د. محمد
كشكار
مواطن
العالم، أصيل جمنة ولادة وتربية
حدّث حبيب بن
حميدة، فيلسوف حمام، الشط، قال...
دردشات مقاهي
بين يساري ماركسي ويساري غير ماركسي
الإهداء
Je dédie mon 12e ouvrage à mon épouse Sihem Berrahal pour son
dévouement, sa patience et son sens de responsabilité familiale ainsi qu’à mes deux
enfants Abir et Gaith pour le soutien matériel qu’ils m’apportent au quotidien
dans l’achat des livres à lire.
وأهديه أيضًا إلى كل الذين ساعدوني على اقتناء الكتب التي أطالعها ولكنني لم أقدر
مادّيًّا على شرائها، وتكريمًا لهم سأذكرهم بالاسم واللقب: بكّار عزوز (صديق
نهضاوي حميم من جمنة ومقيم بـباريس)، فوزي العابد (ابن أختي مباركة مقيم بـباريس)،
أحمد العابد (ابن أختي مباركة مقيم بـباريس)، رڤية العابد (ابنة أختي مباركة مقيمة
بـباريس)، رهان كشكار (ابنة أخي صالح كشكار مقيمة بـدُبَيْ)، صديق فيسبوكي (مقيم
بـقَطَرْ).
فيلسوف حمام الشط قال:
-
حاول الفلاسفة البحث عن تعريف للفلسفة فلم يتوصلوا إلى تعريف فقالوا إن
الفلسفة هي "البحث عن" في حد ذاته.
-
الفضيلة
هي عنوان الإنسانية مثل الصدق والأمانة. والشجاعة عند اليونان هي أم الفضائل.
وأنا
أقول: الرأسمالية مقبرة الفضائل !.
الحزب الشيوعي والبوكت والوطد،
هم وحدهم تقريبًا الذين يتحمّلون مسؤولية إقصاء عموم اليساريين من الأحزاب
اليسارية الثلاثة
تقديم صاحب الفكرة: هل لاحظتم أنني كتبتُ في العنوان
"الماركسي فيلسوف" ولم أكتبْ "الفيلسوف الماركسي" لأن صفة
فيلسوف لا تحتاجُ إلى نعتٍ يوضّحها بل على العكس فكل نعتٍ قد يشوّهها مِثل نعوت ماركسي،
إسلامي، مسيحي، ديكارتي، إلخ.
(Tout adjectif, dans ce cas particulier, est
réducteur)
هو فيلسوفٌ وكفَاهُ فخرًا، أراه
حكيمًا وهو لم يدّعِ يومًا ذلك، لا بل أكثر من ذلك فجل مثقفي حمام الشط المركز
يَرَوهُ أيضًا حكيمًا، بِيساريّيهم الماركسيّين الستالينيّين وغير الماركسيّين
(أنا) وقوميّيهم وجمهوريّيهم وتجمّعيّيهم وحتى بعض نهضاويّيهم. من وراءِ هذا
التقديمِ المقتضَبِ لصاحب الفكرة، أهدِفُ إلى دعوتكم بكل لطفٍ إلى قراءةِ التوضيحِ
التالي بانتِباهٍ كبيرٍ: أرجو من القُرّاء أن لا يعتبروا مقالي هذا تصفيةَ حساباتٍ
مع خصومٍ فكريينَ وسياسيينَ، أختلفُ معهم وأحترمُ مَن يحترِمني منهم وهؤلاء
يُعَدّون، من سوء طالِعِي، على أصابعِ اليدِ الواحدةِ.
تقديم صاحب التأثيث: يساري غير ماركسي، صنّفه هؤلاء القوم
يساريًّا "مْذَرَّحْ" أي ناقص يسارية، فلا تجزعوا إذن أيها الصفوة
الستالينية واطمئنوا، وإذا أتاكم نقدٌ من "ناقصٍ" فهي الشهادة لكم أنكم
كُمَّلٌ كُمَّلٌ كُمَّلٌ ! المفارقة الكبرى تكمنُ في أن الماركسي صاحب الفكرة، هو
مَن علّمني نقد الماركسية-اللينينية في العمقِ (الستالينية بلغةٍ أوضحَ)، وهو مَن
نصحني بقراءة الكتاب الأشدّ نقدًا للماركسيّة لذلك قلتُ عنه "الماركسي فيلسوف" ولم أقلْ
"الفيلسوف الماركسي:
L’opium
des intellectuels (Le marxisme) de Raymond Aron, 1955.
موضوع النقد: الخطأ البِنيوي
لهذه الأحزاب الثلاثة أو كما سمّاه
الفيلسوف نفسُه :(leur
péché originel)
-
هل لاحظتم أيضًا أنني كتبتُ في العنوان
"الحزب الشيوعي والبوكت والوطد" ولم أكتب "المسار ولا حزب العمال
ولا الموحّد ولا الثوري"، تسميات مساحيقٌ
لم تُفلحْ في مَحوِ ستالينيتِهم أو نيوستالينيّتِهم. هم ستالينيّين عنيفين في خطابهم
لكنني أقِرُّ بأنهم مسالمون
في سلوكياتهم، أي غير مسلّحين بغض النظر عن العنفِ المتبادَلِ في الجامعة الذي وقع
بينهم وبين الإسلاميين في الثمانينات. ستالينيةٌ ليسوا "أدَّها"، لا في
محاسنها (البناء والتشييد) ولا في مساوئها (جرائم وإبادة ضد الإنسانية). ستالينيتهم،
ستالينية مشهدية لم تجلبْ لهم إلا عداوة جل التونسيين بمحافظِيهم (الإسلاميّين) وتحرّريّيهم (الحداثيّين الليبراليّين
واليساريّين غير الستالينيّين).
- لماذا هو خطأ بِنيوي ؟ على حد قول الفيلسوف لأنهم
أناسٌ مقيّدون من الداخل، قيدٌ قُدَّ من حديد اسمه الاكتفاء الايديولوجي الذاتي،
والدليل: في العهدين البائدَين (بورقيبة وبن علي)، كانوا يبرّرون عدم
انتشارهم بسبب سطوةِ الديكتاتورية، فبماذا سيبرّرون انكماشهم في زمن الحرية بعد
الثورة ؟
-
عديدٌ من "الوطديّين" الانتهازيين
انضمّوا إلى النظامَين السابقَين.
Pour
en savoir plus, lire la thèse : S’engager en régime
autoritaire. Gauchistes et islamistes dans la Tunisie indépendante. Michaël
BÉCHIR AYARI, 2009.
-
أما "البوكتيّين"
فوجدوا حيلةً "أشرَفَ" مما أتاهُ رفاقُهم "الوطديّين"، حيلةً
تتمثلُ في التخفّي داخل الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. مِن
"وقتاش" كان الستالينيّونَ حقوقيينَ ؟
ماركس نفسُه كان ضد البيان العالمي لحقوق الإنسان، وأنا إلى الآن وفي هذه النقطة
بالذات ما زلتُ معه رغم أنني تخليتُ حديثًا عن الماركسية. أليسوا ماركسيين ؟ لماذا وقف ماركس ضد البيان ؟ لأن نواتَه وأول بندٍ فيه هو حُرمة الملكية
الرأسمالية الخاصة وماركس بَنى نظريتَه كلها ضد هذا النوع من الملكية. لماذا أقف
أنا ضد البيان
؟
لأن ثاني بندٍ فيه هو المساواة بين المواطنين في حرية النشر والتعبير: هل أنا
وسامي الفهري متساوون في حرية التعبير ؟
هل أنا والصافي سعيد متساوون في حرية النشر؟
-
اثنانٍ منهم
(البوكت والوطد الموحّد) هربا من رحابِ أهلهم اليساريين وكوّنوا جبهةً مع
القوميين. ومنذ متى كان الماركسيون التونسيون يَعُدّون القوميةَ يسارًا
؟ اليسارُ، على حد معرفتي به، أمميٌّ أو لا يكون. حتى أنا اليساري
"المْذَرَّحْ" لا أعتبر القوميةَ يسارًا، وهذا لا يعني أنني أكرههم أو
أعاديهم، اختلفتُ معهم فقط، وما زلتُ أختلفُ فكريًّا وسياسيًّا وبوضوح، كما
اختلفتُ مع الإسلاميين من بعدهم، وما زلتُ أختلفُ !
-
لاحظتُ وجودَ قطيعةٍ، أظنّها تامّةً وهم أعلم،
بين جيل المناضلين اليساريين الأوائل الذين نقدوا تجربتهم النضالية، مثلاً: حضرتُ
ندوتَين لهؤلاء، واحدة لجيلبار النقّاش والأخرى لمحمد الشريف الفرجاني، ولم ألاحظ
حضورَ مَن أتحدّثُ عنهم، اللهم لم أعرفهم، وهذا بصدقٍ احتمالٌ وارِدٌ جدًّا.
-
ملاحظة أخيرة: ثلاثتهم، تواجدوا بكثافة في هياكل
الاتحاد العام التونسي للشغل ولِعقودٍ متتاليةٍ، وللأسفِ الشديدِ لم ينشروا الوجه النيّر للفكرَ اليساريَّ وسط العمال، والمتمثل
أساسًا في فكرة العدالة الاجتماعية، النواةُ
الصلبةُ للاشتركيةِ وعمودُها الفِقريُّ، ضيّعوا مجهوداتهم سُدًى في
الصراعات الهُووية مع الإسلاميين، خصومِهم السياسيين الذين هم وفي الوقت نفسه
إخوانُهم في الهُوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية، وهذا باعترافهم هم أنفسهم، على
الأقل في تصريحاتِهم العلنيةِ، وأنا لا أملك إلا تصديقَهم إلى أن يأتي ما يُخالِفُ
ذلك.
وخاتمتُها مسكٌ إن شاء الله:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ"، وأنا -والله- كيساري غير ماركسي أحب لكل
اليساريين الماركسيين التونسيين متحزّبين وغير متحزبين ما أحب لنفسي، والدليل،
سأدلّهم على طريقٍ، لو سلكوه بصدقٍ فبحول الله لن يضلّوا بعده أبدَا: 1. التخلي
علنًا عن الستالينية المجرِمة. 2. نقدُها صراحةً في مؤتمراتِهم وجرائدِهم
وأدبياتِهم. 3. تبنِّي نظرية الاشتراكية-الديمقراطية على المنوال الأسكندنافي
(طلبٌ في غير محله، ويحك يا كشكار، هم يَرَونها خائنةً، وأنتَ تطلبُ منهم أن
يتزوّجوا خائنةً، سامحك الله يا ابن العرب !). 4. التماهِي مع أهلهم ومجتمعهم
والتصالحِ بصدقٍ مع الهُوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية.
لو فعلوا ما أطلبه منهم (أنتَ
تحلم !) لَتَصالحوا مع أنفسِهم وكان لهم مثلي نفسُ الخطابِ في السرِّ والعَلَنِ،
في مقهى الشيحي في حمام الشط ومقهى القدس طريق كُشّادة في جمنة، ولَقَبِلَهم
المجتمعُ ورحّبَ بهم مثل ما رحّبَ بي دون أن أتخلّى عن عَلمانيتي و"يساريتي
ما قبل الماركسية-اللينينية"، أو على الأقل مثل ما تراءى لي ذلك حتى ولو كان
سرابَا أو كما أنا يبدو لي كذلك أو مثل ما يتهيّأ لي في الفيسبوك ومقهى الشيحي
وبعض المنتديات الثقافية غير اليسارية.
إمضائي
بكل شفافيةٍ وبكل تجرُّدٍ واعٍ وتواضعٍ صادقٍ، أعتبرُ نفسي ذاتًا حرةً
مستقلّةً مفكِّرةً وبالأساس ناقدةً، أمارسُ قناعاتي الفكرية بصورةٍ مركّبةٍ،
مرنةٍ، منفتحةٍ، متسامحةٍ، عابرةٍ لحواجزِ الحضاراتِ والدينِ والعرقِ والجنسِ
والجنسيةِ والوطنيةِ والقوميةِ والحدودِ الجغرافيةِ والأحزابِ والأيديولوجياتِ.
Aimer,
c`est agir. Victor Hugo.
حمام الشط، الخميس 25 أكتوبر
2018.
إضافةٌ
بمناسبة أول إعادة نشرٍ هذا المقال يوم الأحد 28 أكتوبر 2018: حضرتُ أول أمس ندوةً
نظمتها حركة "برسبكتيف" التونسية اليسارية بتمويلٍ من جمعية ألمانية،
جمعية المناضلة الماركسية روزا لوكسمبورغ التي أعشقها نكايةً في لينين.
"برسبكتيف" تأسست بباريس سنة 1963 على أيدي طلبة مناضلين في الاتحاد
العام للطلبة التونسيين (UGET)، ثم انتقلت إلى الجامعة التونسية سنة 1964.
عزيز كرشان، أحد مؤسسيها ورئيس ديوان سابق في الرئاسة لدى المرزوقي (استقال في
الأثناء)، قال في الندوة: "عاقبَنا بورڤيبة عقابًا قاسيًا على أحلامِنا وليس
على أفعالِنا". أقول: وما يزال اليسار التونسي يُعاقَبُ بعد الثورة عقابًا
قاسيًا على أحلامه وليس على أفعاله لكنه يُعاقَب اليوم من قِبل المجتمع وليس من
قِبل السلطة رغم أدائه الفعليّ الجيد والمحمود إبان الثورة، أعني اليسار بمتحزّبيه
(الحزب الشيوعي والبوكت والوطد) ومستقلّيه،
بماركسيّيه وغير ماركسيّيه، بستالينيّيه وتروتسكيّيه، وخاصة بنقابيّيه، وكمستقلٍّ
لا أنكِر دورَ القوميين والإسلاميين والديمقراطيين من غير اليساريين وغير
الإسلاميين في التمهيدِ للثورة والمشاركة في تأجِيجِها بِنِسَبٍ متفاوتةٍ ومختلفةٍ
في المرحلتينِ.
مقارنة بين أستاذ متقاعد
يقرأ الكتب وأستاذ متقاعد لم يعد يقرأ أي كتاب ؟
الأول هو العبد لله محمد كشكار.
الثاني هو فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة.
أنبِّه القارئ ألا يتسرّع في تفضيل الأول عن الثاني وألا يثق كثيرًا في
الانطباع الأول (À mon avis, il faut se méfier de la première impression, car elle mène
souvent en erreur).
الأول يقرأ بنهمٍ بالعربية والفرنسية كل ما يجد في المكتبة العمومية بحمام الشط
الغنية نسبيا ويقرأ الصحيفة الشهرية "لوموند ديبلوماتيك" بالفرنسية
ويقرأ من الجديد ما يمنّ به عليه أصدقاؤه من الإصدارات الحديثة.
الثاني يقرّ ويعترف علنا ودون عُقد أنه وبعد تخرّجه في أواخر الستينيات لم يعد
يقرأ، لا الصُّحُفَ ولا الكُتُبَ، لا بالعربية ولا بالفرنسية. لكنه وبعد صمتٍ
عميقٍ يضيف: "كنتُ قبل التخرّج أقرأ كثيرا بالعربية والفرنسية
والألمانية". أما الأنڤليزية فلغة يتشارك الاثنان في جهل أصولها.
الأول كَتَبَ آلاف المقالات في الفيسبوك في عديد المواضيع ونُشِر له كتاب
ألكتروني في ألمانيا وكتاب ورقي في تونس والثالث في الطريق وله في الجملة 13
كتابا.
الثاني لم ينشر حرفا، لا ألكترونيا ولا ورقيا، لا في تونس ولا في ألمانيا التي
زارها عديد المرة مذ كان تلميذًا في الصادقية.
الاثنان يساريان غير منتميان ولا يعاديان التونسيين غير اليساريين سواء كانوا
قوميين أو إسلاميين. الأول ابن الريف والثاني ابن العاصمة. الأول يساري تخلى عن
ماركسيتة والثاني لا زال يتمسك بماركسيته رغم نقده الموضوعي للينين وماو وستالين.
الثاني حصل على الأستاذية اختصاص فلسفة قبل أن تُعرَّب.
الأول حصل على الأستاذية في تونس اختصاص علوم الحياة والأرض وعلى الدكتورا في
فرنسا اختصاص إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا (Didactique de la
Biologie, 2007).
الثاني ، الدنيا أمامه -فعليا وبصدقٍ- كتابٌ مفتوحٌ.
الأول وبالمقارنة، لا زال في هذا الكتاب يتهجى الحروف.
الثاني، لا يضاهيه في الثقافة أحدٌ في حمام الشط.
الأول في حضور الثاني كالتلميذ أمام الأستاذ، يستفتيه في الأفكار التي ينوي
الكتابة فيها وغالبا ما يجد عنده التحليل المنطقي والتعديل غير المنتظر أو الجواب
المخالِف والمقنِع.
هل فهمتم لماذا نبّهتكم في بداية المقال بعدم التسرّعِ ؟
الثاني قال والأول كله آذان صاغية ولو كان بإمكانه لاستلَفَ آذان جميع
السامعين: "الوعيُ بالدنيا (La conscience) لا تُكتسبُ بالتعلم (L`apprentissage) وقليله وإن
كان ضروريا فقد يُغني عن كثيره وهو في غالِبِه تقليدُ خالٍ من الخلق والابتكار،
أما الإبداع (La créativité) فيأتي كحزمة من نورٍ دُفعةً واحدةً وليس تدريجيا كما يعتقد عادة
الكثيرون ولا ينتج حتميا عن اطلاع أوسع حتى لو كان في أفضل الجامعات
الفرنسية".
إمضائي:
بالفلاقي، فدّيت مِن تعاليق بعض القرّاء: "حقّك اكتبت هَكَّا ولّ ما حققش
اكتبت هَكَّا". والِّلِّشاهي شهوة إديرها في عشاه والِّلِّعندو فكرة مخالفة
لفكرتي ينشرها في جورنالو وقِيلوني لله يرحم والديكم. أنا شيخ شايخ فلا تطيِّروا
من رأسي السكرة الصوفية وأخيرا أقول لكم: ربي (le bon Dieu) عندي فيه
بَايْ وفي القرآن عندي بَايِينْ والله لم يبنِ بينه وبيني لا حْجابْ ولا حْجابينْ
ويرحم والدين مخترع الفيسبوك ولو كُتِبت له النار ككافر وكُتِبت لي الجنة كمسلم
لرَجوتُ الله أن يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولو كان بإمكاني لَمنحته مكاني
!
حمام الشط، الثلاثاء 24 ماي 2016.
يساريان منفردان في مقهى
يتناقشان حول العرب والإسلام
واحد أستاذ فلسفة والآخر عاشق للفلسفة.
- الحضارة الإسلامية حضارة مساواة بامتياز.
- إذن هي حضارة لا يخضع فيها الفرد إلا لخالقه ولا يطلب المغفرة إلا منه عكس
ما هو سائد في الحضارة المسيحية حيث البابا يمنح صكوك الغفران أو في الحضارة
الرأسمالية حيث ورث البورجوازي استرقاق العامل عن سلفه النبيل والاثنان، البابا
والبورجوازي، لا يختلفان كثيراً في استعباد البشر الذين ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.
- الحضارة الإسلامية لم تمرّ بالطبقية، لا في شكلها الأرستقراطي القديم ولا في
شكلها البرجوازي الحديث.
- إذن لا وجود لتراتبية فيها، فأفقر إنسان فيها قد يصبح إماما والمساجد منتشرة
في كل حي ويديرها أهل الحي أنفسهم.
- لكن المفارقة تتمثل في أن التراتبية والعبودية هما اللتان خلقتا الحضارة
الغربية التي بَنت الكنائس الفخمة والقصور وشيّدت الطرقات وراكمت الثروات وصنعت
نخبة من العلماء والفلاسفة والفنانين لكن La ruse de la raison حوّلت السيدَ عبداً لعبدِه.
- حضارتهم إذن هي حضارة يد وحضارتنا حضارة شعر وكلام (علم الكلام).
- العربُ والناطقون بالعربية هم أول مَن بعث الروح في فلسفة كادت تنقرض، أعني
بها الفلسفة اليونانية التي سبقتهم بعشرة قرون في العلم والفن والتعليم، لكن للأسف
فهُم أنفسهم مَن حاصرها في دار الإسلام فهاجرت إلى دار الكُفر أي الغرب فكانت
بمثابة سر نهضتهم، أما هجرتُها من بلادنا فكانت بمثابة إعلان بداية نكبتِنا بدايةً
من نهاية القرن الثاني عشر ميلادي وأؤرخها أنا بحرق كتب ابن رشد في الأندلس. فكيف
تقول إذن أن لا حضارة أفضل من حضارة ؟ أليست حضارتهم أفضل من حضارتنا ؟
- لو كانت كما تقول لَما أنجبت ستالين وموسولوني وهتلر وفرانكو ! من المفارقة
أن قيمة المساواة (Société égalitaire) هي التي قضت على حضارتنا كما قضت
على الشيوعية.
- في الجاهلية كان المجتمع قبليّاً، لكنه مجتمع يحفظ للفرد كرامته (الشنفرى
كان صعلوكا أبيّاً وحرا لا يخضع لأي قبيلة).
- لا تفتخر كثيرا بقِيم أجدادك الرعاة فأرسطو قال عن أمثالهم أنهم طفيليون (Des parasites) فهُم
للدواب تابعون وفي حليبها ولحمها طامعون ووراءها في الفيافي تائهون ولبلدانهم غير
معمّرين وبهويّتهم البدائية ملتصقون وعلى العالم غير منفتحين وبالحضارات المعاصرة
غير متأثرين بل كانوا ولا زالوا لها رافضون وعلى أنفسهم منغلقون، لم يعرفوا الناس
فتوهّموا أنهم هم المقصودون بقوله تعالى "خيرُ أمة أخرِجت للناس".
- كنا في جمنة الخمسينيات نعيش أحرارا، ورغم فقرنا كانت أنوفنا في السماء، لا
نخفض جناح الذل لأحد إلا احترامًا لكبار السن فينا وكانت المرأة في قريتنا حرة
تستقبل أقاربها وجيرانها في "حُوشها" لا فرق بين رجلٍ وامرأةٍ حتى لو
كان زوجها غير حاضر حينها في "الحُوش"، وتخرج للعمل في
"سانيتها" دون إذنِ أحد، وتمشي في "زنـﭬتنا الحادة" سافِرةً
تضرب بقدميها الأرض شموخا. كنا مجتمعا غير طبقي، لا غنيَّ فينا ولا متسلط.
- الغرب بَنَى ثروته على أكتاف العبيد والأقنان والاستعمار وأخيراً العمال.
أما نحن في الجاهلية فلم يكن اقتصاد الكفاف عندنا يحتاج إلى كثير من العبيد ثم جاء
الإسلام وحث على تحريرهم رغم قلتهم لكن المسلمين فعلوا عكس ما أمر به القرآن
فاستطابوا الجواري والغلمان ولو طبقوا ما جاء في الكتابِ لكان لهم السبقُ في تحرير
العبيد أربعة عشر قرنا قبل قانون أبراهام لنكولن في أمريكا الشمالية.
- الحرية الفردية والمساواة والكرامة قِيمٌ متجذرة فينا إذن ونحن ردمناها
بالطقوس وتركنا المقاصد العليا للشرع وتشبثنا بالنصوص ففسحنا المجال للصوص من
الداخل والخارج.
- الحركة السلفية الجهادية (القاعدة وداعش) هي حركة حداثية، حركة أحدثُ من
الشيوعية، ولو أراد الغرب أن يُشوِّه الإسلامَ لَما نجح في تشويهه أكثر مما شوّهَه
أهلُه، كما شُوِّهت الماركسية من قِبل اللينينيين والستالينيين.
ولو قام محمد بن عبد الله صلوات الله عليه لأنكر على الجهاديين
إسلامَهم، ولو قام ماركس لأنكر على الماركسيين المعاصرين لينينيتهم وستالينيتهم.
- سمعتُ اليوم في الحوار التربوي كلاما لم يعد يستقيم بعد ما سمعتك أيها
الفيلسوف، يقولون: "القِيمُ الغربيةُ، مثل الحرية والمساواة والتسامح وحرية
المعتقد، هي وحدها القِيمُ الكونيةُ". يجب أن يقولوا: "القيمُ
العربيةُ-الإسلاميةُ، مثل الحرية والمساواة والتسامح وحرية المعتقد ولا وساطة
لمخلوق بين الخالق وعبده حتى ولو كان الرسول نفسه، هي القِيمُ الكونيةُ".
وأنا راجعٌ في طريق العودة إلى المنزل، اعترضني مسلمٌ باحثٌ جامعيٌّ لكنه متزمّتٌ
فقال لي "ناصِحًا": "مَن لا يصلي لا ينتمي للإسلام". أجبته في
قلبي: "بالله عليك يا أخا العرب، كنتُ أنا والفيلسوف نجنّح بالإسلام في عالم
القِيم الإنسانية الكونية فأنزلتني إلى حضيض التعصّب والانغلاق والطقوسية المفرغة
من الإيمان، رحمة ربي واسعة وأنتم بفضل جهلكم ضيقتم فيها، ولحكمة لا يعلمها إلا هو
خَلَقَنَا مختلفين وأنتم تريدوننا
كدجاج الحاكم، لا طعم له ولا رائحة. هيا تصبح على خير".
حمام الشط، الثلاثاء 17 ماي 2016.
الرجل الإرهابي الداعشي
هو الإنسان الوحيد الذي يتمتع بحريته الطبيعية السلبية !
الرجل الإرهابي الداعشي هو الإنسان الوحيد الذي يتمتع بحريته الطبيعية
السلبية التي تتجسم في القتل والتنكيل في جهاد الكفار وممارسة الجنس دون حدود في
ما يسمى بـ"جهاد الـ..." !
قبل ظهور الحضارات
وبعدها وقبل ظهور الديانات الأرضية والسماوية وبعدها، كان الإنسان ولا يزال بعضه
حرًّا كالحيوان "حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت" أي تطبيق مفهوم
الانتقاء الطبيعي لداروين. قال الفيلسوف الأنڤليزي هوبز: "الإنسان ذئبٌ لأخيه
الإنسان"، وأنا أقول عن الرجل الإرهابي الداعشي أنه آلة مدربة على القتل تفوق بكثير شراسة
الذئاب يا هوبز !
كانت حرب الكل ضد الكل (Le chaos) تسود العالم حتى الثورة
الفرنسية سنة 1789م، خاف الفردُ أن يفقد حياته فيفقد حريته الطبيعية في المتعة
الجنسية ومتعة القتل، فانبثق فيه حب الحياة (L`instinct de vie) وحكّم عقله خوفًا من الموت
وقال: حتى لا أفقد حياتي سأتخلى عن حريتي (Je t`obéis et tu me
protèges)
لفائدة
سلطة تمثلني (Le contrat social de Rousseau, 1762). أما
الدواعش الوهابيون فهم
لا يخافون من الموت بل يمجّدون وينشرون ثقافة الموت ولا يعترفون حتى اليوم
بالديمقراطية ولا بالعقد الاجتماعي.
هذه المسألة لا علاقة
لها بالدين ولا بالتقدم لأن هذه النزعة الشهوانية والتدميرية نجدها قديمًا عند
الملوك المستبدين وحديثًا عند الديكتاتوريين (سلبوا حرية مواطنيهم دون عقد
اجتماعي)
Les citoyens ont obéi et les dictateurs ne les ont pas
protégés.
والرأسماليين الجشعين
والدول الاستعمارية: كان جل الملوك دواعش عصرهم، كانوا هم الوحيدون الذين يتمتعون
بحريتهم الطبيعية في ممارسة الجنس مع أي امرأة في مملكاتهم ولهم حق قتل أي مواطن
دون أن يُسألوا عما يفعلوا من فواحش أو جرائم. وكان الديكتاتوريون كذلك أيضًا ولا
يزالون، هتلر وبول بوت فَعَلا أشنع مما فعله الدواعش، الأول في ألمانيا، أحرق
اليهود وقتل بالملايين من الروس والناس أجمعين وأخصى الألمان المعاقين واستعمر نصف
العالم، والثاني في كمبوديا أباد ربع شعبه في أربع سنوات. أما الرأسماليون الجشعون
والدول الاستعمارية فلا شيء يردعهم أمام الربح، دمروا دولاً بأكملها، أفغانستان،
الصومال، العراق، ليبيا، سوريا والقادم أظلم وأهانوا وأذلّوا اليونانيين أبناء
دينهم وعِرقهم وبُناة حضارتهم ومؤسسي ديمقراطيتهم.
حمام الشط،
الثلاثاء 27 ديسمبر 2016.
التسيُّبُ السائدُ اليوم
بين المواطنين العرب المسلمين أنفسهم وفي بلدانهم فيه شيء من الشِّرك !
(Le micro-pouvoir foucaldien)
نتذمّرُ من ازدراءِ
الغربيين لِديننا، ونحن المواطنون العرب المسلمون المعاصرون نلعنُ دينَنا في اليوم
مليون مرة، نلعنه بأفعالِنا السيئة و"باردوكسالُّمُون" (Paradoxalement)نمجده في صَلَواتِنا. تَفضحُنا سلوكاتِنا ولن
تُفلِحَ أوهامُنا في سَتْرِ عُيوبِنا.
أن تَنفِي الآخرَ
وتُقصيه وتتجاهله، يعني أنك نَفَيْتَ الله في الآخرَ (الإنسان عمومًا دون تمييز من
أي نوعٍ). قال الله
تعالَى: "وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند
الله أتقاكم"، ولم يقل "إن أكرمكم عند الله مسلِمكم". خَلَقَنَا
مختلفين لِحِكمةٍ نقبلها حتى ولو كنا نجهلها. الله سبحانه غنيٌّ عن صلاتِكَ أيها
المسلم، وعن صيامِكَ وقِيامِكَ، وعن عِباداتِكَ جملةً وتفصيلا. الله مُجرّدٌ حيٌّ
قَيُّومٌ، عالٍ متعالٍ، مستقلٌّ بذاته عن جميع مخلوقاته ولا يحتاجُ لإثباتٍ من
أحدٍ. أما أخوكَ الإنسان فهو في أشد الحاجةً إليك، بل لا يستطيعُ العيشَ بدونك
وبدون اعترافك به كآخر، وإن كفرتَ به فقد كفرتَ بالله الذي خلقه كما يشاء هو
سبحانه لا كما تشاء أنتَ أيها الغِرّ المعتد بنفسه، فاتقُوا الله في خلقِه تفوزون
بالدنيا وقد تفوزون بالآخرة أيضًا.
في مقهى البلميرا سُئِلَ فيلسوف حمام الشط: ما الفضيلةُ يا سي الحبيب ؟ أخذ
نَفَسًا كبيرًا وكأنه يُهيِّئ نَفْسَه للغوصِ في الأعماق ْثم أجابَ قائلاً: الفضيلةُ هي
عادة ممارسةِ الفضيلةِ
(L`apprentissagehabituel de la Vertu)
في الواجب وخارج الواجب، في
البيت والشارع، في الوطن وخارج الوطن، مع المسلم وغير المسلم، مع الصغار والكبار،
مع الرجل والمرأة، مع البشر والشجر والحجر، مع المريض والسليم، مع الحاضر والغائب،
إلخ. الفضيلةُ ليست فِعلٌ أو قولُ يُكتَفَى به أو يُحتذَى به في المناسبات
والمواسم. الفضيلةُ ليست صدقةً من حين لآخر أو شفقةً في المصائب أو فَطرةً نوزعها
في العيد الصغيرِ أو تبرّعًا لبناء جامِعٍ أو خمسَ صلواتٍ نقيمها في اليوم دون
خُنوعٍ لله أو خشوعٍ، أو صيام شهرٍ في السنة فيه البطنُ خاويةٌ والتقوى غائبةٌ.
قال الله تعالَى: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ
وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"، اعملوا لا تعنِي
(Travailler comme
enseignant ou ingénieur ou autre)
ولا تعني الاكتفاءَ بأداءِ الفرائض، بل تعنِي
عملَ الخيرِ.
وما الخيرُ يا سي لَحْبِيبْ ؟
الخيرُ هو العملُ التطوعِيُّ النزيهُ المجرّدُ من
كل غرضٍ دنيويٍّ أو أخرويٍّ (Une occupation complètement désintéressée) دون انتظارِ جزاءٍ أو شكورٍ
من أحدٍ ودون طمعٍ في جنةٍ أو خوفٍ من نارٍ، خاصةً وأن المخدومَ عادةً (الإنسان
المحتاج لأخيه الإنسان ماديًّا أو معنويًّا) لا يملك شيئًا يُقدمه للخادِمِ (الإنسان المانِح) سوى رضاءَ الخادم على نفسه وهذا أعز ما يطمح إليه
الإنسانُ التقيُّ مهما كانت عقيدته، توحيدًا أو إلحادًا. أأنتَ خلقتَه أم الله ؟
سي لَحْبيب يُغنّي وجناحُه يردّ عليه
والغِناء عند حبيب فلسفةٌ والفلسفة عنده حوارٌ أو لا تكون. ومن يا تُرَى يكون
جناحُه بحمام الشط ؟ جناحُه هو العبد الفقير لله الذي نشرَ على لسانه (حبيب) قرابة
العشرين مقالاً.
تدخلتُ في النقاشِ شارِحًا مستشهِدًا بأمثلة
تُؤيد حبيب لأن من عادة الفلاسفة أنهم لا يحبِّذون سَجنَ فكرتهم في مثالٍ حرصًا
على عدم اختزالها، اختزالٌ قد يشوّهها دون قصدٍ
(Les
exemples sont souvent réducteurs)
وقلتُ: انظرْ
للغربيين كيف يحترمون القانون الوضعِي (العقل) والقانون عندهم عالٍ متعالٍ كالإله
عند التوحيديين مع الإشارة أنني كمسلم أنزّهُ الله عن كل تشبيه. بعض الغربيين
يكرهوك كمسلمٍ دخيلٍ مهاجرٍ، لكن لم يمنعهم حقدهم الموروث اجتماعيًّا من أن
يطبّقوا عليك القانون مثلما يطبقوه على أبناء جلدتهم، أي أنهم أناسٌ قادرون على
جهاد أنفسهم وكبح جماح عواطفهم وكتم عنصريتهم وكبتِ غرائزهم الفطرية والمكتسبة
Les réflexesinnés et
conditionnels
وفي الوقت نفسه يُبدون الجيدَ فيهم، بشاشةٌ في الوجه، حُسنُ الاستقبالِ،
رحابةُ الصدرِ وسرعةُ قضاءِ الحاجةِ.. لا يعني
هذا أنهم بلا تقوى ولا روحانيات كما يذهب في ظن الأكثرية من المسلمين المتكبرين
بدينهم، ومن المؤسف أن أقول إنهم -وحتى في هذا الميدان- هم أكثر منا حنانًا على
بعضهم البعض.
ومَن يا تُرى أُمِرَ
بمجاهدةِ النفسِ ؟ هم المسلمون نحن وسميناه جهادًا أكبرَا. جهادُ النفسِ الأمّارةِ
بالسوءِ وما أكثرَ السوءَ عندنا ! والمفروض أن خِشية الله عندنا أعلَى من خِشية
القانون. فهل إذا الفرعُ (خِشية القانون الوضعي الزجري) بعد الثورة ذهبَ، ذهبَ معه
الأصلُ أيضًا (خِشية الله) ؟
نحن فعلنا عكس
الغربيين: فعِوض أن نُلجِم عُدوانِيتَنا المكتسبة اجتماعيًّا، أطلقناها دون لٍجامٍ
كـ"الكلب المسعور" تنهش أعراضَنا وتستبيح مقدساتِنا وتُتلِف قيمَنا
السَّمحة -بأسلحتِهم طبعًا- ولكن للأسفِ الشديدِ بعقولِنا الجامدةِ وأيدينا
الآثمةِ، ولم يسلم من
إيذائها (عُدوانِيتَنا) لا العدوَّ ولا الصديقَ، ووصل شرّها إلى الطريق العام والقطاع
الخاص والعام ونجحتْ في تلويثِ حِسنا العام وذوقنا السليم ونشرتْ القبحَ مكان
الجمال.
خاتمة:
نحنُ أمّةٌ رُحِمْنا
بكثرةِ الصلاةِ وطولِ الصيامِ وابتُلِينا بالكسلِ وعدم إتقان العملِ !
دستورنا لم ينهنا،
قانوننا لم ينهنا، تقاليدنا لم تنهنا، صلاتُنا لم تنهنا، صيامُنا لم ينهنا،
قرآنُنا لم ينهنا، سُنة رسولِنا لم تنهنا، فمَن يا تُرى سينهنا أو يُمحينا -إذا
لزم الأمر- عن بكرة أبينا !
سأل برنار بيفو
(منشط سابق في برنامج "أبوستروف" في قناة أنتان 2) مرةً الفيلسوف بول
ريكار: "لماذا تصلحُ الفلسفة ؟". أجابه ساخِرًا: "لا تصلحُ لشيئ أو
بالأحرى تصلحُ لشيء قريبٍ من اللاشيء (Le Presque-rien) ولكن يبدو أن هذا الشيء
القريبٍ من اللاشيء هو كل شيء".
تصبحون إن شاء الله
على شيء قريبٍ من اللاشيء...
إمضائي
"فلتكن لديك الشجاعة
والجرأة للمعرفة.. و.. اجرؤ على استخدام فهمك الخاص" كانط
حمام الشط، الأربعاء 4 أكتوبر 2017.
الحرية والعدالة
الاجتماعية قِيمتانِ نبيلتانِ، لكن للأسف...
الحرية والعدالة
الاجتماعية قِيمتانِ نبيلتانِ، لكن للأسف لم يتحققا معًا بالتوازي في أي مجتمع
وتحت أي إيديولوجيا أو دين عبر التاريخ القديم والحديث.
لِنبدأ بإعطاء أمثلة من
الواقع ولو أن منهجيتي غير فلسفية وقد سبق أن نبّهتُ قرّائي أنني لستُ فيلسوفًا
وإنما أنا مُحبٌّ للفلاسفة المحبّين للحكمة:
- من المفارقات
أن الإيديولوجيا الشيوعية والديانة الإسلامية يشتركان في إعلاء مبدأ العدل وفي نفس
الوقت يهملان مبدأ الحرية أو يؤجلان على الأقل تطبيقه أو يعتبرانه تناقضًا
ثانويًّا. يبدو لي أن بعض الأنظمة الإسلامية القديمة وبعض الأنظمة الشيوعية
الحديثة حققت نسبيًّا نوعًا من العدالة الاجتماعية في المجتمعات التي حكمتها لكنها
أهملت، وأفضل مثال على ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه (في عهده لم تنقرض
العبودية) وستالين "أب الشعوب" (في عهده سُجن مئات الآلاف في الڤولاڤ
ظلمًا).
- أما الأنظمة
الليبرالية الرأسمالية فقد حققت نوعًا من الحرية الفردية في شكلها البورجوازي
المحدود وفي نفس الوقت فشلت في تحقيق العدالة الاجتماعية وأفضل مثال على ذلك دوامُ
البؤسِ في الهندِ، الدولة الديمقراطية، بمئاتِ الملايينِ وانتشارُ الفقرِ في
الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ بعشراتِ الملايين. وحتى الثراء النسبي الملاحَظ لدى
الطبقات الوسطى في أوروبا قد يكون ناتجًا ومرتكِزًا في أقلّه إذا لم نقل في أغلبه
على نهبِ ثروات العالَمِ الثالثِ منذ أواخر القرن 19 م، عصرِ الاستعمار المباشر،
إلى يومنا هذا، عصر الاستعمار غير المباشر.
سألته: وما قولك في الأنظمة الأسكندنافية الحالية الديمقراطية الاشتراكية،
ألم تحقق لشعوبها الحرية والعدالة الاجتماعية في آن ؟ قال: لِـنُنسّب الأشياء،
صحيح لقد حققت درجة من العدالة الاجتماعية عن طريق ما يُسَمَّى توزيع الثروة التي
راكمتها من الاستغلال الرأسمالي الفاحش في بلدانها ومستعمراتها السابقة. ثم استرسل
يَنقُش: يتوهم المواطن التونسي أن ثورة 17 - 14 ستحقق له عدالةً اجتماعيةً. يكفي
هذه الثورة شرفًا أنها حققت الحرية الفردية للمواطن العادي والمتحزب (على الأقل
وقتيّا)، فأصبح "الخوانجي" التونسي لا يرتعد في فراشه فزعًا عند سماع
محرك سيارة تدخل فجرًا النهج الذي يقطنه، وأصبح اليساري المنتمي يُعلن عن اسم حزبه
في المقهى دون خوفٍ من آذانٍ أو عيونٍ لا تنام. لكن وفي نفس الوقت أفقدت الحريةُ
الليبراليةُ الفرديةُ المواطنَ التونسي توازنَه النفسي بعد ما حرمتة من عكاكيزه التقليدية
التي يتكئ عليها والمتمثلة في الدولة الراعية البقرة الحلوب (état providentiel) والعائلة الممتدة الضامنة اجتماعيًّا
والقبيلة الحامية أمنيًّا. وجد نفسه المسكينُ عاريًا يواجه مصيره بنفسه وهو
المتعود على الكسل الفكري والتواكل الاجتماعي، فأصيبَ بهستيريا المطلبية التي لم
ولن تُلَبَّى مهما صاحَ وأضربَ وقطع الطرقات وبِغيرِ قواه الذاتية اعتصم.
حمام الشط، الأحد 30 أفريل 2017.
العنف الوحيد الشرعي هو
العنف ضد الوَسْواسِ الخَنّاسِ
Étymologie :
Le mot violence vient du latin vis, qui désigne l'emploi de la force
sans égard à la légitimité de son usage.
تفسير الطبري لكلمتَي
الوسواسِ الخَنّاسِ: (من شر الوسواس) يعني: من شر
الشيطان (الخناس) الذي يخنس مرة ويوسوس أخرى، وإنما يخنس فيما ذكر عند ذكر العبد
ربه.
العنف الوحيد الشرعي (Une forme de
violence morale non physique)
هو العنف ضد النفسِ "الأمّارةِ بالسوءِ"، أي الجهادُ الأكبرُ وما
سُمِّيَ جهادًا أكبرَا حسب اجتهادي إلا لأنه يُلغِي كل أنواع العنف الأخرى ومنها
الجهاد ضد الكُفّار غير المعتَدِين، فلو جاهدتَ ضد نفسِكَ لانتفت كل أسبابِ
الجهادِ الأخرى غير الشرعية. أما الدفاع الشرعي عن النفس فرديًّا كان أو جماعيًّا
(الثورات وحروب التحرير) فهو ليس عنفًا بل استعمال القوة (usage de la force) المبرّرِ قانونيًّا ودينيًّا. أضيف إليه احتكار استعمال
القوة من قِبلِ الدولة فهو أيضًا ليس عنفًا بل استعمال القوة العامّة لِمنعِ
العنفِ الذي قد يُسلّطُ على بعضِ ضِعافِ مواطِنِيها مِن قِبلِ بعضِ أقوياءِ
مواطِنِيها الخارِجِين عن القانونِ.
"النفسُ الأمّارةُ
بالسوءِ" هي بلغة العصر مُجْمَلُ الغرائزِ الطبيعيةِ الموروثةِ (Le naturel oul`inné ou les reflexes
automatiques)
والجهاد ضدها هو مُجْمَلُ الصفاتِ المكتسبةِ حضاريًّا وثقافيًّا (Le culturel ou l`acquis ou les reflexes
conditionnels)،
وما الحياةٌ كلها إلا جهادٌ ضد ما هو حيواني في الإنسان ولو أننا نلاحظ أن إنسانَ
اليوم فعل ما لم يفعله الحيوان، ألاَ وهو إبادة أبناء فصيلته وإدخال العالَم في
فوضى عارمة وقاتلة (انظر إلى الحروب الأهلية العربية-عربية والسورية-سورية
والعراقية-عراقية والسنّية-شيعية والسنّية-سنّية والسعودية-يمنية، إلخ).
جميع الشرائع السماوية
والأرضية لا تُبيح القتل والكذب، "مَن قَتَلَ
نَفْسًا بِغَيْرِ
نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ
أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا" (قرآن)، ونحنُ اليوم في
أغلبِنا أكثرُ أمة تقتلُ بعضها بعضا وتكذب على نفسها وتُطرطِر (فصحى: طَرْطَرَ أي
تَكَبَّرَ وفَخَرَ بما ليس فيه) وتدّعِي أنها هي المعنية بقوله تعالى
"كُنتُمْ خَيْرَ
أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ
بِالله"، وليغفِرْ لي ربي قَوْلِي التالي: أظنه عز وجلّ يعني بقوله الأمة
الأسكندنافية المعاصرة لكثرة حسناتها ونُدرةِ ذنوبها ولا يعني به الأمة الإسلامية
المعاصرة لكثرة ذنوبها ِونُدرةِ حسناتها.
أنهِى التغريدة الخارجة عن السرب بقولة نبي اللاعنف، الروح العظيمة غاندي:
"لن يجد العدو عندي مقاومة مسلحة شرعية أو إرهابية قد يستند عليها ويتعلل بها
لكنه سوف يصطدم بمقاومة روحية لا عنفية، حتمًا ستعميه وستهزمه شر هزيمة".
تُرَى ماذا فعل العربُ بعنفهم المسلّح خلال نصفِ قرنٍ ؟ هل حرروا به
الأراضي المحتلة الفلسطينية، أو الجولان ولواء الإسكندرون السوريَّيْن، أو سبتة
ومليلة المغربيتين، أو شط العرب والأهواز العراقيين، أوطُنْبْ الكبرى وطُنْبْ
الصغرى الإمارتيتين أو مَزارِع شبعا اللبنانية ؟
ارتدّ عنفُهم إلى نحورهم والعياذ بالله !
حمام الشط، الأحد 16 جويلية 2017.
الكَوْنِي يتجاوز
الثقافي ولكنه لا ينفيه بل يُقوّيه
L`Universel dépasse le Culturel mais ne le nie pas.
الكَوْنِي هو العقل
والعقلانية والعلم والتقنية (La raison, la rationalité, la science et la technologie) والثقافي هو اللغة والتقاليد
والدين (La langue, les traditions et la religion).
كل
الأمم التي تقدمت تجاوزت الثقافي وانخرطت في الكَوْنِي دون أن تتخلى عن ثقافتِها، أما
الدول العربية ففعلت العكس، لم تكتفِ بالتمسكِ بثقافتِها والاعتدادِ بها، لا بل
قاومت الكَوْنِي بشراسة وتطمحُ إلى كَوْنَنَةِ ثقافتِها ظنًّا منها أن ثقافتِها هي
الأفضل، ناسيةً أو متناسيةً استنتاج العالِم الأنتروبولوجي الفرنسي كلود لِفِي
ستروس الذي يقولُ فيه أن لا وجود لِتفاضُليةٍ بين الثقافات ولا ثقافة أفضل من
ثقافة.
يبدو لي أن مقاومةَ
الكَونِي عند العرب هي ظاهرةٌ حديثة لأن ثقافتهم العربية-الإسلامية هي في حد ذاتها
نتيجة تفاعل بين ثقافات متعددة ومختلفة وهي العربية والفارسية والتركية والهندية
والبيزنطية والأمازيغية، إلخ.
خلال أربعة قرون، من
الثالث إلى السادس هجري (IXe-XIIe ap. JC.) أي من عصر المأمون إلى عصر
ابن رشد تأثرت الثقافة العربية بغيرها من الثقافات المعاصرة لها وأثّرت فيها، غنيت
وأغنت، استفادت وأفادت وخضعت إراديًّا للتثاقف (L`acculturation) فلامست الكَونِي وتقدّم
العربُ.
أما اليوم فهي تُجاهِدُ
للرجوعِ إلى مكوناتها الأصلية من قبلية وعصبية وعنتريات وفوضى مَثَلُها كمَثَل
جسمٍ مُصابٍ بالسرطان حيث تتحول خلاياه المتخصصة السليمة (Des cellules spécialisées saines) إلى خلايا جنينية مرَضية (Des cellules embryonnaires cancéreuses) والسرطان يُصنّف كخللٍ في
جهاز المناعة حيث الخلية تفقد قدرتها على التعرف على أختها، تحسبها جسمًا خارجيًّا
معاديًا فتحاربها بلا هوادة وتقتلها ظنًّا منها أنها تقاوم عدوًّا غازيًا وإلا
فكيف نفسّرُ قتلَ عربيٍّ مسلِمٍ لأخيه العربيِّ المسلِمِ والقاتل والمقتول ينتمون
إلى جسمٍ واحدٍ وأمّةٍ واحدةٍ ودينٍ واحدٍ ولغةٍ واحدةٍ ؟
Les guerres civiles arabes fratricides sont des maladies
auto-immunes d`origine mystérieuse.
خاتمة: لقد نجح الطب في معالجةِ أكثر من
نِصفِ الأمراض السرطانية، أما الكَونِي فهو علاجُ شافٍ للأمراض المجتمعية المتأتية
من الهُويات القاتلة (التعصب بجميع أنواعه، الجنسي والعنصري والديني والقومي
والطائفي واللغوي والجهوي، إلخ).
حمام الشط، الاثنين 26 جوان 2017.
غايات السياسيين
الأخلاقية النبيلة، عادة ما تُخفِي وسائل غير أخلاقية وغير نبيلة
Attention, tous nous guideraient vers l'abîme ‼
بكل جِد كِلانا يدعو إلى
التشكيك الفلسفي في نوايا السياسيين، وخاصة مُدَّعِي الغايات الأخلاقية النبيلة منهم،
فعادة ما تكون وسائلهم غير أخلاقية وغير نبيلة. يبدو لي أن كل قائد سياسي -شيوعي
أو إسلامي- يدّعي قيادة الجماهير إلى الجنة السماوية أو الأرضية هو مراوغ لأن لا
وجود لِجنة أرضية والسماوية علمها عند الله.
سبق لنا وأن جرّبنا
السياسيين الشيوعيين، ستالين وبول بوت وغيرهم، أما الإسلاميون فيبدو -
والعلم بالغيبِ عند الله- أنهم على نهج الشيوعيين سائرون وعلى منوالهم ناسجون وفي الغايات
النبيلة والوسائل غير النبيلة مشتركون وفي اللبّ متشابهون ولا تغرّنّكم أنهم في
الكسوة مختلفون -حمراء كانت أو خضراء- (« L`habit ne fait pas
le moine»). يبدو لي أن في مستنقع
المثالية المتطرفة جميعهم يسبحون وللحقيقة محتكِرون، إنهم لَواهمون ولنا لَظالمون والاثنان على
تونس دخلاء. غرِق
الشيوعيون وحتمًا سيلحق بهم الإسلاميون لو لم يغيروا ما بِهم وإلى ربهم يرجعون،
فالدين يدعو إلى التواضع وعدم التكبّر على خلق الله وأولَى بهم أن يطبقوا هذه
المبادئ على أنفسهم قبل دعوة الغير إلى تطبيقها.
- وَعَدَنا
ستالين بِتحرير عمال العالم وفلاّحيه، غاية جِدُّ نبيلة، ومن أجل تحقيقها قتل
ونفَى وقمع وشرّد ملايين العمال والفلاحين.
- وَعَدَ بول
بوت شعبَه بمستقبل زاهر، غاية جِدُّ نبيلة، ومن أجل تحقيقها قتل رُبع شعبه، مليون
ضحية على أربعة ملايين ساكن.
- وَعَدَ حسن
الترابي السودانيين بِتحقيق العدل الإسلامي، لم يُحقق منه إلا قطع أيادي السرّاق
الجياع، مُنكرٌ شديدٌ تجنبه بِحكمة عمر بن الخطاب عندما عطّل حد السرقة عام
الرَّمَادَةِ حيث
اشتد الجوع جدا وهلك الناس، وللرَّمادَةِ في السودانِ موطن وأعوامُ.
- وَعَدَ
أردوڤان الأتراكَ بالحرية والعدالة، غاية جِدُّ نبيلة، ومن أجل تحقيقها فَصَلَ 167
ألف موظف من عملهم ودمّر بالطائرات بعض مُدُنِ شعبه الكُردِي وشرّد سكّانها.
خلاصة القول: الوسيلة
أهم من الغاية لأنها بِبساطة تُعلن عن النوايا وتُبشّر بالغاية قبل حصولها، و"الجواب بيّن من عنوانه" كما
تقول الحكمة الشعبية، والغاية لا تُبرّر الوسيلة كما أكد
الفيلسوف العظيم كانط (La fin ne justifie pas les moyens. Kant).
حمام الشط، الأربعاء 26 أفريل 2017.
حديث مقهى البلميرا بحمام الشط الغربية
- فيلسوف حمام
الشط، حبيب بن حميدة، ماركسي: الأتراك حررونا من الاستعمار الإسباني الصليبي كما
حرر صلاح الدين القدس من الهجمة الأوروبية-الصليبية. في عهد بن علي، الشيوعيون
هجروا ساحات النضال الصلب وسكنوا في زوايا النضال الرخو في الجامعة والفن
والرابطة.
- مواطن
العالَم، محمد كشكار، يساري غير ماركسي: الأتراك حررونا من الاستعمار الإسباني
الصليبي لكنهم استعمرونا باسم الدين المشترك أربعة قرون أسوا استعمار في التاريخ ويا
ليتهم حررونا ورحلوا عنّا فنكون لهم من الشاكرين. في عهد بن علي،
الشيوعيون أصبحوا من أشرس المدافعين عن حقوق الإنسان البورجوازي، حقوق رفضها ماركس
نفسه.
ما هَلَكَنَا في تونس
إلا "النضال الإيديولوجي" !
أعني النضال بجميع
تمظهراته، الدستورية والنقابية والقومية واليسارية والدينية-الإيديولوجية (وليس
الإسلامية-العقائدية كما فعل أسلافُنا العرب من الصحابة، "الرجال
الأحرار" على حد تعبير الفيلسوف الألماني نيتشه). كلها لم تأتِ لنا بحلولٍ
لمشاكلنا بل زادتها تعقيدًا وحوّلت كل مشكلةٍ عندنا (مشكل له حل) إلى معضلةٍ (مشكل
لا حل له في المستقبل القريب)، وعوض أن ننظر مباشرة في واقعنا نظرنا إلى ما تقوله
الإيديولوجيات المستوردة في واقعنا.
وفدت علينا الدستورية
والقومية والنقابية من العالم الحر (أوروبا وأمريكا)، والشيوعية من الاتحاد
السوفياتي، والإخوانية من مصر والوهابية من السعودية. كلها وافدة ومنبتّة في بلادنا وغير متجذّرة في
ترابنا. كنا مجتمعًا متناسقًا فشتتتنا الإيديولوجيات شِيعًا وأحزابًا وفرّقت بين
الأخ وأخيه وبين الابن وأبيه.
1. "النضال"
الدستوري قسّم البلاد في فجر استقلالها إلى بورڤيبيين ويوسفيين، وقامت بينهم حربٌ
أهليةٌ انتصر فيها الأقربُ لأطروحات فرنسا الاستعمارية لا الثورية.
2. "النضال" النقابي انتشر في غير موضعه الطبيعي، أي في
القطاع العمومي عوض القطاع الخاص، مَهْدُ نشأته وسِرُّ نجاعته. حسب رأيي يجب مَنْع
الإضراب في القطاع العمومي لأن كل يوم انقطاع عن العمل يدفع ثمنه دافعو الضرائب لا
الرأسماليين.
3. "النضال" القومي جزّءنا أكثر ممّا وحّدنا وجلب لنا
الهزيمة تلو الهزيمة، 48، 56، 67، 73، 2003 والقادم أشوم.
4. "النضال" اليساري، صراعُ طبقات أردنا تطبيقه في بلدٍ لم
تتكون فيه الطبقاتُ بعدُ لأن الطبقة يحددها وعيُ الطبقة بنفسها كطبقة وليس مستواها
المادي:
La classe est déterminée par sa
conscience.
5. "النضال" الديني-الإيديولوجي (وليس الديني-العقائدي) ضد
العلمانيين المسلمين أنتج حروبًا أهلية مدمِّرة لقوانا الذاتيّة في مصر والسودان
والجزائر وسوريا والعراق ولبنان واليمن (إضافة جديدة في 12 أكتوبر 2024: و"القاتل والمقتول في النار" كما قال
أخيرًا صديقي، الإسلامي التونسي، الديداكتيكي منصف الساكري).
خاتمة: هذا وصفٌ وليس تحليلا لكنها نتيجةٌ كارثيةٌ لا أجد لها تفسيرًا ولا
تبريرًا. خللٌ في المناعة أصاب الجسم العربي (Une maladie
auto-immune)،
مرضٌ عُضالٌ لا علاجَ له لأن مضاداتنا الحيوية (Les anticorps) أصبحت لا تُفرّق بين الأخ
والعدو (Le soi et le
non-soi)
بل تقضي على الأول قبل الثاني. ضعُفت مناعتُنا الداخلية حتى أصبح كيانُنا عُرضةً
للأمراض الانتهازية (Les maladies opportunistes) وأصبحت أوطانُنا مستباحةً من قِبل الأعداء
الضعفاء قبل الأقوياء. علينا إذن تحطيم الإيديولوجيات وبناء الكفاءات. فهل يقدر
على هذا "مناضلونا" ؟
(Les
militants et les activistes de tous bords)
مناضلونا "الأشاوس" لا
يجدون وقتًا كافيًا للتفكير، همهم الوحيد يتمثلُ في الوصول إلى السلطة حتى ولو
كانت على حساب إخوانهم في الوطن والدين واللغة والثقافة.
لو كنتُ في السلطة -ولن أكون فلا تفزعوا أيها "المناضلون"-
لَمنعتُ كل "المناضلين" الإيديولوجيين بجميع تلويناتهم من تولِّي
المناصب العليا في الدولة، وعوض أن أكرّمهم، سوف أحاسبهم على الفُرَصِ التاريخية
التي فوّتوها علينا للحاق بِرَكْبِ الدول المتقدمة وأفضَلُها عندي اليوم ووقتيًّا
هي الدول الأسكندنافية الأكثر عدلاً والأقل إيديولوجية !
ملاحظة ديونتولوجية: رجاءً هاجموا الفكرة ولا تشتموا ناقلَ الفكرة
أو صاحبَها (وحيدُ زمانه، وهو جليسي اليومي المفضّل في مقهى البلميرا بحمام الشط الشرقية، المقهى
الثقافي التي تتحطم فيه الإيديولوجيات، كل الإيديولوجيات).
حمام الشط، الأربعاء 2 أوت 2017.
نحن
هنا لِهَدْمِ الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ للفِعلِ الثورِيِّ، نحن الفلاسفة
والمفكرون الأحرار
قال: "أنا ماركسيٌّ، غير منتمٍ لِأي حزبٍ، أحاورُ
الجميع دون إقصاء ودون خلفيات إيديولوجية ودون أفكار مسبقة، أحاورهم من أجل هَدْمِ
الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ للفِعلِ الثورِيِّ لدى كل المتحزبين المؤدلَجين،
وخاصة لدى رفاقي الماركسيّين-اللينينيين التونسيين (أي
الستالينيين) حيث كبّلَ الوعيٌ الماركسيُّ فِعلَهم عِوَضَ إسْنادِهِ. عمومًا، كلما زادَ
الوعيُ، نقصَ الفعلُ
La conscience
idéologique et l`action révolutionnaire sont
inversement proportionnelles.
ما هو الوعيِ الإيديولوجي المُكَبِّلِ ؟
هو الوعيُ المتأتّي من فوق، من كُتبِ الإيديولوجيات
(الليبرالية، القومية، الماركسية، الإخوانية، السلفية). وعيٌ لا يرى الواقع الفاقع
(الصافي). هو الوعيُ الذي ينشره المتحزبون، من جميع المشارِبِ، لإقناع الناس
بوجاهةِ مشاريعِ أحزابهم (L` Embrigadement des partisans). أصنِّفه، أنا مواطن العالَم،
وأضعه في أسفلِ درجاتِ الوعيِ وأحَطِّها. وعيٌ يسجنُ حامِلَه في خانةٍ ضيقةٍ
مظلمةٍ، لا ولن تدخلها الشمسُ ما لم يكسِّرْ الحاملُ أسوارَ سَجنِهِ. قال عنه
سارتر، منذ 1948:
Les idéologies
sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites.
وبِما أنني لستُ فيلسوفًا فسأضرِبُ لكم مثالاً من الواقع
التونسي الملموس، ولو أن الفلاسفة لا يحبون ضربَ الأمثلة وأنا أوافقهم، لأن المثال
عادةً ما يكون محدودًا جدًّا وقد يختزل الفكرة وربما يشوّهها (L`exemple réduit
souvent l`idée): مدينة ڤعفور في ولاية سليانة، مدينةٌ عُمّاليةٌ وقلعة النضال
اليساري منذ الستينيات أو قبلها، أي مدينةٌ عَشَّشَ فيها الوعيُ الماركسيُّ-اللينينيُّ
الإيديولوجيُّ الكلاسيكيُّ الأورتدوكسيُّ (أي الستالينيِّ) وباضَ وفرّخَ، أما
مدينةُ جمنة في ولاية ڤبلي، فهي مدينةٌ محافظةٌ بعيدةٌ جغرافيًّا عن العاصمة ولم
ينتشر فيها أقل أنواع النقد رغم محاولاتنا المتواضعة سنوات السبعينيات
(نحن اليساريون الجمنين وأنا واحد منهم)، واليوم ليس لنا في جمنة إلا يساريٌّ
واحدٌ وحيدٌ، يساريٌّ من نوعٍ جديدٍ أحبِّذُهُ، يساريٌّ متماهٍ مع بيئته
العربيةِ-الإسلاميةِ، يساريٌّ يؤدِّي صلواته الخمس بالحاضر، يساريٌّ أفتخرُ به
ويفتخرُ به أيضًا كل الجمنين، يساريون وقوميون وإسلاميون وعاديون، بل ويفتخرُ به
كل العالَم لما أنجزه للصالح العام تطوّعًا، هو وأعضاء "جمعية حماية
جمنة" وأرشحهم جميعًا لنيل جائزة نوبل. تضمّ المدينتان أراضٍ دولية يستغلها
مستثمرون فاسدون. جمنة طردت الفاسد واسترجعت أرض أجدادها إبان الثورة منذ 12 جانفي
2011، أما ڤعفور الواعية فقد كبّلها وعيُها ولم تحرِّك ساكنًا ضد مستثمريها
الفاسدين.
تقف المقارنة عند هذا المثال، لا يعني هذا أن الجمنين
أفضل من الڤعفوريين، ربما يتفوّقون علينا في محطات نضالية أخرى أشمل وأنفع لتونس،
سكان ڤعفور أنجبوا المناضل الشيوعي البطل نبيل بركاتي، شهيد تونس وشهيد حزب العمال
الشيوعي التونسي (POCT)، استشهدَ المربّي الشاب (معلم) تحت التعذيب في مركز الشرطة
بڤعفور، ورموا جثته في السكة في أواخر العهد البورڤيبي سنة 1987 حين كان بن على
يشغل منصب وزير الداخلية. تحياتي الصادقة لكل الڤعفوريين، أكون جاحدًا إن أنا
أنكرتُ كرمَهم الحاتميَّ واستقبالَهم الرائعَ لشخصي ومرافقي الجمني،
عندما زرناهم أخيرًا لإلقاء كلمةٍ حول تجربةِ جمنة، بدعوى من رئيس جمعية
"ذكرى ووفاء"، صديقي وزميلي المناضل الحقوقي رضا بركاتي ومن صديقي رضا
الجويني.
خاتمة: ماذا يَنْشُدُ الفلاسفةُ
؟ يَنشُدون وعيًا نقديًّا فوق الوعيِ الإيديولوجي وضدهُ. وعيٌ يتطلبُ ثقافةً
واسعةً وإقرارًا بالعلاقة الجدلية القائمة رغم أنوفنا وأنوفهم بين الوعيِ والفعل
حتى يصبحان متناسبين (Proportionnelles) وليس متضادّين (Inversement
proportionnelles).
حمام الشط، الأحد 14 جانفي 2018.
دردشة مقاهي بين فيلسوف حمام الشط (ماركسي) ومواطن
العالَم (يساري غير ماركسي) حول دخول الإسلام إلى تونس: هل هو استعمارٌ أو فتحٌ ؟
الفيلسوف يغنّي وأنا أردّ عليه !
مواطن العالَم: القرطاجنيون
والفرنسيون استعمرونا ولم يختلطوا بالسكان الأصليين (Les indigènes: les
berbères)، أما الإمبراطورية الرومانية فقد منحت المواطنة لكل التونسيين (La Pax Romana :
entre 29 av J.C. et 180 ap J. C)، لكن التونسيين لم يترَوْمَنوا ! جاء الإسلام العربي فأسلموا ثم تعرّبوا
!
فيلسوف حمام الشط: فى الإسلام، يكفي ان
تقول "أَشْهَدُ
أَنّ لَّا إِلَٰهَ إِلَّإ الله وأَشْهَدُ أن محمداً
رسول الله"، لِتُصبحَ بين لحظةٍ وأخرى مواطنًا كامل الحقوق، حلٌّ منقِذٌ
سهلٌ ومريحٌ في الدنيا والآخرة.
مواطن العالم: كنتُ أقول عن الحضارة العربية الإسلامية مقارنةً بالحضارات
الأخرى المعاصرة لها (الفارسية، البيزنطية، الصينية، الهندية)، أنها لم تبنِ ولم
تُشيّد قصورًا ولا دورَ عبادةٍ فاخرةٍ، ولم تترك لنا آثارًا كالتي تركتها الحضارةُ
الفرعونيةُ. والآن فهمتُ أنها لم تبنِ ما بناه الأوائلُ بسببِ عدلِها النسبي
وانعدام العنصرية والإقطاعية في نظامها الاجتماعي، لكنها بَنَتْ ما هو أهم، بَنَتْ
فكرةً، وبها هزمت أعتى حضارتين غنيتَين منافِستَين (البيزنطية والفارسية)، ثم أسست
فوق أراضيهما إمبراطوريةً مترامية الأطراف انطلاقًا من صحراءٍ قاحلةٍ فقيرةٍ.
كنتُ أردد أيضًا استنتاجَ عالِمة الإنسان جاكلين الشابي (Anthropologue)، التي تقول فيه أن الفتوحات في العهد
الأموي تمت بِـواعزٍ قَبَلِيّ وليس إسلامي. والآن فهمتُ أنها تمّت بِواعزٍ قَبَلِيّ
وإسلامي في نفس الوقت، لأن القوة المادية الخالية من فكرة تسندها لا يمكن أن
تُمكّنَ قبائل عربية بدوية من نصرٍ ساحقٍ على دولٍ مركزيةٍ عريقةٍ. ثم أنهيتُ
كلامي بطرحِ الإشكالية التالية: لماذا لا نرى مثل هذا النقاش الهادئ حول مسألةٍ
مهمّةٍ كهذه لدي المنتمين لأحزابنا اليسارية ؟
فيلسوف حمام الشط:
Tu cherches midi à 14h. Ils sont embrigadés. Et qu`est-ce que
l`embrigadement ? C`est ne plus penser par soi-même.
مواطن العالم: المفروض أن ماركسيينا، خلافًا لرفاقهم الغربيين، هم مواطنون
خالون من العوائق النفسية (Les obstacles psychologiques) التي
قد تمنعهم من حب الإسلام والمسلمين بما أن أهلهم مسلمون، لكن يبدو لي أن العوائق
المعرفية هي التي تمنعهم (Les obstacles épistémologiques).
فيلسوف حمام الشط: المفروض.. الوهمُ...
هل الهُوية تَصنعُ
الفردَ وتسبِقُ وجودَه أو الفردُ هو الذي يصنع هُويتَه ؟
قال الفيلسوف الفرنسي سارتر (1905-1980) -
فيما قال - قولَتَيْن شهيرَتَيْن:
القولة الأولى: "كل الكائنات تسبقها هُوياتُها إلا
الإنسان، فهو الكائن العاقلُ الوحيد الذي يُحدد هُويتَه بِنفسِه"
(L`Homo
Sapiens, âgé de 50 mille ans)
مثال 1: الكرسي أو الطاولة أو الشبّاك،
كائنات جامدة تسبقها هُوياتها في مخ النجار قبل صُنعِها.
مثال 2: النحلة أو النخلة: كائنات حية تسبقها
هُوياتها مُبرمجة مسبّقًا ومكتوبة بِلغة رمزية في جيناتِها (Leurs codes génétiques différents) داخل صِبغِياتِها الموروثة قبل
ولادتها وهي التي تُحدد صفاتها وسلوكياتها طيلة حياتها (L`ensemble des chromosomes de leurs ADN).
أما الإنسان ورغم أنه ورثَ جيناته عن
والِديْه فهو مختلِفٌ عن النبات والحيوان بِفَرادَتِه لأن موروثه الجيني لا يُحدد
قُدراته الذهنية مثل الذكاء والعُدوانية (Ses performances
intellectuelles)
مع العلم أنه هو أيضًا يخضع لِقانون الوراثة وتطبيقاته المكتوبة في جيناته
الموروثة
(Création
divine pour les croyants, Évolution darwinienne pour les non-croyants)
وهي التي تُحدد وبصفة مسبقة صفاته الجسمية
مثل لون العينين ونوع الفصيلة الدموية. لكن الذكاء عند الإنسان لا يُورّث كليًّا
في الجينات بل هو صفة ذهنية تنبثق مِن تفاعل الجينات مع المكتسبات (التربية
والتعليم والتجربة والخطأ، إلخ.). أما الهُوية فهي تنبثق من تفاعل الموروث الحضاري
مع المكتسب الثقافي، وهي مفهومٌ متحركٌ يتأثر بالتاريخ وليس مفهومًا ساكنًا
عابِرًا للتاريخ، وهي كالكائن الحي تأخذ مُغذيات فكرية من مصادر متنوعة (تربية،
تراث، تاريخ، جغرافيا، دين، لغة، فكر محلي ومستورد، حروب، إرهاب، فقر، غِنَى، إلخ)
وتستوعبها ثم تهضمها فتترك بصمات بيولوجية على الوصلات العصبية المُخِّيّة (Les synapses) التي تحفظ الموروث وربما تصنع
وتنتج وتبدع وتبتكر قِيمًا جديدة أكثر ثراءً وإيمانًا بِإنسانية الإنسان وأكثر
إحساسًا بِعالمية مصيره وأكثر تفتّحًا على الآخر وأكثر احترامًا للغير مهما كان
هذا الغير ما لم يعتدِ على غيره ماديًّا أو رمزيًّا.
القولة الثانية: "كل الإيديولوجيات تدعو للحرية وتطبق العدلَ عند بداية تَشكُّلِها، وما
إن تتمكن من السلطة حتى تصبح هي نفسها تقمع الحريات وتحرص على الحفاظ على سلطتها
المتكلسة وتُقنِّنُ الظلمِ وتُحاول أن تُؤبِّدَه".
Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand
elles sont faites. Sartre Jean Paul, 1948, qu’est-ce que la littérature ?
collection idées / Editions Gallimard p.193.
أعني بالإيديولوجيات، الليبرالية الرأسمالية والشيوعية وتأويل الدين
(وليس الدين المحفوظ في النصوص المقدسة) والبوذية والكونفوشيوسية وغيرها، كلها
جاءت لِتنظيم حياة البشر وهذا مكسبٌ جيدٌ وتطوّرٌ إيجابيٌّ، لكن أصحابَها ومن فرطِ تَكبُّرِهِم
يدّعون أن ليس لِسُنَنِهم تبديلا.
(L`Orgueil
de l`Homme, c. à d. L`instinct animal, primitif et réducteur)
إذا كانوا مؤمنين فهذا شِرك بِالله وفَرعَنَة
لأن سُنة الله وحدها ولا غيرها ليس لها تبديلا (النص المقدس ثابِتٌ وهو الدين أما
تأويل البشر للنص المقدس فهو إيديولوجيا والمفروض أنه يتغير مع تَغيُّرِ حياة
البشر ويتطور مع تَطوُّرِ مجتمعاتهم)، وإن كانوا ملحدين ماديين فأحرَى بهم أن
يعترفوا بِضعفِ الفرد وهو حسب فلسفتهم آتٍ مِن عدمٍ وذاهبٌ إلى عدمٍ.
يبدو لي أن بعض الفلاسفة المصابين بجنون
العظمة وبعض رجال الدين المتزمتين مِن مُبدِعِي الإيديولوجيات القديمة والحديثة
يظنون أنهم وحدهم أتوا بِما لم يأت به الأوائل ويتصورون أيضًا أن أيديولوجياتهم هي
نهاية التاريخ ولن يأتي بِأفضلِ منها بعدهم أحدٌ.
أرجو من الله أن يُجنّبنا تزمت رجال الدين
(مثل سيد قطب والمودودي -بأمانة علمية قرأتُ للأول وسمعتُ عن الثاني- وشيوخ
التلفزة) وأرجو من الفلاسفة المتواضعين المعاصرين الأحرار (Les libertaires de
Gauche)
مثل أمين معلوف وشلومو ساند وميشال أونفري -النيتشوي النزعة- أن يتفلسفوا
بِالمِطرقة ويهدِموا أنظمة زملائهم المتكبّرين الغابرين مثل كانت وهيڤل وماركس
وسارتر وهنتنڤتون وغيرهم كثيرون (Philosopher à coups de marteau, Nietzsche).
حمام الشط، الجمعة 14 أفريل 2017.
الأحزابُ اليسارية التونسية ترى في المجتمع
التونسي ما تريد هي أن ترى، لا ما يريد الواقعُ أن يرى ؟
الأحزابُ اليسارية تُحلل المجتمع التونسي باستعمال مفاهيم ماركسية (Des concepts marxistes)، مِثل: بورجوازية، بروليتاريا،
الصراع الطبقي، إلخ. مفاهيم لا تنطبق على المجتمع التونسي.
في الماركسية، تُعرَّفُ
الطبقة بالوعي الطبقي (La conscience de classe). في تونس يوجد عمال ورجال أعمال
لكنهم غير واعين بانتمائهم الطبقي بالمفهوم الماركسي، والدليل: جل العمال منخرطون في
أحزاب يمينية
ويصوتون لها (النداء والنهضة)، وأكثر المنتمين للأحزاب اليسارية هُمُ بورجوازيون
صغار بالمعنى الماركسي للمفهوم (موظفون، أساتذة، معلمون، محامون، أطباء، فنانون،
إعلاميون، صحفيون، ونادرًا ما نجد فيهم عمالاً أو فلاحين).
بورجوازية صغيرة مثقفة
وواعية بانتمائها الإيديولوجي لكنها تتجاهل ماذا قال ماركس نفسه فيها هي بالذات:
طبقة انتهازية متذبذبة، غير صادقة في انتمائها الحزبي للطبقة العاملة، وغير موثوق
في إخلاصها وولائها لها. طبقة تقلد نمط عيش البورجوازية (موضة، تحرر من التقاليد،
فرنكوفونية، عشق الفنون بجميع أنواعها، الدين بالنسبة إليها مسألة شخصية أو أفيون
شعوب أو بِنية فوقية، إلخ.). وما دام الوعي الطبقي مفقود فالصراع الطبقي بالمعنى
الماركسي الواعي للمفهوم مفقود أيضًا، ولا وجود له في تونس إلا في الكتب وفي عقول
بعض الماركسيين.
إمضاء مواطن العالَم
"أنا عند الإسلاميين شيوعي وعند الشيوعيين إسلامي ! لأن
المفكر الحر يستحيل تصنيفه.." المفكر الإيراني الإسلامي الحر علي شريعتي،
صديق الفيلسوف الفرنسي اليساري الملحد جان بول سارتر الذي قال: "لو أجبِرتُ
يومًا على اختيارِ دينٍ، لاخترتُ دينَ صديقي علي شريعتي".
يا أولِي الألباب، حاربوا
Votre AND,
héréditaire, sauvage, agressif et égoïste.
بواسطة:
L`épigenèse
cérébrale, acquise, éducatrice, altruiste et civilisatrice (Sujet de ma thèse
de doctorat en didactique de la biologie, UCBL1, 2007.
حمام الشط، السبت 30 مارس
2019.
سؤال في المقهى: لماذا
لم يتوحد اليسار التونسي المتحزب المعاصر ؟
حبيب: أكثر المحللين
يرون أن العائق الأكبر للوحدة يتجسم في حب الزعاماتية لدى الأمناء العامين للأحزاب
اليسارية، أما أنا فأرى أن العائق الحقيقي أعمق من ذلك بكثير ويتمثل في اختلاف في
البرامج والأهداف بين يسار راديكالي و يسار ليبرالي:
1. اليسار
الراديكالي: حزب العمال، حزب الموحد، حزب الوطد الثوري الماركسي اللينيني. أحزاب
ماركسية تطمح استراتيجيا إلى إقامة دولة اشتراكية على المنوال اللينيني-الستاليني،
لكنها تكتيكيا تتعامل مع الواقع كما هو.
2. اليسار
الليبرالي: حزب العمل الوطني الديمقراطي، حزب المسار، حزب التكتل (اشتراكي
ديمقراطي)، حزب الجمهوري (يسار وسط). أحزاب يسارية تطمح استراتيجيا إلى إقامة دولة
ديمقراطية (قطاع عام + قطاع خاص) على المنوال الفرنسي أو الألماني أو الأسكندنافي
وتتعامل مع الواقع بشفافية تامة دون خطاب مزدوج ودون بديل جاهز.
محمد: أضيفُ تيارًا
يساريًّا ثالثًا غير موجود في تونس لكنه موجود بقلة في فرنسا وأبرز مفكريه
الفيلسوف ميشيل أونفري الذي يعرّف نفسه كالآتي: يساري غير ماركسي، غير ليبرالي (Anti-libéral,
Anti-capitaliste, Anti-impérialiste)،
تحرّري (Libertaire)، فوضوي ( Anarchiste Proudhonien)، أؤمن بالنظام (L`ordre est le but suprême de l`anarchie) والتسيير الذاتي (Auto-gestion) والتعاضد والتضامن والدولة الفدرالية (Solidarité, coopératisme à but social non
lucratif, fédéralisme )
وأقبل باقتصاد السوق في خدمة المجتمع وأرفض سيطرة السوق على المجتمع.
حبيب: أعرّف نفسي
كالآتي:
- إيديولوجيا:
ماركسي.
- فلسفيا:
تحرّري الحلم.
- واقعيا:
اشتراكي-ديمقراطي على المنوال الأسكندنافي.
مواطن العالَم: أعرّف نفسي كالآتي:
- إيديولوجيا:
يساري غير ماركسي.
- فلسفيا: تحرري
الحلم.
- واقعيا:
اشتراكي-ديمقراطي على المنوال الأسكندنافي.
حمام الشط،
الإثنين 29 أوت 2016.
ليبراليتُهم وليبراليتُنا ؟
الأنظمة الغربية
الرأسمالية الليبرالية فيها كثيرٌ من الإيجابيات وقليلٌ من السلبيات بالنسبة لهم،
أما نحن في تونس فقد نجحنا في التأليفِ بين سلبياتِهم جميعًا، وصنعنا منها
ليبراليتَنا المشوّهةَ:
1. صناعةُ الغربِ فيها كثيرٌ من
المصانعِ قليلةُ التلويثِ وقليلٌ من المصانعِ كثيرةُ التلويثِ، أما مصانعُنا فجلها
على قلتها كثيرةُ التلويثِ (المصانع الكيميائية بصفاقس وڤابس).
2. فلاحة الغربيين
تنتِجُ الأغذيةَ الأساسيةَ وتصدّرُها لنا (الحبوب بأنواعها)، أما فلاحتُنا فقد
اختصّت في إنتاجِ الأغذيةِ غير الأساسيةِ وتصديرِها لهم (برتقال، دڤلة، زيت زيتون،
إلخ) حتى أصبحنا نُنعتُ بِسلّةِ الغربِ للفواكهِ: لو لم يصدّروا لنا حبوبَهم أو
بذورَهم واحتفظَوا بها وخزّنوها لَمِتْنا جوعًا، وفي المقابلِ لو لم نصدّرْ لهم
فواكهَنا لَفسدتْ وأفلستْ فلاحتُنا التابعةُ للغرب.
3. عندهم
مستشفياتٍ عموميةٌ تنافسُ المصحّاتَ الخاصةِ، أما مستشفياتنا فأفضلُها ملك الخواصّ.
4. تعليمُهم
العموميُّ ما زال منتِجًا للكفاءات،يونافسُه تعليمٌ خاصّ، أما تعليمُنا فمِن
الخارجِ عموميٌّ ومن الداخلِ خاصٌّ (L`étude).
5. برلماناتُهم
تجسّمُ سيادة شعوبِهم، أما برلماتُنا فتجسّم سيادة صندوق النقد الدولي والبنك
العالمي وتفرِّطُ في سيادةِ شعوبِنا.
6. سلاحُهم
المتطوّرُ يبيعُوه لعدوِّتنا إسرائيل، ولا يبيعُوننا نحن العرب إلا
"الخُرْدَة".
7. اقتصادُهم كله
منظمٌ ويدفعُ الضرائبَ، أما اقتصادُنا فنصفُه مُوازٍ يتهرّبُ من دفعِ الضرائبِ.
8. نقاباتُهم
تتفاوضُ وتتجنّبُ الإضرابَ قدرَ المستطاعِ (آخرُ إضرابٍ في التعليم الفنلندي عام
1994)، أما نقابتُنا فتُضرِبُ من أجلِ فتحِ بابِ التفاوضِ.
9. تلفزاتُهم
تبثُّ برامجَ تثقيفٍ وبرامجَ ترفيهٍ، أما تلفزاتُنا فلا ترفيهَ فيها ولا تثقيفَ،
بل جلها تهريجٌ، تخاريفٌ وتخريفٌ.
10. ثوراتُهم
نقلتْ مجتمعاتِهم نقلة نوعيّة أي من الإقطاعية إلى الديمقراطية، أما ثوراتُنا،
وللأسف، وبعد سبعِ سنواتٍ عِجافٍ، لم تُفرزْ إلا الانتهازيةَ والمحسوبيةَ وغيابَ
الانضباطِ في العملِ وانعدامَ احترامِ التراتُبيةِ الإداريةِ والأكاديميةِ.
في المنطق الإسلامي، يبدو لي أنه لا يصحُّ أن نقول: "أنا مسلمٌ
صالِحٌ، وأنت مسلمٌ طالِحٌ"
"ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء" (قرآن).
يكفي أن تدّعي قولاً أنك صالحٌ عقائديًّا فقد زكيتَ نفسَكَ. الصلاحُ الكاملُ
صفةٌ من صفاتِ الله ولن يبلغها بشرٌ مهما أوتِي من حكمةٍ.
"إِنَّ
رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ
أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ" (قرآن).
يكفي أن تحكم على بشرٍ بالطلاحِ العقائديِّ فقد تجاوزتَ حدودك (La
finitude humaine) واستشرفتَ مستقبله ودخلت في علم الغيب، علم يختص به الله وحده ولا يشاركه
فيه بشرٌ ولا حتى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم.
محمد الشعراوي: "حديث رسول الله لمّا مرّت جنازة
يهودي، أخذ الرسول يبكي، فقالوا ما يبكيك يا رسول الله، قال نفسٌ أفلتت منّي إلى
النار" (موقع منتديات شبكة الأسهم القطرية). لاحِظ أن الرسول لم يستشرف
مسبقًا ساعة اليهودي، ولم ييأس من هدايته إلا بعد وفاته، فَرَقّ قلبه وبكى أسفًا
لأنه لم يقدر على إنقاذ نفسٍ بشريةٍ من النار.
لو فعلنا عكس ما فعل الرسول لَكنّا من المخطئين.
يحضرني مثال الفيلسوف الفرنسي روجي ڤارودي الذي أسلم وهو في سن 69 عامًا بعدما كان
شيوعيًّا ملحدًا. ليس صدفةً أن يُتركَ بابُ التوبةِ مفتوحًا على مصراعَيه حتى
الرمق الأخير على شرط أن يكون الطمعُ في رحمةِ الله الواسعة عفويًّا وليس
انتهازيًّا أو مبرمجًا سلفًا.
أما الحركات الإسلامية السياسية السنية (إخوان،
سلفيون، قاعديون أو دواعش) التي تدّعي أن الله اصطفاها لتحقيق مشيئته على الأرضِ
مثلما يدّعي بَابَا المسيحية أو مرشد الشيعة، فالله لم يصطفِ من البشرِ إلا
المُصطفَى. اصطفاه الله وعصمه من الخطأ، لم يكلفه بفرض شريعته سبحانه بالقوة بل
كلفه بتبليغ رسالته، بيانه وقرآنه، وقال له آمرًا: "فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ". فإن كان الرسول، جل قدرُهُ،
مذكِّرًا، فهل يحق لمرشد الشيعة أو أمير الحركات الإسلامية السنية أن يسيطروا ؟
مشيئةُ الله لن يحققها على الأرضِ إلا الله، لأنه هو وحده الذي يعرفها مسبقًا.
الله خلق عبدَه (Sa créature) جسمًا
وروحًا، خلقه
(Ni bête ni ange, un mélange faible
et instable)
وجعل بين الجسم والروح تفاعلا وتبادلا ورحمةً ومودةً،
ثم أسكنَ الجسمَ نفسًا "فَأَلْهَمَهَا
فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا". بإرادته العلِيّة، خلقَ بشرًا ناقصًا وما على
المخلوقِ الناقصِ إلا التسليمُ والانحناء أمام عظمةِ الخالقِ الكاملِ. الروحُ
مجرّدةٌ عاليةٌ ساميةٌ وهي من أمرِ ربي (C`est à dire insaisissable et intouchable)، أما
الجسمُ فهو من خلقِ الله أيضًا، بناه على غير الروح، بناءه بناءً ماديًّا محسوسًا
وهشًّا وذلك لحكمةٍ نجهلها. فإن ضعُف الجسمُ وعصا ربه، فهل يحق لنا أن نعذبه أو
نقتله أو نحرقه ؟
الله خلقه ضعيفًا فهل تريدون لخلقِ الله تبديلا ؟
أتبغون تنصيبَ أنفسكم فوق مشيئة الله ؟ أأنتم أدرَى بمستقبل الفرد أم الله به أعلمُ
؟ أنظرتُكم أشملُ أم نظرة الله ؟
أيها الإسلاميون السياسيون المتطرّفون الذين لأنفسهم
مُزَكُّونْ وعلينا حُكّامٌ مُنصَّبون وفي رقابنا متحكمون ولديننا محرّفون وفي الشر
تفتون ومن فِعل الخير تتنصلون، أيها المتكبّرونْ المتعصبونْ الاستئصاليونْ الإقصائيونْ،
حراسُ المعبد المزيفونْ: في الحق والباطل تكبّرون ؟ في السلم والحرب تكبّرون ؟ في
المظاهرات تكبّرون ؟ في قتل الكفار تكبّرون ؟ في قتل المسلمين تكبّرون ؟ في نسف
بيوت الله تكبّرون ؟ في الانتخابات تكبّرون ؟ في الإضرابات تكبّرون ؟ أمام
قصر العدالة تكبّرون ؟
الله كبيرٌ برحمته ولا
يحتاجُ إلى تكبيركم بمناسبة ودون مناسبة، أما أنتم فصغارٌ كالبعوض أو أقل، صغارٌ
بأفعالكم المشينة، صغارٌ بحروبكم الأهلية والطائفية والعرقية، صغارٌ بتكبّركم،
صغارٌ بسيطرتكم على خلق الله، صغارٌ باستباق مشيئة الله، فلْتعلموا أن لا وجود لمسلمٍ
مثالي إلا في خيالكم ولا وجود لعاصٍ أبديٍّ إلا لِقصرِ نظركم. اتقوا الله في خلق
الله، تنحّوا جانبًا، حلّوا عن سمائنا واتركوا الحساب للخالق فهو الأرحم بعباده.
حمام الشط، الاثنين 27 نوفمبر 2017.
الرجل الخارِق أو إرادة
القوة عند الفيلسوف نيتشه ؟ محاضرة في اليوتوب ألقاها الفيلسوف ميشال أونفري. ترجمة
وإعادة صياغة مواطن العالَم، تعليق حبيب بن حميدة
Titre : Le surhomme ou la volonté de puissance ou le vouloir vers
la puissance.
كانت أخْتُ نيتشه تشوّه
فِكرَ أخيها بعد موته. على عكسِ أخيها، لقد كانت صديقةً لِهتلر وموسولوني، وكانت
تكره اليهود، وتزوجت من رجلٍ ناشطٍ عنصري ضد اليهود (Antisémite). لقد تعسّفتْ في تأويلِ فكرةِ أخيها حول
"الرجل الخارِق أو إرادة القوة" وأظهرته وكأن فكرتَه هذه تبشّر بالنازية
والفاشية وهو بريء من سوء نيتها أو جهلها أوعدم فهمها.
ما هو إذنْ الرجل
الخارِق وما هي إرادة القوة ؟
الرجل الخارِق ليس وجهًا
اجتماعيًّا ولا سياسيًّا، هو وجهٌ وجودي (ontologique)
وتجريدي (métaphysique).
أما مفهوم "إرادة
القوة" فلن نجد أفضل من الصورة التالية للتعبير عنه وشرحه: صورةُ زهرةٍ
صغيرةٍ تنبتُ في عتبةٍ قُدّتْ من الإسمنت المسلّح، أو نبتة متعرّشة أو "شعباطة"
تتسلقُ جذوعَ الأشجارِ الطويلةِ في الغابة حتى تصل إلى مبتغاها وترى الشمسَ في
قِمَمٍ مَن تسلّقتْ وعليها تطفلتْ.
Une liane qui vit au Nord de l`Amérique du Sud, nommée Sipo Matador.
مَن يحرّك النبتتان في بيئة قاسية ؟ إنها إرادةُ الحياة ! وفي كل كائنٍ حيٍّ تسكنُ حياةٌ تريدُ الحياةَ، حيٌّ يبحثُ في داخلِه
عن حيٍّ وكل الكائنات جميعًا لا تحرّكها غير "إرادة القوة"، جمادًا كانت
أو نباتًا أو حيوانًا أو إنسانًا (من أجمل وأبلغ تعبير للفيلسوف أونفري).
يسكننا شيءٌ يريدنا وهو
أقوى منّا. لا حريةَ إذنْ ؟ لا اختيارَ أيضًا ؟ نحنُ مسيَّرون ! لكن عندما تَعونَ
أنكم مسيّرون ولستم مخيّرين فعليكم إذن أن تريدوا مصيركم وتحبّوا قَدَرَكم وترضوا
به وتتمتعوا به أيضًا (Être déterministe).
عندها فقط تبلغون السعادة القُصوى وتتنعّمون بالسكينةِ التامّةِ.
يجب علينا إذن أن نحبّ
ما يأتينا، كل ما يأتينا، شرًّا كان أو خيرًا أو ما نسميه خيرًا وشرًّا (Pour Nietzsche, il n`y a ni
bien ni mal)،
نحبّ المرضَ والعافيةَ، نحبّ الضيقَ والعناءَ، نحبّ الألمَ والمعاناة، نحبّ
الحياةَ والموتَ، نحبّ التداعِي والسقوطَ.
Aime ton destin, aimer ce qui nous arrive, tout ce qui nous arrive, dit Nietzsche.
حياةٌ واحدةٌ، أظنها لا
تكفي لبلوغِ هذا المنال ؟
خاتمة: رحمَ الله المتنبي إذ قال يومًا فيما قال: "وإذا كانَتِ
النّفُوسُ كِبارًا، تَعِبَتْ في مُرادِها الأجْسامُ".
ملاحظة إبستمولوجية: أنا ضعيفٌ في الفلسفة وأقِرُّ بضعفي. أعلنه ولا أخفيه،
ولِمَ أخفيه ؟ ولو حصل وقرأتُ كتابَ فلسفةٍ وفهمته فاغمضُ عينيَّ وأجزمُ أن
مؤلّفَه ليس فيلسوفًا. قرأتُ فوكو ودولوز وسارتر وباشلار ولم أفهم سطرًا واحدًا
مما خطّوا. لكن لو حدثت اليوم معجزةٌ على غير المعتادِ وفهمتُ كل ما قاله الفيلسوف ميشال أونفري في محاضرته حول نيتشه،
لقلتُ: أهذا نيتشه القائل بأن "الله قد مات" ؟ يبدو لي أن تحليلَه هذا
يتفقُ تمامًا مع المبدأ الإسلامي التالي: التسليمِ بالقضاء والقدر، خيره وشره، وما
الخيرُ والشرُّ إلا ابتلاء من الله سبحانه وتعالَى.
ملاحظة استفزازية فكريًّا: هل يُصدّقكَ
يساريٌّ أو إسلاميٌّ، عندما تُسِرُّ له أنك أخذتَ اليومَ درسًا قيّمًا في التسليمِ
بالقضاء والقدر من فيلسوفٍ فرنسي ملحدٍ (أونفري) وهو يروي عن فيلسوفٍ ألماني يفوقه
إلحادًا (نيتشه) ؟ أستثني الفلاسفة من الفريقيْنِ. الإسلاميُّ سوف يقول: "كيف
يا مسلمُ يا عاقلُ تنشدُ الإيمان لدى الملحِدِين ؟ ونحن نعرفُ أن فاقدَ الشيءِ لا
يُعطيه". أما اليساريُّ فحتمًا سوف يقول: "وماذا يفعلُ يساريٌّ عقلانيٌّ
بالإيمان ؟".
صحّة شريبتكم !
حمام الشط، الاثنين 5 جوان 2017.
إضافةُ حبيب بن حميدة، فيلسوف حمام الشط، صديقي وجليسي اليومي في المقهى،
أنشرها بتاريخ الأربعاء 7 جوان 2017:
إضافةٌ تذهبُ عكس ما ذهبتُ إليه في ملاحظتي الإبستمولوجية أعلاه التي قلتُ
فيها في استنتاجي السابق: "يبدو لي أن تحليلَه (أعني أونفري) هذا يتفقُ
تمامًا مع المبدأ الإسلامي التالي: التسليمِ بالقضاء والقدر، خيره وشره، وما
الخيرُ والشرُّ إلا ابتلاء من الله سبحانه وتعالَى".
قال مفنِّدًا ما ورد في استنتاجي الشخصي: "صحيح أن الإنسان النيتشوي
والإنسان المسلم يتشابهانِ في التسليم بالقضاءِ والقدرِ وإلى هذا الحد يقف
التطابُق ويبدأ الاختلاف الجوهري بينهما وهو التالي: الإنسان النيتشوي يُطلقُ
العنانَ لإرادة القوة التي تسكنه لكي تتحقق بالكامل ولا يُعارضُ مشيئتَها مهما
كانت تختلف مع الأخلاق السائدة أو المنشودة. أما الإنسان المسلم فلا يهمه في الآخِر
إلا الامتثال لمشيئة الله وحدها وهذه الأخيرة تتعارضُ تمامًا مع مشيئة إرادة القوة
الغريزية داخل الفرد. ومشيئةُ الله تدعو صراحة لكبتِ الغرائز والتحكّم فيها،
وتأمرُ الإنسان المسلم بقمع إرادة القوة الكامنة فيه، وذلك بسنِّ شريعةٍ فيها
ضوابطٌ وحدودٌ للمتعة الجسدية، حسية كانت أو جنسية، وفيها جهادٌ ضد شهوات النفس
الأمّارةِ بالسوء".
Éloge de la
révolution tunisienne. Habib Ben Hamida
Les révolutionnaires ont marché de l`avant prouvant au monde entier
que l`absolutisme du pouvoir individuel n`est pas une exception arabe.
L`auteur a été un témoin et un acteur passionné de cette mutation
salutaire qui a mis fin à un régime qui par tous les moyens a tenu les masses
dans une aliénation lamentable. Bref Zine et Leila (le président et son épouse)
ont été chassés de notre Tunisie parce qu`ils ont choisi le mal ; parce
qu`ils ont péché quand ils ont, aussi purement et simplement, transformé
la chose publique en leur propre possession privée. Cette mutation salutaire a
été réalisée en l`absence de leaders politiques, de chefs charismatiques et
cela a été une bénédiction car leur présence fut pour d`autres peuples une
malédiction aux conséquences dévastatrices.
En effet l`histoire des révolutions montre bien que les
révolutionnaires purs, sont en fait des dictateurs en puissance ; par
contre les masses n`ont d`autres principes que la loi d`auto-organisation.
Par leur spontanéité et leur innocence, les tunisiens dans leur
majorité ont libéré leur pays du joug de la domination, instauré un ordre
nouveau qui a mis fin au règne de la haine, de l`égoïsme et du mensonge.
Sans le recours à la violence ni à la terreur
pseudo-révolutionnaire, les masses ont su garder leur indépendance et leur
liberté à s`organiser, à chercher l`union, la coopération, le respect d`autrui
et l`amour de ceux qui marchent avec.
Ils ont su enfin proclamer la démocratie fondée sur une nouvelle
table de valeurs, celles de la vérité et de la liberté de conscience et de
croyance.
« Beaucoup de vétérans récalcitrants de la gauche marxiste
tunisienne, qui ont milité pendant toute leur jeunesse dans l`UGTT ou dans des
partis révolutionnaires clandestins pour qu`un phénomène pareil arrive un jour
et qui ont bien préparé et accéléré son avènement entre le 17 décembre 2010 et
le 14 janvier 2011, ont été paradoxalement aveuglé par la lumière
révolutionnaire jaillissante et n`ont pas pu y voir malheureusement qu`une vulgaire conspiration
étrangère. Leur position bizarroïde ressemble à l`attitude étrange d`une mère
qui donne un enfant puis elle refuse de l`adopter car elle découvre subitement
que son propre bébé ne lui ressemble pas du tout. Elle attendait un clone, une
révolution mammouth, passéiste, limitée et réductrice (une révolution léniniste
en Tunisie du XXIe siècle), elle enfante d`un hybride, c`est-à-dire un être qui
vient de plusieurs pères (plusieurs références idéologies). Par contre presque
tous les réformistes non-gauchistes (islamistes, destouriens,
sociaux-démocrates et certains intellectuels marxistes qui ont déjà fait leur
autocritique) qui n`ont jamais prétendu être des révolutionnaires et qui
n`attendaient pas du tout un phénomène pareil, ont bel et bien cru à cette révolution démocratique non
socialiste et ont adopté volontairement cet enfant bâtard appelé révolution
tunisienne ».
Hammam-Chatt, samedi 4 juin 2016.
L`extrémisme,
la guerre et le terrorisme ? Habib Ben
Hamida
L`extrémisme et la violence représentent pour l`auteur deux issues
de désespoir. Ces dérives extrémistes, maximalistes ont eu pour conséquence de
briser l`élan de la renaissance dans le monde arabo-islamique. On assiste
impuissant le plus souvent à un spectacle de désolation où le chaos crée un
état de confusion à la fois intenable et durable, absurde et chronique,
insoluble et indissoluble, et scandaleusement viable.
Les pays arabes sont sous la menace d`un démembrement inéluctable.
Tout vole en éclat, il ne reste que les débris fracassés et les miettes
éparpillées, tout le pays est dévasté comme en Syrie et c`est la guerre qui
s`éternise.
La critique de Kochkar est une dénonciation de ceux qui font
l`apologie de la violence et de la guerre, de ceux pour qui autrui est
l`obstacle à supprimer, car le violent, le terroriste s`acharne contre l`autre,
vole son domicile, viole son corps, profane sa vie privée…
La guerre viole les frontières, les foyers et les femmes, elle
implique l`invasion et l`agression : elle est une chaîne de violences orientées
avec l`intention d`éliminer l`autre. N`importe qui combat n`importe qui, voilà
le nouveau visage de la guerre qui s`éternise dans le monde arabe : guerre
à la fois étrangère et civile, guerre de tous contre tous où tout est brouillé,
mélangé.
La guerre fabrique un monde de désespoir assez semblable à l`enfer.
Le propre du terrorisme c`est de forcer artificiellement toutes les
forces à travailler pour la guerre, la mort et le chaos. Il pérennise l`état
violent, rend la tension aiguë, explosive et insoutenable ; il dérègle
tous les mécanismes de contrôle, de modération et transforme grâce à son génie
diabolique les machines construits par le travail et pour le travail utile et
vital, en armes de guerre qui accélèrent le naufrage de tous dans le chaos et
le néant.
Le terroriste n`est pas un constructeur, un ingénieur ; il est
plutôt un génie malfaisant, un manipulateur de tous les objets, de tous les
outils ; c`est un agité qui fait fondre toutes les forces dans un
gaspillage aveugle et c`est avec une frénésie aveugle qu`il dilapide tous les
acquis de notre civilisation : c`est le délire d`une action dévastatrice,
d`une violence pour rien, c`est de la démence pure.
Hammam-Chatt, mercredi 8 juin 2016.
La phobie de la
révolution tunisienne. Habib Ben Hamida
En nous imposant des choix inclusifs, sans nuances, la révolution
fait peur. Révolutionnaire on l`est ou on ne l`est pas. Il n`y a pas de
circonstances atténuantes pour un autre choix.
La phobie de la révolution est le propre de l`homme, enlisé dans la
confusion et les sables mouvants du doute ; de cet être aveugle par
l`immobilisme du désespoir ; la révolution nous met au centre de la mêlée,
au cœur d`une bataille décisive entre le « le Bien et le Mal », entre
l`humain et l`inhumain ; elle nous oblige à militer dans l`un des deux
camps. Au contact des masses dans leur marche en avant ; notre adhésion
devient impérative.
Dire non à la révolution, à son devoir, c`est dire oui au Pouvoir,
oui à sa mauvaise volonté.
C`est ainsi que les êtres affolés par le mouvement ascendant des
masses sont gagnés par la terreur et entrainés corps et âme dans la panique et
la résignation.
La foule dans son élan révolutionnaire ne comprend pas l`attitude
de ces êtres timides, frileux et lâches ; et dont la manie est de veiller
jalousement à protéger leur conscience malheureuse et leur condition sociale
mesquine de cette épidémie qui se propage instantanément sur le champ dans tout
le corps social.
Ceux qui refusent « l`intoxication » par les masses, sont
en réalité les seuls qui souffrent d`une aliénation totale qui les prive de
toute action libératrice. L`endoctrinement par le Pouvoir et l`égoïsme extrême
sont parfois incurables.
C`est pour cette raison que la révolution n`est pas une contagion,
elle est au contraire un rayonnement de la liberté. Elle est une
libération ; elle n`est pas non plus une faute, mais plutôt une action
droite née dans la conscience collective et inspirée par des principes
universels.
Il n`y a rien de tragique à vouloir un ordre nouveau, un ordre
capable de réaliser les conditions du progrès nécessaire à l`innovation
salutaire et vitale pour toute communauté humaine.
La révolution tunisienne a réalisé ce miracle : elle a rendu
aux tunisiens leur dignité et leur pays.
Elle fut un miracle. Elle a brisé l`immobilisme pervers d`une
dictature qui cultive, par le culte de la personnalité, le tabou du pouvoir
absolu.
« Dégage » résume exactement la marche en avant des
masses, qui par vagues successives ont réussi à ébranler un régime classé parmi
les plus forts dans le monde arabe.
Celui qui doute de la révolution ressemble à l`étourdi qui cherche
partout sa montre, et qui est dessus.
L`attente d`une révolution dans le futur lointain est encore une
justification de ces maniaques qui cherchent midi à quatorze heures.
Enfin ceux qui font l`apologie de la révolution permanente n`ont
rien compris à ce soulèvement de masse à la fois spontané et généreux,
instantané et irréversible.
On ne séjourne pas dans la révolution, qui est l`apogée, le comble
de l`irréversibilité, l`état précaire par excellence.
Le déterminisme est impuissant aussi à expliquer la liberté
révolutionnaire en tant que surgissement, initiative du génie du peuple,
inspiration presque divine, qui arrive et repart comme l`éclair et qui nous
permet de sauter dans un autre monde.
La discontinuité est irréductible à la répétition, elle est une
mutation soudaine qui nous fait renaitre et par laquelle nous retrouvons notre
vocation rationnelle.
Hammam-Chatt, jeudi 9 juin 2016.
La phobie du
travail ! Habib Ben Hamida
On retrouve dans le texte de kochkar une interrogation directe sur
les causes de la coupure qui sépare nos sociétés de celles des pays
industrialisés où le progrès et l`ordre sont devenus immanents à leur culture
et à leur activité quotidienne.
Y a-t-il vraiment une barrière infranchissable qui nous empêche de
communiquer avec le monde du progrès et qui nous condamne à une captivité
interminable dans nos traditions ?
Quels sont les obstacles qui limitent notre champ d`action et qui
aggravent notre immobilisme et nous rendent impuissants à trouver la voie d`une
renaissance authentique ?
En fait, la solution est virtuellement donnée dans l`idée utopique
d`une république du travail et dans l`analyse de la ruche d`abeilles. Ces deux
modèles de société nous montrent que tout n`est pas perdu, et qu`il y a place
pour des forces qui nous permettent d`agir sur le mal installé depuis des
siècles.
En tout cas il n`y a pas de mystère qui justifie le tabou de la
décadence, car le vrai démiurge qui annule tous les obstacles en rendant la
vision claire et extralucide n`est autre que l`outil-l`instrument-le moyen… Or
le travail se révèle être l`instrument de tous les instruments, le moyen de
tous les moyens et c`est pour cette raison qu`il est le vrai démiurge dont
dépend notre salut et notre espoir de conserver nos chances d`avenir. En somme,
personne ne peut se précipiter sur la fin sans passer par le moyen. Le moyen
d`aujourd`hui n`est pas la Condition de la fin de demain ?
L`oubli de l`action, la phobie du travail et le refoulement de
l`ingéniosité portent notre dégénérescence à son comble.
Il faut retrouver l`esprit de Prométhée et des écritures saintes
pour valoriser une spiritualité de l`éveil et de l`action aux dépends d`une
spiritualité du recueillement et de la méditation, car seule l`action adoucit
notre rapport avec la matière qui est notre vraie demeure et le champ illimité
de notre liberté. Et c`est en travaillant sans relâche que l`homme façonne son
devenir et sa manière d`être dans le monde, car c`est la main -comme outil et
comme moyen- qui fait que l`homme et le monde soient l`un dans l`autre, comme
deux êtres qui se possèdent mutuellement.
L`histoire en tant que devenir de l`humanité est régie par la loi
du temps et de l`espace ; loi qui implique elle-même l`impératif
catégorique du travail : effort pénible certes, mais effort volontaire et
audacieux qui ne craint pas la nouveauté, le mouvement et la marche en avant.
C`est par le travail que l`homme s`affirme continuellement lui-même
et actualise ses possibilités et devient ce qu`il est.
Hammam-Chatt, mercredi 8 juin 2016.
Critique des
dérives totalitaires. Habib Ben Hamida
Raymond Aron disait que l`humanité n`a d`autre raison pour survivre
que la raison et la science.
Les textes assemblés dans cet essai, en apparences sans ordre
renvoient au fond sous forme d`interrogations à des perspectives historiques,
épistémologiques et morales. Et ainsi l`examen critique montre bien leur
intérêt, leur originalité à poser les vrais problèmes.
Kochkar n`écrit pas un livre d`histoire au sens classique, il nous
présente dans cette recherche une multiplicité de points de vue, clairement
exposés, qui débordent les clivages et le cloisonnement des gens et des
disciplines.
Cette dérive innocente, libère l`auteur de toute aliénation aux
idéologies qui accompagnent aujourd`hui l`éclatement des savoirs et qui forcent
certains intellectuels à des compromissions inadmissibles avec certains régimes
totalitaires.
C`est la liberté de conscience qui devient la mesure de toute
critique, car le cloisonnement des savoirs dans une modernité trompeuse est
responsable du déchainement d`une violence hyperbolique dont le génocide et
l`arme atomique sont les formes ultimes. L`oubli et l`inconscience expliquent
l`indifférence des intellectuels, l`absence d`engagement et la démission de la
raison critique face à l`horreur et la démence des sorciers modernes nihilistes
et totalitaires.
Personne ne peut nier sincèrement la faillite des régimes
totalitaires, mais personne ne peut dire non plus qu`il possède les secrets du
bonheur. Seule la raison critique est créatrice d`une direction, d`un sens,
d`une fécondité vitale, car elle ne violente personne, elle est au contraire
l`effort qui s`exerce par amour pour autrui ; parce que grâce au logos
l`homme s`absente de lui-même et se dépend de son ego-égoïste.
Hammam-Chatt, lundi 13 juin 2016.
La phobie de
l`islam politique. Habib Ben Hamida
Et c`est à partir des convulsions religieuses que connait le monde
arabo-islamique aujourd’hui que l`auteur pose le problème du rapport de notre
civilisation avec l`occident dominateur.
L`islam politique a-t-il un sens ? Avec ses démocrates et ses
révolutionnaires, annonce-t-il d`une manière irréversible l`intégration finale
et inéluctable du monde arabo-musulman dans le mouvement planétaire de
mondialisation et de globalisation, en un mot dans l`histoire
universelle ?
Ou bien, dans un choc de civilisations final, le monde peut-il
faire l`économie de l`Islam ? Est-ce-là la fin de l`histoire ?
Il est évident aujourd`hui que l`intelligentsia arabe a échoué dans
son projet de renaissance, et la critique, des différents mouvements politiques
de gauche comme de droite, exprime le désenchantement de l`auteur face à
l`impuissance des intellectuels et des hommes politiques à dépasser leurs
divergences et leurs querelles, et à mettre fin à une confusion devenue
chronique, absurde et surréaliste. En effet des idéologies complexes et
compliquées ne font qu`alimenter notre désespoir et notre malédiction et ne
font qu`accélérer notre descente aux enfers.
Sommes-nous alors condamnés à une déchéance tragique ? Le
chaos est-il la fin de notre histoire ?
En tant que citoyen du monde
kochkar ne croit pas que la confusion dans laquelle aucun ordre rationnel
n`apparait soit définitive. Car une résolution ferme peut de nouveau poser les
vraies questions dont l`enjeu est capital pour le devenir de nos communautés
(les questions sur les relations entre Dieu et l`homme, l`individu et le
groupe, le citoyen et l`Etat, l`homme et la femme, ainsi que sur le travail et
l`égalité, les droits et l`autorité).
Il ne croit pas aussi qu`il y a véritablement une ligne de
démarcation, ni des frontières définitives entre les civilisations, car le
progrès offre la possibilité de faire coïncider toutes les cultures au niveau
des valeurs universelles. L`avenir de l`humanité est guidé par l`idée du Bien
qui ne peut être confondue avec le Mal absolu.
L`idée du Bien au sens universel n`est-elle pas aujourd`hui la
chose la mieux partagée parmi les peuples ? Et ce sont ces peuples qui,
par leur courage, nous montrent, sans violence ni terreur, sans vandalisme ni
barbarie, qu`il est possible d`aller toujours dans le sens de l`histoire.
En effet la modernité n`a de sens que par la finalité qu`elle a
donné ; à savoir la libération totale de notre désir de s`aventurer sur
cette terre : de voyager, d`émigrer, de communiquer, de s`intégrer ;
bref d`être véritablement citoyen du monde. Et c`est pour cette raison qu`il
n`y a pas de rideau de fer assez puissant pour bloquer définitivement le désir
de réconciliation des deux communautés : islamiques et occidentales.
La fin des idéologies n`est-elle pas le signe qui annonce en
perspective la fin du conflit des civilisations ; conflit qui dure depuis
des siècles.
Hammam-Chatt, mardi 14 juin 2016.
Révolution-Contre
Révolution. Habib Ben Hamida
Les idées de la révolution tunisienne résument à elles seules les
conditions intellectuelles et psychologiques qui ont rendu possible les
discussions, dialogues, débats et confrontations qui visent à interpréter un
phénomène social total ; un événement fondateur de notre modernité
politique, sociale et intellectuelle. En effet les différentes polémiques
dénoncent le plus souvent l`assaut des groupes fidèles à l`ancien régime et
affirment la nécessite pour le peuple de faire face et d`affronter courageusement
ceux qui veulent confisquer de nouveau au service de leur propre intérêt les
aspirations populaires. Le schéma des forces politiques en conflit est plutôt
compliqué. Qui est réactionnaire et qui est révolutionnaire ? Tout est
remis en cause au niveau idéologique et politique.
La révolution (inachevée) est-elle devenue antimoderniste par
l`intervention des forces politiques islamiques et fondamentalistes ?
L`ouverture créée par la révolution a permis en effet aux forces
islamiques de parvenir au pouvoir, et de s`approprier provisoirement le nouveau
système politique.
Est-il possible qu`une révolution retarde le parcours de
modernisation au lieu de l`accélérer ? Bref, que la Tunisie, la Lybie, la
Syrie, le Yémen, l`Egypte… auraient pu faire l`économie d`une révolution.
La formule de R. Aron résume « la philosophie du printemps
arabe » : « les hommes font l`histoire, mais ils ne savent pas
l`histoire qu`ils font ».
Comment se fait-il que la révolution populaire se retourne contre
le peuple ?
Le texte a le mérite de poser les vrais problèmes nés de la
révolution sans parti-pris réactionnaire, il ne remet jamais en cause le projet
d`émancipation inauguré dans le monde arabo-musulman par la révolution
tunisienne ; le projet devrait être prolongé, voire dépassé.
Hammam-Chatt, mercredi 15 juin 2016.
Critiquer,
c`est dire non à la confusion. Habib Ben
Hamida
Et c’est
justement ce que fait dans ce livre notre ami Mohamed Kochkar.
C`est la confusion qui explique en dernière analyse le désespoir de
nos intellectuels. Car la confusion est la vraie source de désordre, de
l`anarchie et du chaos ; elle est guidée par un désir de régression, un
désir pathétique destructeur qui exprime une attitude rétrograde de celui qui
veut quitter l`univers humanisé ; celui qui, par son égoïsme bestial
menace de faire table rase de tous les impératifs catégoriques, de tous les
principes inviolables et de tous les acquis irréversibles de notre humanité.
On ne peut pas confondre, à proprement parler, le juste et
l`injuste, le mérite et le démérite, la bonne et la mauvaise volonté, la vertu
et le vice, le simple et le complexe, bref le bien et le mal, le vrai et le
faux…
Quand toutes les valeurs sont sur le point de sombrer, et que les
opinions éclatent dans toutes les directions, qui arrêtera notre chute dans
l`abime du désespoir ?
Et c`est dans ce sens que la critique, en tant qu`effort de
distinction, de clarification, de mesure, d`analyse et en tant que principe
d`ordre, devient la voie royale qui nous rattache encore à la raison créatrice
et à la renaissance vitale. La critique, en effet, ne nous précipite pas dans
le délire et la folie ; car elle n`ajoute pas de surcharges arbitraires et
gratuits, elle accouche, au contraire, selon l`ordre rationnel, d`un univers
libéré de la nébuleuse des opinions et du nihilisme radical ; la critique
annonce tout haut notre colère, notre révolte et notre indignation devant ce
spectacle de désolation ; car l`intellectuel authentique, à l`image de
Kochkar, refuse de s`embourber dans l`ivresse de la confusion et les ténèbres
de l`inconscience. Dire non, c`est affirmer la possibilité de la critique et
l`efficacité du logos en lutte contre toutes les confusions.
Phobie de la
critique et critique de la phobie. Habib Ben
Hamida
La tyrannie commence par l`interdiction de la pensée critique. La
phobie de la critique est une véritable perversion de l`esprit, car seule
l`innocence de la parole libérée de tous les interdits, à travers le dialogue,
la discussion, le débat, restitue à l`homme sa vraie vocation d`être un
« un roseau pensant ».
Celui qui refuse la critique a une peur instinctive ; il est
entravé par la panique à fuir en arrière loin du danger et de l`aventure. C`est
un être affolé qui fait demi-tour, tourne le dos au devenir ; il est en
proie à la débandade et à la confusion, il se replie sur soi, c`est-à-dire se
réfugie dans la nuit de sa primitivité et rétrograde ainsi vers les profondeurs
de son passé biologique.
La phobie est donc une capitulation, un aveu d`impuissance et une
rupture de notre rapport au monde ; elle est le propre d`un être frileux
et lâche.
Par contre l`être courageux refuse d`être neutralisé par la pensée
de la fuite ; il accepte le débat, l`ouverture sur l`altérité ; il communique
dans l`égalité et la réciprocité.
C`est la raison pour laquelle la critique est un acte
d`indépendance par lequel on retrouve la spontanéité et la liberté de parler à
partir d`une conscience bien intentionnée d`aller en avant vers son prochain.
La critique brise ainsi notre solitude et rétablit directement le contact avec
autrui. Enfin la critique, tout en nous libérant, de notre égoïsme et de nos
instincts rétrogrades, inaugure une nouvelle ère de recherche pour un esprit
dont le signe est de créer, de construire et d`enfanter dans la joie.
Socrate, le prédateur de la philosophie n`a-t-il pas prouvé par son
courage que le postulat de la recherche de la vérité, c`est la critique.
Est-ce que Daech est une religion ou une idéologie ?
Le bouddhisme,
l’hindouisme, le judaïsme, le christianisme, l`islam et le bahaïsme sont des
religions. Les frères musulmans, Elkaida, Ennosra, ansar echaria, jondelislam
et Daech sont des partis politiques modernes idéologiques extrémistes construits
sur le modèle stalinien qui se maquillent avec des cosmétiques islamiques. Ils
n`ont rien à voir avec la foi islamique mais ils ont certainement des liens le
franquisme, le fascisme et le nazisme n`ont rien à voir avec le christianisme
et comme le sionisme n`a rien à voir aussi avec le judaïsme. Ils cherchent tous
les trois le pouvoir et la fin pour eux justifie les moyens et les derniers
vont disparaitre comme ils ont disparu leurs prédécesseurs. Je suis confiant,
tôt ou tard, la foi universelle vaincra l`extrémisme de tout bord.
Hammam-Chatt, le 28 mars 2016.
إشكالية مطروحة منذ
بداية التاريخ: هل نجحت الأخلاق الفلسفية أوالدينية في تغيير حياة البشر إلى
الأفضل، أي من السلوك اللاحضاري إلى السلوك الحضاري ؟
عادة غير محبّذة من
أكثرية المدمنين على شرب القهوة: عادة النقاش الجدي صباحًا.
أمس الأربعاء 30 جانفي
2019، ذهبتُ إلى مقهى الشيحي بحمام الشط كالعادة و"العوايد" على الساعة
السادسة صباحًا. شرعتُ في قراءة مقال حول الصين في جريدتي الفرنسية المفضلة
"لوموند ديبلوماتيك". بدأتُ في تسجيل الخطوط الكبرى للمقال الذي سأكتبه وأنشره في
الغد. مرّت عليّ
120 دقيقة وأنا وحدي أقرأ، هي أسعد أوقات يومي. حوالَي الساعة الثامنة، بدأ
الجلساء الاعتياديون في التقاطر ولالتحاق بطاولتي.
ما المشكل إذن ؟ المشكل
أن دماغي يغلي ومنشغلٌ بموضوع الصين. فما ذنبُ مَن جاء الأولُ (خميّس حسني) ليرتشف
ببطءٍ أولَ قهوةٍ في اليوم ؟ أشغله هو أيضًا بمشكل الصين ؟ ذنبه أنه جلس في طاولة
كشكار ! وكلما قَدِمَ جليس آخرَ إلا وأعدتُ على مسامعه طرح نفس الموضوع (خمس
مرات). وكل مَن سيفتح موقعي الفيسبوكي اليوم فجرًا على الساعة الرابعة صباحًا
ويقرأني، أطلب منه المعذرة مسبقًا لأنني ربما أكون سبقتُ قهوته.
العاشرة، رجعتُ إلى
الدار وحررتُ المقال في ست صفحاتٍ كاملةٍ. قررتُ ألا أنشره حتى يمر بغربال الفلسفة
الذي لا يتسرّب من ثقوبه الدقيقة إلا الجيد من الأفكار خاصة وأن موضوع الأخلاق
موضوع فلسفي بامتيازٍ. جاء الموعد، السادسة مساءً، قابلتُ فيلسوف حمام الشط في مقهى
الأمازونيا بحمام الشط أيضًا.
أتعرفون ماذا صنع بمقالي
الذي تعبتُ في تحبيره ست ساعات، الصفحة بساعة ؟
مقالٌ خلتُه منطقيًّا
وبموافقة جلسائي الصباحيين غير الدارسين للفلسفة أكاديميًّا، يعني معرفة درجة 2
(درجة 1 هي الحس العام) ولا أستثني نفسي طبعًا. الفلسفة تأتي في القمة، أي درجة 3،
يعني فوق كل الاختصاصات العلمية، الصحيحة منها والتجريبية والإنسانية أيضًا.
ألم أقل لكم أن طاولة
مقهى الشيحي الصباحية ناقصة فيلسوف ؟ أنا في الأمانة العلمية أو الأدبية لا أمزح
وفي الفكر لا أجامل وأقرّ بجهلي للفلسفة، أقولها صدقًا فيذهب في ظن الآخرين أنه
تواضع تجميلي.
بالفلسفة (معرفة درجة 3)، قَلَبَ الفيلسوف مقالي (معرفة درجة 2) رأسًا على
عقب.
بعد التعديل والتحوير في
مقهى الأمازونيا مساءً، أدفع إليكم بالنسخة الجديدة للحوار الذي دار في مقهى
الشيحي صباحًا، دون تدقيق في صاحب الكلمة، أو قِيل الكلام فعلا أو لم يُقل، أو
بهذا التسلسل أو غيره:
- هل الأخلاق
الفلسفية أوالدينية (والدين يدخل في مجال الفلسفة)، نجحت في تغيير حياة البشر إلى
الأفضل، أي من السلوك اللاحضاري إلى السلوك الحضاري ؟
- ماذا تقصد
بـ"السلوك اللاحضاري"
؟
- مثلاً في
المقهى: ترمي أعقاب السجائر على أرضية المقهى المبلّطة، تضع منديل أنف (papier mouchoir) على الطاولة أو في المرمدة (cendrier)، تنشغل عن مخاطبك بالإبحار في جوّالك،
تحتكر الكلمة أكثر من خمس دقائق، أو تتكلم بصوتٍ عالٍ دون موجَب، هذا السلوك
اللاحضاري الأخير آتيه أحيانًا دون أن أشعر ثم أتدارك أمري وأعتذرُ ثم أنسى
وأكررها. من باب التحضّر لم أذكر سلوكات لاحضارية أخرى.
- وخارج المقهى
؟
- لا تحترم
إشارات المرور، لا توقف سيارتك احترامًا للمارة، تضع كيس مهملاتك أمام دار جارك،
تغش في كيل السلعة وثمنها، لا تقوم بواجبك على أفضل وجه، إلخ.
- لا.. الأخلاق
الفلسفية أوالدينية لم تغيّر.
- صحيح لم تغيّر
(Un constat et non un jugement).
فاصل وأعود:
عرضتُ جوابَ جليسي وجوابي المتماثلَين على الفيلسوف، فكان هذا ردُّه: يبدو
لي أن الجزمَ في مثل هذه المواضيع الفلسفية الجدلية شيءٌ يتطلب تمحيصًا وأمرٌ فيه
نظرٌ. الدين غيّرَ فعليًّا (لكن جزئيًّا فقط) الأخلاقَ إلى الأفضلِ وكذلك فعلت
الفلسفة. ألا ترى معِي أن الوازع الديني ما زال حاضرًا وبقوة في "اللاوعي" الشعبي (la masse)، أما في "الوعي"
فهو يحضر ويغيب خاصة عند الحِرفيين ومتعاطي الكحول والعاصين عمومًا. صحيح أن
الوازع الديني ذهب عند أولياء الأمور ومعه أخلاقهم ذهبت، وكذلك عند رجال الأعمال
الجشعين. عند الصنف الأول غلبه حب السلطة السياسية، وعند الصنف الثاني غلبه حب
السلطة المالية. أما الفلسفة فكانت للصنفين الأخيرين بالمرصاد، تكشف نواياهم وتفضح
وسائلهم وتنغص عليهم عيشتهم ولا تتركهم يتمتعون بما كسبوه من استغلال الشعب ظلمًا
وبهتانًا.
أعود إلى حوار مقهى الشيحي:
- غيرت جزئيًّا فقط..
الأخلاق الفلسفية أوالدينية غيّرت السلوك إلى الأقرب للإنسانية.. تفاهمنا.. والفضل،
في تنبيهنا إلى اكتشاف هذا التغيير الجزئي، يرجع طبعًا للفيلسوف مشكورًا، ولكن في
الجزء الذي لم يتغير، سألتُ جليسي: "هل المشكل يكمن في العقلية أو في القانون
؟".
- في العقلية،
طبعًا.
- ما قولك في
الفرنسيين ؟
- متربّيين،
طبعًا.
- والتونسيين ؟
- موش متربّيين،
طبعًا.
- ما رأيك إذن
في مستثمر فرنسي "متربّي" ويحترم النقابيين في فرنسا، وعندما يأتي إلى
تونس يصبح "موش متربي"، يرفت النقابيين ويرشي متفقد الشغل ؟ وما رأيك
أيضًا في عامل تونسي مهاجر، في فرنسا "متربّي" ويحترم القانون ويقول
لجاره الفرنسي بونجوغ، وعندما يأتي في عطلة إلى تونس يصبح "موش متربي"،
لا يحترم إشارات المرور ولا يقول لجاره صباح الخير؟
- المسألة
تعقّدت أكثر؟
- هي معقدة من
أساسها فالبشرْ بشرْ في كل برْ، بشرٌ يسكنه جانب حيواني غريزي (خوف، دفاع عن
النفس من أجل البقاء، أنانية، شهوانية، إلخ) ويسكنه جانب إنساني أيضًا (كبح
كل الغرائز لتهذيب النفس وجعلِها تليق بإنسانية الإنسان، صراعٌ مرير لكنه جميلٌ ولذيذٌ،
صراعٌ ضد الطبيعة الحيوانية فينا بهدف أنسنتها أو إعادة أنسنتها، ومع كل مولودٍ
جديدٍ يبزغ فجرٌ جديدٌ، جهادٌ أكبرُ ضد الذات وتجديفٌ واعٍ ضد التيّار، مثَلنا
كمثَل سيزيف في صراعه من أجل الوجود).
Le philosophe
humaniste Edgar Morin a dit : il faut réhumaniser l`humanité. Et Rousseau a dit : La civilisation, c`est réussir à passer de l`homme de la
nature à l`homme de l`homme.
- وهل السلوك
الحضاري وراثي أو مكتسب
؟
-
ألم تسمع آخر ما قلتُه ؟ التحضّر هو شيئٌ لا يُورَّث في الجينات لذلك فهو
مكتسبٌ100%. أما
"جيناتُنا، فما زالت أركَيِّيكْ، تعتقدُ المسكينة أننا ما زلنا نعيش في
الغابة".
ADN = vieux
logiciel biologique) Yuval Noah Harari
Sapiens. Une brève histoire de l`humanité, 2015
- والفلسفات
والرسالات والإيديولوجيات، ألا تهذِّبُ الأخلاق ؟
- هذبتها في
حياة المؤسسين الأوائل، بعدهم وللأسف خبا لهيبُها وبَهِتَ بريقُها:
Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand
elles sont faites, Sartre, 1948.
- حتى الرسُلِ ؟
L`anthropologue Jacqueline Chabbi: La religion construit la société
et la société construit sa religion.
يبدو لي، والله أعلم، أن
مكارمَ الأخلاقِ التي أسسها وأرساها رسولنا الأكرم، صلى الله عليه وسلم، ذهبت معه
وصحابته، رضي الله عنهم، ولم يَبْقَ ذكرُها موجودًا إلا في الكتب أو في القرآن
المحفوظِ نرتّلها بُكرة وأصيلا، فصحّ علينا قوله تعالى وأصبح مَثلنا "كمَثل الحمار يحمل أسفارًا..". أما أخلاق مسلمي اليوم تحديدًا -ودون تعميمٍ- فلا علاقة لها بالأخلاق الإسلامية السمحة إلا
بالاسم، "شوية من الحنة وشوية من رطابة اليدين"، أسباب خارجية خارجة عن
نطاقنا وأخرى داخلية ونحن مسؤولون عنها، وبين السببان جدليةُ مستمرة (dialectique et
interaction) قد تُولِّدُ انبثاقات غير معروفة مسبقًا (émergences).
- ما أقسَى حكمك
؟
- الواقع أقسَى !
ألم أقل لك أن المجتمع يصنع دينَه ؟
- هل نترك
القرآن إذن ؟
- حاشا أن أقول
مثل هذا "الكلام المباح"
!
- صحيح أن
التربية الإسلامية لم تحسّن سلوكنا، لكن هذا مبرِّرٌ غير كافٍ لكي نلغيها أو
نهجرها. نتركها تأخذ مجراها في تعليمنا، وعدم تطبيق الأخلاق الإسلامية في الواقع
هو حجة على مسلمي اليوم وليس حجة على القرآن، وقد يكون هذا الواقع البائس في
عيوننا يخفِي عن إدراكنا حكمة ربانية نجهلها. مَن لم يطبق الأخلاق الإسلامية،
فحسابه عند الله وحده يوم القيامة، عدالةٌ ربانية بعيدة عن عقولنا البشرية.
- "إعيشكْ"، خلّينا في ما هو تحت
إرادة البشر: الجزاء والعقاب بالقانون الوضعي (Le domaine
du possible humain).
- هنالك مَن ربّاهم
القرآن.
- صحيح 100%،
لكنهم قلة قليلة جدًّا وإلا لَما دَنا واقعُنا من الدرك الأسفل، والاستثناءُ لا
يلغي القاعدة. لِنرجع يا صديقي إلى موضوع الصين وكيف تراقب رعاياها رقميًّا بواسطة
كاميرات منصوبة في كل الفضاءات العامة (مقاهي، حدائق، طرقات، محطات نقل، إلخ)
وتسند لهم أعدادًا في حسابهم الاجتماعي وليس البنكي (Crédit social)،
وحسب مجموعهم يُجازون أو يعاقبون.
- تضعهم في السجن؟ قُلْ لي: بماذا يُكتسَب السلوك الحضاري ؟ بالتربية أو بالقانون ؟
- سبق وأن قلت لك "ابعِدنا عن مجال الدين"، أضِفْ له مجال القضاء.
- بماذا يُكتسَب
إذن ؟
- رئيس الصين
يقول: "بالجزاء والعقاب، بالجزرة والعصا نربّي شعبنا ونمنحه الأمن والأمان
وبهما الاثنين يحيا الإنسان، نجحنا في تغيير بعض السلوكات اللاحضارية وحوّلناها
إلى سلوكات حضارية، حصل هذا في ظرفٍ وجيزٍ من الزمن".
- مثل ما فعل
بافلوف مع كلب بافلوف
؟
- بالضبط، لكن
لِنلطِّفها قليلا ونقول علم النفس السلوكي (La psychologie comportementale) أو المدرسة السلوكية (Le béhaviorisme) المرتكزة على مبدأ المكافأة أوالحرمان من
المكافأة.
- كيف سنطبق هذا
المبدأ اللاأخلاقي؟
- هو لاأخلاقي
في وسائله لكنه ناجعٌ في نتائجه.
- وهل الغاية
تُبرِّرُ الوسيلة ؟
- هي في
المُطلَق والمنطق.. لا تُبرِّرُ، لكن في الصين يقولون أنها تُبرِّرُ !
- الخبر كما ورد
في لوموند ديبلوماتيك: نُصِبتْ كاميرات متصلة (cameras connectées) في كل مكان لمراقبة رعاياها، ثم معاقبة
المخطئ ومجازات الأقل خطأ.
- وهل يحق للدولة مراقبة رعاياها في الفضاء العام دون علمهم والحد من حريتهم
الشخصية ؟
- اعتراض هام
يستحق التفكير، الجزء الأول لا جواب عندي عليه، أما الثاني فلي جوابٌ، وهو الآتي:
حريتك الشخصية تقف عند حرية غيرك.
-
وهل
المساس بالفضاء العام هو مساسٌ بحرية الغير ؟
- على اسمه فضاء
عام، أي مِلك العموم، والعموم هم أنا وأنت: الطريق العام ملكنا والساحات ومحطات
النقل والحدائق العمومية وغيرها من الفضاءات العامة.
- وهل الشواطئ فضاءات
عامة ؟
- طبعًا.
- وهل يحق للدولة مراقبة العصافير من رعاياها، عصافير تتبادل القُبَلْ على
شاطئٍ معزولٍ في بومْهَلْ، يتبادلونها على مَهَلْ لا على عَجَلْ ؟ (لا وجود لشاطئٍ
في بومْهَلْ، الضرورة الشعرية حَكَمَتْ).
-
"سي علاء سَكِّرْ البرنامج" !
- كليمة واحدة
و"انسكّرالبرناج": بالتربية الدينية أوالفلسفية قد نحسّن سلوك البشر لا
بالجزرة والعصا. لسنا كلاب بافلوف ولن نقبل أن نكون كذلك، والإنسان حر أو لا يكون،
وفَشَلَ الصينيون ولو نجحوا ! ويكفينا بلوغ الوسط، لذلك لا تعنينا الأطراف
المتطرفة يمينًا أو شمالاً.
Aristote a dit : La vertu est le
juste milieu.
قال تعالى: "وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم
شهيدا".
ملاحظة: قبل مقابلة الفيلسوف، كانت النسخة الأولى
من هذا المقال (الملغاة) بمثابة مقدمة لنشر مقال يمجد نجاح الصين في مراقبة رعاياه
وتربيتهم بالجزرة والعصا، ولو فعلتُها لَكنتُ متناقضًا مع روح وفلسفة مقالي السابق
في ثلاثة أجزاء حول شمولية الرأسمالية الناعمة السائلة (مقال "ڤوڤل").
لا خابَ مَن استشارَ.
خاتمة:
الديداكتيك، اختصاصي، قالت إن المعارفَ لا تغيّرُ
القِيمَ، معارفَ علمية كانت أو فلسفية أو دينية.
الرجل الإرهابي الداعشي
هو الإنسان الوحيد الذي يتمتع بحريته الطبيعية !
الرجل الإرهابي الداعشي هو الإنسان الوحيد الذي يتمتع بحريته الطبيعية،
حرية حيوانية تتجسم في ممارسة القتل والتنكيل في جهاد الكفار وخاصة المسلمين منهم !
قبل ظهور الحضارات
وبعدها وقبل ظهور الديانات الأرضية والسماوية وبعدها، كان الإنسان ولا يزال بعضه
حرًّا كالحيوان "حوت يأكل حوت وقليل الجهد يموت" حسب نظرية الانتقاء
الطبيعي لداروين. قال الفيلسوف الأنڤليزي هوبز: "الإنسان ذئبٌ لأخيه الإنسان"،
وأنا أقول عن الرجل الإرهابي الداعشي أنه آلة مدرّبة على القتل تفوق بكثير شراسة
الذئاب يا هوبز !
كانت حرب الكل ضد الكل (Le chaos) تسود العالم حتى الثورة
الفرنسية سنة 1789م، خاف الفردُ أن يفقد حياته فيفقد حريته الطبيعية في متعة
القتل، فانبثق فيه حب الحياة (L`instinct de vie) وحكّم عقله خوفًا من الموت
وقال: "حتى لا أفقد حياتي سأتخلى عن حريتي (Je t`obéis et tu me
protèges)
لفائدة
سلطة تمثلني (Le contrat social de Rousseau, 1762)".
أما الدواعش
الوهابيون فهم لا يخافون من الموت بل يمجّدون ثقافة الموت وينشرونها ولا يعترفون
حتى اليوم بالديمقراطية ولا بالعقد الاجتماعي.
هذه المسألة لا علاقة
لها بالدين ولا بالتقدم لأن هذه النزعة التدميرية نجدها قديمًا عند الملوك
المستبدين وحديثًا عند الديكتاتوريين (سلبوا حرية مواطنيهم دون عقد اجتماعي Les citoyens ont obéi, les dictateurs
ne les ont pas protégés)، ونجدها أيضًا عند
الرأسماليين الجشعين والدول الاستعمارية: كان جل الملوك (دواعش عصرهم) هم الوحيدون
الذين يتمتعون بحريتهم الطبيعية في ممارسة الجنس مع أي امرأة في مملكاتهم ولهم حق
قتل أي مواطن دون أن يُسألوا عما فعلوا من فواحش أو جرائم. وكان الديكتاتوريون
كذلك أيضًا ولا يزالون: فعلُ هتلر وبول بوت أشنع مما فعلِ الدواعش، الأول في
ألمانيا أحرق اليهود وقتل الملايين من
الروس وغير الروس وأخصَى المعوقين ذهنيًّا واستعمر نصف العالم، والثاني في كمبوديا
أباد رُبع شعبه في أربع سنوات. أما الرأسماليون الجشعون والدول الاستعمارية فلا شيء
يردعهم أمام الربح، دمروا دولاً بأكملها، أفغانستان، الصومال، العراق، ليبيا،
سوريا والقادم أظلم وأهانوا وأذلّوا حديثًا اليونانيين أبناء دينهم وعِرقهم وبُناة
حضارتهم ومؤسسي ديمقراطيتهم في عهد الحكومة اليسارية المنتخبة ديمقراطيًّا، حكومة
سيريزا.
حمام الشط،
الثلاثاء 27 ديسمبر 2016.
يبدو لي أن للمعرفةِ في
حمام الشط أربعةُ مستويات
La
connaissance est un processus et le savoir est un résultat.
1. المستوى السلبي الأول (-2): وهي المعرفة
التي يبثها المتحزبون الملتزمون والنقابيون المحترفون، من كل حدبٍ وصوبٍ، يساريون
وقوميون وإسلاميون ودستوريون، بِهدف كسبِ المتعاطفين واستقطابِ المريدين ثم
تأطيرهم وتأهيلهم (Embrigadement et Encadrement). وهي
من أسوء أنواع المعرفة وأتفهها لأن القائمين عليها والمروّجين لها أشخاصٌ
انتهازيون بمختلف أيديولوجياتهم والغايةُ عندهم تبرر الوسيلة، غاياتهم عادة ما
تكون نبيلة لكن وسائلهم غالبًا ما تكون رذيلة. من حسن حظنا أن عددهم قليلٌ في حمام
الشط.
2. المستوى السلبي الثاني (-1): وهي المعرفة
التي يلوكها ويجترّها مَن لم يسعفهم الحظ للالتحاق بالجامعة أو تخرجوا منها كما
دخلوها ولم يمسسهم وهجُ نارِ المعرفةِ العلميةِ. وهي الدرجة الأولى في سلم المعرفة
(Le sens commun ou
le 1er degré de connaissance). تراهم يرددون الشعارات الجوفاء
والكليشيهات المتكلّسة والقوالب الجاهزة. يتكلمون بلسان خشبي، يمتهنون الوعظَ
والإرشادَ ولا يطبقون نصائحَهم على أنفسهم. لا يوظفون ولو ملّيمتر مكعّب واحد من
المادة الشخمة التي وهبهم إياها الله والطبيعة (La matière cérébrale grise).
من سوء حظنا أن هؤلاء يمثلون الأغلبية الغالبة والسائدة بحمام الشط ونجدهم للأسف في كل
الشرائح والطبقات، أغنياءٌ وفقراءٌ، شبابٌ وكهولٌ وشيوخٌ، مباشرون ومتقاعدون،
موظفون ومِهن حرة، بَطّالة وعمّال، رجالٌ ونساءٌ.
3. المستوى الإيجابي الأول (+1): وهي
المعرفة العلمية (Le savoir scientifique ou le 2ème degré de connaissance)، وهي حَكرٌ على أصحاب
الشهائد الجامعية العليا (معلمون، أساتذة، مربون، أطباء، مهندسون، تقنيون سامون).
لكنهم، كلهم أو جلهم كـ"الحمارِ يحملُ أسفارًا"، تعلموا علومًا في
الجامعة وشرعوا يرددونها في كل المناسبات كالببغاوات دون توظيف إبستموليجياتها
المختلفة (الإبستمولوجيا هي نقدُ المعرفةِ، اختصاصٌ لا نُدرّسه في جامعاتنا
التونسية إلا في بعض الاختصاصات للأسف).
4. المستوى الإيجابي الثاني، الأعلَى
والأخير (+2): الفلسفة وهي أم المعارف أو حب الحكمة وليست الحكمة الكاملة التي لن
يبلغها أحدٌ إلا الله سبحانه وتعالى. في الفلسفة يفكر الفرد بعقله ولا يكتفي
بإعادة نشر الاستشهادات الانتهازية (Les citations opportunistes) أو
تلاوة ما حفظه دون تَرَوٍّ في كتبِ المفسرين ورجال الدين والمفكرين والعلماء
والمؤرخين.
للأسف الشديد، لم أصادِف في حمام الشط
إلا عيّنةً واحدةً وحيدةً (Mon unique échantillon)
من هذا الطراز العالي، عيّنةٌ يجسمها جليسي المسائي اليومي بمقهى البلميرا بحمام
الشط، المفكر اليساري الحر غير المتعصب وغير المتطرف وغير الإقصائي وغير المنبت عن
تربته العربية الإسلامية، الموظف المتقاعد ذو الخمسة والسبعين حَوْلاً، تلميذ
الصادقية ومدرّس الفلسفة بمعهدها سابقًا، الأستاذ حبيب بن حميدة (هذا لا يعني أنه
وحيدُ زمانه وإنما الأكيد عندي أن أمثالَه قليلون، نادرون ندرة المعادن النفيسة).
ملاحظة منهجية: لا يخلو أي مستوى من المستويات المذكورة أعلاه من فلتات، والاستثناء يؤكد
القاعدة ولا ينفيها.
كيف خطر ببالي هذا
التصنيف ؟
لي صديق حميم (سهيل حفضلاوي)، عاشق مثلي للفلسفة، ومثلي أيضًا جرّب مجالسة
الأنماط الأربعة من سكان حمام الشط. وفي آخر المشوار فضلنا، أنا وهو، عن قناعةٍ
ورضاءٍ، الترسيمَ في زاويةِ الوليِّ التقيِّ الصالحِ، وليٌّ من طينةٍ لا شرقيةٍ
ولا غربيةٍ، طينةٌ عقلانيةٌ، وليٌّ "أكرهُ ما يكرهُ" عنده هو أسلوب استقطابَ
المريدين، وليٌّ يفضلُ محاورةَ المفكرينَ الند للند، الذين هم بعقولهم وحدها لا
بغيرها يستنيرونَ، وعن شخصه بآرائهم يستقلونَ، وبألسنتهم فقط لا بألسنة الآخرين
ينطقون. الله ينفعنا ببركاته ! آمين يا رب العالمين.
إصداراتي.
مواطن العالم د. محمد كشكار
1. Enseigner des valeurs
ou des connaissances ? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique" ?
Édition électronique, Presses Universitaires Européennes. (PUE), 2010, 386 pages.
2. Le système
éducatif au banc des accusés ! « Les professeurs ne comprennent pas que leurs
élèves ne comprennent pas », Édition libre, Tunis 2016, 160 pages. Ce livre a été traduit en 2022 en 7
langues occidentales par la maison d’édition numérique « Presses
Universitaires Européennes (PUE) ».
3. جمنة وفخ
العولمة، طبعة حرة، تونس 2016، 224 صفحة.
4. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك
وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة،
تونس 2017، 488 صفحة.
5. حكايات
طريفة، طبعة حرة، تونس 2021، 95 صفحة.
6. حدّث ميشيل سارّ قال...، طبعة حرة، تونس
2022، 110 صفحة.
7. مواقف وآراء حول الإسلام والمسلمين
والإسلاميين، دار علوي للنشر، تونس 2023، 350 صفحة.
8. حدّث ﭬاستون باشلار
قال: "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون !"، دار يس للنشر، تونس 2023، 285 صفحة.
9. حدّث أمين معلوف
قال... تونس 2024، 190 صفحة.
10. حدثت جريدة
"لوموند ديبلوماتيك" قالت... تونس 2024، 290 صفحة.
11. النقد هدّامٌ أو لا يكونْ. هدّامٌ للتصورات
غير العلمية. تونس 2024، 435
صفحة.
12.
حدّث حبيب بن حميدة،
فيلسوف حمام الشط، قال... تونس 2024، 88 صفحة.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire