصدقائه مثلما جلبه لتاريخه المشرّف.
قبل نصف قرن فقط كان السنّة والشيعة إخوة يتصاهرون في العراق ولبنان واليمن وسوريا. واليوم يتقاتلون كالأعداء أو أكثر.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 


 

مصير المسيحيين العرب في الدول العربية

 

منذ فجر الإسلام وحتى قبل نصف قرن فقط كان المسيحيون العرب يعيشون في سلام تحت الحكم الإسلامي واليوم يهَمَّشون ويُقمَعون ويُدفَعون دفعًا للهجرة من وطنهم الذي سكنوه منذ آلاف السنين دون أن يتحرك جفنٌ لإخوانهم في الوطن، المسلمون العرب، ولا لإخوانهم في الدين، المسيحيون الغربيون.

أما اليهود العرب فقد رحلوا تقريبا عن بكرة أبيهم وبصفة غير واضحة منذ 1967 ولم يبق منهم إلا بعض الصابرين المتشبثين بأرضهم ووطنهم مثل يهود جربة (حوالي ألف نسمة).

اعتراض: أنا متعاطف مع كل الأقليات المضطهدة في الوطن العربي مهما كان دينهم أو عرقهم، لكن يبدو لي أن أمين معلوف نسي أو تناسى أن  المسيحيين العرب كانوا مسنودين من قِبل الغرب في القرنَين الماضيين وكأني به أيضًا نسي أو تناسى ما فعله مسيحيو لبنان في إخوانهم الشيعة واللاجئين الفلسطينيين (صبرا وشاتيلا وجنوب لبنان). و اليهود العرب أيضًا كانوا مسنودين من قِبل إسرائيل ولا ننسى ما فعله يهود إسرائيل مع إخواننا الفلسطينيين قبل وبعد 1948 تاريخ تأسيس الكيان الصهيوني.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 


 

ملاحظات عابرة

 

-        "العالم الغربي اليوم غير مخلص لـقيمه والعالم العربي-الإسلامي سجين تاريخه"

-        العالم العربي-الإسلامي غارق في بئر تاريخه العميقة ويبدو أنه غير قادر على الخروج منها وفي نفس الوقت يحمل ضغينة كبرى ضد الكرة الأرضية كلها: ضد الغربيين وضد الروس وضد الصينيين وضد الهندوس وضد اليهود وفي الأول والأخير ضد نفسه.

-        يبدو لي أن الهيمنة الثقافية الغربية والإلحاد المناضل لدى بعض اليساريين العرب ساهما في تأجيج التطرف لدى المسلمين العرب.
منذ أجيال والعرب يحاولون تربيع الدائرة دون جدوى: يريدون أن يصبحوا حداثيين كالأوروبيين دون أن يخضعوا للهيمنة الثقافية الأوروبية.

-        في فترة "الحرب الباردة (1945-1989)"، لم يجن العرب من تحالفهم مع المعسكر الشيوعي إلا أنظمة قومية نسخا مشوهة من الستالينية.

-        الأنظمة العربية لم تنقل لنا عن الستالينية سوى مساوئها: قمع بوليسي ممنهج واقتصاد غير ناجع وحزب واحد وزعيم معصوم ملهم أوحد.

-        الأنظمة العلمانية المسلمة (عراق،ليبيا،أفغانستان) حاربت الغرب وحاربها الغرب بنجاعة، أحيانا بتحالف تكتيكي استفاد منه الإسلاميون.

-        خطاب الإسلام السياسي أصبح سياسيا أكثر تطرفا: مزيد من المساواة والثورة والوطنية ومعاداة الغرب وعملائه المحليين.

-        العمليات الإرهابية الإسلامية لا تحظى بإجماع المسلمين: فرقة تدينها بشدة وفرقة تبررها وتجد لها عذرا وأحيانا تصفق لها مثل 11 سبتمبر.

-        الأنظمة "العلمانية" المسلمة (ليست علمانية كالغرب): الشاه، نجيب الله، ناصر، صدام، الأسد، أتاتورك، بورقيبة، بومدين، قذافي، الحسن الثاني.

للمسلمين موقفان من الغرب رغم أن واقع المسلمين يبدو أكثر تعقيدا:

1.     الحضارة العربية-الإسلامية ترفض تبنّي القيم الكونية ذات البصمة الغربية خلافًا للحضارات غير الغربية الأخرى.

2.     الغرب هو حامل لواء هيمنة كونية ويجب على المسلمين الصمود ضده بالإمكانيات المتواضعة المتاحة لهم.

 

 

 


 

الغربيون والمسلمون: مقاربتان اثنتان صحيحتان وخاطئتان في آن واحد

 

1.     المقاربة الأولى تدّعي أن "بربرية العالم الإسلامي" هي أكبر كارثة أصابت عالمنا اليوم. والدليل على وجاهة هذا الطرح هو نظام صدام حسين في العراق: طاغية دموي حكم شعبه بالترعيب والترهيب لمدة ثلث قرن. بدد مداخيله الهائلة المتأتية من ثرواته النفطية في شراء الأسلحة. غزا بلدًا مجاورًا، الكويت. ضرب الأكراد العراقيين بالطائرات. تحدّى القوى الغربية العظمى. أكثرَ من الخطب الحماسية المنمقة والمشحونة عاطفة تحت تصفيق الجماهير العربية قبل أن ينفضح كذبه وينهزم دون أن يخوض ولو معركة صغيرة واحدة ضد الغزاة الغربيين المسنودين بجيوش عربية شقيقة (مصر وسوريا الصمود والتصدى).

سقط صدام فعمّت البلاد فوضى عارمة لم يعش مثلها العراق طوال تاريخه القديم والحديث وبدأت الطوائف الدينية والعرقية تتقاتل بشراسة وكأن المشهد العبثي يقول: "انظروا، ألم نقل لكم أن العرب همج بطبيعتهم وهم شعوب بربرية لا تستحق الديمقراطية ؟".

2.     المقاربة الثانية تدّعي أن " بربرية العالم الغربي" ( Maalouf l'a appelé "cynisme de l'Occident") هي أكبر كارثة أصابت عالمنا اليوم. والدليل على وجاهة هذا الطرح هو سلوك الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين: كمقدمة، ضربوا حصارًا اقتصاديًّا حول العراق تسبب في وفاة مئات الملايين من الأطفال الملائكة دون أن يُحرَم الديكتاتور من سجائره الكوبية الفاخرة. غزوا العراق تحت أعذار واهية ضاربين عرض الحائط بقرارات الشرعية الدولية يدفعهم لذلك -على الأقل جزئيًّا- طمعهم في الاستيلاء على الثروات النفطية. ومنذ حَلَّ الأمريكان حُلَّ الجيش العراقي بسرعة عجيبة ومعه تفككت الدولة. وازدهرت النعرات الطائفية والعرقية بمساندة أمريكية للسنة على الشيعة وللأكراد على العرب. وانكسرت الديمقراطية الأمريكية في سجن "أبو غريب" وفُضِحت جرائمها بالصوت والصورة. جرائم بقيت دون حساب أو عقاب، يُضاف لها سوء الإدارة وسرقة الآثار والتحف من قِبل الجنود الأمريكان "المنقذون-الغاصبون". موت صدام بتلك الطريقة البربرية وفي يوم الاحتفال بعيد الأضحى، فِعلٌ إجراميٌّ كشف وبصفة جلية الوجه الحقيقي البشع للديمقراطية الغربية وحلفائها المحليين.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 


"خادم القوم سيدهم"

 

« Le meilleur des hommes, c’est le plus utile aux hommes »

حكمة قوية من المفروض أن تثير تساؤلات لاذعة لدى الأفراد والمسؤولين والشعوب:

-        نحن العرب، ماذا قدمنا للآخر ولأنفسنا ؟

-        نحن العرب، كيف نخدم الإنسانية ؟

-        لماذا لم يبق اليوم في جعبتنا، نحن العرب، من وسيلة للنضال سوى "اليأس الانتحاري" (العمليات الاستشهادية) وهو أسوأ أنواع المعصية.

مأساة العرب أنهم أضاعوا هيبتهم بين الأمم والأدهى والأمر هو شعورهم بعدم القدرة على استرجاعها.

أما مأساة الغرب فقد توهّموا أنهم قادرون على القيام بمهمة أكبر من قدراتهم (شرطي العالم) فلا هم أدّوها جيدًا ولا هم تخلوا عنها فقد أصبح علمهم هو العلم الكوني وطبهم هو الطب الكوني وفلسفتهم هي الفلسفة الكونية وحتى أعداؤهم يحاربونهم بسلاح صنعوه هم بأنفسهم. قدّموا الخير للإنسانية أكثر مما قدمته كل الحضارات الأخرى مجتمعة لكنهم قدموا الشر أيضا أكثر مما قدّمته كل الحضارات مجتمعة.

التاريخ ليس بالعروس العذراء المحتشمة والمطيعة كما يحلم بها المنظّرون الكبار من آدم سميث إلى ماركس إلى هنتنڤتون.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 


 

 

 

 

 

حول جمال عبد الناصر

 

العرب يعشقون الرئيس الذي يقودهم إلى ملحمة حتى ولو كانت وهمية، إلى حُلم، إلى نيل إعجاب العالم، إلى شعور بالفخر.

 

 




 

كيف نفسّر مواقف الملك حسين الوطنية ومساندته لـناصر في حرب 1967 ولـصدام في حرب الخليج الأولى سنة 1991 ؟

 

1.     مساندته لـناصر في حرب 1967 ؟

كانت مفاجأة، خاصة وأنه عُرف بعدائه الشديد لـ"الريّس". فجر الثلاثاء 30 ماي 1967، أقلع الملك بطائرته الخاصة صوب القاهرة وقال لناصر: "أضع كل إمكانيات الأردن على ذمتك في الحرب القادمة". قال ناصر: "على شرط أن يتولى ضابط مصري قيادة الجيش الأردني". قبِل فورًا ودون أي اعتراض.

لماذا قبِل الملك ؟

نعرف أنه لم يكن عدوًّا لدودًا لإسرائيل بل كان يقابل وفي عديد المرات المسؤولين الإسرائيليين خلال سفراته المتعددة للخارج. قبِل لأنه كان يعتقد أن الرفض في مثل هذا المد الناصري هو عبارة عن عملية انتحارية وأن عدم المشاركة في الحرب المنتظرة قد يكون مدمّرًا لمملكته الهاشمية مهما كانت نتيجتها: لو انتصر العرب فسيصبح ناصر بطلا قوميا قادرًا على تدمير العرش الأردني إذن يجب اتقاء شره بالوقوف إلى جانبه، ولو انهزموا فسيتهمه شعبة بالتخاذل عن نصرة العرب وقد يفقد شرعيته.

2.     مساندته لـصدام في حرب الخليج الأولى سنة 1991 ؟

تصرّف مع صدام بنفس الطريقة التي تصرف بها مع ناصر ولنفس الأسباب. سانده لأنه فعلا يتمنى أن يراه منتصرًا لا لأنه كان يعتقد في إمكانية انتصاره على أمريكا بل لأنه كان يفضّل أن يخطئ وهو ملتحم بشعبه الأردني خير من أن يصيب وهو منعزل عن شعبه الأردني.

لبنان رفض المشاركة في حرب 67، سلم من القصف الإسرائيلي لكنه دفع ثمن عدم مشاركته غاليًا وفقدت الدولة والجيش شرعيتهما.

عدم مشاركة لبنان في حرب 67 جعل العرب يتهمون اللبنانيين بالجبن لكنهم في حرب 2006 ضد إسرائيل أثبتوا لنا –عن طريق حزب الله اللبناني- أنهم أشجع الشجعان.

فترة حكم ناصر و فترة حكم نابوايون 1، الفترتان انتهتا بهزيمة عسكرية واحتلال أجنبي لكن شعبيهما كانا يعبدانهما زرعا حلما وفخرا

القومية العربية، ناصر 56 رفعها إلى عنان السماء وناصر 67 أنزلها إلى أسفل السافلين ثم جاءت هزيمة صدام فأجهزت عليها نهائيا

زيارة السادات إلى إسرائيل سنة 1977، هل كانت بداية مسيرة متعثرة نحو سلام حقيقي بين اليهود والعرب أم قبرا لكل أمل في السلام ؟

صدام والقذافي حاولا ارتداء جبة ناصر، لكن الاثنين فشلا وكانا دون مستواه ولم يجتمع الشعب العربي على حبهما وكان مصيرهما كارثيًّا.

 

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 


 

أحداث جانبية خارجية ساهمت في إفشال مشروع عبد الناصر الوحدوي (1952-1970)

 

1.     سنة 1958 وبعد إعلان الوحدة بين مصر وسوريا، أرسى المارينز الأمريكان على شواطئ لبنان وتم إنزال الكومندوس البريطانيين في الأردن. إنذار موجه إلى عبد الناصر !

2.     سنة 1958، عبد الكريم قاسم، العدو اللدود لعبد الناصر، تسلم الحكم في العراق.

3.     سنة 1961، قام البعثيون السوريون بانقلاب في سوريا وأنهوا الوحدة بين مصر وسوريا (1958-1961).

4.     بعد الانقلاب، انتفض الناصريون السوريون ضد البعثيين السوريين لكنهم فشلوا فقُتِل منهم المئات.

5.     في اليمن تحالف اليمنيون الملكيون مع السعوديين ونجحوا في إرباك الجيش المصري المناصر للجمهوريين اليمنيين.

6.     سنة 1965 في الجزائر، أطِيح بـ"بن بلة"، صديق عبد الناصر.

7.     سنة 1966 في غانا، أطِيح بـ"نكرومة"، معجب متحمس لعبد الناصر إلى درجة أنه سَمّى ابنه جمال.

8.     سنة 1966 في أندونيسيا، أطِيح بـ"سوكارنو"، رمز من رموز حركة عدم الانحياز التي أسسها عبد الناصر و"تيتو" يوغزلافيا.

9.     سنة 1966 في العراق، قُتِل في حادث طائرة مدبَّر، الرئيس عبد السلام عارف، حليف مخلص لعبد الناصر.

10.  سنة 1965، تأسست "فتح" فافتكت الأضواء من عبد الناصر بفضل نضالها المسلح ضد إسرائيل، نضالٌ وعد به عبد الناصر وللأسف لم ينفذ وعده.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 

 


 

ناصر معبود الجماهير العربية، يصفقون له عندما ينجح ويلعنون أعداءه عندما يفشل. شعور وهمي تمامًا وصحيح عميق في آن واحد

 

خلال أزمة تأميم قناة السويس سنة 1956، الوزير الأول العراقي قال لنظيره البريطاني: "اضربوه! اضربوه فورا واضربوه بقوة!".

خلافا لكل الثورات التي سبقتها، ثورة ناصر لم تكن دموية: لم يقتَل أي باشا من النظام القديم لكنها لم تكن غاندية، أعدِم عديد المعارضين.

مانديلا كان رمزا للتسامح: لم ينتقم ممن عذبوه بل ذهب لزيارة أرملة الرجل الأبيض الذي رماه في السجن وشرب معها الشاي.

ما كان يجب على جمال عبد الناصر (1952-1970) أن يفعله ولم يفعله رغم أن التاريخ لا يعالَج بهذا الشكل

 

وصل إلى الحكم في بلدٍ كانت تسوده ديمقراطية غير تامة الشروط فكان بإمكانه تحسينها وتعميمها على جميع طبقات الشعب بعدما كانت انتقائية، وذلك عن طريق إرساء دولة القانون والمؤسسات والقضاء على الفساد والمحسوبية والتدخلات الأجنبية في السياسة الداخلية. لو فعلها لأطاعه الشعب بجميع انتماءاته الإيديولوجية لكنه خيّر عكس ذلك ومنع الأحزاب وأنشأ نظام الحزب الواحد على المنوال الستاليني. فعلَ كل هذا بِـتِعلة حماية الثورة من أعدائها فكانت النتيجة أن فشلت الثورة وانتصر أعداؤها، الأجانب والمحلّيون.

القومية التركية والقومية العربية وُلدتا في نفس العصر لكنهما اختلفتا في المصير. الأولى وُلدت ناضجة والثانية لم تنضج بعد. فشلَ ناصر في توحيد العرب. مهمة صعبة لو أنِيطت بأتاتورك تركيا 1924 أو بيسمارك ألمانيا 1871 أو كافور إيطاليا 1861 لفشلوا جميعا.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

أهم أخطاء جمال عبد الناصر (1952-1970) حسب أمين معلوف

 

1.     لم يكن ديمقراطيًّا مع تلطيف التعبير.

2.     أرسَى نظام الحزب الواحد على المنوال الستاليني أي بَيْعة في شكل انتخابات الـ99%.

3.     أنشأ مخابرات أمنية سرية منتشرة في كل ركن من أركان مصر، شديدة على المصريين ضعيفة أمام الأعداء.

4.     أنشأ معتقلات اختلط فيها الإسلاميون والماركسيون وسجناء الحق العام ومواطنون أبرياء غير خُرس أي أن ذنبهم الوحيد التعبير عن آرائهم.

5.     قوميته كانت معادية للأجانب المقيمين في مصر وخاصة في مدينة الإسكندرية (إيطاليون ويونانيون ومالطيون ويهود ومسيحيون سوريون-لبنانيون).

6.     منواله الاقتصادي كان عبثيًّا وغير محكم التنظيم: كان يعيّن عسكريًّا غير كُفءٍ ودون خِبرة في المجال المعيَّنُ فيه على رأس كل شركة مؤمَّمة.

7.     أسطورة جيشه القوي انهارت في ساعات معدودات يوم 5 جوان 1967 تحت ضربات الطيران الإسرائيلي. قد يكون وقَعَ في فخٍّ نصبه له أعداؤه الكُثر، فخٌّ لم يُفلح في تجنّبه.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 


 

معلومة تاريخية عدد 1، أوّل مرة أعرفها حول جمال عبد الناصر (1952-1970)

 

لم يُلغِ عبد الناصر النظام الملكي مباشرة بعد ثورة 52 رغم ترحيل الملك فاروق وأبقاه شكليا  وليس فعليًّا (nominalement). عَيّن في المنصب الأمير ولي العهد ملكا وكان عمره آنذاك بضعة أشهر.

ألغاه رسميًّا بعد عام تقريبًا تخوّفًا من تكرار السيناريو الإيراني في مصر: الوزير الأول "مصدّق" أطاحت به بريطانيا في أوت 1953 بعدما أمم شركتها النفطية وأرجعت الشاه الذي كان في المنفى الإرادي فحَكم إيران 25 عامًا فخاف ناصر من إرجاع الملك فاروق وإرساء ملكية دستورية برعاية بريطانية.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 

معلومة تاريخية عدد 2، أوّل مرة أعرفها حول جمال عبد الناصر (1952-1970)

 

خلال أزمة تأميم قناة السويس سنة 1956، هُزم ناصر عسكريًّا من قِبل التحالف العسكري الهجومي الإسرائيلي-البريطاني-الفرنسي لكنه انتصر سياسيًّا وأصبح رمزًا عالميًّا وقُدوة لجميع حركات التحرر باختلاف جنسياتها.

نصرٌ حققه ناصر بصموده وشجاعته وجزئيًّا بمحض الصدفة. صدفة تتمثل في تزامن حدثَين عالميين مهمّين: العدوان الثلاثي على مصر تزامن مع دخول الدبابات السوفياتية إلى مدينة بودابيست في المجر. حدثٌ قد يغطّي على حدثٍ آخر ولذلك تدخلت أمريكا على الخط وناشدت أصدقاءها بإيقاف العدوان وإلغائه وسحب قواتهم وتأجيل النظر في قضية تأميم قناة السويس إلى أجل غير معلوم بعدما كانت موافقة وأعطتهم الضوء الأخضر. لم تفعلها أمريكا حبًّا في ناصر أو احترامًا لمبدأ تقرير المصير بل فعلتها من أجل التركيز على تدخل الاتحاد السوفياتي في المجر وعزل نظامه عالميًّا وضرب مصداقيته لدى حلفائه وإصابته بهزيمة سياسية كبرى.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

حول كمال أتاتورك

أهم الإنجازات التقدّمية لـكمال أتاتورك في تركيا 1924 حسب أمين معلوف

 

1.     أنهَى حكم السلالة العثمانية وألغى نظام الخلافة الإسلامية.

2.     فصلَ الدين عن الدولة وأرسَى علمانية صارمة.

3.     حارَب الأوروبيين بشجاعة ونجاعة وطلب من الأتراك أن يقلّدوا الأوروبيين شكلاً ومضمونًا.

4.     عوّض الأبجدية العربية بالأبجدية اللاتينية.

5.     أجبَر الرجال على حلق لحاهم والنساء على نزع الحجاب وبدأ هو باستبدال طربوشه التقليدي بقبعة غربية أنيقة.

6.     انقاد له شعبه دون تردد أو اعتراض. لماذا ؟ لأنه ردّ له كرامته ومَن يردّ كرامة شعبه يستطيع أن يُملي عليه ما يشاءُ. الشرعية لا تُمنح لمَن هو أكثر إيمانًا بل تُمنح وعن طواعية لمَن آمن بقضية شعبه وتزوّجها زواجًا كاتوليكيًّا لا طلاق بعده.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 

أتاتورك أفغانستان 1919

 

أفغانستان 1919، وصل إلى سدّة الحكم ملك شاب (26 سنة) اسمه أمان الله. أراد أن يتبع أتاتورك تركيا وينسج على منواله فأنجز ما يلي:

1.     حرر بلده من قبضة الجيش البريطاني فاكتسب شرعية قوية.

2.     منع تعدد الزوجات والحجاب.

3.     فتح مدارس عصرية للأولاد والبنات.

4.     دام حكمه عشر سنوات حتى خلعه رؤساء القبائل بتهمة الكفر.

5.     مات منفيًّا في دولة سويسرا في مدينة زوريخ سنة 1960.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 

 

 

 

حول اللغة والدين

 

اللغة عادة ما تحمل خطابا وفكرا،
شيئان لا يمكن الفصل بينهما.
لذلك أعتبر تعلم لغة أجنبية إثراء فكريا يقينا من شرور الانغلاق والتعصب.


 

اللغة والدين، تعايُشٌ أم تَنافُسٌ ؟

 

-        اللغة تحدّد الثقافة والهوية لكل فردٍ.

-        اللغة هي المنافس الأساسي للدين.

-        لا يكفي الدين وحده  لتجميع مجتمعات تتكلم لغات مختلفةً مثل المسلمين الأتراك والكُرد والعرب.

-        لا تكفي اللغة وحدها لتجميع مجتمعات لها أديان مختلفة مثل الأرتدوكسيين الصِّرب والكاثوليكيين الكروات والبوسنيين المسلمين.

-        كثير من الدول التي تأسست حول لغة مشتركة جَزَّأَتها حروب دينية مثل يوغزلافيا سابقًا وربما لبنان مستقبلاً.

-        نَسَجَ التاريخ رِباطًا متينًا عبر قرون بين اللغة والدين مثل العربية والإسلام (اللغة نشرت الإسلامَ والإسلامُ حَمى العربية من الاندثار)، واللاتينية والمسيحية  والألمانية واللوثرية (اللاتينية بقيت والآرامية لغة المسيح انقرضت)، وبفضل العِبرِية الحديثة أسس الصهاينة دولة من عدم.

-        قد يعيش الفرد دون دين لكن يستحيل أن يعيش دون لغة.

-        قد يكون الدينُ عاملَ إقصاء للمختلف عقيدة أما اللغة فهي دومًا عامل تجميع بين المختلفين في العقيدة.

-         يستطيع الفرد أن يتكلم عدة لغات لكنه لا يستطيع أن يكون في نفس الوقت يهوديًّا ومسلما وحتى لو نجح أحدهم في الجمع بين الديانتين فسيلفظه اليهود والمسلمون في آن.

-         ستبقى اللغة حاملا أساسيا للهوية، وسيبقى التنوع اللغوي حاملا أساسيا للتنوع الثقافي.

-        لا شيء أخطر من قطع حبل السرّة الذي يربط الفرد بلغته الأصلية والدليل أن حرمان الجزائريين من التعبير بالعربية يفسر دموية حرب التحرير الجزائرية أكثر من الاستهتار بدينهم مع الإشارة التاريخية إلى أن فرنسا لم تحاول بجدية تنصيرَهم.

-        يبدو لي أن حرية اللغة أهم من حرية المعتقد: أجد حرجا في مساندة الثانية لِما قد تنشره بعض المعتقدات الرجعية من تكفير وعدوانية وكره واستنقاص من قيمة المرأة في المجتمع، وفي المقابل لا أشعر بأي حرجٍ في مساندة حق كل فرد في التعبير بلغته الأصلية.

-        صحيح أن كل اللغات لم تولد متساوية لكن سأقول في شأنها ما أقول في الأفراد أي حق كل لغة في احترام كيانها وكرامتها.

 

Source d’inspiration : Les identités meurtrières, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 1998, 211 pages.

 


 

 

 

 

 

 

حول الهويات القاتلة


 

لا وجود لإيديولوجية بريئة من دم الأبرياء

 

نص أمين معلوف

"علّمَنا القرن العشرون أن لا وجود لإيديولوجية تحريرية بطبيعتها. كلها قد تنزلق، كلها قابلة للتحريف، كلها ملوّثة أياديها بالدماء، الشيوعية، الليبرالية، القومية، كل دين من الديانات الكبرى وحتى اللائكية لم تسلم هي أيضًا. لا أحد يحتكر التعصب الإيديولوجي ولا أحد، على العكس، يحتكر التسامح الإنساني".

 

Source d’inspiration : Les identités meurtrières, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 1998, 211 pages.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حول الصداقة

 

لو كان لك صديقٌ تعتبره أقلَّ منكَ في كل شيئٍ، الصدقُ والكرمُ والأمانةُ و..، فاعلَم أنه سيفوتك دومًا بمِيزةٍ يتعذر عليك تجاوُزها أو حتى تَدارُكها: هو له صديقٌ أحسنُ منه خُلُقًا وأنتَ لك صديقٌ أقلُّ منكَ خُلُقًا.

 

 


 

الصداقة ؟

 

 « Naître, c`est venir au Monde, pas dans tel ou tel pays, pas dans telle ou telle maison »

 

يُغِيظُنِي صديقٌ يطلبُ مني دومًا أن لا أحاكِم أصدقائي ولا أقيّمهم (Juger & évaluer). ولِمَ لا ؟ أكيد، لم أتوقف يومًا عن تقييمهم بموضوعية ومحاكمتهم بقسوة. لا يخلو كائنٌ عاقلٌ من مَلَكَةِ النظر إلى الأشياء وإبداء الرأي فيها. لكن الحُكمَ الذي أصدِره لا يهم إلا شخصي المتواضع، وهو لا يؤذِي الأصدقاء إلا لو اعتبروا أن فقدانَ صداقتي خسارةٌ.

أمنحُ احترامي لِمن أشاء وأسحبُه مِمّن أشاء، وقبل القطيعةِ النهائية مع صديقٍ ظلمني، أقيسُ ودي (doser)، أكظِمُ غيظي ولا أغفَلُه، أمحِّص حُجَجِي تمحيصًا وأنظر في كتابه، سيئاته نحوِي وحسناته، فإن قلّت موازينُه، أعلّقُ صداقتي في انتظار اعتذارٍ قد يُبلسِمُ جرحِي ويشفينِي، أو أتقوقعُ، أنزوي ثم رويدًا رويدًا  وبِخطوةٍ السلحفاةِ أبتعدُ.  أتراجعُ، أقتربُ، أحنُّ، أشكُّ، أتردّدُ، أضعُفُ، أضطرب، وفي غالب الأحيان على فقدان صديقٍ حميمٍ أبكِي، أذرِفُ دموعًا حارّةً وتفلِتُ من صدري زفراتٍ حَرَّى. أُرْجِئ قراري وأُبْدِي تسامُحًا أو هكذا يبدو لي. بالِغُ الحساسيةِ أنا، هكذا خُلِقتُ وما خُيِّرتُ وما اخترتُ، حَسّاسًا وُلِدتُ و حَسّاسًا سوف أموتُ. لم أتجرّأ في حياتي على أحدٍ وإن حدث وأخطأتُ، أسارِعُ بالتودّدِ والاعتذارِ. لا أطالِبُكم بأكثرِ مما أبادلكم به. لا أعطِي دروسًا لأحدٍ ولا أقبلُ وعظًا وإرشادًا أو مقايضة في إحساسي من أحدٍ، ولا يُثيرُ الفراقُ فيَّ إلا أسفًا وندمًا وحوارًا داخليًّا، جُرْحٌ لا يندملُ وحوارٌ لا ينتهي.

 


 

 

 

 

 

 

 

حول القُبلةُ في الفضاء العربي العام


 

القُبلةُ في الفضاء العربي العام ؟ تأليف أمين معلوف (Les Échelles du Levant)

 

سنة 1944، كُنّا في بيروت أمام مدخل الفيلاّ، تحت أنظار المارّة، لم نجرؤ حتى على تبادل قُبلة الوداع، لسنا في فرنسا... (...) في بهو النزل، نظرتْ يمنة، يسرة، لا أحد يرقبنا، فعلتْها، وضعتْ قبلةً على شفتَيّ، قبلةٌ على عجلٍ كقبلةِ العصافير. (...) لم آتِ فِعلاً يجرح أو يخدِش صرامة الحياء العربي. (...) وُجِدنا ثانية في نفس المكان ولم يكن هذه المرة أيضًا في الأفق أحدٌ يرقبنا، لا مانع، سبقتُها وقبلتُها كالعصافير كما فعلتْ. تشابكتْ أصابعُنا، صعدنا درج النزل ونظراتنا لا تفترق (...) في غرفتها، أيادينا النَّدِية تحابّتْ وآزرتْ الواحدة الأخرى وجفوننا سجدتْ فرحًا وخجلاً.

 

 


 

 

 

 

 

 

حول الفلسفة


 

فلسفة الحياة

 

"فيم ينفع التفكير في مَن خَلَوْا من قبلنا بما إنهم لا يمثلون شيئًا بالنسبة لنا ؟ فيم ينفع التفكير في مَن سيأتون بعدنا بما إننا لا نمثل شيئًا بالنسبة لهم ؟ لكن لو كنّا كلنا ذاهبين إلى نسيان، فلماذا نبني ونشيّد ولماذا أجدادنا بنوا وشيّدوا ؟ لماذا نكتب ولماذا كتبوا ؟ نعم، في هذه الحالة، لماذا نزرع أشجارًا ولماذا ننجب أطفالاً ؟ ما الفائدة من النضال من أجل قضية وما الفائدة من الكلام حول التقدم والتطور والإنسانية والمستقبل ؟ عندما نغرق في اللحظة الحاضرة ننسى دومًا أننا محاطون بمحيطٍ من العدم وعلى العكس عندما نقلّب الزمن الذي مضى ودون أن نشعر فنحن نفتح آفاقًا أرحب في الحياة".

 

Source d’inspiration : Origines, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2004, 507 pages, Prix : 8,9 .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

حول الثقافة


 

فالولع بالثقافة يوفر للمولع متعة فكرية، ثروة لا تنضب واستهلاكها بِـنَهَمٍ لا يضر بالبيئة، متعة قد تغنيك عن المتع المادية.

وكلما ارتفع استهلاكنا للثقافة كلما انخفض استهلاكنا للسلع المادية وانخفض معه إلحاق الضرر بالصحة والبيئة.

مستقبل البشرية ليس مكتوبًا في لوح محفوظ وعلينا نحن كتابته. كيف ؟ بالتربية والتعليم ثم بالتربية والتعليم !

علينا كتابة مستقبلنا بشجاعة وصبر وكرم وكرامة. كيف ؟ نجسّر ولا نكسّر، نجمّع ولا نفرّق، نرحّب ولا نقصي، نتقاسم ولا نتخاصم.

 

 


 

Culture et Religion. Amin Maalouf :

-        Le prophète de l’islam a dit :

-        « L’encre du savant vaut mieux que le sang du martyr »

-        « Les savants sont les héritiers des prophètes »

-        « Cherchez le savoir, jusqu’en Chine s’il le faut »

-        « Etudiez, du berceau jusqu’à la tombe ! »

 

Et dans le Talmud on trouve cette idée si forte, si émouvante : « Le monde ne se maintient que par le souffle des enfants qui étudient ».


 

 

 

 

 

 

 

حول النبي ماني

 

Source d’inspiration : Les jardins de lumière, Amin Maalouf, éd. J.-C., Lattès, Paris 1991, Prix : 5,90 , 253 pages.

 

 


 

من أقوال النبي ماني (قبل الإسلام)

 

النبي ماني مخاطبا نفسه: جئت برسالة لم يقرأها الناس جيدا. حدثت حديثًا فهمه الناس فهما مغايرا. أتيت بدين والناس صنعوا لأنفسهم دينا آخر.

مرضَ شابور إمبراطور الفُرس (IIIe) فحرّم على كل مرضى الإمبراطورية طلب الرحمة من الرب حتى تذهب كل رحمته لشابور وحده.

"محظوظٌ، النهر الذي لا يرتاده البشر وسعيدة الشجرة التي تزهر بعيدا عن الطرقات".

النبي ماني قال لشابور إمبراطور الفُرس (IIIe) وهو ينوي غزو الإمبرطورية الرومانية: "لن أبارك سيفا ولا سكينا ولا حتى فأس حطاب؟".

خلافا للإنجيل، القرآن لم يلق مساندة من الحكام الظلمة في تاريخنا القديم والحديث لذلك بقي روح عالم بلا روح وقلب عالم بلا قلب.

 

"من يحرّم على نفسه ملذات الدنيا ابتغاء المدح لا يستحق المدح. إنه متكبر أكثر من المتكبرين"

"مَن يرفض أن يرى الله بعيون المتدينين قد يكون هو الأقرب إلى رؤيته على حقيقته دون وساطات"

في القرن الثالث الميلادي، وفي مدينة ساسانية، كان الرجال يطردون نساءهم ليُقِمْنَ في الشارع طيلة أيام الحيض ليبرهنوا أنهم لم يقربوهن.

الذئب ذو 2 قوائم (الإنسان) أشرس من الذئب ذو 4 قوائم. الثاني يهجم على خروف واحد ويلتهمه أما الأول فيستغفل الراعي بكلام ويأخذ القطيع كله.

كثير من المتزمتين المتعصبين بِـعَمى لدينٍ أو أي إيديولوجيا بعينها يتصورون أنفسهم مستودع الرسالة وهم في الواقع نَعْشُ الرسالة.

دعاءٌ قبل الأكل: "ربّي، أنت تعرف أن إعدادَ هذا الطعام ألزم معِديه ارتكاب ذنب الاعتداء على مخلوقاتك من الحجر والحيوان والشجر، فاغفر لهم يا رحمان ما فعلوه. قصدُهم كان نبيلاً ونيّتهم خالصة فما فعلوا ذلك إلا لتغذية الجسم الذي يحمل الروح التي تسبّح بذكرك بكرة وأصيلا".

المجتمع الذي يصغي لسفهائه ولا يسمع لحكمائه هو مجتمع أضاع البوصلة.

 الحصن المنيع الذي لا تستطيع اقتحامه بالقوة حاول أن تحصل على مفاتيحه بالذكاء.

تونسة قول للنبي ماني (IIIe S):

قوانين العالم لم تنتخبها مجالس العلماء. هي كما هي خلقها الله "فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا".

أنت الذي خلقتني ولا أعرف لك منافسا في الخلق وأنت الجميل ولا جمال على الأرض ينافس جمالك.

ملاحظة عابرة:

وأنا أقرأ رواية "حدائق النور" لأمين معلوف، وجدت لقبي "كشكار". كان اسمًا لمدينة في الإمبراطرية الساسانية في القرن الثالث بعد المسيح.

 

Paroles misogynes des Pères de Mani : « Elles sont belles l’espace d’une récolte, et se fanent dès qu’elles sont cueillies. »

Belle phrase d’Amin Maalouf : « Chloé, jeune fille voleuse et généreuse, mais voleuse de pommes et généreuse en sourires »

أقوال أسلاف ماني: "لو رأيتُ يوما برعما مزهرا على شجرة تفاح وقلت "هذه تفاحة". هل أكون قد كذبتُ ؟ مطلقًا، أكون فقط قد استبقت الحقيقة بفصلٍ"، "الجسم دابة فارسها الروح، واجب عليه التوقف أحيانا لإطعامها لكن اختيار المحطة ليس من مهامها. عار على فارس تقوده دابة".

"اللاتْ" من آلهة العرب في الجاهلية. الإغريق يسمونها "أفروديت" والرم "فينوس" والمصريون "إزيس" والفُرس "أناهيتا".

"وجعلنا من الماء كل شيء حي"، آية قرآنية، وجدتُ لها ترجمة غير حرفية في كتاب مقدّس لأسلاف الديانة المانوية، ظهر في بداية القرن الثالث بعد المسيح، ونقل فقرة منه في روايته "حدائق النور"، صفحة 26: "C’est de l’eau que naît toute vie"

دُعاءٌ صباحيٌّ للنبي ماني !

 

عندما نطلبُ أنت وحدك المجيبُ

 عندما نبحثُ عن ملجإٍ أنت وحدك المجيرُ

أنت وحدك تعرفُ

أنت وحدك تقولُ

مَن أحقّ بالعبادة غيرك

مَن أحقّ بالقرابين غيرك

مكانك كبيرٌ وأنت الله أكبرُ

 

 

 

 

 

 

 

حول  العالم المختل

 


 

مقاربتان مختلفتان لفهم تاريخ البشرية

 

يبدو أن "هنتنغتون" أخطأ في كتابه "صراع الحضارات" عندما تبنّى نظرية شاملة للتاريخ انطلاقًا من واقع متغير قد يزول نهائيًّا.

كل نظرية للتاريخ هي بِنْتُ زمانها لذلك قد تصلح لفهم الحاضر الذي ظهرت فيه وقد تبدو تنويرية لو طبقناها على الماضي لكنها تبدو تقريبية وغير موضوعية لو أسقطناها على المستقبل بل تصبح قاصرة ومغامِرة وفي بعض الأحيان مدمِّرة.

نظرية "صراع الحضارات" قد تساعدنا على فهم بعض المواجهات التي تقع أحيانًا بين الحضارات الست المنتشرة في العالم: الغربية والأرتودوكسية (روسيا مثلا) والإسلامية والهندية والصينية والأمريكية-اللاتينية. لكنها لا يمكن أن تساعدنا على فهم الصراعات الكبرى المعاصرة مثل الحرب العالمية الأولى والثانية (إضافة: فيلسوفي المفضل ميشال سار قال: الأوْلَى أن نسميها "الحرب على العالم" عوض " الحرب العالمية ") لأنهما كانتا أساسًا صراعات داخل مجال حضاري واحد أي حدثتا بين غربيين وغربيين لكن شظاياهما وصلت إلى باقي المجالات الحضارية الأخرى. ولم تساعدنا أيضًا على فهم ظاهرة الأنظمة الشمولية اليسارية واليمينية أو كارثة "المحرقة" أو الحرب الباردة بين المعسكرَين الشيوعي والرأسمالي التي قسّمت المجالات الحضارية الأخرى من أسبانيا للسودان، من الصين لليونان، في الشيلي وحتى في أندونيسيا. لم تساعدنا على فهم حرب العراق التي بدأت وكأنها بين الغرب والإسلام كالحروب الصليبية ثم تحوّلت إلى حرب أهلية بين الشيعة والسنّة والأكراد لتصبح نوعًا من "لَيْ ذراع" بين القُوَى العظمى (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) وبين القُوَى الإقليمية أيضًا (السعودية وتركيا وإيران)، أي القُوَى المهيمنة في الشرق الأوسط. لم تساعدنا على فهم الحرب الأهلية في رواندا بين التوتسو والهوتو حيث قُتِل فيها مليون مواطن رواندي أي ما يقارب رُبع الشعب في ظرف أربع سنوات.

 

خاتمة: يبدو أن تاريخ البشرية يتكوّن من مجموعة أحداث متفرّقة ومنفردة لذلك يستعصي علينا فهمه باستعمال نظرية واحدة حتى ولو كانت نظرية "صراع الحضارات" لصاحبها هنتنغتون، بل نحتاج إلى سلسلة مفاتيح وليس من الحكمة تعويض السلسلة بمفتاح واحد، مفتاح متعدد الاستعمالات، يُفتَرَض فيه فتحُ جميع الأبواب.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

إضافة: في كتابه "غرق الحضارات" الصادر سنة 2019، أكّد أمين معلوف معارضته لنظرية "صراع الحضارات" لصاحبها هنتنغتون. قال فيه أن تَراجعَ القِيم في جميع الحضارات دون استثناء كان ولا زال سببًا من أهم أسباب اختلال العالم.

الحضارة التي لا تحترم أقلياتها هي في طريق الانحطاط: فعلها اليهود مع العرب وفعلها العرب مع اليهود واليوم تفعلها فرنسا مع المهاجرين.

يتهم الفرنكوفونيون التونسيون ظلما بأنهم أيتام فرنسا: تبنوا قيم الغرب التي خانها الاستعمار المسلح والناعم ووظفوها ضده وأنا منهم.

مأساة الغرب، الأمس واليوم ومنذ قرون: تتقاسمه نزعتان متناقضتان، نشر قيمه الإنسانية في العالم وبسط نفوذه على العالم.

Brazza، مستكشف فرنسي (1852-1905)، سُميت عاصمة الكونغو على اسمه ولم يغيّر الكونغوليون اسمها لأنه كان عادلاً وكريمًا معهم.
الغرب الذي خان مصداقيته الأخلاقية (استعمار، نهب ثروات) لا يدري أنه بفعله هذا يهدد أمنه واستقراره وازدهاره.

سياسة الكيل بمكيالين: ديكتاتور في أوروبا، غير مقبول. ديكتاتور خارج أوروبا مقبول وتتعامل معه كل دول أوروبا.

 


عالَمٌ مُختلٌّ !

 

-        الولايات المتحدة الأمريكية، وبعدما تخلصت من عدوها الأساسي والكوني (الشيوعية) وجدت نفسها أمام مهمة عملاقة: ترويض كوكبٍ غير قابلٍ للترويض.

-        البلدان الإفريقية وبغض النظر عن بعض الاستثناءات هي فريسة حروب أهلية وأوبئة ومافيات قذرة وفساد عام أدى إلى انحلال المؤسسات وتَفسّخ النسيج الاجتماعي وانتشار البطالة المكثفة وفقدان الأمل في غد أفضل.

-        روسيا تعاني من تبعات تركة حقبة شيوعية دامت سبعين عامًا ومن الفوضي التي رافقت كيفية خروجها من المحنة. حكامها يحلمون باسترجاع قوتها وهيمنتها بينما شعبها لا يزال يعاني من خيبة الأمل.

 

الخلاصة: كل شعوب الأرض تمر بأزمة حادة، أغنياء وفقراء، معارضون وموالون، مستعمِرون ومستعمَرون، كلهم، كلنا، في مركب واحد هش ذاهبون في طريق الغرق. في الأثناء ما زلنا نذم بعضنا بعضًا ونتقاتل دون أن نشعر بالخطر الداهم علينا جميعًا بل وصل بنا الأمر إلى التصفيق فرحًا لغرق خصم لنا قبلنا.

ستالين قال متهكما على دولة الفاتيكان: "كم تملك من كتيبة عسكرية ؟". أمين معلوف يرد عليه متأخرا: سقط الاتحاد السوفياتي، سقط وهو يملك منها المئات ولم تسقط دولة الفاتيكان.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 

 


 

 

 

 

 

 

حول الصين

 

كيف لأمريكا أن تحافظ على هيمنتها العالمية بالقوة العسكرية بعدما بدأت تفقد هيمنتها الاقتصادية والأخلاقية تحت ضربات الصين والهند.

من المفارقات الكبرى
أن فترة الشيوعية (1917-1990) أخّرت تدهور الغرب لأنها أخّرت إقلاع الصين والهند عند تخليهما عن الاشتراكية.

 


 

خسر الغرب حيث كان يظن أنه انتصر !

 

الغرب الجغرافي-السياسي نجح في فرض نموذجه على العالم أجمع فخسر حيث كان يظن أنه انتصر !

كيف ؟

خسر الغرب لا لأن حضارته تجاوزتها الحضارات الأخرى بل لأن جميع الشعوب تبنّت حضارته فأصبح لا شيء يميزه عن غير الغربيين والدليل نهضة الصين والبرازيل وتركيا وفيها من الدول من تجاوزه في مجالات اختصاصه في العلم والتكنولوجيا والصناعة، مثل  اليابان وكوريا وسنغفورة.

إقلاع الصين والهند ودخولهما مجال المنافسة الرأسمالية زعزع عرش "الرجل الأبيض" (الغرب) وأنهى أسطورة تفوقه وفنّد حجج عنصريته وفضح عيوب "المركزية الأوروبية" (l’eurocentrisme).

أما الغرب الكوني (l’Occident universel) النافع المسالم الناعم السائل المنتشر ضمنيا في كل أنحاء العالم فقد غزا قلوب وعقول جميع الشعوب بكل طبقاتها وتأقلم مع كل ثقافاتها على اختلاف مشاربها.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 

 


بعض أسباب نهضة الصين

 

سنة 1978، عامان فقط بعد وفاة ماو، آلت السلطة إلى يد رجل صغير الحجم، عمره 74 عامًا، أحد الناجين بأعجوبة من حملة التطهير التي أنجزتها "الثورة الثقافية"، دنـﭬ شياو بينـﭬ.

أمر بالإصلاحات الجزئية التالية:

-        توزيع الأراضي الدولية على الفلاحين وسمح لهم ببيع محصولهم وبزرع ما يشاؤون لا ما يشاء الحزب الشيوعي الأوحد. ارتفع الإنتاج إلى ثلاثة أضعاف.

-        رفع الحضر عن إنشاء شركات صغرى حرة (متجر، ورشة، كشك، إلخ) فأنشأ الصينيون 22 مليون شركة تشغّل 35 مليون عامل.

-        ناطحات السحاب في شنـﭬاي كان عددها 15 سنة 1988. بعد عشرين سنة، أصبح عددها 5000، أي أكثر من عدد ناطحات السحاب في نيورك ولوس أنجلس مجتمعتين.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

من أسباب الإقلاع الاقتصادي في الهند في أوائل التسعينات: تخلّت عن الاقتصاد الرَّيْعي المكبَّل بالرُّخَص.

وتونس، متى تفعلها وتقلع ؟

الشعوب الشرقية (الصين والهند) ليست أقل إبداعًا من الغربية فهي التي اخترعت الخزف والبارود والورق وموجه السفينة والبوصلة واللقاح والصفر.

 


 

رُبَّ نافعة ضارّة !

 

من المفارقات الكبرى أن ظاهرة صعود ثلاثة أو أربعة مليارات من سكان العالم غير الغربي والياباني (روسيا والصين والهند والبرازيل) إلى الطبقة الوسطى قد خلقت اختلالات كبرى، بيئية واقتصادية، بسبب زيادة الاستهلاك. هذه المليارات من البشر غير الغربيين أصبحوا قادرين ماديًّا على توفير واستهلاك نفس السلع التي لا يوفرها ويستهلكها عادة إلا الغربيون واليابانيون: سيارة، غسالة أدباش، غسالة صحون، سيارة عائلية، حاسوب شخصي، هاتف جوال، سخان ماء، مكيف، رعاية صحية، ماء معدني، تعليم خاص، ترفيه، سياحة.

الارتفاع السريع والمذهل لعدد المنتمين للطبقة الوسطي في العالم غير الغربي والياباني خلق ضغطًا كبيرًا على مخزون الأرض من الثروات الطبيعية كالنفط والماء والمواد الأولية والمعادن النادرة، ضغطٌ أجّج الصراعات الناعمة والمسلحة بين الدول من أجل السيطرة على مصادر هذا المخزون الأحفوري المرشَّح  للزوال.

ملاحظة مواطن العالم: مقاربة أمين معلوف أعلاه قد تفسر ولو جزئيًّا زيادة أسعار جل السلع وفقدان بعضها في جميع دول العالم وأولها تونس اليوم لكنني شخصيا أعتقد أن مخزون الأرض من الثروات الطبيعية يكفي الثمانية مليارات من سكان الأرض لو وُزِّعَ بعدلٍ واستُهلِك بحكمةٍ.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 


 

 

 

 

 

 

 

 

 

حول أمريكا والحرب الباردة


 

حول أمريكا

 

ما حققته الصين من نهضة منذ أن اعتمدت رأسمالية الدولة يبدو أقرب لحلم ماركس أكثر من شيوعية ماو وستالين وبول بوت.

مفارقة كبرى: أكبر نجاح حققته الرأسمالية في تاريخها مذ خُلقت تم تحت رعاية الحزب الشيوعي الصيني.

مَثَلُ أمريكا في اعتقادها أنها قوة عظمى لا تُقهَر كمثل الأطفال المصابين بعدم الإحساس بالألم: قد تسقط يوما دون أن تتنبأ بالسقوط.

بعد الحرب الباردة تبوّأت أمريكا منزلة الحاكم الأوحد في العالم فكانت بالنسبة لها بمثابة النعمة والنقمة في آن (mixed blessing).

اختلال العالم سيتواصل ما دام تصويت 5% من سكان العالم (USA) يلعب دورا في تحديد مستقبل العالم أهم من تصويت الـ95% الباقين.

أمريكا تعافت من حرب العراق وتجاوزتها بأخف الأضرار أما العراق فلم يتعاف من حرب أمريكا ولم يتجاوزها رغم الثمن الباهظ الذي دفعه.

إعلان "بوش الابن" مسيحيته في حرب العراق أضرّت بالعراقيين المسيحيين وجعلتهم عرضة للاتهام بالخيانة الوطنية من قِبل أولاد بلدهم.

خطأ الغرب لا يتمثل في فرض قيمه على باقي العالم كما يعتقد الكثيرون بل العكس، يتمثل في عدم تطبيقها في علاقته مع باقي العالم.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 


 

مسلسل التدخلات العسكرية الأمريكية منذ نهاية الحرب الباردة

 

-        1989: إنزال عسكري في "بنما" والقبض على رئيسها الشرعي "نوريـﭬا".

-        1991: الغزو الأول للعراق.

-        1992: غزو الصومال.

-        1994: تدخل أول في "هايتي" من أجل فرض رئيس غير شرعي "أريستيد".

-        1995: حرب "البوسنة".

-        1998: قصف العراق بالطائرات.

-        1999: حرب "كوزفو".

-        2001: غزو أفغانستان.

-        2003: الغزو الثاني للعراق.

-        2004: تدخل في "هايتي" من أجل تنحية الرئيس "أريستيد" الذي سبق ونصّبه الأمريكان أنفسهم سنة 1994.

-        دون احتساب تدخلاتها التأديبية (قصف بالطائرات والدرون) في كولومبيا والسودان والفيليبين والباكستان وليبيا وسوريا واليمن.

 

ملاحظة: أمين معلوف قال أن بعض تدخلاتها لها مبررات معقولة أما أنا فلم أجد لها أي عذر معقول.

 

الرأسمالية فقدت بريقها منذ أن أصبح الربحُ ممكنًا دون إنتاج ودون جهد بدني أو فكري ودون أي نشاط اجتماعي نافع: الاستثمار في البورصة نموذجًا.

سقطت الشيوعية فسقط معها كل المدافعين عن القطاع العام والعدالة الاجتماعية حتى ولو كانت هذه العدالة متوفرة في الدول الرأسمالية أكثر من الشيوعية.

الفشل قد يكون أحيانا حظًّا سعيدا والنجاح كارثيا: نهاية فترة الحرب الباردة كانت كارثية على البشرية. زاد التعصب وانتشر الإرهاب.
الانتصار الإستراتيجي الذي حققته الرأسمالية على الشيوعية، عوض أن يؤكد تفوقها فقد يسرّع بنهايتها. أنهت توازن الرعب فـسادَ الرعب.
فترة "الحرب الباردة (1945-1989)" لم تكن باردة في فلسطين وفيتنام وأفغانستان والكوريتين وأندونيسيا والمجر والشيلي والأرجنتين وكشمير.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

نهاية فترة الحرب الباردة، هل كانت خيرًا أو بَلِيّة على البشرية ؟

 

زمن فترة الحرب الباردة بين المعسكرَين الشيوعي والرأسمالي (1945-1989)، كانت تسود العالم أجمع مواجهات إيديولوجية سلمية فكرية وكانت الأرض كلها بمثابة قاعة محاضرات كبرى. في الصحف والجامعات والمصانع ومكاتب الإدارات وحتى في المقاهي والبيوت، كانت أكثر المجتمعات تناقش محاسن ومساوئ النموذجين، الشيوعي والرأسمالي، وتقارن بين الأطروحات الفلسفية (الماركسية، الوجودية، البنيوية، إلخ.).

منذ هُزِمت الشيوعية على يد الرأسمالية وسقط جدار برلين عام 1989، صمت المثقفون عن تقديم بديل معقول للرأسمالية الجشعة المهيمنة وتلاشت كل النقاشات المذكورة آنفا.

هل تكون هذه الهزيمة سببًا قويًّا دفع الناس للتخلي عن أحلامهم الوردية بجنة أرضية وأجبرهم على الاحتماء تحت سقف الهويات الموروثة عن زمن ما قبل الحداثة (زمن القبلية والطائفية الدينية). أكاد أجزم إنه لَسقفٌ هشٌّ يهدد بالسقوط ساكنيه قبل الأعداء.

بعد انتهاء فترة الحرب الباردة، كان العالم ينتظر انفراجًا فحدث العكس: نقص التضامن الدولي وتقهقر التفكير العقلاني وانحسرت العلمانية وقلّ الحوار الحر وزاد التطرف الديني وانتعش التعصب للأفكار الرجعية الجاهزة الموروثة على حساب الأفكار التقدمية المكتسبة.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 

هل يأتي يومٌ !


 

هل يأتي يومٌ ! 

 

هل يأتي يومٌ ونبني فيه بين الناس نوعًا جديدًا من التضامن العابر للقارّات وليس صواريخ عابرة للقارّات. تضامن عالمي مركّب شفاف لطيف رقيق معقلن وناضج ؟ تضامن مستقل عن كل الديانات دون أن يكون معاديًا لها أو متجاهلاً لحاجة الناس للغيبيات كحاجته للماديات. تضامن متعالٍ على مفاهيم الأمة والعِرق والطائفة والطبقة والمذهب دون أن يلغي التنوّع الثقافي الموجود فيها جميعًا. تضامن قادر على تجميع البشر لمواجهة الخطر الذي يترصّدهم دون تمييز ودون الوقوع في الخطاب التهويلي للكارثة. تضامن لا يسقط في أوهام الشيوعية ولا يُوَظَّف لخدمة جشع الرأسمالية.

في هذه اللحظة بالذات، لا أرى لهذا التضامن بشائرَ !

إضافتي: بل أرى هيمنةً للجانب الأناني على الجانب التضامني، هيمنةً نتوارثها في جيناتنا جيلاً بعد جيلٍ رغمًا عن إرادتنا ويبدو لي أن لا خلاصَ لنا إلا بالتربية. التربية التي تدرّب الإنسان على تغليب الجانب التضامني على الجانب الأناني. لكن للأسف فالتربية صفة نكتسبها ولا نرثها ولا نورّثها. قَدَرُنا إذن أضحَى كقَدَرِ سيزيف: الأنانية نرثها آليًّا في الجينات والتربية نكتسبها إراديًّا بالمعانات لذلك ترانا نُعيد الكرّة مع كل مولود جديد وهكذا دواليك إلى أن يرث الله الأرضَ وما عليها.

 

Source d’inspiration : Le dérèglement du monde, Amin Maalouf, éd. Grasset & Fasquelle, Paris 2009, Prix : 7,9 , 315 pages.

 


 

 

 

 

 

 

 

حركة ودّية سرتني جدًّا

 


 

تكريمًا وإنصافًا لـكاتبِي المفضّل أمين معلوف بمناسبة انتخابه كاتبًا عامًّا مدى الحياة للأكاديمية الفرنسية

 

آلمني عدم احتفاء الدول العربية بهذه المناسبة، على الأقل على حد عِلمِي. الأكاديمية الفرنسية هي مؤسسة فكرية عريقة تأسست سنة 1634 ومرت بفترات ازدهار وفترات انحدار في علاقتها بالسلطة السياسية. أمين معلوف كاتب عربي-لبناني وُلد سنة 1949، فرنسي منذ 1976 أي في سنّ 27، انتُخِب عضوًا بالأكاديمية الفرنسية منذ 2011 ويوم الخميس 28 سبتمبر 2023 انتُخب بأغلبية ساحقة كاتبًا عامًّا مدى الحياة للأكاديمية الفرنسية.

يَعتبِر نفسَه وأعتبره رسولا للعرب عند الغربيين ورسولا للغربيين عند العرب وهو يستحق فعلاً هذا اللقب المشرّف لخدماته الجليلة التي قدّمها للفرنكوفونية وللثقافة العربية-الإسلامية. تعلمتُ منه إمكانية تعايش عدة هويات في شخص واحد دون انفصام في الشخصية وأعتبر نفسي مثله رسولا بين الحضارتين، طبعًا مع حفظ المقامات.

أعتبره أيضًا جورج زيدان الفرنكوفونية، نقلَ للغربيين -في أسلوب رائع ولغة أروع- كنوزَ الثقافة العربية-الإسلامية فأبدع وأقنع وإنجازه الأكبر يتمثل في أنه نجح في جلبِ إعجاب الغربيين بدررها. إنجازٌ عظيمٌ، عجزت عن الإتيان بمثله كل وزارات الثقافة العربية مجتمعة.

يكفيه شرفًا ما قاله في حضارتنا التي هي في نفس الوقت حضارته الأم وهو لا ينكرها ولا يخفيها بل يتبناها وينقدها ويُعليها لكن دون مبالغة أو تمجيد أوتفخيم، شهد فيها شهادة من ذهبٍ حيث قال فيها ما يلي: "نحن المسيحيون اللبنانيون عشنا تحت الحكم الإسلامي أربعة عشر قرنًا ولم يمسسنا سوءٌ من أي نوع، لا في كنيستنا ولا في عِرضِنا ولا في مالِنا".

 

فرضية أتمنى أن تكون خاطئة: ربما لم يُحتفَ به رسميًّا وشعبيًّا لكونه غير مسلم، قلت ربما ولم أجزم. للمقارنة، انظروا كيف احتُفِي الصيف الماضي وعن استحقاق في تونس بالكاتب الجزائري المسلم يسمينة خضراء.

في كتابه "اختلال العالم"، أمين معلوف نفسُه تناول بالنقد مبدأ "الكيل بمكيالَين" سواء صدر عن الغربيين، إخوانه في الدين والثقافة واللغة، أو عن العرب، إخوانه في العِرق والثقافة واللغة أيضًا.

 

تعليق شوقي بن حسن، صديق فيسبوكي:

لا دخل لديانته في الأمر فادوارد سعيد مسيحي مثل أمين معلوف ولكن انتصاره لقضايا الأمة العربية جعلته يسكن في قلوب الشعوب العربية قاطبة حتى وإن لم ترض عنه الأنظمة الحاكمة.

 


قائمة الكتب التي قرأتُها لأمين معلوف

 


 

قائمة الكتب التي قرأتُها لأمين معلوف

 

1.     Les identités meurtrières

2.     Les croisades vues par les arabes

3.     Samarcande

4.    Les échelles du levant

5.    Les désorientés

6.     Le périple de Baldassare

7.     Le Rocher de Tanios

8.     Léon l`Africain

9.     Le naufrage des civilisations

10.  Nos frères inattendus

11.  Origines

12.  Les frères inattendus

13.  Le dérèglement du monde

14.  Adriana Mater

15.  Un fauteuil sur la seine

16.  Le premier siècle après Béatrice

17.  L’amour de loin

18.  Les jardins de lumière

19.  Le labyrinthe des égarés, L’Occident et ses adversaires


إضافة للكتاب

حدّث كريستيان دو دوف قال...

 

Ma source d’inspiration : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine en  1974, Un biologiste et moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

 

Je recommande vivement le livre de Christian de Duve «Génétique du péché originel» 2017. Le meilleur contenu que j’ai lu ans ma vie.


 

نماذج من أقواله

 

الأنانية عند الإنسان صفة وراثية (Nature) والإيثار صفة مكتسبة (Culture). لا أمل في التغيير إلا نقلة نوعية (Mutation) أو معجزة ربانية.

الجهاد ضد شهوات النفس هو السبيل الوحيد للتخلص من التبعية واسترجاع سيادتنا. الامتحان: الغرائز تُورَّث والجهاد ضدها يُكتسب بالتربية.

أن تتعايش مع مجموعتك فهذا سلوكٌ طبيعي يقدر عليه حتى الحيوان أما أن تتأقلم مع المختلفين فهذا سلوكٌ حضاري لا يقدر عليه إلا الإنسان.

س بوفوار: "لا نولَد امرأة بل نصبح" ك دوف: "المرأة تولَد امرأة والرجل رجلا ولكل دوره الاجتماعي" هذا الاختلاف لا يفسد للمساواة قضية!

جَشَعُ الإنسان المكتوب في الآدِئان (ADN) هو الذي جنى عليه ولم يجن عليه أحدٌ، لا الدينُ ولا المناخ ولا كوفيد. Nature contre Culture

يجب علينا أن نكسب بعقولنا (L’acquis) حكمةً (Une sagesse) لم نرثها في جيناتنا (L’inné) : التغيير في العقلية والسلوك.

 

 


 

Notre ADN ?

 

Le changement du monde tellement attendu par l’humanité après corona n’aura pas lieu car l’ADN ne le permettra pas.

Notre ADN est un logiciel performant mais anachronique : suite à la sélection naturelle, il nous a façonnés pour être solidaires à l’intérieur de notre groupe hostiles aux autres groupes.

Notre ADN est le virus le plus virulent et on le transmet de génération en génération à nos enfants. Son antidote est l’éducation.

 

 


 

Le darwinisme ?

 

L`évolution n`est pas une théorie. L`évolution est un fait établi.

Hypothèse plausible: Dans l`origine de la vie, l`ARN a précédé l`ADN dans le stockage de l`information sous une forme réplicable. idem

أعمار: عُمُرُ الكون: 13،7 مليار سنة. النظام الشمسي: 4،55 مليار سنة. الأرض: 4 مليار سنة. الحياة على الأرض: 3،5 مليار سنة.

نكرانُ علم التطوّر البيولوجي هو بمثابة نكرانٍ لآيات الخالق: العلامات التي وضعها في طريق عباده العلماء ليصلوا إلى هذه النتائج.

أعمار: عمر الكائنات وحيدة الخلية: 3,5 مليار سنة. النباتات والفطريات: 1 مليار سنة. الحيوانات: 600 مليون سنة مع ارتفاع الأكسجين-21%.

أعمار: عُمُرُ الديناصورات: 350 مليون سنة. الثدييات: 225 مليون سنة. الطيور: 150 مليون سنة. القرد: 70 مليون سنة. الإنسان العاقل:  (Homo sapiens : 300 mille ans): 300 ألف سنة.

Les organites (chloroplastes et les mitochondries)  étaient jadis des bactéries vivant librement qui ont été capturés par des cellules eucaryotes.

La multicellularité a permis la division du travail entre les cellules par la différenciation à partir d`un ADN unique.

Les bactéries pendant plus d`un milliard d`années étaient toutes « anaérobies », vivaient sans air sans oxygène.

L`augmentation progressive de la complexité a permis la diversité des multicellulaires et l`apparition de tissus et organes (le cerveau humain est le plus complexe et le plus développé) : chez les végétaux, plusieurs dizaines de types cellulaires, chez les animaux, 220.

Réponse du Prix Nobel à tous les négationnistes : L`évolution, comme on l`a vu, n`a plus besoin d`être démontrée.

L`enfant, garçon ou fille, hérite une quantité un peu plus grande d`ADN maternel (noyau+mitochondrie) que paternel (noyau) car Les mitochondries sont éliminées au cours de la maturation des spermatozoïdes et sont conservés au cours de celle des ovocytes.

"كما لا يُقبل نفي وجود الله بحجج علمية، لا يُقبل أيضًا نفي الداروينية بحجج دينية"

 

الدينُ بتأثيره في المجتمعات، والعلمُ بمعارفه، وجب عليهما التعاون المُلِحّ من أجل إنقاذ البشرية من أنانيتها وجشعها وعدوانيتها.

 

 

 


 

أمَا آنَ للتونسياتِ أن يَنتزعْنَ المُلْكَ من التونسيين ؟

 

ملاحظة علمية أولية هامة:

لا تنس أيها الذكر أن نصف كروموزاماتك (23 من 46) هي جينات أنثوية ورثتها عن أمّك. وهل يوجد أنبلُ من جيناتِ أمّك ("الجنّةُ تَحْتَ أقدامِ الأمّهاتْ" حديثٌ) ؟ جيناتٌ ترعاكَ بحضور أمّك، وتواصل رعايتكَ دون أن تشعرَ حتى بعد فراقِها !

N’oubliez pas aussi que l`enfant, garçon ou fille, hérite une quantité un peu plus grande d`ADN maternel (ADN du noyau + ADN de la mitochondrie) que paternel (ADN du noyau seulement).

يبدو لي أن كثيرًا من الصفات البشرية غير المؤاتِية (défavorables) التي طوّرها الانتقاء الطبيعي الدارويني (La sélection naturelle) واحتفظت بها جيناتُنا (ADN) إلى اليوم، هي صفاتٌ ذكوريةٌ سلبيةٌ.

1.     النضالُ السياسيُّ في تونس هو بالأساس صفةٌ ذكورية:

جلُّ النضالِ السياسيِّ في تونس ضد بورڤيبة وبن علِي قام به الرجال، وبعض النساء اكتفَين بمعاضدة أزواجهن وأبنائهن وزيارة السجناء منهم، مساندة فعّالة ومهمة. أما في عالَم الحيوانات فيتقاتل الذكور من أجل حيازة الإناث المرغوب فيهن، أما الإناث:

-        فيحمين صغارهن (وهو دورٌ مهمٌّ جدًّا جدًّا في تطوير شبكة الخلايا العصبية في أمخاخ الصغار وذلك عن طريق رعايتهم وتدريبهم الأوّلِيين بعد الولادة: "الأمّ مدرسةٌ إذا أعددتَها *** أعددتَ شعباً طيب الأعراق، حافظ إبراهيم).

-        أو يتفرّجن على هذه المبارزات الذكورية التي تُقام بسببهن، والذَّكَرُ القوي هو الذي يفوز بأفضل الإناث كي يورّثهنّ جيناتَه المميّزةَ بهدف تأبيدِها. هل يكون الفوزُ في المعارك هو واجبٌ جينيٌّ ذكوري ميّزه الانتقاء الطبيعي وطوّره عبر ملايين السنين (طيلة 6-7 مليون سنة منذ بداية ظهور أسلاف الإنسان -Les hominidés ) ؟

لكن لو كان الرجل ذئبًا لأخيه الرجل فالمرأة أكثر ذئبية لأختها المرأة حي تدافع دفاعًا شرسًا عن صغارِها !

 

2.     في جل الحضارات، تُعامَلُ النساء كجنسٍ ناقصٍ مقارنةً بالرجال:

إخضاعُ النساءِ من قِبل الرجالِ، إخضاعٌ مدعومٌ طبيعيًّا وجينيًّا من قِبل  الانتقاء الدارويني، إخضاعٌ وقع تأبيده في عديد المجتمعات عن طريق العُرف والعادات والتقاليد والأخلاق، خاصة في الحضارات التوحيدية الثلاث أي اليهودية والمسيحية والإسلام.

 

موقف الإسلام من المرأة يختلف كثيرًا بل يتناقض أحيانًا مع موقف المسلمين منها:

لا يغرنّكم تغليفُ "إخضاعُ النساءِ" بكلمة الحق التي استعمِلت في الباطل:  عندما تُحاورُ إسلاميًّا تونسيًّا حول حقوق المرأة المهدورة في الواقع اليومي المعيش، يصفعك بالقولة الجاهزة: "الإسلامُ كرّم المرأة". أجيبُه: صحيح، الله في القرآن كرّمها، أما أنتم الرجال المسلمون فقد مسحتُم بكرامتها الأرضَ على مدى 14 قرنًا، إلا مَن رَحِمَ ربي وهم قلةٌ قليلةٌ. وخير دليلٍ على وجاهة طرحي: لاحظوا غيابَها في المراتب الدينية الإسلامية كالإمامة والرئاسة والقضاء مثل غيابها في البابوية المسيحية أو الرِّبية اليهودية. (مصدر إلهامي في هذا الموقف هو كتاب الشيخ راشد الغنوشي، "إرهاصات الثورة"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015، 277 صفحة. كُتِبَ بين 1999 و2014).

مالك بن نبي قال ولا قول بعد قوله: "ليس الإسلام هو الحضارة، الإسلام وَحْيٌ نزل من السماء بينما الحضارة لا تنزل من السماء وإنما يصنعها البشر عندما يحسنون توظيف ملكاتهم" (ص  109 من نفس نفس المصدر السابق)، ثم أضافَ: "كل باحث في طريقه إلى القرآن تتعثر أقدامه في المسلمين. تمنيت لو لم يكن هناك مسلمون أصلاً بمن فيهم شخصي (كلمة غيور غاضب"، ص 114 من نفس المصدر السابق).

في تونس اليوم، قليلٌ جدًّا من النساء يتبوّأن مناصبَ عُليا في الدولة رغم تفوقهن عدديًّا ونوعيًّا في التعليم الثانوي والجامعي وفي البحث العلمي. هذا الحيفُ هو من صنيع الرجال التونسيين المسلمين العنصريين ضد المرأة، والقرآنُ بريءٌ من تأويلات الفقهاء الرجعية. أما القلة من النساء التونسيات البارزات فيَحوم حول بروزهن السؤال التالي: هل برزن بجهدهن الخاص أو بفضل التناصف المفروض علينا من الغرب أو بفضل محاكاة نضالات الرجال من أجل المحاكاة ؟

عالَمُ اليوم ما يزال في أغلبه عالَما رجاليّا حتى في الغرب، غربٌ صانعٌ للسلاح ومصدِّرُه، غربٌ متفوقٌ علميًّا وتكنولوجيًّا ومتخلفٌ إنسانيًّا. لا نستطيعُ أن نتنبّأ إذا كان هذا الوضعُ المستورَدُ حاملاً للأملِ أو قابرًا له ؟  ليس مضمونًا البتة أن وَضْعَنا في تونس سيتحسّن لو حكمتنا النساءُ ؟ لكن في الآخر أقول أنهنّ يستحقِقْن أن نمنحُهن فرصةً للتجريب، لكن تبقى المشكلة في معرفة كيف سينتزعْن المُلْكَ من الرجال دون أن يتصرّفْن بدورهنّ مثل الرجال، أي بعنفٍ وعُدوانيةٍ ذكوريتَين، صفتان ليستا مكتوبتَين في جيناتهنّ، وهذا من حسن حظنا وحظهن ؟

3.     تواجُدُ النساء التونسيات اليوم في المصعد الاجتماعي هو ظاهرة اجتماعية صحية وواعدة بمستقبل أفضل لتونس:

حتى ولو كان وضع المرأة اليومَ هشًّا (عادة ما لا تُمكَّنُ حتى من نصيبها الشرعي في الإرث)، فإن التوجهَ العام الحالي قد يكون واعدًا ومشجعًا ومبشِّرًا بمستقبل أفضل للمرأة التونسية، أفضل على الأقل من نظيراتها في العالَم العربي. أصبحت المرأة اليومَ تعمل وتشارك في الحياة الاجتماعية والسياسية وحتى الدينية ولو باحتشامٍ كبيرٍ، وأصبح بعض الرجال يساعدون زوجاتهم الموظفات في أعمال المطبخ، ومما يُفرح أكثر أن نسبة محترمة من التونسيين أصبحت تؤمن ولو باللسان بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة. مكسبٌ هامٌّ ومدسترٌ، أضيفَ سنة 2013 إلى حقوق المرأة السابقة المقنّنة في مجلة الأحوال الشخصية منذ سنة 1957، مثل منع تعدد الزوجات ومنع زواج القاصرات ومنع الطلاق الشفوي. 

 

خاتمة:

لم يبقَ للنساء إذن من حلِّ سوى إعلانُ الجهاد على الجينات الرجعية الجندرية الذكورية المتخلفة والمتواجدة عند الرجال أكثر من النساء، وذلك عن طريق تبنّي عِلمٍ -نسبيًّا جديد (عام 70)- اسمه "ما فوق الوراثي المخي" (L`épigenèse cérébrale, sujet de ma thèse de doctorat en didactique de la biologie, UCBL1, 2007)، ويُسمّيه الأكاديميون "التخلّق" أي ما ينبثق من صفات ذهنية بعد التفاعل بين الموروث والمكتسب أو بين الجينات والبيئة المحيطة بها داخل الجسم وخارجه (Interaction entre l`inné et l`acquis ou entre les gènes et l`environnement). علمٌ واعدٌ أو نضالٌ علميٌّ ضد طبيعة جيناتنا المتخلفة التي "تعزز اللحمة داخل مجموعة بشرية ضيقة كالقبيلة أو الموطن" وفي نفس الوقت "تعزز العداوة للمجموعات البشرية الأخرى كالأجانب" (مثال: عرب\يهود)، نضالُ ثقافيٌّ مكتسبٌ ضد الطبيعي الموروث (Culture contre Nature)، نضالٌ يربّي النفسَ، يدرّبها، يصقلها، يهذبها.. يهذبها بالدين، بالفلسفة، بالموسيقى، بالتصوّف، بالرقص.. الوسيلة لا تهم، ما دامت نبيلة وتسعى لتحقيق غاية أنبل، نضالٌ أفضل وأنجع ألف مرة من "النضال السياسي".

"النضال السياسي" هو أكبر خدعة استوردناها من الغرب،  والدليل على وجاهة طرحي: ما إن يتسلم المعارضون المناضلون السلطة حتى يظلموا ويقوم ضدهم مناضلون آخرون والشعب دومًا هو الضحية الوحيدة، ولا فرق عندي بين الحكّام الظلمة، رأسماليين كانوا أو شيوعيين أو علمانيين أو إسلاميين أو قوميين.

 

 

 


 

أين تَسْكُنُ "النفس الأمّارَة بالسوء" داخل جسم الإنسان ؟

 

 

الجواب العلمي (حسب اجتهادي المتواضع): من حسن حظنا أنها تتقاسم السكن مع "النفس الأمّارَة بالخير" داخل كل خلية بشرية من خلايانا، وعدد هذه الأخيرة يقارب 100 ألف مليار خلية. إن النفسَين المتناقضتَين والمتخاصمتَين باستمرار، هما ببساطة مجموع جيناتنا وعددها 25 ألف في كل خلية (Et c’est notre ADN).

المفارقة الكبرَى أن جيناتَنا جُبِلت على الخير والشر في نفس الوقت (Nos gènes ont été sélectionnés naturellement pendant des millions d’années).

 

ما هو عملُ الخير؟

هو التضامن والحب والإيثار والتسامح والعفو والكرم، شعورٌ يكنّه الفرد إلى أعضاء مجموعته وهي مجموعة غير ثابتة أي تتغير حسب المحيط (المكان، الزمان، السنّ، الإرث الصحي والمالي والثقافي والرمزي والاجتماعي، الحالة الصحية والمادية والنفسية والاجتماعية، إلخ.)، مجموعةٌ قد تتسع وتضيق حسب الظروف الطارئة، وقد تتكون من العائلة الضيقة أو العائلة الموسعة أو القبيلة أو الحي أو البلدة أو الجهة أو البلاد أو الأمة أو اللغة أو الدين أو الثقافة أو القومية أو العِرق أو الإيديولوجيا أو الحزب أو النقابة، إلخ.

 

ما هو عملُ الشر (أو السوء) ؟

هو العدوانية والأنانية والجشع والإقصاء والعنصرية والتباغض، شعورٌ يكنّه فرد من مجموعة "أ" نحو فردٍ أو أفراد من مجموعة "ب"،  هذه المجموعة الأخيرة "ب" قد تتجسد بالنسبة لنا في الأجنبي أو الغربي أو اليهودي أو الملحد أو المختلف عنّا عمومًا.

 

كيف نكسر من شوكة "النفس الأمّارَة بالسوء" ونقوّي من شوكة "النفس الأمّارَة بالخير" ؟

لا سبيلَ إلى ذلك إلا بِشنِّ حربٍ على الأولى بمساعدة الثانية (المعضلة أن الاثنتَين موجودتان في شخصٍ واحدٍ)، حرب لا صلح فيها ولا مصالحة، حربٍ أسلحتها الوحيدة هي التربية والتعليم والصبر والرضا بالقدر، حرب لا منتصرَ نهائيَّا فيها، وللأسف الشديد هي حربٌ تتجدد مع كل مولودٍ جديدٍ، لأن الجينات (ADN) تتجدد بالوراثة. أما "مقاومةَ شرّ النفس وتقويةَ خيرها" فهما صفتان مكتسبتان أو لا تكونان ! لذلك لا نهضةَ لشعبٍ إلا عن طريق التربية (L’Éducation) ولا طريقًا آخرَ متاحًا لنا اليومَ غير التربية.

سُئل مرة مؤرّخ الثورة الفرنسية، جول ميشلي (1798-1814):

- ما هي أول مرحلة في السياسة ؟

- فأجاب: التربية. وما هي الثانية ؟ فأضاف: التربية. وما هي الثالثة ؟ فأردف: التربية.

 

 

Conclusion de Christian de Duve, Prix Nobel de médecine en  1974, Un biologiste et moraliste :

Les individus humains ont été sélectionnés naturellement à travers des millions d’années pour être

-        solidaires à l’intérieur de leur groupe : famille, nation, religion, idéologie, paradigme scientifique, système philosophique, langue, parti politique, syndicat, etc. (أي النفس الأمّارَة بالخير).

-        Et en même temps  hostiles envers les autres groupes : nation étrangère, religion différente, langue différente, paradigme scientifique différent, système philosophique différent, culture différente, parti politique adverse, etc. (أي النفس الأمّارَة بالسوء).

 

خاتمة مواطن العالَم:

لذلك نستنتج أن الشر لم ينقرض من الأرض (الحرب، الفساد، السرقة، الكذب، الغدر، الخيانة، الإجرام، إلخ.) ولن ينقرض مادام يُتوارَثُ في الجينات، ولا قدرة لنا عليه، هو قَدَرُنا المشئوم والمحتوم، لكن علينا الحدّ من سلبياته عن طريق التربية والتعليم. ونستنتج أيضًا أن الخير لم ينقرض من الأرض (التعاون، الرحمة، الحب، إلخ.) ولن ينقرض مادام يُتوارَثُ في الجينات أيضًا، نرحّب به، قَدَرُنا المحمود والمحتوم، وعلينا تنميته عن طريق التربية والتعليم أيضًا.

 

 

 


 

ما هو أكبرُ خطرٍ يهددُ مستقبل العالَم ؟

 

نص المؤلف كريستيان دو دوف:

الأخطارُ التي تهددُ مستقبل العالَم هي أخطارٌ معروفةٌ ووسائل الإعلام العالمية والمحلية تتناقلها يوميًّا: جشع الرأسماليين، الحروب، صناعة الأسلحة، الاحتباس الحراري، التلوث، نقص التغذية، إلخ. لكن ما لا يذكرونه أبدًا هو الخطر الأساسي والرئيسي وهو المتسبب فيها جميعا، خطرٌ يسكن في كل خلية من خلايانا، خطرٌ يولد معنا، خطرٌ نحمله طوال حياتنا ونورّثه لأولادنا، خطرٌ نتج عن الانتقاء الطبيعي الدارويني (La sélection naturelle  خطرٌ مكتوبٌ بالشفرة في جيناتنا (code génétique de l’ADN)، خطرٌ يتمثل في أنانيتنا، جشعنا، عدوانيتنا ضد الآخر، إلخ.

كيف نقاومه ؟

يجب علينا أن نكسب بعقولنا (L’acquis) حكمةً (Une sagesse) لم نرثْها في جيناتنا (L’inné). أما حكمة أسلافنا فلن تنفعنا كثيرًا، لأن حكماء الماضي لم يكونوا يعرفون، ولا يمكن لهم أن يتنبّأوا بالأزمة الحالية التي تعيشها الإنسانية. لكن نصائحهم تبقى دومًا ثمينة، وخاصة النصيحة التي تقول: يجب علينا أن نأخذ العبرة من دروس التاريخ من أجل بناء مستقبلٍ أفضلَ.

 

إضافة مواطن العالَم:

 نفس الخطر، نسميه نحن مجازيًّا في تراثنا الإسلامي "النفس الأمّارة بالسوء"، والمفارقة الكبرى أننا نملك الوصفة العلاجية (L’antidote) لكننا ، وللأسف الشديد، لم نطبقها منذ انبعاثها، أي منذ 14 قرنًا، نصيحةٌ ثمينةٌ واسمها "الجهادُ الأكبرُ"، جهاد النفس الذي يتمثلُ في مقاومة أنانيتنا وجشعنا وعدوانيتنا ضد الآخر. ألمْ ينصحنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، أخيه في الإنسانية وليس أخيه في الإسلام فقط. أما حكمة سلفنا الصالح (الشريعة) فلم ولن تنفعنا كثيرًا ويجب علينا أن نخلق بعقول عصرنا شريعةً غير موجودة، لا في جيناتنا ولا في فقه علماء ديننا.

 


 

مجموعةٌ من الأسئلةِ، أرّقتني طيلةَ عقود، وجدتُ لها اليومَ جوابًا في كتابْ (Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve) ؟

 

الأسئلة التي كانت تُحيّرني:

-        لماذا يتحارب البشر فوق الأرض وفيها من الخيراتِ ما يكفيهم وزيادة ؟

-        لماذا ننفق أموالاً طائلةً على الهدمِ ولو أنفقناها على البناء لأصبحت الدنيا جنة على وجه الأرض، ولَانْقرضَ الفقرُ والجهلُ والجوعُ وزالت جل الأمراضِ ؟

-        لماذا لا نرى للأخلاق الوضعية ولا للأخلاق الدينية أيّ تأثيرٍ على السلوكات الأنانية والعُدوانية للبشر ؟

-        لماذا لم يجلب لنا العِلمُ كل المنافع التي كنا ننتظرها منه ؟

-        لماذا تَبنّيتُ مفهوم المواطنة العالمية ؟ (justification a posteriori)

-        لماذا اخترتُ مفهوم "ما فوق الوراثي" أو "التخلق" (L`épigenèse) كموضوع لأطروحة الدكتورا سنة  2007 ؟ (justification a posteriori)

 

نص صاحب الجواب في كتابه، صفحة 165:

"الانتقاء الطبيعي الدارويني" (La sélection naturelle) انتقى في النوع البشري نوعَين من المميزات (Les traits):  مميزات تعزّز اللحمة داخل مجموعة بشرية معيّنة (عائلة، قبيلة، نقابة، وطن، عِرق، طائفة، لون، دين، إلخ.)، وفي نفس الوقت مميزات تدعّم العداوة حيال المجموعات الأخرى:

على المستوى الاجتماعي، انتقى "الانتقاء الطبيعي" بعض القِيم، مثل التضامن، التعاون، التسامح، الشفقة، الإيثار. قِيمٌ وصلت إلى حد التضحية بالنفس من أجل مصلحة مجموعة بشرية معيّنة، قِيمٌ إيجابيةٌ كوّنت أسس العيش المشترك داخل المجتمعات البشرية المختلفة، كلّ على حِدَةٍ. لكن خراجَ هذه القِيم بقي بشكل عام مقتصرًا على أعضاء المجموعة دون سواها.

هذه القيم الإيجابية ولّدت لدى أفراد المجموعة الواحدة النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعِدائية حيال أعضاء المجموعات الأخرى. المفارقة الكبرى أن هذه القِيم السلبية وُلِدَتْ من رحم قيم إيجابية وهي التي كوّنت بذور الصراعات والحروب التي تركت بصماتها على طول تاريخ البشرية جمعاء حتى يومنا هذا.

هذا التحليل يرجع بنا إلى عشرة آلاف سنة قبل عصرنا الحالي، عصر كانت فيها مجموعات قليلة من البشر البدائيين تعيش في القارّة الأفريقية وتتخاصم حول أهم المصادر الغذائية التي توفرها لهم الغابة أو السافانا (la savane). في البداية كانت تُحدَّد المجموعة حسب علاقات القرابة الدموية السائدة داخل العائلة أو القبيلة طِبقًا للصفات المبرمجة في الجينات. (إضافة مواطن العالَم: Notre ADN est un logiciel performant et sophistiqué mais il est très ancien et conçu pour l`homme primitif de la forêt.

لا تغترّ أيها الإنسان، فأنتَ والشانبانزي تتشابهان في 98،5% من الجِينات المشتركة (des gènes communs)، وأنت وشجرة المَوز في 60%، ونبات الأرز يفوقُك في الجينات عددًا: هو 30-40 ألف جِينة، وأنتَ 25-30 ألف فقط !). مرّ زمنٌ وأتى آخر، وتوسعت المجموعة البشرية المعيّنة الصغيرة، فضمّت أراضي مشتركة، مصالح مشتركة، امتيازات مشتركة، اعتقادات مشتركة، قِيم مشتركة (des valeurs partagées)، أحكام مسبقة مشتركة (des préjugés)، أحقاد مشتركة، أي الاشتراك في سلوكات (des comportements) تدعم وحدة هذه المجموعة لا غيرها، "مجموعتنا ضد مجموعتهم" (إضافة مواطن العالَم: مقولة "مجموعتنا ضد مجموعتهم" تُتَرجَم بلغة عصرنا، فتصبح:  يهود ضد عرب، غرب ضد باقي العالَم أي المركزية الأوروبية، دار الإسلام ضد دار الحرب، بورجوازية ضد بروليتاريا، شيوعية ضد رأسمالية، يسار ضد يمين، داعش ضد بشار، إخوان ضد السيسي، مدينة ضد ريف، الرجل ضد المرأة، الحاكم ضد المحكوم، الأغنياء ضد الفقراء، العالَم الأول ضد العالم الثالث، أعراف ضد عمال، محامون ضد قضاة، إلخ.).

ما هي الإيديولوجيات العصرية التي تدعم اليوم الوحدة داخل المجموعة الواحدة وتؤجج الصراعات وتشعل الحروب بينها وبين المجموعات الأخري ؟

هي إيديولوجية القومية، غربية كانت أو عربية. هي الإيديولوجية الدينية، إسلامية (سوريا، العراق، ليبيا، مصر، أفغانستان) كانت أو يهودية (إسرائيل) أو بوذية (بيرمانيا، التيبت، الكشمير). (إضافة مواطن العالَم: هي الإيديولوجية الامبريالية، رأسمالية أمريكا كانت أو شيوعية الصين).

 

صفحة 166:

من سوء حظ البشر أن "الانتقاء الطبيعي الدارويني" لم  ينتقِ لفائدتنا قيمتَي الحيطة والحكمة الضروريتَين لتوليد الرغبة في تقديم التضحية بالامتيازات الحينية في سبيل التحضير لمستقبل أفضل للإنسانية جمعاء. على العكس انتقى لنا قيمة البحث عن المصلحة الحينية، سواء كانت فردية أو جماعية، وهذا ما يفسّر استغلالنا اللامسئول للثروات الطبيعية، ويفسر أيضًا تجاهلنا للعواقب الوخيمة التي قد تنجر عن فعلنا المشين هذا. عواقبٌ بدأت اليوم تهدد جنسنا البشري وتهدد بالانقراض أنواعًا كثيرة من الكائنات الحية الأخرى، حيوانات ونباتات.

لم يعد يشغلنا كل ما يتجاوز مستقبلنا الحيني مثل ما بعد التقاعد أو أمل حياتنا (l’espérance de vie) أو مصير أولادنا وأحفادنا من بعدنا.

ما أردتُ تبليغَه كعالِم بيولوجيا يتمثل في التأكيد على أن القيم السلبية (النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعدائية حيال أعضاء المجموعات الأخرى) هي قيم فطرية جينية وراثية  مبرمجة لإنتاج إنسان لزمانٍ غير زماننا، زمان سبقنا بعشرة آلاف سنة عند بداية تشكل المجموعات البشرية الصغيرة في إفريقيا أولا (من 3.000 إلى 10.000 نسمة). قيم وسلوكات كانت صالحة وضرورية في ذلك العصر، عصر ندرة الموارد الغذائية أو صعوبة الحصول عليها. صفات ساعدتنا على الصمود في طورٍ من أطوار تطورنا الطبيعي (L`évolution) ولولاها لانقرضنا كالديناصورات ولَذهبت ريحنا ولم تبق إلا أحافيرُنا (Fossiles humains). هذه القيم أو الصفات أو السلوكات أصبحت اليوم عبئًا ثقيلاً نحمله منذ الولادة، وباتت معطِّلة للقيم الإيجابية فينا (التضامن مع المجموعات الأخرى، التعاون معها والتسامح والشفقة والإيثار والمساواة).

انتهى الاستشهاد.

 

خلاصة القول وليس خاتمته:

الإنسانُ لا يولدُ إنسانًا متحضّرًا منذ البداية بل يصبح متحضِّرًا بجهده وعلمه وثقافته: لا أقيسُ على الإنسان الغربي الحالي، فهو في الواقع أقل منا في العمق تحضرًا، وإلا لَما احتلنا وقتل منا الملايين ظلمًا وبهتانًا، ولَما قصفنا بالطائرات في بور سعيد وبنزرت والساقية ودمشق وبغداد وطرابلس وغزة و.. و... ولَما باع لنا سلاحًا فتّاكًا من صنعه وترويجه وتآمره وانتهازيته.

يولد الإنسان طبيعيًّا  (L`homme de la nature)، وهو حضاريًّا أقرب لإنسان القرن  3000 قبل-الميلاد، أكثر من قُربه إلى إنسان القرن 21 ميلادي. إنسانٌ تولد معه غرائزه المحدَّدَة شبه كليًّا من قِبل جيناته، غرائزٌ تشده إلى الأسفل، أي إلى الحيوانية، إلى الطبيعة، إلى الأنانية. غرائز تحدّد القيمَ السلبية فينا (النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعِدائية حيال أعضاء المجموعات الأخرى).

المتدينون يسمّونها "النفس الأمّارة بالسوء"، وعلماء النفس يسمّونها "الهُوَ" في اللاوعي (Le Ça ).  نفسٌ أمّارةٌ بالسوء وهي نفسٌ موروثةٌ (Le tout-génétique)، تقابلها  نفسٌ مكتسبةٌ بواسطة ما ينبثق عن التفاعل المستمر بين الجينات الموروثة والمحيط (محيط الجينات الخلوي والمحيط الخارج عن الجسم تمامًا – c’est ce qu’on appelle l`épigenèse, sujet de ma thèse de doctorat, UCBL1, 2007) وهي نفسٌ أمّارةٌ بالخير وإذا كنتَ علمانيًّا سمّها النفس المتحضرة المتسلحة بالقيم الإيجابية فينا (التضامن مع المجموعات الأخرى، التعاون معها والتسامح والشفقة والإيثار)، وإذا كنتَ متديّنًا سمّها جهادًا ضد "النفس الأمّارة بالسوء"، وإذا كنتَ فرويديًّا (la psychanalyse de Freud) سمّها صراعًا مريرًا بين الثقافة والطبيعة (Interaction entre culture et nature d`où émerge l`homme de l`homme au dépens de l`homme de la nature)، صراعًا بين "الأنا" في الوعي (Le Moi) و"الهُوَ" في اللاوعي (Le Ça ).

المهم هو الجهادُ الذي قد يحدّ من سيطرة شهواتنا وغرائزنا على سلوكاتنا اليومية. جهادٌ يهذبها، يعلمها، يربيها، يَشْكُمُها، يطهِّرها من أدرانها ويقودها برفقٍ نحو الرقي والتمدن والتحضر والرقة واللياقة والأدب والذوق الفني الرفيق وصقل الحواس والحب والتواضع ونكران الذات والتطوع من أجل خدمة الغير.

نصقلها بالدين، بالفلسفة، بالفن، بالتصوف، بالعلم، بالزهد، بالتقوى، كلها أنواع راقية من مواد التطهير: وسائل نبيلة لبلوغ غايات أنبل.

وإذا لم نبذل هذا الجهد فرديًّا وجماعيًّا، ونحن التونسيون في الواقع وللأسف لم نبذله (يساريون وإسلاميون وقوميون وليبراليون)، لذلك لم تُغيِّرنا الأخلاق الإسلامية ولا اليسارية، فلا دين فينا نفع ولا علمَ ولا فلسفةَ !

 

أما كيف أثبِت اختياري للمواطنة العالمية (justification a posteriori)، فأظنه سؤالا لا يتطلب شرحًا فوق الشرح الذي سبق. المواطنة العالمية، أراها تمرّدًا على التقوقع وخروجا إراديّا عن الهوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية دون انبِتاتٍ فجٍّ. خروجٌ عن الانتماء القومي الضيق أو الديني المتعصب، خروجٌ إلى آفاقٍ أرحبَ، آفاقٍ لا نرثها بل نكتسبها. المواطنة العالمية هي الاستعداد للشعور بالحب لكل البشر دون تمييزٍ، هي سموٌّ على غرائز العصبيات القبلية والوطنية والدينية والعِرقية والطائفية واللغوية، هي مستقبلُ العالَم خاصة في عصر الاتصالات والمواصلات، عصرٌ افتراضي (Facebook, Twitter, YouTube, etc)، عصرٌ اختفت فيه الحدود ومعها التأشيرات والجدران العازلة، عصرٌ أصبح فيه للإنسان جناحان افتراضيان وأصبحنا كالعصافير لا نمرّ عبر البوابات الحدودية، حلمٌ تحقق، حلمٌ غير مبرمجٍ في جيناتنا.

أحلامي كل يومٍ تكبرُ، ويومي أصبحَ أفضلَ من أمسِي. يبدو أن واقعي أصبح أسرع من أحلامي: أكتبُ مقالاً وأنا في "مقهى الشيحي التعيسة التي لم تعد تعيسة"، فيتفاعل معي في الحين صديقٌ افتراضيٌّ في موسكو أو واشنطن، حلمٌ للإنسانية تحقق. للأسف واقعي يسبق جيناتي، مورّثاتي لا تطاوعني، خَطْوَتُها بمليون سنة، ما أبطأَها، لم أعُدْ أطِيقُ انتظارَها.. جيناتي المتخلفة !

آه يا جيناتي لو تلحقي بأحلامي، وتزرعي في جنبَيَّ جناحَين كجناحَي طير، أزورُ بهما ابنتي عبير حبيبتي في كندا، لم أرها منذ ثمان سنوات، أعِدُكِ، أضمّها مرة واحدة ثم أقفل راجعًا، حفيدتي سلمى دخلت المدرسة ولم أقبّلها لا عند الذهابِ إلى المدرسة ولا عند الإيابِ منها !

 

 

إصداراتي

 

ثمانيةُ كُتُبٍ من سنة 2010 إلى سنة 2023:

  1. Enseigner des valeurs ou des connaissances? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique" ? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes. (PUE), 2010, 386 pages. 

2. Le système éducatif au banc des accusés ! «Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas», Édition libre, Tunis 2016, 160 pages. Ce livre a été traduit en 2022 en 7 langues occidentales par la maison d’édition numérique « Presses Universitaires Européennes (PUE) ».

3. جمنة وفخ العولمة، طبعة حرة، تونس 2016، 224 صفحة.

4. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، تونس 2017 ، 488 صفحة.

5. حكايات طريفة، طبعة حرة، تونس 2021، 95 صفحة.

6. حدّث ميشيل سارّ قال...، طبعة حرة، تونس 2022، 110 صفحة.

7. مواقف وآراء حول الإسلام والمسلمين، دار علوي للنشر، تونس 2023، 350 صفحة.

8. حدّث ﭬاستون باشلار قال: "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون !"، دار يس للنشر، تونس 2023، 285 صفحة.

9. حدّث أمين معلوف قال...، طبعة حُرّة، تونس 2024، 168 صفحة.

 


 

مسيرةٌ جامعيةٌ متعثِّرةٌ ومتقطعةٌ، مسيرةٌ لا يُحتذَى بها:

-        في سن 22 تخرجتُ أستاذ إعدادي (ENPA, Tunis, 1974, CAPES sans Bac). (سنتان)

-        في سن 28 حصلت على الباكالوريا الجزائرية (Annaba, 1980).

-        في سن 30 درست في فرنسا فلسفة بالمراسلة (Université de Reims, France, 1983)، عامٌ تُوِّجَ بالفشلِ جرّاءَ كُلفةِ التنقل المالية لإجراء الامتحانَيْنِ، الكتابي والشفاهي، المتباعدينِ زمنيًّا، والتي لم أقدر على مجابهتِها. (سنة واحدة)

-        في سن 41 حصلت على الأستاذية في علوم الحياة والأرض (Université Tunis1, 1993). (3 سنوات)

-        في سن 48 حصلت على ديبلوم الدراسات المعمقة في ديداكتيك البيولوجيا (Cotutelle Université Tunis1 & UCBL1, France, 2000). (سنتان)

-        في سن 55 حصلت على شهادة الدكتورا في ديداكتيك البيولوجيا (Cotutelle Université Tunis1 & UCBL1, France, 2007). (5 سنوات)

-        مسارٌ علميٌّ مَبتورٌ: لِمَن لا يعلم، أقول أن شهادة الدكتورا لا تمثل قِمَّةَ العلمِ في الاختصاص بل تمثل بطاقة دخول إلى مجال البحث العلمي. أنا تحصلتُ على بطاقة دخول وكالتلميذ المتنطع خرجتُ من الجامعة ولم ألتحق بقاعة المخبر، "مكره أخاكم لا بطل".


 

 

 

 

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire