د. محمد كشكار
مواطن العالم،
أصيل جمنة ولادة وتربية
يساري غير ماركسي وعَلماني على
الطريقة الأنـﭬلوساكسونية
مواقف وآراء
حول الإسلام
والمسلمين والإسلاميين
تقديم حسين عزوز
الإهداءُ:
1.
إلى زوجتي سهام
بالرحّال لما وفّرته لي من راحة مادية ونفسية حتى أتفرّغ تمامًا لكتابة ونشر
ثمانية كُتب في عشر سنوات.
2.
إلى ابني غيث
كشكار لما وفّره لي من مال لطباعة كتبي على حسابي في المطبعة الثقافية الخاصة
بحمام الأنف.
3.
إلى ابنتي عبير
كشكار لما أرسلته لي من كتب وجرائد ومجلات من كندا حيث تقيم منذ عشر سنوات.
4.
إلى ابني نادر
كشكار لما وفّره لي من صمت.
الشكر:
أتوجه بالشكر الجزيل إلى صديقي حسين
عزوز على المراجعة الشاملة وكتابة مقدمة لهذا الكتاب.
أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ
عفيف ساسي على المراجعة اللغوية والمطبعية للكتاب.
أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ محمد
بوسريرة على المراجعة اللغوية والمطبعية للكتاب.
فهرس
الكتاب
مقدمة بقلم حسين
عزوز................................................6
1. تعريفات متدينين
للدين.........................................8
2.
أسئلة كبرى أجابني عليها القرآنُ وعلماء.....................9
3. الإسلام عند
بعض الفلاسفة .................................. 14
4.
العلمانية
والإسلام...............................................252
5.
الداروينية
والإسلام.............................................319
6.
حول مفهوم الإعجاز العلمي في
القرآن........................328
7. حول مفاهيم إسلامية
أخرى.....................................346
8.
حول التدين الإسلامي
الشائع....................................395
9.
حول
الإسلاميين..................................................427
10.
الأخوان اللدودان: اليساريون والإسلاميون.............459
11.
الأخلاق...................................................475
12.
حول مفهوم "ختم النبوّة"................................478
13.
مقارنة بين القرآن وأدب روّاد النهضة
الأوروبية..... 503
مقدمة بقلم حسين عزوز
أنا لستُ بحاجة لتقديم الدكتور محمد
كشكار ونحن بصدد تلقّي كتابه السابع. فإلى جانب مؤلفاته فهو كثير الحضور. كبير
الانتشار على صفحات الفايسبوك. متابعوه كُثرٌ وفي ازدياد. لكنني سأذكّر فقط بأن
الدكتور كشكار مفكّر يساري يقول عن نفسه "يساري غير ماركسي" مؤكّدًا
بذلك حريته وتحرّره من عبادة الأصنام التي صنعها اليسار لنفسه وقدّس نصوصها وصار
حبيسَها فتمحورت كل أدبياته حول محاربة الإسلام تاركًا الطبقات المسحوقة وصراعَها
مع رأس المال إلى غدٍ آخر.
أن يتناول يساري موضوع "الإسلام
والمسلمين والإسلاميين" يجعلنا عادة في حضرة خَصمٍ وحَكمٍ يَسْبِقُ حكمُه
قرائنَه ويحكم بما يُرضي ميولاته.
الدكتور كشكار اليساري لم ينصّب نفسه
حَكمًا ولم يناصب الإسلامَ العِداءَ.
يأتي كتابه السابع ثمرة جهدٍ عظيمٍ
لا يحتمله إلا مَن يجد في القراءة متعةً "فالْتَهَمَ" الكُتبَ التهامًا
سنينًا طوالاً... ذلك هو الدكتور كشكار الذي لا يمكن اختزاله في هذا التوصيف
البسيط.
ما أنا متأكّدٌ منه، ولا يستطيع هو
إنكارَه، أن اختصاصَه الديداكتيكي إلى جانب بيداغوجيا عقود من التدريس ساهمت في
تأثيث هذا المنبر الذي عرض لنا فيه شهادات قامات عظيمة من فلاسفة ومفكّري العصر
" إدﭬار موران، محمد طالبي، عبد الله العروي، أبو يعرب المرزوقي، سعد الله ونّوس، علي حرب، علي شريعتي، محمد الشرفي، راشد الغنوشي...
هذا الكتاب يتوجّه للمسلمين
والإسلاميين واليساريين على حدّ سواء. يتوجّه للمسلمين كي يتجاوزوا عقدة النقص
حيال الحضارة الغربية كما يقول هو حرفيًّا ويقول للإسلاميين أن الحضارة هي من صُنع
الإنسان وليست صنيعة الدين، ثم يقول لليساريين أن لا مفرّ من التصالح مع الهوية
فمحاربة الدين ليست حربهم بل هي إهدارٌ لطاقاتهم ومزيدًا من تشرذمهم.
مَن يرفع شعار التوزيع العادل للثروة بين الأفراد أولى به أن
يعي أن توزيع الثروة بين العالم الأول والعالم الثالث بات أكثر الحاحًا وأقطعَ لدابر الإرهاب من عداء دين يلتقي في الكثير من
مضامينه مع اليسار، دين يجد مَن يُنصفه من يسار الغرب وذلك من عجيب المفارقات !
كتابٌ لا يتعصّب لأي طَرحٍ ولا يفرض
عليك رأيًا بل يأخذك إلى مناخات أخرى من التفكير والتأمّل، يوجّه نظرك إلى زوايا
لم تكن تنظر منها فترى حقائق غير حقيقتك التي ترى.
"تتهدّم لديك قناعات"
وتُبنَى أخرى على قواعدَ أكثر صلابة كما يُمضِي الدكتور كشكار دائمًا.
تعريفات متدينين للدين
قال
ابن قيم الجوزية: " فأي طريق استُخرِج بها العدلُ فهي من الدين، وإن لم يضعه
الرسول ولا نزل به وحي".
"إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكم ومصالح العباد في
المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها، فكل مسألة
خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة وعن
الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة، وإن أدخِلت فيها بالتأويل".
قال الإمام الشاطبي: "وضعُ الشرائع إنما هو لمصالح
العباد في العاجل والآجل".
وقالوا: "حيثما تكون المصلحة فثَمّ شرع الله".
أسئلة كبرى أجابني عليها القرآنُ
الكريمْ
وعلماء دارسون للإسلام
القرآن في عيون غير المسلمين المعاصرين لنزوله ؟
انتهيتُ حديثًا من قراءة كتابٍ
في ثلاثة أجزاء يتكوّن من 3400 صفحة بقلم 18 مؤلّفًا في عدة اختصاصات يقول أن
القرآن كتابٌ جمعَ كل علوم عصره وألّف بينها جميعًا وأضاف لها الكثير.
Le Coran des historiens. Sous la direction de Mohammad Ali
Amir-Moezzi & Guillaume Dye, Les Éditions du Cerf, 2019, Paris. Prix : 69 euros
(environ 240 dinars). Formé de trois volumes (total=3400 pages).
1. هل يوجد
عُنفٌ في القرآن ؟
الأنتروبولوجية
الفرنسية جاكلين الشابي: "العنفُ في القرآن، عنفٌ في الخطابِ فقط (Le discours)، وليس عنفًا في الفعل (L`action). وعكس ما
يعتقد الكثيرون، لم يرتفع منسوبُ العنفِ في الخطابِ القرآني إلا من أجل تجنبِ
العنفِ في الواقع المعيش. أما العنف في الفعل الداعشي فلا صلة له بالعنفِ في الخطاب القرآني بل له صلة وثيقة جدا
بِالعنف الفعلي في العالم المعاصر، والدواعش ليسوا أحفادَ محمد كما يدّعون بل هم
أبناء هتلر وستالين".
2. هل يأتي
الخلاصُ يومًا من السماء ؟
القرآن: إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا
بِأَنْفُسِهِمْ".
3. سؤال حيّرني
سنينًا، أجابني عليه اليوم القرآن الكريم !
السؤال
الذي حيّرني سنينًا: خلافًا لجل الحضارات
الكبيرة، لماذا نلاحظ أن الحضارة الإسلامية هي
الوحيدة التي لم تترك آثارًا عمرانية عظيمة مثلما تركت لنا الحضارات الأخرى ؟
(الرومانية والإغريقية والصينية والهندية والأنكا).
فرضية:
لعل السبب يعود إلى جذور عقائدية قرآنية ؟
بعد مطالاعاتي العديدة
اكتشفتُ أن الله دمّر
الحضارات الكبرى التي تعتز ببناء الصروح والآثار:
-
أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ (س
40: آ 37): des cordes célestes pour atteindre Dieu): "وَدَمَّرْنَا
مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُواْ يَعْرِشُونَ" (س
7: آ 137).
-
حضارة عادْ: وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ
لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ (س 26: آ 129): ils construisent des édifices en pensant qu’ils sont éternels (...) أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (س 89: آ 6-7).
كنتُ أظن أن
القناعة ونبذ مظاهر البذخ، كنتُ أظن أن كل هذه القيم أتتني من ثقافتي اليسارية.
الواقع أنها قيم إسلامية راسخة في اللاوعي الجمعي للمسلمين، يساريين كانوا أو
إسلاميين.
Pour en savoir plus, prière lire : Le Coran des
historiens.
4. لماذا
الإسلامُ هو الإسلامُ والمسلمون لم يعودوا مسلمينَ ؟
الأنتروبولوجية الفرنسية جاكلين الشابي: "الدينُ يخلقُ المجتمعَ
والمجتمعُ يخلقُ دينَه".
Pour en savoir plus, prière
écouter sur YouTube l’anthropologue française Jacqueline Chabbi.
5. ما الفرق بين المسلم والمؤمن ؟
الأنتروبولوجية جاكلين الشابي قالت: "المؤمن هو المسلم
المقاتل". لو اعتمدنا جدلا تفسيرها فلن نجد في مسلمي اليوم مؤمنين غيرَ
الجهاديين !
6. كيف تجاوزتُ عقدة النقص الحضارية التي سكنتني
سنينًا حيال الحضارة الغربية المسيحية لمجرد أنني عربيٌّ-مسلمٌ ؟
عِلم الأنتروبولوجيا يقول ويؤكّد أن "لا حضارة أفضل من حضارة".
7. كيف نتخلص
من الإرهاب المنسوبِ خطأً للإسلامِ والمسلمينَ ؟
عالِم السياسة فرانسوا بورﭬا: "الحل يكمن في توزيع الثروات بعدلٍ بين
سكّان العالَم الأول وسكّان العالَم الثالث".
« La meilleure arme de destruction
massive contre le terrorisme islamique est le Partage économique entre le Nord
et le Sud » François Burgat.
Pour en savoir plus, prière
écouter sur YouTube le politologue français François Burgat.
8.
صراعُ طبقات أم صراعُ حضارات أم صراعُ أديان أم
أقولُ قِيمًا إنسانيةً ؟
Pour en savoir plus,
prière lire ou écouter: Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset,
332 p, 22 €.
9. كنتُ أظن أن أجدادَنا
(Homo sapiens)
كانوا يعيشون في انسجامٍ مع الطبيعةِ، حتى قرأتُ:
Yuval Noah Harari, Sapiens. Une brève histoire de
l’humanité, Ed. Albin Michel, 2015, 492 pages, prix=24€.
فوجدتُ:
-
"لا تصدّقوا أنصارَ
البيئة (les écolos) الذين يدّعون أن أجدادَنا كانوا يعيشون في انسجامٍ مع
الطبيعةِ"
-
"الإنسان
العاقل" (Homo sapiens) يتمتع بامتياز ملتبِس بأنه النوع الأخطر في سِجِلات البيولوجيا (les annales de la biologie).
10.
سؤال كان يتبادر إلى ذهني: هل ما يسمى بـ"الأرقام العربية" (1،2،3...) هي حقا عربية
المنشأ أم هندية المنشأ ؟
هي هندية المنشأ. عندما غزا العرب الهند حققوا فيها
ونشروها في أوروبا والشرق الأوسط.
Pour en savoir plus, prière
lire Yuval Noah Harari, Sapiens. Une brève histoire de l’humanité, Ed. Albin
Michel, 2015, 492 pages, prix=24€ (page 160).
11.
سؤال كان يتبادر إلى
ذهني: هل اللغة العربية الفصحى المعاصرة هي لغةٌ جزئيةٌ (une langue partielle cad une
langue seulement écrite et non parlée) أم هي لغةٌ كاملةٌ (une langue complète cad écrite et parlée).
اليوم هي في البلدان العربية لغةُ كتابةٍ وليست لغةَ تَخاطُبٍ. أهلُها جعلوا منها لغةً جزئيةً (partielle) بعدما كانت لغةً كاملةً (complète).
3
الإسلام عند بعض
الفلاسفة
أبو يعرب المرزوقي
المسلم المعاصر يعاني من خطرين ! أبو يعرب المرزوقي
يُعانِي المسلمُ المعاصرُ من خطرَين:
خطرُ الاستغلال الإيديولوجي والسياسي للدين فيصبح الدينُ أداةً للوصول للسلطة،
وخطرُ التمسك بالشعائر دون روحٍ، مثل بعض المصلين الذين لا تنهاهم صلاتُهم عن
الفحشاءِ والمنكَرِ، وبعض الصائمين الذين لا يمنعهم صيامُهم من التبذيرِ والتبجّحِ
والشهوانيةِ في شهرِ رمضان، وبعض
المُزَكّين الذين لا تُطهّر زكاتُهم أموالَهم لأنهم جمعوها بالاستغلالِ والاحتكارِ
والرفعِ في الأسعارِ، وبعض الحُجّاج الذين يَحُجّون للمتاجرةِ والمفاخرةِ. لن
يسلمَ المسلمُ المعاصرُ إلا إذا تخلصَ من الخطرَين.
هل الماضي الإسلامي مطابق للرسالة الإسلامية وهل العولمة الإسلامية المستقبلية
مطابقة لماضيها ؟ أبو يعرب المرزوقي
كتاب "آفاق النهضة العربية
ومستقبل الإنسان في مهب العولمة"، أبو يعرب المرزوقي، الطبعة الثانية 2004،
دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 216 صفحة.
نص أبو يعرب المرزوقي
صفحة 122: وقد حاول ابن خلدون تحديد
المعنى الأساسي لهذا النموذج من خلال تحديد منزلة الإنسان الاستخلافية أو الرئاسية
الإنسانية. لكن التاريخ الإسلامي لم يحقق من هذا المثال شيئا يذكر يمكن أن يُعتدَّ
به أو أن يعود إليه الإنسان ليقول إنه هذا. وإذن فالعولمة الإسلامية ليست ماضيها،
بل هي مستقبلها الذي لا يزال غير محدد المعالم لكون الماضي لم يحدد الشروط التي
تُمكن من تحقيق قِيم الإسلام تحقيقا فعليا في التاريخ، بل اقتصر على استعمال ما
كان موجودا من شروط منافية لطبيعة رسالته ظنا من جدودنا أن مجرد التلاؤم مع الحاصل
يمكن أن يُعدَّ فعلا تاريخيا: اكتفوا بالاندراج في عولمة عصرهم الحاصلة وتخلّوا عن
العالمية الإسلامية التي حدثت الثورة باسمها. الماضي الإسلامي ليس مطابقا للرسالة
الإسلامية. وكل محاولة لحصر مستقبل الإسلام في ماضيه يُعدُّ ابتعادا عنه. فكل ما
يمكن أن نسلّم به لهذا الماضي هو الفعل المؤسس (منزلة الاستخلاف)، وتحقيق شَرطَيه:
التاريخي (طموح الفعل التاريخي الكوني أو الثقافة الإسلامية الحالية) والجغرافي
(قاعدة الفعل أو العالم الإسلامي الحالي). وعلينا أن نحدد مضمونه الموجب في القرون
المقبلة بحسب ما يمكن أن نستفيده من دراسة العولمة الحالية والعولمات السابقة (بما
فيها العولمة الإسلامية التي لم تحقق من الرسالة الإسلامية ما يقبل التحقيق تحقيقا
تاما)، ودلائل إخفاقها لتحديد الأجوبة للإنسانية جميعا وليس لنا فحسب: إذ الأزمة
ليست خاصة بنا كما يزعم البعض بل إن الإنسانية كلها ترزح تحت آثار الحلول التي
استندت إلى الانفصام الناتج عن التوحيد الممتنع بين المثال والواقع ولم تفهم طبيعة
الشجرة التي يضيء منها النور الإلهي والتي هي لا شرقية ولا غربية كما بيّن ذلك
مدلول هذين الرمزين.
يجوز الحج لمن استطاع إليه سبيلا. هل
هي استطاعة مادية أم روحية ؟ أبو
يعرب المرزوقي
كتاب "آفاق النهضة العربية
ومستقبل الإنسان في مهب العولمة"، أبو يعرب المرزوقي، الطبعة الثانية 2004،
دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 216 صفحة.
نص أبو يعرب المرزوقي:
صفحة 131: هامشة 2: وبهذا المعنى فإن كل شباب العالم مسلم إلى
سن الرشد (وذلك هو معنى الحديث الشريف المتعلق بتقدم الفطرة أي الإسلام على التهويد والتنصير
والتمجيس) والاختيار الصريح لغير الإسلام دينا. وكل من لم تبلغه الرسالة معذور في
عدم إسلامه إلى أن نبلّغها إليه، إذ ذلك هو واجبنا، وذلك هو المعنى الجديد للجهاد.
صفحة 159: هامشة: (...) لأن الحج هو
القطع مع الانغماس في الدنيا، ومن ثم فهو الذي يضفي المعنى على الحياة الإنسانية.
وتلك هي دلالة التوجه إلى القبلة التي تصبح توجها فعليا إلى حد التطابق معها. وإذن
فليس معنى الشرط "الحج لمن استطاع إليه سبيلا" هو ما أوّله الفقهاء إذ
فهموا الاستطاعة المادية. ذلك أن الأمر لو كان متعلقا بالاستطاعة المادية لَحدّد
الشرع النصاب كما فعل في الزكاة. أما وهو لم يفعل فإن الاستطاعة قصدها التحول
الروحي المتمثل في القطع مع الانغماس في الدنيا، قطعا يؤدي إلى القيام بالفرائض
قياما يتضمن معناها الحقيقي أعنِي كونها تعيينات الصلاة أو الفرض الخامس.
تعليق المؤلف محمد كشكار: هل قَطَعَ الحاج التونسي مع
الانغماس في الدنيا قبل الحج أو حتى بعد الحج ؟ إذا كان الجواب بنعم، فما هي دلالة
المثل الشعبي: "حج وزمزم وجاء للبلأ متحزّم" (مَثل شعبي لانتقاد الحاج
أو المسلم غير الحاج الذي يناقض تصرفُه حجَّه أو إسلامَه). وإذا كان الجواب بلا،
فما هو دور الحج في حياة الحاج ؟
صفحة 159: هامشة: (...) والحصيلة أن الفروض الدينية تنقسم إلى
نوعين: إثنان منهما مطلقان غير مشروطين، وثلاثة مشروطة بالاستطاعة: مادية (الزكاة)
والبدنية (الصوم) والروحية (الحج). وفي الحقيقة فإن الشرط الروحي هو شرط الشروط
جميعا، لكونه هو الضامن للصدق في حصول الشرطين الآخرين، إذ يمكن لمن ليس له الشرط
الروحي ألا يزكي مخفيا توفر النصاب. ويمكن لمن ليس له الشرط الروحي ألا يصوم مدعيا
المرض. وبذلك يكون الاثنان غير المشروطين حدّي الثلاثة المشروطة: فالشهادة هي
البداية ولا يمكن وحدها أن تضمن توفر الشرط الروحي لكونها قد تقف عند الإسلام دون
الإيمان. والصلاة هي الغاية إذا صدقت، صدقت الشهادة فتمت الفروض الأخرى على أحسن
الوجوه لحصول النقلة من ظاهر الإسلام إلى حقيقته أي الإيمان. وذلك هو جوهر الجهاد
الأكبر الذي تحدث عنه الرسول.
أما الجهاد فقد حصره هيـﭬل في معناه الأصغر أي في الموت من
أجل العقيدة (العقيدة الإسلامية).
العقيدة الحلولية...
أي أن الله لم يصبح روحا إلا بفضل تأنّسه، والإنسان لا يصبح إنسانا إلا بفضل
تألّهه. وذلك هو جوهر العولمة الهدّامة التي نعيشها الآن والتي من جوهر الإسلام
التصدي لها لتحرير الإنسانية والكون من أضرارها واقتلاعها من أصلها.
تعليق المؤلف محمد كشكار: الكاريكاتور في هذا الأمر أن بعض
المجاهدين الإسلاميين المعاصرين لم يفهموا الجهاد الأكبر بهذا المعنى
"المرزوقي" ولم يفهموا أيضا الجهاد في معناه الأصغر أي في الموت من أجل
العقيدة الإسلامية وذهبوا أفواجا يجاهدون ويقتلون بالمئات إخوانهم المسلمين
السوريين (أنا لا أساند مسلما يقتل مسلما، يعني لا أساند النظام السوري
الديكتاتوري ولا أساند المجاهدين المرتزقة المأجورين من قِبل قطر والسعودية و
تركيا وأمريكا والاتحاد الأوروبي) وتركوا في جوار سوريا أعداءهم في العقيدة،
أعداءهم المستوطنين الصهاينة الذين ينعمون بالسلام والاطمئنان في فلسطين والجولان
ومزارع شبعا اللبنانية وينظرون إلينا بارتياح ونحن نتقاتل ونبلي البلاء الحسن في
الحروب الأهلية (الحرب اللبنانية بين المسيحيين والمسلمين، الحرب العراقية بين
السنّة والشيعة، الحرب السودانية بين المسلمين والمسيحيين وبين المسلمين
والمسلمين، الحرب الفلسطينية بين حماس وفتح ، الحرب اليمنية بين القاعدة والجيش،
الحرب الأهلية المحتملة في مصر بين الأقباط والمسلمين، الحرب الأهلية المحتملة في تونس بين السلفيين
والنهضة). رحماء على الأعداء أشدّاء على الأشقّاء.
العولمة الهدّامة التي يقصدها أبو يعرب هي العولمة
الأمريكية-الصهيونية وقد أشار إليها صراحة في مواقع أخرى في هذا الكتاب وهو يؤكد
أن من جوهر الإسلام التصدي لها.
ولكن يحق لنا أن نتساءل: هل تصدّت لها الحركات الإسلامية التي
استلمت السلطة بعد "الثورات" العربية في تونس ومصر وليبيا ؟
قال أبو يعرب المرزوقي:
"الرسالة الإسلامية مطالَبة بتحديد الأجوبة للإنسانية جميعا وليس للمسلمين
فحسب".
تعليق المؤلف محمد كشكار:
ما أنبلها وما أرحبها رسالة لقوم
يفقهون وما أصغرنا أمة بين الأمم وما أصعبها مهمة ابتُلِينا بها وما أثقلها
مسؤولية ألقاها الله على عاتقنا ومن أدراك أننا نحن المستخلَفون ؟ خاصة عندما نري
حال المسلمين اليوم. عجزوا عن استنباط حلول لمشاكلهم، لم يجدوا حلا للجوع والحرب
الأهلية في الصومال المسلمة ولم يكتشفوا تلقيحا ناجعا ضد خيانة وعمالة بعض
القيادات العربية ولم
يصمدوا ضد أصغر شعب معتدٍ في العالَم، ونحن نطالبهم بتعليم أرقى من تعليم فنلندا
وبحقوق أعلى من حقوق الميثاق العالمي لحقوق الإنسان وبعدالة اجتماعية أفضل من اشتراكية
ماركس وبديمقراطية أحسن من برلمانية بريطانيا وبصناعة أكثر تقدما من صناعة اليابان
وأقل تلوّثًا منها وبمكتسبات اجتماعية أرقى مما يتمتع بها الفرنسيون
والأسكندنافيون في القرن الواحد والعشرين.
قال فارس العرب عمرو
بن معدي كرب:
لَقَد أَسْمَعَت لَو
نادَيْت حَيّا ** وَلَكِن لا حَيَاة لِمَن تُنَادِي
ولو نار نفخت بها أضاءت ** ولكن أنت تنفخ في رمادِ
من وحي
أبي يعرب المرزوقي
-
التونسي ليس بالضرورة
مسلما. ولا حاجة له لإخفاء عدم إسلامه سواء كان على دين آخر أو ملحدا بل هو -لمجرد
كونه مواطنا تونسيا- له الحق كل الحق في أن يسهم في خيار الشعب التونسي ونظامه
الدستوري وقواعد عيشه المشترك. وهذا القول يصح عقلا ويصح كذلك نقلا. ولنكتفي بإثبات
الصحة النقلية إذ لا حاجة لإثبات الصحة العقلية: فذلك هو معنى المواطنة. إنه يصح
نقلا لأن القرآن الكريم يفرض على الدولة الإسلامية أن ترعى حق أهل الأديان الأخرى
في تطبيق شرائعهم بينهم (المائدة عامة والآية 48
خاصة). وحتى الإلحاد أو الكفر بلغة دينية فهو معدود نوعا من الدين في القرآن
الكريم الذي يؤجل الأديان الخمسة ومعهم الكافرون -دينا سادسا إن صح التعبير- إلى
يوم الدين للفصل بينها.
-
الديمقراطية، هي نظرة
لطبيعة الحقيقة العملية والخلقية تجعلها مقصورة على ما تجمع عليه إرادة الجماعة من
قيم وقوانين وقواعد وجود مشترك. فالمشرّع فيها ليس العقل ولا الوحي المتجاوزان لإرادة الجماعة بل
هي إرادة الشعب...
-
أن تكون الحقيقة العقلية
والنقلية في ذاتها مطلقة وموجودة في العلم الإلهي ليس موضوع كلامنا بل دعوى أن
علمنا الإنساني بهما مطلق فذلك هو المشكل.
سعد الله ونّوس
"إن بعض الظن إثم" سعد الله ونّوس
المصدر:
مسرحية "ملحمة السراب"،
سعد الله ونّوس، مسرحي سوري، دار الآداب للنشر والتوزيع، بيروت، الطبعة الثانية
عام 2002، 160 صفحة.
نص الكاتب:
الفصل الثاني (بيع الأراضي يثير في
القرية هيجانات وصدامات... وقابيل يقتل أخاه هابيل)، مشهد 6 (ركن نصف معتم تتراقص
فيه ألسنة من ظلال داكنة الزرقة، يبدو عبود الغاوي وخادمه الأحدب مثل شبحين. وثمة
تغيير طارئ وغريب قد ألمّ بهما ولا سيما الخادم).
صفحة 62: الخادم الأحدب: حين سمعتك
تتحدث مع الشيخ عباس، تذكرت تلك الليلة الثلجية، التي كنت تسهر فيها على جثمان
أخيك.
عبّود الغاوي: ومن أعماق روحي كنت
أناديك.
الخادم: لبّيت النداء. وعقَدنا
ميثاقا ممهورا بالدم. أليس بيننا ميثاق ؟
عبود: نعم.. بيننا ميثاق، لم أشعر
يوما بالخوف أو الندم على توقيعه.
الخادم: وهذا ما يجعلني أتفانى في
خدمتك، وفّرت لك ما تحتاجه من الثراء والقوة.
عبود: وبالمقابل أهديتك روحي
اللطيفة.
الخادم: هدية ثمينة أخشى أن تنزلق من
بين يدي في لحظة غفلة.
عبود: دع التلميح، وأفصح. ما الذي
يضايقك ؟
الخادم: لا أعلم أن خطتنا تتضمن بناء
الجوامع.
عبّود: (...) الجامع ! معك حق. هذا
إلهام جاءني هنا. ولكن ليس هناك ما تخشاه.
الخادم: هل تسخر مني ؟ تريد أن تبني
جامعا، وتقول لي ليس هناك ما تخشاه !
عبود: أتظن أنه سيكون مكانا للتقوى،
ومعاكسة مشاريعنا !
الخادم: وماذا يكون إذن ؟
عبود: هذا السؤال لا يليق بخبرتك
ونباهتك. ألا تلاحظ ما يحدث حولنا ؟ لن يدخل الجامع إلا رجال يبتغون الدنيا لا
الآخرة. تقواهم رياء، وصلاتهم زلفَى. رجال أفسدت إيمانهم الأطماع والشهوات، ولا
يذكرون الله إلا لمنفعة من ثروة أو سلطة.. وبعد بضع سنوات أو أقل، سيكون هذا
الجامع حاضنة تفرّخ القتل والتعصّب والظلام. نعم.. في هذا الجامع سيكون للشيطان
نصيب أوفى من نصيب الله.
الخادم: أكنت تدرك هذه الحقائق كلها،
حين اقترحت بناء الجامع ؟
عبود: وكنت أدرك أيضا أن اقتراحي
سيضاعف مصداقيتنا، وأن بناءه سيوفّر لنا موقعا مهما لإدارة الأعمال وضمان نجاحها.
الخادم: لست نادما لأني اصطفيتك،
ولبيت نداءك. قل لي.. هل تشعر أنك تتحسن ؟
عبود: لا أدري بعد.. على كل، إني
أتسلى. هذه أول مرة أخالط فيها الناس، وأبادلهم الأحاديث والنظرات.
الخادم: يسعدني أنك تتسلى. ولكن
مخالطة الناس لا تخلو من خطر.
عبود: وما هو هذا الخطر ؟
الخادم: أن تنزلق تحت وطأة النظرات
والأحاديث إلى التعاطف.
عبود: لا تخف، ما يجذبني، ويسلّيني
هو الطرافة لا أكثر.
الخادم: إذن. تسلّ.. كما تشاء. وأعدك
أن تكون التسلية الكبرى من إعدادي وتحضيري (يخرج مرآة يمسحها، ويهزها بطريقة
معينة، حتى تصفو، وتتجلى فيها صورة رباب.) تأمّل هذا الوجه، الذي يتفجر سحرا
وجمالا.
عبود: (تبرق عيناه) حقا ! إنها آية
ساحرة.
الخادم: هل أعجبتك ؟
عبود: (وهو يجاهد كي ينتزع عينيه من
المرآة) لا.. لم نأت كي نبحث عن اللذات، بل كي نتجدد.
الخادم: ليكن.. حين تتجدد دماءك،
ستكون تسليتي في انتظارك.
عبود: بدّد هذه الظلال. وأخرجني إلى
الضوء.
(تتراقص الظلال والأضواء الشاحبة ثم
تنطفئ الإضاءة)
انتهى المشهد 6
علي حرب
فاستوت عندئذ في نظره العقائد جميعها
! علي حرب
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 162: فاستوت عندئذ في نظره
العقائد جميعها. وصار يرى في كل معتقد أو شرع أو مذهب، وجها من أوجه الحق، أو صورة
من صوره، أو اسما من أسمائه. وتقرّر عنده أن لا موجود إلا وينتسب إلى الحق نسبة
ما، إذ لا شيء سوى هذه النسب والإضافات. واطرح، إذ ذاك، المفاضلة بين الثقافات
والعقائد والمذاهب. وانجلى له أن كل هوية تخفي بقدر ما تبدي، وتعطي بقدر ما تحرم.
وأن كل معتقد يعقد في مجال ويحل في مجال. وأن كل مذهب يستحسن أشياء ويستقبح أشياء.
وأن كل قول يصرح بشيء ويسكت عن شيء. وأن كل فكر يكشف حقيقة ويحجب أخرى. وأن كل
ثقافة تؤدب بقدر ما تقمع، وتهذب بقدر ما تلجم. وأن كل نظام يصلح بقدر ما يفسد،
ويرتق بقدر ما يفتق. وأن كل تأسيس يبقي على جوانب وينفي جوانب.
وتكونت عنده رؤية متكاملة للإنسان.
إذ الإنسانية لا تستنفذها هوية بعينها، ولا يحتويها عرق مخصوص، أو جماعة خاصة. ولا
تستغرقها حقبة معينة، أو طور تاريخي خاص. ولا يعرفها صنف من أصناف البشر، أو نموذج
من النماذج البشرية. فمنها الوحشي والمتمدن، والقديم والحديث، والزنجي وغير
الزنجي، والغربي والشرقي، والشمالي والجنوبي، والجاهلي والإسلامي، والمؤمن
والمهرطق، والسوي والمجنون، والمنضبط والمنحرف، والراشد والطفل... وصار يعتبر كل
تجربة إنسانية نمطا من أنماط الكينونة، ومغامرة من مغامرات العقل، وشكلا من أشكال
الحضور، وجزءا من تراث الإنسان. ونظر إلى الإنسان بكل شروطه وأبعاده، وبمختلف
شروطه وأطواره، بتعاليه وتناهيه، بمفارقته وملازمته، بكماله ونقصه، بعقله ووهمه،
بإيمانه وشكه، بحكمته وحمقه، بصلاحه وفساده، بمسالمته وعدوانيته، بحبه وكرهه،
بنبله ودناءته، بذاتيته واختلافه. ووجد أن ما يفتقده المرء على مستوى، يجده على
مستوى آخر. وما ينفيه بوجه، يستعيده بوجه آخر، وما ينقطع منه من شيء، يصله في آخر.
وما ينقصه في جانب، يستكمله في آخر. وما يفوته في طور، يحققه في طور آخر. وتحقق
عندئذ من معنى "الإنسان الكامل". فالإنسان يحفظ جميع الأسماء، ويقبل كل
الصور ويتمرأى مع كل الذوات. فهو ذرة في الكون، ولكنه يشتمل على مفرداته، ويختزن
أسماءه وصوره. إنه عالم أصغر ينطوي على عالم أكبر. وأيقن أن كل ما يحدث في هذا
الكون حقائق لا سبيل لجحدها. فالتُّقَى والفجور، والعلم والجهل، والعدل والجور،
والمحبة والعداوة، والحسن والقبح، والسعادة والشقاوة، والحياة والموت...كلها
حقائق، ولكنها ليست الحق. إن الحق أوسع من أن يحد ويحصر. وخلص إلى أن أنسب ما يوصف
به هذا الإنسان يمكن استعارته من مصطلحات الصوفية. فهو ليس شيئا آخر سوى هذا
التقلب بين الظاهر والباطن، والأول والآخر، والشاهد والغائب، والهوية والغيرية،
وذلك التردد بين مختلف الأسماء والصفات، والأشكال والأوضاع.
لننظر قليلا في أحوال أمتنا
العربية-الإسلامية. علي
حرب
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 90: وكان قد نظر في أحوال أمته،
فوجد خللا أساسيا واضطرابا دائما في أمور السياسة، وهي التي ترعى مصالح العباد
وتسيّر شؤون البلاد. وقد ظهر له ذلك بوضوح منذ البداية. فمنذ انتهاء زمن النبوة
وابتداء عهد الخلافة، والرئاسة عند أهل الإسلام لا تستقر على حال ولا يستقيم لها
أمر. فقد كانت على الدوام مجالا للتنازع والاقتتال، وهدفا لِحَوك الدسائس
والمؤامرات. ولم يكن بمقدور رئيس منذ حادثة السقيفة حتى الانقلاب الحديث، أن يحوز
على الشرعية التامة أو أن يحيا حياة سوية. فهو إما أن يكون قابضا على الأمر، أو
يكون في السجن أو المنفى أو القبر، إن لم يكن متخفيا يدبر المكائد للإطاحة
بالسلطان القائم. وأظهر دليل على ما اعتوَر الحياة السياسية في ملته من الاضطراب،
أن ثلاثة من خلفاء النبئ ماتوا قتلا. وقد بلغ السوء في بعض الأزمنة حدا كان حكم
الخليفة لا يدوم فيه أكثر من يوم واحد. وهو يعرف أن كُتب التاريخ تضج بذكر الأخبار
التي تصف ألوان الفساد السياسي وفنونه التي بلغت حد الفحشاء. نعم إنه يدرك أن أمته
لا تنفرد بين الأمم بهذه المساوئ والمثالب. ولكن ذلك كان يحمله على التشكيك فيما
يدّعيه أهل ملته من الفضل لأنفسهم، وفي زعمهم احتكار الحق وحدهم من بين سائر عباد
الله. وكان كلما أمعن النظر في تاريخ قومه، دعاه ذلك إلى التساؤل عما إذا كان قومه
قد عاشوا حياتهم على نحو أصلح من غيرهم. بل ذهبت به الخواطر إلى التساؤل عما إذا
كانت حياتهم بعد الدعوة، باستثناء عهد النبوة وزمن المعجزة، وهو زمن خاطف نادر
الوقوع في حياة الشعوب، أفضل وأصلح من حياتهم قبلها، من حيث الرئاسة والسياسة، أو
من حيث الوئام والسلام، أو من حيث الخُلق والمروءة.
ومما قوّى شكوكه ودعّم رأيه، أنه في
اليوم الذي كان يناقش فيه مسألة العُري (السفور والتحجب) مع زوجه ونفر من أهل
بلده، سمع أن وزيرا في حكومة أولئك القوم الغرباء، قد غُرّم لتأخره عن الوصول إلى
مجلس الوزراء في الموعد المحدد. وقد أدهشه السبب الذي يُعاقب من أجله مسؤول كبير
في بلاد يُتّهم أهلها بالشرك والخلاعة والفجور. بينما الأمر في بلده على النقيض من
ذلك. ففي بلده لا يكفّ أولو الأمر والوعاظ عن الدعوة إلى الاحتشام بإخفاء المفاتن
وستر العورات. ولكن لا يُحاسب مسؤول في بلده على كبائر الأمور فكيف يُحاسب على
صغائرها.
وتفكر فيما وجده عند الغير من الصلاح
في بعض وجوه الحياة وما وجده عند أهله من الفساد في بعض الوجوه. فعلم أن الأمر ليس
صلاحا كله ولا فسادا كله. وأعتقد أن التقوى قد تخفي فجورا والإيمان جحودا،
والتوحيد شِركا، والطاعة معصية..
وشرع يضرب الأمثلة ويورد الشواهد
لتأييد ما ذهب إليه. وقد نظر أول ما نظر في الصيام الذي هو ركن من أركان الدين
وطاعة من أهم الطاعات. فكان يلاحظ من جهة أولى أن الناس يستعدون لاستقبال شهر
الهدى، فيبتهجون لقدومه ويصبرون على صومه ويُراعون آدابه. غير أنه كان يلاحظ من
جهة ثانية أن أسعار البقول ترتفع أضعافا مضاعفة مع حلول الشهر المبارك. والسبب في
ذلك إما جشع التجار وإما ازدياد الاستهلاك لإقبال الناس على الشراء. مع أن شهر
رمضان هو شهر التوبة والمحاسبة. ففيه ينبغي أن يتقي التجار ربهم بالامتناع عن رفع
الأسعار. وفيه ينبغي أن يزهد المرء بعض الشيء بالإعراض عن المباهج. غير أن الأمر
لا يجري على هذا النحو. فالتاجر يصوم ولكنه لا يخرج عن قاعدة العرض والطلب، فلا
يتورع عن رفع الأسعار. والصائم يمسك عن الطعام ولكنه يقبل على الأكل عند الإفطار
أكثر مما يفعل في الأيام العادية، وينفق في هذا الشهر على مأكله أكثر مما ينفق في
الأشهر الأخرى. وكم كان يتساءل أمام نفسه وأمام الناس أيضا، كلما نظر في ممارسات
الناس لصيامهم، كيف أن قوانين السوق تعلو على أحكام الشرع، وكيف أن حاجات الجسد
تطغى على متطلبات الروح. وهو لم يرد بذلك تجريد الناس من كل إيمان. فهو يدرك أن
الإنسان مفطور على الإيمان والعبادة والتقديس. وما من أحد يعرى من نزوعه إلى
التدين، أي إلى الطاعة والامتثال. وقد يكون بعض الناس في صيامهم يصدرون عن إيمان
صادق وعن طاعة حقة، ولكنه كان يرى أن الصيام كما يمارسه الكافة، أقرب إلى ممارسة
الطقس إن لم يكن رياضة ومجاهدة. وهو طقس جميل يجري بطريقة احتفالية وتتولد عنه
أجواء حميمية. ولعل الجماعات الإنسانية مفطورة أيضا على ممارسة الطقوس وعلى
الاحتفال. فالطقس يشعر الفرد بانتمائه وبهويته الجمعية. وقد يطرد من قلبه الإحساس
بالغربة والوحشة. هكذا كان يرى أن العبادات لا تصدر في أغلب الحالات عن تقى عميق،
ولا تؤدي للزهد بالذات أو إلى مساواة فعلية بين الناس أو إلى وئام حقيقي بين أفراد
الجماعة، كما يُفترض فيها أن تفعل. لم تكن تفعل فعلها العميق في تربية الإنسان
وتهذيبه أو في ردعه وزجره، بقدر ما كانت عبارة عن طقوس وشعائر تعبر عن هوية
الجماعة وتسهم في تكفيرها عن سيئاتها. ولكل أمة طقوسها وعباداتها. وبالفعل فإن
ممارسة العبادات في ملته لم تقف حائلا دون أن يعيش أهل هذه الملة حياتهم الواقعية
كسائر خلق الله بخيرها وشرها، وحسنها وقبحها، وحلالها وحرامها، وصلاحها وفسادها،
وسويتها وانحرافها.
وكان يمعن النظر في سلوك الناس
فينكشف له أن الإنسان كائن متعدد الأبعاد كثير الوجوه. يُبرز وجها ويخفي آخر،
فيتقي ويفجر، ويطيع ويعصي، ويحب ويكره، ويسالم ويعادي... فقد لاحظ أن الناس في
بلده يحاسبون على أشياء ويهملون أشياء، يتذكرون أمورا وينسون أخرى، ويكفون عن
الهوى من وجه ليستعيدوه من وجه آخر. فهم يمتنعون عن الطعام ليقبلوا عليه بقوة
وشدة. ويحاسبون مَن لا يصوم ولكنهم يتغاضون عن احتكار السلع والفحش في رفع
الأسعار. ويحاسبون على خلع الملابس ولا يحاسبون على استثمار مياه البحر أو هدر
الموارد. بينما الأمر على العكس في بلاد أخرى حيث لا يُحاسب الفرد على طريقة
الملبس أو على ممارسة الفرائض، ولكنه يحاسب على رفع صوت الراديو أكثر من اللازم،
ويحاسب على التلاعب بالأسعار، بل يحاسب على التأخر عن أداء واجبه مهما علا شأنه
وأيا كانت مرتبته. وكان بمقدوره أن يورد من الأمثلة التي تؤيد رأيه في كل مجال من
مجالات الحياة وفي كل دوائر الاجتماع.
ما من طاعة إلا ووراءها معصية ! علي حرب
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 105: وتحقق له عندئذ أن ما
ينفيه الإنسان من نفسه يبقى فيها ولا يفارقها. ورأى أن في داخل كل واحد يقيم جاحد
وضال وفاجر. والجحود والضلالة والفجور على اتصال وثيق بالإيمان و الهداية والتقى.
فهي ليست أضدادها بل وجوهها الباطنة وهيئاتها الخبيثة. ذلك أن الضد من شأنه إذا
وجد أن يفسد ضده. والحال فإن التقى لا قوام له من دون الفجور، فالإنسان إنما يتقي
ربه من نفسه، أي مما ينبعث فيها من ميل إلى الكفر والعصيان، ومما تُوسوس به
وتُحدّث. ولو انعدم الفجور لما وجد التقى. إذ ما هو الشيء الذي ينبغي للمرء أن
يتقي ربه منه، بل نفسه، فيحميها من خطرها، إن لم يكن فجوره، أي انفجار مكبوته
وانبساط باطنه. وإذا كان التقى، بما هو هيئة فاضلة للنفس، يبدو وكأنه نقيض الفجور،
بما هو نقص ورذيلة، فإن التقى لا يزيل الفجور بل يخفيه ويستره، أو يلجمه ويكبّله.
فالفجور من الانفجار كما في الوضع اللغوي. وعليه فالتقوى لِجام يضبط به الإنسان
فجوره ولباس يواري به معصيته. ولهذا، قال الحلاج: ما من طاعة إلا ووراءها معصية...
فبالتقى يتقي الإنسان في ظاهره ما في باطنه. فهو تقوى من جهة، أي خوف وخشية، وهو
وقاية من جهة ثانية، أي حماية وستر. وعند ذلك أيقن مما كان قد افترضه، أي القول
بأن الإنسان ليس إلا هذا التستر على عوراته وعيوبه.
هكذا، اتضح له أن الإنسان يبدل أقنعة ويتبدل بين أزمنته،
فيتقلب بين الظاهر والباطن ويتأرجح بين الأول والآخر ويتردد بين المكشوف والمحجوب.
وخلص من ذلك إلى القول بأن مَن نتهمهم بالضلالة والشرك والفجور هم الوجه الآخر
لنا، وأن اختلافنا عن الغير هو في الحقيقة اختلافنا عن أنفسنا، فما نكرهه فيه كامن
فينا، وما يعجبنا من أنفسنا قابع فيه. فهو بعضنا ونحن بعض منه. وهو شطرنا
الإنساني. إنه ما كنّاه أو كان يمكن أن نكونه أو ما قد نكونه. وما وصفناه بوصف إلا
كنّا ذلك الوصف.
تعليق المؤلف محمد كشكار
قرآن:
"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ
أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا".
توْصِيفٌ عِلْمِيٌّ
لـ"النفس الأمّارَة بالسوء" ؟
السؤال العام: أين تَسْكُنُ "النفس الأمّارَة بالسوء" داخل جسم
الإنسان ؟
الجواب العلمي (حسب اجتهادي
المتواضع): من حسن حظنا أنها تتقاسم السكن مع "النفس الأمّارَة بالخير"
داخل كل خلية بشرية من خلايانا وعددها يقارب 100 ألف مليار. إن النفسَين
المتناقضتَن والمتخاصمتَين باستمرار، هما ببساطة مجموع جيناتنا وعددها يقارب 25 ألف
في كل خلية (Et c’est notre
ADN).
المفارقة الكبرَى أن جيناتَنا
جُبِلت على الخير والشر في نفس الوقت (Nos gènes ont été sélectionnés naturellement pendant
des millions d’années).
ما هو عملُ الخير؟
هو التضامن والحب والإيثار
والتسامح والعفو والكرم الذين قد يكون يكنّهم فردٌ إلى أعضاء مجموعته، مجموعة غير
ثابتة أي تتغير حسب المحيط (المكان، الزمان، السنّ، الإرث الصحي والمالي والثقافي
والرمزي والاجتماعي، الحالة الصحية والمادية والنفسية والاجتماعية، إلخ.)، أي يكنّهم للمجموعةُ التي ينتمي لها هذا الفردُ، هي مجموعةٌ قد تتسع وتضيق حسب
الظروف الطارئة، وقد تكون العائلة الضيقة أو العائلة الموسعة أو القبيلة أو الحي
أو البلدة أو الجهة أو البلاد أو الأمة أو اللغة أو الدين أو الثقافة أو القومية
أو العِرق أو الإيديولوجيا أو الحزب أو النقابة، إلخ.
ما هو عملُ الشر (أو السوء) ؟
هو التنافس، العدوانية،
الأنانية والجشع والإقصاء والعنصرية والتباغض الذين قد يكون يُضمرهم فردٌ من
مجموعة "أ" نحو فردٍ أو أفراد من مجموعة "ب". هذه المجموعة "ب" قد تتجسد بالنسبة
لنا في الأجنبي أو الغربي أو اليهودي أو الملحد أو المختلف عنّا عمومًا.
كيف نكسر من شوكة "النفس
الأمّارَة بالسوء" ونقوّي من شوكة "النفس الأمّارَة بالخير" ؟
لا سبيلَ إلى ذلك إلا بِشنِّ حربٍ على الأولى
بمساعدة الثانية (المعضلة أن الاثنتَين موجودتان في شخصٍ واحدٍ)، حرب لا صلح فيها
ولا مصالحة، حربٍ أسلحتها الوحيدة هي التربية والتعليم والصبر والرضا بالقدر، حرب
لا منتصرَ نهائيَّا فيها، وللأسف الشديد هي حربٌ تتجدد مع كل مولودٍ جديدٍ، لأن
الجينات (ADN) تتجدد بالوراثة، لكن "مقاومةَ شرّها أو تقويةَ خيرها" فهما صفتان مكتسبتان أو لا تكونان ! لذلك لا نهضةَ لشعبٍ إلا
عن طريق التربية (L’Éducation) ولا طريقًا آخرَ متاحًا اليومَ غيرها.
سُئل مرة مؤرّخ الثورة الفرنسية، جول ميشلي (1798-1814):
- ما هي أول مرحلة في السياسة ؟
- فأجاب: التربية. وما هي الثانية ؟ فأضاف: التربية. وما هي الثالثة ؟ فأردف:
التربية.
Conclusion de Christian de Duve, Prix Nobel de médecine en 1974, Un biologiste et moraliste :
Les individus humains ont été
sélectionnés naturellement à travers des millions d’années pour être solidaires
(أي النفس الأمّارَة بالخير), solidaires à l’intérieur de leur groupe (famille, nation, religion, idéologie,
paradigme scientifique, système philosophique, langue, parti politique,
syndicat, etc.), hostiles (أي النفس الأمّارَة
بالسوء), hostiles envers les autres groupes (nation étrangère,
religion différente, langue différente, paradigme scientifique différent,
système philosophique différent, culture différente, parti politique adverse,
etc.).
خاتمة:
لذلك نلاحظ أن الشر لم ينقرض من الأرض (الحرب، الفساد،
السرقة، الكذب، الغدر، الخيانة، الإجرام، إلخ.)
ولن ينقرض مادام يُتوارَثُ في الجينات، ولا قدرة لنا عليه، هو قَدَرُنا المشئوم
والمحتوم، لكن علينا الحدّ من سلبياته عن طريق التربية والتعليم. نلاحظ أيضًا أن الخير لم ينقرض من الأرض (التعاون،
الرحمة، الحب، إلخ.) ولن ينقرض مادام يُتوارَثُ في الجينات أيضًا، نرحّب به،
قَدَرُنا المحمود والمحتوم، وعلينا تنميته عن طريق التربية والتعليم أيضًا.
Ma source d’inspiration:
Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie.
Christian de Duve (Prix Nobel de médecine en
1974, Un biologiste et moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris,
2017, 240 pages.
لو لم تختلف الذوات والعقول والآراء
لانعدمت الدلالة ومات المعنى ولَسيطر الخواء والاستبداد. علي حرب
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية"، علي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 43: فاتضح له أن لا تستقيم هوية
للأنا من دون الآخر، وأن الوعي بالذات يمر بالضرورة عبر الغير، وأيقن أن الآخر
حاضر في الذات بقدر ما هو غائب، وقريب بقدر ما هو بعيد. إذ الغير هو الوجه الباطن
لنا وهو ما كنّاه أو ما يمكن أن نكونه. واستقر عنده أن لا تشابه بإطلاق ولا تباين
بإطلاق.
وعند ذلك تبدلت نظرته للمغايرة
والاختلاف وأدرك أن الاختلاف هو الأصل في يقظة الوعي وتجدد الفكر وتطور الحياة.
وتأيد ذلك عنده بما نطقت به الآية في صدد الاختلاف: "إن في اختلاف ألسنتكم
وألوانكم لآيات للعالمين"، وغيرها من الآيات التي تتحدث عن اختلاف الشعوب
والقبائل، واختلاف الذكر والأنثى، واختلاف الليل والنهار. فتفكر في معاني تلك
الآيات وحاول قراءتها من جديد. فانكشف له أن الاختلاف يولد المعنى ويخلق الدلالة.
فلو لم تتميز الأشياء بعضها عن بعض، لما كان ثمة إمكان لمعرفة شيء. ولو لم تتبدل
الأشياء وتتغاير لما كان ثمة تجدد وتطور. وما لم يختلف الناس بعضهم عن بعضهم في
أجناسهم وألوانهم وألسنتهم، لما كان ثمة إمكان للتعارف. ولو لم تختلف الذكورة
والأنوثة لانتفت الغرابة والدهشة ولحلّت التفاهة والبلادة. ولو لم تختلف الذوات
والعقول والآراء، لانعدمت الدلالة ومات المعنى ولَسيطر الخواء والاستبداد. فأيقن
عندئذ أن الاختلاف آية من آيات الخلق وسبيل إلى التجدد والتطور وأداة للتعارف، وأن
به تتولد الدلالة وينبجس المعنى. وهو نعمة ورحمة.
رأي في الجمهور. علي حرب
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 26: فالجمهور أو العامة لا
يدركون الأمور بالعقل والبرهان بل يدركونها بالمناسبة والتمثيل، أي بما يناسبها من
الأمثلة المحسوسة والشواهد الملموسة. وهم لا قدرة لهم على تأويل الحقائق، بل يقفون
عند الظاهر ولا يتعدونه إلى الباطن. وهم لا
يتفقهون في المسائل ولا يتدبرون الأفعال، بل يقلدون في آرائهم العلماء
ويطيعون في أفعالهم الرؤساء وينفذون الأوامر دون نظر أو تدبير. ومما زاد في
اقتناعه برأي الحكماء في صفات الجمهور، أنه كان ينظر إلى العوام من الناس وهم
الجمهور الغالب والسواد الأعظم، فيراهم يؤلّهون رؤساءهم ويجلّون علماءهم ويخلعون
عليهم ألقاب الآلهة، فيمجّدونهم ويعظّمونهم وينزّهونهم عن الضد والند والشريك،
ويعتقدون بعصمتهم عن الخطأ ويتماهون معهم ويتعصّبون لهم ويغضبون لغضبهم. بل كان
يرى أحيانا أن الناس يغضبون لرؤسائهم الأموات منهم والأحياء، أكثر مما يغضبون لله
الواحد المتعالي. بل كان يرى أن الإساءة إلى الرؤساء قد تجر الخلق إلى فتنة لا
تحمد عقباها. وتفكر في هذا الأمر وأمعن فيه فتقررت عنده جملة حقائق:
لقد تقرر عنده أولا أن الجمهور ليس
عقلا ولا رأي له. فلا تنفع معه الحجة ولا يقنعه الدليل. بل الأنفع والأعدل بحقه
التسليم والتقليد والانقياد. وقد وجد أن هذه الصفة لا تختص بجمهور دون آخر، وإنما
تشترك فيها الجماهير عامة عند كل أمة وملة وفي كل عصر وحال. وتبين له إذ ذاك خطل
الآراء التي تتحدث عن تحرر "الجماهير" و"وعي" الطبقات. إذ
الجمهور هو هو على الدوام، قوة غفل ومادة للانقياد. وجمع، لا وعي له ولا يملك زمام
أمره. فأكثرهم لا يعقلون ولا يفقهون. ولذلك سرعان ما تبدل الجماهير والعامة
مواقفها وتنقلب على أوضاعها، فتنتقل من النقيض إلى النقيض.
على أنه رأى أن تلك الصفة هي صفة
الجمهور بما هو جماعة إنسانية وكينونة جماعية، لا صفة الفرد الواحد والكائن
العاقل. إذ لم يخامره شك في أن الفرد الواحد من الناس يدرك ويعقل، فيميز بين الحق
والقبح، والخير والشر، والنفع والضرر. غير أنه وجد أن الجمهور، بما هو جماعة،
محتاج دوما إلى رئيس مدبر عاقل يسوسه ويرعاه. ولهذا، كانت الجموع دوما آلة السلطان
وموضوع السيطرة وأداة قيام الدول ونهوض الدعوات. وحتى ولو وجدت مجموعة من العلماء
فإنها تحتاج، بما هي كينونة اجتماعية، إلى رئيس عاقل يدبرها ويدير شؤونها.
وتقرر عنده ثانيا أن الجماعة
الإنسانية تأتمر بالغيب وتنزع إلى المتعالي وتهاب المقدس. وهي يستبد بها الوهم
ويحركها الخيال وتعشق الرموز. وتبين له أيضا أن الجماعات بقدر ما تأتمر بالغيب
وتحيا على نحو رمزي، فهي تميل إلى تجسيد الغائب في الهُنا والآن وفي الزمان والمكان،
إذ لا بد من أن تشهد الغائب في الملموس واليومي والمعاش. وهي بذلك النقيض من الفرد
الواحد العاقل. إذ الفرد العاقل ينطلق مما هو محسوس وعيني إلى المجرد والمعقول،
وإلى الكلّي والغيبي.
(...) واتضح له كذلك أن طلب البرهنة
في كل أمر من الأمور الاعتقادية قد تكون له مساوئه ومضاره بالنسبة إلى حياة
الجماعة. ذلك أنه إذا كانت الجماعة لا تحيا حياتها من خلال العقل وحده، وإذا كان
وجودها بما هو كينونة اجتماعية ينطوي على قدر من التوهم، فإن استخدام العقل قد
يفكك عرى الجماعات الإنسانية، وذلك بقدر ما يميل العقل الباحث بالإنسان إلى تعرية
الأوهام التي تغلف حياة البشر وهتك الأسرار التي تكتنف المقدسات وفك الرموز التي
منها تُنسج المعتقدات والأساطير. فالعقد الاجتماعي بين البشر محتاج إلى معتقد.
والمعتقد يضرب بجذوره في اللامعقول وينهل من الطاقة الرمزية التي يختزنها الإنسان،
طاقة على الإيحاء والتخيل، وقدرته على إنتاج المعنى وخلق الدلالات.
فصحّ عنده ما ذكره ابن رشد في
"تهافته"، وما مفاده أن لا شريعة تقوم على العقل وحده، وأن الشرائع التي
تتجاوز المعقول إلى الغيبي والإلهي أحثُّ للبشر على الالتئام والطاعة والانقياد.
ورجع إلى أقوال الشيخ الأكبر ابن عربي في نصوصه وحيث يؤكد أن الوهم سلطان أعظم في
النشأة الإنسانية، وأن الشريعة نزهت بالعقل في التشبيه وشبهت بالوهم في التنزيه،
فأثبتها وخلص منها إلى أن الإنسان يعقل بقدر ما يتوهم، وأنه لا ينفك عقل عن وهم
ولا يخلو وهم من عقل.
تعليق رسوم الرؤساء. علي حرب
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية"، علي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 25: وأما في قضية تعليق الرسوم،
رسوم الرؤساء، فإن مما كان يزيد في عجبه من هذا الأمر، أنه يرى أن من يفعل ذلك
إنما يفعله باسم الشريعة ومن أجل نصرتها. وهو يعلم حق العلم أن هذه الشريعة، ويقصد
بها شريعته، إنما أتت لترذل عقائد الجاهلية وتنقض أوثانها وتحطم أصنامها وطوطماتها
باسم الإله الواحد الأحد المفارق الغائب. ولذا، فإنها نهت الإنسان أو استكرهت له
إقامة التماثيل وتصوير الأشخاص أو تعليقها، لأن في ذلك شركا وضربا من الوثنية مآله
عبادة الشخصية.
وتفكر في الأمر، فوجد أن ذلك حق. لأن
مَن يُرى رسمه ويظهر اسمه في كل مكان ويجري ذكره على كل لسان، يصبح كلّي الحضور،
فيكتسي صفة الألوهية ويصير مقارنا لله أو ندا له. ولما عرف ذلك حاول أن يشرح حقيقة
الأمر للناس، وأن ينبههم إلى الخطأ فيما يفعلونه، فينهاهم عن تعليق الصور أو
حملها. غير أنه استدرك وفطن إلى ما نبّه عليه الحكماء بخصوص الجمهور. وخشي أن
يِؤوّل رأيه على غير ما قصد هو من ورائه وأن يُحمل على غير محمله. وتذكّر أقوال
القوم في هذا الشأن مثل: ليس كل ما يُعلم يقال، أو لا ينبغي التصريح بكل الحقائق
أمام الناس، وغير ذلك من الأقوال التي تنصح بمخاطبة الجمهور على قدر عقولهم.
قد يُخفِي التوحيدُ شِركًا والإلحادُ
إيمانًا ! علي حرب
كتاب "خطاب الهوية. سيرة
فكرية" لعلي حرب، الطبعة الأولى 1996، دار الكنوز الأدبية، بيروت لبنان، 176
صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 97: ولا تزال هذه المدنية
(الغربية) على ما تتكشف عنه اليوم من انهيار وفساد، تُبهر الإنسان بمعالمها
ومنجزاتها، بمبتكراتها وأساليبها. والحق أن هذه المدنية وإن عنت عند قيامها
"انسحاب الآلهة" من على مسرح الوعي والفكر، فإنها كانت تنفيه من وجه لتُبقي
عليه من وجه آخر. فقد توارى الله عند أولئك القوم في أحاديته وملكوته ليبقى حاضرا
في عالم الشهادة، أي في أسمائه وصفاته وفي نسبه وتجلياته. وهو تجلى عندهم في نزوع
الإنسان إلى النظام والترتيب إذ الله هو ناموس الكون، وفي نظافة المدينة وجمالها
إذ الله هو الجمال. وتجلى في تفتح العقل وازدهار العلم، إذ العلم صفة من صفاته.
وتجلى في البحث عن الحق، والله هو الحق. وبالإجمال، إنه تجلى في وقوف الإنسان عند
حده ومعرفته أن حده حيث يكون غيره. والله حد بين الإنسان وغيره، بل بينه وبين
نفسه. وهذه الوجوه والتجليات قد جسدتها المدنية الغربية في مبتداها وذروتها مقدارا
من التجسيد. وهكذا كان الإيمان يتوارى خلف الجحود والإنكار.
صفحة 100: ففي الحالة الأولى أي حال
أمته، كان التوحد الوجه الآخر للشرك والجحود والتفرقة. وفي الحالة الثانية، أي
حالة الغرب، كان الجحود الوجه الآخر للتقى والوحدة. وعند ذلك تبين له خطل الرأي
الذي لا يرى من الإنسان إلا وجها واحدا بعينه أو هيئة مخصوصة بالذات.
وها هو يعاني مع أبناء بلده (لبنان)
وملته (الشيعة) وسائر الملل والمذاهب (سنّة ودروز ومسيحيين وأرمينيين) التي تحيا
على أرض وطنه، يعاني من آثار الوثنية التي مثلت وتمثل الوجه الخفي للإيمان
والتوحيد. إنه يرى شِركا وجحودا فيما وراء التوحيد، ويرى جاهلية جَهلاء فيما وراء
الشريعة السمحاء: تنابذا وفرقة واقتتالا وأزلاما وأنصابا وآلهة تمشي على الأرض.
فالناس في بلده لا يكفّون عن اتخاذ أهوائهم وأموالهم ورؤسائهم آلهة من دون الله.
وكأن الإنسان مفطور على الصنمية، مطبوع على الوثنية، يحطم وثنا لكي يصنع آخر،
ويخلع نصبا لكي يقيم آخر.
علي شريعتي
دِينُ الشِّركِ. علي شريعتي
المصدر:
كتاب "دين ضد الدين"، تأليف علي شريعتي (الشهيد
الدكتور علي شريعتي، إيراني قروي، تخرج من جامعة السوربون واختصاصه علم الاجتماع
الديني)، ترجمة حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية، دار الفكر الجديد، العراق، النجف الأشرف،
الطبعة الأولى 2007، 225 صفحة.
نص علي شريعتي:
أبدأ بملاحظة منهجية تتمثل في تعريف مصطلح "دين
الشرك" حسب علي شريعتي، "المصطلح-المفهوم" الذي يستعمله الكاتب
كثيرا في كتابه:
صفحة 76:إذن عندما أتحدث عن الشرك فإني لا أتحدث عن الدين الذي
كان سائدا في الماضي والذي يتجلى في عبادة بعض الحيوانات أو الأشجار أو الأصنام بل
إن المقصود من دين الشرك في كلامي هو: الشعور الديني لدى الناس والذي كان لعبة في
يد الملأ -هم القادة الفكريون، القادة السياسيون، القادة الاجتماعيون، حاشية
وأقارب السلطان- والمترفين الذين حكموا المجتمعات عبر التاريخ الطويل.
صفحة 49: ولكن أي دين هذا ؟ إنه الدين الذي هيمن دائما على
التاريخ- سوى حقب زمنية قصيرة لمعت كالبرق ثم انطفأت- إنه دين الشِّرك مهما كانت
أسماؤه ومسمياته، حتى ولو سمي بدين التوحيد أو دين موسى أو دين عيسى أو ما اصطلح
عليه بخلافة النبي أو خلافة بني العباس أو خلافة أهل البيت أو غير ذلك من الأسماء
والمسميات. إنه دين شرك ودعاة هذا الدين مشركون جاؤوا بلباس الدين وباسم الدين
والجهاد والقرآن. ألم يرفع أتباع هذا الدين القرآن على رؤوس الرماح ؟ إن الذين
رفعوا القرآن على الرماح هم القريشيون أنفسهم الذين جابهوا نبي الإسلام للبقاء على
عبادة اللاّت والعُزّى. إلا أنهم لم يقدروا على حفظ ذلك الوضع فتسللوا بين صفوف
المسلمين ليرفعوا القرآن على الرماح ويضربوا عليًّا تلك الضربة القاضية، تلك
الضربة التي ضربوا بها الله والرسول.
لقد حكم دين الشرك باسم الإسلام وباسم خلافة الرسول وآله وباسم
القرآن كما حكم في القرون الوسطى باسم عيسى وموسى اللذَين أرسيا دعائم دين التوحيد
في التاريخ.
ملاحظة المؤلف محمد كشكار:
أعبّر عن تحفظي حول استعمال الكاتب علي شريعتي لمصطلح "دين
الشرك" في كتابه "دين ضد الدين":
بطبيعة الحال أنا لا أزايد على الفيلسوف الإسلامي المختص في علم
اجتماع الدين في اختيار مصطلحاته ومفاهيمه، لكن لو كان النص من إنتاجي -وهذا
مستحيل لأنني لست فيلسوفا مثله- لخيّرت استعمال مصطلح "التدين المزيّف لدى
بعض المسلمين" عوض مصطلح "دين الشرك" لأن شِرك المخلوق لا يعلمه
إلا الخالق، مع العلم أنني لا أشك أن الكاتب قد
تحرّى واحترم منهج البحث العلمي الحديث وعرّف مصطلحه بما فيه الكفاية وبما
لا يدع مجالا لسوء الفهم أو غموض التأويل لدى القارئ.
صفحة 46: "الدين أفيون الشعوب"
العوامل الأساسية لدين الشِرك -كما يعددها الإلحاديون بحق- هي
الجهل والخوف والمالكية والتمييز الطبقي. إن هذه الأمور التي يذكرها الإلحاديون هي
حقائق لا يمكن إنكارها وإن قولهم: "الدين أفيون الشعوب جاء ليخضع الناس للذل
والهوان والجهل والتخلف والمصير المجهول" هو قول صحيح لا يمكن إنكاره والنيل
منه.
صفحة
49: إذنْ فالكلام الذي أطلق في القرن التاسع عشر بأن الدين هو أفيون الشعوب (إضافة
المؤلّف محمد كشكار: وهذه هي نفسها قولة
ماركس وأن الدينَ جاء ليروض الناس على الحرمان والشقاء في هذه الدنيا باسم
الاعتقاد بما بعد الموت ويقنعهم بأن كل شيء يحدث هو من عند الله وبمشيئته وإن كل
محاولة لتغيير هذا الوضع هي مخالفة لإرادة الرب ومشيئته وعصيانا لأمره، هو كلام
صحيح بحد ذاته. وكذلك قول علماء القرن الثامن عشر والتاسع عشر بأن الدين هو وليد
جهل الناس وعدم اطلاعهم على الحقائق والعلوم أو قولهم: "إن الدين هو وليد
مخاوف الناس" أو قولهم: "إن الدين وليد التمييز والحرمان في عهد
الإقطاع").
صفحة 50: إن الدين التبريري والدين
التخديري والدين الرجعي والدين الذي لا يهتم بأمور الناس هو الذي حكم المجتمعات
البشرية عبر التاريخ. إذن لا بد أن تصدق الذين قالوا أن الدين هو وليد المخاوف
والإقطاع وأنه تخديري ورجعي لأنهم استنبطوا ذلك من التاريخ، غير أنهم لم يعرفوا
الدين حق معرفته لأنهم لم يكونوا متخصصين بمعرفة الدين بل كان حقل تخصصهم التاريخ
وكل من يراجع التاريخ يرى هذه الحقيقة متجلية في الأديان جميعا، سواء تلك التي
حكمت باسم دين التوحيد أو تلك التي حكمت بصراحة باسم دين الشرك.
صفحة 51: رأيت أن هذا الدين -أي
دين الشرك- هو حقا وليد خوف الناس وجهلهم. لماذا ؟ لأن أتباع هذا الدين (أي أولئك
الذين يروجون دين الشرك) يخشون دائما يقظة الناس ووعيهم. إنهم يريدون أن تكون
العلوم والمعارف مقتصرة على الأشياء الثابتة والدائمة ويكون هذا أيضا خاص بهم ولا
يبيحوا بسره لغيرهم. وذلك أن دين الشرك سيتلاشى بتطور العلم واتساع رقعته لأنه
يقوم على أساس الجهل والأمية. فإذا وعى الناس ونشطت روح الانتقاد فيهم وطالبوا
بالعدالة والقسط وانبعث الأمل في نفوسهم ستتزلزل أركان هذا الدين. هذا الدين كان
على مر التاريخ محافظا على الوضع الموجود، وكانت هذه مهمته قبل عهد الإقطاع وبعده،
في شرق العالم وغربه.
صفحة 66: وعلينا أن نعطي الحق
لمفكري القرنين السابع عشر والثامن عشر وكذلك القرن التاسع عشر حيث قالوا:
"إن الدين كان أفيونا للشعوب على مر التاريخ" لأن هؤلاء وضعوا الدين
الذي كان مهيمنا على التاريخ وعلينا أن نؤيد مزاعم من قالوا: "إن الدين هو عامل
لتبرير السلطة الاقتصادية والاجتماعية التي تتمتع بها الأقلية ضد الأغلبية في
التاريخ" إنهم على حق لأن الدين كان يبرر الوضع الموجود في عهد الإقطاع. ونرى
هذه الحالة في كل المجتمعات وفي كل المراحل التاريخية التي نجد فيها شكلا من أشكال
الحكومة والاقتصاد، فلقد كانت مهمة الدين تبرير الوضع الموجود عبر استغلال العقائد
الدينية الراسخة في فطرة الناس.
وما أكثر النماذج التي تؤيد هذا
الكلام. فما عليكم إلا أن تختاروا حقبة من التاريخ لتلاحظوا الطريقة التي كان
ينتهجها الدين في تلك الحقبة التاريخية. ولندرس هذه الحالة في إيران مثلا:
الدين في إيران: حَكَمَ الدين
على المجتمع الإيراني في العهد الساساني بشكل مباشر، فقد كان الملوك والأمراء في
هذا العهد يخضعون بشكل كامل لعلماء الدين والمعابد وكان النظام الطبقي سائدا في
هذا المجتمع على النحو الذي لا يستطيع فيه أي شخص من الطبقة السفلى الارتقاء إلى
طبقة أعلى بأي حيلة أو معجزة.
تعليق المؤلف محمد كشكار على فقرة "الدين في إيران
في العهد الساساني" (يرجع تسمية الساسانيين إلى الكاهن الزرادشتي ساسان الذي كان جد أول ملوك الساسانيين أردشير الأول. الإمبراطورية الساسانية، هذا الاسمُ استعملَ
للإمبراطورية الفارسية الثانية، (226 -651): الدين في إيران
المعاصرة: حَكَمَ التدين الإسلامي الشيعي المزيّف (أو دين الشرك حسب مصطلح علي
شريعتي) على المجتمع الإيراني في العهد الحالي بشكل مباشر حتى أننا نرى رئيس
الدولة المنتخب أحمدي نجاد ونواب الشعب المنتخبين ديمقراطيا وشعبيا والوزراء
المعينين في هذه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، نراهم كلهم يخضعون بشكل كامل
وأعمى وغير ديمقراطي وغير حداثي للمرشد الديني العام غير المنتخب ديمقراطيا وشعبيا
ولآيات الله (دكاترة علوم الدين مثل آية الله الإمام الخميني قائد الثورة
الإيرانية في 1979). آيات الله الذين يتخرّجون من المدارس والجامعات الدينية في الحوزة العلمية في مدينة قُم الإيرانية أو
في مدينة النجف الأشرف العراقية وما زال النظام الطبقي سائدا في هذا المجتمع لكن
على النحو الحديث، بروليتاريا وبورجوازية والذي تغير فقط مقارنة مع العهد الساساني
هو أن أي شخص من الطبقة السفلى يستطيع
الارتقاء إلى طبقة أعلى دون حيلة أو معجزة بل عن طريق الانتخاب الديمقراطي مثل ما
صعد نجم أحمدي نجاد، رئيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية الحالي (2005-2013) أو ظهور الأغنياء الإيرانيين الجدد عن طريق
الليبرالية الاقتصادية الإسلامية التي تبيح الاستغلال وتشرّع وتحلّل سرقة
الرأسمالي للقيمة المضافة، هذه القيمة التي يضيفها العامل يوميا من عرقه لكي يحوّل
المادة الخام إلى مادة مصنّعة، يبيعها الرأسمالي في السوق ويدفع منها إلى العامل
أجرة بسيطة لا تكفيه حتى سد رمقه وإعادة إنتاج نفسه، مما ينتج عن هذا الظلم
الاقتصادي المتمثل في تكديس رأس المال من فائض عمل وشقاء العامل وليس بواسطة إشراف
صاحب المصنع. المال لا يصنع المال أما العامل فهو الصانع الوحيد لكل الثروات
المادية المنتجة أو المحولة المتواجدة في الأسواق والمنازل والجامعات والطرقات
والبواخر والطائرات. رجال الدين في إيران يرغبون في تأبيد الطبقية الاجتماعية التي
يراها بعض المسلمين المزيفين قدرا محتوما كما يراها دعاة دين الشرك حسب تعبير علي
شريعتي. وما زالت الحوزة العلمية في النجف الأشرف تحوي كنوزا من الذهب، جُمعت من
أموال الفقراء، جمعها آيات الله "المسلمون المزيفون" أو "المشركون"
حسب مصطلح علي شريعتي مقابل تطمينات تُعطى للفقراء بدخول الجنة مثل ما فعل زملاؤهم
المزيفون أيضا، رهبان المسيحية، الذين باعوا صكوك الغفران إلى الفقراء في القرون
الوسطى مقابل ضمان مكان لهؤلاء في الجنة الموعودة بعد الموت البيولوجي والفناء
المادي.
استنتاجات الكاتب علي شريعتي:
صفحة 77: خطأ المفكرين
الخطأ الذي ارتكبه المفكرون
يكمن في أنهم كانوا ينسبون إلى الدين كل شيء يرونه في التاريخ كالمعابد والجهاد
والحروب المقدسة والحروب الصليبية والجهاد الإسلامي و... وإننا -نحن المتدينين-
كنا وما زلنا نعاني من نفس الخطأ.
ذكرتُ آنفا أن للإسلام رأيا
ثوريا في هذا المجال وأنه لا يقبل أيّا من هذه الآراء بل يعتقد أن دين الحق سيتحقق
في نهاية المطاف وأن الأديان التي حكمت عبر التاريخ في شرق العالم وغربه كانت
جميعا من أديان الشرك حتى لو كانت تحكم باسم دين التوحيد، وأن الأنبياء إنما
بُعثوا لمحاربة هذه الأديان وأن دينهم الحق يمنح الإنسان المفكر الحر شعورا
بالمسؤولية وهو استمرار للمسؤولية التي كان يشعر بها الأنبياء أنفسهم. يقول النبي
(ص): "علماء أمتي أفضل من أنبياء بني إسرائيل" ويقصد بذلك أن المسؤولية
التي كانت على عاتق الأنبياء ستقع على عاتق العلماء (أي المفكرين) بعد نبوة خاتم
الرسل (ص)".
صفحة 80: أريد أن أقول إن
الرسالة التي حملها المفكرون والأحرار في أوروبا في صراعهم مع دين القرون الوسطى
والتي أنقذوا من خلالها أوروبا من التخلف والرجعية هي الرسالة نفسها التي أخذها
أنبياؤنا على عاتقهم عبر التاريخ.
صفحة 76: ونستنتج أن المفكرين
في القرن السابع عشر والثامن عشر والعصر الحاضر الذين قالوا أن الدين كان عاملا
رئيسيا في شتات الناس وشقائهم وتثبيت القيد والذلة والضعف والهوان كانوا محقين في
الإدلاء بهذا الرأي لأنهم كانوا يرون الدين عائقا عن التطور والرقي والحرية
والمساواة بين البشر.
وقد أثبتت التطورات المذهلة
التي حققها البشر بعد إقصاء الدين عن ميدان الحياة صحة هذه الآراء والتصورات بشكل
علمي.
خلاصة: ما فهمته أنا المؤلف محمد كشكار
من تحليل علي شريعتي:
لو لم يكن تحليل علي شريعتي
صحيحا نسبيا فكيف نفسّر سلوكات وتصرفات بعض المسلمين في رمضان، شهر التقوى
والإيمان والإحساس بفقراء المَواطِن والأوطان، حيث تلتهب الأسعار ويكثر الاحتكار
ويتغيب الموظف عن المكتب والدار ويسب الجارُ جارَه ولا يحترم الصغارُ الكبار ! مع الملاحظة أن هذه
السلوكيات تبقى فردية واستثنائية.
أهذه هي مكارم الأخلاق التي جاء ليتمّمها
علينا رسولنا الأكرم، محمد -صلى الله علية وسلم- وأمرنا بتنفيذها حرفيا وأوصانا
بعدم الابتعاد عن مقاصدها قيد أنملة ؟
أليس ما يمارسه بعض المسلمين في
رمضان في أسواقهم وفي أعمالهم وفي شوارعهم من غش وكسل وكلام بذيء، أليس هذا هو
التدين المزيّف بعينه ؟ ولن أقول -كما قال علي شريعتي- دين شرك لأن شرك المخلوق لا
يعلمه إلا خالقه كما قلتُ آنفًا !
ماذا قال الفيلسوف الوجودي الفرنسي جان بول سارتر في الفيلسوف الإسلامي
الإيراني علي شريعتي:
قال: "أنا لا دين لي لكن لو خُيّرت، سوف أختار دين علي شريعتي".
بكل لطف أدعو القارئ أن يتمهل
ويطّلع جيدا على دين علي شريعتي، دين الإسلام الحق وليس دين الشرك، قبل أن يظلم
الفيلسوفين في آن ويحكم خطأ علَى سارتر بالتنازل الفكري والتخلي عن الوجودية
الملحدة بالله لفائدة دين مزيّف ومحرّف سائد لدى بعض المسلمين في العالَم الإسلامي
الماضي والوسيط والمعاصر، ويحكم في الوقت نفسه على علي شريعتي بالكفر والإلحاد أو
التقية.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، مسؤولية المثقف ؟ علي شريعتي
كتاب "دين ضد الدين"، تأليف علي شريعتي (الشهيد
الدكتور علي شريعتي، إيراني قروي، تخرج من جامعة السوربون واختصاصه علم الاجتماع
الديني)، ترجمة حيدر مجيد، مؤسسة العطار الثقافية، دار الفكر الجديد، العراق، النجف الأشرف،
الطبعة الأولى 2007، 225 صفحة.
نص علي شريعتي
صفحة 43: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اللذَين يتبادران إلى
أذهاننا بمعناهما المبتذل الذي لا يسعنا التحدث عنه في الأوساط الفكرية المثقفة.
هما عبارة أخرى عما يسميه المفكر الأوروبي اليوم "المسؤولية الإنسانية"
أو "مسؤولية المبدع" أو "مسؤولية المثقف". ماذا تعنى
المسؤولية المبحوث عنها في الفلسفة والفن والأدب في عالمنا اليوم ؟ إنها الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر بعينه، غير أننا مسخنا معنى هذين المبدأين بحيث أصبح
العمل بهما مرفوضا ومستهجنا.
تعليق المؤلف محمد كشكار:
حسب الدكتور علي شريعتي أصبحت -أنا المفكر الحر- من جماعة الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر. كيف ؟ يتمثل المعروف عندي في التصورات العلمية النادرة
-للأسف- في مجتمعنا ويتمثل المنكر عندي في التصورات غير العلمية السائدة -للأسف
الشديد- في مجتمعنا. لذلك فقد نذرتُ نفسي للدعاية صباحا مساء ويوم الأحد لمرافقة
الآخرين على التخلي الذاتي عن كل التصورات غير العلمية والبناء الذاتي مكانها
لتصورات علمية. أسوق لكم مثالين لتوضيح الفرق بين التصورات غير العلمية والتصورات
العلمية: 1. إذا كنتَ تعتقد جازما أن الرجل أذكى من المرأة لأن مخه أكبر وزنا
وحجما من مخ المرأة ! فهذا التصور الأول تصور غير علمي. 2. أما إذا كنتَ تعتقد أن وزن
مخ الإنسان لا علاقة له بجنس الإنسان وأن وزن المخ متناسب مع وزن الجسم، مهما كان
هذا الجسم، جسم امرأة أو جسم رجل فذلك هو التصور العلمي السليم. أسوق لكم مثالا
للبيان: رجل صغير الحجم، يكون مخه أوتوماتيكيا صغير الحجم والوزن. امرأة كبيرة
الحجم، يكون مخها آليًّا كبير الحجم والوزن. أما الذكاء فلا علاقة له البتة بوزن
أو حجم المخ وإلا لكان عمالقتنا أذكانا. تجد في الرجال أذكياء وأقل ذكاء كما تجد
بالمثل نساء ذكيات ونساء أقل ذكاء. فهذا التصور الثاني تصور علمي.
إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عندي، لا يكون إلا بالمعروف
لذلك تجنبتُ الخطاب الصادم (Discours frontal) الذي ينفّر ولا يبشّر وتوخيتُ المرونة في عرض وجهة نظري بالطريقة التعلّميّة العلمية التالية:
Faire avec les
conceptions non scientifiques pour aller contre ces mêmes conceptions non
scientifiques et essayer d’auto-socio-construire en même temps des conceptions
scientifiques à leur place.
ولذلك أمضي مقالاتي دائما بالجملتين المشهورتين والمفيدتين
التاليتين:
Pour l’auteur, il ne s’agit pas de convaincre par des arguments ou des
faits, mais, plus modestement, d’inviter à essayer autre chose (Christian
Orange).
À un mauvais discours,
on répond par un bon discours et non par la violence verbale ou physique (Le
Monde diplomatique).
"دين ضد الدين" علي شريعتي
كتاب "دين ضد الدين"، تأليف علي شريعتي، ترجمة حيدر
مجيد، مؤسسة العطار الثقافية، دار الفكر
الجديد، العراق، النجف الأشرف، الطبعة الأولى 2007، 225 صفحة.
نص علي شريعتي
صفحة 103: إني بعثت من قِبل الله القائل:
"ونريد أن نمنّ على الذين استضعِفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم
الوارثين".
يا للعجب...!! كيف أصبح الإله يكلم العبيد والمستضعفين ؟ ويبشّرهم بالنجاة
ويعدهم بالزعامة والقيادة. ويجعلهم وارثي الأرض ؟... كدت لا أصدّق، قلت: هو الآخر
كباقي المبشّرين والمصلحين و"الأنبياء" في إيران والصين والهند... لا بد
أنه أحد الأمراء النبلاء المبعوثين لتنفيذ القدرة والسيطرة وتكديس القوى ضد الشعب.
قالوا: لا، إنه يتيم والكل قد شاهدوه مرارا وهو يرعى الأغنام وراء هذا الجبل، قلت:
ماذا أسمع !! كيف هي مشيئة الله هذه المرة... يصطفي رسوله من بين الرعاة ؟؟ قالوا: أجل، هو
آخر حلقة من سلسلة الأنبياء الرعاة، حيث أن أجداده كلهم كذلك، ذابت أبعادي في كل
رجفة ملؤها شوق صارخ وصيحة خرساء، إذ أن نبيا يُبعث "منّا" ولأول مرة
...!!
آمنت به وأيقنت برسالته لأنه جمع شمْل إخواني ورفاقي الفقراء
حوله.
بلال، العبد الحبشي، سلمان، أسير من أسراء إيران، أبو ذر البائس
المجهول، وسالم غلام زوجته خديجة... إلخ. كل هؤلاء البؤساء اليائسين، كل الأسراء
والعبيد وكل المظلومين والمشرّدين أصبحوا قادة قومهم.
صدقته وآمنت به لأن قصره ! حَجرتين أو ثلاثة صُنِعت من
طين حيث أقام هو بنفسه البناء.. وبلاطه لم يتعدّ حفنة من الأخشاب المتراصفة على
بعض من سعف النخيل !! أجل، كل ما كان يملكه ويؤثر به على معايش الناس من جرّاء بناء
قصره هذا !! هكذا كان وهكذا رحل.
(...) أخي: وفجأة رأيت المعابد تشق عنان السماء مرة أخرى وتعتلي
باسم ذلك النبي الأمّي في حين أن السيوف التي كُتبت عليها آيات "الجهاد"
كانت تهدد وجودنا في كل آن...
ومرة أخرى امتلأت بيوت المال والخزائن بأموال نهبوها وسلبوها
وانتزعوها عنوة منّا.. ومرة أخرى جاء خلفاء هذا الرسول ومسخوا القرآن وأخذوا
شبابنا عبيدا لقصورهم، باعوا أمهاتنا في الأسواق البعيدة وقتلوا رجالنا باسم
"الجهاد" في سبيل الله، واستولوا على كل ما نملك باسم
"الزكاة".
يأسٌ قاتل دبّ في قلبي.. أجل يئست.. لا أدري ماذا أفعل ؟ لقد ظهرت سلطة
جديدة تخفي خلف رداء التوحيد نفس الأصنام التي حطمها ذلك "الرجل" وتوقد
في مساجد "الله" نار الكذب والخديعة...
ومرة أخرى تكررت نفس المأساة، تكررت نفس الوجوه الفرعونية
القارونية التي تعرفها أنت يا أخي جيدا.. أخذوا باسم الله وخلافة رسوله يضربون
الناس بسوط الدين.. ونحن -مرة أخرى- مشينا في أزقة العبودية لنبني مسجد دمشق
العظيم !.. ومرة أخرى دوّت هنا وهناك صيحات تدعو إلى الحرية.. قصورنا درّة
في نوعها وطرازها.. مساجد محيّرة للعقول.. القصر الأخضر في دمشق ودار خلافة ألف
ليلة وليلة في بغداد.. كل هذا كان بثمن دمنا وحياتنا ولكن هذه المرة.. باسم
"الله".
ومرة أخرى صرت لا أصدّق أن هناك خلاصا ونجاة.. !! لأن العبودية
والموت الأسود كانا مقدورَين لنا.
أجل..من كان ذلك الرجل ؟! ترى هل كان يخفي
خلف تلك الرسالة أطروحة لخداعنا ؟ ! كان مؤسس هذه الإيديولوجية التي عدّونا في دهاليزها وزنزاناتها
كالخرق البالية.. أجل كان هو الداعي لحرق مزارعنا وشن الغارات على ممتلكاتنا
وقتلنا كالذباب...لا..كلاّ..فـ"أنا" و"هو" أمسينا ضحايا !!
ما الفرق بين الدين الثوري والدين التبريري
؟ علي شريعتي
كتاب "دين ضد الدين"، تأليف علي شريعتي، ترجمة حيدر
مجيد، مؤسسة العطار الثقافية، دار الفكر
الجديد، العراق، النجف الأشرف، الطبعة الأولى 2007، 225 صفحة.
نص علي شريعتي:
صفحة 40: ماهية الدين الثوري:
الدين
الثوري، هو دين يغذي أتباعه ومعتنقيه برؤية نقدية حيال كل ما يحيط بهم من بيئة
مادية أو معنوية، ويكسبهم شعورا بالمسؤولية تجاه الوضع القائم يجعلهم يفكرون
بتغييره ويسعون لذلك فيما لم يكن مناسبا. (تعليق المؤلّف محمد كشكار: وهذا ما فعله في عصره
بالضبط الرسول محمد صلى الله عليه و سلم وخلفاؤه الراشدون وأصحابه رضوان الله
عليهم).
صفحة 42: ماهية الدين التبريري:
يسعى دين الشرك دائما إلى تبرير الوضع القائم عبر ترويج
المعتقدات ذات الصلة بما وراء الطبيعة ويسعى إلى تعريف الاعتقاد بالمَعاد
(الحياة الآخرة) والمقدسات والقوى
الغيبية ويشوّه المبادئ العقائدية والدينية ليقنع الناس بأن وضعهم الراهن هو الوضع
الأمثل الذي يجب أن يرضوا به لأنه مظهر لإرادة الله تعالى وهو المصير المحتوم الذي
كتبه الله عليهم.
إن القضاء والقدر بالمعنى الذي
نفهمه اليوم هو من مخلفات معاوية وإرث منه. فالتاريخ يروي لنا أن الاعتقاد بالقدر
والقول بالجبر أمور ابتدعها حكام بني أمية ليسلبوا من المسلمين الشعور بالمسؤولية
ويحرموهم -من خلاله- من كل أنواع النقد ويقتلوا روح المبادرة فيهم لأن الجبر يعني
الانصياع إلى كل ما هو موجود والخضوع لكل ما هو كائن. في حين كان أصحاب النبي (ص)
يشعرون دائما بالمسؤولية الاجتماعية و يأخذونها على عاتقهم كمهمة أساسية دائمة.
سؤال المؤلف محمد كشكار:
ما هي ماهية تديّن المسلمين
اليوم ؟ هل هي ماهية ثورية أم ماهية تبريرية ؟
وددتُ لو استعمل علي شريعتي كلمة "تديّن" مكان كلمة "دين"
لأن الدين المجسم عندنا في القرآن والسنة النبوية الشريفة لا يتغير كنص مقدس أما
فهمنا وتأويلنا لهذا النص فهما ليسا مقدّسين بالمرة وليسا ثابتين أيضًا، والمفروض
واقتداء بالرسول وصحابته، يجب أن ينبثق، من الفهم والتأويل البشريّين للقرآن
والسنّة النبويّة الشريفة، تديّنٌ إنساني متغير ومتجدد ومتطور ومُولّد لثورة وراء
ثورة وإلا أصبحنا خلفا رجعيا لسلف ثوري كما هو حالنا اليوم حسب ما يبدو لي من وجهة
نظر قاصرة ومحدودة صادرة عن مسلم غير مختص في دراسة الدين.
محمد الحدّاد
من طرائف فقه الأوبئة في المسيحية
(القرن السابع عشر) وفي الإسلام (القرن التاسع عشر) ؟ محمد الحدّاد
المصدر:
كتاب "حفريات تأويلية في الخطاب
الإصلاحي العربي"، د. محمد الحدّاد، دار الطليعة للطباعة والنشر، الطبعة
الأولى، بيروت، 2002، 224 صفحة.
نص الكاتب صفحة 114: يقول أحمد بن
أبي الضياف في كتابه "إتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الأمان":
" وفي شوال من السنة 1233 (أوت 1818 م) وقع في الحاضرة طاعون، وأول من نبه له
حكيم من مسلمة الإفرنج اسمه رجب الطبيب. ولما أخبر الباي بذلك أمر بضربه وسجنه
كالمجرمين، فامتُحن بسبب علمه. ولم يلبث أن فشا خَطبُه (يقصد الطاعون) ومات به من
أعيان أهل العلم ووصل عدد الموتى به في الحاضرة أكثر من الألف في بعض الأيام، ودام
نحو العامين (...) وافترق الناس في هذا الطاعون إلى قسمين، قسم يرى الاحتفاظ وعدم
الخُلطة بالعمل المسمى بالكارنتينة (الحجر الصحي=la quarantaine) وقسم لا يرى هذا الاحتفاظ ويرى التسليم إلى مجاري القدر"
(م. س، ج 3، ص ص 165-167)...
والجدير بالذكر أن الجالية الأوروبية
المقيمة في تونس لم يصبها منه ضرر يذكر، فقد اعتصمت بالقنصليات وطبقت قواعد صحية
صارمة منعت عنها العدوى.
صفحة 117: أما في العالم الإسلامي،
فقد تحوّل الطاعون، ابتداء من ذلك القرن (وقع في القرن السابع عشر في أوروبا
الغربية وفي بداية القرن الثامن عشر في أوروبا الوسطى)، إلى امتياز خص الله به
المسلمين "تكريما" لهم، ولعله اعتُبر تعويضا عن الجهاد الذي تقلصت سبل
ممارسته ولم يعد على كل حال متيسرا للجميع. فالفكرة السائدة، كما سنرى، تعتبر أن
من مات بالطاعون فهو شهيد في سبيل الله مثل المستشهد في ساحات الوغى.
وهكذا تخلصت أوروبا من الطاعون قبل
أن تكتشف حقيقته العلمية والوسائل الطبية لمقاومته، في حين رزح العالم الإسلامي
تحت نير الأوبئة بأنواعها ولم يغيّر التعامل معها عدة قرون. ليست القضية إذن قضية
طبية بل قضية ثقافية.
صفحة 118: مسلك أول: تأويل القرآن:
ورد في القرآن، الآية 243 من سورة البقرة: "ألم ترَ إلى الذين خرجوا من
ديارهم وهم ألوف حذَر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على
الناس ولكن أكثر الناس لا يَشكُرون".
ليس في القرآن ذكر صريح للوباء، لكنه
استقر لدى المفسرين منذ القديم أن هذه الآية تشير إلى وباء حل ببني إسرائيل
فواجهوه بالفرار، فأماتهم الله وأحياهم ليعلّمهم أن مصدر الموت ليس الوباء ولكن
المشيئة الإلهية.
صفحة 119: من أهمّ أحاديث الوباء
الواردة في كُتب الأحاديث المعتمدة لدى عامة المسلمين السنّة هي التالية:
-
أبو هريرة عن النبي: "المَبطون شهيد والمَطعون
شهيد" (البخاري).
-
عائشة أنها سألت النبي عن الطاعون "فأخبرها أنه كان
عذابا يبعثه الله على من يشاء. فجعله الله رحمة للمؤمنين، فليس من عبد يقع الطاعون
فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله إلا كان مثل أجر
الشهيد" (البخاري).
-
ابن عباس أن عمر خرج إلى الشام فلقيه أبو عبيدة بن
الجراح وأخبره بأن الوباء قد وقع بالشام، فاستشار المهاجرين فاختلفوا بين المضي
والرجوع، ثم استشار الأنصار فكان منهم مثل ذلك، ثم استشار الذين أسلموا بعد فتح
مكة، فأشاروا عليه بالرجوع فأخذ برأيهم، فقال أبو عبيدة: أفِرارا من قدر الله ؟
فقال عمر: لو غيرُك قالها يا أبا عبيدة. نعم نفرّ من قدر الله إلى قدر الله. أرأيت
لو كان لك إبل فهبطت واديا له عَدْوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت
الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله ؟
صفحة 120: هامشة 2: وليته قرأ موقف
ابن خلدون النقدي من الطب النبوي، فقد قال: "الطب المنقول في النبويات من هذا
القبيل ليس من الوحي في شيء، وإنما هو أمر كان عاديا للعرب (...) فإنه (ص) إنما
بُعث ليعلّمنا الشرائع ولم يُبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات" المقدمة
ص 620.
صفحة 121: كتب فقيه مصري يُدعى عبد
الله بن أحمد المقدسي الحنبلي (620 هـ) بأمر من أمير مصري رسالة أسماها "كتاب
السر المصون في أخبار الطاعون"، موجود منه عدة نسخ في دار الكتب بتونس، منها
واحدة وردت في المجموع الذي وردت فيه رسالة المناعي (الفقيه التونسي محمد بن
سليمان المناعي كتب رسالة بمناسبة الوباء الحادث بتونس سنة 1818 عنوانها
"تحفة المؤمنين ومرشدة الضالين"). ومن الأكيد أن المناعي اعتمدها، إذ
أنه يطرح نفس المسائل التي تضمنتها وهي التالية:
-
متى حدث الطاعون في الخلق وهل هو عذاب أو رحمة ؟
-
ما سبب الطاعون، هل فساد الهواء أم وخز الجن ؟
-
هل كان نزول الطاعون بسبب المعاصي ؟ وإذا كان الأمر كذلك
فلماذا يصيب الأطفال والصالحين ؟
-
إذا كان الطاعون من وخز الجن، فكيف يحدث في رمضان (وهو
شهر تُكبّل فيه الشياطين) ؟
-
هل النهي عن الفرار من الطاعون محمول على الكراهة أم
التحريم ؟
-
هل الميت بالطاعون شهيد ؟
-
هل يجوز الدعاء بإيقاع الطاعون لتحصيل الشهادة ؟ (الجواب
بالإيجاب لأن أحمد روى عن أبي موسى الأشعري عن النبي دعاء: اللهم اجعل فناء أمتي
بالطعن والطاعون !).
-
هل يجوز الدعاء برفع الطاعون؟
-
هل يجوز التداوي منه وما هي أدويته ؟ (يذكر أدوية أربعة:
شرب الطين -إدامة التبخّر بالعود واللوبان الذكر -تقليد
نهيق الحمار- الصلاة على النبي).
هذه
إذن مجموع المسائل التي كانت تشغل الناس عند وقوع الأوبئة.
صفحة 123: ومن المسائل اللافتة للنظر
ما ينقله عن أبي الفرج الأصفهاني من أن العرب كانت تقول: "إذا دخل (الرجل)
بلدا فإنه ينهق نهيق الحمار قبل دخولها، فإنه إذا فعل ذلك أمن الوباء".
هامشة 1: تكشف هذه الرواية تواصل
النظرة الأرواحية للمرض la vision
animiste. فقد كان
قديما يتصورون الوباء على هيئة مارد جبار يقف على أبواب المدن ويصيب بسهامه مَن
يشاء. واعتقدوا أنه يرمي بسهامه البشر دون البهائم. فالرجل الذي ينهق عند دخول
المدينة يُغالط المارد فيُعدُّ من البهائم ولا يصيبه شر الوباء.
صفحة 124: فهو ينقل "أن الطاعون
في زمن بني أمية كانت لا تنقطع بالشام حتى كان خلفاء من بني أمية إذا جاء الطاعون
يخرجون إلى الصحراء (...) ثم خفا ذلك في الدولة العباسية، فيقال إن بعض أمرائهم
خطب بالشام فقال: احمدوا الله الذي رفع عنكم الطاعون منذ وُلِّينا عليكم. فقام بعض
مَن له جرأة فقال: الله أعدل من أن يجمعكم علينا والطاعون" (تعليق كاريكاتور
للمؤلف محمد كشكار: أحمد شفتر، مفسّر برنامج قيس سعيّد رئيس
تونس 2022، خطب فقال: "احمدوا
الله الذي رفع عنكم الإرهاب منذ وُلِّينا عليكم". أجيبه وأقول: "الله أعدل من أن يجمعكم علينا أنتم
والإرهاب").
ولعل هذه الرواية تلقي الضوء على
الحديث الذي ينقله ابن حجر بسنده عن أحمد بن حنبل بسنده عن النبي قال: "أتاني
جبريل عليه السلام بالحمى والطاعون، فأمسكت الحمى بالمدينة وأرسلت الطاعون إلى
الشام. والطاعون شهادة لأمتي ورحمة لهم ورجز على الكافرين". فهذه الرواية
وسابقتها تمثلان نوعا من التشفي من العباسيين وقلبا للدعاية عليهم. إذ أن الطاعون
إذا كان رحمة فإنه لا يضير وقوعه في الشام في عهد بني أمية. لكن المهم هنا هو أن
المدينة هي التي تخرج منتصرة من هذا التنافس بين الأمويين والعباسيين، إذ يجعلها
النبي محروسة من الطاعون، ما يسمح بالافتراض بأن العلويين هم الذين أطلقوا هذه
الدعاية المضادة ضد العباسيين، وأن قضية الوباء مثّلت منذ القديم رهانا سياسيا
استُبيحت فيه كل وسائل الدعاية بما في ذلك تلفيق الأحاديث عن النبي !
صفحة 125: كما أنه (ابن حجر) لا يرفض
الالتجاء إلى الطب فحسب، بل يرفض أيضا استعمال وسائل مستمدة من الدين ذاته. فعندما
استفتاه الناس في الخروج جماعة للدعاء برفع الوباء، منع ذلك لكونه بدعة، بل إنه
يروي ما يلي: "وقع هذا في زمننا حين وقع أول طاعون بالقاهرة في السابع
والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة 833، فكان عدد من يموت بها دون الأربعين. فخرجوا
إلى الصحراء في الرابع من جمادى الأولى بعد أن نُودي فيهم بصيام ثلاثة أيام كما في
الاستسقاء، واجتمعوا ودعوا وأقاموا ساعة ثم رجعوا، فما انسلخ الشهر حتى صار عدد من
يموت في كل يوم بالقاهرة فوق الألف ...".
إن ابن حجر يفسر هنا ظاهرة طبيعية
(تنامي عدد الضحايا بفعل العدوى وانتقال الوباء من بداية الدور إلى ذروته) تفسيرا
أسطوريا (انتقام الله من هؤلاء لأنهم أحدثوا بدعة في الإسلام). إن ثقافة الموت لم
تكتف برفض ثقافة العلم التي تنشد الحياة، بل ترفض أيضا أن يَطلب الناس الحياة باسم
الدين.
صفحة 127: هامشة 1: كثيرا ما
وقع علماء الدين في العصر الوسيط في هذه
المغالطة. فمن الناحية الطبية معروف أن الوباء يبدأ بطيئا (بداية الدور) ثم يشهد
فترة الذروة ثم يخف تلقائيا (نهاية الدور) لأن جزءا من الناس يموتون به وجزء آخر
تنتج أجسامهم مضادات فتحصل لهم المناعة تجاهه. إلا أن علماء الدين وعامة الناس
كثيرا ما ظنوا أنه يخف لأن الآلهة استجابت لدعائهم وتوسلاتهم. ويمكن أن نجد مقابلا
لهذا الكلام الذي يقوله مسلمون هنا "شهادات" من نفس القبيل لدى مسيحيين.
يكتب أحدهم مثلا وقد عايش وباء حل في القرن السابع عشر في مدينة سازير سير غارون
(فرنسا)، وكان هو قيّما على كنيستها": . . . لقد استجاب الرب أخيرا إلى
تضرعات حاميتنا وسيدتنا دي سازير التي أثبتت مجددا أنها راعية كنيستنا. إنها
لحقيقة تاريخية أثبتتها السجلات البلدية أنه ابتداء من هذا اليوم، 8 سبتمبر 1630،
بدأت تخف حدة الآفة إلى أن انقطعت في شهر أكتوبر ...". راجع:
Emile
Espagnat : « La peste de 1630 à Gazères-sur-Garonne », Document produit dans « Les Actes du Congrès
d’Histoire et d’Archéologie de Bordeaux, 1908.
ملاحظة: الحمد لله اليوم، انقطع
تلفيق الأحاديث عن النبي وآمن جل المسلمين بالطب الحديث بل أصبح لنا علماء مسلمين
جهابذة في هذا الميدان العلمي مقيمين في الغرب والشرق. أما القلة القليلة التي ما
زالت تتواكل ولا تتوكل على الله وتؤمن بالخرافات فهي متواجدة على السواء، في
البلدان الإسلامية المتخلفة والبلدان
المتقدمة الإسلامية وغير الإسلامية.
السلفيون يبرّرون ما وصل إليه العقل
اليوم بما قيل بالأمس ! محمد
الحدّاد
المصدر:
كتاب "حفريات تأويلية في الخطاب
الإصلاحي العربي"، د. محمد الحدّاد، دار الطليعة للطباعة والنشر، الطبعة
الأولى، بيروت، 2002، 224 صفحة.
نص الكاتب صفحة 70: أنهم
يواصلون طريقة القياس الفقهية ويقابلون بين تجارب تاريخية ماضية وتجارب معاصرة،
فيغيب عندهم نقد الماضي والمعاصر معا. فالخليفة يصبح رئيس دولة، وتَوَزُّعُ
السلطات الصادرة عنه يصبح فصلا بينها، والشورى تصبح ديمقراطية، والانتماء الديني
مواطنة، ورجال الدين وأعيان الدولة نواب برلمان، وعملية البيعة الصورية انتخابا
حرا مباشرا.. إلخ ! إن هذه المقابلات المجانية تغطّي حقيقة
الماضي وتنصّع صورته عوض أن تنقده لتفصل محاسنه عن مساوئه، وهي أيضا تحجب
الإشكالات الحقيقية المعاصرة، وإلا فمن قال إن الديمقراطية المعاصرة هي أقصى ما
يمكن أن يصل إليه العقل الإنساني ؟ ومن قال إن الانتخاب الحر المباشر هو
النظام الأعدل للتمثيل ؟ ومن قال إن فصل السلطات لا ينتج مشاكل ؟ وفي حين
تطرح كل هذه الإشكالات في العلوم المعاصرة، يبرر السلفيون ما وصل إليه العقل اليوم
بما قيل بالأمس، ويبررون وضع الغد بما قيل اليوم، ويظلون متأخرين دائما مرحلة عن
التطور البشري، مع أن المفروض أن ننقد تجارب الأمس من أجل غد أفضل، عوض أن نجرّد
من الأمس صورة مثالية نريد فرضها على الغد، فيكون مصير الأجيال في المستقبل مصير
أجدادهم في الماضي، ونعيد التجارب من دون اتعاظ.
وهكذا فإن "الفكر السياسي
الإسلامي" لن يصبح فكرا سياسيا إلا إذا قبِل التخلص من المصادرات المجانية
التي ينطلق منها، واليوتوبيا التي تُوجه رؤاه، لينخرط بوعي في إشكالات الفكر
السياسي الحديث، وينطلق من التطلعات العربية، وينقد الماضي بكل موضوعية، وإلا
فسنضيّع وقتا طويلا ونحن نبحث عن أشياء لا وجود لها، ونطرح إشكالات خاطئة ثم ننشغل
بالبحث فيها، ونستعمل مناهج قديمة تُعيد إنتاج نفس الخطاب السائد.. كل هذا
والتجارب في ماضينا وحاضرنا ومن حولنا تتطور، والوضع المعاش هو دون تطلعاتنا
وآمالنا.
مطاع الصفدي
الصحوة الإسلامية. مطاع الصفدي
المصدر: كتاب "في الحداثة و
التقدم (حوارات فكرية)" لرضا الملولي، مطبعة نقوش عربية، تونس 1993، 195
صفحة.
في الحقيقة إن ما يسمى بالصحوة
الإسلامية، إنما هي عبارة عن رِدّة نحو الشعائرية الدينية و ليست نحو الإسلام
الحقيقي. فلو أننا صحونا حقا لكنا عدنا ولا نقول عدنا بل استحضرنا الجهاز النفسي
والعقلي والتاريخي الذي أنتج الإسلامَ ذات مرة في أعماق التاريخ لينتج لنا اليوم
ما يناظره... فنحن نستحضر للأسف ميراثا شعائريا ولكننا
لا نتمكن من اكتشاف الروح التي خلقت ذلك الإسلام... إننا نقلد المنتج أو المنتوج
ولكننا نفقد آلة الإنتاج بالذات. فما أسهل أن نرتدي عباءة أجدادنا وما أصعب أن
تكون لنا رؤوسهم...
محمد الشرفي
الإسلام والحرية:
الالتباس التاريخي. محمد الشرفي
كتاب "الإسلام
والحرية: الالتباس التاريخي"، تأليف: محمد الشرفي، دار الجنوب للنشر، تونس
2009، طبعة جديدة منقحة ومزيدة. 269 صفحة.
نص
محمد الشرفي
صفحة 127: أسّس القانون الإسلامي على ثلاث مسلّمات انتفت
منها المساواة. الأولى هي تفضيل الرجل على المرأة، والثانية هي تفضيل المسلم على
غير المسلم، والثالثة هي تفضيل الحر على العبد.
تعليق المؤلف محمد كشكار: "مَن اجتهد وأصاب، فله
أجران، ومَن اجتهد ولم يصب فله أجر واحد"، وأنا قنوع بأجر واحد وقد تربيت
وتعودت على القناعة طوال حياتي، ولست مختصا ولا ملمّا بالفقه الإسلامي لذلك أتحفظ
وأبدأ تعليقي بــ"يبدو لي أنّ":
-
المسلم
ليس أفضل من غير المسلم وإلا لَمَا ارتضى الله لبعض أولاد المسلمين أُمًّا يهودية
أو مسيحية.
-
الرجل
ليس أفضل من المرأة وإلا لَمَا قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلّم في حديث
(صحيح أم ضعيف أم موضوع، هو حديث إسلامي تربوي إنساني جميل و معبّر): "الجنة
تحت أقدام الأمهات".
-
الحر
ليس أفضل من العبد. أما هذه فلا تحتاج إلى حِجَاج لأن العبودية انقرضت -و بحول
الله إلى الأبد- من قوانين جميع البلدان العربية والإسلامية على حد علمي والإسلام
هو أول الأديان التي شجعت على تحرير العبيد منذ القرن السابع ميلادي. انتهى
تعليقي.
صفحة 128: إن النظر الموضوعي يقتضي -بالضرورة- أن يُنزَّل هذا
القانون الإسلامي في سياقه التاريخي الذي شهد وضعه. وأن يُقارَن بقوانين الحضارات
القديمة الأخرى، وإذاك يبدو له وجه آخر مختلف تماما.
صفحة 129: ومنذ قانون حامورابي، وخلال التاريخ القديم كله،
مرورا بالقانون الروماني، كان مساجين الحرب كلهم يعاملون معاملة العبيد، وكانت
الشريعة المُوسوية تقرّ بتعدد الزوجات وتَحْرم الإناث من الإرث، وكان نظام الميراث
في أوروبا مؤسسا على البُكورية (أهمية الابن البكر وانفراده بالإرث) والذكورية
(أهمية الذكر دون الأنثى خاصة في الإرث) وقد سيطر هذا النظام طيلة العصور الوسطى.
وإذا قورن القانون الإسلامي بالتشريعات السابقة والمعاصرة له
في مسائل غير المسلم، والعبد والمرأة، اتضح أنه يمثل في جميع جوانبه تطورا كبيرا
في تاريخ الإنسانية، كما يمثل خطوة معتبرة نحو الحرية والمساواة أي القواعد
الأساسية لحقوق الإنسان كما نفهمها اليوم...
العنف في البلدان
الإسلامية. محمد الشرفي
كتاب " الإسلام
والحرية: الالتباس التاريخي"، تأليف: محمد الشرفي، دار الجنوب للنشر، تونس
2009، طبعة جديدة منقحة ومزيدة. 269 صفحة.
1.
العنف في السودان: نص محمد الشرفي:
صفحة 28: أما حسن الترابي فقد طبق
أثناء الأشهر القليلة التي كان فيها وزيرا للعدل في حكومة النميري بالسودان،
قَطْعَ اليد لمعاقبة السارق في 96 مناسبة كما ورد في إحصائيات منظمة العفو الدولية
(هامشة 3 في نفس الصفحة: نشرية منظمة العفو الدولية، أفريل - 1986).
وهذا الترابي ذاته الذي كان مُنظّر
النظام الإسلامي السوداني كثيرا ما استجوبته المحطات التلفزيونية الغربية. ورغم
هيئته الظريفة وخفة روحه الناشئة عن لحيته البيضاء الصغيرة، وقسمات وجهه الضاحكة
ولغته الأنجليزية المهذبة وحديثه عن العلوم والتقدم والديمقراطية والحداثة وروح
العصر وحقوق الإنسان، ورغم اشتهاره عند بعض الغربيين بكونه مثقفا إسلاميا معتدلا،
فإنه لم يتلفّظ قط بأية عبارة نقد ذاتي تتصل بالجرائم التي اقترفها يوم كان وزيرا
للعدل بالسودان أو بالحكم بالإعدام وتنفيذه في شخص منافسه محمود محمود طه الذي
أُتِّهم بالرِّدّة والمروق، بل إنه تجرّأ على تحية مقترفي محاولة اغتيال الرئيس
حسني مبارك يوم 26 جوان 1995 بأديس أبابا، باعتبارهم، حسب قوله "مجاهدين
أرادوا طرد فرعون مصر"، وباعتبار أن "الله أراد أن يبعث الإسلام من جديد
انطلاقا من السودان لينتشر عبر ضفاف النيل فيطهّر مصر من الرِّجس (هامشة 4 في صفحة
29: انظر مقالة "الإسلاميون السودانيون يشيدون بالمسؤولين عن محاولة اغتيال
الرئيس المصري"، جريدة لوموند الفرنسية، 7 جويلية 1995، ص 5).
2.
العنف في الجزائر: نص محمد الشرفي:
صفحة
26: كما أنه من المعلوم أن البلاد الجزائرية قد عاشت اضطرابات إرهابية دامية طيلة
السنوات الثلاث التي فصلت بين توقف العملية الانتخابية وعودتها من جديد بانتخاب
اليمين زروال رئيسا للجمهورية سنة 1995. وقد اعتبر جل الملاحظين أن حصيلة
المواجهات الدامية بالجزائر قد بلغت ما لا يقل عن أربعين ألف ضحية بل يمكن أن تكون
الحصيلة أثقل من ذلك، إذ قد تكون في حدود الخمسين أو الستين ألفا، ثم إن عدد
الضحايا قد يكون بلغ حدود الثمانين ألفا حسب إحصائيات منظمة العفو الدولية.
3. العنف في تونس: نص محمد الشرفي:
صفحة 19: وفي الفترة نفسها تقريبا (إضافة المؤلّف محمد كشكار: فترة نشر كتاب علي عبد الرازق " الإسلام
وأصول الحكم" سنة 1925 في مصر)، نشر
الطاهر الحداد في تونس كتابه القيم "امرأتنا في الشريعة والمجتمع"
للمناداة بتحرير المرأة ولبيان أن الإسلام حين نُحسِن فهمه لا يعارض ذلك فلقي
المساندة من الشرائح المستنيرة من المثقفين والمجتمع في حين لقي التشنيع به من
قِبل "علماء" الجامعة الزيتونية التي سحبت منه الشهادة العلمية التي كان
قد تحصّل عليها فيها عن جدارة. وقد طبقت الإدارة الاستعمارية قرار "العلماء"
ومنعت هذا المفكر من أن يتولى القضاء. غير أن الطاهر الحداد قد رُدَّ إليه اعتباره
مع استقلال البلاد وأصبح حجة كثيرا ما يُستشهد بها في الخطاب الرسمي وأنشِئ نادٍ
يحمل اسمه، ثم إن كُتبه تُدرس بالمدارس. ودون أن نغبط بورﭬيبة حقه في الدور الكبير
الذي قام به في سبيل إقرار "مجلة الأحوال الشخصية"، فإنه لا نزاع في أن
تلك المجلة تأسست عمليا على نظرية الطاهر الحداد.
غير أن الأنموذج التونسي يبقى في هذا المجال استثناء في
العالم العربي الإسلامي الذي لم يتوصّل بعد إلى التوفيق بين الدين والحداثة.
4. العنف في إيران: نص محمد الشرفي
صفحة 27: إن اللجوء
إلى العنف باسم الدين ليس أمرا نظريا بل إن سلوك الإسلاميين سواء كانوا في صفوف
المعارضة أو كانوا في السلطة، سلوك مفعم بثقافة العنف. فها هي السلطة الإيرانية
تقْدِم على "هذا التقدّم التكنولوجي العظيم" المعلن عنه بافتخار وتباهِ
من قبل المجلس الأعلى الإيراني للعدل في فيفري 1985، والمتمثل في اختراع آلة
كهربائية من صنع أطباء وتقنيين إيرانيين لبتر أيدي المختلسين (هامشة 2 في نفس
الصفحة: محمد العربي بوﭬرّة: المغرب، جريدة أسبوعية تونسية مستقلة، عدد 70، بتاريخ
7 جوان 1985.). لا شك أن هذه "التحفة التكنولوجية الإيرانية" قد
استُعملت في أفريل من السنة نفسها لبتر أيدي خمسة "لصوص" كما تزامن ذلك
مع تَعرّض شخصين اثنين إلى الرجم بتهمة الزنا وزهاء مائة وستين شخصا إلى الجَلْدِ
بالسياط لارتكابهم أعمالاً محظورة !
ومنذ ذلك العهد تجاوزت تلك الممارسات
المرحلة التجريبية لتصبح معمّمة، فقد كرّست المجلة الجنائية الإيرانية الجديدة
التي دخلت حيز التنفيذ في 9 جويلية 1996، الجَلد بصفة رسمية وذلك باعتباره عقوبة
زجرية لأعمال متنوعة متصلة بالسياسة أو الحق العام، من ذلك 74 جلدة سوط للمرأة
التي يُقبض عليها غير متحجبة في مكان عمومي، و99 جلدة لمقترفي علاقة جنسية خارج
الزواج، والإعدام رجما لمقترفي الزنا، أضف إلى ذلك كله أن الإعدام عقوبة منصوص
عليها تسلط على كل من يهاجم آية الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية المتوفي في
جوان 1989، أو خلفه آية الله خامَنئي.
صفحة 29: أما حق المرأة في المساواة
مع الرجل فرَفضُ الأصولية الإسلامية له صار من الأمور المعروفة لدى الجميع ولنا في
التجربة الإيرانية نموذج واضح على التصور الأصولي لهذه المسألة.
لقد جاءت المجلة الجنائية الإيرانية
الجديدة لتضمن عدم معاقبة الزوج المُهان الذي يباغت زوجته بصحبة عشيقها فيقتلها،
إذ مهما يكن من أمر فإن مآلها سيكون الإعدام. غير أن هذه المجلة الجنائية
الإيرانية لا تعترف للمرأة المُهانة بنفس الحق في الحالة المماثلة، أي في حالة
اكتشافها لزوجها وهو يخونها مع امرأة أخرى، وذلك على أساس أنها ليست سوى امرأة على
كل حال، وأن زوجها له أن يخونها قانونيا مع زوجة ثانية وثالثة ورابعة، وحتى وإن
كانت له أربع زوجات فإنه يستطيع التخلص ممن تَقبِض عليه متلبسا بالتصريح لها بأنه
طلقها من خمس دقائق، وهو أمر يستطيع القيام به دون أن يستلزم ذلك منه أي إجراء حسب
الفقه الإسلامي حتى مجرد إعلام الزوجة الطالق.
صفحة 30: ونفس المنحى الإقصائي نجده
عند التيار الأصولي الإسلامي فيما يتعلق بحرية الرأي والمعتقد. فقد أورد عبد
الفتاح عمر المقرر الخاص للأمم المتحدة في مسألة التسامح الديني أنه وقع في سنة
1995 في إيران طرد ما لا يقل عن عشرة آلاف موظف بهائي من الوظيفة العمومية دون
اعتراف بحقوقهم في التقاعد رغم مساهماتهم فيه، كما ذكر المقرر نفسه أن ما لا يقل
عن 201 بهائي قد قُتلوا، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أصدر المجلس الأعلى
الثقافي الثوري أمره القاضي بأن لا يُقبل أطفال البهائيين إلا في المدارس
الابتدائية والمعاهد الثانوية التي يكون فيها "التعليم الديني موجها توجيها
قويا"، أي مدارس الأصولية الإسلامية. وأما التعليم العالي فإنه في حقيقة
الأمر ممنوع عليهم لأن الالتحاق به مشروط بالنجاح في امتحان يتعلق بالمعارف
الدينية، ومن المعلوم أن هذا الامتحان الذي رُكّز بُعيد قيام الثورة قد مكّن من
طرد أكثر من ثلث الطلبة، أي جميع أولئك الذين تغافلوا عن الإعلان عن إسلامهم
النضالي الراديكالي.
5. العنف في
مصر:
صفحة 18: وصورة الحادث المذكور أن عائشة راتب وزيرة
الشؤون الاجتماعية في مصر، ذلك البلد الذي لعب مدة طويلة دور الرائد في مجال تحرير
المرأة، كانت على خلاف مع زوجها وكانت تعيش في وضع انفصال معه في انتظار الطلاق.
وعندما ركبت الطائرة في بعثة رسمية استطاع زوجها أن يعطّل إقلاعها لمدة لا بأس بها
لأن الزوجة كانت ستسافر دون ترخيص من الزوج.
وعندما يجتهد المثقف لبلورة رأي يوفّق فيه بين الإسلام
والحداثة فإن "العلماء" يتعبّؤون ضد هذا المفكر "المنافق الشنيع
المهدور دمه" وأما الحكومات فإنها تجاريهم إما سعيا وراء حسابات سياسية أو
انسياقا مع اعتبارات ديماغوجية. وتلك -و يا للأسف
!- ممارسة قديمة. فعندما نشر علي عبد الرازق
كتابه الشهير "الإسلام و أصول الحكم" سنة 1925 سعيا منه للتوفيق بين
الدين والحداثة في مجال النظام السياسي، سفّهه "العلماء" وطردوه من
جامعة الأزهر وأيدت الحكومة موقفهم منه. والأنكى من ذلك أن سعد زغلول قد ندّد
بالكتاب وبمؤلفه تنديدا لم يكن أقل حدة من تنديد من سبقه، والحال أنه كان رئيس
أكبر أحزاب العصر وهو حزب النضال من أجل الاستقلال، والحزب الذي كان يُقال عنه إنه
لائيكي. ولم تغير السلطات المصرية سياستها في هذا المجال حتى يوم الناس هذا. صحيح
أن كتاب علي عبد الرازق يُطبع اليوم على نفقة الحكومة المصرية في عشرات الآلاف من
النسخ غير أن ذلك لا يغير شيئا من الواقع القائم وهو أن علي عبد الرازق بقي مجهولا
في المدارس المصرية.
صفحة
25: من المعروف أن البلاد المصرية قد كانت عرضة، فيما بين سنتي 1992 و1995، إلى
موجة إرهابية دامية ذهب ضحيتها ما لا يقل عن 984 شخصا (هامشة 1 في نفس الصفحة: أوردت المنظمة المصرية
لحقوق الإنسان أن عدد الضحايا قد بلغ 963 شخصا منهم 333 قُتلوا خلال الأشهر العشرة
الأولى من سنة 1995، وأكدت أن الأصوليين يتحملون أكبر المسؤولية في هذه
الاغتيالات). وقد كانوا من الأقباط في درجة أولى ثم، في درجة ثانية، من المناضلين
الديمقراطيين والمثقفين الوطنيين والسياح الأجانب.
لمزيدٍ من التوضيح، ارتأيتُ إضافة
فكرة لـجاكلين الشابي حول "العنفُ في القرآن" ترجمة المؤلف محمد كشكار
جاكلين الشابي، فرنسية، أستاذة
مبرّزة في اللغة العربية، أنتروبولوڤ ودكتورة مختصة في التصوّف وفي تاريخ العالَم
الإسلامي في القرون الوسطى.
قالت على اليوتوب بتاريخ 25 أكتوبر
2016 في مقابلة على قناة "ميديابارت"، عنوانها "قراءة القرآن بوجه
آخر" (Lire le Coran autrement):
"العنفُ في القرآن، عنفٌ في الخطابِ (Le discours) فقط وليس عنفًا في الفعل (L`action). وعكس ما
يعتقد الكثيرون، فما ارتفاعُ منسوبِ العنفِ في الخطابِ القرآني إلا من أجل تجنبِ
العنفِ في الفعل. أما العنف في الفعل الداعشي فلا صلة له بالعنفِ في الخطاب القرآني بل له صلة وثيقة جدا
بِالعنف الفعلي العالمي المعاصر، والدواعش ليسوا أحفادَ محمد كما يدّعون بل هم
أبناء عصرهم".
رؤوف قبيسي
رسالة مفتوحة من رؤوف قبيسي إلى السيد حسن نصر الله: "دولة الله" هي الدولة المدنية
العلمانية ( 23آب 2014)
ترددتُ كثيراً قبل أن أرسل إليكَ هذا
الخطاب أيها السيد، تحسباً لكلمة فيه، قد تخدش صورتكَ وتغضّ من شأنكَ، ومن شأن
محبيكَ ومريديكَ، وهم كُثرٌ في لبنان، وفي دنيا العرب والعالم. مهما يكن، أربأ أن
يكون هذا مرادي، ولا أرمي من وراء هذه الكلمات التي أكتبها بمحبة حرة، وأوجهها
إليكَ عبر هذه الصحيفة الكريمة، إلا الخير لكَ، ولرجال "حزب الله"،
"الطاهرين الشرفاء" كما تسمّيهم، والخير كل الخير لهذا الوطن العزيز
الغالي على قلوبنا جميعاً.
أحسبكَ تعرف من إسمي
أيها السيد، أنني أنتمي بالهوية المسجلة في الدوائر الحكومية اللبنانية، إلى
الطائفة الشيعية في لبنان، ولا أحسب من عائلتي في لبنان من ينتمي إلى غير هذه
الطائفة، لكن أحب أن أقول في مستهل خطابي هذا إليك إنني لست "شيعياً"
ولن أكون، ولست متديناً ولن أكون، وأعتبر هذه "التصنيفات" تقليداً يفسد
الوصية، كما جاء على لسان "المسيح" في الأناجيل، وخروجاً على الإيمان
الإسلامي، الذي يعلو على ما هو "شيعي" و"سني"، لا نور لي هنا
ولا هداية، إلا الآية الكريمة من سورة "آل عمران" التي تقول
"واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
لا
أريد أن أفهم حبل "الله" هذا إلا الإيمان برسالة تحضّ على عدم التفرقة
بين الناس، لأن الناس ساعة ينقسمون لا يعودون مؤمنين، بل يصيرون متدينين متعصبين،
وتبدأ بينهم الحروب، وفي الحروب يوارَى الإيمانُ الترابَ، وتنبت الغرائز. أما
التقي المكرّم عند "الله" هنا فقد يكون مسلماً، أو مسيحياً، وقد يكون
يهودياً أو بوذياً، وقد يكون ملحداً أيضاً، وكلنا اختُبِرنا في حياتنا بشراً لا
يصلّون ولا يصومون، ولا يدخلون المعابد لكنهم، أقرب إلى "الله" من بشر
متدينين يحجّون ويصلّون ويصومون !
عندي أن من الخطأ أن
يقول امرؤ عن نفسه إنه "شيعي"، أو "سنّي" وإنه على نهج هذا
الإمام أو ذاك. هذه "التوجهات" قد تكون محمودة العواقب في بيوت وأندية
مغلقة، بين متصوفين وطبقات من الناس مثقفة وقديرة وواعية، تدرك معاني الكلم، وتعرف
الفرق بين التدين والإيمان، لكن ساعة تهبط هذه "التصنيفات" إلى الشوارع
والأزقة والقرى والدساكر، وخصوصاً في بلادٍ، معدّلات الجهل والأمية فيها عالية،
تتحول إلى عصبية هوجاء تهدد نسيج المجتمع، عندها يبدأ "الشحن الطائفي"،
تقوم به شياطين فاغرة أفواهها، ودول لا تسعى إلا إلى مصالحها الخاصة !
حين يقول المتديّن إنه
"شيعي" أو "سني" فهذا يعني أنه بدأ يتعصب، وأن القرآن في نظره
ليس كافياً للوصول إلى "الله"، في حين أن المؤمن يكفيه حبل خلاص واحد هو
حبل "الله"، العروة الوثقى التي تجمع الناس، وأما الحبال الأخرى فليست
إلا "تصنيفات" تفرّق ولا توحّد، وتوجِد فجوات بين الناس، وطريقاً أولها
جحيم في الأرض، وآخرها جحيم في السماء !
في
الولايات المتحدة تأصلت شعلة الإيمان عند بعض رجال الكنائس، إلى حدّ صاروا يعتبرون
أن من الخطأ أن يقول "مسيحي" عن نفسه إنه "مسيحي" لأن ذلك
يدخله في باب التصنيف، ويظهره بمظهر مختلف عن الآخر، بل يقول عن نفسه إنه مؤمن،
ومؤمن فقط. لهذا السبب، ولهذا السبب وحده، أكتب إليك هذا الخطاب يا سيد حسن،
وأكتبه من منطلق إنساني، وقلب عامر بإيمان مجرّد من أي هوية مذهبية أو دينية، لأن
الهويات الدينية غير إنسانية، وكافرة حتى بمقاييس "الكتب المقدسة"، فهي
توجِد متدينين، يتعصبون، آجلاً أم عاجلاً، على من لا يدينون بدينهم أو بمذهبهم.
وكلّ تفرقة بين إنسان وآخر، شكل من أشكال العنصرية البغضاء.
"المسلمون" مختلفون
على كثير من الأمور، لكنهم متفقون على كتاب واحد هو "القرآن"، وبوحي من
هذا القرآن أكتب إليك يا سيد حسن، وأترك كتب السيرة، وكتب التفسير والاجتهاد كلها،
أتركها جانباً، ولا أعتدّ بما فيها، إلا ما يتطابق مع نص القرآن وروحه، ولا شيء
آخر غير نص القرآن وروحه !
* *
*
أنت
أكثر من يدري يا سيد حسن، أن ما تشهده بلادنا من فتن وحروب هو من فعل التدين،
والعصبيات المذهبية التي لا علاقة لها بالإيمان. والقرآن يقول: "قالت الأعراب
آمنّا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولمّا يدخل الإيمان في قلوبكم". أنت
أكثر من يعرف يا سيد حسن، أن الخلافات بين "السنّة" و"الشيعة"
بدأت تحرق أخضر الأرض ويابسها، وتؤدي إلى قتل الأبرياء وتشريدهم من قراهم وبيوتهم،
وأخالك تضع اللوم على "خلايا نائمة" و"قوى من الخارج" تعبث
بالأرض و"المقدسات". هذا أمر لا أشك فيه، هو من السياسة التي لا أفهم
منها شيئا، لكن ما أعرفه حق المعرفة، وأخالك تعرفه يا سيد حسن، ويعرفه القاصي
والداني، وكل من نظر في كتبنا وتاريخنا، أنه لو لم تكن في ثقافتنا فجوات، لما
تمكنت "قوى الشر" من التسلل إلى ديارنا والعبث بمصائرنا. هناك إذاً شيء
فينا خطأ، موجود منذ القدم، ولا يزال. موجود من قبل أن تنشأ إسرائيل وبريطانيا
والولايات المتحدة الأميركية، وقبل أن يسمع العرب بشيء اسمه الاستعمار !
نعم يا سيد حسن، هنا
تكمن العلة وهنا يجب أن يبدأ الصراع أولاً، وليس على الحدود ! أنت تعرف يا سيد
حسن، أن مصدر هذه العلة ليس القرآن الذي هو، أو يجب أن يكون، منارة الإيمان
الوحيدة، بل من السيرة التي دوِّنت بعد وفاة الرسول وكتبها مؤرخون مختلفو الأهواء
والمذاهب، ولعبت فيها المصالح السياسية والدنيوية كل مذهب، لمصلحة هذا الخليفة أو
ذاك، هذا الحاكم أو ذاك، ثم انقسم "المسلمون" شيعاً ومذاهب، قامت على
أساسها دول كبيرة، منها عثمانية أخذت بالمذهب السنّي الحنفي، وأخرى فارسية أخذت
بالمذهب الشيعي الجعفري، وذلك كله بتدابير سياسية مخالفة للقرآن وروح الإسلام.
هذا
الخلاف بين مَن يسمّون أنفسهم "شيعة"، ومن يسمّون أنفسهم
"سنة" أساسه في التدين، لذلك يقول القرآن "ليس البر أن تولوا
وجوهكم قِبل المشرق أو المغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر". لم يقل
القرآن من تدين بالله بل قال من آمن بالله، وإذ يقول القرآن في مكان آخر إن
الدين عند الله الإسلام، فهذا لا يعني الدين الإسلامي المعروف بأركانه الخمسة، بل
يعني التسليم لـ"خالق" هو في القرآن "رب العالمين وأرحم
الراحمين".
أركان الإسلام ليست
خمسة، ولا يذكر القرآن عددها، وكل ما في القرآن من أركان الإسلام، أما الأركان
الخمسة المعروفة، فهي من وضع فقهاء فسّروا الكتاب على هواهم لخدمة الحاكم. لا يكفي
أن يعتمد المسلم الأركان الخمسة (الشهادة والحج والصلاة والصوم والزكاة) ليكون مسلماً،
الإسلام قِيم أوسع من ذلك بكثير، والدليل أن هناك من يعتمد هذه "الأركان
الخمسة" ويقول عن نفسه إنه مسلم، ثم نراه يقتل الأبرياء ! أركان الإسلام إذاً
كثيرة، أهمها الدفع بالتي هي أحسن، والمودة والرحمة، والرفق باليتيم والسائل
والمحروم، وهذه أهم من أركان، مثل الحج والصلاة والصوم والزكاة، لأن
"الله" يريد رحمة ولا يريد ذبيحة !
هكذا أفهم الإسلام يا
سيد حسن، ولا أريد أن أفهمه تمذهباً على نهج هذا الإمام أو ذاك، أو على نهج هذا
الخليفة أو ذاك. أفهمه قرآناً يقبل الناس جميعاً، ولا يرفض منهم إلا اللصوص
والمجرمين والسفاحين والقتلة، وهؤلاء هم الكفرة في نظر كل مؤمن، بغض النظر عن لونه
وجنسيته ومعتقده. أريد أن أفهم القرآن كتاباً يقبل الناس جميعاً، بمن فيهم
الملحدون واللاأدريون، لأن هؤلاء قد يكونون بشراً مسالمين. هذه الطريق الوحيدة في
رأيي لفهم الإسلام، وكل فهم أو تأويل آخر للآيات ضرب من الكفر، وجنون يبقي الحروب
على أرضنا دائرة، لا تجلب غير الدم والندم والفقر والمرض والجهل وتعدد الولاءات،
وتُبقي الصراع بيننا في الدين، ومع كل دين، مشتعلاً أبداً، وإلى أبد الآبدين !
مَن منا، ومن الذين
كتبوا تاريخنا، عاصر الرسول وقال إنه أوصى بالبيعة لعلي بن أبي طالب ؟ مَن منا،
ومن الذين كتبوا السيرة النبوية، حضر اجتماع السقيفة ورأى المسلمين يبايعون أبا
بكر الصدّيق خليفة، بينما علي بن أبي طالب مشغول بغسل جثمان الرسول ؟! مَن منا،
ومَن كتبوا تاريخنا، شهد موقعة الجمل بين علي بن أبي طالب وعائشة بنت أبي بكر
الصديق، وماذا قيل فيها وما جرى ؟ وقد تكون هذه الواقعة من نسج الخيال، دوّنها
كتبة مؤرخون لبث الفرقة في قلوب الناس !
هذه عيّنات من مئات
القصص التي نقلها إلينا مؤرخو السيرة، ودوّنوها في صحائف لا نملك صحيفة أصلية
واحدة منها، ودُوّنت بعد نحو مئتي سنة من وفاة الرسول، وهو ما يوازي اليوم ألف عام
! سِيَرٌ لعبت فيها أهواء المنافع والمصالح، حتى أن ابن هشام نفسه، واضع أول كتاب
في السيرة النبوية، اعترف بأنه نقلها عن سيرة ابن إسحق بعدما هذّبها وشذّبها،
وسيرة هذا الأخير مفقودة، ولا نعرف عنها شيئًا !
مَن منا يستطيع أن
يستخلص الحقيقة التاريخية من سير جاءت إلينا بطرق "العنعنة" ؟ لا أحد في
العالم يمكنه أن يحسم في هذه الأمور، لأن لا أحد منا عاصر الرسول والخلفاء
الراشدين وغير الراشدين. ثم ما علاقة ذلك كله بالإيمان على أي حال ؟! هذه أمور من
قشور الدين وليست من لبابه. إذا قال "الشيعة" إن علياً أحقّ بالخلافة من
غيره، فهل يعني ذلك أن "السنّة" ذاهبون إلى الجحيم، وإذا قال
"السنّة" إن أبا بكر الصديق أحقّ بالخلافة، فهل يعني ذلك أن
"الشيعة" ذاهبون إلى الجحيم ؟!
هذه أمور لا تفيد شيئاً،
وتجلب الضرر والضغائن والأحقاد. لذلك يتعين على المؤمن الصادق، أن لا يركن في
إيمانه إلا إلى القرآن، وإلى القرآن وحده، لأن الإسلام ليس علي بن أبي طالب، ولا
هو أبو بكر الصديق، ولا هو عمر بن الخطاب، ولا هو محمد بن عبد الله الذي جاء في الكتاب
أن عليه البلاغ وعلى ربه الحساب. القرآن هو الكتاب الوحيد المجمع عليه بين
المسلمين، وهو كافٍ ليجعلهم مؤمنين لا متدينين، إذا عرفوا كيف يقرأونه قراءة
إنسانية، لا قراءة دينية، ويتصالحون به مع أنفسهم ومع الناس، كل الناس في هذا
العالم، وكلّ تبنٍّ وتعصب لشيء في السيرة لا يتطابق مع القرآن ضربٌ من الكفر. لذلك
على المؤمن بكتاب "الله" أن يتوقف عن القول إنه "سنّي" أو
"شيعي" أو "وهابي" أو "إسماعيلي" بل "مؤمن برب
العالمين" وهذا وحده يكفي، و"كفى بالله شهيدا".
أعرف يا سيد حسن أن هذا
مطلب عسير على السائرين على نهج الإمام علي، وأنت من صرّح غير مرة بأنك من شيعة
علي، وبأنك ستقاتل الصهاينة قتالاً كربلائياً. أعرف ذلك وأعرف كم هو عزيز عليك هذا
الشعور الدفين الذي ورثته عن آبائك وأجدادك، وأعرف أيضاَ كم كان هذا الشعور عزيزاً
عليَّ وأنا صغير، يلهج أبواي باسم "الله" ليلاً ونهاراً، ويذكران محمداً
وعلياً والحسن والحسين، ومن جاء بعدهم من الأئمة، ويبكيان أشد البكاء على مصرع
الحسين في عاشوراء. هكذا كانت تفعل والدتي الراقدة عظامها في السفح المطل على
قريتنا في الجنوب، وهكذا كان يفعل والدي الذي حجّ ولم يعد، ودفن جثمانه في البقيع.
أذكره يصطحبني وأنا طفل صغير، إلى المدرسة العاملية في بيروت لحضور مراسم عاشوراء،
فأحزن لبكائه الخافت، وأرى الدموع تنهمر على خديه، وهو يستمع إلى بولس سلامة يتحدث
عن مآثر علي والحسن والحسين، ويقول لوالدتي عند عودتنا إلى البيت "لقد أبكتني
كلمات هذا المسيحي أكثر مما أبكتني كلمات المسلمين "!
كان
هذا الوالد متشيعاً لعلي وأهل بيته، لكنه كان رجل إيمان قبل أن يكون رجل دين. لم
يكفّر أحداً، ولا أذكر أنه قال في حياته كلها، كلمة سوء في الصحابة. لم يتردد في
إرسالي، أنا وأخوتي، إلى مدارس المقاصد "السنية"، وكان يصلّي في مساجد
"السنّة"، وكان من شركائه في التجارة، وأقرب الناس إليه من
"السنّة" والمسيحيين، وكان البيت القديم الذي استأجره لنا، البيت
"الشيعي" الوحيد في حي من أحياء بيروت "السنّية "!.
أعرف يا سيد حسن كم
عزيزة عليك هذه "الخصوصية الشيعية"، وكم عزيزة عليك
"عاشوراء"، بمعانيها ورموزها ودلالاتها، لأني عشتها طفلاً وصبياً
يافعاً، ولا أرى ضيراً إذا كانت مناسبة إيمان، لا رصاصاً في الهواء ولطماً على
الخدود، لكن ما يحزّ في قلبي حقاً أن تتحول هذه "الخصوصية الشيعية" إلى
عصبية، وأن تكون وحدها أو ما شابهها من "الخصوصيات" أساًساً لهذا البلد
الجميل الذي لا وطن لنا غيره، ونريده أن يكون وطناً للجميع، سيدا حراً ومستقلاً.
كل
طائفة في لبنان لها "خصوصيتها" المميزة، العزيزة على كل فرد من أبناء
هذه الطائفة أو تلك. لا بأس في هذا التعدد، الخطر يكمن ساعة تتحول هذه
"الخصوصية" إلى سياسة وسلاح، وتكون فيها غلبة طائفة على أخرى، عندها
تتحول إلى عصبية هدّامة وتثير نعرات "خصوصيات" الآخرين وغرائز دهْمائهم،
وتُدخِل الوطن في خطر. تظهر هذه الغلبة في خلط الدين بالسياسة، أو حين يكون نظام
البلد طائفياً، كما الحال في لبنان. من هنا نفهم أن الدولة الطائفية دولة
كافرة، غير إنسانية، عنصرية تصنّف مواطنيها على أسس دينية.
إذا سألتني يا سيد حسن
عن" دولة الإيمان" المرتجاة، فسأقول لك إنها ليست "ولاية
الفقيه" حتماً، وليست "دولة العراق والشام" حتماً، وليست
"دولة القاعدة" ولا "دولة الأخوان المسلمين" حتماً، ولا
إمارات "طالبان" و"جبهة النصرة"، وكانتونات العلويين والدروز
والموارنة. هذه كلها لون واحد، عقل واحد ونهج واحد، "خصوصيات" أحادية،
لا مكان فيها لروح آخر، وعقل آخر، وفكر آخر.
الدولة المدنية هي دولة
الإيمان الوحيدة، وهذه وُجِدت في الغرب بعد صراع مُرّ مزمن بين الغريزة والعقل،
بين الجهل والعلم، وبين التدين والإيمان ! إنها الدولة الوحيدة التي تحفظ حقوق
الناس، ويتساوى فيها المواطنون أمام القانون، هي "دولة الله" الوحيدة على
الأرض، وما عداها كفر وعنصرية وحروب.
ألم
يقل الشيخ الإمام محمد عبدَه "ذهبت إلى الغرب
فرأيت إسلاماً ولم أر مسلمين، ثم عدت إلى بلاد المسلمين فرأيت مسلمين ولم أر
إسلاماً" !؟
هذا
الإسلام الذي وجده "رائد الإصلاح" في الغرب، لم يكن إلا في كنف الدولة
المدنية. محمد عبدَه هو الذي قال: "الإسلام مجموعة من القواعد العامة يقتدي
بها البشر في المجتمع والحكم، لكنه، أي الإسلام، لم يأت بقوانين تفصيلية، وعلى
البشر أن يستعملوا عقولهم في وضع التفاصيل". محمد عبدَه هذا هو الذي قال
أيضاً إن الإسلام محجوب بالمسلمين، ونادى بتعليم المرأة، وقال إن العدل لها لا
يمكن أن يتحقق في تعدد الزوجات، وعارض الحجاب والنقاب، وقال إن لا نص في الشرع
يوجبهما، وإنهما "عادتان ناتجتان من الاختلاط بأمم أخرى". محمد عبده هو
الذي وقف ضد التكفيريين والمتزمتين، وقال قولته الشهيرة "إنما هو دين أردت
إصلاحه وأحاذر أن تقضي عليه العمائم "!
سيقول المتدين المتزمت
إن الدول المدنية من صنع البشر، ويدعو إلى دولة دينية، لأن القرآن يقول: "ومن
لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون". هذه الدولة الدينية التي يريدها
المتدين المتزمت، لن تكون "دولة الإيمان"، بأي شكل من الأشكال، بل دولة
الدين الواحد، والمذهب الواحد، وستقوم على الغلبة والقهر والتعسف، وتعتبر من ليس
من دينها ومذهبها، مواطناً من درجة ثانية وثالثة.
أكتب هذه الرسالة وأنا
في بريطانيا، وأقول إنه في السنوات الطويلة التي عشتها في هذا البلد، لم أسمع من
قال عن نفسه إنه كاثوليكي أو بروتستانتي. هنا توجد كنائس للمسيحيين من جميع
المذاهب، وكنس لليهود، ومساجد للمسلمين وحسينيات للشيعة، وخلوات للدروز، وأديرة
ومعابد للبوذيين، وصنوف متعددة من أمكنة العبادة لكل البشر. الكل يمارس حقه في
العبادة، لأن بريطانيا دولة مدنية علمانية متحررة من الغرائز الدينية، ولو كانت
عصبية كاثوليكية أو بروتستانية، لما ضمت هذه "الشعوب والقبائل"، لذلك هي
أقرب إلى القرآن الذي تقول آياته "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى
وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "!
بعد
خروج الإسلام من الأندلس، لم تعد إسبانيا "الكاثوليكية"، تسمح ببناء
المساجد. بقي الوضع على هذا النحو مئات السنين، ولم يتغيّر إلا يوم أصبحت إسبانيا
دولة مدنية متسامحة، عندئذ سمحت ببناء المساجد، وفي الشرق دول
"إسلامية"، لا تسمح ببناء الكنائس، وهناك دول مدنية علمانية تسمح ببناء
مساجد ودور عبادة لمن يشاء، فأي دولة هي الأقرب إلى "الله" والإنسان
إذاً ؟! هل التي تحجب "الله" وتفتح هوة ضيقة لرؤيته، أم تلك التي تشرّع
طرق الإيمان كلها لرؤية "الله" ؟!
القرآن يقول في سورة
البقرة: "ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله"، ألا يعني هذا
أن علينا أن نفتح نوافد العقول والقلوب، وأشرعة الزمان والمكان لنرى
"الله" أنى اتجهنا، بدلاً من أن نراه من فوهة ضيقة ؟!
صدِّقني
يا سيد حسن، الدولة المدنية، هي الدولة الوحيدة التي تحفظ هذه
"الخصوصية" الغالية عليك، وتحفظ "خصوصيات" الآخرين، وتمنع
الحراب والخراب. فيها يصبح لبنان وطن الإنسان والإيمان، ومنارة حضارية في هذا
الشرق، ويصبح عن حقّ بلد العائلات الروحية، لا بلد الطوائف والتزمت الديني البغيض.
يصبح دولة قوية منيعة، لا تقوى أبواب الجحيم عليها، ولا يقدر أحد على خرق جدرانها،
وأمامها تصغر إسرائيل في عين العالم، وتتغير كما تريدها أنت أن تتغير، ولا تكون
أرضاً لليهود وحدهم.
لا
أخاطبكَ من وجهة نظر مثالية يا سيد حسن، بل من وجهة نظر واقعية وواقعية جداً، فأنا
أعيش في الغرب منذ سنين، وأعرف خبث الصهاينة وذكاءهم ودهاءهم، وأعرف كم هم شطّار
في إستثارة العواطف، وكيف يروّجون لبلدهم، بينما نحن ضعفاء، تتنازعنا أهواء
وعصبيات هدّامة، تُظهرنا أمام العالم همجيين، وسفاحين، وأشراراً وقتلة وإرهابيين.
لبنان
المدني العلماني الحر، السيد المستقل هو لبنان "الوحيد" الذي سيهزم
إسرائيل، ويظهر بشاعتها أمام العالم. سيحاربها وينتصر عليها، لا بالعصبية وغلبة
السلاح، بل بإظهار وجهها العنصري البغيض، وستكون بيروت هذه المرة، لا أورشليم
القدس، مدينة النور والسلم في هذا الشرق المعذب.
أسمع
وأقرأ عن "يهود" كثيرين في أوروبا وأميركا، من كبار المفكرين وأساتذة
الجامعات، مَن هم ضد الصهيونية، ومنهم مَن يعتبر إسرائيل مصدر الشر، وسبب المشكلات
كلها في الشرق الأوسط. هؤلاء يجب أن تستضيفهم دولة لبنان المدنية، ليخاطبوا العالم
من بيروت بلغة حضارية إنسانية، ويخلّصوا اليهود أنفسهم، من هذا الكيان القائم على
القهر والظلم والخرافات. حين يتغير لبنان ويشفى من عصبياته الدينية، تصبح إسرائيل
دولة ضعيفة ومكروهة من العالم، ولا تعود لترسانتها المسلحة أي قيمة.
صدِّقني يا سيد حسن إذا
قلت لك إننا لن نتمكن من إظهار وجه إسرائيل البشع، إلا إذا اعتمدنا هذه التدابير.
أما السياسات القائمة على العصبيات الدينية، فستبقى "مثل العسل" على قلب
إسرائيل، تستخدمها ذريعة، وتقول للعالم: انظروا ما يفعل العرب بالعرب، وما يصنع
المسلمون بالمسلمين وغير المسلمين ؟ أتريدون أن نصنع السلم معهم، ونعيش بينهم ؟
هكذا تستمر فصول القتل العبثية، وتفعل إسرائيل أفعالها في غزة، وليس هناك من
يحاسب. تَفتك بالفلسطينيين وتدمر بيوتهم، بحجة محاربة الإرهاب، والدول القوية
تشاهد وتشهد لها، وتعطيها حقاً في الدفاع عن نفسها !
حين يرى العالم كيف يقتل
العرب العرب، وكيف يذبح "المسلمون" أبناء وطنهم الذين ليسوا على دينهم
أو مذهبهم، وكيف تستغل الصهيونية العالمية حروب القبائل العربية، هل نستغرب بعدئذ،
إذا لم يكن للدم الفلسطيني الثمن الذي يعطيه العالم لدم اليهود ؟! لا فائدة ترجى
على المدى الطويل، من مجابهة الصهيونية بعصبية دينية، لأن عصبية اليهود تجمعهم
وتوحدهم، في حين أن عصبيات "المسلمين" تفرقهم قبائل وشيعاً، وتجعل
الحروب بينهم أشد فتكاً من حرب إسرائيل عليهم.
سمعتكَ تقول يا سيد حسن
غير مرة، إن "حزب الله" هو الحزب الإسلامي الشيعي الإثني عشري الإمامي،
وإنك لن تنسى القدس، ولن تنسى فلسطين، وسمعتُ أتباعكَ يقولون في أحد أناشيدهم
"حربنا ليوم الحشر وما في ولي إلا عليّ". قد لا يفوتكَ يا سيد حسن إذا
قلتُ لكَ كلاماً أحسبكَ تعرفه، وأخال مَن حولكَ لا يريدون قوله لكَ، لكني سأقوله
لك وأمري إلى "الله" كما يقول المؤمنون، إنك لو جهزتَ جيشاً كربلائياً،
وحررتَ القدس وكامل التراب الفلسطيني، لن تربح معركة القلوب والعقول في هذا الشرق،
لأنه منطقة عاصفة تحركها الغرائز الدينية والقبلية والمذهبية أكثر مما يحركها عامل
آخر. هذا التحرير إن تحقق، فسيكون عظيماً في نظر أتباعكَ ومناصريكَ، لكنه لن يكون
عظيماً في نظر الغلاة من الطوائف الأخرى، لأنه سيثير ريبتهم وشكوكهم، مثلما أن
الشيعة سوف يرتابون إذا سمعوا أن "داعش" جهزت جيشاً حرّر القدس وكامل
فلسطين التاريخية، تحت تأثير إحساس دفين، يُشعرهم بأنهم سيكونون الضحية الثانية
بعد اليهود !
هذا كله ولم نتحدث بعد،
ونأخذ في الاعتبار بعد، مشاعر مَن هم ليسوا "مسلمين"، من مسيحيين
وإيزيديين وشبك ومندائيين وصابئة، وغيرهم من الأبرياء الذين يتعرضون في هذه الأيام
للتهجير والقتل والتعذيب، على يد "قوات دينية"، بينما فلسطين مغتصبة، لم
يتحرر منها شبر واحد بعد !
"العصبيات
تولد العصبيات وتأكل الروح"، هذا قول جرماني قديم. لننظر إلى ما حلّ بالعراق
وأهل العراق، ونتساءل: أليس "داعش" السنّي نتيجة طبيعية لحركة شيعية
إسمها جيش المهدي ؟! ألم تكن ظاهرة الشيخ أحمد الأسير في صيدا عصبية
"سنية" رداً على عصبية، كان وأصحابه يقولون إنها "شيعية" ؟
لنسمِّ الأشياء بأسمائها يا سيد حسن، فالموضوع ليس مسألة مَن عنده حق، ومَن ليس
عنده حق، ومَن مرخَّص له من الدولة ليقاوم، ومَن ليس مرخَّصاً له ليقاوم، والمسألة
ليست ثلاثية "الشعب والجيش والمقاومة". هذا كله سياسة. المسألة أبعد من
ذلك بكثير، تتصل بثقافة المجتمع القائمة على التدين التي تُنشئ في مقابل كل عصبية
دينية ومذهبية، عصبية مماثلة ! من هنا تتضاعف الحاجة إلى "دولة الله"
المدنية، لأنها ستكون دولة كل الناس، لا دولة إمارات مذهبية، يعتقد القيّمون عليها
أنهم يأتمرون بأمر السماء، والسماء منهم براء !
أحسبكَ تعرف السبب وراء
هذا التحفظ يا سيد حسن، وتعرف أن أي جيش إسلامي مذهبي، سوف يثير مشاعر الفئة
الأخرى، ما يعني أن علينا قبل أن نفكر في فلسطين، أن نتوحد في الإيمان ونخلع عن
أرواحنا أردية التصنيف المذهبي والديني. عند ذلك، وعند ذلك فقط، تبدأ إسرائيل
بالسقوط، من غير أن نطلق عليها صاروخاً واحداً.
لن ينفع القول إننا
نحتاج إلى عصبية دينية لنواجه العصبية اليهودية في فلسطين، حتى لو صحّ ذلك في
مرحلة من الزمن، وحققت عصبية من لون واحد، إنجازاً مهماً في الصراع ضد إسرائيل كما
حقق "حزب الله" "الشيعي" مع دولة الصهاينة، ستنشأ في مقابل
كلّ عصبية "شيعية"، عاجلاً أم آجلاً، عصبية "سنية" تنسى
"العدوّ الأكبر" إسرائيل، لتواجه "العدوّ الأقرب"، "حزب
الله"، ويتغير إسم هذا الحزب في أدبياتها ويصبح "حزب الشيطان".
أليس هذا ما يحصل الآن يا سيد حسن ؟ هنا في الشرق، "مهد الرسالات"،
تنبت العصبيات كالفطر، وتجري في "الأرض المقدسة" أنهار من الدم قد نعرف
منابعها، لكن هيهات أن نعرف أين ستكون مصباتها !
ها هي العصبية اليهودية
قد حققت حلم أرض الوعد، وأسست دولة إسرائيل، فهل حققت لليهود الأمن والآمان ؟ في
تاريخهم الطويل لم يرتاحوا، وهم بما يملكون من ذكاء ودهاء ومال ونفوذ، ما زالوا
قلقين ومعذبين، لأن العصبية التي تأكل أعداءها تأكل ذاتها أيضاً. وقد عاش اليهودي
المسالم مع المسيحيين والمسلمين في هذه المنطقة مئات السنين، إلى أن جاء إليها
صهيوني هارب من عصبية نازية، فلوّث مناخها، وأفسد حياتها وحياته وحياة الجميع.
لا
يزال أمام الغرب "العظيم" أن يتعلم كثيراً من القوى الروحية الهائلة
التي في الشرق، وهناك الملايين من أبنائه يتركون بلادهم كل سنة هرباً من المادية
الجافة، بحثاً عن الصلاة والدفء والسكينة في القرى النائية في الصين والتيبت
والهند والهملايا. هم لا يأتون إلى "أرض الرسالات السماوية" لأن
"أرض الرسالات السماوية" مزروعة بالرايات والحراب، وممنوع عليهم أن
يدخلوا "أماكنها المقدسة "!
* *
*
كثيرون
عيّروكَ بسلاحكَ يا سيد حسن، وبقيتَ على كلمتكَ لا تتزحزح، وقلتَ لهم ولا تزال
تقول إنكَ لن تسلّم سلاحكَ إلا إلى دولة قوية عادلة. هذا كلام رائع حقاً، لكنك لم
تقدم لنا أوصاف هذه الدولة القوية العادلة التي تريدها. مهما يكن، فسأضمّ صوتي إلى
صوت الذين يوافقون على كلامكَ، وأتوسل إليك ألاّ تسلّم سلاحك إلى هذه الدولة
الطائفية المريضة التي يتحكم بمصيرها رجال سياسة من القرن الثامن عشر، بل سلِّمْه
إلى دولة مدنية عصرية، لا تكون المناصب فيها حكراً على الطوائف، ولا يعلو فيها أحد
على القانون. يبقى الرجاء أن تكون أنتَ يا سيد حسن، من الممهدين لبناء هذه الدولة
المدنية الحرة، التي في كنفها وحدها تتلاشى العصبيات الدينية والمذهبية، ويتعزز
الإيمان الحقيقي.
صدِّقني يا سيد حسن إذا
قلتُ لكَ إن لا حلّ آخر هناك، وهذا الحلّ ليس من عندي، أنا المواطن البسيط، إنه
خلاصة تجارب وخبرات شعوب وصلت إلى مراحل عظيمة من التطور والتقدم والإزدهار، ونحن
لا ينقصنا أن نكون مثلها، إذا عرفنا كيف نتحرر ونستخدم العقل الذي لا إمام غيره،
كما يقول شاعرنا العظيم الضرير البصير، أبو العلاء المعري.
*
* *
كنت
أريد أن أنهي خطابي إليك أيها السيد بصوت أبي العلاء، لكني في اليوم التالي جلستُ
مع صديق لي من أهل الثقافة، في حديقة "هايد بارك" في لندن، نتداول في
شؤون بلدنا، ونسأل أنفسنا السؤال الحارق: كيف يحدث هذا الذي يحدث ؟ وكيف يسير وطن
وشعبه إلى الوراء ؟ ثم سألت صديقي رأيه في هذا الخطاب. أنعم النظر فيه، ثم رفع
رأسه وقال لي: هل أصابكَ مسٌّ من جنون ؟ تطلب إلى الأمين العام في "حزب
الله" أن يمهد لإقامة دولة مدنية في لبنان، وتنسى علاقة هذا الحزب بالجمهورية
الإسلامية في طهران، والوضع الإقليمي في المنطقة، وتتجاهل ما يمكن أن يفعله تجار
السياسة الماكرون في لبنان، ليصدّوا أي محاولة تفقدهم مناصبهم الطائفية.
أجبته: إذا كنت أطالب
المسؤول الأول في "حزب الله" بدولة مدنية، فلأنني مواطن من لبنان، وليس
من إيران، ولأن أصولي وأصول أهلي وأهله من جبل عامل، ولأن الدولة المدنية في
اعتقادي هي "دولة الله" الوحيدة على الأرض، والحلّ الوحيد لبلد شعبه
موزع على 17 طائفة، لكل منها أميرها ! زدت فقلت له متسائلاً: إذا لم تكن الدولة
المدنية هي الحل، فما هو الحل إذاً ؟ أهو في هذه الدولة الطائفية العنصرية التي
تجهّز لشعبها عرساً من الدم كل عشر سنين، أم هو في "ولاية الفقيه"، أم
في "دولة العراق والشام"، أم في الامارات الإسلامية غير المتصالحة، أم
في دويلات القبائل المتنازعة ؟
سكت
صديقي وراح يسرح نظره على امتداد بحيرة الحديقة، وها أنذا الآن على وشك السكوت يا
سيد حسن، وأقول كما يقول المؤمنون بعد إذاعة الوصية: "اللهم إني بلّغت، اللهم
إني بلّغت"، وأستلهم كلمات عظيمة من خطبة الإمام القائل: "لا رأي لمن لا
يطاع، لا رأي لمن لا يطاع "!
في
الختام لا أملك يا سيد حسن إلا السلام عليكَ، والسلام على مَن هم أطهر الناس وأشرف
الناس، والسلام على المسالمين والأخيار في هذه الأمة، وعلى كل مَن آمن واتّبع
الهدى، وأحب الناس جميعاً.
راشد الغنوشي
من كتاب راشد الغنوشي، "إرهاصات الثورة"، دار المجتهد للنشر
والتوزيع، 2015 (كُتِبَ بين 1999 و2014)، 277 صفحة
-
حزب التحرير رفع شعارًا بغيضًا "لا حرية في
الإسلام" بل تَقَيُّدٌ بالشريعة، وهكذا وضعوا الإسلام نقيضًا للحرية، في زمن
ثورات الشعوب.
-
تطبيق الشريعة (الحدود) في السودان في عهد
البشير والترابي قاد إلى تمزيق وطن استلمه الإسلاميون موحّدًا.
-
حروب الردة كانت أول حرب في التاريخ تُشَنُّ دفاعًا
عن حق الفقراء في الزكاة.
الدين عقدي واجتماعي أو لا يكون: فلا يحق إذن للمسلم
المصلي غير الاجتماعي أن يستنقص من دين المسلم الاجتماعي غير المصلي والاثنان ناقصان دين !
-
التعريف العقدي للدين: من يؤمن بالله واليوم الآخر. التعريف الاجتماعي
للدين: من لا يمتنع عن بذل العون للمحتاج. الإيمان لا يَرِدُ في القرآن إلا مقترنا
بالعمل الصالح.
-
القرضاوي، اعتبر أن الجزية هي المقابل للخدمة
العسكرية، فإذا غدت هذه جزءا من واجبات المواطن بصرف النظر عن دينه فلا يبقى لها
مكان.
-
مفهوم "الذمة"، يمكن الاستعاضة عنه -تجنبا
للبس- بمفهوم "المواطنة" ما دام يحقق المبدأ الإسلامي في المساواة بين
المواطنين.
-
"اليهود أمة والمسلمين أمة" (أي أمة
العقيدة) وأن "المسلمين واليهود أمة" (أي أمة السياسة والمواطنة، أي
شركاء في نظام سياسي واحد).
-
مالك بن نبي: كل باحث في طريقه إلى القرآن
تتعثر أقدامه في المسلمين. تمنيت لو لم يكن هناك مسلمون أصلا بمن فيهم شخصي. كلمة
غيور غاضب.
-
يبدو لي أن الصحوة الإسلامية نجحت في أسلمة
الشعوب العربية حتى الرقبة (ممارسة الشعائر) وفشلت في أسلمة الرأس (التقوى).
اقتباس من الغنوشي
-
"ونريد
أن نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين"
(Il me parait que Marx espérait la même chose pour le prolétariat)
-
الغنوشي: إخوان مصر، مع الزمن وبضغوط من هنا وهناك،
ارتحلت الجماعة عن فئة العمال والمعطلين صوب نخبة المجتمع وطبقاته الوسطى المتعلمة
تاركة وراءها الملايين.
-
قطب: "المسلم بالضرورة متحضر، إذ الإسلام هو
الحضارة". مالك بن نبي: يمكن أن يكون
المسلم متحضرا كما يمكن أن يكون متخلفا.
-
مالك بن نبي: ليس
الإسلام هو الحضارة، الإسلام وحي نزل من السماء بينما الحضارة لا تنزل من السماء
وإنما يصنعها البشر عندما يحسنون توظيف ملكاتهم.
-
"لماذا تأخر
المسلمون وتقدم غيرهم؟"1. قطب: تركوا الإسلام. 2. مالك بن نبي: تركوا الحضارة.
3. المؤلف محمد كشكار: تركوا الفلسفة أُمّ العلوم والتقنية، طلّقوها منذ عشرة
قرونٍ.
-
"لم ترتبط
الشورى بالعقيدة كما ارتبطت الصلاة.. والحال أن أثرها في المجتمع حضورا أو غيابا
لا يقل عن أثر الصلاة إن لم يكن أعظم".
-
"خلال
التاريخ الإسلامي -من الراشدين إلى 1924- كانت مؤسسات التشريع والقضاء والثقافة
والمدارس والأوقاف مستقلة عن الحاكم" (الغنوشي)
-
"التطبيع مع
العدو الصهيوني جريمة لا تُغتفر، والدعم لكل مشروع للتحرير واجب ديني ووطني وقومي
وإنساني".
-
"مؤسسة الأوقاف قبل
مصادرتها كانت تتصرف في حوالي ثلث الملكية الزراعية، مكرّسة لخدمة مؤسسات المجتمع
الأهلي كالتعليم".
-
"المؤسسة
الزيتونية -قبل تفكيكها- كان يزاول التعليم فيها بمختلف مراحله 27 ألف طالب وكانت
قد قطعت شوطا كبيرا في طريق الإصلاح".
-
"توجه أمير
الشعراء أحمد شوقي إلى كمال أتاتورك وقال: الله أكبر كم في الفتح من عجب *** يا
خالد الترك جدّد خالد العرب" (الغنوشي).
-
"أن المؤمنين
يهربون من دار الإسلام المحكومة بمسلمين ظلمة إلى دار الكفر المحكومة بحكام يعبرون
عن إرادة شعوبهم. ولم نر العكس، فانتبهوا."
-
"أن الله
سبحانه ينصر الدولة العادلة وإن لم تكن مسلمة ولا ينصر الظالمة ولو كانت
مسلمة"
-
"ولقد كان
جنرالات نيجيريا المسلمون أشدّ بأسًا على شعبهم من النصراني المدني الذي خلفهم
ديمقراطيًّا"
-
"عرفت سوريا
رئيسا لوزرائها مسيحيا كان أداؤه جيدا وعلاقاته بالإسلام والإسلاميين ممتازة.. ليت
كل الذين جاؤوا بعده من الانقلابيين المسلمين ساروا سيرته"
-
"عرفت مصر
زعماء أقباط على قدر عال من الوطنية والقبول الشعبي مثل مكرم عبيد، وكان بعضهم
مستشارا مقربا من حسن البنا"
-
"قال تعالى: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت
القوي الأمين (بغض النظر عن الذكورة والأنوثة والمعتقد مهما كان مستوى تدين
المرشح)".
-
"في كل من
هاتين الساحتين، العَلمانية والإسلامية، يتّسع المجال نظريًّا وعمليًّا للقبول
بالآخر وللتعايش والحوار والتعاون معه".
موقفُ القيادي الإسلامي
المرحوم صالح كركر من تَحوّل حركة الاتجاه الإسلامي إلى حزب، موقفٌ مختلفٌ تمامًا
عن موقف راشد الغنوشي
المصدر: الشيخ راشد الغنوشي، "الحركة
الإسلامية ومسألة التغيير"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015
(كُتِبَ قبل الثورة)، 120 صفحة.
نص بقلم المؤلف راشد الغنوشي (ص 35):
" صالح كركر في مقالات له
أكّد فيها على فشل مشروع الحركة الإسلامية في تحقيق أهدافه لَكَأنّه يناطح الصخر،
وأن الحركة الإسلامية قد فرّقت الأمّة وكان عليها أن توحّدها، وقد فشلت، وعليها أن
تتخلى عن فكرة الحزب الإسلامي لتتفرّغ للقيام بمهمة العلماء التقليدية في التربية
والإصلاح. أما مَن رامَ العمل الإسلامي، فله أن يمارسَ ذلك في صفوف الأحزاب
العَلمانية (هامشة 2: الأستاذ صالح كركر، "دعوة الحركة الإسلامية إلى مراجعة
رؤيتها السياسية"، الحياة اللندنية بتاريخ 11/6/1998، ص 16).
تعليق: نحن محمد كشكار، مواطن العالَم،
اليساري غير الماركسي ، وحبيب بن حميدة الماركسي، فيلسوف حمام الشط، ، لو أجبِرْنا
على الاختيارِ بين موقف راشد الغنوشي (مع تكوين حزب إسلامي) وموقف صالح كركر (ضد
تكوين حزب إسلامي)، لَكُنّا إلى موقف الثاني أمْيَلُ مع الاحتراز لعدم اطلاعنا على
فكره بالتفصيل.
من كتاب راشد الغنوشي، "الديمقراطية
وحقوق الإنسان في الإسلام"، دار المجتهد للنشر والتوزيع،
الطبعة الثانية، 2015 (كُتِبَ قبل الثورة)، 281 صفحة
-
"كلمة سياسة
لم ترد في القرآن، ولا يعني ذلك أن القرآن لم يعن بالسياسة كفن إدارة شؤون
المجتمعات. كلمة عقيدة لم ترد فيه ولا كلمة فضيلة".
-
"قال ابن
عقيل: السياسة، ما كان فعلا يكون معه الناس أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وإن
لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي".
-
"ابن قيم الجوزية:
فأي طريق استخرج بها العدل والقسط فهي من الدين، ليست مخالفة له".
-
الآية "لست عليهم
بمسيطر"، نفت أن يكون الرسول مسيطرا على الذين أبوا قبول دعوته من المشركين،
لا على مَن آمن من المسلمين.
-
"بسبب الضحالة
المفهومية عند بعض الجماعات الإسلامية أمكن للقوى المتربصة أن تستدرج إلى المحارق
أفواجًا متتابعة من خيرة شباب الإسلام".
-
"ومشكلتنا اليوم مع
حكامنا الذكور المسلمين الغلاظ الشداد، ربما لو كانوا إناثًا لكانوا أرفق
بنا".
-
"ومشكلتنا اليوم مع حكامنا المسلمين
الغلاظ الشداد، لو كانوا منتسبين إلى أقلية دينية وليس للأغلبية المسلمة ربما
لكانوا أكثر ترددًا في قمعنا".
-
"ثلث المسلمين أو أكثر هم أقليات تقيم
في دول علمانية ديمقراطية. بعض مَن هاجر إليها وعادوا، جعلوا رزقهم هجاءها وهم
الذين استظلوا بظلها".
-
"إن حقوق
الله تعالى مبناها على المسامحة والمساهلة، وحقوق العباد مبناها على الضيق والشح.
الملك يبقى مع الكفر ولا يبقى مع الظلم".
-
تأويلٌ خاطئٌ للآية
"حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" ينزل المواطنين منزلة الحربيين
المراد كسر شوكتهم. كانوا من أهل الإسلام.
-
"الخوارج: لم يعمر
منهم إلا فرقة واحدة على قدر من الاعتدال ولا يكفرون مخالفيهم وهي الإباضية" (سكان
جربة، غرداية، عُمان).
-
"الجهاد السلمي، وصفه القرآن بالجهاد
الكبير ومجّده النبي واصفًا إياه بأنه أفضل الجهاد على غرار ما فعل الزعيم غاندي
أو الخميني".
-
"الدولة الأموية
والعباسية والعثمانية، غلب على معظمها المنزع القبلي".
تحليله يقترب من تحليل جاكلين الشابي الأنتروبولوﭬ الفرنسية.
-
"أن تسامح المسلمين
مع أهل المذاهب والديانات الأخرى كان ولا يزال أرحب من تعاملهم مع بعضهم".
-
"بعض اليساريين
يحرصون على تحنيط الإسلاميين بدل الرهان على تطويرهم وتشجيع كل خطوة على هذا
الطريق. لا مصلحة في تأجيج ثقافة الحرب".
-
تعليق المؤلف محمد
كشكار: أنا أحسب نفسي من اليساريين الذين يحرصون على ثقافة التجسير بين الفرقاء
الإيديولوجيين وأراهن على عامل التاريخ في تطوير الأفكار وأجذب إلى فوق.
-
"حماقة موقف
الجماعات الفارة بجلودها من جحيم الاستبداد تحتمي بالديمقراطيات الغربية، ومع ذلك
تراها وكأنها لم يبق ما تحاربه غير الديمقراطية".
-
شرعية الحكم لم تعد تتأسس
على شرعية الفتح بل على شرعية التحرير الذي شارك فيه المواطنون الإسلامي والعلماني
المسلم والنصراني.
-
صيغة "الذمّة"
اجتهادٌ ليس ملزمًا للإسلام إذا توفرت صيغة أرقى منها مثل المواطنة.
-
عَقَدَ النبي أحلافًا
عسكرية مع المشركين (قبيلة خزاعة) ضد عدو مشترك هو قريش وغطفان ووفى مع خزاعة
عندما اعتدت عليها غطفان، وكان ذلك سبب فتح مكة.
-
حركة 18 أكتوبر في 2005
لم تكن الأولى من نوعها في التنسيق بين أحزاب المعارضة ضد بن علي، لقد سبقتها حركة
مماثلة ضد بورﭬيبة منذ نهاية السبعينيات.
-
حداثيون يحتمون من الإسلاميين بدولة القمع
محافظة على مكاسب حداثية وإسلاميون يحتمون بدولة القمع استبقاء على ما ترك السبع
من الإسلام.
-
في التاريخ الإسلامي في عمومه عرف ما يمكن أن
نسميه الجيش الشعبي عكس النظامي، والتعليم الأهلي عوض النظامي، ومنظمات غير
حكومية.
-
قدرة المجتمع المسلم على
إبداع هياكل التوازن.. لذلك رغم أن الدولة العثمانية مثلا كانت حنفية كان شمال
إفريقيا مالكيا في حين كانت مصر شافعية.
-
"لا إكراه في
الدين" و"مَن شاء فليؤمن ومَن شاء
فليكفر": تأويل نَسْخُ تلك الآيات
بآيات الجهاد قد أثبت التحقيق المعاصر بُطلانه.
-
الملكية في الإسلام تختلف
عن الرأسمالية، ملكية ملتزمة بالمصلحة العامة وفي مال الأغنياء حق معلوم للفقراء،
يمكن للمحتاج انتزاعه إن لم تفعل الدولة.
تأويلات منصفة للمرأة في كتاب راشد الغنوشي، "المرأة بين القرآن وواقع
المسلمين"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015، 133 صفحة
- "بل إن النص القرآني لا ينفي في رأي الأستاذ الإمام أن تكون النفس الأولى
هي حواء وليس آدم فيقول: هذا، وإن في النفس الواحدة وجهًا آخر وهو أنها
الأنثى..." (ص 10 و11). هامشة 1 (ص 11): انظر كتاب "الأنثى هي
الأصل"، لنوال السعداوي، وذلك بغض النظر عن الجنوح بالأمر إلى محض عصبية
أنثوية تركز جهدها في الانتصار لحقوق المرأة على حرب الرجال !!
- "في الإسلام، غدا العمل الجنسي في إطار الزواج نشاطًا دينيًّا كسائر
الأنشطة كالصلاة والصيام وغيرها" (ص 52).
- "مؤسسات رأسمالية من وراء البحار تعامل المرأة كسلعة في سوق الشغل
والإعلام والسياحة" (ص 108).
- "أليس يجوز أن يكون هذا الشعور بالضعف لدى المرأة هو نتيجة الوضعية
التي كانت تعيشها ؟ فلو غيّرنا هذه الوضعية لتغيّر هذا الشعور" (ص 98).
- "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة، حديث ظني لا يتعدى التعليق على واقعة
وليس مرجعا في مادة القانون الدستوري" (ص 125).
- "الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من
أموالهم". والقوامة تكون بالإنفاق على الأسرة أما خارجها فلم يرد ما يمنع
ولاية النساء (ص 121).
- "الحديث عن برنامج للتكوين النسائي يختلف عن برامج للتكوين الرجالي هو
تكريس للانفصال ودعوة إلى إسلام نسائي وإسلام رجالي" (ص 88).
- "وقَرنَ في بيوتكن. فذهب بعضهم إلى أنها من الوقار وذهب الآخر إلى أنها
من القرار، كما اختلفوا: هل هي خاصة بنساء النبي أم هي عامة ؟" (ص 86).
- "نفي النبوة عن المرأة، تهميشٌ للمرأة. تأكيد لا يستند إلى نص قاطع من
كتاب أو سنّة، أكثر العلماء خالفوه" (ص 36).
- "إن كيدكن عظيم": الكيد في اللغة هو المكر والاحتيال والاجتهاد في
التدبير فليس الكيد في ذاته ذميما ولقد ورد في القرآن منسوبا للرجال والنساء
والشيطان، للصالحين والطالحين، بل ورد منسوبا لله في معرض المقارنة بين كيد
المخلوقت وخالقهم" (ص 39).
- "زُيِّنَ للناس (الرجال والنساء) حب الشهوات من النساء (حب الزوجية)
والبنِين والقناطير الـمقَنطرة من الذهب" (ص 27).
- "وليس الذكر كالأنثى. فليس الذكر الذي طلبتْه كالأنثى التي أعطاها
إيّاها الله (مريم العذراء)، بل هذه الأنثى خير مما كانت ترجو من الذكور".
أمين معلوف
أمّة بين هُوَّتَيْن ! أمين
معلوف
حفرَ الغربُ هُوَّةً بين
مستقبل العربِ وحاضرهم وحفر العربُ بأيديهم هُوَّةً أخرى بين حاضرهم وماضيهم
المجيد جزئيًّا
ونسبيًّا، فأصبحوا أمة بين هُوَّتَيْن أو هاوِتَيْن !
المصدر:
Les identités meurtrières,
Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.
نبذة عن أمين معلوف:
أمين معلوف، كاتب باللغة
الفرنسية (Prix Goncourt 1993 pour
« Le Rocher de Tanios »)، مزدوج
الجنسية، من عائلة وتنشِئة مسيحية-عربية، لبناني-فرنسي، متعدد الهويات، لا ينكر
انتماءه إلى أي واحدة منها وفي الوقت نفسه لا يضخّم من شأن واحدة على حساب الأخرى.
نصوص مختارة من أمين معلوف:
صفحة 76: "الشيء الذي أناضل اليوم
ضده وسأناضل دومًا ضده، هو هذه الفكرة الثنائية الخاطئة القائلة بوجود دينٌ
-مسيحي- يهدف إلى نشر التقدم والحرية والتسامح والديمقراطية، ومن جهة أخرى دينٌ
-إسلامي- مهيأ منذ
البداية للاستبداد والظلامية".
"أعرِّف المؤمن كالآتي: هو مَن يؤمن بـبعض القيم التي
ألخّصها في واحدة: كرامة الكائن البشري.
أما الباقي فلا يعدو أن يكون إلا أساطير وآمال".
"لا تخلو ديانة من التعصب والتشدد والتطرف، لكن إذا قمنا
بجردِ ما أنجزته الديانتان المتنافستان عبر التاريخ، لَلَاحظنا أن الإسلامَ لا
يخجل من ماضيه. لو كان أجدادي مسلمين في
بلدٍ محتل من قِبل الجيوش المسيحية عوض أن يكونوا مسيحيين في بلدٍ محتل من قِبل
الجيوش الإسلامية، لا أعتقد أنهم كانوا قادرين على مواصلة العيش والمحافظة على
إسلامهم مثلما حافظنا نحن على مسيحيتنا طيلة 14 قرنًا. ماذا حصل في المقابل لمسلمي
إسبانيا وسيسيليا ؟ انقرضوا عن بكرة أبيهم، مقتولين أو مُكرَهين على الهجرة أو
مُمَسَّحِين بالقوة. منذ فجره، يزخَر التاريخ الإسلامي بقدرة عجيبة على التعايش مع
الآخر. في أواخر القرن XIX، كانت
إسطنبول، عاصمة أكبر قوة إسلامية في ذلك العصر، تعدّ في سكّانها أغلبية غير مسلمة،
أساسيًّا يونانيين وأرمينيين ويهود. لـنتخيّلْ في نفس العصر أن نصف سكان باريس أو
لندن أو فيانّا أو برلين يتكون من مسلمين ويهود ؟ لا يزال بعض المواطنين
الأوروبيين إلى اليوم يمتعضون من سماع الأذان في مدنهم".
"يجب
أن نقارن ما يصلح للمقارنة. أسّسَ الإسلام "اتفاقية تسامح" (un “protocole de tolérance”) في عهدٍ كانت فيه المجتمعات المسيحية لا تتحمل الآخر".
"بعدما
كان العالَم الإسلامي وعلى مدى قرون، رافعًا راية التسامح، أصبح اليوم في مؤخرة
الأمم" (المؤلّف محمد كشكار: "من المفارقات أن
العالَم الإسلامي اليوم يُنعتُ بالتشدد والتطرف والتعصب والرجعية والظلامية
ومعاداة المرأة والفن وحقوق الإنسان".)
"ولكن
بالنسبة إليَّ، فقد بيّنَ التاريخ بوضوح أن الإسلامَ يحمل في داخلِه استعدادات
وإمكانيات كبيرة للتعايش والتفاعل الخصب مع الثقافات الأخرى، لكن التاريخ الحديث
بيّن أيضا أن رِدّة قد تحدث وقد تبقى هذه الإمكانيات الكامنة فيه متواصلة على مر
العصور. (...) ولو طبّقنا التاريخ المقارَن على العالَم المسيحي والعالَم
الإسلامي، سنكتشف من جهة، دينًا
متعصبًا حاملاً لنزعة الاستبداد، لكنه تغيّر شيئا فشيئا إلى دين تفتح على الآخر،
ومن الجهة الأخرى، دينًا حاملاً لرسالة تفتّح، لكنه انحرف شيئا فشيئا إلى سلوكيات
متطرفة واستبدادية".
صفحة 85: "المجتمع الغربي صَنَعَ الكنيسة والدين اللذَين
كان هو في حاجة إليهما". ... كل المجتمع شارَك، بمؤمنيه وملحديه"
(المؤلّف محمد كشكار: هذه الجملة الأخيرة
لأمين معلوف، تقابلها جملة قالتها جاكلين الشابي، عالمة أنتروبولوجيا: "الدين
يخلق مجتمعًا وهذا المجتمع يخلق دينَه").
اللغة والدين، تعايُشٌ أم تَنافُسٌ ؟ أمين معلوف
المصدر:
Les identités meurtrières,
Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.
نص أمين معلوف، مقتطفات مبَعثرة من ص
170 إلى 185:
-
اللغة تحدّد الثقافة والهوية لكل فردٍ.
-
اللغة هي المنافس الأساسي للدين.
-
لا يكفي الدينُ وحده
لتجميع مجتمعات تتكلم لغاتٍ مختلفةً مثل المسلمين الأتراك والكُرد والعرب.
-
لا تكفي اللغة وحدها لتجميع مجتمعات لها أديان مختلفة
مثل الأرتدوكسيين الصِّرب و الكاثوليكيين الكروات والبوسنيين المسلمين.
-
كثيرٌ من الدول التي تأسست حول لغة مشتركة جَزَّأتها
حروب دينية مثل يوغزلافيا سابقًا ولبنان مستقبلاً.
-
نسجَ التاريخ رِباطًا متينًا عبر قرون بين اللغة والدين
مثل العربية والإسلام (اللغة نشرت الإسلامَ والإسلامُ حَمى العربية من الاندثار)،
واللاتينية والمسيحية والألمانية
واللوثرية (اللاتينية بقيت والآرامية لغة المسيح انقرضت)، وبفضل العِبرِيّة
الحديثة أسس الصهاينة دولة من عدم.
-
قد يعيش الفرد دون دين لكن يستحيل أن يعيش دون لغة.
-
قد يكون الدين عامل إقصاء للمختلفين في عقيدتهم أما
اللغة فهي دومًا عامل تجميع بينهم.
-
يستطيع الفرد أن يتكلم عدة
لغات لكنه لا يستطيع أن يكون في نفس الوقت يهوديًّا ومسلما وحتى لو نجح أحدهم في
الجمع بين الديانتين فسيلفظه اليهود والمسلمون في آن.
-
ستبقى اللغة حاملا
أساسيًّا للهوية، وسيبقى التنوع اللغوي حاملا أساسيا للتنوع الثقافي.
-
لا شيء أخطر من قطع حبل السرّة الذي يربط الفرد بلغته
الأصلية والدليل أن حرمان الجزائريين من التعبير بالعربية يفسر دموية حرب التحرير
الجزائرية أكثر من الاستهتار بدينهم مع الإشارة التاريخية إلى أن فرنسا لم تحاول
بجدية تنصيرَهم.
-
يبدو لي أن حرية اللغة أهم من حرية المعتقد إذ أجد حرجا
في مساندة الثانية لِما قد تنشره بعض المعتقدات الرجعية من تكفير وعدوانية وكره
واستنقاص من قيمة المرأة في المجتمع، وفي المقابل لا أشعر بأي حرجٍ في مساندة حق
كل فرد في التعبير بلغته الأصلية.
-
صحيح أن كل اللغات لم تولد متساوية لكنني سأقول في شأنها
ما أقوله في الأفراد أي حق كل لغة في احترام كيانها وكرامتها.
الناس تحملُ في أسمائها رايات
دياناتِها، مثلما أجبِرَ اليهود على حَملِ النجمةِ الصفراءِ في أوروبا أيام
النازية ! أمين معلوف
Citoyen du Monde, « Naître, c`est venir au Monde, pas dans tel ou tel pays,
pas dans telle ou telle maison » Amin Maalouf, Les Désorientés.
نص أمين معلوف، دون إضافةٍ أو
تعليقٍ:
كنا في لبنان نحلُمُ بِبَلدٍ حيث
المواطنون لا يُعرَّفون أولاً بِهوياتهم الدينية. كنا نريدُ رَجَّ العقليات وخلخلة
التقاليد.
لماذا يحمل المسيحيون وبصفة منهجية
أسماءً مسيحيةً (ميشيل، جورج، إلخ)، والمسلمون أسماءً إسلامية (محمود، عبد
الرحمان، إلخ.)، واليهود أسماءً يهودية (مُووِيز، سولومون، إلخ) ؟
كل واحدٍ منّا يحملُ اسمًا يُعلِنُ
عن دينِه، وكأنه يتباهى على خلقِ الله بانتمائه العقائدي.
لماذا لا نختارُ مكانها أسماءً
محايدة مثل نعيم، سليم، أمين، سامي، رمزي، إلخ ؟
اليوم فقط فهمتُ حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن دخلَ بيتَ أبي
سفيان فهو آمِنٌ" و"اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ"، وحكمة
ميركل مع المليون لاجئ !
يبدو لي أن ميركل قرأت التاريخ جيداً، أما الرسول فقد يكون وحياً أو اجتهاداً،
الله أعلَم !
ماذا يقول التاريخ ؟
نص أمين معلوف: أسوق إليكم خمسة أمثلة من التاريخ الحديث والمعاصر:
1. فرنسا: سنة 1685، قرر لويس الرابع عشر، ملك فرنسا، تهجير الأقلية
البروتستانتية الفرنسية (Les huguenots). هؤلاء المهجّرون من فرنسا ساهموا وبصفة كبيرة في نهضة العواصم
الأوروبية الثلاث التي احتضنتهم، أمستردام ولندن وبرلين التي أصبحت بفضلهم
مدينةً منافسة لباريس (La grande rivale de Paris). في المقابل، ساهم هذا التهجير المكثف في إفقار فرنسا ثقافيًّا.
2. أسبانيا: سنة 1492، سنة سقوط غرناطة، هُجِّر اليهود والمسلمون قسريّاً من
قِبل كاثوليك أسبانيا المنتصرين، فنتج عن ذلك أن أسبانيا فقدت نخبتها وعجزت عن
الاستفادة من فتحها لأمريكا، ولم تتجاوز تخلفها مقارنة بالأمم الأوروبية إلا بعد
500 عام.
3. أمريكا: ليس صدفةً أن تختص أمريكا، أقوى دولة في العالم، في استقبال أفواجٍ
متعاقبةٍ من المُهجَّرين المغضوبِ عليهم في بلدانهم الأصلية مثل المتشددين
البريطانيين واليهود الألمان والناجين من الثورات الروسية والصينية والكوبية
والإيرانية والبروتستانت الفرنسيين.
4. جنوب إفريقيا: نجح مانديلا في تحويل العسكر والشرطة، أدوات القمع لدى نظام
البِيض العنصري، إلى مساندين لـ"أمة-قوس قزح" (Nation arc-en-ciel).
5. مصر: مباشرة بعد ثورة 52، اتخذ عبد الناصر حُزمةً من الإجراءات القمعية: مصادرة،
سجن، نزع ملكية، تأميم، إلخ. بهدف سلبِ الأقليات الأجنبية أملاكهم، لا لذنبٍ
اقترفوه بل لكونهم أقليات احتفظت بهُويتها وثقافتها وتعايشت مع السكان الأصليين في
وئام وسلام، ولكون بعضهم يحمل جنسية دول العدوان الثلاثي في 56 بعد قرار تأميم
قناة السويس (فرنسا، بريطانيا، إسرائيل). وبهذه الإجراءات التعسفية أصدر عبد
الناصر حكمًاً بالإعدام على مصر الليبرالية والعالمية (L`Égypte cosmopolite et libérale)، حكمًاً تسبب في
هجرة مكثفة لكل الأقليات "المتمصِّرة" على ضفاف النيل، البعض منها منذ
عدة أجيال والبعض الآخر منذ عدة قرون. الأقليات، هُمُ اللبنانيون والسوريون
واليهود والأرمن واليونانيون والإيطاليون والفرنسيون والأنڤليز والأتراك، إلخ. هذه
الأقليات كانت تفضل حكم الباشوات على حكم العسكر، وكانت تنظر بعين الرضا إلى تواجد
الجنود البريطانيين في مصر، وترى فيهم ضمانة للاستقرار عكس ما يراه السكان
الأصليون من الأقباط والعرب. أقليات عوقبت على مواقفها اللاوطنية. هل تستحق العقاب
بتلك الكيفية أو لا تستحق ؟ تلك هي المسألة.
كلمة طيبة في أفراد الأقليات: هُمُ المُلَقِّحونْ كعاملات النحل، يحومون،
يُدَوِّمون ويجمعون رحيقَ الزهور، مما قد يظهرهم في صورة انتهازيين أو طفيليين.
لذلك لا نقتنعُ بإيجابيةِ دورِهم إلا بعد غيابهم أو فقدانهم ونستطيع أن نقارنهم
بالشريان الذي يربط العالم المتخلف بالعالم المتقدم، لو قطعْناه انقطعَنا.
خاتمة المؤلّف محمد كشكار: اليوم فقط
فهمتُ حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم "مَن دخلَ بيتَ أبي سفيان فهو
آمِنٌ" و"اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ الطُّلَقَاءُ"، وحكمة ميركل
المتمثلة في منحها اللجوء السياسي لمليون لاجئ (سوريين وعراقيين وأكراد وأفغان:
نُخَبُ بلدانهم الأصلية، فنانون وأطباء وممرّضون ومهندسون وتقنيون ومدرّسون، إلخ)
؟
غمزة موجهة لأولي الألباب من بني وطني: المضحك-المبكي أننا ما زلنا في تونس
القرن الحادي والعشرون نتغنى ونتباهى بكوننا مجتمعًا متجانسًا (Une société homogène)، أي مجتمعٌ عربيٌّ مسلمٌ سنّيٌّ
مالكيٌّ أشعريٌّ... ماذا فعلنا بتجانسِنا وماذا فعل أجدادُنا بِعدم تجانسِهم ؟
تقدّموا عن عصرهم وتخلفنا نحن عن عصرنا ! وهذا أكبر دليل على جهلنا بتاريخ حضارتنا
العربية-الإسلامية قبل جهلنا بتاريخ الحضارات الأخرى: عدمُ تجانسِ مواطني دولة
الخلافة العباسية كان سببًا من أسباب ازدهار عصرها الذهبي (القرن الثالث والرابع
هجري)، وعدمُ تجانسِ مواطني الدولة الأموية في الأندلس كان سببًا من أسباب نهضتها
الثقافية (القرن 12 ميلادي). يبدو لي أن عدمَ تجانسِ المواطنين كان العاملَ
الأساسيَّ الذي ساهم في ازدهار الحضارة العربية-الإسلامية في تلك العهود (خليط من
الأعراق واللغات والثقافات: عرب وفرس وأتراك وسود أفارقة وهنود وأكراد وأوربيون،
إلخ. وخليط من الديانات: مسلمون ومسيحيون ويهود، إلخ. تقريباً مثل حال أمريكا
اليوم وفرنسا بصفة أقل).
لا وجود لإيديولوجية بريئة من
دم الأبرياء.
أمين معلوف
نص أمين معلوف
صفحة 70: "علّمَنا
القرن العشرون أن لا وجود
لإيديولوجية تحريرية بطبيعتها. كلها قد تنزلق، كلها قابلة للتحريف، كلها ملوّثة
أياديها بالدماء، الشيوعية والليبرالية والقومية وكل دين من الديانات الكبرى وحتى
اللائكية لم تسلم هي أيضًا. لا أحد يحتكر التعصب الإيديولوجي ولا أحد، على العكس،
يحتكر التسامح الإنساني".
المصدر
Les identités meurtrières, Amin Maalouf,
Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.
يجب أن لا نخجل من أنفسنَا،
لنا ضلع في الإرهاب كما لغيرنَا ولنا كما لغيرنَا أيضا باع وذراع في المشاركة
الفعّالة في بناء الحضارة الإنسانية !
ملاحظة:
الفكرة الأصلية للمقال مستوحاة من كتاب:
Les identités meurtrières,
Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.
كتب أمين معلوف ص 94: "أعتبِرُ
الحضارة الغربية المعاصِرة المسيطِرة حدثًا لا سابقةَ له في التاريخ ومرّت في
التاريخ فترات تجلّى فيها تقدّمِ بعض الحضارات على غيرها جميعًا (الفرعونية
المصرية، ما بين النهرين في العراق، الصينية، اليونانية، الرمانية، البيزنطية أو
العربية-الإسلامية). لكن ما تفجّرَ في أوروبا منذ القرن الثالث عشر ميلادي هو شيء
مغاير تمامًا. أنا أتمثله كعملية إخصاب: عديد الحيوانات المنوية تتجه نحو البويضة،
واحدٌ منها فقط نجح في اختراق غشائها وأبعِدَ باقي المرشحين. من الآن فصاعدا أصبح
للحضارة الغربية المسيطِرة أبٌ واحدٌ، لا أبًا قبله ولا أبًا بعده، وهو الوحيد
الذي يشبه الابن. لماذا هو وليس غيرَه ؟ هل هو أفضل من جيرانه أو منافسيه ؟ هل كان
الأسلم فيهم أو الأكثر وعْدًا مستقبلا ؟
ليس بالضرورة، ليس بصورة قاطعة. عديد العوامل تدخلت في انبثاق الحضارة
الغربية، منها ما هو مرتبط بأداء وكفاءة المواطن الغربي، ومنها ما هو خاضع للظروف
الموضوعية، ومنها ما هو رهين الصدفة...". انتهت الاستعارة.
صفحة 100-101: أستغرِبُ كيف يُطلبُ
من الإنسان المسلم أن يعترف بأن صناعته العربية-الإسلامية التقليدية قد وَلّت
وبلِيت، وأن كل ما ينتجه اليوم لا يساوي شيئًا مقارنة بما ينتجه الغربُ، وأن
تعلّقه بوصفاتٍ طِبِّيةٍ عربيةٍ أصبح يُصَنّف في باب الشعوذةِ، وأن انتصارات جيوشه
العربية-الإسلامية لا تعدو أن تكون مجرّدِ ذِكرَى مُبهمَة تركها أبطالُه
العسكريون، وأن شعراءه الكبار وعلماءه وشخصياته المرموقة، كلّهم لا يُساوون نكلة
في عيون العالَم غير الإسلامي، وأن دينه متهَم بالتكلّس والدغمائية والرجعية
والظلامية والتزمّت والتعصّب والتطرّف والهمجية والاستبداد والدموية، وأن لغته العربية لم يعُد
يهتم بدراستها إلا حفنة من المختصين، وإذا أراد العربي أن يعيش ويعمل ويتواصل مع
باقي الإنسانية فعليه أن يتكلم بلسانهم وفي المقابل كمْ من الغربيين يرَون حاجة
اليوم أو منفعة في تعلم اللغة العربية أو التركية.
في كل خطوة
يجد المواطن العربي المسلم نفسه معرّضا للإهانة والشعورِ باليأس والخيبة. فكيف لا
تكون شخصيته مجروحة ؟ وكيف لا يشعر بأن هويته مهدّدة ؟ وكيف لا ينتابه شعورٌ بأنه
يعيش في عالَم على ملك الآخرين، عالَم يخضع لنواميس مملاة من الآخرين، عالَم
يحسّ فيه العربي-المسلم بأنه يتيمٌ، أجنبيٌّ، دخيلٌ أو مَنبوذٌ ؟ وكيف يمكن أن نتجنب
أن ينتابَ البعض من العرب المسلمين شعورٌ بأنهم خسِروا كل شيء وأنهم باتوا كشمشون
الجبّار يتمنون سقوط النظام، أي نظام، ويردِّدون قولة شمشون الشهيرة: "علَيَّ
وعلى أعدائي".
نص المؤلف محمد
كشكار:
فرغم أن الحظ لم يحالِفنا ولم نلقِّح
بويضَة الحضارة المتفوقة لكننا لم نكتف بدور المتفرج: لقد شاركنا في تأسيس العمران
وفي تطوير الطب والفلك والجبر والألڤوريتم والبصريات أما في التعايش بين الأديان
فقد سبقْنا غيرنا. كنا لهذه البويضة بمثابة الرحم الحنون ولم نتنكر للمولود إلا
بقدر عقوقه. في القرنين الماضيين، غذّينا الغربَ بعَرَقِنا ولم يبخل عليه الملايين
من عمالنا المهاجرين بجهدهم في مزارعه ومصانعه، دخلوا دواميسَ مناجمه واستخرجوا
فحمها وبأيديهم عبّدوا طرقاته السيّارة
وشيّدوا قناطره وأعلوا ناطحات سحابه. واليوم مئات الآلاف منّا يدرّسون في معاهده
وجامعاته ويعملون بحّاثة في مخابره، وبفضل ابتكاراتهم نالَ الغربُ أعلى الجوائز
العالمية العلمية والأدبية (أحمد زويل وفاروق الباز ومحمد أوسط العياري وأمين
معلوف والطاهر بن جلون ومحمد أركون وغيرهم كثيرون).
لماذا نُصِرُّ على رفضِ مولودٍ
(الحضارة الغربية)، شاركْنا، نحن المُبدِعون باللغة العربية عبر التاريخ، في
تنشِئته وتربيته وأفدنا واستفدنا وما زلنا نستفيدُ من ذكائه ! كمواطن عربي-مسلم،
إني أناضل لمرافقة نفسي ورفاقي في العِرق والثقافة من أجل مساعدة أنفسنا على تخطي
أزمة الهوية التي نمرُّ بها في هذا الزمن الرديء ونساعد أنفسنا على تجاوز حزننا
على فقدان جزء هام من هويتنا وحضارتنا العربية-الإسلامية دون الإحساسِ بمرارة عقدة
الذنب أو حلاوة وهم التفوق ودون شعورٍ بالإهانة ودون تنكّرٍ لتاريخنا العريق
بمحاسنه ومساوئه.
لقد شاركنا في صنع الحضارة الإنسانية
وأرى أن بعض مظاهر الإرهاب ليست حكرًا على فئة دون أخرى. ولا ريب أن الغرب تفوّق
علينا علميًّا وتكنولوجيًّا والغريب أنه كذلك فعل في مجال الإرهاب، فلا ينتظر منّا
إذن تبنّي انفرادي لِـلَقِيطٍ مزدوج النسب والهوية، سليل صلبنا وسليل صلبه في آن.
نحن اكتوينا بنارين، نارُ إرهابهم الجوّي ونار إرهابنا الأرضي. ما أبعد إرهابهم عن
إرهابنا ! ما أكثر قتلانا من الإرهابَيْن، "الإسلامي" والغربي، مقارنة
بعدد قتلاهم ! نُدينهم ونُدين أنفسنا وسنقاوم إرهابهم وإرهابنا وسننتصر بإذن الله
وسنبقى شامخين أحياء كالنسر فوق القمة الشمّاء. أتمنى أن نتخلى عن عاداتِنا
المتخلّفة. نحن زرعنا البذرة فلماذا نُنكِر نسبَ المولودَين إلينا في الحالتيْن
(الإرهاب والعلم) !
سؤال إنكاري:
لماذا لا تصنَعُ الدولُ الأسكندنافية -مثَلي الأفضل حاليًّا-
إرهابًا، ولا تصدِّرُ إرهابًا، ولا تستورِدُ إرهابًا، ولا تغذِّي إرهابًا، ولا
تؤوي إرهابًا، ولا تسلّطُ إرهابًا على أحد، لا في الداخل ولا في الخارج، ولم
يُسلَّط عليها إرهابٌ إلا نادِرًا
؟
ما لِقومي وماذا
دهاهم ؟ أمين معلوف
"إنما الأمم
كالمعادن، لا يتلألأ منها إلا السطحُ" أنتوان ريفارول، 1753-1801.
الغريب أن الشعوبَ
العربية أضحت شعوباً كارهةً لنفسها مما دفعها دفعاً إلى الحنين لزمن الاحتلال
الغربي. نادرًاً ما تجد في تاريخ البشرية شعوباً
مثل العرب، كُرههم لأنفسهم أوصلهم إلى التطرف !
فعوض أن يرفعوا من شأن ماضيهم الحضاري المشرّف ويفتخروا بمساهماتهم الهامة في بناء
الحضارة الإنسانية، مساهماتهم في الرياضيات والفلك والهندسة المعمارية والموسيقى
وفن الخط والطب والفلسفة، وعوض أن يُذكّروا معاصريهم بأمجاد قرطبة وغرناطة وفاس
والأسكندرية وسِيرْتَة وبغداد ودمشق وحلب، عوض كل هذا نرى أحفادَ عظماء بنّائي
الأمس غير قادرين على إثبات أحقيتهم في إرثٍ هُمُ أصحابه الشرعيون، وكأنهم
يتعمّدون إحراجَ عشّاق حضارتهم ويمنحون مجاناً حُجَجًاً لذامّيها.
قديما، كل من كان يكره
العرب كان يُنعت بالعنصري المعادي للأجانب والمشتاق لزمن الاستعمار، أما اليوم
فكُره العرب أصبح عند غير العرب كُرهًا شرعيا وغير مخالف للضمائر. باسم الحداثة
أصبح العرب يوصَمون بمعاداة المرأة، وباسم العلمانية أصبح العرب يُنعتون بأعداء حرية
الضمير والتعبير.
أشَد ما كان يضايقني في
شبابي هو تفشّي ظاهرة فقدان الثقة لدى بني قومي (p. 18: l’auteur a écrit: ma
nation arabe) وانعدام
القدرة لديهم على تولي مستقبلهم بأيديهم. يبدو أن هذه الظاهرة السلبية ليست حكرا
على العرب أو المسلمين بل هي ظاهرة نجدها عند كل الشعوب التي خضعت للاحتلال طويلا
أو رضخت لأوامر تأتي من سلطة تقع وراء البحار (العثمانيون والغرب). شعوبٌ مستلبة
السيادة والإرادة. شعوبٌ تابعة للدول العظمى (أمريكا، فرنسا، بريطانيا، روسيا،
الباب العالي). شعوبٌ تنتظر قرارا قد يأتي أو لا يأتي من هيئة خارجية عُليا. شعوبٌ
لا تثق في قراراتها السيادية خوفا من أن تُحتقر أو لا تُؤخذ في الاعتبار أو تُرفض
تماما ودون مبرر معقول. تبعيةٌ نتجت عن شعور بالنقص جراء تاريخ طويل مليء بالهزائم
والنكسات والإحباطات المتعاقبة واليأس الموروث والمكتسب في آن: ما الفائدة من
المقاومة، من الاحتجاحات، من الغضب، من المطالبة بالحقوق ما دمنا نعرف مسبقا أن كل
هذا سينتهي بحمّام دم ؟ ومَن يدّعي عكس هذا فهو ساذجٌ أو جاهلٌ.
مهما
كان مضحكا ومزعجا، فإن ظاهرة فقدان الثقة في النفس تبدو مع ذلك خفيفة بالمقارنة مع
ما بدأ ينطلق منذ عقد أو عقدين وينتشر في العالم العربي والإسلامي وفي أماكن تواجد
العرب والمسلمين بالخارج، ألا وهي ظاهرة كُره النفس وكُره الآخر. ظاهرةٌ مقرونةٌ
بتبجيل الموت وتمجيد العمليات الانتحارية. ليس من السهل ترتيب الكلمات لتفسير مثل
هذا الانحرافُ المَسْخُ: "إلى الجنة ذاهبينْ، شهداء بالملايينْ" (شعار
رُفع في سوريا، فيديو نُشِر في أفريل 2011). شعارٌ رُدِّد في عدة بلدان مجاورة.
كنتُ أنظر إلى هؤلاء الرجال بإعجاب مخلوط بِرعبٍ. لقد أثبتوا شجاعة كبيرة في
مواجهة الطلق الناري بأيدي فارغة وصدور عارية. لكن كلماتهم هذه كشفت عن نفوسٍ
مكسورةٍ، وعرّت كل مأساة العالم.
عندما
ييأس فردٌ معزولٌ ويفقد الأمل في الحياة، نُحمِّل المسؤولية لعائلته في بعث الأمل
فيه من جديد. لكن عندما تيأس شعوبٌ بأكملها وتستسلم لشعور الرغبة في تدمير الآخر
وتدمير نفسها في آن، هنا نُحمِّل المسؤولية لأنفسنا كلنا، للشعوب الأخرى المعاصرة،
لشركائنا في الإنسانية، نُحمِّلهم جميعًا مسؤولية إيجاد علاج ودواء. إن لم يكن من
باب التضامن مع الآخر، يكون على الأقل من باب إرادة الحياة، لأن اليأس، في زمننا
هذا، بدأ ينتشر ويَنفُذ إلى ما وراء
البحار، من مسامّ الجدران، ويَعبُر خطوط الحدود الجغرافية والذهنية، وليس من السهل
صدّه أو الحد من انتشاره.
Référence: Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €, pp. 85-92.
أمين معلوف، فرنسي، روائي عربي
فرنكفوني من أصل لبناني وعضو بالأكاديمية الفرنسية، كتب في المسلمين ما يلي:
-
"عائلتي
المسيحية في لبنان عاشت 14 قرنًا تحت الحكم الإسلامي، عِشنا مع المسلمين في سلامٍ
ووِئامٍ ولم يمسسنا سوءٌ في كنيستنا ولا في عِرضنا ولا في مالِنا".
-
"اسطنبول
عاصمة الخلافة الإسلامية في القرن 19 ميلادي، ثلثا سكانها كانا غير مسلمين
(مسيحيين ويهود وأرمن)، وهذا دليل على تسامح المسلمين مع أبناء وطنهم من غير
المسلمين".
-
"لو
رجعنا للتاريخ الإسلامي القديم لَما وجدنا للحركات الإسلامية المسلحة أثرًا
مشابهًا فهي تُعتبَر حركات حديثة منظمة على شاكلة التنظيمات الغربية الحديثة
النازية والفاشية والستالينية والشيوعية الإرهابية (مثل الألوية الحمراء في إيطاليا، الفعل المباشر في
فرنسا، بادرماينهوف في ألمانيا، الجيش الأحمر في اليابان، الخمير الحمر في
كمبوديا، اللجان الشعبية في الثورة "الثقافية" الماوية في الصين).
مقارنة طريفة بين عنف
"الحشاشين" في القرن 11-12م وعنف "الدواعش" في القرن 20-21م ؟ المؤلف محمد كشكار
ملاحظة منهجية: هذه المقارنة الطريفة
التي سأجريها بين عنف "الحشاشين" في القرن 11-12م وعنف
"الدواعش" في القرن 20-21م، لا تعني البتة أي إدانة مُسقطة للتاريخ
الإسلامي بل هي عبارة عن بحثٍ في سببٍ واحدٍ من بين الأسباب الأخرى العديدة
المولِّدة للإرهاب الداعشي المعاصر ولا تعني أيضاً أنني لا أعي أو أهمل الأسباب
الخارجية التآمرية. منهجية تحديد البحث على سبب واحد لا تعني تهميش الأسباب
الأخرى.
كل ما سأذكره عن "الدواعش"
من معلومات تاريخية هو من عندي، وكل ما سأذكره عن "الحشاشين" هو مأخوذ
من الكتاب التالي:
Les
croisades vues par les Arabes, Amin Maalouf, Editions J`ai lu, Paris, 1985, 316
pages.
المقارنة:
1. ظروف التأسيس:
-
"الحشاشين" في القرن 11-12م: وُلِد مؤسِّسُهم
حسّان (الشيعي) في عهد كان المذهب الشيعي فيه مُسيطرا على مصر وسويا (الفاطميون)
وفي فارس والعراق (البويهيون يسيطرون على فارس وعلى الخليفة العباسي في قلب
بغداد). وجدَ حسّان في مصر أتباعاً متدينين أصوليين شيعة يشاركونه فكرة تجديد
الخلافة الفاطمية الشيعية في مصر والثأر من الخلافة السلجوقية السنية في العراق.
احتل حسّان حِصْناً جبلياً يُسمى في ذلك العصر "حصن الموت" قرب مدينة
قزوين على بعد 100كلم من طهران اليوم.
-
"الدواعش" في القرن 20-21م: وُلِد مؤسِّسُهم
الأول بن لادن (السنّي) في عهد كان المذهب السنّي فيه مُسيطرا على جميع البلدان
الإسلامية عدا سوريا (الحكّام علويون وأغلبية الشعب سنّة) وسَلطنة عُمان (إباضية)
وإيران (شيعية في أغلبها). وجدَ البغدادي (مؤسس داعش الثاني ) في العراق أتباعاً متدينين أصوليين سنّة يشاركونه
فكرة تجديد الخلافة السنّية في العراق وسوريا والثأر من الحكم الشيعي في العراق
(تحت حكم المالِكي) وسوريا (تحت حكم بشّار) وإيران فاحتل البغدادي مدينة الموصل
ثاني مدينة بعد بغداد وأكبر منتج للنفط.
2. طريقة الاستقطاب
والتلقين العقائدي أو المذهبي:
"الحشاشين"
في القرن 11-12م: يُصنَّف الأتباعُ حسب مستواهم الثقافي وإخلاصهم وشجاعتهم. يتلقون
تكويناً مكثفاً في أصول الدين وفنون القتل والقتال. وكذلك يفعل
"الدواعش" في القرن 20-21م.
3. طريقة تنفيذ العمليات
("الإرهابية" من منظورنا و"الجهادية" من منظورهم):
"الحشاشين"
في القرن 11-12م: سلاحهم المفضل هو الاغتيال. ينتشر أعضاء المذهب فُرادى أو على
شكل مجموعات قليلة العدد. يتنكرون في زِيِّ تجار أو نُسّاك، يتعرفون على مكان
تنفيذ الجريمة ويرصدون تحركات ضحيتهم المحتملة ثم يضربون. التحضير سرّي للغاية
والتنفيذ علني عمومي ومَشهدي (Spectaculaire): يقع أمام أكبر عدد ممكن من المتفرجين. لذالك يكون مكان التنفيذ
المفضل بالنسبة لهم هو الجامع، والزمان هو وضح النهار. يُعتبر القتل لديهم ليس فقط
وسيلة للتخلص من الخصم بل هو قبل كل شيء درسٌ يُعطَى للعموم: درسٌ مزدوج يتلخص في
تسليط عقابٍ قاسٍ على الضحية وإبراز بطولة المُنفذ الانتحاري في الشجاعة
و"التضحية في سبيل الله". إذعان المنفذين للأوامر وهدوؤهم ورباطة جأشهم
عند التنفيذ تدعوان للشك في أنهم يتناولون منشطات أو مخدرات. وكذلك يفعل
"الدواعش" في القرن 20-21م.
4. تهمة الخيانة للوطن
العربي وتهمة التخابر مع العدو من أجل انتصار مذهبهم الإسلامي (سنّة أو شيعة ) على
المذهب الخصم وهو إسلامي أيضاً:
"الحشاشين"
في القرن 11-12م: يُلامون على تعاطفهم مع الأعداء (الفرنجة في الحروب الصليبية،
المحتلون للقدس). ينظرون بعين الرضا للجيوش الصليبية التي تلحق الهزيمة تلو
الهزيمة بالحكّام السنّة السلاجقة. فِعْلُ "الحشاشين" يشبه داء الجذام (La lèpre) الذي ينخر العالَم العربي في
وقتِ يحتاج فيه هذا العالَم لشحن كل طاقاته من أجل التصدي للاحتلال الصليبي. نفس اللوم يُوجه لـ"الدواعش" في القرن 20-21م
على تعاطفهم مع الإسرائيليين المحتلين للقدس. ينظرون بعين الرضا للجيوش الأمريكية
والأوروبية والإسرائيلية التي تلحق الهزيمة تلو الهزيمة بالحكّام الشيعة في سوريا
(نظام بشّار) ولبنان (حزب الله). فِعْلُ "الدواعش" يشبه داء السيدا (Le SIDA) الذي ينخر العالَم العربي من الداخل ويضعف مناعته (جيوشه واقتصاده) في وقتِ
يحتاج فيه هذا العالَم لشحن كل طاقاته من أجل التصدي للاحتلال الصهيوني.
5. لا يعترفون بأي سلطة
إسلامية قائمة حتى لو كانت تنتسب إلى مذهبهم لذلك هم مكروهون ومضطهَدون من قِبل
جميع الدول الإسلامية:
"الحشاشين"
في القرن 11-12م: لا يعترفون بالخليفة الفاطمي رغم أنه شيعي. وكذلك يفعل
"الدواعش" في القرن 20-21م، لا يعترفون بملك السعودية، الراعي الرسمي
للمذهب السنّي في العالَم الإسلامي المعاصر.
Quelle tolérance qui contraste
avec le paysage actuel en terre d`islam ! Amin
Maalouf
Le Coran incite à la tolérance
entre les différentes religions de Dieu: « Dites : Nous croyons en
Dieu et à ce qui a été envoyé du Ciel à nous, à Abraham et Ismaël, à Isaac, à
Jacob, aux douze tribus, aux Livres qui ont été donnés à Moise et à Jésus, aux
Livres accordés aux prophètes par le Seigneur ; nous ne mettons point de différence entre eux, et
nous sommes musulmans, résignés à la volonté de Dieu »
Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C
Lattès, 2012, p. 275.
Religion comparée : Islam
et Protestantisme ! Amin Maalouf
« Luther ne
recommande-t-il pas d`enlever des lieux de culte toutes les statues, estimant
qu`elles sont objets d`idolâtrie ? « Les anges n`entrent pas dans une
maison où se trouve un chien ou une représentation figurée », a dit le Messager
de Dieu dans un hadith certifié. Luther n`affirme-t-il pas que la chrétienté
n`est rien d`autre que la communauté des croyants, et ne doit pas être réduite
à une hiérarchie d`Église ? N`assure-t-il pas que l`Écriture sainte est le
seul fondement de la Foi ? Ne tourne-t-il pas en dérision le célibat des
prêtres ? N`enseigne-t-il pas qu`aucun homme ne peut échapper à ce que son
Créateur lui a prédestiné ? Le Prophète n`a pas dit autre chose aux
musulmans. »
Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C
Lattès, 2012, p. 288.
محمد الطاهر بن
عاشور
علم المقاصد عند العالِم التنويري
محمد الطاهر بن عاشور
المصدر: كتاب "محمد الطاهر بن
عاشور تنويريًّا"، د. جمال الدين دراويل، نشر مجمّع الأطرش، تونس 2020، 261
صفحة، الثمن 20 د.
-
"القرآن
الكريم لا يمثل نهاية المطاف المعرفي كما قد يُتوهّم" (ص 35).
-
مقوّمات الاتجاه
المقاصدي عند محمد الطاهر بن عاشور: الإنسان هدف التشريع، العقل آلته والتاريخ
بوصلته (ص 66).
-
"التحرّي أولَى بالمسلمين
فقد طفحت عليهم الرّوايات، وكانت منها دَواهٍ وطامّات" (ص 36).
-
وظيفة الاستخلاف
في الأرض راجعة في المقام الأوّل إلى عمل العقل "دون احتياج إلى التوقيف
(الوحي/النص) في غالب التصرّفات" (ص 40).
-
"الذين خسروا أنفسهم فهم
لا يؤمنون (الأنعام 20): الذين عدموا فائدة الانتفاع بما يُنتفَع به الناس وهو
العقل والتفكير وحركة النفس في المعقولات لمعرفة حقائق الأمور" (ص 41).
-
"إنما يستجيب الذين
يسمعون والموتى يبعثهم الله (الأنعام 56): الموتى استعارة لمن لا ينتفعون بعقولهم
ومواهبهم" (ص 41).
-
"معاني الحياة الإنسانية
وشؤونها يكتملان خارج النص الديني لا داخله" (ص 83).
-
"من أكبر أخطاء المسلمين،
خطأ اللجوء إلى القدر في أعذارهم... فمِن الأدب أن نرضى بذلك وهو ضربٌ من الصبر
وليس عُذرًا" (ص 99).
-
"القرآن يمثّل نقطة
انطلاق المعرفة وليس آخر المطاف المعرفي... أو لَكان الاستخلاف والتكليف
عَبَثًا" (ص 100).
-
"الجمود على المنقولات
أبدًا ضلال عن الدين" ابن القيم الجوزية (ص 101).
-
"وما أرسلناك إلا رحمة
للعالمين" (الأنبياء 107): آية تنبذ التعصّب بين المسلم والمسلم المخالف وبين
المسلم وغير المسلم. (ص 120).
-
"المنوال المقاصدي لابن
عاشور: نبذُ التعصّب المذهبي وإخراج التشريع الإسلامي من المذهبية الضيقة إلى
المقاصدية الرحبة" (ص 160).
-
أتفقُ مع العالِم
التنويريّ محمد الطاهر بن عاشور في أن الاجتهاد لا يتم إلا في أُطُرٍ جماعية
تتعاضد فيها أنظار الفقهاء وأصحاب الاختصاص (بيولوجيا، فلسفة، أنتروبولوجيا،
تاريخ، لغة، إلخ.) (ص 165).
-
"الإسلام رسالة لا سلطة
ومحمد رسول وليس ملكًا" علي عبد الرازق (ص 228).
-
"الانتصار على الذات أعسر
وأشد وأخطر من الانتصار على الغير" (ص 202).
مالك بن نبي
تعلّمتُ من العالِم التنويري مالك بن نبي
قال: "ليس
الإسلام هو الحضارة، الإسلام وَحْيٌ نزل من السماء بينما الحضارة لا تنزل من
السماء وإنما يصنعها البشر عندما يحسنون توظيف ملكاتهم"
وقال: "كل باحث في طريقه إلى القرآن تتعثر أقدامه في
المسلمين. تمنيت لو لم يكن هناك مسلمون أصلاً بمن فيهم شخصي. كلمة غيور غاضب"
(المصدر: الشيخ راشد الغنوشي، "إرهاصات الثورة"، دار المجتهد للنشر
والتوزيع، 2015، 277 صفحة، ص. ص. 109 و114).
وعرّف الثقافة بأنها ما يميّز أمّة
عن أخرى، وذلك تمييزا عن العلم: داخل العيادة، طبيب مسلم أو غير مسلم، لا فرق، لكن
خارجها هنالك فوارق ثقافية.
وقال: الحضارة العربية-الإسلامية من
إبداع البشر ومثلها مثل باقي الحضارات لو أهملناها سوف تموت، فلا تكفّروا المجتهدين في
نقدها حتى ولو تطرّفوا فيه، وكفّوا عن نهش كل من ينتقدها بموضوعية وصدق، فالنقد
يهذّبها وينقّيها.
ملاحظة
هامّة: مالك بن نبي حرّرني شخصيًّا من عقدة الشعور
بالذنب عند نقد المسلمين صانعي الحضارة
العربية-الإسلامية وأطلقَ يديّ في ممارسة الإبستمولوجيا
هوايتي (وهي نقد المعرفة أو معرفة المعرفة).
Source d’inspiration :
Malek Bennabi (en arabe مالك بن نبي) est un penseur algérien, né
le 1er janvier 1905 à Constantine et
mort le 31 octobre 1973 à Alger. Il a étudié les
problèmes de civilisation en général et ceux du monde musulman en
particulier. Il est issu d'un double courant culturel. On lui doit le concept
de « colonisabilité », qu'il introduit dans son ouvrage Vocation
de l'islam paru en 1954. Ce concept recouvre l'idée que les sociétés
en décadence, c'est-à-dire qui ont perdu leur dynamique sociale, se retrouvent
dans un état de faiblesse structurelle qui agit comme un appel à la
colonisation étrangère (Wikipédia).
سيد قطب
"سيد قطب لمالك بن نبي: الإسلام هو الحضارة " بقلم محمد بركة
السبت
06 ذو القعدة 1433 الموافق 22 سبتمبر 2012.
في
تاريخ الفكر الإنساني علاماتٌ مضيئة سطَّرت بيراعها أنصع الصفحات؛ فصنعت للإنسانية
تاريخًا ميزهًا عن سائر المخلوقات.
من
تلك العلامات سيد قطب (1906-1966م) الذي عاش ومات في ظلال القرآن، ومالك بن نبي
(1905-1973م) الذي عاش ومات مهمومًا بالبحث في: لماذا تخلَّف المسلمون ولماذا تقدم
غيرهم ؟ ووضع كتبه كلَّها تحت عنوان رئيس هو "مشكلات الحضارة"؛ حيث كان
مالك بن نبي يرى أنَّ مشكلة المسلمين هي مشكلةُ حضارةٍ بالدرجة الأولى؛ فالحضارة
عنده هي مجموعة الشروط الأخلاقية والمادية التي تتيح للمجتمع أن يقدِّم لكل فرد من
أفراده الحاجة الأساسية الضرورية.
في
البداية عرفت فكر سيد قطب فلم أحْظ بمعرفته شخصيًّا؛ حيث كان عمري ستَّ سنوات
حينما أعدمه عبد الناصر في أغسطس 1966م، ولكنْ كان في أسرتنا بعض الذين ينتمون إلى
جماعة الإخوان المسلمين، شأن معظم أبناء الطبقة المتوسطة الذين كانوا يهتمون
بالتعليم على قدر إمكاناتهم، وكانوا قد حاولوا التخلص من المنشورات والكتب التي
تخص جماعة الإخوان بوضعها في "أجولة" ودفنها في الحطب على سطح المنزل
الريفي الذي كنا نعيش فيه، وبعد أنْ كبرتُ ودخلت المرحلة الثانوية، وبدأت أدرك ما
حولي، وعادت مجلة الدعوة في عصر السادات واظب على شرائها أحد أعمامي، وكان يعطيني
إياها ومن ثَمَّ بدأت أتعرف على المفكرين أمثال: سيد قطب، والمودودي، والندوي،
ووحيد الدين خان، والغزالي،... وغيرهم من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر.
وفي
يوم من الأيام وجدت على المكتب الذي أستذكر عليه دروسي في غرفتي كتابين أنيقين
بغلاف جميل هما: "نحو مجتمع إسلامي" و"هذا الدين" لسيد قطب
فالتهمتهما التهامًا، وطرت فرحًا بهذا الفكر الرائع، وبدأت أبحث عن كل ما كتبه سيد
قطب.
وفي
كتابه "معالم في الطريق" وتحت عنوان "الإسلام هو الحضارة"
يقول سيد قطب: لقد كنت قد أعلنت مرة عن كتاب لي تحت الطبع بعنوان "نحو مجتمع
إسلامي متحضر"، ثم عدت في الإعلان التالي فحذفت كلمة متحضر مكتفيًا بأنْ يكون
عنوان البحث- كما هو موضوعه "نحو مجتمع إسلامي"، ولفت هذا التعديل نظر
كاتبٍ جزائري يكتب بالفرنسية ففسَّره على أنَّه ناشئ عن عمليةِ دفاع نفسية داخلية
عن الإسلام، وأسف لأنَّ هذه العملية- غير الواعية- تحرمني من مواجهة المشكلة على
حقيقتها.
ثم
يقول قطب: أنا أعذر هذا الكاتب؛ لقد كنت مثله من قبل كنت أفكر على النحو الذي يفكر
هو عليه الآن...
أما
أنا فلفت نظري كلمة "كاتب جزائري"، وأخذت أبحث مَنْ يكون هذا الكاتب
الذي يذكره سيد قطب مفكرِي الأثير؟ وأخذت أبحث وأنقِّب حتى عرفت أنَّ هذا الكاتب
هو المفكر الأكثر روعة "مالك بن نبي"، والذي من فرط حبي له سميت ابني
باسم "مالك"؛ تيمنًا باسمه واسم إمامنا الكبير الإمام "مالك بن أنس".
الإسلام
هو الحضارة
انتقد
سيِّد بشدة هذا التمييز؛ لأنَّ المسلم- عند سيد قطب- بالضرورة متحضر؛ إذ الإسلام
بتعريفه هو الحضارة، وبالتالي فلا تحضُّر خارج الإسلام مادام الإسلام هو
الحضارة... ثم يلتمس قطب العذر لمالك فيرى أنَّه كان مثله من قبل، كان يفكر على
النحو الذي يفكر هو عليه الآن، عندما فكَّر في الكتابة عن هذا الموضوع لأول مرة
يقول قطب:
كانت
المشكلة عندي- كما هي عنده اليوم- هي مشكلة تعريف الحضارة. ثم يضيف أنَّه لم يكن
قد تخلص بعدُ من ضغط الرواسب الثقافية في تكوينه العقلي والنفسي، وهي رواسب آتية
من مصادر أجنبية، غريبة على حسِّه الإسلامي الواضح في ذلك الحين.
اعتقد
سيد قطب أنَّ هذه الرواسب كانت "تُغبِّش" تصوره، وتطمس وتحرق الرؤية
الواضحة الصحيحة؛ فالاختلاف إذن هو على تعريف الحضارة.
يرى
مالك بن نبي أنَّ المشكل الرئيس- بل أم المشكلات التي يواجهها العالم الإسلامي- هي
مشكلة الحضارة، كيف تدخل الشعوب الإسلامية في دورةٍ حضارية جديدة ؟ وكيف تعود
الشعوب الإسلامية التي خرجت من صلب التاريخ لدورة حضارية جديدة ؟
وإذا
سلمنا بهذه الحقائق يبقى علينا أنْ نفكر في مصير العالم الإسلامي، وكيف يمكن لنا
الدخول في دورة حضارية جديدة ؟ ودخول المسلم المعاصر لريادة دورة حضارية جديدة
مشروط عند مالك بموقف المسلم من عقيدته؛ حيث يرى أنَّ الذي ينقصنا هو العمل بموجب
العقيدة الإسلامية، الإسلام وحده هو الذي يمكن أنْ يعيد المسلمين إلى عالم الحضارة
الخلاقة المبدعة، ويدخلهم في حلبتها، ولكن شريطة أنْ يعتبروا أنَّ هذه العقيدة
رسالة ضرورية ولا غنى عنها.
ولكنَّ
العقيدة لا يمكن أنْ تحرك الطاقات إلَّا بقدر تسخيرها لحاجاتٍ أبعد وأسمى وأجل من
الحياة اليومية، ونحن لا نرى لعقيدتنا الإسلامية هيمنةً على طاقتنا الاجتماعية؛
ولهذا فهذه الطاقات معطلة تمامًا؛ لأنَّنا جعلنا من الإسلام وسيلة للحياة
الأخروية، بينما كانت في عهد الرسول- عليه الصلاة والسلام- وسيلةَ النجاة في
الحياة الأخروية، وأيضًا وسيلة المجد والعز والحضارة في الحياة اليومية.
في
حين يؤكد سيد قطب على أنَّ الإيمان- الذي هو جوهر الشخصية المسلمة- ليس مجرد مشاعر
في الوجدان، أو تصورات في الذهن لا ترجمة لها في واقع الحياة، وليس هناك إيمان هو
مجرد شعائر تعبدية ليس معها عمل يكيِّف منهج الحياة كله ويخضعه لشريعة الله؛ لأنَّ
المسلم مطالَبٌ بأداء شهادة بهذا الدين، وبكل تكاليفها في النفس والجهد والمال:
"وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى
النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا" (البقرة 143).
ويرى
أنَّ الأصل في طبيعة الحياة الإنسانية- طبقًا للخطاب الإسلامي- أنْ يلتقي فيها
طريقُ الدنيا وطريق الآخرة، وأنْ يكون الطريق إلى صلاح الآخرة هو ذاته الطريق إلى
صلاح الدنيا، وأنْ يكون الإنتاج والنماء والوفرة في عمل الأرض هو ذاته المؤهل لنيل
ثواب الآخرة، كما أنَّه المؤهل لرخاء هذه الحياة الدنيا، وأنْ يكون الإيمان
والتقوى والعمل الصالح هي أسباب عمران هذه الأرض، كما أنَّها وسائل الحصول على
رضوان الله وثوابه الأخروي...
ويعرّف
قطب الحضارة بقوله: حين تكون الحاكمية العليا في المجتمع لله وحده- ممثلة في سيادة
الشريعة الإلهية- تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرّر فيها البشر تحريرًا
كاملًا وحقيقيًّا من العبودية للبشر، وتكون هذه هي الحضارة الإنسانية؛ لأنَّ حضارة
الإنسان تقتضي قاعدة أساسية من التحرر الحقيقي الكامل للإنسان، ومن الكرامة
المطلقة لكل فرد من المجتمع، ولا حرية -في الحقيقة- ولا كرامة للإنسان ممثلًا في
كل فرد من أفراده في مجتمعٍ بعضه أرباب يُشَرِّعون وبعضه عبيد يطيعون.
وهذا
يعني أنَّ مرجعية الكيان الحضاري عند سيد قطب تنطلق وترتكز على التشريع الإلهي،
وهو يرى الحضارة الحقيقية هي التي يتحرر فيها الإنسان من كل تشريع أرضي، ثم يربط
بين التحضر وإنسانية الإنسان؛ حيث يرى أنَّه حين تكون إنسانية الإنسان هي القيمة
العليا في مجتمع، وتكون الخصائص الإنسانية فيه هي موضع التكريم والاعتبار-يكون هذا
المجتمع متحضرًا.
فأمَّا
حين تكون المادة، في أيَّة صورة، هي القيمة العليا -سواء في صورة الإنتاج المادي
في أمريكا وأوروبا وسائر المجتمعات التي تعتبر الإنتاج المادي قيمة عليا تهدر في
سبيلها القيم والخصائص الإنسانية- فإنَّ هذا المجتمع يكون مجتمعًا متخلفًا.
لماذا
تأخَّر المسلمون وتقدّم غيرهم ؟
هذا
السؤال مطروح في عالمنا الإسلامي منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي،
والجواب عند سيد قطب واضح جلي:
إنَّ
السؤال من أصله خاطئ؛ المسلمون تخلفوا لأنَّهم تركوا الإسلام؛ فينبغي دعوتهم إليه
من جديد، فنُعلِّمهم معنى "لا إله إلا الله" باعتبارها منهج حياة، أما
غيرهم فلم يتقدموا، بل هم في جاهليةٍ جهلاء؛ لأنَّ الإسلام هو الحضارة.
أمَّا
عند ابن نبي فالأمر غير ذلك؛ ليس الإسلام هو الحضارة، الإسلام وحْيٌ نزل من
السماء بينما الحضارة لا تنزل من السماء وإنَّما يصنعها البشر عندما يحسنون توظيف
مَلَكَاتهم في التعامل مع الزمان والمكان... الإسلام لا يصنع الحضارة بذاته،
وإنَّما بالبشر عندما يفهمونه على حقيقته؛ فيتولون التفاعل الجادَّ به وخلطه
بالتراب والزمان والمكان فيصنعون من ذلك حضارة.
الحضارة الإسلامية هي هذا التفاعل الجادُّ بين الإنسان والتراب والوحي، قد
ينجح المسلم في هذا التفاعل فيصنع الحضارة، وقد يفشل -وهو المسلم- وينجح غيره أي
غير المسلم فينتج حضارة بقيم ونيات غير إسلامية؛ لأنَّه أحسن التعامل مع سُنَنِ
الله توظيفًا جيدًا لعقله وللوقت وللتراب.
وحقيقة
الأمر كما قال المفكر توفيق الطيب: كان الأستاذ سيد قطب والأستاذ مالك بن نبي
يمثلان بصدق جَنَاحَيْ الحركة الإسلامية في المشرق والمغرب.
عبد الله
العروي
"انظر
وتمعّن ما فعله بعض أهل السنّة بتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا". عبد الله
العروي
المصدر:
كتاب عبد الله العروي "السنّة والإصلاح" الطبعة الأولى 2008، المركز
الثقافي العربي, بيروت, 224 صفحة.
غلاف
الكتاب:
على شكل جواب على تساؤلات امرأة أجنبية مسلِمة،
يكتب العروي هذا الكتاب. وهي تساؤلات تتناول صورة الإسلام. وكيف يقدم نفسه، وكيف ينظر إلى الأديان
الأخرى، خاصة وأن السيدة: مسلمة، بحكم الانتماء، وتعيش في محيط تتعدد فيه الأديان. عبر الرد
يطرح العروي تصوره الشخصي، الفردي، متجاوزا ما يمكن أن نسميه ثوابت، إلى رحابة
حرية التفكير والفهم، أمينا لمنهجه التاريخاني الذي يعني اكتشاف الواقع المجتمعي
الذي لا يدرَك حقا إلا في منظور التاريخ، فما يحرك المجتمع ليس الحق بقدر ما هو
المنفعة.
صفحة
6: مرّ عليّ وقت طويل قبل أن أفهم أن ما يحرك المجتمع ليس الحق بقدر ما هو
المنفعة.
صفحة
7: لا أحد مجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرر أن يفعل، في أي ظرف كان،
فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه (c’est ma devise).
صفحة 43: سنّة تقابل "نوموس" اليونانية
و منها الناموس. الناموس هو ما تخطه الكواكب في السماء، ثم يرقم في سجل. يحصل إذن
تنزيل بالمعنى الحرفي.
صفحة
75: الرواية بواسطة، شهادة فلان عن فلان مادة معروفة يشتغل عليها يوميا المؤرخون
والقضاة. أما الصيغة المباشرة، الكلمة الملقاة بدون واسطة، فهذه إما تقبل على
حالها بدون تطلع أو تساؤل، تتلى كما نزلت، وإما تستشكل إلى ما لا نهاية. تطفو
الشبهات على سطح الظاهر، فتدقق و تقوّم وتختفي ثم تظهر من جديد وكذلك دواليك.
صفحة
77: صحيح أن الأمة الواحدة تفترق لأسباب...تعود إلى المصلحة والشهوة والأنانية
أكثر مما تعود في الأساس إلى فهم و تأويل كلام الله، هذا ما يفتأ يردده المؤرخون
وعلماء الاجتماع. لكن هل كان الانقسام يطفو وينمو بهذه السرعة، هل كان يتمركز بهذه
الشدة، لولا غموض في اللفظ وشبهة في الكتاب ؟
صفحة
78:عكس ما يخشاه بعضنا ويتمناه غيرنا، لا ينتج عن المطالعة (مطالعة الكتابين
الآخرين) أدنى ضرر بل العكس هو الحاصل. يخرج القرآن من المقارنة أقوى تأثيرا وأكبر
قيمة.
الهامش
20 صفحة 85: أوضح دليل على ما نقول هو ما يتعلق بوضع المرأة في الإسلام. ينسى غير
المسلم أن ما يستبشعه موجود في العهد القديم (الحجاب، تكوين 66: 24، تعدد الزوجات
يعقوب وأزواجه الأربع، تكوين 26-23: 35) وكذلك في العهد الجديد، في عبارة بولس:
Femmes, soyez soumises à vos maris comme au Seigneur.
Car le mari est le chef de la femme comme le Christ est le chef de l’Eglise. (Ephésiens, V.
22-24).
صفحة
88: هل من الضروري أن ننتظر أن يفعل بنا الزمن هذه الأفاعيل، أن يرغمنا على التكيف
؟ هل من الضروري أن نفاجأ باكتشافات، علمية وتاريخية، مذهلة لنغير من أحوالنا ؟
نستطيع من الآن أن نسير في هذا الاتجاه. وذلك باعتماد التحليل العقلي والتاريخي
فيما يتعلق بالنص الذي نقرأه اليوم. يكفي أن نستعيد موقف متكلمينا الأوائل، موقفهم
الحقيقي، لا ما نسب إليهم بعد فترة الهزائم والتقهقر.
إذ كتب
علينا نحن أيضا التيه والتحريف.
صفحة
89: لماذا هذا التهيّب، هذه الخشية، مما تسفر عنه الحفريات ؟ لأن ما يبدو لنا
اليوم عجيبا، مذهلا، باهرا قد يتحول بين ليلة وضحاها إلى أمر تافه مبتذل. لا نزال
نفكر بفكر أجدادنا ظنّا منّا أن أفقنا المعرفي محفوظ لا يتغير. صحيح أن الواجب هو
أن نضع أنفسنا موضعهم حتى نتفهم أحكامهم، لكن ليس علينا أن نصادق على كل ما قالوه
واستنتجوه.
صفحة
94: الإسلام ليس سوى "ّقراءة" يقوم بها شعب بعينه، قبل أن تدوّن تلك
القراءة الخاصة المتميزة في نص مضبوط.
صفحة
95: الهامش 3 صفحة 95: تأويل خاطئ لمفهوم الإعجاز دفع فقهاءنا إلى الإصرار على أن
الإسلام نشأ في صحراء.
صفحة
101: وإذ نذكّر بهذا الواقع، بأن للعرب تاريخا قبل الإسلام، نفهم بكيفية أفضل ما
حدث في ظل الإسلام، سرعة الانتشار، الحذق السياسي عند الزعماء، الخبرة العسكرية
عند القادة، نباهة المتكلمين القدامى، توأمة مكة وبيت المقدس، انتقال مركز القرار
مبكرا من المدينة إلى دمشق، إلخ.
صفحة
103: ما يعدّه البعض وهُم المؤمنون المتذوقون غنى وغزارة في القرآن، يرى فيه البعض
الآخر عقما وضحالة.
صفحة
127: هذا النص الذي تقرئينه (القرآن) وتحاولين فك ألغازه، لم ينزل دفعة واحدة، بل
تكوّن على مدى عقدين من الزمن. كان متفرقا و لم يجمع ويؤلف مجددا إلا بعد مدة لا
تقل طولا عن الأولى. وسيرة النبي المعتمدة اليوم لم تحرّر إلا بعد مرور قرن على
تاريخ جمع القرآن (الهامش 1 صفحة 127: سيرة ابن اسحق سنة 150 هـ/ 767م.).
والأحاديث المتعلقة بأقوال، وأعمال النبي لم تصنّف بكيفية تجعلها في متناول القضاة
والوعّاظ والمُفتين إلا بعد مرور قرن آخر على تأليف السيرة.
صفحة 149: في
نقطة معينة من التاريخ، علينا أن نحددها بدقة، يقوم رجال السنّة، أنصار التقليد
ودعاة الإتباع، بعملية زبر وتجذيب وترتيب. كل ما علا وظهر، أو فاق وفاض، كل ما
تجاوز وتعدّى، وكل ما لم يقف عند حد معلوم وجب التخلص منه . والحد المعلوم ما هو ؟
في
جملة واحدة هو تأويل سادة مدينة الرسول لسيرته الدنيوية بعد الانتهاء من عملية
الزبر هذه، يلتفت أهل السنة إلى الماضي ويفعلون به ما فعلوا بحاضر أيامهم. يتصرفون
كما لو أن ما كان وتحقق لم يكن سوى أضغاث أحلام يجب محوه بالكامل من ذاكرة الجماعة
على أساس قاعدة صارمة: كل مخالف معدوم ثم بعد الماضي يتطلّعون إلى المستقبل ويتخذون
الترتيبات اللازمة لكي لا يخضرّ مجددا ما يبس ولا ينتعش ما خنق. من أعلى المنابر
المحتكرة لهم، في المساجد والمدارس الممنوعة على خصومهم، يقررون ما يجب القيام به
حتى يُضمن البقاء والاستمرار، جيلا بعد جيل، لنفوذ أمثالهم وغلبة تأويلهم الخاص
لكلام الله وهكذا يمكرون بمكر التاريخ. باسم فترة زمنية
وجيزة، فترة مسطّحة ومختزلة، مصحّحة ومنقحة، يُطلب من التاريخ أن يتوقف هو الآخر
عند حده، يُؤمر أن لا يتجدد أبدا ولا يتميز، لا يتنوع ولا يتطور، بعبارة أوضح
يُلزم بأن يتنكر لمضمونه ومغزاه. يفعل أهل السنة ما يفعلون ولسان حالهم يقول: ما
الفائدة من تكرار ما قد تحقق بالفعل، إذ ما تحقق هو الحق الجامع المانع، الكافي
الشافي ؟ وبالطبع تحت هذا الضغط الهائل يتعثر التاريخ. ما
تبقى له من قوة يستهلكها في ممانعة التغير حتى يحافظ على الوضع المتعثر
عندها
لا يمكن استئناف الحركة إلا بدافع خارجي، دافع دنيوي أعني (الهامش 10 صفحة 150:
كثيرا ما تُحرر الهزائم العزائم. حدث ذلك في روسيا وتركيا والصين). قبل أن يحصل
ذلك تغزو السنّة، أي ذهنية التقليد والإتباع، كل مظاهر الحياة، الفكرية والسلوكية،
بل تفرض هيمنتها حتى على من قاوم نشأتها كالخوارج والشيعة وروّاد الحكمة.
تؤسس
كل جماعة سنّة خاصة بها، فتتوحد النتائج اجتماعيا وتاريخيا والغريب هو أن هذا
التعميم التدريجي يُعدّ في حد ذاته دليلا قطعيا على صحة منهج السنّة.
صفحة 159 :
المادة المطروحة على أنظارنا، ليست مجموعة وقائع، وإنما هي نظرية وتأصيل لما أفرزه
تاريخ مبسّط، محجّم، مختزل إلى القليل الأقل، تاريخ تراجُع وخذلان. المحصّلة
نسميها تجاوزًا الإسلام التاريخي، إسلام الجماعة، الإسلام السنّي، نجعل منه مثالا
ونقيس عليه كل ما سبقه وأعقبه، عند العرب وعند غيرهم، أي أننا نتصرف في ماضينا
وماضي الغير حسب هوانا.
صفحة 160:
المذهب الظاهري هو التنظير القوى والأمتن لموقف السنّة وهذا الموقف هو خاص لجماعة
معينة، نخبة اجتماعية وسياسية. عندما فقدت هذه النخبة سيطرتها على السلطة حافظت
على المذهب (نقول اليوم حافظت على الإيديولوجيا) الذي يتوافق مع وضعها الجديد أتم
التوافق. هذا ما يعترف به ضمنيا علماء وشيوخ المذهب
…كم
تهون الحياة ويسعد المرء إن هو تشبث بالمظهر فقط وابتعد عن كل جدل عقيم حول
اللطائف والشبه، إذا ما اختار أن يتصرف في علاقاته بإخوانه من بني البشر على أساس
أقوال وأفعال جامعة ثابتة دون أدنى تطلّع إلى حل ألغاز الغيب.
صفحة
162: قبل أن تنتصر كانت السنّة تزعم أن الفرق كلها في النار سوى واحدة، بعد أن
انتصرت، ورغبة منها في التسامح والاحتضان، عادت وقلبت الحكم بالقول إن كلها ناجية
سوى واحدة.
المسائل
التي طرحتْها الفِرق بشأن مشكلات واقعية، سياسية واجتماعية، نلخصها فيما يلي
اعتمادا على ما جاء في كتب الكلام - الحق مقابل
الباطل - الإيمان
مقابل الكفر - الإمامة
مقابل المُلك - السنّة مقابل
البدعة - التقديس
مقابل التجسيم - الجبر مقابل
القدر - العدل مقابل
الجور.
الروح مقابل المادة …اكتفت
السنّة بالتحذير من اقتحام تلك المجاهل. كتبت على الباب: حدٌّ لا يُتجاوز لم يعد اليوم مبرر للتحذير. لم
يعد هدفنا التبشير بالقناعة، تشجيع الأمية باعتبارها عنوان البراءة والإيمان
الفطري. الظرف التاريخي يفرض علينا فرضا أن نغامر ونتقدم في الحقول الملغومة. (إضافة المؤلّف محمد كشكار:
عندما يصطفّ الأستاذ الجامعي في الشريعة والطبيب والمهندس وعالم النفس وعالم
البيداغوجيا والطبيب النفساني والسياسي المحنّك، يصطفّون كلهم ببراءة الأطفال
يصلّون بخشوع يوم الجمعة وراء إمام متواضع التكوين ويستمعون إليه بانتباه في درسه
وخطبته وهو يُفتي
وينظّر في مسائل تخصّ شؤون الدين والدنيا. أيُفتَى ومالك في المدينة ؟ أيتكلم
ويشرح الإمام غير المختص والمصلي المختص موجود ؟ عشنا ورأينا العالِم يتعلم من
الجاهل ! أيوجد أكثر من هذا تشجيعٌ على الأمية ؟).
صفحة 167: السنّة ملازمة لمفهوم البراءة
ليست المسألة هل الرسالة موجهة لشعب أمّي بقدر ما هي هل صحّتها
مشروطة بتلك الصفة، وعندئذ تكون الأمية مطلوبة على الدوام والاستمرار …من يسلّم
بهذه المقولة ويربط صحة الرسالة بالأمية الفطرية، ألا يستخلص ضمنيا، ولو لم يعلن
ذلك، أنه يحسُن بالنخبة المثقفة أن تعمل على أن تبقى الأغلبية أمية ؟ والمقصود هنا
ليس اللاثقافة، العجز عن الكتابة والقراءة، بل البراءة، السذاجة الفطرية، القناعة
الخُلقية، التواضع الأصلي، الإقرار بالعجز والحاجة، العفة الغريزية، الاستغناء عن
توسّع الفكر وتفنّن الذوق القناعة محمودة في كل حال، في شؤون الجسم كما في
شؤون العقل تُؤسس السنّة بالرفض والإقصاء وتنتعش وتنمو
بالانتقاء والتزكية.
صفحة 169: السنّة
دائما حذرة، دائما متأهبة. تخشى باستمرار إما هجمة الخارج وإما مروق الداخل،
فتتصرف كالسلحفاة، كلما استشعرت الخطر تقوقعت لتستمسك وتصمد.
تخشى غير
المعهود، حتى البسيط التافه، في الملبس أو المأكل أو الأثاث أو النطق، وقبل وفوق
تخشى الجديد في الفكر والوجدان …قد يقال كل شيء عن السنّة سوى أنها تفتقر إلى
المنطق والاتساق. إنها في الواقع غاية التناسق، كل جزء منها يأخذ برقاب الأجزاء
الأخرى …يستحيل إذن، إذا ما وقفنا خارجها، أن نعتبرها
مرادفة للدين أو العلم أو التاريخ. هذه مفاهيم تتخطاها من كل جانب. يتجدد التاريخ
بالتراكم، العلم بتمحيص المبادئ، الدين يتهذيب الشعور وتعميق الوجدان لا شيء من
هذا يؤثر في السنّة إذ تتقوقع وتتحصّن.
صفحة 189:
خاتمة: المجاهدة والذوق
لقد حذرتِني،
أيتها المسائِلة الكريمة. قلت وأكدتِ: "كلمني في أي شيء، حدثني بما تشاء، لكن
لا تحاول أبدا إقناعي بأن العلم سراب، الديمقراطية مهزلة والمرأة أخت الشيطان. في
هذه الموضوعات الثلاثة لا أقبل أي نقاش".
صفحة 191 :
السنّة تكوّن مستمر. في كل من أطوارها تتأثر بحادث وتعمل آليا على طمسه.
هذا
ما نستخلصه من وقائع فترة المدينة (يثرب)، الفتنة الكبرى، الثورة العباسية، تفكك
الخلافة، الهجمة الصليبية، الغزو العثماني، الاستعمار الأوروبي، الاستيطان
الصهيوني إلخ.
كلما اتسع
مسرح الأحداث و تعدد المشاركون، كان أكبر وأعمق تأثر السنّة بالحدث، شكلا ومضمونا:
- كان واردا أن تضمحل اللغة العربية وتخلفها لغة
أخرى. لم تندثر العربية، غير أنها انفصلت عن الخطاب اليومي.
- كان واردا أن ينقرض الشعب العربي مع اختلاطه
بالعجم. لم يحدث ذلك، حافظ العرب على هويتهم، غير أنهم فقدوا كل مبادرة.
- كان واردا أن تذوب نخبة قريش في جموع الموالي.
لم يحصل ذلك. ظلت تشكل طبقة متميزة، لكن كشاهد على الماضي.
هذه عوامل
ثلاثة تحمل في آن طابع الضرورة وطابع الاتفاق وبذلك تفسر استمرارية السنّة
وتعمّقها المتزايد.
بما أن أشراف
مكة لا يزالون يتمتعون بالجاه والنفوذ، لا لسبب غير عراقة النسب، فمن الطبيعي أن
يتشبثوا بمفهوم الإرث والتقليد.
صفحة 192:
السنّة التي "تتجدد" على رأس كل قرن، كما يُروى، أي تَحرر من الشوائب،
هي بالطبع غير السنّة السابقة عليها. فهي بالمعنى الحرفي، سنّة مبتدعة، أو لنقل في
استعمال اليوم "نيو- سنّة". أولا تستحق النعت بمجرد أنها تعمل في محيط
مختلف ؟ ذلك الحدث الذي يغير المحيط (الهجرة، الفتنة، الثورة، الهزيمة، الغزو،
الاحتلال، الاستيطان…) يزيد السنّة انتقاء وصفاء، اتساقا وعمقا. فهو بالضرورة فاصل
بين قبل وبعد داخل المجرى السنّي نفسه. وهو ما تنفيه السنّة بالتأكيد، إذ لا تعترف
أبدا بأي عامل داخلي أو خارجي في تشكل أي من أوجهها.
بعبارة
اليوم، ونستعملها عن قصد، الحدث يميز ما هو "نيو"، وما هو
"بوست".
والسنة، في
أية لحظة من تكوّناتها، "نيو-سنّة"، وهو ما لا تقول به أبدا.
والسنّة في
أي لحظة من تاريخها، "بوست – سنّة"، وهو ما لا تعي به قط.
صفحة 193:
وعند الجميع تستقر السنّة وتتقوى بمضمون جديد وأسلوب جديد.
الهامش 3
صفحة 193: كل سُنة تتقوى بإخفاقاتها. لم تختف اليهودية بعد هدم المعبد وسقوط
الدولة. لم تضمحل المسيحية الأرتودكسية بضياع القسطنطينية، لم تنحل الكثلكة بظهور
البروستنتينية ولم تقض الحرب الصليبية على الإسلام.
صفحة
130: من كانوا يتطلعون إلى أن تحكم باسم الله الجماعة... فإنهم الخوارج بمعنى
العصاة المتنطعون الرافضون لكل قيادة وضبط وترويض.
من
كانوا يفضّلون أن يحكم باسم الله، الأخيار الأشراف هم المؤلفة قلوبهم، من لم
يعتنقوا الإسلام إلا في آخر لحظة والذين كانوا في الغالب أصحاب نفوذ وحنكة سياسية
عريقة.
من
كانوا لا يتصورون أن تورث سلطة النبي... إلا كما تورث الطبائع والعادات، أي داخل
البيت وحسب العرف، فهم الشيعة.
... أن
المؤهلين للفوز والغلبة هم أشراف مكة.
فهم
الذين سيفرضون فهمهم للنص. بسلوكهم وبآرائهم سيضعون أسس السنة، أي كيفية تطبيق
النص الأزلي على الواقع البشري المتحول.
...
الشيعة لا يعارضون فكرة السنّة بقدر ما يتشبثون بسنّة مخالفة. أما الخوارج فإنهم
لا يرضون بأية سنّة، بأي تقليد مستقرّ ومتراكم.
صفحة
132: كل ما نقوله عن التراث السنّي، سلبا أو إيجابا، ينسحب على مقابله الشيعي، إذ
الأصول واحدة، والمنهج واحد، والمصطلح واحد.
لذا،
وعكس المذهب الخارجي، لا يمكن للمذهب الشيعي أن يرشح نفسه بديلاً على المجتمعات
السنّية.
الإسلام
المعروف في التاريخ هو إسلام الجماعة.
والاسم
يطابق المسمى. هو إسلام أنشأته جماعة معينة عبر عملية طويلة بدأت مبكرا، في
المدينة نفسها.
صفحة
133: واضح إذن أن الإجماع، رأي عدد محصور من الأشخاص، هو الذي يحدد المعنى النظري
والمقصد العملي للنص.
قد يرى
البعض، لأسباب بديهية، أن هذا الموقف غير ملائم لكل الظروف وأنه يجب تعديله في
حالات خاصة. الأمر وارد والرأي مقبول. لكن من ناحية المنطق ما يقوله أنصار السنّة،
عبر الأجيال، في غاية القوة والتماسك.
صفحة
134: في هذا التلازم بين التاريخ والمجتمع والنص تكمن قوة السنّة الإسلامية، وربما
كل سنّة متواترة.
...
هذه النخبة المحنكة (أسياد مكة) كانت تنصح بإغفال المشكلتين (مسألة الإيمان عند
الخوارج ومسألة الحكم الشرعي عند الشيعة) أصلا والنهوض بما هو أهم وأنفع: تشييد
مملكة الإسلام.
صفحة
137: ما نلاحظه فترة بعد أخرى (في التاريخ الإسلامي): تقدّم وثراء على مستوى
الفكر، وعلى مستوى الواقع ضحالة وتعثّر.
صفحة
142: طريق هذه الجماعة وحده سالك، من حاد عنه هلك.
صفحة
143: تراجع العقل لصالح النقل ولم يسترجع حيويته إلا مع بوادر حركة النهضة.
تراجع
الباطن لصالح الظاهر، سيما بعد أن غزا التصوف الطبقات الشعبية الأمية. فأفرغت
المفردات من مضمونها الفلسفي.
صفحة
146: تخصص كتب السنة فصولا طويلة للعلم... حصر العلم في ما هو شرعي.
... العلم
من هذا المنظور، كالإيمان لا يزيد ولا
ينقص. فهو منذ الأزل كامل، ثابت، جاهز، موهوب (إضافة المؤلّف محمد كشكار: هذا
التعريف يناقض تعريف العلم الحديث الذي هو بطبيعته ناقص أبدا وغير كامل، متحول
دوما غير ثابت، مبتكر غير جاهز، مصنوع بمجهود العلماء غير موهوب من الله). لم يبق
إذن إلا أن نعرف حكمه الشرعي، أي أن نميز المحمود منه عن المكروه والمباح، النافع
دينا ودنيا عن الضار أو المجاني أو المسلّي (الملهي).
صفحة
147: الأمية صفة حميدة فيحسن الحفاظ عليها. العلم فرض كفاية ليس إلا (الهامش 7
صفحة 147: " إن الشريعة لم توضع إلا على شرط الأمية. ومراعاة علم المنطق في
القضايا الشرعية مناف لذلك." الشاطبي، المصدر نفسه، ج IV ص 337).
بيد أن
القائلين بهذه الرأي الصارم...ليسوا بلداء أو ضعاف العقول، بل بالعكس أصحاب فطنة
وحذق... فيحق القول إن حالهم يكذب دعواهم.
صفحة
148: النتيجة واضحة وهي أن منهج السنّة، اعتماد الإتباع ونبذ الابتداع، يؤدي حتما،
بوعي أو بغير وعي، إلى ثقافة سمع ولسان (الهامش 8 صفحة 148: انظر طه حسين، الأيام،
حيث يروي المؤلف كيف تعلم المنطق والحساب رغم أنه لا يبصر)، في تعارض بارز مع
ثقافة عين ويد التي قوامها الملاحظة والممارسة.
صفحة
157: لعبة الفقيه المستفتى هي رفضه الفصل بين الاختيارات المتاحة للبشر ورفع
القضية إلى حكم الله... وبما أن الأمر كذلك، يتسلى الفقيه بإيراد كل الاحتمالات في
انتظار أن يفوت الأوان ولم تعد فائدة في إبداء أي رأي بعد أن يكون الواقع قد ثبت
وترسّخ ( الهامش 15 صفحة 157: هل المكس شرعي أم لا ؟ هل واجب المسلم أن يهاجر إذا
تغلب العدو الكافر على وطنه ؟ لا يزال الفقهاء يتنازعون في مثل هذه القضايا حتى
بعد أن تكون الأحداث قد تجاوزتها.).
مع مرّ
الأيام ينمو الكلام في الله ويتفرع، بينما الكلام في شؤون البشر، في السياسة
والمجتمع، يخبو ويذبل، مع أنه الأصل والأساس.
صفحة
182: إذا صح أن مذهب الخوارج استعار من روح القبيلة العربية المشبعة بحب الحرية
والمساواة، فإن مذهب الإرجاء متأصل في تذمر الموالي – وما أكثرهم في عهود الإسلام
الأولى ! – وامتعاضهم من وضعهم الاجتماعي المتدني.
صفحة
184: الهامش 9: "أعلم الناس بما لم يكن وأجهل الناس بما كان" هكذا كان
يصف أبا حنيفة خُصومه من أصحاب الحديث.
صفحة
185: يعدد ابن حزم ... الجرائم و الشنائع التي حرضت عليها أو أجازتها كل الأديان
السماوية بلا استثناء. قد يستغرب القارئ المعاصر أن يصدر هذا الكلام من رجل كابن
حزم، لكن الرجل لا يناقض نفسه إذ العقل في نظره آلة منطق تفصل بين الصواب والخطأ
لا دليل أخلاقي يميّز الخير عن الشر (الهامش 11 صفحة 186: " الركوع والسجود
لولا أمره بذلك وتحسينه إياه، لكان لا معنى له"..."تشويه النفس، الختان،
الإحرام، طاعة فقط" المرجع نفسه ص 146 إلى 159).
صفحة
199: تُمنِّي (السنّة) الناس بتحقيق كل ما يحلمون به. تُراكِم الوعود: سأريكم كيف
بدأ الكون وكيف انبرى الزمن. سأطلعكم على أسرار الحياة والموت، ألغاز الحركة
والسكون، الصحة والسقم. ومقابل هذا أطالبكم بأمر بسيط، إقامة شعائر تدل على الطاعة
والانقياد، التواضع والزهد. من يستطيع رفض عرض سخي مثل هذا ؟
كثيرا
ما نسمع أن من يعتمد العلم الموضوعي يحكم آجلا أو عاجلا، على السنّة بالتلاشي
والانقراض. الواقع هو ما أُثبت في الفقرات السابقة، ما يقضي على السنّة بالتقادم
هو الزمن الذي، كالجنّي، ينفلت من القمقم ويَسْرِي في الهواء كاشفا الندوب
المخيفة، باعثا الصدى المواكب لخطاب السنّة.
تقول
هذه: لا تتمثلوا أبدا بالخالق بل بالرسول، ثم تزيد، ساهية، في كل لحضة وفي كل حال.
فتفتح الباب لجدال لا نهاية له. ثم بعد حين تدرك الخطأ فتستدرك: لا تغلو في
السؤال، لا تلحوا في التوضيح، اتركوا مجالا للمتشابه، المتداخل، اللامميز. العقل،
كالجسد، رفيق غير أمين، النفس وحدها تستحق الاهتمام، بها يتعلق المصير.
بماذا
أجيب ؟
صفحة
203: بعبارة أدق، إذا صح، كما تقرر السنّة، أن عدالة الله ليست عدل البشر، فيجب،
بالمقابل، أن لا نجعل من العدالة البشرية عدلا إلهيا. سهت السنّة عن هذا
الاستنتاج، فساعدت على إحياء طغيان كسرى وقيصر، كذّبت بتصرفها ما تردده بلسانها:
تعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
صفحة
204: السنّة اختزال مستمر، اختزال الوحي في الشرع، ثم اختزال الشرع في عمل مجموعة
محدودة من الأفراد. فتأتي القاعدة الصارمة: الطريق السوي هو تقليد هذه الجماعة، في
الكبيرة والصغيرة، والمداومة على التقليد (العض عليه بالنواجذ) جيلا بعد جيل دون
ميل أو حيد.
تصل
السنّة إلى هذه الخلاصة مرغمة، تجنبا للمفارقات التي أقضّت مضاجع الخصوم. تفعل ذلك
وتقبل مسبقا كل النتائج.
إلا أن
هذا الموقف، إن كان مبررا داخل المجتمع الإسلامي، لا قدرة له على الصمود في وجه
التحديات الخارجية، سيما بعد أن يكون العدو قد اقتحم الدار واستقر فيها.
الاستعمار
غزو وتسلط. يفسد القرى ويذل أعزتها. فلا يلبث أن يفجر بمحض وجوده النظيمة الفكرية
والعقائدية والخلقية التي عملت السنّة طوال قرون على تركيبها وتجليتها. تتجدد
الوضعية التي وصفها ابن حزم، تتكافأ الأدلة عند الجميع، مع قلب الأدوار إذ يصبح
المسلمون هم أهل الذمة (الهامش 17 صفحة 204: لم يعد الإسلام في موقع الحكَم بين
الملل والنحل كما كان أيام ابن حزم. وهذا ما تصر السنّة على نفيه. قد تكون محقة لو
اقتصر الأمر على العقيدة، إن هي عمقت التحليل وتعرضت بكفاءة لما يقول به الخصوم
اليوم، لا ما كانوا يقولونه في الماضي لأنهم تغيروا وغيروا مقولاتهم عبر القرون).
لكن
السنّة مخطئة يقينا في المجالات الأخرى، السياسية، الاجتماعية، الاقتصادية، إلخ،
وهو حصرا ما نتكلم فيه.
الاستعمار
هو الحدث بامتياز، فيه تتجمع محركات التاريخ. لم يعد في وسع أحد تجاهل آثاره. يحل
الاستعمار ما عقدته السنّة، ينثر ما نظمته، يضيء ما ألحت على طمسه. يقوم بعملين
متناقضين: يعيد إلى النور ما ليس بسنّة، وفي الوقت نفسه يمنعه من أن يتطور إلى
سنّة مضادة، إلى بديل.
هذا هو
منحى الإصلاح الحديث، السر في ظهوره وفي إخفاقه.
يخفق
مشروع الإصلاح (مشروع الأفغاني وعبده و الكواكبي وغيرهم) لأنه يتم في ظل
الاستعمار. لا مستقبل لأية عقيدة بديلة وهي تعارض في آن السنّة وما – بعد السنّة.
والمأزق
لا ينتهي بذهاب الاحتلال (الاستعمار المباشر)، لأن الوضع الذي ولّد الاستعمار
الغربي يستمر بمميزاته الجوهرية، أهمها التوافق على جميع المستويات. الاستقلال
السياسي لا يرفع عنا صفة الأقلية الثقافية، التي تتأثر ولا تأثر، تمانع ولا تبادر،
تستدرك ولا تبدع، حتى وإن كانت لها أغلبية العدد.
في نظر
الآخر، أي الأغلبية الثقافية، كل واحد منا، أيا كان مُقامه، يعرّف تلقائيا
بالسنّة، أكان مواليا لها أو معترضا عليها (الهامش 18 صفحة 205: يتعامل المجتمع
الغربي، في إطار قوانينه الوضعية، مع الإسلام كما لو كان دينا عشائريا فئويا ومع
الشريعة كما لو كانت عادات قبلية، تماما كما كان فقهاؤنا يتعاملون مع الشرائع
الأخرى، يسمحون بأن يستمر تطبيقها حفظا للأمن والاستقرار داخل دولة الخلافة. على
فقهائنا اليوم أن يفهموا أن منطق الذمّة هو ما يطبق على الأقليات الإسلامية،
ويستنتجوا من هذا الوضع النتائج اللازمة).
علينا
إذن، لكي نتحرر فكريا، لنواجه مشاكلنا في العمق، أن نتخطى، على الأقل نظريا، منظور
الغير، أي علينا أن نقفز فوق حدود الزمن والمكان.
صفحة 206: تؤكد السنّة على أن واجبها هو إظهار العقيدة بإقامة الشعائر.
بقولها هذا تكرس حكم الحدث رغم أنها تظن العكس. تنكر التاريخ فلا ترى أنه يمكر
بها.
لا ترى
مثلا أن الشعائر ليست على مستوى واحد. بعضها، كالختان والحج والهدْى، يخلّد
الانتساب لإبراهيم، إثباتا لصحة ودوام الوعد. بعضها كالجمعة والزكاة والصدقة
والجهاد، يؤسس الجماعة ويحفظها. بعضها كالصيام والصلاة، يكسر الشهوة المهددة
لالتحام المجتمع. وبعضها كالشهادة يطمئن الفؤاد.
المكوّن
الأخير، الذي ينعت عادة بلب أو عين الدين، وحده عصيّ على مؤثرات الزمن و المكان.
أما سواه فينتمي إلى الحدث. هو حادث متأثر بكل حادث لاحق، فيدخل بالضرورة تحت حكم
العلم الموضوعي من أرخيولوجيا ولغويات واثنولوجيا، لإلخ.
والنص
المؤسس نفسه يشير إلى هذا الأمر عندما يذكر الأمد أو الفترة، وهو ما يتوسع في بسطه
وشرحه كل من الحديث والفقه وعلم الكلام.
الرق
مذكور في القرآن. أحكامه مبينة، من ضمنها الدعوة إلى إنهائه بتحرير الرقاب. له إذن
أمد، لأحكامه بداية ونهاية، نسخ بمعنى آخر.
صفحة
207: هناك سؤال شهير: لنطبقه على أنفسنا: ما هو حيّ وما هو ميت في وجداننا ؟
نَخَرَ
الاستعمار السنّة ولا يزال. عرقل الاستعمار الإصلاح ولا يزال.
صفحة
208: تود السنّة لو تحبسنا في زاوية وتلزمنا الاختيار، إما شريعة سماوية قارة وإما
قوانين بشرية متغيرة. بموقفها هذا، وعكس ما تظن، تؤبد الحاضر المظلم. هل يوجد على
وجه الأرض وطول التاريخ سوى أوامر من بشر؟
وهؤلا ء المتحكمون إما مغرورون يدّعون اتصالا دائما ومباشرا مع الخالق ،
بدون أدنى برهان، وإما متواضعون يعترفون أنها (القوانين) من اجتهادهم (الهامش 21
صفحة 208: "قل لا أقول لكم عندي خزائن الله" آية 50 س 6 الأنعام،
"ولا أعلم الغيب ولا أملك لنفسي ضرّا ولا نفعا" آية 188 س 7 الأعراف،
"قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إله واحد" آية 6 س 41
فصّلت).
الحذر،
مجرد الحذر، بصرف النظر عن خطورة الوضع، يدعونا إلى تفضيل المتواضع على المتكبر،
من يطرح مقترحه للنقاش، يقبل أن يجرب، يعدل، وربما يلغي مؤقتا إلى حين تبرز فرصة
جديدة لتجريبه مرة أخرى.
يتنصل
النصارى من ضغط الكنيسة بتولي فن الإغريق وقانون الرومان. يتحرر كبار مفكري اليهود
من نير الشريعة وقيودها باصطناع العلم التجريبي والفن. يقلل البوذيون من استغراب
غيرهم بالتأكيد أن ما لديهم هو فلسفة حياة وأسلوب عيش ليس إلا.
السنّة،
أية سنّة، تنعقد وتنحل بمغالبة العلم والفن والسياسة.
صفحة
209: إذ نقرر ما سبق نكون قد أدركنا السنّة وتجاوزناها. لحظة الطلاق نقرها من وجه
وتقرنا من وجه.
تود
السنّة أن تنقد كل شيء فيها، وأن تنفي كل شيء ليس منها، مع أنها تحمل في بنيتها
آثارا لا تنكر ولا تمحي مما ترفض.
وتلك
الآثار الباقية، شاهدة على ما قبل مكة والوحي، وشاهدة كذلك على ما بعد المدينة
والغزوات، نسلمها بصدر رحب و بكامل الاطمئنان إلى البحث العلمي وبالتالي إلى منطق
السياسة. ليقل في شأنها الباحثون، المسلمون وغير المسلمين، ما يشاؤون، لا ضرر
علينا من أقوالهم.
ترى
السنّة في اختيارنا هذا تراجعا واستسلاما، ونرى فيه نحن وعد إحياء وتجديد.
صفحة 212: نستبعد العلم والسياسة، فيم نتكلم إذن ؟ في معينهما المشترك.
سميه بأي لفظ شئت، سيدتي، أما أنا فإني أرضى بكلمة عادية، متداولة، مفهومة للجميع
منذ العهد الهلستيني، أعني لفظة فن بالمعنى الأوسع، الذي يشير إلى النفس وضرورة
تهذيبها المستمر.
كلامنا
عن النفس ونزواتها، ما نضبط منها ولو لفترة وما لا نقوى عليه رغم محاولاتنا
المتكررة.
خلاصة:
السنّة لا تتغير: جهالة أو إيمان.
خلاصتنا،
وعيا بالحال وكشفا عنه، حال بعد-سنّة، هي : مجاهدة أو تذوّق.
ميشيل أونفري
وفرانسوا بورڤا وألفريد نيتشة وإدﭬار موران
فلاسفة أوروبيون غير مسلمين قالوا
كلاماً موضوعيّاً في الإسلامِ والمسلمينَ ! المؤلف محمد
كشكار
1. ميشيل
أونفري، فيلسوف فرنسي ملحد يساريي تحرري برودوني غير ماركسي، قال في الإسلامِ والمسلمينَ ما يلي:
-
قال: "الغرب المعادي للإسلام والمسلمين
يجني محليًّا (إرهاب القاعدة وداعش) ما زرعه عالميًّا (احتلال، حروب، نهب ثروات،
إلخ.)".
-
قال مخاطِبًا الغرب بني قومه: "نحن
الغرب قتلنا ظلمًا من الأمة الإسلامية 4 مليون مدني بريء وذلك منذ حرب الخليج
الأولى سنة 1991، فكيف تتعجبون من هجومات المسلمين الإرهابية في مدنكم (نيويورك،
لندن، برشلونة، باريس، برلين، إلخ.)".
-
قال: "الحضارةُ اليهوديةُ-المسيحيةُ
حضارةٌ في طريق الانقراض مثلها مثل البابلية والفرعونية والإغريقية، أما الحضارةُ
الإسلاميةُ فهي حضارةٌ فتيةٌ، والدليلُ استعدادُ منتسِبيها للتضحيةِ بالروحِ من
أجل نصرتها وفي المقابل هل رأيتم مسيحيّاً واحداً مستعدّاً للموت من أجل دينه
؟".
-
رسالة فيسبوكية خاصة وصلتني اليوم صباحًا من
صديقي علي
ضِيفَ الله، رسالة تحمل هذه التغريدة لميشيل أونفري منشورة بالعربية في
حساب Belgacem Swidi فأضفتها قبل نشر المقال بدقيقة،
قال مخاطِبًا الغرب المعادي للإسلام والمسلمين (Xénophobe et
surtout Islamophobe): "تقصفون بلادهم وتشرّدون أبناءهم، وترسمون نبيهم في أبشع
الرسومات، وتساندون المسيحيين الأفارقة وتسلّحونهم ليقتلوا المسلمين في مالي
وإفريقيا الوسطى.. ثم تظهرون بمظهر الضحية ! لا تضحكوا على أنفسكم فلن يصدّقكم إلا
المنافقون والأغبياء فقط".
2. فقرة مكرّرة
قصدًا لأهميتها: فرانسوا بورڤا، فرنسي، عالِم سياسة ودارس للحركات الإسلامية
الإرهابية وغير الإرهابية (قضى 23 عامًا في الدول العربية)، قال حولها ما يلي:
"لو سألوني: ما هو سلاح
الدمار الشامل ضد الإرهاب الإسلامي ؟ لأجبتُ في الحين ودون ترددٍ: تقسيم الثروات
بالعدل بين الشمال والجنوب (الغرب والعالَم الإسلامي)".
Référence :
François Burgat, L'islamisme au Maghreb. La voix du Sud. 1992.
3.
ألفريد
نيتشة، ألماني، فيلسوف ملحد، قال في العرب الأوائل، عرب "الجاهلية" وعرب
فجر الإسلام، قال ما يلي:
"محاربون شجعان أحرار لا يخضعون بسهولة لأي سلطة" (إضافة
المؤلف محمد كشكار: والدليل أن الرسول نفسه، صلى الله عليه وسلم، وجد في البداية
صعوبةً كبيرةً في إقناعهم بالدين الجديد المختلف عن معتقداتهم الموروثة عن
أجدادهم).
4.
"السلام الروماني" (Pax
Romana du I er siècle au II e
apr. J.-C)، عهدٌ تمنح بموجبه
الإمبراطورية الرمانية في آخر حكمها حق المواطنة لسكان مستعمراتها الأصليين مثل
الأمازيغ التونسيين قبل ظهور المسيحية
كدين ( Début du IVe s apr. J.-C) وقبل ظهور الإسلام بخمسة قرون (Début du VIIe s apr. J.-C)، أما الإمبراطورية الإسلامية فقد منحت المواطنة لكل سكان
فتوحاتها الأصليين على شرط أن يدخلوا الإسلام، ولتصبح مواطنًا كامل الحقوق، يكفيك
أن تنطق بالشهادتَين: "أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدًا رسول
الله".
نقطة ضعف المسلمين المعاصرين. المؤلف محمد
كشكار
في القرن 20 ميلادي، انبثق التطرف الإسلامي
العنيف كرد فعل شرعي ضد الاحتلال الغربي (هذا لا يعني أنني أبرّر العنف الإسلامي
أو أباركه أو أشرّع له، فقط أحاول أن أفهم أسبابه، أنا في الآخر غانديُّ الهوى
مسالم من الدماغ إلى النخاع): للأسف الشديد، بدأ عصرُنا الإسلامي الحديث
بإبادة الأرمن جماعيَّا في تركيا وتواصلَ التطرف مع ظهور الحركات الإسلامية
المسلّحة إلى أن وصلنا في نهاية القرن 20 ميلادي إلى تأسيس الحركة الإرهابية
الأولى "القاعدة" ثم في أوائل القرن 21م ولدت الثانية "داعش"، فاكتوى المسلمون بنار الأولى والثانية أكثر
بكثير مما اكتوى بها الغربيون المستهدَفون.
Le génocide arménien ou,
plus précisément, génocide des Arméniens est un génocide perpétré d'avril 1915
à juillet 1916, voire 1923, au cours duquel les deux tiers des Arméniens qui
vivent alors sur le territoire actuel de la Turquie périssent du fait de déportations,
famines et massacres de grande ampleur. (Wikipédia)
استنتاجٌ شخصيٌّ: رغم أنني أومن أن لا حضارة أفضل من حضارة، لكن يبدو
لي أن الحضارة العربية-الإسلامية بتاريخها وحاضرها، بمحاسنها ومساوئها، كانت أقلَّ ضررًا على الإنسانية من
الحضارة اليهودية-المسيحية ! بارادوكسالّومان، ربما يكون هذا بسبب "تخلّفِنا
التكنولوجي" قُبالة "تقدّمهم العلمي والتكنولوجي" ؟
إمضائي
"أنا عند الإسلاميين شيوعي وعند الشيوعيين إسلامي ! لأن المفكر الحر
يستحيل تصنيفه..." قالها المفكر الإيراني الإسلامي الحر علي شريعتي، صديق
الفيلسوف الفرنسي اليساري الملحد جان بول سارتر.
أنا
اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا
الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى
الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ مع الاستعداد لعمل الخير وعمل الخير عندي هو التطوّع
مجانًا لمساعدة الآخرين (La spiritualité à
l`échelle individuelle + altruisme + bénévolat).
"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار
"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو
و"إذا كانت كلماتي لا تبلغُ
فهمَك فدعْها إذنْ إلى فجرٍ آخَرَ" جبران
لا
أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ
أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.
Islam chez Edgar Morin, anthropologue philosophe et homme de gauche agnostique
Les expériences passées apprennent beaucoup. Y compris lorsqu'elles ont
pour théâtre d'autres pays. À ce titre, les lois "Prevent" déployées
en Grande-Bretagne après les terribles attentats de 2005 à Londres ont-elles
porté leurs fruits ? Elles poursuivaient un double dessein : d'une part
favoriser l'intégration des musulmans, nombreux sur le territoire, en leur
affectant notamment des lieux cultuels et culturels, d'autre part mieux repérer
les extrémistes potentiellement promis à se radicaliser dans la peau de
terroristes. C'est-à-dire qu'il s'agissait d'identifier plus facilement de
possibles ennemis au sein d'une communauté qu'on cherchait à mieux intégrer...
Cette stratégie schizophrénique était vouée à l'échec. Résultat, non seulement
la sécurité n'y a pas gagné, mais en plus, le sentiment d'intégration des
musulmans s'est détourné de sa cible originelle : la nation britannique, pour
embrasser celle de l'islam.
(…) L'histoire apporte la meilleure réponse. Pendant des siècles et dans
toute l'Europe, qu'a donc démontré l'Église catholique ? Son incompatibilité
avec la démocratie française et la laïcité. Il faudra attendre le début du XXe
siècle, c'est-à-dire "hier" sur l'échelle du christianisme, pour
qu'Église, démocratie et laïcité commencent de coexister, à l'issue d'une
succession séculaire de luttes armées, philosophiques, politiques, artistiques
ou sociales qui ont fait progresser les esprits. Renaissance, Lumières,
Romantisme... toutes ces étapes furent nécessaires pour que le pouvoir de
l'Église quitte le périmètre politique et se concentre sur la sphère privée,
dite « des âmes ». Et c'est seulement une fois que l'écueil monarchique fut
définitivement écarté que l'Église catholique devint entièrement soluble dans
la démocratie. Alors pourquoi doit-on exiger de l'islam d'accomplir en quelques
années voire instantanément la même trajectoire que l'Église mit des siècles à
réaliser ?
D'autre part, l'occident chrétien est légitimement effondré devant la
destruction des Bouddhas de Bamiyan en Afghanistan ou des vestiges de Palmyre
en Syrie, il est légitimement opposé à la stratégie armée de conquête de
territoires et légitimement écœuré par les massacres perpétrés par les
islamistes ; mais a-t-on oublié la manière dont, au cours des siècles, les
chrétiens persécutèrent les païens, brûlèrent leurs
représentations artistiques, portèrent les sanglantes croisades, évangélisèrent
les terres musulmanes ? L'inquisition fut-elle un modèle d'humanité ?
Certes, tout
comme dans la Bible, le Coran recèle des textes d'une infinie beauté mais
parfois aussi d'une grande violence, notamment à l'endroit de l'infidèle et de
l'impie. Mais l'islam est en premier lieu une religion judéo-chrétienne, proche
davantage du judaïsme que de la chrétienté - ses interdits et ceux du judaïsme
sont très proches -, et qui partage un même socle avec les deux autres
religions monothéistes ; Abraham, Moïse, Jésus sont communs aux textes, et seul
le prophète Mahomet singularise véritablement le Coran. Un minaret ne
ressemble-t-il pas à un clocher ? Bref, le tronc commun aux trois grandes
religions est substantiel. Et l'enjeu prioritaire pour lever les derniers
écueils à la totale « solubilité » de l'islam dans la démocratie et la République
françaises, c'est d'enseigner la nature judéo-chrétienne de l'islam. Voilà un
devoir pédagogique fondamental.
(…) Le "décrié" Tariq Ramadan - avec qui Edgar Morin a publié Au
péril des idées, Presses du Chatelet, NDLR - y est lui-même favorable : il est
l'heure d'organiser et de promouvoir un islam occidental européen, qui sera le
théâtre de reconnaissances fondamentales. Reconnaissance du statut des femmes,
de l'égalité hommes-femmes, des lois de la République, du monopole de l'État
dans l'éducation publique - cohabitant avec des systèmes d'éducation privée -,
des non croyants et libres penseurs, des mariages mixtes... L'ensemble de ces
leviers est déterminant pour amener chaque musulman à adopter les règles de la
République et à prendre conscience qu'elles ne constituent aucunement une
entrave à l'exercice de sa foi.
La France est un
pays multi-ethnique et multi-religieux. La religion juive - aujourd'hui encore
interprétée par les ultra-orthodoxes en Israël dans une radicalité qui juge la
seule fréquentation d'un goy (Non-juif,
chrétien, pour les Israélites) impure et immonde - s'est convertie avec succès
aux lois de la République. Absolument rien ne permet de considérer que l'islam
ne peut pas y parvenir. Encore faut-il s'extraire d'un tourbillon qui entremêle
rejets et stigmatisations réciproques, et d'un cercle vicieux par la faute
duquel les phobies (islamophobie, occidentalophobie, judéophobie) se
nourrissent, s'entretiennent, s'exacerbent mutuellement. Elles composent un
seul et même poison qui intoxique toute la nation.
(…) Les reflux nationaux-religieux ont pour premier point de
cristallisation la révolution iranienne de 1979, et l'instauration, inédite,
d'une autorité politique religieuse et radicale. Elle intervient après
plusieurs décennies de profonds bouleversements dans le monde musulman : à la
colonisation ottomane pendant des siècles succède la colonisation occidentale à
laquelle succède une décolonisation souvent violente à laquelle succède
l'instauration de dictatures à laquelle succède le souffle d'espérance du
Printemps arabe auquel succède l'irruption de forces contraires et souvent donc
la désillusion, auxquelles à ce jour ont succédé le chaos géopolitique et la
propagation de l'idéologie barbare de Daech...
Tout retour à la religion n'est bien sûr pas
synonyme de fracas, et souvent se fait de manière pacifiée. Mais on ne peut pas
omettre la réalité des autres formes, agressives et violentes, qui ont germé
dans le bouillon de culture afghane et ont prospéré dans un terreau où toutes
les parties prenantes ont leur part de responsabilité ; la seconde guerre en
Irak, l'intervention en Libye, l'inaction en Syrie, le bourbier
israélo-palestinien mais aussi, sous le diktat américain, la propagation d'une
vision manichéenne du monde opposant empires du bien et du mal, ont participé à
la fracturation du monde musulman et à la radicalisation de certaines de ses
franges. Le comportement des grandes nations du monde a contribué activement à
"l'émergence" d'Al Qaeda hier et de l'État islamique aujourd'hui, à
faire de la Syrie un terrain de guerres, d'alliances de circonstances, de
coalitions invraisemblables, d'intérêts contraires, d'exactions, et de
prolifération islamiste inextricable. Ce brasier dissémine ses flammèches bien
au-delà de ses frontières, et ses répercussions ne se limitent pas à la rupture
diplomatique entre l'Arabie Saoudite et l'Iran ou à la flambée du schisme entre
chiites et sunnites.
(…) Deux types de barbarie coexistent et parfois se combattent. Le premier
est cette barbarie de masse aujourd'hui de Daech, hier du nazisme, du
stalinisme ou du maoïsme. Cette barbarie, récurrente dans l'histoire, renaît à
chaque conflit, et chaque conflit la fait renaître. On s'en offusque en 2016 en
découvrant les images ou les témoignages dans l'État islamique, mais les
millions de morts des camps nazis, des goulags soviétiques, de la révolution
culturelle chinoise comme du génocide perpétré par les Khmers rouges
rappellent, s'il en était besoin, que l'abomination barbare n'est pas propre au
XXIe siècle ni à l'Islam ! Ce qui distingue la première des quatre autres qui
l'ont précédé dans l'histoire, c'est simplement la racine du fanatisme
religieux.
Le second type
de barbarie, de plus en plus hégémonique dans la civilisation contemporaine,
est celui du calcul et du chiffre. Non seulement tout est calcul et chiffre
(profit, bénéfices, PIB, croissance, chômage, sondages...), non seulement même
les volets humains de la société sont calcul et chiffre, mais désormais tout ce
qui est économie est circonscrit au calcul et au chiffre. Au point que tous les
maux de la société semblent avoir pour origine l'économique, comme c'est la
conviction du ministre de l'Économie Emmanuel Macron. Cette vision unilatérale
et réductrice favorise la tyrannie du profit, de la spéculation internationale,
de la concurrence sauvage. Au nom de la compétitivité, tous les coups sont
permis et même encouragés ou exigés, jusqu'à instaurer des organisations du
travail déshumanisantes comme en atteste le phénomène exponentiel de burn out (État de fatigue intense et de grande détresse
causé par le stress au travail). Déshumanisantes mais aussi contre efficientes à
l'heure où la rentabilité des entreprises est davantage conditionnée à la
qualité de l'immatériel (coopération, prise d'initiatives, sens de la
responsabilité, créativité, hybridation des services et des métiers,
intégration, management etc.) qu'à la quantité du matériel (ratios financiers,
fonds propres, cours de bourse, etc.). Ainsi la compétitivité est sa propre
ennemie. Cette situation est liée au refus d'aborder les réalités du monde, de
la société, et de l'individu dans leur complexité.
إدڤار موران (فرنسي، فيلسوف إنساني، مؤمن وصاحب
الصيحة الشهيرة "يجب إعادة أنسنة الإنسانية" Il faut réhumaniser l`humanité)، وإينياسيو رامونيه (كاتب يساري، رئيس تحرير سابق للجريدة
الشهرية الفرنسية لوموند ديبلوماتيك، جريدتي المفضلة والوحيدة التي أقرأها منذ
سنوات الشباب من بين الجرائد التونسية والعربية والأجنبية، جريدة مستقلة تمامًا عن
جريدة لوموند اليومية الفرنسية المشهورة): كل واحدٍ من الفيلسوفَين ألّفَ كتابًا
بالاشتراك مع طارق رمضان (الفيلسوف
الإسلامي السويدي من أصل مصري، حفيد حسن البنّا مؤسس حركة "الإخوان المسلمون"
المصرية سنة 1928 والمتهم حاليًّا باغتصاب عدة نساء،
وهو اليوم في حالة سراحبعدما قضى في الإيقاف 9 أشهر
ونصف، سراح مشروط بالحضور والإمضاء مرة في الأسبوع في مركز شرطة، شاهدتُه اليوم
21/10/2020 على اليوتوب في برنامج قديم، وسمعتُه يعترفُ بخطئه ويطلبُ الاعتذار
بوضوح من ربه وعائلة ومتابعيه لأنه خيّب أملهم فيه كداعية إسلامي. كان يدعو في جميع
محاضراته إلى الاستقامة الأخلاقية، يعتذر عن إقامة علاقات جنسية بالتراضي خارج
إطار الزواج، لكنه أنكرَ تهمة الاغتصاب إنكاراً تامّاً).
ما هي العلاقات التي تربط بين
الأصناف الأربعة من المفكرين المشتغلين على الإسلام والمسلمين ؟ تأليف آلان روسّيون، تأثيث مواطن العالَم
Source :
La pensée islamique contemporaine, éditons Cérès, 2007, 182 pages, prix :
8 DT)
هم: المفكرون المسلمون الموالون
للسلطة، ومفكرو الإسلام السياسي (أو "العلماء المسلمون")، والمفكرون
المستقلون (أو "المثقفون الجدد")، والمفكرون غير المسلمين (أو
"المستشرقون الجدد").
المفكرون المسلمون الموالون للسلطة
يجدون معارضة مركبة من الآخرين: معارضة فكرية-إيديولوجية من قِبل مفكري الإسلام
السياسي، ومعارضة فكرية-إبستمولوجية من قِبل المفكرين المستقلين، ومعارضة
فيلولوجية-فلسفية من قِبل المفكرين غير المسلمين.
المفكرون المستقلون ومفكرو الإسلام
السياسي تربطهما علاقات مركبة وغير ثابتة: الجهتان ترفضان احتكار تأويل القرآن
والحديث من قِبل المفكرين المسلمين الموالين للسلطة (إخوان مصر ساندوا المفكر
المستقل نصر حامد أبو زيد ضد علماء الأزهر لكن محمد الغزالي حلل اغتيال المفكر
المستقل فرج فودة). الجهتان تقاومان الهيمنة الثقافية الغربية لكنهما تختلفان حول
المواقف من كونية حقوق الإنسان ومن الديمقراطية الغربية ومن العدالة الاجتماعية
ومن الفنون.
إضافة مواطن العالم
على سبيل الذكر لا الحصر، سأسرد
عليكم بعض الأسماء التي أعرفها في كل صنف من الأصناف الأربعة:
1.
المفكرون المسلمون
الموالون للسلطة: علماء الأزهر في مصر وجامع الزيتونة في تونس (دون تعميم).
2.
مفكرو الإسلام
السياسي (أو "العلماء المسلمون"):
راشد الغنوشي، سيد قطب، أبو يعرب المرزوقي، حسن
البنّا، (قرأتُ جزءًا يسيرًا من مؤلفات كل واحدٍ منهم). يوسف القرضاوي، أبو الأعلى
المودودي، محمد عبد الوهّاب، حسن الترابي، مالك بن نبي، (لم أقرأهم). محمد
الغزالي، وجدي غنيم، (سمعتهما في التلفزات).
3.
المفكرون
المستقلون (أو "المثقفون الجدد"):
محمد أركون، هاشم صالح، عبد الله العروي، علي
حرب، حسين مروّة، فراس السواح، علي شريعتي، طه حسين، الطاهر الحداد، محمد الطاهر
بن عاشور، عبد المجيد الشرفي، محمد الشرفي، محمد الحداد، محمد الطالبي، محمد
الشريف الفرجاني، ألفة يوسف، هالة وردي، هشام جعيّط، محمد شحرور، نصر حامد أبو
زيد، فرج فودة، (قرأتُ جزءًا يسيرًا من مؤلفات كل واحدٍ منهم). جمال البنّا، طارق
رمضان، (سمعتهما في التلفزات). أمل ﭬرامي، حسن حنفي، محمد إقبال، (لم أقرأهم).
4.
المفكرون غير
المسلمين (أو "المستشرقون الجدد"): روائيون ومؤرخون وفلاسفة وعلماء
سياسة:
François
Burgat, Gilles Kepel, Jean Baubérot, Olivier Roy, Amir Moezzi (Le Coran des
historiens, 3400 pages), Alain Gresh, Amin Maalouf, Michel Onfray, Maxime
Rodinson, Jacqueline Chabbi, Malek Chebel, (j’ai lu une partie de l’œuvre de
chacun d’entre-eux). Edward Saïd (le palestinien-américain qui a fustigé tous
les orientalistes classiques. je ne l’ai pas lu).
مقتطفات مقتضبة من كتاب آلان
روسّيون. ترجمة مواطن العالَم
-
المفكرون المسلمون
حول الإسلام ثلاثة أصناف: العلماء التقليديون (القرضاوي..) والمثقفون الحداثيون
(أركون..) واليساريون (الفرجاني..).
-
"الغرب،
فُرصة للإسلام (une chance) والإسلام فُرصة للغرب"
-
"الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر": Commandement du Bien et pourchas du Mal
-
يبدو لي الإسلام
السياسي عجزَ عن التوفيق بين الدين والسياسة وبين قِيم الإسلام وقِيم الرأسمالية
وبين الأصالة والحداثة.
-
خصوصيات الإسلام:
1. كتابه المقدس هو دستوره في الدنيا. 2. يرفض العلمانية لكن عولمته قد تعلمنه. 3.
يعترف بكل العقائد وهي لا تعترف به.
-
الفرق بين
اللائكية الفرنسية والعلمانية الأنـﭬلوساكسونية: الأولى تفصل تماما بين الديني
والدنيوي والثانية الدين فيها عانق الدنيا.
-
فرضية المستشرق
جيل كيبال: الإسلام السياسي هو إيديولوجية قابلة للذوبان في الإيديولوجية
الليبرالية (سوق + حقوق الإنسان + أنترنات).
-
طارق رمضان يقترح
"وقف تنفيذ" (un moratoire) كل العقوبات البدنية التي
ورد ذكرها في القرآن. كما أوقف عمر قطع يد السارق في عام المجاعة.
-
"المفكرون المسلمون
الجدد" (أبو زيد، أركون، جعيّط، الشرفي): يراهم الغرب متعصّبين للإسلام أما
"علماء الإسلام" المحافظون فيرونهم متغرّبين.
-
العلم الغربي يسير -دون ضوابط
أخلاقية- نحو تدمير البيئة وتَتفيه قيم التضامن بين البشر وإغراق الحضارات وسلعنة
المرأة (كراء الأرحام).
-
هل ساهم الطوسي (XIIe) في اكتشافات كوبرنيك (XVe)،
وابن الهيثم (Xe) في اكتشافات ديكارت (XVIe)،
والخوارزمي (IXe) في اكتشافات تورينـﭬ (XXe).
-
هل يمكن أسلمة
العلوم الغربية في القرن الواحد والعشرين كما غرّب الغربيون العلوم الإسلامية خلال
نهضتهم في القرون 13 و14 و15م ؟
-
هل يمكن أسلمة
الفلسفة والابستمولوجيا الغربيتين في القرن 21م كما غرّب الغربيون الفلسفة
الإسلامية (Averroès) خلال نهضتهم في القرن 13م ؟
-
هل يمكن إعادة
الروح للقِيم الكونية وأسلمتها في القرن 21م والتي احتكرها الغرب طيلة قرون
وعلمنها وعولمها بعدما أفرغها من الروحانيات ؟
-
عشر قِيم أخلاقية
إسلامية قد تؤخلق العلم: التوحيد، الخلافة، العبادة، العقل، الحلال والحرام، العدل
والظلم، الاستصلاح والتبذير. Ziauddin Sardar
-
علماء المسلمون
الجدد" ؟ مجتمع علمي محدود (une communauté
scientifique liminale) متكوّن من علماء مسلمين غير عرب يدْعون
لأسلمة العلوم الغربية (مثل الجامعي والكاتب الأنـﭬليزي-باكستاني Ziauddin
Sardar . مجتمع يلاقي معارضة شديدة من قِبل النخبة الإسلامية المحلية
("علماء الإسلام" التقليديون و"المفكرون المسلمون الجدد"
المعلمَنين) وليسوا مقروءين من قِبل عامة المسلمين، لكنهم مسموعون في الأوساط
الأكاديمية الغربية وخاصة في أمريكا الشمالية. ملاحظة: يبدو لي أن هذا الصنف غير
موجود عندنا في المغرب العربي وموجود في الدول الإسلامية المتقدمة علينا نسبيًّا
في مجال البحث العلمي مثل إيران وباكستان وأندونيسيا وماليزيا. أظن أن العالِم
المصري المرحوم مصطفى محمود قد يُصنَّف من بينهم.
-
"علم
الاستغراب" (occidentalisme) أو الرجوع للأصالة: مشروع
حسن حنفي، فيلسوف اليسار الإسلامي، لمقاومة التغريب (occidentalisation).
-
الأفغاني (الإصلاح
الديني) والطهطاوي (الإصلاح السياسي) وشبلي شميّل (الإصلاح العلمي)، ثلاثتهم
يعتبرون الغرب منهجًا ونموذجًا للتقدم. حسن حنفي
-
التقليد الأعمى
للغرب عَقِرَ الإمكانات الكامنة فينا وفي تراثنا الحضاري العربي-إسلامي وعطّل
نهضتنا العربية.
-
في العالم
الإسلامي طغَى النقلُ على العقلِ عند السلفيين (قال ابن تيمية، قال الغزالي) وعند
الحداثيين أيضًا (قال ماركس، قال هيـﭬل). حسن حنفي
-
La civilisation occidentale
est une civilisation centrifuge par opposition aux cultures centripètes, le
judaïsme et l’islam. Hassan Hanafi
-
تأويل النصوص
المقدسة عمل بشري، بشري جدا، أي يحتمل الخطأ والصواب ككل عمل بشري.
-
تنوّعُ تأويلات
النصوص المقدسة وتناقضاتها أكبر دليل على ثراء لا ينضب للرسالة الإلهية التي
تحويها. Nasr Hamed Abu Zayd
-
إذا كان الإسلام
هو الدين المشترك الذي بشّر به كل الأنبياء والرسل فلا يعني إذن كثيرا إذا كان
المؤمن مسلما أو مسيحيا أو يهوديا (حرية المعتقد). Nasr Hamed Abu Zayd
-
إذا كانت المسيحية
هي دين الخروج من الدين والزهد في الحياة الدنيا حسب (Marcel Gauchet)،
فنبوّة محمد -صلى الله عليه وسلّم- حسب عبد المجيد الشرفي هي تمهيدٌ للخروج من
النبوّة نفسها. نبوّةٌ تُلقِي المسؤوليةَ كاملةً على الإنسان وحده وتمنحه الحرية
في الإقبال على الحياة الدنيا لكنها وفي نفس الوقت تحمّله عواقبَ أفعاله دون
انتظار نبوّة أخرى قد تنقذه من ضلاله. ملاحظة: يبدو لي أن فكرة عبد المجيد الشرفي
هي فكرة مستوحاة من أفكار الشاعر-الفيلسوف المسلم الهندي محمد إقبال (1877-1938م)
حول مفهوم "ختم النبوّة" (نقلتُ حولها مقالاً مطوّلاً في هذا الكتاب
بقلم د. مصدّق جليدي)
-
عبد المجيد الشرفي
يصرّح ضد "العلماء المسلمون" بأن الشريعة لا تعدو أن تكون إلا
"إنتاجًا تاريخيًّا صِرفًا" يجب تجاوزه لا هدمه.
-
"المفكرون
المسلمون الجدد" (نصر حامد أبو زيد وعبد المجيد الشرفي وغيرهم) يعتبرون أن
الحق والمعنى والحقيقة هي أشياء مكتسبة صُنعت من تحت ولم تنزل من فوق.
-
إبراهيم موسى لا
يقبل الفكرة القائلة بأن المعايير في النصوص المقدسة تسبق الحقائق والوقائع في
الحياة ويكفي أن نكتشها. فكرة فيها تنازلٌ فكريٌّ وتمجيدٌ.
-
الفيلسوف السويسري
المسلم طارق رمضان يقول: "يجب "وقف التنفيذ الوقتي" لكل العقوبات
البدنية في القرآن (قطع اليد، الإعدام، الجلد) لعدم تماهيها مع العصر.
-
المهندس السوداني
محمود محمد طه يقول بأن السور المكية هي جوهر القرآن أما السور المدنية فهي ظرفية
وحالة خاصة (أعدمه النميري سنة 1985 بتهمة الردّة).
-
محمد شحرور يقول
بأن الشريعة ليست دستورا ديمقراطيا (لم يضعه ولا استفتاء) وليست موضوعية (تدخل
فيها ذاتيات واضعيها).
-
محمد شحرور يقول
أن المسلمين وقعوا خطأين: الأصوليون يؤمنون بأن التقليدَ الأعمى للرسول هو الطريق
الوحيد إلى الله والعلمانيون يرفضون التراث الإسلامي برمته ويقولون أن الدين هو
أفيون الشعوب.
- أنا أعي جيدًا أن
كتاباتي ليست أكاديمية ولا موجّهة للمختصّين. تغالبني رغبة في أن يشاركني الناس
حيرتي الفكرية بكل تناقضاتها لا أكثر ولا أقل.
-
فَرْضُ عَين (une responsabilité individuelle). فَرْضُ جماعة (une responsabilité collective). فُرقانْ (évidence,
preuve).
-
القرآن نص صالح
لكل مكان وزمان (Le message coranique vaut en tous lieux et
pour toutes les époques).
-
محمد شحرور قرآني:
يركّز اهتمامه على ما جاء في القرآن فقط ولا يعترف بما جاء في السنّة وكُتب
المفسرين لأنها تأويلات بشرية.
-
محمد شحرور يعتبر أن كلمة "مسلم" تشمل كل مَن
يؤمن بالله من مسلمين ويهود ومسيحيين أما كلمة "مؤمن" فلا تشمل إلا
أتباع محمد.
-
محمد شحرور يرى أن
الإصلاح الديني يجب أن يسبق الإصلاح السياسي في المجتمعات الإسلامية كما حصل في
المسيحية في القرن 15م (البرتستانتية).
-
محمد شحرور يقول
أن المجتمعات الإسلامية لا تحتاج إلى فتوى بل تحتاج إلى استفتاء (مثلا: حول
المساواة في الإرث وتعدد الزوجات).
-
أما عن نفسي فأنا
فكريًّا لستُ قرآنيًّا ولا سنيًّا ولا شيعيًّا ولا إباضيًّا ولا صوفيًّا، لكن
أنتروبولوجيًّا أنا سنّي مالكي أشعري كأغلبية التونسيين.
-
مرة واحدة حدث وأن
أسمعت كلماتي وزيرًا، أحمد عظوم وزير الشؤون الدينية السابق. أعجبه مقالي فدعاني
إلى مكتبه وسرني بكلام لم يتبعه فعلٌ.
-
محمد شحرور يقول
أن القرآن نفسه يُقرّ بأن أغلبية البشر لن تدخل في دين محمد الذي لا يتبعه اليوم
سوى 20% من سكّان العالم.
-
خاتَم النبوّة
والأنبياء (le sceau, définitif et insurpassable, de la
prophétie). Alain Roussillon وللبهائيين رأيٌ آخر.
-
الدين هو رأي
الناس في الحقائق الإلهية كما العلم هو رأي الناس في الحقائق الطبيعية.
Abdolkarim Soroush in Alain
Roussillon
-
أكتب عن الدين مع
أنني لستُ مختصًّا فيه وعادة أكتفي بنقل ما قرأت. قد يكون ديونتولوجيًّا عيبًا.
عذري الوحيد هو غياب الأجندات الإيديولوجية. حرية التفكير والتعبير والنشر.
-
العلوم
الإنسانية الحديثة وُظّفت لمهاجمة الدين فتلقفها الدين ووظفها لتحديث ترسانته
القانونية.
Abdolkarim Soroush in Alain Roussillon
-
"مجتهد": Titre universitaire Qom en
Iran et qui signifie interprète autorisé
-
الفكر الإسلامي فكر غني ومتنوع ومتجدد ويحوي في
طياته أفكارًا متناقضة-متنافسة فلا تضيقوا مجالاً وسعه عليكم الإسلام.
Mohsen
Kadivar
-
"ولاية الفقيه" ليست الشكل الوحيد للحكم في المذهب
الشيعي وليست ضرورة دينية. هي اتفاق بين علماء. M Kadivar (emprisonné 18
mois)
-
رغم مرور قرابة النصف قرن على بداية انتشار
إيديولوجية "الإسلام السياسي" فيبدو مبكرا تقييم نجاح أو فشل تجربته في
العالم العربي.
-
حسب O.
Roy,
politologue يبدو أن "المفكرون المسلمون الجدد" (أركون، جعيط، شرفي)
يبشرون بـ"عصر ما بعد الإسلام السياسي".
-
أهم المبادئ الإيجابية في العلمانية: التعددية
والمساواة أمام القانون بين الرجال والنساء، الأغنياء والفقراء وبين المنتمين
دينيا وثقافيا وعرقيا.
-
الزكاة، ثالث ركن في الإسلام هي تقريبا أول نظام
تضمني اجتماعي منظم في تاريخ المجتمعات البشرية. N H
Abu
Zayd
-
"لا إكراه في الدين" و"إن الله لا يغير ما بقوم حتى
يغيروا ما بأنفسهم": آيتان لو طبقتهما المجتمعات المسلمة لأغنياها عن
العلمانية الغربية.
-
المجتمعات المسلمة القروسطية كانت جزئيا علمانية:
العدالة والتعليم والأخلاق العامة كانت تخضع لسلطة الدين. السلطة السياسية لا
تخضع.
-
يكفي الإسلام أنه خالٍ من نظام الكنيسة المحتكر
للسلطة السياسية حتى يكون جزئيا علمانيا قبل ظهور العلمانية في الغرب. A
Filali-Ansary
-
العلمانية التي أتبنّاها كانت لقيطة فوجدت لها أما
وأبا في الآيتين الكريمتين "لا إكراه في الدين" و"إن الله لا يغير
ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
-
العمل السياسي وتأسيس دولة لا يجب اعتبارهما واجبًا
دينيًّا أو شكلاً من العبادة. M. Shabestari
-
Le salafisme minimaliste en ligne (Islam On
Line): identifier une sorte de p. p. c. d. de l’appartenance à la communauté
des croyants.
-
يوسف القرضاوي (Islam On Line):
"الإسلام لا يفرّق
بين المرأة والرجل. لا جنس أفضل من جنس والله سيجازيها بالتساوي حسب
قدراتهما" (في اجتماعاتهم تُفصَل النساء عن الرجال).
-
مارﭬو بدران،
لائكية غير مسلمة: "نستطيع أن نقول أن الحركة النسوية الإسلامية هي الحل
لتخليص الإسلام مما يُرتكب باسمه من ظلم للمرأة.
-
يجب على
الليبراليين الحداثيين المسلمين أن يتواصلوا مع الزوايا الصوفية الحديثة لو أرادوا
التخلص من تهمة التغريب والعلمنة. A Toufiq
-
A Soroush
يحذر من خطر توظيف الصوفية في السياسة لأن الصوفية يحكمها نظام الاستبداد البنيوي
(علاقة بين قطب ومريد).
-
"المفكرون المسلمون
الجدد" يحلمون بِعالمٍ معولمٍ تتوفر فيه حريات التنقل والزواج المختلط وتغيير
الدين (A. Soroush, M. Charfi, F. Esack, A. Filai-Ansary).
-
أجدادنا الأحرار
تركوا لنا إرثًا لم نحافظ عليه. حضارة عربية-إسلامية مجيدة لكن لا يحق أن يتباهى
بها إلا صانعوها. انظروا ما صنعت أيديكم !
-
العالَم الإسلامي
اليوم يمر بفترة تحول كالتي مر بها العلم المسيحي في القرنَين 15 و16م:
البروتستانتية. D Eickelman, anthropologue
-
جمال الدين
الأفغاني، المصلح الإسلامي في القرن 19م، كان لا يرفض أن يُقدَّمَ للجمهور
البريطاني كـ"مارتن لوثر الإسلام".
-
المصلح الإسلامي
علي شريعتي نفسه كان يدعو من كل قلبه لظهور "بروتستانتية إسلامية". Hashem
Ahajari
-
محمد العباسي يدين
فكرة "البروتستانتية الإسلامية" لأن البروتستانتية فرّقت المسيحيين
وأشعلت بينهم حروبًا طاحنة لا نتمناها للمسلمين.
-
رأيي الخاص: يبدو
لي أن الإسلام لا يحتاج إلى بروتستانتية لأن البروتستانتية نفسها أخذت من الإسلام
أهم ما فيه "لا وساطة بين الخالق والمخلوق".
La société des musulmans ne reflète pas l’esprit
démocratique de l’islam. A. Roussillon
المجتمعات الإسلامية لا تعكس
الروح الديمقراطية للإسلام والبروباﭬندا الإسلامية أضعفت الطبع المشترك بين المسلمين المبني أساسا على
المساواة.
Page 115 : Le
problème, note A. Engineer, c’est que « La
société des musulmans ne reflète pas l’esprit démocratique de l’islam.
La médiation culturelle qui a abouti à la création de la shari’a arabisée et à
la culture islamique a érodé et défiguré l’ethos fondamentalement
démocratique et égalitaire de l’islam » (cité dans Noor, p. 33). (روح الشعب: الطبع المشترك بين جماعة من الناس تنتسب لمجتمع بعينه. ترجمة
المنهل)
Il en déduit que la tâche
des intellectuels musulmans est certes de défendre l’islam et les musulmans en
tant que collectifs contre les attaques extérieures, mais d’abord et surtout de
défendre les droits individuels des musulmans au sein de ces collectifs, ce
pourquoi « le vrai test qui permet d’apprécier le sérieux de leur
engagement est la façon dont ils traitent la question des droits de la femme en
islam, sans doute la plus sérieuse de celles posées aux musulmans »
(ibid., p. 34).
En découle sa critique du
prosélytisme (التبشير) des oulémas et des
mouvements islamistes qui continuent d’affirmer l’objectif de convertir le
monde entier à l’islam, « un objectif arrogant et voué à l’échec, qui, par
nature, n’est même pas islamique et qui n’a pour effet que de porter les non-musulmans
à avoir de plus en plus peur de l’islam et des musulmans » (ibid., p. 32).
"الدعوةُ
إلى أسلمة العالم أجمع، دعوةٌ متغطرسة ومحكوم عليها بالفشل، دعوةٌ مخافلِة للرسالة
أصلاً، دعوةٌ منفِّرة لغير المسلمين"
فلالي-أنصاري
Le « compromis
médiéval » ou la sécularisation partielle de l’islam. A. Roussillon
Biblio :
La Pensée Islamique Contemporaine, A. Roussillon, Cérès éditions, 2007, Tunis,
182 pages.
"المجتمعات
الإسلامية مجتمعات معلمنة جزئيا منذ العصور القروسطية، والوظائف السياسية فيها
مفصولة تماما عن الوظائف الدينية"
علمانية إسلامية جزئية منذ
العصور القروسطية: العدالة والتعليم والأخلاق العامة تخضع لسلطة العلماء، وحدها
السلطة السياسية لا تَخضَع بل تُخضِع.
Page 117 : Lui
succède ce que notre auteur (Filali-Ansary, 1997) désigne comme le
« compromis médiéval » ou la sécularisation de fait du pouvoir va de pair avec
l’instrumentalisation du référent religieux qui marque, en réalité, la
séparation de fait des fonctions politiques et des fonctions religieuses :
des souverains despotiques, le cas échéant « éclairés », s’appuient
sur les oulémas pour légitimer leur pouvoir et des objectifs qui échappent au
contrôle de la société. Il ne s’effectue là qu’une sécularisation partielle,
donc, puisque seul le système politique échappe à l’emprise de la religion,
alors que l’exercice de la justice, les fonctions éducatives et le contrôle de
la moralité publique lui restent soumis. Ce processus peut aussi être
interprété en soulignant le fait que « la société s’est donné, par cette
forme d’organisation, une aire d’autonomie vis-à-vis du pouvoir politique au
moment même où elle renonçait à le contrôler effectivement »
(Filaly-Ansary, 1997, p. 47).
طارق رمضان
La position de T. Ramadan sur les
« châtiments coraniques » ? A. Roussillon
Biblio :
La Pensée Islamique Contemporaine, A. Roussillon, Cérès éditions, 2007, Tunis,
182 pages.
Page 80 : c’est
bien dans la « marge de manœuvre » exégétique ainsi délimitée que
fait sens le choix par T. Ramadan – qui fit scandale, en France,
à l’automne 2003, au moment des débats de la commission Stasi sur la laïcité à
l’école – du terme de « moratoire » pour énoncer sa position sur les
« châtiments coraniques », talion, peine de mort ou lapidation des
femmes adultères. Dès lors que la mention littérale de ces peines dans le
Coran, même de façon obscure, ne peut être contestée, alors que par ailleurs
leur inadaptation au monde moderne est reconnue sans réserve par l’exégète, la
proposition d’un moratoire désigne la « suspension provisoire » de
leur application dans l’attente d’une formule, nécessairement consensuelle,
permettant de considérer comme acquise leur abolition.
Position dogmatique ou
formulation d’opportunité, sinon opportuniste ?
Latifa
Lakhdar
Est-il possible aujourd’hui de
nier le fait religieux, surtout dans le
monde musulman ? Latifa Lakhdar
Référence bibliographique
Les femmes au miroir de
l’orthodoxie islamique, Latifa Lakhdar, Amal Editions, Sfax, 2007, 195 pages.
Page 18: Nier le fait
religieux est désormais une tentation obsolète. Les accents guerriers du
rationalisme positiviste du XIXè siècle semblent aujourd’hui si lointains. De
même, la négation du religieux dans l’aire musulmane est une opération perdue
d’avance. Elle émane d’une raison
gauchiste qui a démontré depuis longtemps son incapacité à comprendre la
relation entre l’universel et le local et érigé l’universalisme abstrait en
dogme. L’oubli des questions culturelles, y compris leur dimension cosmogonique,
a favorisé le retour du refoulé et ouvert la brèche où s‘est engouffré la
déferlante passéiste.
Le
fait religieux résiste au déni parce qu’il a longtemps façonné et structuré
l’existence humaine. Les anthropologues et les historiens des religions, comme
Mircea Eliade, Pettazzoni ou Georges Dumézil ont mis à jour la fonction
structurante des religions qui, à côté d’autres facteurs, cimente des
identités, des appartenances et des affects collectifs. Plus, l’oubli du fait
religieux est un déni de connaissance aggravé dans l’espace musulman en
particulier, tant il est vrai que l’Islam a occupé une position centrale et a
représenté « une rupture inaugurale » dans l’histoire des Arabes.
Non
pas l’oubli donc mais la critique pour sûr. Soumettre la religion à la raison
critique, est un passage obligé pour toute démarche cognitive d’un moi
culturel, perçu dans son devenir historique incluant le passé et tourné vers le
futur. Qi ne sait pas d’où il vient, ne sait pas où il va, selon la maxime
gramscienne. Car, si les interrogations ontologiques de l’homme ressortissent à
l’universel, les réponses se placent sur le terrain des cultures locales, loin
de toute fatalité inspirée par le chauvinisme, bien sûr. Question combien
importante face à la mondialisation rampante et aux paradoxes de la
globalisation.
Page 20: Porter l’arme de la critique à l’intérieur du
religieux, ce n’est pas faire œuvre anti-religieuse, mais avant tout
s’émanciper de l’ornière de l’orthodoxie, idée brandie naguère par Hichem
Djaït, dans son ouvrage « la personnalité et le devenir arabo-musulman ».
Cette démarche est non seulement nécessaire mais possible. Les acquis de
l’histoire des sciences humaines et sociales, de la linguistique incitent à
l’optimisme. Notre ambition est précisément de contribuer à l’entreprise
collective de déplacement de la conception moyenâgeuse du fait religieux vers
une vision moderniste. L’enjeu est de taille, à savoir « faire
évènement » au cœur du corpus épistémologique islamique, pour reprendre
une réflexion de Michel Foucault, formulée dans un tout autre contexte.
Une révolution critique donc. A défaut de quoi, la raison
islamique continuera à piétiner au seuil de la modernité, et les idées de
l’orientalisme colonial, à commencer par celles d’Ernest Renan sur
l’incompatibilité entre islam et modernité, entre la pensée musulmane et la
pensée universelle, continueront à sévir.
L’auteur de « L’islamisme et la science » s’en
allait répétant que la religion musulmane est la chaîne la plus lourde que
l’humanité ait jamais connue, et que, seule parmi toutes les religions, elle
est synonyme d’obscurantisme. Il nous
appartient de le démentir et de démentir ses héritiers qui sont aujourd’hui
légion.
La cause serait entendue : moderniser l’islam, selon
le vœu d’Abelmajid Charfi, est une entreprise qui entre dans l’ordre du
possible malgré le scepticisme de certains. Ces sceptiques appartiennent à deux
familles opposées : les nostalgiques crispés sur leurs dogmes et sur une
orthodoxie fondée par les hommes du passé ; et les tenants d’un
universalisme absolutisé appelant à une adhésion sans frais à la
« modernité des autres » (comme le note Jacques Berque). Toutes les
deux reconduisent, chacune à sa manière, à la vision rénanienne et partagent
ses préjugés essentialistes et finalement racistes. Toutes les deux aspirent à
maintenir l’homo islamicus, dans le meilleur des cas sous la tutelle
« progressiste » de la raison européenne et ses lumières
indépassables.
Nous tenons le pari, quand à nous, qu’une culture islamique
ouverte, progressiste, souveraine et susceptible d’universalisme, est à notre
portée.
Mohamed
Talbi
Une bonne idée que j’ai lue
dans un livre : La Chûra et la démocratie ? Mohamed
Talbi
Une idée positive de
l’islamologue égyptien contemporain Mohamed Ghazâli : « Au lieu de
mosquées, construisons des usines » (Cité
par Mohamed Talbi dans son livre « Plaidoyer pour un islam moderne,
page 112).
Livre : « Plaidoyer
pour un islam moderne » (عيال
الله), Mohamed Talbi, Cérès, Tunis, Desclée de Brouwer, Paris, 1998,
200 pages.
N’allons
pas prétendre que la chûra est la démocratie. Elle ne l’a jamais été, entre
autres parce qu’il n’y a jamais eu vraiment de démocratie dans la civilisation
islamique. Il n’y a jamais eu ni cartes d’électeur, ni isoloirs, ni décompte
des votes. Il existe cependant dans la pensée humaine quelques concepts
fondamentaux, comme la justice. Elle est une valeur spirituelle éternelle,
abstraction faite des adaptations et des actualisations qu’elle a connues. La
chûra, dans son essence, est une de ces valeurs morales fondamentales ancrées
dans nos esprits, dont le rejet conduit au pouvoir despotique arbitraire. Elle
invite à exercer le pouvoir en sachant demander conseil pour parvenir à un
consensus, que ce soit dans la pyramide du pouvoir politique, dans le clan même
au sein de la famille. Elle ne s’identifie pas à la démocratie qui est le
pouvoir du peuple, mais on y trouve la notion de concertation que l’islam cherche à promouvoir. La chûra,
qui existait déjà avant le Prophète, a pris toutes sortes de formes au cours de
l’histoire. Il y avait à la Mecque, avant la révélation, une maison où se
réunissaient les chefs des divers clans pour discuter de leurs affaires et
prendre conseil les uns des autres. En Tunisie avant l’islam, il y avait au
sein des tribus berbères des assemblées qui permettaient la concertation.
Le
Coran, quant à lui, invite de façon claire et indiscutable à la concertation à
propos des affaires de la umma. Mais il n’est pas une Constitution. Si c’était
le cas, il serait vite périmé, comme l’ont été tant de constitutions et de
régimes politiques et comme seront inéluctablement dépassées à leur tour nos
systèmes actuels. Le Coran laisse donc à la umma la latitude d’organiser la
concertation selon les institutions de son choix. Le principe de la
concertation est d’ordre moral. Il engage l’homme en tant qu’être doué de
raison mais il revient à chaque époque, à chaque génération et même à chaque
société, en fonction des circonstances, d’organiser ses affaires selon le mode
le plus opportun en utilisant les moyens adéquats pour éviter l’arbitraire et tout
qu’il engendre d’injustice et de contrainte. Il semble qu’aujourd’hui, le
meilleur d’y parvenir soit la démocratie occidentale. Il ne faut pas oublier
cependant que le terme de démocratie a pu couvrir les dictatures les plus
horribles. Il faut donc lui ôter son halo de sacré, car il peut faire écran à
la démocratie véritable. La démocratie n’est pas par ailleurs, un antidote
magique valable à toutes les époques et dans toutes les circonstances. Je ne
sais pas qu’en dira l’historien dans mille ans. Si, à cette étape de notre
histoire, nous pouvons réaliser l’idéal moral de la chûra par la voie de la
démocratie, tant mieux. Et si, dans l’histoire islamique, celle-ci n’a encore
jamais existé, il ne faut pas oublier que ce fût également le cas pour l’Occident,
longtemps gouverné par des systèmes politiques inspirés de la royauté de droit
divin.
Laissons
l’histoire à l’histoire. L’important, c’est qu’on ne trouve ni dans le Coran ni
dans la sunna rien qui s’oppose à la démocratie. On y trouve même une
invitation positive. C’est ce qu’ont cherché à mettre en avant un grand nombre
de réformateurs comme le Tunisien Khéreddine, et ce n’est pas un hasard si la
première constitution contemporaine du monde arabo-islamique a été la
constitution tunisienne de 1861, promulguée de son temps.
L’abolition de la peine de
mort est conforme à l’intentionnalité coranique.
Mohammed Talbi
Penseur libre en Islam.
Entretiens avec Gwendoline Jarczyk, Mohammed Talbi, cérès éditions, Tunis 2013, 422 pages.
Page 342: Je vais plus loin
encore pour scruter le Coran lui-même. Il me dit ceci à propos de la finalité
des peines :
Coran, 2 :178-179 :
Vous qui croyez ! Le talion vous est prescrit en cas de meurtre :
homme libre pour homme libre ; esclave pour esclave ; femme pour
femme. Cependant, quiconque bénéficie tant soit peu du pardon (‘ufiya) de son
frère, celui-là doit suivre les convenances, et payer des dommages de bonne
grâce. Ceci est allègement de la part de votre Seigneur et Miséricorde.
Quiconque outrepasse après cela encourt un châtiment douloureux. Le but du
talion est de préserver la vie, gens de bon sens ! Ainsi, peut-être,
trouverez-vous la voie de la piété.
إضافة أصل الآيتين بالعربية مع مقتطفات فقهية غير شاملة للموضوع (لست
متأكدا شخصيا من صحة المقتطفات و لا من أصالتها)، منقول من النت
من قِبل المؤلّف محمد كشكار
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ
فِي الْقَتْلَى ۖ الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ
بِالْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ
بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن
رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ۗ فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ
(178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ (179).
وكذلك روي عن أبي مالك أنها منسوخة بقوله: النفس بالنفس.
وكذلك روي عن الرسول (صلعم): دماء المسلمين متكافئة. انتهت
الإضافة.
Ce que Dieu désire, c’est la
vie, ce n’est pas la mort. Et si le talion - qui proportionne la punition à
l’offense - nous a été recommandé, c’est parce qu’il est source de vie, en
empêchant que l’anarchie ne devienne meurtrière ; car le but de la loi
n’est autre que de conserver la vie des communautés humaines. Aujourd’hui, nous
ne sommes plus à l’époque de Médine. Je peux assurer la tranquillité sociale,
la convivialité, telles qu’elles s’imposent en notre monde, sans recourir au
talion. L’abolition de la peine de mort est conforme à l’intentionnalité
coranique. C’est vers cette abolition que pointe la « lecture
vectorielle » du Coran que je préconise.
ملاحظة منهجية هامة تخصني شخصيا
مقال
محمد الطالبي هو عبارة عن فقرة قصيرة اقتطفتُها من كتابه "مفكر حر في
الإسلام" اقتناعًا منّي بالتفسير الجديد للآيات القرآنية الذي ذهب إليه
المؤلف إلى أن يأتي ما يخالف ذلك من فكرة أكثر إقناعًا.
Couper la main du voleur est
anti-coranique et contraire à la volonté de Dieu. Mohammed
Talbi
Penseur libre en Islam.
Entretiens avec Gwendoline Jarczyk, Mohammed Talbi, cérès éditions, Tunis 2013, 422 pages.
Page 340: Je considère le
texte coranique et prends par exemple un commandement du Coran tel que
celui-ci : Versets 5 :38 : « Le voleur et la voleuse, à
tous deux coupez la main, en punition de ce qu’ils se sont acquis un châtiment
de Dieu. Dieu est puissant et sage…». Ces paroles figurent textuellement dans
le Coran. Or, couper la main du voleur est devenu l’emblème de l’islam quand on
le regarde de l’extérieur. On s’écriera donc : l’islam, c’est cela !
Je sais pertinemment que l’ablation de la main, comme sanction du délit du
vol ; a bel et bien été pratiquée au temps du Prophète. Mais je sais
également que, en une année de sécheresse, un disciple du Prophète, le deuxième
calife précisément, décréta que l’on ne couperait pas la main des voleurs, la population
se trouvant dans une nécessité telle que certains ne pouvaient s’empêcher de
voler pour subsister. Autrement dit, le fait de couper la main du voleur est
une affaire circonstancielle, une loi empruntée d’ailleurs à la Bible et du
code de Hammourabi (1793-1750 av. J.-C.). Le deuxième calife, proche du
Prophète et connaissant son esprit et sa mentalité, avait donc suspendu cette
loi, dans la mesure où les circonstances faisaient qu’elle était inapplicable.
Page 342: Passons surtout au
verset suivant, 5 :39 : « … Mais quiconque se repent, après
avoir causé du tort, et fait preuve de bonne conduite, Dieu accepte son
repentir. Dieu est absoluteur et miséricordieux » Ce verset est d’une évidence
telle que je me demande comment la sanction mutilante par ablation de la main a
pu se maintenir, et trouve encore des défenseurs. Dieu nous dit clairement que
le repentir suspend, voire annule la sanction. Le but n’est pas de faire des
manchots. Le but est d’amender. Celui qui se réforme, « fait preuve de
bonne conduite » (aslaha), redevient un bon citoyen, « Dieu accepte
son repentir ». En somme, Dieu accepte son repentir et pas le
théologien-juriste qui a fabriqué la charia car il va contre Dieu. Dieu aime
les hommes, ce qu’il veut c’est qu’ils s’amendent. « Il est absoluteur et
miséricordieux », alors que ne l’est pas le théologien-juriste qui nous a
légué la charia, et celui qui lui emboîte aveuglément le pas, se soumettant à
l’autorité des anciens au lieu d’être à chaque instant, dans le hic et nunc, à
l’écoute de Dieu.
Discours d’investiture d’Abû
bakr Esseddik (632 – 634 ap. J.-C.). Mohamed Talbi
Extrait p. 29 du livre
« Goulag & démocratie », Mohamed Talbi, presses de Finzi, 2011.
Voici comment ce calife
rappelle, dans son discours d’investiture, sous quelles conditions il fut élu:
« J’ai reçu de vous
l’autorité sur vous, et je ne suis pas le meilleur d’entre vous. Si j’agis
bien, aidez-moi. Si j’agis mal, corrigez-moi. Obéissez-moi aussi longtemps que
j’obéirai à Dieu. S’il m’arrivait de désobéir à Dieu, vous ne me devriez plus
obéissance. Les forts d’entre vous, se trouveront faibles avec moi, tant que je
ne leur aurai pas arraché les droits des autres. Les faibles d’entre vous, se
trouveront forts avec moi, jusqu’à ce que j’ai eu fait respecter leurs
droits ».
Le concept
d’ « islam religion et état », est-il une chimère ancrée dans
les esprits au point de se substituer au réel ? Mohamed
Talbi
Livre : Plaidoyer pour un
islam moderne (عيال
الله), Mohamed Talbi, Cérès, Tunis, Desclée de Brouwer, Paris, 1998,
200 pages.
Page 108: (…) 40% des membres
de la umma islamique vivent en diaspora, dans des pays où ils constituent des
minorités plus ou moins importantes, comme en Russie, en Inde, en Allemagne, en
Grande Bretagne ou en Amérique. Dans d’autres pays, dans des proportions encore
plus élevées, ses membres cohabitent avec des non musulmans, comme au Liban, en
Syrie, en Iraq, en Egypte ou au Soudan où les problèmes intercommunautaires ont
engendré une guerre civile qui dure toujours. Avec une telle mosaïque, qui ne
peut que se compliquer avec le temps, on se demande comment pourrait se
réaliser le rêve de l’unité islamique. Voilà pourquoi je pense que le concept
d’ « islam religion et Etat », et tous les efforts entrepris
pour faire entrer la politique, l’organisation et les rouages du pouvoir dans
un système islamique unique, ne sont absolument pas réalistes. Même si pour des
raisons particulières, un tel système existe en Iran ou en Arabie Saoudite,
cela ne veut pas dire qu’il soit possible ailleurs. D’ailleurs, les circonstances
peuvent très bien changer en Arabie ou en Iran.
Est-ce que La règle qui régit
toutes les relations entre les hommes est identique dans toutes les
religions ? Mohamed Talbi
Livre : « Plaidoyer
pour un islam moderne » (عيال
الله), Mohamed Talbi, Cérès, Tunis, Desclée de Brouwer, Paris, 1998,
200 pages.
Page 192: La règle d’or qui
régit toutes les relations entre les hommes est identique dans toutes les
religions:
Brahmanisme, Mahabaharta 5,
1715: « Ceci est l’ensemble des devoirs : ne traite pas les autres de
telle façon que si tu recevais le même traitement cela te fait souffrir ».
Bouddhisme, Oudana fariqas, 5.
18: « Ne fais pas de tort à l’autre par une conduite que tu trouveras
préjudiciable si elle s’appliquait à ton égard ».
Confucianisme, recueil, 15.
23 : « Ceci est en vérité l’amour affectueux : ne traite pas
l’autre comme tu ne voudras pas qu’on te traite ».
Judaïsme, Talmûd, sabbat 31a:
« Ce que tu détestes, ne le fais pas à ton compagnon. Voilà l’essentiel de
la loi, le reste n’est que commentaires ».
Christianisme, Mat. 7. 12:
« Tout ce que vous désirez que les autres fassent pour vous, faites le
vous-même pour eux : voilà la loi et les prophètes ».
Hadiths couramment
attestés : « Personne ne peut être considéré comme croyant s’il
n’aime pas son frère comme il s’aime ».
« N’est pas un musulman
celui qui se couche rassasié alors que son voisin est affamé » (Il s’agit
de n’importe quel voisin, sans prise en compte de sa croyance).
Coran 41, 34, 35:
« L’action bonne n’est pas semblable à la mauvaise. Repousse celle-ci par
ce qu’il y a de meilleur. Celui qu’une inimité séparait de toi devient alors un
ami chaleureux, mais cela n’est offert qu’à celui qui possède déjà un don
incommensurable ».
عبد الوهّاب
بوحديبة
مقتطفات مقتضبة من كتاب عبد الوهّاب
بوحديبة. ترجمة مواطن العالَم
Source d’inspiration :
L’Islam. Ouverture et dépassement, Abdelwahab Bouhdiba, Sud Editions, Tunis
2018, 97 pages, Prix : 15 D. T.
-
"الإسلام السياسي أدار ظهره
للإسلام"
-
Les totalitarismes: nazisme, fascisme, franquisme, bolchévisme,
wahabisme, islamisme, intégrisme.
-
"الإيمان بالإنسان لا يمكن فصله عن
الإيمان بالله ولا عن الإيمان بالعقل ولا عن الإيمان بحتمية تَقدّم الإنسانية نحو
الأفضل".
-
قال: "العرب لم يفتحوا إسبانيا".
أجاب: "صحيح، فتحها البربر والأندلسيون أنفسهم".
-
ليست العروبة بل العقيدة هي التي جعلت
المحتلين من قِبل المسلمين لا يشعرون بأنهم مهزومون بل يشعرون أنهم مساهمون في صنع
حضارة مشتركة أصبحت فيما بعد حضارتهم هم.
-
لا وجود لـ"حرب مقدّسة" في
التاريخ. الدين الذي يستعمل العنف للانتشار لا يصح أن نطلق عليه اسم دين. كل
الحروب كافرة.
-
محمود شلتوت، العميد الأسبق لجامعة الأزهر،
قال: "دون لف أو دوران، أعلن أن الحرب مناقضة للشريعة (خارجة عن
القانون)".
-
الشاعر الألماني جوته (1749-1832) قال: الإنسان لم يعد يحتاج إلى "كن
فيكون"، نحن، مخلوقاته، نخلق كونَه.
-
لو نظرنا له من الخارج وبسطحية، فسيظهر لنا
الإسلام "كله جاهز تمامًا" لكن لو عشناه من الداخل لاكتشفنا أنه
"يتجدد دومًا".
-
"الإيمان في حد ذاته لا يمكن أن يكون
استلابًا. هو مصدر الاستقلالية والخَلق وهو إذن مصدر الانعتاق والتحرر من سلطة
البشر على البشر".
-
"الدين الذي يغتصب دومًا حقوق الإنسان
الكونية يكفّ عن كونه دينًا"
-
"أنتَ كفرد لا حقوق لك على الآخر. ليس
لك نحوه إلا واجبات. لكن واجبات الآخر نحوك هي مجموع حقوقك الصغيرة
والضئيلة".
-
"يجب دومًا اعتماد العقل والنقل في كل
مرّة استطعنا ذلك سبيلا، العقل دون النقل إذا تعذر ذلك وإذا اقتضت الضرورة نعتمد
العقل ضد النقل".
-
الإسلام لا ينحصر في العبادات. جوهره الإيمان
والإيمان يُعد في مرتبة الحرية. العبادات وحدها لا تصنع دينًا لأنها أصبحت
أوتوماتيكية".
-
"أن أكون مسلمًا لا يعني البتة أنني
الأفضل لأنني أعتنق الإسلام بل يعني أن أقتل غريزة الشر في نفسي وأنتصر للإنسان
الذي يحظى بثقة الله"
-
قد قبست المجد من خير أب***وقبست الدين من
خير نبي
فضممت الفخر من أطرافه***سؤدد
الفرس و دين العرب
مهيار الديلمي (1037)
-
ترجمة لعنوان الرواية الفلسفية
"حي بن يقظان"، ابن طُفَيل (XIIᵉ): « Vivant fils de l’Éveillé » ou « Vivien le
Vigile »
-
الإمام علي بن طالب قال: "أقتل نفسك في
نفسك لتحياها من جديد". أترجمها: "جاهد ضد الأمارة بالسوء فيك
وشجع الأمارة بالخير فيك أيضًا".
-
لقد كنتُ قبل الأربعين ماركسيًّا*****
متعصّبًا لديني وحده وأزْدَرِي
أديانَ المتدينينَ
ثم أصبحتُ بعد الأربعين
مفكرًا****
لا ماركسيًّا ولا متعصبًّا
وأحترمُ أديانَ المتدينينَ
كنت أقول أن الدينَ أفيونُ
الشعوبِ***
واليومَ عرفتُ أن الماركسيةَ هي
أفيونُ المثقفينَ (Moi)
محسن كاديفار
L’Iran, un état
républicain ou un état religieux ? Mohsen Kadivar
Biblio :
La Pensée Islamique Contemporaine, A. Roussillon, Cérès éditions, 2007, Tunis,
182 pages.
Page 128-129 :
Mohsen Kadivar, déjà
évoqué, est le représentant le plus en vue d’un courant que l’on pourrait
désigner, avec Farhat Khosrokhavar, comme un « néo-réformiste », qui
conduit sa critique à l’intérieur du champ religieux. Celle-ci est le fait de
clercs « autorisés », issus des instances religieuses officielles, et
c’est le fonctionnement et la logique mêmes de la construction politique et
institutionnelle héritée de la révolution islamique qu’ils remettent en
question. Le principal ressort de l’argumentation mise en œuvre par M. Kadivar
consiste ainsi à mettre en évidence l’irréductible contradiction qui affecte le
système politique iranien, pris entre l’affirmation de son caractère
républicain -ce qui implique, à tout de moins, une forme de contrôle populaire-
et le dogme de la Welaya-e- faquih, le gouvernement du clerc, qui
réserve à un individu ou à un groupe d’individus le contrôle de la
légitimité :
« Ces deux types de
gouvernement, écrit-il, si leurs principes doivent s’appliquer dans la réalité
et pas seulement en théorie, sont incompatibles et contradictoires. Ou bien il
nous faut croire en la guidance religieuse d’un clerc appointé par Dieu et
exerçant une tutelle absolue sur le peuple, ou bien nous croyons en l’élection
des dirigeants en tant que représentants du peuple. Ces deux options ne peuvent
pas être conciliées » (Cité par Vahdat Farzin, n. d.).
Contre la prétention des
clercs de se faire les instruments d’une « souveraineté divine
immédiate », ce qui équivaudrait à leur reconnaître le statut de
« Califes de Dieu sur la terre, vice-régents du Prophète ou de l’Imam et
de gardiens des musulmans », il oppose la notion d’une « souveraineté
divine démocratique » :
« Dieu a délégué la
direction politique de la communauté musulmane à ses membres eux-mêmes, de
telle sorte qu’ils puissent exercer leur souveraineté dans le cadre des lois
islamiques. Cette souveraineté sur eux-mêmes leur a été déléguée par Dieu et personne
n’a le droit de leur contester ce « droit divin ». Les gens élisent
leurs dirigeants parmi les candidats qualifiés, de sorte que, dans le cadre
d’une constitution compatible avec la religion, ils servent le public sur la
base d’un contrat ou d’une représentation (wekala). Puisque, dans ce système le
fondement ultime de la légitimité est Dieu, et puisque la communauté exerce un
droit conféré par Dieu et n’exerce sa souveraineté que dans les limites
imparties par la religion, il s’agit bien de souveraineté divine. Mais, puisque
ses membres sont en position d’exercer une médiation entre Dieu et le
gouvernement, ce qui engage un élément démocratique, il s’agit là d’une
« souveraineté divine démocratique » (Cité par Fahdat Farzin, n.).
4
العلمانية
والإسلام
"الريحُ
يسيِّرها الربّ، والسفينةُ يسيِّرها الرُبّان" (أمين معلوف)
"المسيحية نشرتها الدولة الرومانية
والإسلام أنشأ الدولة الإسلامية.
لذلك يسهلُ فصلُ المسيحية عن الدولة ويصعبُ فصلُ الإسلام عن
الدول" (المؤلف).
"لماذا نخبتنا اللائكية (ليبرالية ويسارية) تعادي الفصحى والإسلام؟
لأن الاحتلال الفرنسي اغتصب رأسمالنا الرمزي
المتمثل في ديننا ولغتنا" (المؤلف).
علماني ودارويني ويساري غير
ماركسي وأخافُ ربي...
-
أخاف ربي وأحترم الذين يخشونه -عن صدق وتقوي- من
يهود ومسيحيين ومسلمين وبهائيين، ولا أحترم الذين يخافونه تقيّة
ونفاقا أو طمعا وانتهازية كما يفعل بعض المسلمين في كل العصور.
-
أخاف ربي مثلما يخافه النورفيجيون الذين -من شدة تقواهم
وورعهم- يخصّصون عشرة في المائة من ريع البترول الحالي للأجيال القادمة التي لم
تولد بعدُ.
-
لا يخاف ربي، المسلمون وغير المسلمين الذين
بسبب استهلاكهم الجشع سوف يورّثون أولادهم تلوثا أخلاقيا وجويا وبحريا وأرضيا.
-
أخاف ربي مثلما يخافه وزراء السويد الذين
يحافظون على ثروة البلاد من التبذير، فهم لا يتمتعون بسيارة وظيفية ولا سكن وظيفي
ولا خدم.
-
لا يخاف ربي، وزراؤنا التونسيون الحاليون،
فهم يتمتعون بمرتب عالٍ مع سيارة بسائق خصوصي وألف لتر بنزين وسكن وخدم.
-
أخاف ربي مثلما يخافه عمال بلدية طوكيو الذين
يجولون طرقات مدينتهم ليليا بثلاثين سيارة مجهزة بـ"سكانار" للكشف عن
الحفر في بداية تكوّنها فيصلحونها قبل
بروزها على السطح. هم يمهّدون الطريق لبغلة عمر كي لا تتعثر في الطريق !
-
لا يخاف ربي، عمال ومسؤولو بلدياتنا الذين
يتركون الحفر تكبر وتترعرع في طرقاتنا حتي تهلك سياراتنا وندفع مقابل إصلاح أعطابها أثمانًا مضاعفة
من جيوبنا الفالسة أصلا. هم ينصبون الفخاخ لبغلة عمر حتى تتعثر في الطريق !
-
أخاف ربي مثلما يخافه الخبراء الفرنسيون
الذين أتوا إلى قريتي ومسقط رأسي جمنة وحفروا قبر عامل سابق في فرنسا، ادّعى ولده
أنه مات جرّاء تأثره باستنشاق مواد كيميائية قاتلة أثناء عمله السابق في مصنع
كيميائي فرنسي لمدة ثلاثة عقود. بعد الترخيص لهم، أخرجوا الهيكل العظمي من القبر
وكشفوا عنه وكتبوا تقريرهم الطبي الموضوعي وقفلوا راجعين إلى بلادهم وبعد أسبوع
فقط أرسلوا حوالة بريدية أجر يوم عمل لمن حفر القبر، وأرسلوا ملايين الأورووات
كتعويض لورثة العامل الذي ثبت طبيا أنه مات متأثرا بغازات المعمل الفرنسي الملوثة.
-
لا يخاف ربي، الدولة مالكة شركات فوسفاط ﭬفصة
ومعامل الكيميائيات في صفاقس وڤابس التي لوّثت الجو والبحر والمائدة المائية
والتربة والأشجار والنباتات ونشروا الأمراض الصدرية والسرطان في أجسام العمال
والسكان ولا من مراقب ولا من محاسب -قبل الثورة وبعدها- سوى الوعود الكاذبة
والزائفة.
-
أخاف ربي مثلما يخافه المسئولون عن التربية
في فنلندا عندما وفّروا مجانا لجميع أبنائهم -دون تمييز اجتماعي أو طبقي أو عرقي
أو ديني أو لوني- أفضل تعليم عصري عامّ وفني مع توفير النقل المجاني من البيت إلى
المدرسة ومن المدرسة إلى البيت، ومكّنوهم مجانيا من وجبة صحية سخنة كل يوم،
ومتّعوهم مجانا أيضا بكل الأدوات المدرسية مع صرف منحة جامعية لكل طالب فنلندي.
-
لا يخاف ربي، المسؤولون عن التربية في تونس
الذين أهملوا التعليم الأساسي، لم يمنحوا المدرسة الابتدائية ميزانية تسيير مثلما
هو معمول به في الإعدادي والثانوي والجامعي ولا يخجلون ويسمّونه تعليما أساسيا، عن
أي أساس يتكلمون، وهل على أساس هش يمكن أن يبنوا ويعلوا أم هم للهرم التعليمي قالبون
وبالابتدائي مستخفّون ولغربال السيزيام مانعون ولثقوب غربال الباكلوريا موسّعون
وعن أي أجيال قادمة يتحدثون وهم بعشرات الآلاف كل عام يتخرّجون فنيون سامون عاطلون
وبعشرات الآلاف ينقطعون عن التعليم كل سنة ؟
-
أخاف ربي مثلما يخافه الأوروبيون الذين هم
على الوحدة حريصون وعلى السلم بينهم محافظون منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية
سنة 1945 وقبل اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية سنة 2022.
-
لا يخاف ربي، المسلمون الذين هم دومًا
يقتتلون وخاصة في قتل إخوانهم السوريين العزّل يستأسدون ومن أمام أعدائهم الصهاينة
يفرون (أسدٌ عليّ وفي الحروب نعامةٌ...).
-
يقول المسلمون: "النظافة من الإيمان
والوسخ من الشيطان"، والقمامة منشرة في بلادنا في كل الأركان ورموز الدولة
طُرشان. فبالله عليكم، لو خُيّر الإيمان والشيطان اليوم أين يسكنان ؟ فهل سيختار
الإيمان ديار المسلمين من سنّة وشيعة أم سيختار ديار غير المسلمين من غربيين
وآسيويين ؟
-
أخاف ربي ليس اتقاءً لناره أو طمعا في جنته بل احتراما
لذاتي وللذات البشرية عموما التي خلقها فـ"سوّاها وألهمها فجورها
وتقواها" (قد يكون الخوف من أشياء أخرى مجردة غير النار
المادية، وقد يكون الطمع أيضًا في أشياء أخرى مجردة غير الجنة المادية).
خاتمة: أخاف ربي مثلما تخافه أختي فاطمة الضريرة المستنيرة.
ثلاثة تعريفات مقتضبة لثلاثة مفاهيم
معقدة: العلمانية والدين والسلام ؟ اقتباس من ميشيل أونفري، الفيلسوف الفرنسي
المعلِن عن إلحاده
العلمانية:
أن لا يفرض المتديّن دينَه على
الآخرين ولا الملحد يفرض إلحاده.
الدين:
أن يكون حل مشاكل الإنسان نازلا من
السماء (Transcendance) وليس نابعًا من الإنسان نفسه (Immanence).
السلام:
أن يرتقي الإنسان من الحيوانية
(موروثه الجيني وغرائزه) إلى الإنسانية (مكتسباته وثقافاته وحضاراته ومستقبله)
ويوظّف مخه البشري لحل مشاكله عوض الركون فقط إلى مخه الزواحفي (Cerveau reptilien ou animalier). الإنسان ينتمي بيولوجيًّا إلى صنف
الثدييات من الحيوانات، التي ما زال الذكر فيها يسيطر ويتحكم في القطيع وله حريم
من الإناث وما زال يحدد مجاله البيئي بتوظيف قوّته العضلية وما زالت غرائزه تقود
تحركاته. أما الإنسان الإنسان فالمفروض أنه حيوان عاقل (Homo-sapiens)، يتكلم ويكتب ويورّث مكتسباته مع جيناته
ولا تسيطر عليه غرائزه. إنما الواقع ينبئ بعكس ذلك: ما زال القوي يأكل الضعيف وما
زالت أمريكا تحدد مجالها الاقتصادي بِـعدد قواعدها العسكرية. أما لدى الإنسان
المتحضّر فالأرض لمن بالحبّ يزرعها وليست لمن بالسلاح يحتلها.
تعليق المؤلف محمد كشكار:
خلافًا للبيئة المسيحية الأوروبية،
يبدو لي أن العلمانية لا تتناقض مع الدين الإسلامي: قرآن: "لا إكراه في
الدين" و"لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
الدين الإسلامي، هل هو مسألةً فرديةً كما يعتقدُ العلمانيونَ
؟
يعتقد العلمانيون عمومًا والماركسيون خصّيصًا
بأن الدينَ مسألةٌ فرديةٌ، وهو في الواقع مسألةٌ تهم المجتمع أكثر من الفرد، وأخص
بالذكر الدين الإسلامي، ديننا في تونس: فأركانه الخمسة تؤدَّى جماعيًّا، وقد تفقد
معناها الديني لو أجبِر المسلم على تأديتها فرديًّا كما قد يقع أحيانًا لمسلمٍ
مغتربٍ معزولٍ. ويبدو لي أن هذا الاعتقاد الخاطئ والسائد لدى جل الماركسيين
التونسيين هو الحبلُ الذي قيّدوا به أنفسهم وبأيديهم، مما أدّى إلى تقوقعهم وانحسارهم داخل المجتمع التونسي، والشعبُ ليس مسؤولاً عن فشلهم
الاجتماعي والثقافي والسياسي ! الدينُ
اجتماعيٌّ أو لا يكونَ !
الدعوةُ اللائكيةُ (نسبة إلى فرنسا)
لنفي البُعد الاجتماعي للدين وإقصائه من الفضاءات العامة لا تعدو أن تكون دعوةً
غير مباشرة لاستئصاله من المجتمع، وما صَمَدَ الدين زمن الاستعمار ضد الغزو
الثقافي الفرنسي إلا بفضل بُعده الاجتماعي. لذلك نرى المجتمع متشدّدًا دينيًّا
أكثر من الفرد، ونراه قد يغفر الأخطاء الفردية المخالفة للشرع والأخطر على المجتمع
(الرشوة، الربا، الاحتكار، الزنا، الشطط في الأسعار، إلخ) ولا يتسامح مع الأخطاء
التي تُرتكب في الفضاءات العامة رغم أنها
أقل ضررًا على المجتمع (الإفطار العلني في رمضان والبيكيني على شواطئ البحر، إلخ).
لماذا بقيتُ علمانيًّا إذن ؟ بقيتُ
علمانيًّا (laïc ou laïque) على
الطريقة الأنغلوساكسونية المتصالحة مع الدين (أمريكا، كندا، بريطانيا، ألمانيا، الدول الأسكندنافية)، وخلافًا لجل
العلمانيين التونسيين، لست علمانيًّا على الطريقة الفرنسية المعادية للدين
والنافية لدوره الروحاني الإيجابي في المجتمع. وخلافًا لكل الإسلاميين،
بقيتُ علمانيًّا لأنني أؤمن بالفصل بين الدين والدولة. الدولة تدخل في مجال العقل،
ولا شيء أفضل من العقل لسياسة الناس وترتيب شؤونهم الدنيوية، أما الدين فهو يتجاوز
مدارك العقل، هو مجال المعجزات، تؤمن بها أو لا تؤمن، لا مكان لمنطقة رمادية بين
الأبيض والأسود أو لمنزلة بين المنزلتين. والدولة ترعاها أحزابٌ تتنافس فيما بينها
من أجل الوصول إلى السلطة والفوز على باقي الأحزاب الأخرى حتى في الأنظمة الديمقراطية، أما الدين فهو استسلام
وتسليمٌ لمشيئة الله والرضا بقدره، خيره وشرّه.
قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب
لنفسه". حديث يمكن تطبيقه في المجتمع، لكن يبدو أنه من المستحيل تطبيقه على
الأحزاب السياسية: فهل يجوز أن نطلب من حزب يساري أن يحب لحزب إسلاميّ ما يحب
لنفسه ؟ وفي المقابل، هل يجوز أن نطلب من حزب إسلامي أن يحب لحزب يساري ما يحب
لنفسه ؟ حزبان متنافسان متصارعان وسيبقيان كذلك ما بقيت الديمقراطية، سُنّة
السياسة في المجتمع.
هل يوجد في الإسلام كهنوت ؟
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية
في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط. كتاب من أفضل الكتب التي قرأتها في السنوات الأخيرة
وأعتبر كاتبه من أهم روّاد النهضة العربية-الإسلامية المعاصرة.
نص هاشم صالح:
صفحة 266: ولا معنى للقول بأنه لا
يوجد في الإسلام كهنوت وبالتالي فلا داعي للعلمنة. فالواقع أنه يوجد في الإسلام
كهنوت، وإن بطريقة مختلفة عن الكاثوليكية. فهناك الفقهاء وكبار رجال الدين وهيئة
كبار العلماء ولجان الإفتاء وشيخ جامع الأزهر والنجف والأشرف... إلخ. وهم قادرون
على الإفتاء في أي لحظة وتكفير هذا الشخص أو تبرئته وخلع المشروعية عن معاهدة سلام
مثلا أو إدانتها، وتبرير وجود القوات الأجنبية أو إدانته... إذن فهم يمارسون نفس
عملية الضبط والتحكم بمسيرة المجتمعات كنظرائهم في الناحية المسيحية. وسوف تُخاض
المعركة الفكرية معهم في نهاية المطاف إذا ما أرادت مجتمعاتنا الإسلامية أن تنطلق
من عقالها وتحقق ذاتها على خارطة العالم الحديث.
الحداثة الغربية، هل ضلت الطريق ؟
أحيانا ندينها، وأحيانا نُبدِي
إعجابنا بإنجازاتها، أحيانا نحبها وأحيانا نكرهها !
المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية
في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
نص هاشم صالح
صفحة 192: نعم، إن الغرب يضغط على
بلدان الجنوب ويعرقل تنميتها، أكثر مما يساعدها على الخروج من حمأة الفقر والتخلف
والجهل. فهو القوي المسيطر على مقدرات العالم. وسياسته الخارجية في إفريقيا أو في
منطقة الشرق الأوسط أو غيرهما من المناطق لم تكن دائما متوافقة مع مبادئ عصر
التنوير وحقوق الإنسان والديمقراطية. وإنما كان يهدف بالدرجة الأولى إلى تأمين
مصالحه وعقد أكبر ما يمكن من الصفقات التجارية. وهنا تكمن إحدى نقائص الحداثة أو
انحرافاتها الأكثر خطورة. أعترف بأني أجد صعوبة كبيرة في فهم هذا الموقف الأوروبي
أو الغربي. وبما أني أحد المعجبين بالحداثة الأوروبية وبالمعارك الفكرية التي
خاضتها على مدار أربعة قرون متواصلة، فإني لا أفهم كيف يمكن أن تنسى مبادئها إلى
هذه الدرجة ؟! كيف يمكن لحضارة قامت على أكتاف فلاسفة همّهم البحث عن الحقيقة أن
تهمل الحقيقة والمبادئ خارج حدودها ؟! هل ضلت الحداثة الغربية الطريق ؟ هل انحرفت عن براءة عصور التنوير الأولى
ومبادئها في الحرية والعدالة والمساواة ؟ هل ينبغي التفريق بين العقل الأدواتي،
البارد والعقل التنويري الحقيقي كما فعلت مدرسة فرانكفورت مثلا ؟ ربما. (هامش 1
صفحة 193: مدرسة فرانكفورت نقدت الانحرافات العقلانية الغربية).
يبدو أن الحداثة الغربية ذات وجهين.
فهي من جهة حررت الشرط البشري (la
condition humaine) بشكل لم
يسبق له مثيل من قبل، وهي من جهة أخرى مارست الاستغلال والتوسع والهيمنة على
الآخرين بشكل لم يسبق له مثيل من قبل أيضا. من هنا صعوبة اتخاذ موقف متوازن منها.
فأحيانا ندينها، وأحيانا نبدي إعجابنا بإنجازاتها، أحيانا نحبها وأحيانا نكرهها.
ولكن أليست كل حضارة بشرية ذات وجهين ؟ ألا تنطوي على صراع مستمر بين المعنى
والقوة. فالحضارة في بدايتها تكون باحثة عن المعنى والمبادئ والمُثُل العليا
والحقيقة، ثم تتحول بمرور الزمن إلى قوة أنانية تبحث عن التوسع والنهب والسلب.
هكذا تنحرف الحضارات في التاريخ فتتحول من جهة الحقيقة إلى جهة القوة أو من جهة
المعنى إلى جهة التعسف والأنانية.
نعم لقد انحرفت الحضارة الغربية عن مبادئ عصر التنوير وتحولت
إلى أداة لخدمة مصالح طبقة قائدة تريد السيطرة على العالم كله. نعم إن التقدم
الأخلاقي أو الروحي الذي حققته هذه الحضارة ليس على مستوى التقدم العلمي
والتكنولوجي وهذا ما يقوله حكماء الغرب أنفسهم وليس نحن. وهنا تكمن أزمة الحضارة
الغربية في الواقع. ولكن هذا لا يبرر إدانة التنوير أو التخلي عن مبادئه
وإنجازاته، فكما أن المبادئ الإنجيلية ليست مسئولة عن محاكم التفتيش والأصولية
المسيحية فإن مبادئ عصر التنوير ليست مسئولة عن انحرافات الحداثة الاستعمارية
والرأسمالية (إضافة المؤلّف محمد كشكار:
وكما أن المبادئ الدينية الإسلامية ليست مسئولة عن ظلامية بعض الأصولية الإسلامية
الرجعية التوتاليتارية).
كل ما ينبغي أن نفعله هو مراجعة تجربة الحداثة ونقد
انحرافاتها ومحاولة تصحيح مسارها. وهذا ما يفعله كبار المفكرين حاليا من أجل تجاوز
الحداثة الكلاسيكية والدخول في عصر "ما بعد الحداثة". فالحداثة مشروع لم
يكتمل، كما يقول الفيلسوف الألماني يورغين هابرماس، بمعنى أنها لم تحقق كل وعود
فلسفة التنوير من جهة، ولم تعمَّم على جميع شعوب الأرض حتى الآن من جهة أخرى.
وحدها الشعوب الأوروبية والأمريكية تنعم بثمار الحداثة: من رفاه مادي، وديمقراطية،
وحريات دينية، وحقوق إنسان، ودولة قانون ومؤسسات. أما بقية شعوب الأرض (أي أربعة
أخماس المعمورة) فلا تزال تئن تحت وطأة الفقر والجوع وشتى أنواع الدكتاتورية
والاستبداد السياسي والتعصب الديني والطائفية الدينية.
الدولة الدينية فشلت... والدولة
اللائكية أيضا فشلت، فما العمل ؟
مقدمة:
صيحة عالِم السياسة الفرنسي أوليفِيِي رْوَاْ: "الجهاد الإسلامي هو القضية
الوحيدة المتوفرة للشباب في السوق".
Le jihad est aujourd’hui la seule cause sur le marché. Olivier Roy, né en
1949, est un politologue français, spécialiste de l'Islam.
الموضوع:
مقال مستوحى من
حوار تلفزي دار بين الفيلسوفين الفرنسيين ريجيس دوبري وإدﭬار موران. حاولتُ
ترجمة الأفكار الأساسية فيه وصياغتها بتصرف وأقحمتُ نفسي طرفًا في هذا الحوار:
إدﭬار:
كلما ازدادت قوة
الإنسان في المجال المادي (العقلي والعلمي والتكنولوجي والطبي، إلخ.) ونجح في
إيجاد حلول لضعفه المادي أمام الطبيعة، كلما ازداد وبان ضعفه في المجال الروحي
(الدين والأساطير والأوهام، إلخ.) وفشل في إيجاد حلول لضعفه الروحي أمام الموت
والمرض والحرب والاغتصاب.
المؤلف محمد
كشكار:
- فشلت أيضا
الديانات التوحيدية الثلاث في مرافقة الإنسان نحو المرض والموت وذلك بإفراغ نفسها
من الروحانيات والقِيم الإنسانية السامية وحشوها قسرا بالماديات على شكل طقوس
جسدية اجتماعية روتينية ببغائية غير واعية: فشلت اليهودية روحانيا (لا تسرق، لا
تكذب، لا تقتل) مذ أبِيد سكان فلسطين العرب الكنعانيين على أيدي اليهود الغازين
القادمين من مصر.
- فشلت المسيحية روحانيا (من ضربك على خدك الأيمن فأَدِرْ
له الأيسر) مذ وظفها قسطنطين في دولته الرومانية واحتل العالم بتوظيف المسيحية
كدين الدولة الوحيد.
- فشل الإسلام
روحانيا (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) مذ وظفه معاوية في دولته
المَلَكية وسيطر على نصف العالم بتوظيف الإسلام كدين الدولة الوحيد.
- فشلت أيضا كل
الدول اللائكية في العالم في فصل معتقداتها عن الدولة (الشيوعية، الثورة الفرنسية،
الجمهورية، المَلَكية الدستورية وغير الدستورية):
- فشلت الشيوعية
روحانيا (من كل حسب جهده ولكل حسب حاجته) مذ وظفها لينين وستالين وماو وبول بوت
وكاسترو في دولهم الديكتاترية وقمعوا بتوظيفها عمال العالم وقتلوا منهم الملايين.
- فشلت الثورة
الفرنسية روحانيا (البيان العالمي لحقوق الإنسان) مذ وظفها نابليون في احتلال مصر
عشر سنوات فقط بعد ثورة 1789.
- فشلت الجمهوريات
والمملكات الدستورية روحانيا (حرية، مساواة، أخوة) مذ وظفتها فرنسا وألمانيا
وبريطانيا وبلجيكا وهولاندا لاحتلال العالم الثالث ونهب آثاره وقوة عُماله وثرواته.
- فشلت الدول
المَلَكية والقومية والاشتراكية العربية روحانيا (وحدة من المحيط إلى الخليج) مذ
حاربت بعضها بعضا باسم العروبة والإسلام.
- فشلت اللائكية
الفرنسية لا سيما في إدماج المهاجرين العرب على مدى قرن من الزمن رغم أنها نجحت في
إدماج غير المسلمين من الإيطاليين واليهود والسود.
- فشلوا كلهم
بمتدينيهم وعلمانييهم في نشر الأخوة والتضامن بين البشر وغلّب حكامهم الربح
والاستغلال وتقديم مصالحهم المادية على القيم الإنسانية النبيلة فأضاعوا على
الفقراء سعادتهم في الدنيا وفي الآخرة. لم يكفِهم فشلهم وحدهم فورّثوه لأجيالنا
حروبا دينية في فلسطين وروسيا وسوريا وليبيا ومصر والعراق حيث غذّى فشلهم المزمن
اللعين صراعا دينيا وإرهابًا إسلاميا لا علاقة له بروحانية وسماحة الدين الإسلامي.
ريجيس:
الشيوعية دين
والجمهورية دين والليبرالية دين، كلها أديان تقدّس الربح والنهب بالقوة وتدنّس قيم
التحابب والتعاضد والتآزر وقبول الآخر باختلافه وتهمل مبادئ المسالمة والمجاملة
والتسامح والحب بين البشر، كل البشر دون تمييز عرقي أو لوني أو جَنْدَرِي (H-F) أو طبقي أو إيديولوجي. القيم
الروحانية الإنسانية السامية (Les valeurs
spirituelles) ليست حكرا على الأديان ولا على
المتدينين وحدهم فبعض غير المتدينيين قد يكونون أرحم مثل أطباء بلا حدود وعمال
المطافئ ومتطوعي الهلال الأحمر والصليب الأحمر والمحاضرون المتطوعون بالجامعة الشعبية
المجانية بكانْ بفرنسا وعلى رأسهم مؤسسها فاعل الخير الفيلسوف اليساري التحرري
الملحد المسيحي ميشيل أونفري.
أدعو إلى تدريس
تاريخ الأديان (وليس الدعوى إلى دين أو تفضيل دين على آخر) في المدرسة الفرنسية
اللائكية والتعريف بقيمها العالمية الإنسانية الراقية التي لا يخلو منها دين،
توحيديًّا كان أو غير توحيدي لكن النوايا الحسنة لا تكفي.
Et contrairement à ce qu`a affirmé Machiavel au XVIe S (la fin justifie les
moyens), réellement la fin ne justifie
pas les moyens, plutôt les moyens nous donnent un signe prémonitoire sur la fin
avant d`arriver à la fin.
إدﭬار:
أفاق العلمانيون
المعاصرون ونبذوا إرهاب القرن العشرين (الألوية الحمراء الإيطالية، الجيش الأحمر
الياباني، بادرماينهوف الألمانية، الخمير الحمر الكمبودية، الجبهة الشعبية لتحرير
فلسطين، الهاڤانا الصهيونية، الجيش الإيرلندي، الفعل المباشر الفرنسية) وسوف يأتي
الدور قريبا إن شاء الله على المجاهدين الإسلاميين ويفيقوا من أوهامهم ويعرفوا أن
ربهم قال لهم: "مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي
الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا
أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا".
توضيح حول مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" ؟
تعريف المفاهيم: الإسلامي التونسي هو
مواطن مسلم يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية إسلامية (نهضاوي، سلفي غير داعشي،
سلفي داعشي،تحريري). الماركسي التونسي قد يكون مواطنًا مسلمًا أو ملحدًا يحمل
مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية ماركسية-لينينية-ستالينية-ماوية (بوكت، وطد).
"الدين أفيون الشعوب"،
جملةٌ فعلاً أخرِجت من سياقها. أنقل لكم سياقها كاملاً من كتاب ماركس الشاب
(1818-1883)، الفيلسوف الأكثر عمقًا من ماركس الكهل. كتابٌ نشره سنة 1844 تحت
عنوان "مقدمة لنقد الفلسفة وقانون هيڤل"، حيث وردت هذه المقارنة بين
الدين والأفيون أي بين جنة سماوية وجنة أرضية. قال:
"البؤس الديني هو في نفس الوقت تعبيرةٌ عن البؤس الحقيقي وشكوى ضده. الدين هو
زفرة المظلوم، هو روحُ عالَمٍ بلا روحٍ، هو أيضًا أخلاقُ عالَمٍ بلا أخلاقٍ. الدين
أفيون الشعوب".
هذه الجملة التي يُشهِرُها
الماركسيون التونسيون خطأ في وجه المتدينين التونسيين كحكم غير قابل للاستئناف، هي
جملةٌ استُعمِلت فيها كلمة أفيون كمرادف لكلمة تسليةٍ، تسليةٍ عن بؤس حقيقي وليس
استبلاهًا أو عجزًا وجُبنًا. الأفيون (البؤس الديني) كوسيلةٌ نظيفة لطيفة للتخلص من حقيقة كريهة بغيضة (البؤس
الحقيقي). قال أيضًا: "الدين هو عبارةٌ عن لوحةٍ فنية جميلة تزيّن جدارًا
قبيحًا كقبح عالَمِنا المعاصر. الدين هو التحصّنُ بعالَم اللامادة المقدّس هروبًا
من عالَم المادة المدنّس".
جملةُ ماركس إذن ليست جملةَ إدانةٍ
بل جملةُ فهمٍ دون تقديم تنازلات للايديولوجيات الدينية (L`intégrisme islamique). ماركس يقبل المتدينين كما هم، خاصة المقصيّين منهم اجتماعيًّا
الذين لا ملاذ لهم إلا ملاذ الدين ولا صوت لهم إلا الشكوى للخالق.
الماركسيون التونسيون يلوّحون بالمسألة الدينية عند
الأزمات كفزّاعةٍ (أستثني الدواعش التونسيين، فهُم ليسوا فزّاعةً بل هُمُ واقعٌ خطيرٌ مريرٌ ووبالٌ
رهيبٌ على الإسلام والمسلمين والناس أجمعين)، يلوّحون بها للتغطية على المسائل
الديمقراطية التي تقضّ مضاجعهم لقلة عددهم مقارنة بالإسلاميين.
ماركس لا
يهتم بمعتقدات العمال بقدر اهتمامه بتحريرهم من رِبْقَةِ استغلال الرأسماليين
الذين لا دين لهم حسب رأيه إلا دين الربح السريع، متدينين كانوا أو لا دينيين.
ماركس الشاب
الحالِم رهيف الإحساس، قبل أن يطلب من الفقير المتدين التخلي عن حلمه المشروع بجنة
سماوية ، يريد أن يهبه جنّة أرضية ويطمح إلى تحقيق فلسفة الدين فوق أرض دون دين.
وأنتَ أيها
الماركسي التونسي ماذا قدمت للفقير المسلم التونسي ؟ خاصة بعد أن سفّهتْ التجربة
السوفياتية حلم ماركس ؟ بعد ماركس، أصبح الحلم كابوسًا بفضل بركات ستالين وماو
وبول بوت، وضحاياهم من العمال والفقراء يُعدّون بعشرات الملايين.
ماركس، كان
مثاليًّا في طرحه إلى حد السذاجة لأنه أراد تخطّي "الوضع البشري" (La condition humaine) حيث يبدو
البؤس قدرًا منزّلاً لا فصال فيه، والدين أفيونٌ لا غنَى للبشرية عنه. في وطننا
يبدو لي أن للدين الإسلامي مستقبلٌ طويلٌ زاهرٌ، لا بل أزليٌّ دائمٌ كديمومة
الخالق.
شقيقتي
فاطمة (81 عامًا) ضريرةٌ منذ سن الست سنوات، مؤمنةٌ إيمانًا راسخًا أنه سيأتي يومٌ
تُبصِرُ فيه وترى أمها بواسطة النور الإلهي، ترى أباها وإخوتها وأخواتها وأبناءهم،
ترى صديقاتها وزميلاتها القدامى في معمل النسيج للمكفوفين بمدينة سوسة. ائتني
بإيديولوجية تمنح لها هذا الأمل وأنا أتبعها صاغرًا لك ممنونًا !
خاتمة: يقول
العامل المسلم التونسي (Le prolétaire) للماركسي التونسي: أرجوك يا رفيقي، إرأفْ
بحالي، فأنا -بلا إسلامي- أكون بشرًا معاقًا، تمهّلْ.. تريّثْ.. أو أعطني عكّازًا
قبل أن تكسر عكّازي ! عكّازي هو عكّازٌ ربانيٌّ لم يُصنَع أفضل منه بعدُ.. ولن
يُصنعَ ! عكّازٌ رفعني من الحضيضِ إلى السماء. ملجأ ألجأ إليه حيث لا تصلُ يدُ
المتكبّرِ الظالِمِ.
العامل
المسلم التونسي يضيف: صيحةُ "لا إله إلا الله" التي أرفعُها صباحًا
مساءً ويوم الجمعة، أرفعُها في وجه الطغاة فترفعني إلى السماء السابع، سماء لا
يطالها جبروت العباد، فضاء ينتقمُ فيه رب العباد ممن استباح دم العباد، فضاء تنعدم
فيه المذلّة والمسكنة، فضاء يُذلّ فيه كل
ظلاّمٍ للعبيد، أم تراكَ تبغي أن تمنعني من الشكوى للخالق بعد ما بُليتُ بظلم
المخلوق ؟ اذهبْ في حال سبيلك، أنت حرٌّ، لكنني -ورأفةً بك وبأمثالك- أنصحك نصيحةً صادقةً
خالصةً
لوجه الله، اتركْ هذه التجارة الخاسرة واشتغلْ فيما ينفعُ الناس، كل الناس دون
تمييزٍ دينيٍّ أو عرقيٍّ أو إيديولوجيٍّ، واتركْ لي عكّازي فلا عكازَ لي اليومَ غيرهُ.
العلمانية
من
كتاب عبد الله العروي "السنّة والإصلاح" الطبعة الأولى 2008, المركز
الثقافي العربي, بيروت, 224 صفحة.
صفحة
210: أبرزنا سلسلة من الثنائيات على مستويات مختلفة. تصرّ السنّة، هذا ديدنها، على
اختزالها كلها في ثنائية واحدة: الكفر والإيمان، وهو عين التغرير.
وكما
أشرت، واجب علينا إنقاذ العلم والسياسة، لا من الدين، إذ المفهوم يتطلب كل مرة
مزيد تدقيق، بل من التأويل الذي فرضته السنّة، والسنّة مؤسسة بشرية، رسمية كانت أم
لا، منظمة كانت أم لا، والواجب عام ودائم إذ لا نهاية للصراع.
في هذه
الحال لا بد من سلطة محايدة، ترسم الحدود وتلزم كل طرف باحترامها، بعد أن علمتنا
تجارب مُرّة كثيرة أن النفس لا تُؤتمَن.
كلمة عَلمانية، رغم ما يلازمها منذ القرن الماضي وبكامل
الأسف من إشارة قدْحية، لا تعني سوى هذا الحياد المنشود (الهامش 23 صفحة 210: لفظة
علماني تقابل اليوم في الاصطلاح السياسي كلمة لائكي الفرنسية وسِيكُولَارْ secular الانـﭬليزية
مع أن المدلول في اللغتين مختلف نسبيا). لا شك أن اختيار لفظ علماني كان خطأ ولعب
دورا سلبيا في مسار الفكر العربي الحديث. لو اختِير لفظ مثل لفظ
"دنيوي"، مقابل "أخروي"، أو "معاملاتي" من معاملات
مقابل "عباداتي"، أو "سلطاني" مقابل "شرعي"، إلخ.
لما استُبشِع اللفظ في الأوساط التقليدية كما هو الحال مع لفظ "علماني".
الواقع أن الاختيار وقع في إطار الحملة التي شنها مروّجو نظرية داروين ضد التفسير
الكنسي للتاريخ الطبيعي، متأثرين بما كان يجري آنذاك في أوروبا، سيما وأن أغلب
الكُتّاب في هذا الباب كانوا من الشوامّ
المسيحيين.
اختاروا
كلمة "علماني"، من العلم، اقتباسا من كلمة scientist إذ التعارض
كان بين العلم والدين (إضافة المؤلف محمد كشكار: تفسير آخر يقول أن كلمة
"علمانية" اشتُقَّت من كلمة "عالَم" وأصلها
"عالَمانية" أي أن شؤون العالَم هي من اختصاص البشر لا الشريعة).
لو قيل منذ البدء إن المشكل يتعلق بالتمييز في كل حكم
بين الجانب العقائدي والجانب الاجتماعي، وإنّ هذا التمييز واقع ملموس وليس بأمر من
السلطة السياسية التي هي، بالتأسيس والتعريف، حيادية، عادلة، فوق الملل والنحل
والمذاهب المتساكنة داخل الدولة الواحدة، لما وجد الفقهاء، السنّة بخاصة، في ذلك
التمييز أيّ عيب إذ يعتمدون مثله منذ زمن طويل.
التمييز بين "الشرعي" و"السلطاني"
عادي عند الفقهاء. يعود في آخر تحليل، حتى عند الأصوليين الأكثر تعلقا بالسنّة،
إلى الفرق بين الأحكام المكية والأحكام المدنية، كما يفسر ذلك الشاطبي حيث يقول:
"الأحكام المكية مبنية على الإنصاف من النفس وبذل المجهود في الامتثال
بالنسبة إلى حقوق الله أو حقوق الآدميين. وأما الأحكام المدنية فمنزّلة في الغالب
على وقائع لم تكن فيما تقدم من بعض المنازعات والمشاحنات والرخص والتحقيقات وتقرير
العقوبات في الجزئيات لا الكليات." (مرجع سابق، ج 4 ص 237).
ما الفرق بين التفكير العلمي
والتفكير الديني ؟
في هذا المقال، أنطلق من محاضرة ألقاها الأستاذ أحمد شبشوب,
الباحث التونسي القدير في علوم التربية, أثناء المؤتمر الوطني الرابع لتعلّمية
العلوم (أو فلسفة تعليم العلوم كما أود أن أسميها).
نُظِّمَ المؤتمر في
كلية العلوم بمدينة صفاقس التونسية سنة 1998 وعنوانه "’التربية
العلمية للتلاميذ: أيّ عوائق يجب تجاوزها ؟" قال شبشوب: "في
الواقع نحن ننتمي إلى ثقافة ما زالت شديدة التأثّر بما هو سحريّ و/أو ما هو وراء
الطبيعة مع العلم أن التعليم المكثّف للعلوم العصرية مازال حديث العهد في تونس: في
سنة 1875 بدأت مدرسة "الصادقية" تنشره لدى النخبة، والمفروض أن الإصلاح
التربوي لسنة 1958 قام بتعميمه على كامل التونسيين، لكن علينا أن ننتظر قانون
جويلية 1991 ليصبح التعليم إجباريا حتى سن السادسة عشرة، ثم قانون التوجيه سنة
2002، ورغم تعليمه الطويل مازال التونسي المتوسط يعتمد في حياته اليومية على طريقة
تفكير في إدراك العالم وتفسيره تتداخل فيها النتائج المادية والأسباب غير المادية وهذا مخالف للتفكير
العلمي".
نبدأ بتعريف التفكير
العلمي الذي يعتمد منهجية تتألف من المراحل التالية:
-
الملاحظة: تنبع الملاحظة
من نظريات مسبقة عند العالِم وهي لا تحدث صدفة كما يعتقد الكثيرون في أسطورة حادثة
التفاحة عند "نيوتن". عينُ العالِم, عينٌ واعيةٌ ومُدرِكةٌ وليست كعيون
غير العلماء.
-
الإشكاليات: تُمثل مداخل
البحوث العلمية وتأتي بعد الملاحظات الصادرة من العلماء بعد تفكير وليس صدفة.
-
الفرضيات: تطرح قبل
البحث وهي استشراف لنتائجه لكن تبقي رهينة التجارب, تؤكدها أو تنفيها.
-
التجارب: يقوم
بها العالِم أو التقني ويتحرّى فيها الدقة والأمانة العلمية.
-
النتائج:
يجمعها العالِم أو التقني ويتحرّى فيها الدقة والأمانة العلمية.
-
تحليل النتائج وتفسيرها:
هي أهم مرحلة لأنها الأصعب ولا يقوم بها إلا العالِم أو الباحث الملمّ بالنظريات
العلمية السابقة.
-
الاستنتاجات: هي خلاصات
البحوث العلمية الذي ينشرها العالِم في المجلات العلمية المختصة أو يلقيها في
المؤتمرات العلمية الجامعية لتوضيح رؤيته الجديدة للآخرين (Le savoir savant).
لا يوجد فصل ميكانيكي بين هذه المراحل في الزمن ولا في
الترتيب، بينما يوجد بينها تداخل وتفاعل وأخذ ورد وتغيّر في الترتيب.
بعد هذه المقدمة, نحاول مقارنة منهجين سائدين في العالم: التفكير العلمي والتفكير الديني:
- ينبني التفكير العلمي على الأرض
فهو أرضي وعلى الإنسان فهو إنساني صرف يحرّكه الشك (الشك طريق إلى مزيد من الشك
وليس طريقا إلى اليقين الأبدي)، ويحركه أيضا الخطأ والصواب والتطور والاختلاف في
وجهات النظر وهو يحمل تاريخا وفلسفة وإيديولوجيا. يستطيع الإنسان أن يجدد ويضيف
فيه بلا حدود ويعيد بناء أسسه متجاوزًا النظريات القاصرة أو النظريات غير العلمية.
- أما
التفكير الديني فهو آت من "السماء"، فهو سماوي وإلهي وغيبي، وهو صواب لا
يحتمل الخطأ، ويقين يقود حتما إلى مزيد من اليقين، وهو ثابت في نصه متحول في
تفسيره. يستطيع الفرد أن يجتهد داخل دائرة صدقه دون أن يمس ثوابته.
- يتصف التفكير العلمي بالشفافية
والتحدي فهو يعرض نفسه متطوعا للدحض أو النقض (falsifiable) على صفحات المجلات المختصة وفي المؤتمرات
العلمية لكل مَن استطاع إلى ذلك سبيلا, لا يحمل جنسا ولا جنسية ولا هوية ولا وطنية
ولا عصبية ولا لون ولا عرق ولا دين. يراجع نفسه بلا خجل ويتخلى في أكثر الأحيان عن الأفكار السابقة التي كان يمجّدها في يوم ما إذا أثبتت
التجربة خطأها.
- يتعالى التفكير الديني على التفكير
العلمي بنسبه غير البشري (الله مصدره وليس الإنسان)، ويقينه المطلق وعدم
التزامه بالزمان والمكان (صالح لكل زمان ومكان). يتعصب له المؤمنون ويُكفّرون غير
المؤمنين، ويقصون المخالفين لهم حتى لو كانوا موحّدين مثلهم (الكفر ليس الإلحاد،
المسلم كافر بالمسيحية واليهودية ولا يؤمن إلا بالإسلام الدين الوحيد غير المحرّف
في نظره، أما المسيحي فهو كافر
بالإسلام. الملحد لا يؤمن بكل الأديان ولا يؤمن بوجود إله أصلا).
- التفكير العلمي متواضع بإنسانيته
وماديته ونسبيته وتحديد مكانه وزمانه وشكه المتجدد والمتواصل. التفكير العلمي يؤمن
به كل العالَم، ويؤمن بالتفكير الديني بعض العالَم. يعرض
الأول نفسه على الدحض والتعديل ويطالب الثاني بالتسليم والتقديس دون جدل.
- التفكير العلمي والتفكير الديني،
خطان متوازيان ولو حدث أن تواجدا في شخص واحد فهو ثنائي التفكير، ولا ضرر في ذلك
عند عظماء العلماء المتدينين مثل الفيلسوف المسلم الكاتب والطبيب "ابن
سينا" (980-1037م) والمعلم الثاني بعد أرسطو الفيلسوف المسلم "الفارابي"
(872-950م) والراهب المسيحي عالِم النباتات والأب المؤسس لعلم الوراثة، القس
"مندال" (1822-1884م).
أما الضرر الجسيم -حسب رأيي- فيكمن
في الخلط بينهما، وهذا وارد في عقول بعض
المتدينين حين يستشهدون بالعلم لتقوية إيمانهم ولو عكسوا لأصابوا، وكأن العلم في
أذهانهم أعظم شأنا من الإيمان، أما بعض العَلمانيين الملحدين، فهم
يؤمنون بالإنسان ويثقون في قدرته على صنع مصيره بنفسه، لذلك يتنافسون في محاربة
المقدس ويكذّبون بالدين وهذه لَعَمري تجارة خاسرة لو تفكّروا لأن الإيمان إحساس
ذاتي لا يخضع للقياس (La mesure) ولا للتجارب العلمية أو العلوم الإنسانية.
خلاصة القول حسب اجتهادي المتواضع:
للعلم منهجٌ, مَن مشى فيه واحترم قواعده, حقق المعجزات، وللدين بابٌ من دخل فيه
وصدّق معجزاته وجد فيه راحة البال.
هذان النمطان من التفكير يستطيعان
التعايش إذا احترم كل واحد منهما الآخر، لأن غاياتهما السامية تتمثل في تحقيق
القيم الإنسانية النبيلة على الأرض, من عدالة وتضامن وصدق وإخلاص وسِلم ومقاومة
للقيم الهدامة السائدة للأسف منذ ظهور الإنسان على الأرض من ظلم وجشع وكذب وخيانة
وحرب.
العلم "عمومي مشترك"
والإيمان "ذاتي بحت" رغم أن الدين في ممارسته اجتماعي أو لا يكون, أنت
حر في إيمانك تمارسه كيفما يشاء ربك وتشاء أنت في علاقة عمودية، ولن تأتي فيه
بجديد مهما علا شأنك. أما العلم فتمارسه كيفما يشاء اتفاق العلماء (la
communauté scientifique) وتشاء أنت
في علاقة أفقية، لذلك تستطيع أن تبدع في مجالك وتثبت صحة فرضياتك فتُجازَى على قدر
إبداعاتك أو تُكذِّبُ فرضياتك فيستفيد الآخرون من النتيجة السلبية كما استفادوا من
نجاحات غيرك.
الرسالات الدينية موجهة للبشرية
جمعاء فهي ليست حكرا على المتدينين، والعالَم الإنساني المادي المحسوس مِلك
للعلمانيين ولغيرهم. فمِن المفروض إذن أن يكون العَلماني متدينًا بالقوة (religieux
en puissance) بالنسبة
للمتدين المعتدل والمتسامح، ويكون المتدين عَلمانيا بالقوة بالنسبة للعلماني
المتفتح والمتفائل.
العلم والدين -لكل محرابه- فرجاءً من
مريدي الاثنين أن لا يهدم الواحد منهم محرابَ أخيه في الإنسانية، وإذا رُمتَ
المقام في أحدهما أو في كِليهما فالدين رحبٌ، يؤمن به المؤمنون فقط وهم كُثْرُ,
والعلم أرحبُ، تؤمن به أغلبية البشر، مؤمنون وغير مؤمنين وهم أكثر.
قال ستيفن جاي ﭬولد: "مِن
الأفضل أن لا نسجن أنفسنا في خانة الخيارات الخاطئة مثل: أنت مؤمن بنظرية التطور
لداروين، إذن أنت ملحد، أو العكس أنت مؤمن
بالله إذن أنت لا تعترف بهذه النظرية. مِن الممكن أن يكون الإنسان مؤمنا
بالله ويعترف بنظرية التطور أو ملحدا ولا يعترف بها. التفكير الديني والتفكير
العلمي يكوّنان عالَمَين مختلفين ومنفصلين ومستقلين، فلا تطابق بينهما ولا تناقض،
والمواجهة بينهما معركة خاسرة للاثنين. قد يلتقيان في علم الأخلاق (L’éthique)".
انتصارًا للعِلمِ اختصاصِي وليس
انتصارًا للإسلامِ دينِي، ولكلّ مقامٍ مقالٌ ؟
العلمانية
في تونس مُرادِفها الكفر لأنها علمانية فرنسية كافرة بالفعل بغض النظز عمن يعتنقها
من التونسيين أكان مسلمًا أو كافرًا فديننا ودستورنا يضمن حرية المعتقد على الورق.
أما العلمانية الأنـﭬلوساكسونية فهي متصالحة مع الدين وهي أرحبُ من الفرنسية
بكثيرٍ.
عجبي... يخافون على الصغار من
التعليم الديني في بلاد مسلمة بنسبة 99%.
مَن هُمْ ؟
هم رفاقي اليساريون الستالينيون
والأقربون إليهم الحداثيون ولائكيّو فرنسا المناوئون للدين عمومًا الذين، كُرهُهم
الإيديولوجي للنهضاويين القاعديين (لم أقل للإسلام) أعماهم عن المنطقِ (لا تعنيني
قيادة النهضة).
بكل ودّ، أقول لهم ما يلي:
1.
المدرسة السلوكية (Le béhaviorisme de Pavlov, Watson et
Skinner)
ترى أن الطفلَ إناءٌ فارغٌ يملؤه المعلم بما يشاء، صفحةٌ بيضاءُ يَكتب عليها ما
يريد، صلصالٌ يشكّله حسب هواه.
2.
الطفلُ يا سادتي، يا مؤمنون بحرية الضمير
والمعتقد، الطفلُ ذاتٌ حرةٌ مستقلةٌ تَملأ نفسَها بما تشاء، صفحةٌ بيضاءُ تَكتب
على نفسها ما تريد، مخٌّ صلصالٌ غير مكتمل الوصلات العصبية المجهرية الوظيفية (La plasticité cérébrale) يتشكل حسب هوى صاحبه
متفاعلاً مع محيطه وأقرانِه ومعلّمِه (L`épigenèse cérébrale).
هكذا قال زارادُشتْ أو تهيّأ لي أنه قالَ (زارادُشتْ هنا هو عِلم
الديداكتيك أو فلسفة التعلم أو إبسمولوجيا التعليم بكل أنواعه وفروعه وتفرّعاته)
وهكذا قالت المدرسة البنائية (Le constructivisme de Montessori et Piaget) على عكس ما قالت زميلتها
البافلوفية، قالت: يبني التلميذ معرفته بنفسه متفاعلاً مع محيطه وأقرانه ومعلمه (Le socioconstructivisme de Vygotsky).
3.
على سبيل الذكر لا الحصر أذكّركم ببعض
الاستثناءات ولا أهدف البتّة إلى إقناعكم بل أطمح فقط إلى التخفيف من تعصبكم ضد
أبناء وطنكم. ستقولون لي "الشاذ يُحفظ ولا يقاس عليه" وأنا لا أطالبكم
إلا بحفظ ما سأقول، أي تصونوه مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ: إذا لم تُدخِلوا
أبناءَكم مدارسَ دينية وأدخلتموهم مدارسَ عَلمانية فلن يضمن لكم صنيعكم هذا أن
أبناءَكم سيتخرّجون عَلمانيين وسأسوق لكم بعض الأمثلة المعبّرة:
-
مئات الدواعش الفرنسيين في سوريا مولودون في باريس وليونْ من الجيل
الثاني ودَرَسوا في المدارس الفرنسية العلمانية ولا يَحفَظونَ من القرآن إلا
الفاتحةَ وقُلْ هو الله أحد الله الصمد.
-
مئات آلاف الدواعش السوريين دَرَسوا في
المدارسَ السوريةَ الحديثةَ العلمانية.
-
آلاف الدواعش التونسيينَ المهاجرين في سوريا
دَرَسوا في المدارسَ التونسيةَ الحديثةَ العلمانية.
-
أكبر مَن أجرموا في حق الإنسانية في الحرب
العالمية الثانية (60 مليون قتيل) دَرَسوا في مدارسَ علمانية: سياسيو وعسكريو
المحور (هتلر، موسولوني، هيروهيتو، إلخ.) وخصومهم الحلفاء (ستالين، إيزنهاور،
شرشل، ديڤول) وعلماء الجهتين مصمِّمو القنبلة الذرية والأسلحة الكيميائية والألغام
الشخصية وتسميم الغابات والبحر والتربة والجو. دول الحلفاء كانت تحارب دول المحور،
والاثنان يتسابقان في احتلال دول العالم الثالث.
4.
في المقابل، إن الذين لم يُدخِلوا أبناءَهم
مدارسَ علمانية وعلّموهم في مدارسَ دينية لم يضمن لهم صنيعهم ذلك أن أبناءهم
تخرّجوا متدينين:
-
العالِم الشهير داروين صاحب نظرية التطور
المناقضة لنظرية الخلق في الإنجيل دَرَسَ في مدرسة دينية.
-
الفيلسوف هيڤل دَرَسَ العالي في مدرسة دينية،
كانوا يُعِدّونه ليصبح قِسًّا فأصبح أكبر فيلسوف لتاريخ الفلسفة وخاتم الفلاسفة
وقد صدق في ادّعائه. لم أقرأ هيڤل، كلمتين حفظتهم أمس مساءً في مقهى الأمازونيا من
صديقي فيلسوف حمام الشط لكي لا أقول على هيڤل خطأً !
-
مندال، مؤسس علم الوراثة هو قس مسيحي.
-
حسين مروة أكبر مُنظِّر في الحزب الشيوعي
اللبناني وكاتب كتاب "النزعات المادية في الإسلام" دَرَسَ أربعة عشر عامًا في الحزوة الشيعية في النجف في
العراق.
-
طه حسين والطهطاوي، رموز النهضة العربية
العقلانية، دَرَسا في جامع الأزهر.
-
الطاهر الحداد محرر المرأة التونسية دَرَسَ
في جامع الزيتونة.
خلاصة القول: مقولةُ "غسل الدماغ" مقولةٌ فيها
مبالغة: المخ ليس صحنًا نغسل بالصابون ما علق به من دهون، المخ عشرة مليارات خلية
عصبية. كل خلية قادرة على أن تُقيم مع جاراتها عشرة آلاف وصلة عصبية أي ما يُقدّر
مجموعه بمليون مليار علاقة عصبية في المخ بين الخلايا. علاقات تتشكل طيلة العمر
حسب التجربة التي يمر بها كل شخصٍ على حِدة (L`épigenèse cérébrale).
وصلات عصبية غير قارّة (La plasticité cérébrale) ولا أحدَ يستطيع التنبّؤ بكيفية تشكلها في
كل ثانية من جديد، تتشكل بالتفاعل مع 25 ألف جينة داخل نواة كل خلية (ADN) ومع المحيط الخلوي الداخلي ومع المحيط
الخارجي بكل مكوّناته المتعددة والمتحركة وغير معروف اتجاه حركتها مسبقًا. المخ
البشري عالَمٌ معقدٌ جدًّا، عجز العلم عن كشف جل ميكانيزماته وأعمق أسراره (ses
mécanismes et ses mystères)، ولا أعْتَى حاسوب في "سيليكون فالِي" أمريكا أو
الصين يَقدر على مراقبة تفاعلاته الفيزيو-كيميائية أو قيس ذبذباته
الكهرو-مغناطيسية، لا يَقدر عليه إلا الخالق الذي أبدعه و"ما أوتيتم من العلم
إلا قليلا" !
خاتمة: أنا أدينُ وبشدة كل تجاوزٍ يقع على الأطفال وفي أي
مكان في تونس أو في العالَم، الرڤاب أو غيرها، وإذا ثبتت التهمة الأخلاقية على
المتهمين في قضية المدرسة القرآنية بالرڤاب فأنا أطالب بتسليط أشد العقاب عليهم هم
وعلى مسؤولي الطفولة المحليين والجهويين والوطنيين ولا تنسوا أمثالهم السياسيين
والإداريين.
لي طلبٌ آخرَ ولو أنني أثقلتُ عليكم زملائي البيداغوجيين
ورفاقي اليساريين والحداثيين ولائكيِّ فرنسا: لا تنسوا أن تتفقدوا ما يحدث من
تجاوزات مماثلة أو أفظعَ في مهرجانات
الأولياء الصالحين (الله ينفعنا ببركاتهم) والروضات ونوادي الأطفال والمبيتات
التلمذية والرحلات المدرسية بأكثر من يوم وإقامات المصائف والجولات المطوّلة وغرف
ملابس الصغار في ملاعب الكرة والمخيمات الكشفية والمراكز المندمجة (قُرَى أطفال
بورڤيبة سابقًا)، إلخ. هذا لا يعني تمييعًا لـ"جريمة الرڤاب" -إن وقعت
بالفعل- وليس تبريرًا لها ولا تخفيفًا بأي شكلٍ من
الأشكالِ.
لماذا كتبتُ هذا المقال ؟ هو مواصلة
لنقاش في مقهى الشيحي وليس ردّا أو استفزازًا لأحد. لقد تناولتُ الموضوع من جانب
علمي ديداكتيكي (فلسفة التعلّم) وليس من جانب عاطفي ديني وإذا لم تصدّقوني
فـ"اجعلكم لا صدّقتم" ! لكي أكتبَ يكفي أن أصدّقَ نفسي وأرضِي ضميري لا
غير.
العلمانيون التونسيون
استوردنا من فرنسا أسوأ ما فيها،
وأهملنا أهم ما فيها ؟
استوردنا عَلمانية الثورة الفرنسية
المعاديةُ للدين والمتدينين (Les hommes ne seront pas libres tant que le dernier roi ne sera
pas étranglé avec les
tripes du dernier prêtre, écrivait Diderot, 1713-1784 )، أسوأ أنواع العَلمانية في حين أن
العَلمانيةُ في الدول الأنڤلوسكسونية (بريطانيا، أمريكا وألمانيا) على عكس
العَلمانية الفرنسية، عَلمانيةٌ لا تعادي المعتقدات الدينية.
استوردنا تحريرا للمرأة، تحريرا
انتهازيّا في جزءٍ منه، تحريرا يهدف إلى استغلالها واختزالِ دورِها وحصرِ قدراتها
في المتعةِ الجنسية (تِجارةُ البِغاء العلني والسري) واستغلالِ صورتِها في الدعاية
الرأسمالية (La chosification et la marchandisation de la Femme).
أيها العلمانيون التونسيون
المتصالحون مع تاريخكم وهويتكم العربية-الإسلامية وغير التابعين للعلمانية
الفرنسية، لماذا أنتم صامتون ولا تعبرون إلا لمامًا عن وجهة نظركم ؟
أما العلمانيون التونسيون غير
المتصالحين مع هويتهم الإسلامية فيبدو أنهم لم يطّلعوا على العَلمانية
الأنـﭬلوسكسونية المتصالحة مع الأديان.
في التاريخ، العلمانية وَهمٌ. الرأسمالية لم تفصل بين اليهو-مسيحية والدولة بل
أوهمتنا بذلك وتاجرت بالعلمانية واغتنت بها (نوال السعداوي Tv. F24).
يبدو لي أن العلمانية الأنـﭬلوسكسونية كانت أفضل من الفرنسية في تفاعلها مع الأديان. لماذا لا نبتكر
علمانية من رحم ثقافتنا العربية-الإسلامية، علمانية متصالحة مع الأديان
الأخرى (أقصد الحضارة لا الوحيَ، كما قال مالك بن نبي
"ليس
الإسلام هو الحضارة، الإسلام وَحْيٌ نزل من السماء بينما الحضارة يصنعها البشر"). علمانية تتعامل مع
الحضارة ولا تمس الوَحْي. يُقال أن كلمة عَلمانية أصلها "عالَمانية" من عالَم وليس من عِلم.
يبدو لي أن أفضل تعريف لها، ورد في القرآن: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى
يغيروا ما بأنفسهم". وكما قال ابن تيمية: "الله ينصر الدولة العادلة وإن
كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة" (أعتبره تعريفا إسلاميا
وجيها للعلمانية).
العلماني حتى ولو كان ملحدا، يجب عليه حسب رأيي احترام أصحاب الأديان التوحيدية وغير التوحيدية. أعجب من
علماني تونسي لا يحترم معتقدات أهله ووالدَيه !
كيف ينظر العَلمانيون التونسيون إلى
المتدينين التونسيين ؟
ملاحظة هامة للأمانة
العلمية
النص الأصلي كتبه هاشم صالح في كتابه "مدخل إلى التنوير
الأوروبي"، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة
الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة.
شرح فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى.
يتحدث هذا النص، صفحة 226، عن الصراع المسيحي العَلماني في القرن التاسع عشر
ميلادي. استعرت منه المنهجية في طرح الإشكالية والقالب اللغوي للنص الذي
طوّعته وحشوته أفكارا شخصية عن الصراع الإسلامي (نسبة إلى الإسلام السياسي)
العَلماني في تونس القرن الواحد والعشرين ميلادي. وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ في
القيامِ بذلك بشفافية دون سرقة أدبية فجّة أو سخيفة ودون تعسّف أو تحريف أو تجنّ
على النص الأصلي ودون إسقاط مرحلة على مرحلة أو حضارة على حضارة أو دين على دين أو
نقد على نقد.
نص المؤلف محمد كشكار:
1. مقدمة:
العلمانيون
الملحدون هم فريق أقلّي في المجتمع التونسي الأمازيغي-العربي-الإسلامي، هم أصحاب
العَلمانية المتسلطة العنيفة الفجّة والاختزالية (التي تختزل الدين الإسلامي في
بعض الممارسات الخاطئة لبعض المتدينين المسلمين المتزمتين العنصريين الرجعيين
المتعصبين). أقصد العَلمانيين الذين يَسقُطون في إدانة الإيمان الصافي وإدانة
الروحانية المنزّهة عن الأغراض الدنيوية والسياسية. أما العلمانيون غير الملحدين
فهم أصحاب العَلمانية المنفتحة على كل أبعاد الدين الإسلامي بما فيها الأبعاد
الإيمانية والدينية وحتى الروحانية منها المريحة للمؤمن.
2. مواقف من الإلحاد:
ضمن المواقف المختلفة من الإلحاد، أبدأ بموقف الفيلسوف
المسلم التونسي المستقل، الأستاذ الدكتور أبو يعرب المرزوقي: "الإلحادُ ظاهرةٌ طبيعية جداً إذا كان صاحبها صادقاً يبحث عن الحقيقة, ولم يجد
الجواب. فيَصِل إلى نوع ٍمن
اليأسِ الوجودي يجعله يلحد. ولكن هو في الحقيقة لا يلحد بمعنى أن ينفي وجود الله,
هو ينفي وجود الله الذي عُرِضَ عليه في الصورةِ الحالية. ثم يلاحظ أن هذه الصفات
لا تطابِق الموجود. الله عادل ولا يوجد إلا الظلم, الله رحيم ولا توجد إلا القسوة,
فيجد تناقضاً بين الواقع والله. ولمّا كان هو يؤمن بأن الله قادر على كل شيء, فكيف
يمكن أن يكون موجوداً وهو قادر على كل شيء. وهنا تحدث الأزمة الوجودية فيلحد، لكنه
يلحد لأنه يُنزّه الله عن الموجود". انتهى الاستشهاد بأبي يعرب المرزوقي.
مع العلم أنني لا أدين الملحد على إلحاده الشخصي الذاتي
في حد ذاته وقد كفل له حرية المعتقد كل من القانون الوضعي (البيان العالمي لحقوق
الإنسان ودستور تونس 2014) والشريعة الإسلامية (لا إكراه في الدين...من شاء فليؤمن
ومن شاء فليكفر... ولكم دينكم ولي دين وغيرها من الآيات القرآنية المتسامحة مع غير
المسلمين من يهود ومسيحيين وصابئة ولادينيين أو لاإلهيين). وما دام الإلحاد مسألة
ذاتية وشخصية، فلْيحتفظ الملحد بعقيدته لنفسه وهو ليس مطالبا بأن يعلن عنها ولا
يحق لنا نحن أن نطالبه بالإفصاح عنها لأن علاقته مع تصوره الخاص عن الله (حسب
اجتهاد وفلسفة أبي يعرب المرزوقي) علاقة عمودية وربه ورب العالمين هو الذي يحاسبه
يوم القيامة. إنما نحن التونسيون المسلمون تربطنا بالملحد التونسي علاقة مواطنة
أفقية بشرية نتعامل معه على أساسها حسب الدستور الوضعي والقوانين الجاري بها العمل
وحسب الاتفاقيات الدولية التي تضمن أيضا حرية المعتقد. لو حيّدنا العقيدة الشخصية
الذاتية الخاصة جدا لوجدنا أنفسنا نحن التونسيون كلنا مسلمون أنتروبولوجيًّا، أي
تاريخيًّا وحضاريًّا واجتماعيًّا، شاء الملحد أم أبَى. وما دمنا نحن المسلمون
التونسيون لم نتدخل في عقيدة الملحد فالأحرى به هو أن لا يتدخل في عقيدتنا
الإسلامية وهكذا نتعايش بسلام في وطن واحد يشمل جميع المواطنين التونسيين ملحدين
ومسلمين، سنّة وشيعة وإباضيين، مالكيين وسلفيين، يهود ومسيحيين و بهائيين والناس
أجمعين.
نأتي الآن إلى الملحد الناشط السياسي، فيبدو لي أنه ليس
من حقه نشر عقيدته بالقوة أو الإغراء أو الإكراه مثله مثل كل أصحاب العقائد الأخرى
التوحيدية منها وغير التوحيدية وليس من حقه أيضًا الخلط بينها وبين السياسة وهو
الذي يدعو دائمًا إلى فصل الدين عن الدولة وعن الحزب وعن السياسة ويطالب بعدم
اعتماد الشريعة مصدرا أساسيًّا ووحيدًا في
كتابة الدستور التونسي الجديد، لكن من واجبه، وليس فضلاً، أن يتصرف في المجتمع
التونسي كمسلم (حضاريا واجتماعيا) ويحترم مقدسات مجتمعه ورموزه الدينية وعليه ألا
يرى في هذا السلوك الحضاري المتسامح المنفتح تناقضا مع عقيدته الداخلية أو نفاقا
مع المجتمع أو تقية خوفا من رد فعل المتطرفين الإسلاميين ويبدو لي أنه عليه أن يرى
كما يرى الفيلسوف عبد الله العروي، المسلم المغربي غير المنبت عن مجتمعه وجذوره
وتراثه العربي الإسلامي، الذي قال: "لا
أحدَ مُجبرٌ على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان،
فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه... لأن في
التماهي شرط التحقيق، أي شرط المرور من التصور إلى الواقع، من الفكر المجرد إلى
الحياة". انتهى الاستشهاد بعبد الله العروي.
3. وهم الأيديولوجيات
المستوردة:
أوهمتنا
بعض الأيديولوجيات المستوردة في الستينية الماضية، منذ الاستقلال سنة 1956، أو
حاولتْ أن توهمنا أننا قد تجاوزنا الأصولية الإسلامية الأرتدوكسية الدوغمائية أو
الظلامية والرجعية بالمقارنة مع عصر التنوير العربي الإسلامي في القرن الثالث
والرابع هجري أي الفترة الذهبية في العصر العباسي حيث التسامح والحرية والتعايش
السلمي، تسامح بدأنا نفقده في تونس ما بعد
الثورة في القرن الواحد والعشرين. توهمنا أننا قد تجاوزنا لمجرد أننا رفعنا بعض
الشعارات الماركسية المشوَّهة كشعارات اللينينية والستالينية والماوية أو التقدمية
الليبرالية السطحية المنبتّة أو القومية الدكتاتورية الشوفينية العنصرية الناصرية
أو الصَّدَّامية أو رأسمالية الدولة ملفوفة في غلاف اشتراكي أو الحرية الغربية
المزيفة أو حقوق الإنسان المقتصرة على حرية البرجوازي الغربي... إلخ. لقد توهمنا
أو أوهمنا أنفسنا بأننا متحررون ولكن دون تحرّر، وأننا مستنيرون ولكن دون استنارة
فعلية. ثم أوهمنا أنفسنا وهذا هو الأخطر، أننا لسنا بحاجة إلى المرور بالمراحل
التدريجية للتنوير لأن التنوير مرتبط في الأذهان بالإيديولوجيا الليبرالية الكافرة
التي هي أيديولوجيا المستعمر بالذات. وبالتالي يصبح المرور بالمراحل التدريجية
للتنوير خطأ كله أو كفرًا كله ومسفَّهًا سلفًا... ولكننا نعلم أن الإيديولوجيا
الليبرالية لم تُستورد بشكل صحيح بل استوردنا نُتَفًا منها كما حصل للإيديولوجيا
الاشتراكية التي تلتها (هذا بالرغم من أن مثقفي المرحلة الليبرالية في أوائل القرن
العشرين كانوا أكثر جدية بكثير من مثقفي المرحلة الثورية الاشتراكية... مَن يجرؤ
على مقارنة شخصية ك شخصية طه حسين بالحداثيين المعاصرين ؟) ثم وجدنا أنفسنا في
تونس منذ عام 1956 وقد دخلنا في مرحلة الإيديولوجيات والتصفية الجسدية والتعذيب
والسجون للقوميين اليوسفيين ولمهندسي المحاولة الانقلابية بقيادة لزهر الشرايطي
وللمعارضين اليساريين.
منذ
سنة 1970 بدأنا ندخل في مرحلة استخدام
الدين كسلاح سياسي من قِبل حركة الاتجاه الإسلامي أو إخوانُ الإخوانِ المسلمين
المصريين أو حزب النهضة حديثا، فأصبحنا نستغرب ونتعجب كيف حصل ذلك بعد أن تنوّرنا
وتحدّثنا (من الحداثة الغربية) واستُلِبنا وانبتتنا (من الاستلاب الحضاري
والإنبتات الاجتماعي) عن مجتمعنا التونسي الأمازيغي-العربي-الإسلامي وعن تراثنا
العربي الإسلامي النيّر (عصر الفكر والتنوير في القرن الثالث والرابع هجري أي
العصر العباسي) وتمركسنا (من الماركسية) وتشرّكنا (من الاشتراكية) وتحررنا بين
ظفرين من ديننا وماضينا وتاريخنا وتراثنا العربي الإسلامي وتشرّدنا فكريا وحضاريا
وفقدنا مِشيتنا ولم نتعلم مِشية الغرب فأصبحنا معوقين ذهنيا.
هكذا
نجد أنفسنا إذن مضطرّين للعودة إلى نقطة الصفر، نقطة بداية النهضة العربية على يد
الأفغاني والطهطاوي وعبده وبن عاشور والحداد وطه حسين وقاسم أمين، إلى نقطة الأصل
لبدء المعركة التنويرية والتحريرية لَوَعْيِنا من جديد. فالقفز على المراحل وإيهام
النفس بالتطور المزيّف أو الكاذب كرد فعل على الغرب أو كإحساس بعقدة النقص نحوه أو
عقدة التفوق والعنجهية تجاهه، موقف سلبي انهزامي لا يفيد شيئا ولا يقدّم الأمور في
شيء بل لعله قد يُؤخّر ويُعطل نهضتنا ويُعيق تقدمنا نحو الأفضل وقد يُؤدّي إلى
الانتكاسة السريعة والارتطام بالجدار المنيع ككل مرة. لذلك يقول هاشم صالح بأن
التنوير أمامنا، وليس خلفنا، على عكس الأوروبيين الذين يحتاجون اليوم إلى تنوير
آخر من نمط جديد (أو قل إنهم يحتاجون إلى نفس التنوير، فالتنوير لا ينتهي، ولكن
ضمن معطيات جديدة غير التي نعرفها في مجتمعاتنا). فما هو هذا التنوير الذي يخشاه
البعض ويتلهف إليه الآخرون بكل قلوبهم ؟ ثم ما هو الطريق الأنجع للوصول إليه ؟
يبدو لي -و الله أعلم- أنه من الأفضل لنا أن نبدأ بتجاوز القطيعة الأولى التي
أنجزناها خطأ مع تراثنا التنويري في العصور الوسطى قبل أن نجسّر (من الجسر أو
القنطرة) علاقاتنا المقطوعة منذ أربعة قرون مع التنوير الأوروبي، منذ كوبرنيك
وڤاليلي وديكارت إلى فولتير وديدرو وروسو
ونيوتن وكانْتْ وداروين حتى نصل إلى العلماء والفلاسفة المعاصرين مثل أنشتاين
وباشلار وبياجي وسارتر وفوكو وهابرماس.
4. لبّ الموضوع
يوجد
في تونس القرن الواحد والعشرين، مُعسكر يتكون من أشخاص عَلمانيين خالين تماما من
أي شعور روحاني (وهذا من حقهم لو انحصر المشكل في ذواتهم ولم يتعدّ قسرًا إلى
غيرهم من المواطنين التونسيين المسلمين العاديين) إلى حد أنهم لا يفهمون ولا
يستطيعون ولا يريدون أن يفهموا قلق الذين يُعانون ولا طمأنينة أولئك الذين يُصلّون
ولا يقدّرون مدى حاجة الناس إلى العامل الروحاني الضروري من أجل خلق توازن نفسي
خاصة في غياب التوازن المادي والاجتماعي وفي غياب الحريات واستفحال قمع المعارضين
والمثقفين والمبدعين والفنانين والمعطلين وسجنهم أو قتلهم أو نفيهم أو تشريدهم أو
تهميشهم من قِبل سلطة دكتاتورية عربية مسلمة. ولم يكن المسلمون بالنسبة لهؤلاء
العَلمانيين إلا عبارة عن ضعفاء أو جهلة متخلفين أو مسحورين ودجّالين. وعندما لا
يشعر العَلمانيون الملحدون التونسيون بالحاجة للإيمان والتديّن الخالص لوجه الله
الذي نلاحظه لدى عامة التونسيين، فإنهم يحاولون تشويه التدين عن قصد أو عن جهل
بقيمته المادية وفاعليته في توازن الفرد واستقرار المجتمع: حاجة المجتمع التونسي
إلى الدين الإسلامي الوسطِي المعتدل المتسامح كما عهدناه وتربّينا عليه في المدن
والأرياف في الخمسينات والستينات من القرن العشرين (أنا أشهد أنني عشت طفولة سعيدة
تحت إسلام جمنة، قرية جميلة تُكنّى بـ"مدينة العلوم" في ولاية ﭬبلي التي تقع في الجنوب الغربي التونسي). ما زال
العَلمانيون الملحدون التونسيون يبالغون في تصوير الدين الإسلامي بشكل كاريكاتوري،
فالإسلام في نظرهم هو عبارة عن دين رجعي قمعي ويعتبرونه عن خطأ سببا أساسيا من
أسباب تخلّفنا. وما زالوا يرون بأن الإسلام لم يولّد إلا الخرافات والأساطير
والمعجزات التي لا يصدّقها -حسب رأيهم- ولا يقبلها العقل، دين يبرِّر بالنقل ما لا
يُبرَّر بالعقل. وما زالوا يعتقدون بأن كل الأمراض والمشاكل التي نعاني منها في
تونس سوف تنتهي بمجرد أن ينفصل الإسلام عن الدولة والسلطة والتربية والتعليم
ويختفي من الساحة السياسية العامة. وما زالوا يصوّرون التعسف والتجاوزات التي قام
بها الحكام المسلمون عبر التاريخ القديم والحديث أو سمحوا بها أو شاركوا فيها
أحيانا على أنها هي جوهر الإسلام ومقاصد قرآنه الكريم وتعاليم رسوله النهضوي
التنويري العظيم (نسبة إلى النهضة والتقدم وليس نسبة إلى حزب النهضة التونسي)،
محمد بن عبد الله، صلى الله عليه وسلم. فالإيمان والتدين وممارسة الشعائر بحسب زعمهم
كانت عبارة عن سذاجة عبثية صالحة فقط للجَهَلَة والبُلَهَاء.
لكن
هذا لا يعني أن المسلمين التونسيين ملائكة تمشي على وجه الأرض، على العكس نجد فيهم
وبكثرة المُرائين والمنافقين والمداهنين والمستغلين الدين مطية لأغراض شخصية
دنيوية مادية أو سياسية انتهازية. وقد سبق وكان الحاكمان الظالمان المستبدّان
بورﭬيبة وبن علي مقتنعَين بأن الجهل بالدين والدنيا، المتفشي في المجتمع التونسي،
ينبغي أن يبقى على حاله، لأنه مَرسوم ومُبرمج ومُبيّت لصالح حلفائهم الأجانب وصالح
بطانتهم من الأقارب والأصهار والأغنياء ورجال الدين المتواطئين مع السلطة
والمثقفين المأجورين والانتهازيين الذين يعدّون بمئات الآلاف من الدستوريين
البورﭬيبيين والتجمّعيين البنعليّين. وما زالت هناك في تونس فئة خطيرة من رجال
الدين المتطرّفين المتزمتين المتعصبين الإقصائيين الاجتثاثيين العنيدين قصيري
النظر الذين يجدون أنه من الأسهل أن يدينوا ويكفّروا المناضلين التونسيين المسلمين
اليساريين والقوميين والليبراليين المستنيرين الصادقين الوطنيين المخلصين ولو وصل
هؤلاء المتدينون إلى السلطة فسيعاقبون مواطنيهم التونسيين المعارضين ويقطعون
أيديهم وأرجلهم من خلاف (أذكّر هنا بالتصريح الخطير المُفزع والمُرهب المُخيف
للنائب عن حزب النهضة في المجلس التأسيسي، السيد "صادق شورو" وأذكّر
أيضا بالتصريحات المشابهة لنواب سلفيين مصريين). كان الأجدر بنواب حزب النهضة
التونسي الحاكم، وهم في المجلس يمثلون كل فئات الشعب التونسي بعَلمانييه ومُلحديه
وشيعته وبهائييه ويهوده ومسيحييه، أن يدخلوا مع معارضيهم السياسيين التونسيين في
عمق الحوار كما هو الحال في الدول الديمقراطية الغربية. لم أنسَ الفئة الأخرى من
التونسيين الأتقياء المزيفين الذين يختزلون الدين الإسلامي في أداء الشعائر من صوم
وصلاة وحج وزكاة، والذين سرعان ما يصرخون ويولولون بمجرد أن تُمسّ خرافة معينة من
خرافاتهم ولا يثورون ولا يتظاهرون دفاعا عن عِرضهم المهتوك في أفغانستان وفلسطين
والعراق من قِبل الأمريكان، هؤلاء هُم مسلمون بالاسم ولكنهم أشدّ كفرًا بالدين
الإسلامي من الملحدين.
العَلمانيون العرب
يبدو لي أن العَلمانيين العرب
ينقسمون إلى ثلاثة أصناف:
1.
العَلمانيون الليبراليون: هم الأغنياء العرب المسلمون
والمسيحيون واليهود والملحدون وفرقة من
اليساريين. هم عادة ما ينتمون إلى طبقة البورجوازية الوسيطة بين الرأسمالية
الغربية وخادمتها الرأسمالية العربية. يأخذون من العلمانية الغربية قشورها (مثل
العادات المستوردة في نمط العيش المنبتّ) ولا يؤمنون بأهم مبدأ علماني وهو حرية
الضمير والمعتقد ولا يحترمون إلا إيديولوجيتهم أو دينهم أو مذهبهم المحلي الضيّق.
هؤلاء جميعا للأسف الشديد يمثلون أغلبية بين العلمانيين العرب.
2.
العَلمانيون القوميون والعَلمانيون الشيوعيون: أقصد
الشيوعيين المُقصين للدين المتأثرين
بالستالينية أو المتأثرين باللائكية الفرنسية وريثة فكر الثورة الفرنسية المعادي
للدين: نظام ستالين لم يكن نظاما علمانيا لأنه انحاز إلى عقيدة الإلحاد واضطهد
المسيحيين والمسلمين واليهود ومنعَهم من ممارسة شعائرهم الدينية بكل حرية. أما
مؤسسات الدولة الستالينية مثل الحزب الواحد وديكتاتورية البروليتاريا فهي مؤسسات
تناقِض العلمانية وتصادِر حرية الضمير والمعتقد. وأقصد أيضا القوميين الناصريين
(نظام عبد النصر ونظام القذافي) والبَعثيين (نظام الأسد ونظام صدام وليس صدفة أن
يُعجبَ هذا الأخير بزميله الديكتاتور ستالين): عندما استلم القوميون السلطة في
العالم العربي أسسوا أحزابا على النمط الستاليني.
3.
العَلمانيون المستقلون: هؤلاء لسوء حظنا يمثلون أقلية.
هم المؤمنون صدقا بحرية الضمير والمعتقد ويحترمون فعلا كل العقائد جميعا السنّية
والشيعية والإباضية والمسيحية الكاثوليكية والبروتستانتية والأرتدوكسية واليهودية
والبهائية والإلحادية واللاأدرية والبوذية والهندوسية. قد يكون من بينهم المؤمن
والملحد على السواء. علمانيتُهم علمانيةٌ لا تهدف إلى إقصاء الدين أو استئصاله من
المجتمع ذو الأغلبية المسلمة، علمانيةٌ تؤمن بالتعايش السلمي بين المواطنين
التونسيين دون تفضيل لعقيدة على أخرى فالله وحده هو الأفضل والأكمل أما البشر
مسلمون وغير مسلمين فهم ضعفاء خطاؤون ولا أفضلية لأحد على آخر إلا بالتقوى الدينية
أو العلمانية، علمانيةٌ تتماهى مع مجتمعها وتفعل فيه من أجل ازدهاره وتقدّمه
وإلحاقه بركب الأمم المتطورة، علمانية غير ناكرة لجذورها الحضارية
الأمازيغية-العربية-الإسلامية ومتصالحة مع مبادئ حقوق الإنسان الكونية وناقدة
مغربِلة لتراثنا الغزير بغثه وثمينه. علمانيون يحِبون الجميع دون تفضيل ديني أو
مذهبي أو قومي أو عرقي أو اجتماعي أو إيديولوجي. العلمانيةُ ليست عقيدة أو
إيديولوجيا، هي نظام مجتمعي متسامح واسع رحِب تُصانُ وتُحترَمُ داخله العقائد
والإيديولوجيات جميعا.
كيف لي
أنا الـعـلماني الـيساري غير الـليبرالي وغير الـماركسي أن أكره صديقي المُصَلّي
التقي الورع الشيعي أو الإباضي أو الـسُنِّي المالكي أو الحنبلي أو الشافعي أو
الحنفي أو أنبذ صديقي الماركسي غير الانتهازي أو أفضّل نفسي على صديقي البهائي أو
المسيحي أو اليهودي أو ألعن صديقي الملحد.
كيف لي
أنا الـعـلماني أن لا أطير فرحاً من فرط سعادتي بأختي الكبرى الضريرة المستنيرة
عند رجوعها من العُمرة في آخر يوم من أيام شهر شعبان. هل الحداثة أو ما بعدها أو
العقلانية أو الماركسية أو الإلحاد تقدَر على منحها الأمل في استرجاع بصرها ؟
إيمانها بالقدر واليوم الآخر، هو وحده
القادر على إعطائها الأمل بتحقيق أكبر حلم كانت وما زالت تنتظره منذ 75 عاما، منذ
أن فقدت البصر وهي طفلة جميلة بريئة في سن الست سنوات: حلمها أن ترى بأم عينيها أمها
وأبيها وإخوتها وأخواتها وجيرانها وأقاربها وصديقاتها الضريرات، زميلاتها السابقات
في معمل الكفيف بسوسة.
لا ألوم العرب غير العلمانيين
على كرههم للعلمانيين العرب. أقصد العَلمانيين القوميين (عبد الناصر والقذافي والأسد وصدام
وبومدين) والعَلمانيين الليبراليين (بورقيبة وبن علي) الذين حكموا العرب غير
العلمانيين ولم ير هؤلاء منهم إلا الإقصاء والقمع والاستئصال. ولا ألومهم أيضا على
كرههم للعلمانيين الغربيين (مثل حكام أمريكا وأوروبا وإسرائيل) على ما فعلوه فيهم
من استيطان واستعمار وقتل وتجويع وتشريد ونهب لثرواتهم الطبيعية وتهميش لثقافتهم
ودينهم ولغتهم وسرقة بُذورهم الزراعية الأصلية واستغلال عرق عُمّالهم في المهجر
وفي الداخل (قانون أفريل 1972) وتلويث بيئتهم المحلية بالعناصر الكيميائية غير
القابلة للرسكلة البيولوجية الطبيعية (ڤابس وصفاقس). كنتُ مخطئا عندما لُمتُهم
(العرب غير العلمانيين) على عدم عِرفانهم بالجميل لفرنسا وألمانيا وبريطانيا،
الدول العلمانية في الداخل/ الاستعمارية في العالم العربي، عندما آوت هذه الدول
زعماء الإسلام السياسي وأكرمتهم، ولكن بعد "الربيع العربي" اكتشفتُ أن
كرمَ الغرب كرمٌ مسمومٌ وتبيّن لي بالحجة الملموسة أنها كانت تعدُّ متطرّفيهم لنشر الفوضى المدمِّرة في سوريا وليبيا
ونجحت في مسعاها الجهنمي أيّما نجاح
واستطاع المتطرفون الإسلاميون تدمير الدول العربية الأقرب للعلمانية تدميرا لم
يقدر الغرب بجيوشه الاستعمارية المباشرة على تحقيق العُشرِ منه. الحكام الغربيون
ليسوا علمانيين مستقلين حتى يُعِدّوا زعماءنا العرب لتقرير مصير شعوبهم وتحرير
أراضيهم المحتلة في فلسطين ولواء الأسكندرون وسبتة ومليلة وجزيرتي طُنْب الصغرى
وطُنْب الكبرى. يبدو لي أن العلمانية الأقرب إلى علمانيتي هي العلمانية التي
تجسمها اليوم الأنظمة العلمانية الأسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية.
من المؤسف جدا أن الصنف الثالث
(العَلمانيون المستقلون) الذي أنتمي إليه كعَلماني يساري غير ليبرالي وغير ماركسي
هو الصنف المضطهَد الأكبر من قِبل الغرب والعرب في نفس الوقت. يبدو لي أن
العَلمانيين المستقلين هم أشخاصٌ مَكروهون من قِبل المسلمين العاديين ومُكَفَّرِين
من قِبل الإسلاميين المتطرِّفِين ومَنبوذين من قِبل زملائهم من الصنفين
العلمانيَّين الآخرَين (العَلمانيون الليبراليون والعَلمانيون اليساريون شيوعيون
وقوميون). قدرهم لم يختاروه.
هل الإيمان بالله وراثيّ أم
مكتسب ؟
أنطلق هذه المرّة
من جزء صغير من بحث علمي شخصي، أجريته على عيّنة تتكوّن من 275 أستاذ تعليم
ثانوي تونسيّ،
وذلك في إطار الإعداد لشهادة دكتورا في
اختصاص تعلمية البيولوجيا (la
didactique de la biologie)،
2007، تحت إشراف جامعة كلود برنار ليون 1 بفرنسا وجامعة تونس.
في سؤال، من جملة 25
سؤال، طرحتُ
ما يلي: هل يوجد استعدادٌ جينيّ للإيمان بالله، استعدادٌ يورّثه الآباء للأبناء ؟
أجِب بنعم أو لا ثم
علّل جوابك.
بعد فرز الأجوبة, توصّلت إلي النتائج الآتية:
78,5 % من الأساتذة
أجابوا بلا و %14,3 بنعم و7,2 لم يجيبوا.
نصف المستجوبين لم يعلّلوا أجوبتهم و40 % فسّروا رفضهم لتوارث
الإيمان وعللوه بتأثير البيئة التي يعيش فيها الأبناء
و10 % قدّموا حججا أخري.
قبل أن أشرع في التحليل أطرح وأجيب
علي سؤال قد يُسأل:
السؤال: لماذا هذا البحث من أصله
والمسألة واضحة ومحسومة لدي أهل العلم بأن الإيمان
مكتسب وليس وراثيّا
؟
الجواب: كل العلماء يؤكدون أن لا
وجود لأي مسألة علمية واضحة ومحسومة. والدليل أن نفس السؤال قد طُرِحَ في نطاق بحث
علمي في أرقى الجامعات الغربية وأجابوا عليه كالتالي:
ورد في غلاف مجلة "العلم
والحياة" (Science & Vie) بعنوان: "مخّ الإنسان مبرمج للإيمان.
اكتشاف الجزيء المسئول عن العقيدة
؟". نتابع ما كُتب في الصفحة 49 من
المجلة:
-
توّصل
فريق من الباحثين في جامعة سويدية إلي ربط درجة
التديّن بنسبة "السروتونين"
في المخّ وهي إفراز عصبيّ ينقل
المعلومات من خليّة عصبيّة إلي أخرى وهي هرمونة مخية مسؤولة عادة عن الإحساس
بالجوع والعطش والنوم.
-
وتوصّل فريق آخر في جامعة أمريكيّة إلي ربط
التديّن بما هو مكتوب رمزيّا في الجينات (le code
génétique) لا بالمحيط الذي ترعرع فيه الشخص المتدين.
انتهى
الاستشهاد بالمجلة.
بكل احترام للعلم والعلماء، أوجه
سؤالين إلي الفريقين المذكورين في المجلة:
-
أولا
علي أي تديّن تتحدّثون ؟ المسيحيّة أم الإسلام أم اليهوديّة أم البهائية أم
البوذيّة أم المجوسيّة ؟
-
ثانيا،
أين ذهبت
جينة التديّن عند الملحدين ؟ هل هي
موجودة وصامتة أم مفقودة تماما ؟ ومن المسؤول عن عدم وجودها أو صمتها ؟
نترك العلماء الأفاضل يواصلون بحوثهم
لعلّهم يكتشفون ما ينفع الناس أما الزبد فيذهب جفاء، ونعود الآن إلي بحثنا الذي
بيّن أنّ أكثرية الأساتذة يعتقدون أن الإيمانَ مكتسبٌ وليس وراثيّا. يقول المستجوبون أن الإيمان نابع
من دور المحيط العائليّ
والمدرسيّ والثقافيّ الذي ينحت سلوكيّات الإنسان وأفكاره ومعتقداته خلال تجربته
الشخصيّة في الحياة. أما الذين أجابوا بنعم فيبرّرون إجابتهم انطلاقا من نظرية
الحتمية البيولوجية في إطار التفكير (أو باراديـﭫـم)
المسمى "كل شيء وراثي" والذي يؤكد على أن كل الصفات الذهنيّة كالذكاء والإيمان بالله
محدّدة مسبّقا في الجينات مثلها مثل الصفات الجسدية كلون العينين أو فصيلة الدم.
يبدو لي أن جل العلماء المعاصرين
تقريبا قد أجمعوا علي أن كل الصفات الذهنيّة والسلوكيّة هي وليدة التّفاعل الدائم
بين الموروث والمكتسب, أي بين الجينات والمحيط الداخلي والخارجي للخلية منذ نشأتها
من اتحاد الخليتيّن التناسليّتين البويضة والحيوان المنويّ.
خلاصة القول:
الإيمان بالله
هو سلوك ناتج عن إرث ثقافيّ مكتسب عبر العصور لكن لا يؤمن إلا من ورث مخّا بشرياّ
لأن الحيوانات لا تدرك الأفكار المجرّدة وهمّها الوحيد هو البقاء علي قيد الحياة
أطول مدّة ممكنة وإشباع رغباتها الغذائيّة وغرائزها الجنسيّة للمحافظة علي النوع.
نذكّر بأن الجدل العلميّ الذي كان
قائما بين النسبة المئوية للموروث والنسبة المئوية للمكتسب في الصفات البشريّة
وخاصة الذهنية منها، هذا الجدل أصبح جدلاً عقيمًا وقد ولّي وانتهي وأصبحنا نقول
اليوم أن الصفات الذهنية مثل صفات الإيمان بالله والذكاء والعدوانية هي صفات
وراثيّة بنسبة 100 % ومكتسبة بنسبة 100 % ، وذلك لأن الأسباب الوراثية والمكتسبة المسؤولة عن تشكّل الصفات الذهنية، عديدة ومتداخلة ومتشابكة
فيما بينها وتتفاعل مع بعضها باستمرار فلا نستطيع
تجزئتها أو فصلها ميكانيكيا عن بعضها البعض أو تحديد نسبة الوراثي فيها من
نسبة المكتسب. وهذا ما نسمّيه اليوم علم التخلّق (l’épigenèse)، وهو بالمناسبة موضوع أطروحتي سنة 2007.
مفاهيم إسلامية-كونية (des concepts islamiques et
universels en même temps)
لا أفهم لماذا إذا نطقتَ اسم
هذه المفاهيم بالعربية، جُل الحداثيين التونسيين يشمئزون، ماركسيون وليبراليون،
وإذا نطقتَها بالفرنسية ينشرحون ؟
مقدمة: تجنّبًا لمناكفات أصحاب العقول الإقصائية
الإستئصالية المتحجرة المنغلقة لدى الجهتين، حداثيين وإسلاميين: أناقش الفكرة لا
تطبيقاتها في التاريخ (تطبيقات سادت ثم بادت ولن تجدها مثلما كانت إلا في مخيلة
الإسلاميين السلفيين الأرتدوكسيين)، ولا أناقش أيضًا تطبيقاتها في الحاضر لأنها ببساطة لم تُطبَّقْ بعدُ. أناقش الفكرة من وجهة
نظر مواطن تونسي يساري غير ماركسي ومسلم علماني على الطريقة الأنـﭬلوساكسونية
المتصالحة مع الأديان، ولا أناقشها من وجهة نظر فقهية إسلامية أو إيديولوجية، وذلك
لأنني لستُ ماركسيًّا ولا إسلاميًّا ولا قوميًّا ولا ليبراليًّا. أرجوكم أيها
المناكفون وجهوا سهامكم حيث تصيب أهدافَها. أناقشها بعفوية مَن تَرَبَّي في حضن
أمٍّ لم ترضعه إلا الحب وفطمته عن الكُرهِ، لكنني وللأسف تَعَلَّمتُ الكُرهَ عن
الآخرين، بعدها ندمتُ ورجعتُ إلى أصلي (C’est ce que j’appelle l’indigénisation). أنا وعيتُ حديثًا أنني لست مثل الآخرين، أنا عدوٌّ شرسٌ للحداثة
وما بعد الحداثة في ثوبها الغربي الاستعماري وخاصة في ثوبها الرأسمالي
المركزي-الأوروبي الحالي العنصري (l’eurocentrisme).
بعض المفاهيم الإسلامية التي
خطرت ببالي:
1.
الخلافة
Aujourd’hui c’est l’union qui fait la force, exp: l’union européenne ou
américaine.
نُطقُ مفهوم "الخلافة" بالعربية لا يوحي في
أذهان "الحداثيين" إلا بـحزب التحرير وداعش، أما
نُطقها بالفرنسية فمطلبٌ ملِحٌّ وأملُ العربِ والمسلمين أجمعين.
لا ألوم
المنبَتِّين، اعني بهم جل اليساريين والليبراليين،
لكنني أتعجب خاصة من القوميين الذين ينادون بوحدة عربية ويرفضون الوحدة
العربية-الإسلامية، والغريب أن عربية الأولى عِرقية عنصرية وعربية الثانية لغوية. يبدو لي
أن الوحدة الثانية أرحب بكثير حضاريًّا
وإنسانيًّا.
2.
الأحباس أو
الوقف
Aujourd’hui c’est les fondations.
نُطقها
بالعربية يرونه مصيبة أما بالفرنسية فروعة.
3.
الزكاة
Aujourd’hui c’est l'impôt de solidarité sur la
fortune.
نُطقها
بالعربية يرونه رجعية أما بالفرنسية فعدلاً وتضامنًا بين الأغنياء
والفقراء.
4.
الشورى
Aujourd’hui c’est la démocratie.
نُطقُها
بالعربية وحده لا يوحي في أذهان "الحداثيين" إلا
بالنهضة والنهضاويين أما بالفرنسية فعسلا مستورَدا.
5.
جهاد
النفس:
Maîtriser ses
désirs, surtout ceux qui ne sont pas naturels et indispensables comme la
plupart de nos désirs d’aujourd’hui, les désirs façonnés par notre société de
consommation d’aujourd’hui (la société postmoderne liquide de Zygmunt Bauman).
جهادْ
النفس.. أعِدْها عليَّ ثانيةً...
C'est-à-dire, comme l’a bien dit le philosophe athée, Michel
Onfray : « philosopher, c’est philosopher sur ses désirs ». Ah
bon, si c’est Onfray qui l’a dit, pas de problème, on est totalement d’accord.
أضيفُ
لك مصدرًا غربيًّا آخر مما تحب: عالِم الأنتروبولوجيا ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss,
1908-2009) قال: "وُلِدت الحضارة يوم تعلم
الإنسان كَبْحَ رغباته الجنسية الحيوانية وصَرَفَ نظره نهائيًّا عن نِكاح المحارم
(l’inceste)". وأنا أقول: كلما
كَبَحَ الإنسانُ شهواته المضرّة بأخيه الإنسان، كلما ابتعد درجة عن أصله الحيواني
وصعد درجة في سلّم الإنسانية واقترب أكثر من السعادة الروحانية.
6.
(...)، والقائمةُ تطولُ.
ملاحظة: أعي جيدًا أن لكل مفهومٍ تاريخًا،
لكنني، وفي نفس الوقت، أعي أيضًا أن المفهومَ كالكائن الحي، ينمو ويتطوّر وتتغير
ملامحه من زمنٍ إلى آخر.
أنهِي بسؤال: لماذا أرى حُسنًا فيما يراه
رفاقي قُبحًا ؟ ربما لأنني اكتشفتُ بهاءَ بعض المفاهيم الإسلامية (certains concepts islamiques)، اكتشفتُها بلغة أجنبية،
قرأتُ الأجنبيَّ الذي لا يكره الإسلام ولا المسلمين، وفي نفس الوقت لا يتعصّب
للإسلام ولا للمسلمين، ومثله أصبحتُ أحب هويتي ولا أكره هوية مَن علمني.
Plaidoyer pour un islam moderne. Mohamed Talbi
Livre : Plaidoyer pour un
islam moderne (عيال
الله), Mohamed Talbi, Cérès, Tunis, Desclée de Brouwer, Paris, 1998,
200 pages.
Page 109-110:
Question: Vous parlez des
influences étrangères comme de « projections intruses ».
Ne peuvent-elles pas être
progressivement assimilées au cours d’un cheminement vers la
sécularisation de la société (عَلْمَنَةُ
المجتمع) ?
Réponse: Le problème est que
la sécularisation n’a aucune racine dans notre passé. La démarche ne peut donc
être que totalement nouvelle. Je ne suis pas contre une réflexion qui
essaierait d’asseoir une forme de société fondée sur l’égalité totale de tous
les citoyens, qui ne partagent pas tous les mêmes convictions religieuses. Je
crois d’ailleurs qu’il y aura dans l’avenir de moins en moins de pays
mono-confessionnels. Nous allons vers un pluralisme universel qu’il nous faut
penser et que l’on doit apprendre à gérer. Je n’ai personnellement rien contre
la laïcité, à condition qu’elle ne soit une idéologie antireligieuse.
Pour que cela soit accepté
chez nous, il faut expliquer aux gens ce qu’elle est, et désamorcer pour ce
faire la notion de laïcisme, qui a souvent été perçu comme un moyen sournois de
désislamiser les musulmans. Malheureusement, c’est parfois le cas, comme dans
l’URSS stalinienne. Il faut dire aux gens qu’on peut vivre ensemble, chacun
selon son éthique et en tenant compte du fait qu’il existe une éthique commune
dans les notions d’égalité, de fraternité, de bien et de mal, chacun incarnant
ces notions à sa façon.
Comparaison entre les
fondements philosophiques du concept de la Laïcité en Occident et la Laïcité
dans le Coran
Article
inspiré et accompagné d’extraits du livre L’Islam de chair et de sang, sur
l’amour, le sexe et la viande, Malek Chebel. Editions J’ai lu, Diffusion
Flammarion. Paris, 2012, 77 pages.
Préambule reproduisant un
extrait de Malek Chebel publié sur la page de couverture de son livre :
Dans le contexte d’une
troisième mondialisation, qui n’est pas une occidentalisation. La laïcité n’est
pas une « exception
française ». Elle n’est pas plus un « pur concept »
intemporel. Il existe des laïcités dans
le monde qui résultent de processus historiques divers, de fondements
philosophiques pluriels et qui correspondent à des réalités sociales,
culturelles et politiques elles-mêmes variées. Cela ne signifie nullement que
ces laïcités soient équivalentes mais implique, dans chaque situation, qu’un seuil
minimal de laïcité ait été franchi. (Fin de l’extrait).
1.
Quelques définitions de
la Laïcité extraites du même livre, pages 3, 4, 5, 6, 16 :
-
« l’étymologie de
« laïcité » provient du nom grec laos, le peuple distinct des clercs.
Ensuite, ce propos se relie à deux idées centrales en la matière, articulées
par la théorie du contrat : le principe de souveraineté dans et par le
droit ; l’idée de l’individu titulaire de droits. ».
-
« laïc désigne un
adepte d’une religion qui n’est pas un clerc, laïque un partisan actif du
principe de laïcité. ».
تعليق المؤلف محمد كشكار: "اللائكي هو كل مَن اعتنق
دينًا ولم يكن رجلَ دينِ". حسب تعريف مالك شبل للائكية يصبحُ كل المسلمينَ
لائكيينَ لأن لا كهانة في الإسلام.
-
« Un processus de laïcisation émerge
quand l’Etat ne se trouve plus légitimé par une religion ou une famille de
pensée particulière et quand l’ensemble des citoyens peuvent délibérer
pacifiquement, en égalité de droits et de dignité, pour exercer leur
souveraineté dans l’exercice du pouvoir politique. ».
-
« La laïcité n’est
l’apanage d’aucune culture, d’aucune nation, d’aucun continent. Elle peut
exister dans des conjonctures où le terme n’a pas été traditionnellement
utilisé. ».
-
« l’Etat laïque,
neutre entre tous les cultes, indépendant de tous les clergés, dégagé de toute
conception théologique. ».
-
« les éléments
constitutifs de la laïcité : la neutralité de l’Etat, l’indépendance du
politique et des institutions publiques par rapport aux normes religieuses, la
liberté de conscience et de religion, l’égalité des individus porteurs de convictions
différentes. ».
-
« il est donc
possible d’étudier différentes laïcités existant sur notre planète en se
montrant attentif aux processus historiques de laïcisation qui les ont
constituées, aux fondements philosophiques qui les ont légitimées et à leur
réalité sociale et politique, privilégiant soit la neutralité, soit la
séparation, soit la liberté de conscience, soit la non-discrimination. Ces laïcités ne sont pas équivalentes et il est
possible de les évaluer par rapport à ces quatre indicateurs. Cela implique
néanmoins qu’un seuil minimal de laïcité a été franchi. ».
Comparaison entre la Laïcité
du Coran et celle du Christianisme:
1. Les
fondements philosophiques opposés à la pré-laïcité dans le christianisme :
-
Absence de liberté de
croyance : les chrétiens ne reconnaissent pas, ni le prophète Mohamed (Qu'Allah le bénisse et
le salue) comme messager de Dieu, ni l’islam comme religion monothéiste
et ne tolèrent pas les musulmans.
-
Existence d’un clergé
envahissant qui monopolise la religion et interdit le questionnement du texte
sacré (l’ijtihad en islam) et c’est pourquoi d’ailleurs le protestantisme est
apparu au XVIe siècle. Et ce n’est pas par hasard - je pense - que
ce dernier présente plusieurs points communs avec la philosophie du Coran comme
la relation transcendantale et directe entre le créateur et sa créature,
l’interdiction des indulgences,
صكوك الغفران الممنوحة من عند البابا
Et le mariage des religieux, etc.
-
L’individu chrétien est
prosélyte par nature, il confesse et diffuse un message de conversion au
christianisme.
2. Les
fondements philosophiques favorisant la pré-laïcité dans le Coran :
-
Je rappelle la deuxième
définition citée ci-haut qui dit : « laïc désigne un adepte d’une
religion qui n’est pas un clerc, laïque un partisan actif du principe de
laïcité » et je vois que tout musulman est un adepte d’une religion,
l’islam, mais il n’est pas un clerc car en islam il n’y a pas de clergé donc
par définition tout musulman est laïque.
-
Le Coran a
institutionnalisé la liberté de croyance de l’individu depuis 15 siècles :
"من شاء
فليؤمن ومن شاء فليكفر"
"لكم دينكم ولي دين"
-
La
laïcité nécessite la neutralité de l’Etat et le Coran est passé encore plus
loin et a creusé plus profond en institutionnalisant
la neutralité de l’individu, quel que soit cet individu, même le prophète
Mohamed lui-même:
لَن تهدي مَن أحببت، إن الله يهدي
مَن يشاء
-
Absence
de clergé dans le Coran.
-
La
relation entre Allah et l’Homme est transcendantale et aucun
intermédiaire entre le créateur et sa créature n’est permis ou toléré même le
prophète Mohamed lui-même.
-
Le Coran a
institutionnalisé la pré-laïcité au sein même de la famille
multiconfessionnelle en permettant à l’homme musulman de se marier d’une femme
juive ou chrétienne et de l’élire comme
mère pour ses enfants potentiels. Le mari, non seulement, n’a pas le droit
d’obliger son épouse à se convertir et
changer sa religion, mais il est moralement obligé de l’accompagner à la messe
du dimanche et de l’attendre devant l’église. Quel humanisme ! Quelle
bonté ! Quelle tolérance ! Quelle neutralité ! Quelle modestie !
Quelle humilité ! Quelle laïcité
précoce !
Remarque
désobligeante pour certains de mes compatriotes « musulmans »:
Je
pense que la plupart des « musulmans » d’aujourd’hui ont bafoué les
principaux principes du Coran garantissant l’indépendance, la liberté et la neutralité religieuse de l’individu
musulman.
Je
pense aussi que malheureusement la charia a institutionnalisé ces
mal-interprétations humaines du texte coranique et a claqué la porte devant les
nouvelles équipes multidisciplinaires et interdisciplinaires d’oulémas
scientifiques non traditionnels, les nouveaux moujtahidines (Ijtihad) ou
nouveaux moujahidines (Jihad, dans son acception du dépassement de soi et non le
prosélytisme guerrier). Elle nous a privés de l’apport potentiel
scientifique positif et bénéfique des sciences dans l’exégèse, le questionnement,
l’interprétation et l’herméneutique.
5
الداروينية والإسلام
مجموعةٌ من الأسئلةِ، أرّقتني طيلةَ
عقودٍ ! وجدتُ لها اليومَ جوابًا في كتابٍ ؟ فكرة كريستيان دو دوف، ترجمة وتأثيث المؤلف محمد كشكار
الأسئلة التي كانت تُحيّرني:
-
لماذا يتحارب
البشر فوق الأرض وفيها من الخيراتِ ما يكفيهم وزيادة ؟
-
لماذا نصرف
أموالاً طائلةً على الهدمِ ولو صرفناها على البناء لأصبحت الدنيا جنة على وجه
الأرض، ولانْقرضَ الفقرُ والجهلُ والجوعُ وزالت جل الأمراضِ ؟
-
لماذا لا نرى
للأخلاق الوضعية ولا للأخلاق الدينية أيّ تأثيرٍ على سلوكات العالَمين الأنانية
والعُدوانية ؟
-
لماذا لم يجلب لنا
العِلمُ كل المنافع التي كنا ننتظرها منه ؟
-
لماذا تَبنّيتُ
مفهوم المواطنة العالمية ؟ (justification a posteriori)
-
لماذا اخترتُ
مفهوم "ما فوق الوراثي" أو عِلم "التخلّق" (L`épigenèse)
كموضوع لأطروحة الدكتورا سنة 2007 ؟ (justification a
posteriori)
نص
صاحب الفكرة في كتابه، صفحة 165:
الانتقاء
الطبيعي الدارويني (La sélection naturelle) ميّز القِيم (Les traits) التي تعزز
اللحمة داخل المجموعة البشرية الواحدة (القبيلة التي ننتمي إليها) وفي نفس الوقت
تدعّم العداوة بين المجموعات البشرية البدائية (القبائل الأخرى التي لا ننتمي
إليها):
على
المستوى الجماعي، ميّز الانتقاء الطبيعي بعض القِيم، مثل التضامن والتعاون
والتسامح والشفقة والإيثار. قِيمٌ وصلت إلى حد التضحية بالنفس من أجل مصلحة
المجموعة، قِيمٌ إيجابيةٌ كوّنت أسُسَ
العيش المشترك داخل كل مجموعة من المجتمعات البشرية. لكن الانتقاء الطبيعي لهذه
القِيم بقي بشكل عام مقتصرًا على الداخل.
وتتمثل
النتائج السلبية لهذه القيم الإيجابية في النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة
في الآخر، التنافسية والعِدائية حيال أعضاء المجموعات الأخرى. قِيمٌ سلبية انبثقت
من الإيجابية وكوّنت بذور الصراعات والحروب التي تركت بصماتها على طول تاريخ
البشرية جمعاء حتى يومنا هذا.
هذا
التحليل يرجع بنا إلى عصورٍ كانت فيها مجموعات قليلة من البشر البدائيين تتخاصم
حول أهم المصادر الغذائية التي توفرها لهم الغابة والسافانا الإفريقية عشرة آلاف
سنة قبل عصرنا الحالي. في البداية كانت تُحدَّد المجموعة حسب علاقات القرابة
الدموية السائدة داخل العائلة أو القبيلة طِبقًا للصفات المبرمجة في الجينات.
(إضافة المؤلف محمد كشكار:
ADN:
C`est un logiciel performant et sophistiqué mais il est très ancien et conçu
pour l`homme primitif de la forêt.
فلا
تغترّ أيها الإنسان، فأنتَ والشانبانزي تتشابهان في 98،5% من الجِينات المشتركة (Gènes communs)، وأنت وشجرة المَوز في 60%، ونبات الأرز يفوقُك في الجينات عددًا: هو 30-40 ألف جِينة، وأنتَ
25-30 ألف فقط !) مرّ زمنٌ وأتى آخر، وتوسعت المجموعة الصغيرة فضمّت أراضٍ مشتركة، مصالح
مشتركة، امتيازات مشتركة، اعتقادات مشتركة، قِيم مشتركة (Des valeurs partagées)، أحكام مسبقة مشتركة، أحقاد مشتركة، أي الاشتراك في كل ما يدعّم
وحدة المجموعة، "مجموعتنا ضد مجموعتهم".
إضافة
المؤلف محمد كشكار:
مقولة
"مجموعتنا ضد مجموعتهم" تُتَرجَم بلغة عصرنا، فتصبح: يهود ضد عرب، غرب ضد باقي العالَم أي المركزية
الأوروبية، دار الإسلام ضد دار الحرب، بورجوازية ضد بروليتاريا، شيوعية ضد
رأسمالية، يسار ضد يمين، داعش ضد بشار، إخوان ضد السيسي، مدينة ضد ريف، الرجل ضد
المرأة، الحاكم ضد المحكوم، الأغنياء ضد الفقراء، العالَم الأول ضد العالم الثالث
إلخ.).
ما هي
الإيديولوجيات العصرية التي تدعم اليوم الوحدة داخل المجموعة الواحدة وتؤجج
الصراعات وتشعل الحروب بينها وبين المجموعات الأخري ؟
هي
إيديولوجية القومية الشوفينية، غربية كانت أو عربية. هي الإيديولوجية الدينية
المتعصّبة، إسلامية (سوريا، العراق، ليبيا، مصر، أفغانستان) كانت أو يهودية
(إسرائيل) أو بوذية (بيرمانيا، التيبت، الكشمير). هي الإيديولوجية الامبريالية،
رأسمالية (أمريكا) كانت أو شيوعية (الصين).
نص
صاحب الفكرة في كتابه، صفحة 166:
الانتقاء
الطبيعي الدارويني عند البشر لم يُميّز
قيمتَي الحيطة والحكمة الضروريتَين لتوليد الرغبة في تقديم التضحية بالامتيازات
الحينية في سبيل التحضير لمستقبل أفضل للإنسانية جمعاء: البحث عن المصلحة الحينية،
سواء كانت فردية أو جماعية، يفسر استغلالنا اللامسئول للثروات الطبيعية، ويفسر
أيضًا تجاهلنا للعواقب الوخيمة التي قد تنجرّ عن فعلنا المشين هذا. عواقبٌ بدأت
اليوم تهدد جنسنا البشري وتهدد بالانقراض أنواعًا كثيرة من الكائنات الحية الأخرى،
حيوانات ونباتات.
لم يعد
يشغلنا كل ما يتجاوز مستقبلنا الحيني مثل ما بعد التقاعد أو أمل حياتنا أو مصير
أولادنا وأحفادنا.
ما
أردتُ تبليغَه كعالِم بيولوجيا يتمثل في التأكيد على أن القيم السلبية (النزعة
الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعدائية حيال أعضاء
المجموعات الأخرى) هي قيم فطرية جينية وراثية
مبرمجة لإنتاج إنسان لزمانٍ غير زماننا، زمان سبقنا بعشرة آلاف سنة عند
بداية تشكل المجموعات البشرية الصغيرة في إفريقيا أولا (من 3000 إلى 10000 نسمة).
قيم وسلوكات كانت صالحة وضرورية في ذلك العصر، عصر ندرة الموارد الغذائية أو صعوبة
التحصل عليها. صفات ساعدتنا على الصمود في طورٍ من أطوار تطورنا الطبيعي (L`évolution) ولولاها لانقرضنا كالديناصورات ولَذهبت
ريحنا ولم يبق إلا أحافيرنا (Fossiles humains). هذه القيم أو الصفات أو السلوكات أصبحت اليوم عبئًا ثقيلاً
نحمله منذ الولادة، وباتت معطِّلة للقيم الإيجابية فينا (التضامن مع المجموعات
الأخرى، التعاون معها والتسامح والشفقة والإيثار).
انتهى الاستشهاد.
خلاصة
القول وليس خاتمته:
الإنسانُ
لا يولدُ إنسانًا متحضّرًا منذ البداية بل يصبح متحضِّرًا بجهده وعلمه وثقافته:
ليس قياسًا على الإنسان الغربي الحالي، فهو في الواقع أقل منا في العمق تحضرًا
وإلا لَما احتلنا وقتل منا الملايين ظلمًا وبهتانًا، ولَما قصفنا بالطائرات في بور
سعيد وبنزرت والساقية ودمشق وبغداد وطرابلس و.. و... ولَمَا باع لنا سلاحًا
فتّاكًا من صُنعه وترويجه وتآمره وانتهازيته.
يولد
الإنسان طبيعيًّا (L`homme de la nature)، وهو حضاريًّا أقرب لإنسان القرن 3000 قبل-م، أكثر من قُربه إلى إنسان القرن
21م. تولد معه غرائزه المحدَّدة شبه كليًّا من قِبل جيناته، غرائزٌ تشد إلى
الأسفل، إلى الحيوانية، إلى الطبيعة، إلى الأنانية. غرائز تحدّد القيمَ السلبية
فينا (النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعِدائية حيال
أعضاء المجموعات الأخرى). نزعةٌ، يسمّونها المتدينون "النفس الأمّارة
بالسوء"، وعلماء النفس يسمّونها "الهُوَ" في اللاوعي (Le Ça ).
نفسٌ أمّارةٌ بالسوء، نفسٌ موروثةٌ (Le tout-génétique)، تقابلها نفسٌ مكتسبةٌ بواسطة ما يقع عبر التفاعل بين الجينات
الموروثة ومحيط الجينات الخلوي والخارجي عن الجسم تمامًا،
L`épigenèse,
sujet de ma thèse de doctorat, UCBL1, 2007
نفسٌ أمّارةٌ بالخير وإذا كنتَ
علمانيًّا سمّها النفس المتحضرة المتسلحة بالقيم الإيجابية فينا (التضامن مع
المجموعات الأخرى، التعاون معها والتسامح والشفقة والإيثار).
نحن،
بشر اليوم، نعيش جهادًا ضد "النفس الأمّارة بالسوء" أو صراعًا مريرًا
بين الثقافة والطبيعة،
Interaction
entre culture et nature d`où émerge l`homme de l`homme au dépens de l`homme de
la nature
صراعًا
بين "الأنا" في الوعي (Le Moi) و"الهُوَ" في اللاوعي (Le Ça ) أو جهادًا يحدّ من سيطرة شهواتنا وغرائزنا
على سلوكاتنا اليومية: يهذبها، يعلمها، يربيها، يَشْكُمُها، يطهِّرها من أدرانها
ويقودها برفقٍ نحو الرقيّ والتمدن والتحضّر والرقة واللياقة والأدب والذوق الفني
الرفيع وصقل الحواس والحب والتواضع ونكران الذات والتطوع من أجل خدمة الغير.
نصقلها
بالدين، بالفلسفة، بالفن، بالتصوف، بالعلم، بالزهد، بالتقوى، كلها أنواع راقية من
مواد التطهير: وسائل نبيلة لبلوغ غايات أنبل.
وإذا
لم نبذل هذا الجهد فرديًّا وجماعيًّا، ونحن التونسيون في الواقع وللأسف لم نبذله،
يساريون وإسلاميون وقوميون وليبراليون، لذلك لم تُغيّرنا الأخلاق الإسلامية ولا
اليسارية، فلا دين فينا نفع ولا عِلمَ ولا فلسفةَ !
أما
كيف ثبّت فيّ هذا الكتابُ اختياري للمواطنة العالمية (justification a posteriori)، فأظنه سؤالٌ لا يتطلب شرحًا على الشرح الذي سبق. المواطنة
العالمية، أراها تمرّدًا على الفطرة وعلى التقوقع وخروجٌ إراديٌّ دون انبِتاتٍ،
خروجٌ عن الانتماء القومي الضيق أو الديني المتعصب، خروجٌ إلى آفاقٍ أرحبَ، آفاقٍ
نكتسبها ولا نرثها. المواطنة العالمية هي حب كل البشر دون تمييزٍ، هي سموٌّ على
القبلية والوطنية الشوفينية، هي مستقبلُ العالَم خاصة في عصر الاتصالات
والمواصلات، عصر اختفت فيه الحدود ومعها التأشيرات والجدران العازلة، عصر أصبح فيه
للإنسان جناحان افتراضيان وأصبحنا كالعصافير لا نمر من البوابات الحدودية، حلمٌ تحقق، حلمٌ غير مبرمجٍ في جيناتنا.
أحلامي
كل دقيقة تكبر ويومي أصبح أفضلَ من أمسِي. يبدو أن واقعي أصبح أسرع من أحلامي: أكتبُ مقالاً يتفاعل معه في الحين صديقٌ
حقيقيٌّ أو افتراضيٌّ في موسكو أو واشنطن، حلمٌ للإنسانية تحقق. للأسف جيناتي لا
تطاوعني، خَطْوَتُها بمليون سنة، ما أبطأها، لم أعُدْ أطِيقُ انتظارَها.. المتخلفة
!
آه يا
جيناتي لو تلحقي بأحلامي، وتزرعي في جنبَيَّ جناحَين، أزورُ ابنتي حبيبتي في كندا،
لم أرها منذ ثمان سنوات، أعِدُكِ، أضمّها وأقفل راجعًا، حفيدتي دخلت المدرسة ولم
أقبّلها لا عند الذهابِ إلى المدرسة ولا عند الإيابِ !
المصدر:
Livre : Génétique du
péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve
(Prix Nobel de médecine, Un biologiste et moraliste), Editions Poches Odile
Jacob, Paris, 2017, 240 pages.
6
حول مفهوم
الإعجاز العلمي في القرآن
هل اكتشف علماء الإسلام نظرية علمية جديدة من البحث في الإعجاز العلمي في القرآن ؟
مصدرها قناة "دريم" الفضائية المصرية، برنامج
"دين ودنيا"، الخميس 9/09/2010، الساعة الواحدة والنصف بعد الزوال
بتوقيت تونس. رغم علمي بأن التلفزة ليست مصدرا علميا موثوقا به، سأنقل بعض ما ورد
في البرنامج على لسان الأساتذة الثلاثة المشاركين فيه (عمار وإمام والبنّا) بكل ما
استطعت من الأمانة العلمية التي تعلمتها في البحث العلمي. ناقل الكلام الشفوي قد
ينسب حديث هذا لهذا، فاغفروا لي زلاتي في النقل إن خانتني ذاكرتي في هذا العمر،
فهي والله غير مقصودة. حاولت التثبّت مما قيل وذلك بالرجوع للأنترنات ككل باحث
كسول فلم أعثر على إثبات فقلت بيني وبين نفسي:
زادي الوحيد هو النية الطيبة وعدم إضمار الشر لحضارتي ولأمتي العربية الإسلامية
والصدق في القول والإخلاص في العمل وكما أكرّر قصدا في إمضائي على مقالاتي "أنا
أكتب -لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع- بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر
أخرى" وعلى القارئ الحصيف ترك الغث وأخذ السمين.
قال مقدم البرنامج الأستاذ عمار: "الإعجاز
العلمي في القرآن ثقافة شائعة ضارّة...".
قال علي عبد
الواحد وافي عن الإعجاز العلمي في القرآن: "جناية كبرى". وقال عنه
الإمام محمد الغزالي: "كلام فارغ".
قال كاتب إسلامي،
مات سنة 1960: "إن المقصود بالسماوات السبع في القرآن هي الكواكب السبعة التي
اكتشفها العلم" لكن ما لا يعلمه هذا الكاتب أن العلماء الغربيين وصلوا إلى حد
الآن إلى اكتشاف تسعة كواكب، حذفوا منها أخيرا واحدا بعد ما عرفوا أنه نجم وليس كوكبا.
وفي
الإعجاز العلمي اليهودي نُسِبت عظامٌ قديمة اكتُشِفت في فلسطين إلى يهود عاشوا منذ
آلاف السنين في فلسطين وبعد مدّة كذّب العلماء مسعاهم عندما تأكّدوا بعد تحليل الحمض النووي أن
العظام المكتشفة عظامٌ حيوانية وليست بشرية.
الدكتورة
بنت الشاطئ نقدت نقدا لاذعا الدكتور مصطفى محمود في إعجازه الذي ينسبه تعسّفا إلى
اللغة العربية والقرآن.
اعترف
مصطفى محمود بنظرية النشوء والارتقاء لداروين ونسبها للقرآن رغم رفض كل الأديان التوحيدية الاعتراف بها حتى
الآن وليس الدين الإسلامي وحده.
قال الأستاذ
إمام: "القرآن ليس في حاجة للعلم ليثبته. نستطيع أن نقول الإعجاز العقلي في
القرآن وليس الإعجاز العلمي في القرآن. الإغراق في هذا المجال يدفع إلى تكذيب النص
والنص معجزة إلهية في حد ذاتها لا تحتاج إلى معجزة علمية بشرية لإثباتها. نحتاج
العلوم الحديثة لنفهم فهما عصريا النص القرآني لذلك نقول أنه صالح لكل زمان و
مكان".
قال الأستاذ جمال
البنّا: "من باب حرية التفكير، لا نحجّر على أحد البحث في الإعجاز العلمي في
القرآن، فإن اكتشف شيئا مفيدا فخير يفيد الأمة الإسلامية وإن لم يكتشف شيئا فقد
أضاع وقته وماله وجهده" (إضافة المؤلّف
محمد كشكار: نسي الأستاذ البنّا
أن السعودية تصرف أموالا طائلة في هذا المجال من بيت مال المسلمين).
1.
رأي المؤلف محمد كشكار، رأيٌ متواضع جدا إلى
جانب رأي علماء الطبيعة الكبار أو علماء الدين الأجلاء:
يتصوّر البعض من
المسلمين خطأً أنهم يرفعون من شأن القرآن عندما ينسبون إليه أحدث الاكتشافات
العلمية (الإعجاز العلمي في القرآن). ليس بوسعي تأكيد أو نفي الإعجاز العلمي في
القرآن. لكنني أرى أنه يحق لي كمثقف أن أدلي بدلوي الإبستومولوجي في النقاش الدائر
حول كيفية توظيف مفهوم "الإعجاز العلمي في القرآن" بعد تصديقه من
قِبل بعض المسلمين لتثبيت إيمانهم أو بعد تكذيبه من قِبل بعض الملحدين لنفي المصدر
الإلهي للقرآن ولن أنحاز إلى هؤلاء أو إلى هؤلاء متوخيا الحياد المنهجي. سأحاول
فقط تسليط بعض النقد على الموقفَين السابقين. لا نستطيع ولا نفكّر في محاكاة
المعجزات الغيبية في القرآن لكننا مطالَبون بنشر وإعادة إنتاج المعجزات العلمية
المادية البشرية للاستفادة منها في حياتنا اليومية ولا غِنى لنا عنها مثل ما فعل
الغرب مع كتاب "القانون في الطب" لابن سينا. القرآن معجزة إلهية، عندنا نحن المسلمين فقط، نحن خُمس سكان العالم، والعلم
معجزة مادية بشرية معترف بجدواها ونجاعتها من قِبل كل سكان العالم مع اختلاف
عقائدهم السماوية منها والبشرية. على حد علمي، لقد توصّل العلماء
المسلمون القدامى إلى تطوير العلوم دون اللجوء إلى القرآن كمرجع علمي وتوصّل أيضا
العلماء الغربيون المعاصرون إلى اكتشافاتهم الحديثة دون الاعتماد على الكتب
المقدّسة. القرآن مقدّس عند المسلمين بطبيعته الإلهية ولا يحتاج
إلى سند أو برهان من العلم ذي الطبيعة المادية البشرية الدنيا بل العكس هو الصحيح
فالعالِم المسلم يحتاج للقرآن -وليس للعلم- لإثبات إيمانه وترسيخه في نفسه. القرآن
كتاب إيمان وهداية للعالِم والجاهل، والإسلام -كوحي- هو دينٌ مبني على اليقين
والتسليم بما جاء في القرآن، أمّا العلم فهو مبني على الشك والخطأ والصواب. القرآن
ثابت والعلم متحوّل. القرآن عابر للزمان والمكان والعلم ابن بيئته. القرآن متماسك
ومتجانس والعلم قد يناقض نفسه بعد يوم. القرآن يدعو لتصديق ما جاء فيه والعلم يدعو
لتفنيد ودحض وتكذيب حجج العلماء لمن استطاع إلى ذلك سبيلا.
خلاصة القول:
أتوجه للقارئ كصديق حميم له وليس كباحث علمي. لم أعدْ
أصلا باحثا علميا منذ حصولي على شهادة الدكتورا ككل الدكاترة العرب الذين يطلّقون
البحث العلمي بمجرد توظيفهم بالجامعة ويتفرغون لنقل العلم وليس إنتاجه، ويجنّدون
كل طاقتهم العلمية من أجل الترقية المهنية السخيفة لحشو سيرتهم الذاتية بأشباه
البحوث المنقولة أو المسروقة من أصحابها الغربيين أو الآسيويين صُناع الحضارة
العلمية الحديثة. أعلمكم أساتذة جامعاتنا "العظام" أن الجامعات العلمية
المتطوّرة علميا -ليس للجامعات العربية مكان في الترتيب العلمي للخمس مائة جامعة
الأولى في العالم في البحث العلمي- أعلمكم أنها ألغت الملاحظات عند منح شهائد
الدكتورا (لا حسن ولا مشرّف لأن كل بحث علمي هو حسن ومشرّف مهما كانت نتائجه)
وألغت أيضا التصنيفات الأستاذية السخيفة من مساعد إلى أستاذ مساعد إلى أستاذ محاضر
إلى أستاذ فخري ووحّدتهم في صنف "أستاذ تعليم عال" حتى يتفرّغ الأستاذ
الغربي إلى البحث العلمي ولا تلهيه الترقيات المهنية عن مهمته الأساسية.
أؤمن إيمانا راسخا بعدم جدوى الإيديولوجيات لأنها كما
قال سارتر: "الإيديولوجيات حرية في بداية تشكّلها وظلم وقهر بعد نهاية
تشكّلها"
« Les idéologies sont liberté quand elles se font,
oppression quand elles sont faites » (Jean-Paul Sartre)
وأضيف ما قاله جوزيف غابــل في نقد الإيديولوجيات: " فالإيديولوجيا، من حيث إنها متجهة صوب
الماضي، ستكون وظيفتها هي الحفاظ على الوضع الاجتماعي،
في حين أن اليوتوبيا، وهي مشرئبّة نحو المستقبل هي عامل ثوري" : يكفي القرآن الكريم شرفا عند المسلمين أنه كتاب إيمان وهداية، يحثّ
ويشجّع على العلم والعمل وإعمال العقل ولن يزيده رفعة أو شرفا احتواؤه للاكتشافات
العلمية الحديثة المادية البشرية ولن ينتقص من قيمته الروحية عند المسلمين خلوّه
من النظريات العلمية الحديثة التي لا ترتقي في مجملها إلى حقائق ثابتة ثبوت النص
المقدّس.
يهدف القرآن إلى بناء علاقة روحية عمودية سرية شخصية ومتعالية على العقل والعلم والمادّة،
علاقةٌ تكون بين الله والمسلم العالم أو المسلم الجاهل على حد السواء ليهديه
ويجذبه ويقرّبه منه، وأما العلم فيبني علاقة ظرفية شكّية أفقية عمومية مشتركة
ونديّة مع الإنسان مسلما أو غير مسلم ليربطه بواقعه المادّي المحسوس ويشدّه إلى
جذوره المادية الطبيعية. لن يزيد المسلم إيمانا فوق إيمانه، اتساع القرآن ليشمل
نظرية النشوء والارتقاء لداروين أو نظرية النسبية
لأينشتاين كما لا ينقص إيمانه عدم وجود النظريتين في نصه المقدّس. المسلم الذي
ينتظر من القرآن شواهد وإثباتات علمية مادية محسوسة وواضحة حتى يسلّم بإعجازه
ومصدره الإلهي هو إنسان مادّي بالقوة (en puissance) "قد" يلتقي في شكّه مع الملحد الذي لا يؤمن بالقرآن
كتابا مقدّسا والذي يؤكد جازما أن هذا الكتاب بشريّ لأنه لا يحتوي البتة على حجج
وقرائن مادية مقنعة ودالة على وجود خالق وراء هذا الوجود المادي المحسوس وغير
المحسوس والمرئي وغير المرئي. أما الملحد الذي يبحث في الغيبيات ويحاول تكذيب
عقيدة غير مادية مستعينا بمنطق مادي فهو مؤمن بالقوة لكنه ضعيف الإيمان.
خاتمة:
لنفرض جدلا أن كل الاكتشافات العلمية الغربية البشرية
الحديثة موجودة في القرآن الكريم منذ خمسة عشر قرنا. فهل هذه الحقيقة تضيف شيئا من
الاستحقاق العلمي للمسلمين المعاصرين الذين لم يشاركوا في صنع هذه الاكتشافات ؟
وهل تضيف شيئا إلى قدرة الله الذي يقول للشيء: "كن فيكون" ؟ ولماذا لا
نقول الحق كما أمرنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وننسب المجهود إلى أصحابه،
علماء الغرب الذين ألهمهم الله . أليسوا من عباده الصالحين ؟ اجتهدوا وعملوا
ووصلوا ونجحوا بواسطة جهدهم البشري إلى صنع العلم وبناء المعرفة وسهروا وحرصوا على
تطويرهما ؟ أما نحن المسلمون العرب المقيمون في بلدان إسلامية، فقد فشلنا أيما فشل
في بناء العلوم وصنع أبسط الآلات، ولم يبق لنا سوى الادعاء الكاذب وانتحال صفة
العلماء الغربيين (مسلمين وغير مسلمين) ونسبة اكتشافاتهم لأنفسنا زورا وبهتانا،
والله -سبحانه وتعالى- غني عن عملهم وعملنا ووجوده لا يحتاج إلى برهان علمي إلا
لدى ضعاف الإيمان من أمثالنا ولكنه في الوقت نفسه كريم وسيجازي العلماء الغربيين
على ما فعلوه من أجل تقدم البشرية ورقيها وسيلوم المسلمين المتقاعسين على ما فعلوه
بأنفسهم.
وأخيرا أنوّه بالعلماء الغربيين المسلمين الذين شاركوا
زملاءهم العلماء الغربيين غير المسلمين في بناء العلم والمعرفة (بناءٌ وليس
اكتشافًا كما يُقال خطأ) وأشد على أياديهم وأقول لإخوانهم المسلمين المقيمين في
البلدان الإسلامية: ما فعله إخوانكم المسلمون المقيمون في البلدان العَلمانية
الديمقراطية هو الإعجاز العلمي بعينه، فعلوه بالعمل والمثابرة في المخابر العلمية
الغربية جنب زملائهم العلماء غير المسلمين، ولم يفعلوه بالتعسف والإسقاط في تأويل
آيات القرآن الكريم، القرآن المنزّل
النهائي هو كتاب يقين و إيمان ولا يجوز حسب رأيي مقارنته بكتب العلم البشرية
المبنية أساسا على الجائز والطارئ والشك والخطأ والصواب، والإيمان أرقى ألف مرة من
العلم لو كنتم تفقهون !
"الإعجاز
العلمي" في القرآن منتشرٌ بكثرةٍ في تركيا والسعودية وفضائياتهما
و"الإعجاز العلمي" في الإنجيل منتشرٌ بقوةٍ وكثرةٍ في أمريكا الشمالية
وبولونيا. يبدو لي أن مفهوم "الإعجاز العلمي في القرآن" يحملُ في الداخل
ضده: لو كان إعجازًا فهو ليس علمًا ولو كان علمًا فهو ليس إعجازًا، لأن الإعجازَ
إعجازٌ إلهيٌّ، مُنزَّلٌ وأبديٌّ، يصيبُ دومًا ولا يخطئ أبدًا، أما العلمُ (La science moderne) فهو بشريّ، قاصرٌ وظرفيٌّ، يصيبُ ويخطئ، وقابلٌ للدحض والتكذيب
بطبيعته (Falsifiable).
ملاحظة: لا أشك لحظةً في العلم
الإلهي، تكفيني "كن فيكون"، ولا أحتاج لبهلوانيات الدعاة الجهلة تجار
الدين، كما لم يحتجْ إليها الصحابة قبلي حتى يؤمنوا. العلم الإلهي في القرآن معجزة
ربانية، فما دخلك أيها المسلم فيها ؟ أوَ تظن أن الله ربك لوحدك ؟ الله رب
العالمين مسلمين وغير مسلمين، فبماذا تتباهى أنتَ إذن على غير المسلمين ؟ الله قال
لك: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ
مَا بِأَنْفُسِهِمْ". غيّرْ يا سِيدي وانتجْ علمًا حديثًا وانسبه لنفسك عِوض
التطاوُسِ بما ليس فيك، واتركْ ما لله لله، الله يهديك !
محاولة في فهم العلاقة بين القرآن
والعِلم الغربي الحديث
على سبيل الذكر لا الحصر، أعرض عليكم بعض نقاط المقارنة بين العِلم والقرآن:
-
القرآن
عند المسلم كتاب إيمان يحوي كلام الله أما العلم فهو إنتاج بشري مائة بالمائة
وشتان بين المصدرَين لدى المسلم.
-
المسلم يعتبر القرآن
يقينا وحقيقة من أوله إلى آخره أما العلم فأوله شك يقود عادة إلى مزيد من الشك
وليس له يقين ثابت.
-
القرآن عند المسلم صالح لكل زمان ومكان والعلم محدَث وظرفي ومتغير ومنحاز
لمموّليه ويختلط فيه الموضوعي بالذاتي.
-
القرآن عند المسلم أتى بالخير الكثير والعلم أتى بالخير القليل ورَجَمَنا بالقنبلة
النووية في اليابان والأسلحة الكيميائية في سوريا والعراق والتلوث البيئي في
العالَم أجمع وقائمة شروره تطول.
-
القرآن عند
المسلم
غير قابل للتكذيب بينما العلم يُعرَّف بقابليته للدحض وعَرْضِ نفسه والتكذيب (falsifiable).
-
القرآن عند المسلم لا يخطئ أما العلم فلا
يتطور إلا عبرتداول الخطأ والصواب.
-
القرآن، لو شاء ربك
لأنزله كتابَ علمٍ مفصّلاً تفصيلاً.
-
القرآن، يؤمن به ويستفيد
منه المسلمون فقط والعلم يؤمن به ويستفيد منه الناس جميعا.
-
القرآن
عند المسلم أرقَى من العلم بدرجات لا تُحصى ولا تُعدّ. فماذا دهَى إذن المؤمنين
بـ"الإعجاز العلمي في القرآن" أن يستدلّوا على صحة القرآن الإلهي بالعلم
البشري ويريدون إثبات المجرد باستعمال المحسوس ويبدو لي أنهم لو عكسوا لأصابوا ؟
قال محاوري: "ليطمئن قلبي". قلت له: "أوَ لم يطمئن قلبك بالقرآن
وحده ؟ وهل انتظر صحابة الرسول -صلى عليه وسلم- الإنجازات العلمية الحديثة حتى
تطمئن قلوبهم ؟". قال: "لأقوِّي إيماني بالله ؟". قلت له:
"وهل تستمد قوة إيمانك من الدنيوي المتغير الهش الضعيف المبني على الخطأ
والصواب وهو العلم، أم تستمدها من العالي الأزلي الثابت المتين القوي الذي يقول
للشيء كُن فيكون ؟". أرجوك، اتركْ رأيي جانبا واسألْ أهل الذكر من علماء
الغرب، منتِجي العلم: لا يُسمّى العلم عندهم علمًا حديثًا إلا إذا اعترف به
المجتمع العلمي العالمي وجُله غربي (la
communauté scientifique)، ونُشِر في المجلات العلمية المختصة وجلها
غربية، ويُدرَّس ويُدرَس في الجامعات وأفضلها غربية، ويُطرح للنقاش والدحض
والتكذيب في المؤتمرات العلمية العالمية وجُلهاٌ غربية أيضًا. وعلى حد علمي لا
يعترف المجتمع العلمي العالمي بمفهوم "الإعجاز العلمي في القرآن"، ولا
يصنّفه علمًا، ولم يُنشر بعدُ في المجلات العلمية المختصة، ولا يُدرَّس ولا يُدرَس
في العالم إلا في بعض الجامعات السعودية والتركية ومثيله "الإعجاز العلمي في
الإنجيل " لا يُدرَّس ولا يُدرَس إلا في بعض الجامعات الأمريكية، ولم يجرؤ
دعاتُه قَطُّ على طرحه للنقاش والدحض والتكذيب في المؤتمرات العلمية العالمية.
-
أضيفُ ولن أطيلَ:
"الإيمان بالقرآن نورٌ قذفه الله في القلب" على حد قول الغزالي، أما
العلم فهو معاناة وجهد وتعلم واكتساب وبناء وتراكمَ تجارب وليس فِطرا ينبت وحده في
الأرض وليس اكتشافا دون عناء، ولا يمكن أن نعرف مسبقا علم القرن 35 في القرن 21
وبينهما 14 قرنا. الله وحده يعرف والمسلم يعرف أن الله يعرف ولا أظنه يحتاج
للتدليل على أن العارفَ الأولَ يعرف !
خلاصة القول:
Dans le site
« WIKIPÉDIA », j’ai lu sur S. J. Gould (paléontologiste marxiste
américain) : « principe de NOMA (Non-Overlapping Magisteria) :
non recouvrement des magistères, destiné à instaurer une autonomie réciproque
des compétences de la science et de la religion dans leurs domaines respectifs. Au nom
de ce principe, Gould fustige les fondamentalistes religieux, pour lesquels le
texte de la Bible a la même valeur que les Proceedings of the National
Academy of Sciences (2ème revue scientifique américaine). Mais il réprouve
également les scientifiques qui, en raison de leur athéisme, attaquent les
croyances religieuses.
حول "الإعجاز العلمي في الكتب
المقدسة"
ادّعاءُ اكتشافِ العِلمِ في نصوصِ
الوَحيِ المقدسة مَثَلُهُ كمَثَلِ طعامٍ نرشُّ عليه مِلحًا ثم نقولُ عنه أنه
مالِحٌ ! فكرة الفيزيائي والفيلسوف إيتيان كلاين (Etienne Klein)
العِلم لم ولا ولن يأتي من نصٍّ
ثابتٍ سبقه في الزمنِ بقرونٍ مهما كانت قُدُسِيّةُ هذا النص ومهما حاول المتدينون
النصوصيون المتعصبون المتزمتون والذين هم على اللغة متطفلون ومتعسفون. العلمُ يسبق
دائما الخطابَ وليس العكس. العلمُ بناءٌ جديدٌ وليس اكتشافًا لشيءٍ مَخفي في نصوصٍ
مقدّسة (القرآن، الأناجيل، التوراة، الأقدس، إلخ).
النصوصُ المقدسةُ تنزلُ من السماء
ونتلوها مؤمنين غير مشكّكِين، أولُها يقينٌ وآخرُها يقينٌ، حقيقةٌ أبديةٌ لا
تحتاجُ إلى برهانٍ أو دليل من أي عقلٍ بشري مهما بلغ من العلم كثيرًا أو قليلاً،
حقيقةٌ غير قابلةٍ للدحضِ أو المراجعةِ أو التكذيبِ. أليس الإيمان نورًا قذفه الله
في القلب ؟
أما العلمُ فهو يسبقُ النصَّ بل
يخلقُه، ندخله مشكّكِين غير مؤمنين، أوله شك وآخره حقيقةٌ نسبيةٌ وقتيةٌ تَعرِضُ
نفسَها في المجلات العلمية للدحضِ والمراجعةِ والتكذيبِ. أليس العلم شكًّا قذفه
الله في العقل ؟
بالوسائل العقلانية وحدها (La physique) لا نستطيع حل المسائل اللاعقلانية (La métaphysique). قالها
العالِم الفيزيائي ألبرت أينشتاين، فلنترك إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله.
العلم ينتجُ عن سيرورةٍ بشريةٍ
متعثرةٍ ترتكزُ على التجربة والخطأ، أما النص المقدس فهو خالٍ من الخطأ ومنزَّلٌ
كاملٌ من السماء.
الإيمانُ غنيٌّ عن العلمِ وأقدَمُ
منه في تاريخ البشرية العاقلة (Homo sapiens depuis environ 300 mille ans)، أما العلم فهو محتاجٌ إلى أخلاقٍ تنظمهُ (Les comités d`éthique)، وإلى
قوانينَ تحمينا من شرِّه وتَشْكُمُهُ.
النصوص المقدسة جُلُّها مَجاز
والنصوص العلمية عدوها المَجاز.
لا تتعسفوا إذن على النصوص المقدسة
لتُولِّدوها ما ليس في رحمها، ولو أرادها الله علميةً لفعل وهو القادرُ على
"كُنْ فيكونْ". ألا تَكُفّون عن مقارنة ذكاء الله المثالي المجرد
بالذكاءِ الحِسّي الناقص لدى خلقه العلماءْ ؟ أليس هو سبحانه مَن علَّم أباهم آدمَ
الأسماءْ ؟ أأنتم أكثر إيمانًا من الصحابة والأنبياءْ ؟ أكانوا يعلمون مثلنا اليوم
قوانين الطبيعة والفيزياءْ ؟ وهل مَنَعَهم ذلك من الإيمانِ المطلقِ برب السماءْ ؟
وهل يُستدلُّ على الخالِقِ بأفعال عباده الضعفاءْ ؟ وهل ننتظر علم الأرض حتى نؤمن
بعلم السماءْ ؟ وأخيرًا بربك قُل لي مَن خلق العلماءْ، مسلمين كرماءْ أو غير
مسلمين أجِلاَّءْ ؟ ومَن فضّلهم على الجهلاءْ، مسلمين أغبياءْ أو غير مسلمين
بُلَهاءْ ؟ أوَ تتباهون بما لا تملكون من العلم على مَن يملكه، أكان المالكُ
عالِمًا مسيحيًّا أو يهوديًّا أو بهائيًّا ؟ أتُدارون جهلكم خلف قدرة السماءْ ؟
أليسوا هم أجدرَ منكم بالتباهي بما صممت عقولُهم وصنعت أيديهم من الماء كهرباءْ ؟
أليس من الأفضل لكم أن تقتدوا بهم في عِلمهم كما اقتدوا هم بأسلافكم علماء الأندلس
وعلى رأسهم ابن رشد أحد بُناةِ نهضتهم الحديثة ؟ ألسنا، مسلمين وغير مسلمين، في الإيمان
بإعجاز القرآن، شُرَكاءْ ؟ أم خَصَّكُم الله برحمته دون عباده جميعًا ؟ "وَقُلِ
اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ
وَالْمُؤْمِنُونَ"، ولم يقل
اسرقوا عملَ غيركم وانسبوه لأنفسكم زورًا وبهتانَا.
القرآن ليس كتابَ علمٍ ولا كتابَ
تاريخٍ أو جغرافيا، إنه كتابُ إيمان ويكفيه ذلك شرفًا وقيمةً، والإيمان أرقَى
وأسمَى من العلم لو كنتم تعقلون ! العلمُ منحازٌ وغير موضوعي وسبق له وأن تسبب في
كوارث من صُنعِ البشر، أكبرها قنبلة هيروشيما، أما القرآن فهو رحمةٌ للعالمين،
سكينةٌ للمؤمنين، بابُه واسعٌ مفتوحٌ للتائبين، وعفوُه متاحٌ حتى للمشركين
والملحدين. لا تقرُنوه بالعلم فهو أكبر منه وأرحب بكثير فلا تلوِّثوه بالعلم
أرجوكم، وشتان ما بين الثرَى والثرَيّا، وما أبعد عِلم المخلوقِ العاجز عن إعجاز
العالِم الخالق !
خاتمة
وفي النهاية إن العلماء لا يُجيبُون
إلا على الأسئلة العلمية وهم وحدهم، لا غيرهم، يُجيبُون بإذن الله، فلا تُضيِّعوا
وقتكم أيها المتطفّلون على العلم المتعسفون على القرآن الباحثون فيه عن أجوبةٍ
لأسئلةٍ علميةٍ، فلن تجدوا "الساعة الثانية عشر في الساعة الرابعة عشر"، كما يقول المَثل الفرنسي،
ولو حرصتُم.
أجوبةُ العلم كونية أو لا تكون
وأجوبتكم دينية لا يعترف بها الكون، والإعجازُ العلمي في القرآن لا يُتداوَل إلا في السعودية
وتركيا.
"لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله": العلم سهلُ المنالِ لو عملنا وتوكلنا
على الله وتركنا التواكل والتعويل على التأويل الوهمي للقرآن اعتمادًا على حِيل
لغوية شبه منطقية، حِيَلٌ ما أنزل الله بها من سلطان.
العِلمُ الغربيُّ الحديثُ تراكُمٌ وبِناءْ وليس نصًّا نازلاً من
السماءْ !
العِلمُ نورٌ، لكنه ليس كنورِ الإيمانِ يقذفه الله في القلب على حد تعبير
الإمام الفيلسوف أبو حامد الغزالي (1058-1111).
العلم جهدٌ بشريٌّ بحتٌ وتراكم تجارب ومعارف عبر قرونٍ من الزمن من تاريخ
البشرية جمعاء.
العلم خلقٌ إنسانيٌّ. فكيف إذن نستدل بِخلقِ المخلوقِ على خلقِ الخالقِ ؟ الله
خلق السماوات والأرض والإنسان خلق العلم وشتان بين خلقٍ وخلقٍ ! ما أصغر ما أبدعه
الإنسان جنب ما أبدعه الخالق ! فكيف نستدل إذن على الإعجاز القرآني الرباني
بالإنجازات العلمية البشرية.
ولو قبلنا جدلا بوجود حقائق علمية مكتوبة بلغة علمية حديثة في القرآن وهو
القادر على كل شيء، فما دخلكم أنتم أيها المسلمون الكسلاء -دون تعميم- وما هي
مساهماتكم في هكذا إعجاز رباني ؟ وهل القرآن مِلككم ؟ وهل الله ربكم وحدكم ؟ وهل
رسالة الإسلام تخصكم وحدكم ؟ وهل أنتم في حاجة إلى إبداعات العلماء غير المسلمين
حتى تُرسّخوا إيمانكم بالله الواحد الأحد ؟ ألم تجدوا في القرآن ما يكفيكم حتى
تؤمنوا وتتيقنوا من أن الله قادرٌ ؟ وهل مر الصحابة بهذا الطريق غير المستقيم الذي
تسلكونه أنتم اليوم ؟
القرآن يغزو القلوب قبل أن يدخل العقول. تدخله وأنت مؤمن وتتمّه وأنت أكثر
إيمانًا، يقينٌ في أوله ويقينٌ في آخره، صوابٌ في صوابٍ لا يمسه الخطأ. أليس كلام
الله أو ما زال في قلوبكم بقية شِركٍ ؟ أما العلم فالعكس تمامًا، العلم يغزو
العقول فقط ولا علاقة له بالقلوب. تدخله وأنت شاكّ وتخرج منه وأنت أكثر شكًّا، شك
في أوله وشك في آخره، خطأ يتلوه خطأ قد يتخللهما صواب (القانون العلمي). فكيف
نستدل إذن على كلام الله بكلام البشر؟
يُعرّف العلم بقابليته للتكذيب وهو دومًا يعرِض نفسه للدحضِ على صفحات المجلات
العلمية المختصة، أما القرآن فيُعرّف بقابليته للتصديق لا غير. العلم يتطور ويتغير
والقرآن نص ثابتٌ لا يتزحزح. القرآن والعلم خطان متوازيان غير متناقضين وغير
متنافرين لكنهما لا يلتقيان وإنما يشتركان في تحقيق ما ينفع الناس، الأول بالحث
على الفعل والثاني بالفعل نتيجة الحث.
العلماء ورثة الأنبياء والأنبياء خاتمهم مات منذ خمسة عشر قرنًا فلم يبق لنا
نحن المسلمون مِن منقذٍ سوى العلم والعلماء ! بربكم كُفوا إذن عن التواكل، وتوكلوا
على الله الذي قال لكم بصريح العبارة "إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا
بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ". محمد -صلى الله عليه وسلم-
كان له ملاكٌ يهديه ويوحى إليه أما العالِم فله كدّه وجده وتجاربه ومخه ومخبره.
محمدٌ واحدٌ وقد مات أما العلماء فكُثرٌ وفي كل عصرٍ يتجددون.
أكثر العلماء المعاصرون لم يقرؤوا القرآن ولم يمنعهم ذلك من الإبداع العلمي.
لماذا إذن نستكثر عليهم ذكاءهم ؟ أليسوا من عيال الله مثلنا ؟ جل المسلمين قرؤوا
القرآن ولم تسعفهم قراءاتهم لاكتشاف أي شيء فلا نجد فيهم إلا نسبة قليلة جدا من
العلماء. الذنبُ ذنبهم وليس ذنبَ القرآن فالله في كتابه الكريم يدعو للعلم والعمل
وأغلبهم لا يعلمون ولا يعملون، لكنهم من جهد العلماء غير المسلمين يستفيدون
ولاستحقاقات هؤلاء الأخيرين ناكرون. يعتقدون خطأ أن العلم الحديث مُفصّلٌ في
القرآن تفصيلا لذلك تراهم على لغة القرآن يتعسفون والكهرباء والذرة لها ينسبون.
إنهم لَواهمون !
لو أراده كتابَ علمٍ لَفَعَلْ، أراده كتابَ إيمانٍ وعلى رسوله أنزلْ. والإيمان
أعلى منزلة من العلم لو كنتم تتفكرون وتفقهون. أنزل القرآن لحل مشكلات الإنسان
الماورائية (Métaphysique) وخلق العلماء لحل مشكلات الإنسان
الطبيعية (Physique) وقال سبحانه وتعالَى: "وأمرهم شورَى
بينهم"، ولم يقل بيني وبينهم، هم البشر الأحرار القادرون عل حل مشاكلهم
الدنيوية فيما بينهم دون انتظار نبي بعد النبي. فلا تتعلقوا بحبالٍ واهيةٍ لا توجد إلا في عقولكم المعطلة، والقرآن بريء من
جهلكم وكسلكم. شمّروا إذن على سواعدكم وطوّروا واقعكم، ولا تنتظروا حلا لن يأتيكم
من السماء، واتركوا الغيبيات للخالق وأنا واثقٌ جدا من عدله فسوف يجازي البحاثة
العلماء مسلمين وغير مسلمين الذين نفعوا الناس كل الناس بإنجازاتهم، وسوف يستدعي
في حضرته أساتذة "الإعجاز العلمي في القرآن" الموجودين فقط في بعض الجامعات
السعودية والتركية ويسدعي أيضًا أساتذة "الإعجاز العلمي في الإنجيل"
الموجودين فقط في بعض الجامعات الأمريكية، ويسألهم: ماذا صنعتم بإعجازي أيها
العَجَزَة في العلم وفي فهم بَيانِي، أم ضاق أفقكم حتى حصرتم كل معجزاتي في إنجيلي
وقرآني، وصغّرتم منها إلى درجة أنكم تجرأتم على مقارنتها بإبداعٍ بشرٍيٍّ غربي أو
ياباني ؟
7
حول مفاهيم إسلامية أخرى
بعض الحِكم الدينية العالمية الإنسانية السامية في الديانات التوحيدية وغير
التوحيدية
حكمة
هندوسية:
جلس كاهن هندوسي على ضفة نهر
وراح يتأمل في الجَمال
المحيط به ويتمتم صلواته. لمح عقربا وقع في الماء وأخذ يتخبط محاولا أن ينقذ نفسه
من الغرق. قرر الكاهن أن ينقذه، مدّ له يده فلسعه العقرب. سحب الكاهن يده صارخا من
شدّة الألم، ولكن لم تمض سوى دقيقة واحدة حتى مدّ يده ثانية لينقذه فلسعه ثانية.
سحب يده مرة أخرى صارخا من شدة الألم وبعد دقيقة راح يحاول للمرة الثالثة.. على
مقربة منه كان يجلس رجل يراقب ما يحدث، فصرخ بالكاهن: أيها الغبي، لم تتعظ من
المرة الأولى ولا من المرة الثانية، وها أنت تحاول إنقاذه للمرة الثالثة. لم يأبه
الكاهن لتوبيخ الرجل وظل يحاول حتى نجح في إنقاذ العقرب، ثم مشى باتجاه ذلك الرجل
وربت على كتفه وقال: "يا بني، من طبع العقرب أن يلسع ومن طبعي أن أحب، فلماذا
تريدني أن أسمح لطبعه أن يتغلب على طبعي ؟".
حِكم مسيحية:
-
قال
قسّ قِبْطي: من عادة سيدنا إبراهيم الخليل أنه كان يسهر ولا يتعشى في انتظار عابر
سبيل يتقاسم معه لقمته. جاءه مرة ضيفٌ في الستين من عمره، أكرمه، أطعمه وأشربه
فطلب منه الضيفُ نارًا.
أشعل له سيدنا إبراهيم نارًا ظنا منه أنه يريد أن يتدفأ. قام الضيف وبدأ يسجد
ويصلي للنار. طرده سيدنا إبراهيم وقال له: أتُعْبَدُ النار في بيت الخليل ؟ خرج
الضيف هائما على وجهه. هتف هاتف من السماء، كلّم الله أبا أنبيائه إبراهيم معاتبا
ومربيا وقال له: تحمّلتُه ستين سنة ولم تتحمله أنت ليلة واحدة ! يا لروعة الحكمة
ويا لحكمة الخالق، هو خلقنا مختلفين ولو شاء لخلقنا متماثلين متجانسين (هذه الحكمة بالذات موجودة أيضًا في تراث الحضارة
العربية-الإسلامية وسبق لي أن سمعتُها من فَمِ داعيةٍ إسلاميٍّ وبِنفسِ الروايةِ
تقريبًا).
حِكمة يهودية:
"إن
لدغنا الجحر مرة فتبّا له وإن لدغنا مرتين فتبّا لنا". حكمة تحتوي على نقد
ذاتي لاذع وتقرّ وتعترف بمسؤولية الفرد
كاملة وتحثه على عدم التنصل من تبعات ذنبه عند ارتكابه نفس الخطأ مرتين.
حِكم بهائية:
-
البهائيّون يؤمنون بالمساواة التامّة بين الرجل والمرأة
ويقولون عنهما "جناحَا البشرية" ولا يمكن للإنسانية أن تنهض بجناح سليم
والآخر معطوب.
-
لو كان لِـعائلة بهائية بنتًا وولدًا في سِن الدراسة
والعائلة فقيرة ولا تقدر إلا على تعليم نفرٍ واحدٍ فقط، فهي تُقدّم البنتَ على
الولدِ. ألمْ يقل شاعرنا الكبير حافظ إبراهيم: "الأُمُّ مَدرَسَةٌ
إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ".
حِكم إسلامية:
-
وقال محمد
صلى الله عليه وسلّم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه" وقال: "اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت
غدا" (حديث محل خلاف في صحته حسب علماء الحديث). حكمتان من ذهب لو اعتمدناهما
كدستور لكفى المؤمنين شر القتال. الحكمة الأولى تأمرنا أن نحب أخانا كما نحب
أنفسنا وقد قال "أخيه" أي الإنسان بصفة عامة ولم يحدد مذهبه أو دينه أو
عرقه أو لونه أو جنسه. أما الحكمة الثانية فهي أعمق بكثير حسب رأيي المتوضع لأنها
لا تفرّق بين العمل للدنيا والعمل للآخرة لأن العملَين متشابكان ومتفاعلان ولا
نستطيع أن نفصل بينهما إطلاقًا ومن يعمل لدنياه مائة بالمائة فكأنما يعمل لآخرته
مائة بالمائة ومن يعمل لآخرته مائة بالمائة فكأنما يعمل لدنياه مائة بالمائة.
-
رأيٌ حول سلوك بعض المسلمين الذين يردّون بمظاهرات عنيفة
على تجاوزات بعض المسيئين لصورة محمد صلى الله عليه وسلّم: أنا أؤمن بما قال الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم:
"أما الزبد
فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض"، وعلى كل سلوك همجي نرد بسلوك حضاري راقٍ متعقل ورصين
كما علّمنا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلّم عندما واجه أذى كفّار قريش
المتمثل في رميهم الفضلات أمام بيته وصبر عليهم وصابر سنينا وسنينا وعندما انتصر
واستلم السلطة في مكة، لم ينتقم منهم عند المقدرة وعفا عن جلهم وسامحهم، ونتيجة
لحكمته وسعة أفقه، أسلم منهم الكثيرون.
-
لم نولِ اهتماما لأروع ما
في ديننا الحنيف من قيم إنسانية مجردة سامية ونبيلة تتمثل في العلاقة العمودية
والمباشرة بين الخالق والمخلوق حيث لا وصاية لمخلوق على مخلوق مثله، صفات أخصّ بها
الله نفسه وحده ولم يمنحها حتى لعباده من الرسل والأنبياء، قال تعالى مخاطبا رسوله
الكريم وخاتم أنبيائه محمد صلى الله عليه وسلّم: "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي
من يشاء". بعد ثمانية قرون، أخذ المصلح الألماني العظيم مارتن لوثر هذه
المفاهيم الإسلامية المجردة أو قد يكون استوحاها دون قراءتها مباشرة، تبناها ونفض
عنها الغبار وجمّلها وأدلجها وأقلمها وكيّفها ومسّحها (من المسيحية) وأضافها إلى
المبادئ الأساسية لمذهب البروتستانتية المسيحية وقام بثورة دينية ضد سلطة بابا
الكاثوليكية ونزع عنه قداسته ووساطته بين الله وعباده المؤمنين وألغى صكوك غفرانه
المزيفة وأباح الزواج لرجال الدين المسيحيين (وهو مباح لكل المسلمين بما فيهم
علماء الدين منذ القرن السابع ميلادي).
-
بناءً على مقولات "لورنزو ﭬالا"، أحد
النهضويين والإنسانيين (humanistes) في القرن الخامس عشر (1407 م - 1457 م)
وأكبر شعراء إيطاليا بالعامية (كانت اللغة الإيطالية تُعتبر في ذلك العهد عامية
أما الفصحى فهي اللغة اللاتينية، لغة أوروبا المشتركة مثل ما هي العربية الفصحى
عندنا اليوم مشتركة في العالم العربي). في كتابه "المُتع والملذات"،
وعلى لسان أحد شخصيات الكتاب، دعا للتمتع بملذات الدنيا في انتظار ملذات الجنة،
حتى الحسية منها والجنسية وبشّر بوجود مثلها في الجنة بمعية الملذات الروحية. يبدو
لي أنه يحق لنا أن نقارن بين فكر نهضة
الأوروبيين في القرون الوسطى وفكر نهضة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم الذي أباح
قبل "لورنز ﭬالا" بسبعة قرون في قرآنه الكريم وفي سنّته الحميدة كل متع
وملذات الدنيا الحسية (سوى الخمر ولحم الخنزير) والجنسية على شرط أن تُمارس داخل
العلاقات الشرعية كالزواج وما ملكت أيمانكم. يبدو لي أنه يحق لنا في الأخير أن
نستنتج من هذه المقارنة أن مفهوم النهضوي ينطبق علي الرسول أكثر مما ينطبق على
النهضويين الأوروبيين في القرون الوسطي
وللأسف الشديد لا يمكن أن ينطبق هذا المفهوم تماما على بعض إسلامِيِّ اليوم
الذين لم يستنبطوا شيئا ولم يطوّروا شيئا بل يريدون تحريم الاجتهاد الذي ساد في
عهد عمر بن الخطاب، الخليفة الراشد الثاني، رضي الله عنه، بل يسعون بكل جهد إلى
تكفير الإبداع في جميع المجالات، الدينية والفنية والفلسفية والاجتماعية وحتى في
بعض الحقول العلمية كاستنساخ الأعضاء لزرعها أو الإنجاب بمساعدة طبية وأما السلفيون،
فهم أكثر رجعية لأنهم لم يأخذوا عن الرسول إلا عاداته في الملبس والمأكل وإرسال
اللحي وتركوا الأهم في سيرته الذاتية والذي يتمثل في عبقريته الفذة ومنهجيته
الثورية وعقليته التحديثية والتنويرية والنهضوية بالنسبة لعصره.
حِكم أبي بكر الصديق، رضي الله عنه:
-
لما استلم الخلافة، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه عندما
وقف في الناس خطيبا وقال: "أيها الناس، محمد كان له ملاك يهديه أما أنا
فلي شيطان يغويني، إن عدلت فأطيعوني ما أطعت الله فيكم وإن أخطأت فقوّموني". حسب رأيي المتواضع وغير المختص في تفسير
أقوال الصحابة، رضوان الله عليهم، أرى أن هذه الخطبة تدشّن لإجراء عَلماني في
تسيير دواليب الحكم والدولة بإعلانها الحكم باسم الشعب وليس باسم الله وبِـفصلها
بين الوحي الذي ينزل على محمد من السماء وهي أوامر لا تحتمل النقاش وبين اجتهاد
بشر قد يخطئ ويصيب حتى ولو كان أبا بكر الصديق نفسه.
-
وصية
منسوبة لأبي بكر الصديق، رضي الله عنه
ثم
أوصى "أبو بكر" جيش "أسامة" فقال: "يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر فاحفظوها عني:
لا تخونوا، ولا تَغُلُّوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا
طفلاً صغيراً أو شيخاً كبيراً ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً
ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة
ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرّون
بأقوام قد فرغوا أنفسهم فى الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له. وسوف تقدمون على قوم يأتونكم بآنية فيها
ألوان الطعام فإذا أكلتم منها شيئا فاذكروا
اسم اللّه عليها. وتلقون أقواما قد فحصوا أوساط رؤوسهم وتركوا
حولها مثل العصائب فأخفقوهم بالسيف خفقاً.
اندفعوا باسم اللّه".
حِكم عمر بن الخطاب، رضي الله
عنه:
-
قال في
القرن السابع ميلادي قبل البيان العالمي لحقوق الإنسان بثلاثة عشر قرنًا:
"متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا". (مع فارق مهم: صيحته
هذه تشمل الأسياد وتستثني العبيد).
-
كان
عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "رحم
الله امْرِئ أهدى إلي عيوبي" وكان يسأل سلمان عن عيوبه،
فلما قدم عليه قال: "ما
الذي بلغك عني مما تكرهه ؟"
قال: "أعفني يا أمير المؤمنين"، فألحّ عليه، فقال: "بلغني أنك جمعت بين إدامين على
مائدة وأن لك حُلّتين حُلّة بالنهار وحُلّة بالليل".
قال: "وهل بلغك غير هذا ؟". قال: "لا"، قال: "أما هذان فقد كفيتهما".
وكان يسأل حذيفة ويقول له: "أنت صاحب رسول الله صلى الله
عليه وسلم في معرفة المنافقين فهل ترى عليّ شيئا من آثار النفاق ؟".
حِكم محمد إقبال، شاعر الإسلام وفيلسوفه الهندي العظيم:
-
يقول إقبال
عن موقع نبيّ الإسلام بأنه قائم: "بين العالم القديم والعالم الحديث. فهو من
العالم القديم باعتبار مصدر رسالته، وهو من العالم الحديث باعتبار الرّوح التي
انطوت عليها". وهذه الروح هي روح تحريرية للعقل من كلّ وصاية خارجيّة عنه،
وذلك وكما أحسن بيانه إقبال، أنّ: "مولد الإسلام هو مولد العقل
الاستدلالي" و"أن النبوّة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى
إلغاء النبوّة نفسها" ولذلك يجب الكف عن اختزال الإسلام في معنى النبوة فقط،
ففي ذلك هدر عظيم للمعنى البعيد الذي ينطوي عليه الإسلام.، وهو أمر ينطوي على إدراكها
العميق لاستحالة بقاء الوجود معتمدا إلى الأبد على مقود يقاد منه، وأن الإنسان،
لكي يحصّل كمال معرفته لنفسه ينبغي أن يُترك لنفسه حتى يعتمد في النهاية على
وسائله هو. وأن إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة الملك، ومناشدة القرآن للعقل
والتجربة على الدّوام، وإصراره على أن النظر في الكون والوقوف على أخبار الأوّلين
من مصادر المعرفة الإنسانية، كلّ ذلك صور مختلفة لفكرة ختم النبوّة".
حِكمٌ إسلاميةٌ رائعةٌ سمعتُهما من
بكار عزوز (أستاذ قرآن، نهضاويٌّ
قياديٌّ بالمهجرِ، صديقٌ منذ الشباب):
-
قال: الإسلامُ رسالةٌ للعالمينَ، مسلمينَ وغير مسلمينَ،
وهو هديةٌ السماءِ لهم جميعا. والمسلمُ مطالَبٌ بأن يبلّغَ الهديةَ إلى صاحبِها
غير المسلمِ. فكيف سيهدِي أغلى هديةٍ في الوجود إلى شخصٍ يَكرَهُه ؟ لذلك قدرُ
المسلمِ أن يحبَّ الناسَ جميعًا، يحبَّ المسيحيَّ واليهوديَّ والبهائيَّ
والهندوسيَّ والبوذيَّ واللاأدريَّ والملحدَ والإرهابيَّ والمجرمَ والمِثليَّ
والسليمَ والسقيمَ، يحبهم جميعًا لكي يستطيعَ أن يَدعوَ لهم بالهدايةِ والتوبةِ
النصوح دون تمييزٍ دينيٍّ أو مذهبيٍّ أو قوميٍّ أو عرقيٍّ أو طبقيٍّ، ولو خالفَ ذلك،
خانَ عقيدتَه وكرَّهَ الناسَ فيها.
-
جوابان جميلان على سؤالين دينيين ظننتهما محرجين: سألته
بكل لطف وأدب: إذا سلّمنا بحرية الضمير وحرية المعتقد فلن يبقى موجب للجهاد بالسيف
لإكراه الكفار للدخول في الدين الإسلامي ؟
أجابني مبتسما كعادته: أولا، إكراه الكفار للدخول في
الإسلام مُنافٍ للعقيدة الإسلامية نفسها. ثانيا، واجب على كل مسلم الجهاد بالسيف
من أجل الدفاع عن مبدأ حرية العقيدة وحرية الضمير ومن أجل نشر الديمقراطية ورفع
الظلم عن المظلومين. قلتُ: مثلما تفعل أمريكا اليوم ! أجاب: الحكومة الأمريكية
ترفعه شعارا، زورًا وبهتانًا، وتخالفه عملاً جهارًا في العراق وأفغانستان.
ثم ثنّيت بالسؤال التالي: وهل المواطن المسيحي مطالَبٌ
بدفع الجزية في الدولة الإسلامية ؟
قال: لا، ليس مطالبا بها البتة، هو مطالب فقط بدفع
الضرائب إلى الدولة. أما المسلم، أخوه في المواطنة، فهو كمواطن مطالب كالمسيحي
بدفع الضرائب إلى الدولة، ولكن كمسلم هو مجبر على دفع الزكاة إلى الدولة أيضا، لأن
الزكاة هي عبادة نتقرّب بها إلى الله ونتمّم بها أركان الإسلام الخمسة، ولا يعفينا
منها القيام بالواجب المدني المقتصر على دفع الضرائب. قد يسهو المسلم عن صلاته أو صيامه ولا يحق للدولة
إكراهه على القيام بواجباته الدينية نحو ربه، لكن من أشدّ وأوكد واجبات الدولة الإسلامية إكراهه على القيام بواجباته
الدينية نحو أخيه المسلم لضمان التكافل الاجتماعي ولأن الله قد يتسامح في حقه لكنه لا يتسامح في حق عباده.
-
مواصلة للنقاش، قلت لصديقي النهضاوي: عندما تفرض الدولة
الإسلامية على المواطن المسلم دفع الضرائب ودفع الزكاة، ألا تثقل كاهله ؟ قال: لا،
والدليل أن في فرنسا تُفرَض ضريبة على أصحاب الثروات الكبرى زيادة على دفعهم
للضرائب العادية وهي بمثابة زكاة مدنية غير عقائدية لتحقيق نفس الهدف وهو التكافل
الاجتماعي في دولة إسلامية أو غير إسلامية.
مقارنة بين التنوير في
القرآن وفي أدب روّاد النهضة الأوروبية
المصدر: مدخل إلى التنوير الأوروبي،
هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى
2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة.
نص هاشم صالح:
صفحة 95، الفضيحة الأولى:
"لورنزو ﭬالا"، أحد النهضويين (نسبة إلى النهضة الأوروبية) والإنسيين في
القرن الخامس عشر (1407 م – 1457 م)، قد تجرأ مثلا على الكشف عن زيف الوثيقة
الكنسية الشهيرة المدعوة "هِبة قسطنطين"...ماذا تقول هذه الوثيقة بالضبط
؟ إنها تزعم أن الإمبراطور قسطنطين وهب البابا سيلفستر حق امتلاك روما وإيطاليا،
وعموما حق امتلاك السلطة الزمنية، وليس فقط السلطة الروحية. وعلى الرغم من هذا
العمل المضاد للمبدأ الإنجيلي القائل "ما لقيصر لقيصر، وما لله لله"،
كما أنه مضاد لكلمة المسيح الشهيرة "مملكتي ليست من هذا العالم"، إلا أن
بابوات روما كانوا يستمتعون بهذه السلطة الدنيوية ويحرصون عليها أشد الحرص. وقد
وصل بهم الأمر إلى حد خلع الملوك والأباطرة وإخضاعهم لهم، وممارسة السلطة السياسية
بكل جبروت واقتدار. وهكذا خرجوا على مبادئ الإنجيل وانتهكوها بعد أن أغرتهم السلطة
الدنيوية بكل متعها وأطايبها.
هامش 1 على نفس الصفحة: وهذا ما ينقض
الأطروحة الاستشراقية الشهيرة التي تعيب على الإسلام خلطه بين الروحي والزمني في
حين أن المسيحية فصلت بينهما منذ البداية كما يزعمون ! ثم شاعت هذه الأطروحة في
أوساط بعض المثقفين العرب وتبنوها من دون أي مراجعة أو تفحص حتى أسقطتها تحليلات
محمد أركون مؤخرا. فالواقع أن المسيحية مارست السلطة السياسية طيلة عدة قرون مثلما
حصل عندنا في الجهة الإسلامية. وكل الثورات الحديثة التي جرت في الغرب كانت تهدف
إلى التحرر من رجال الدين، وإعادتهم إلى كنائسهم لكي يهتموا بالشؤون الروحية فقط،
ويتركوا السياسة للسياسيين. فتلويث الدين بالسياسة يضر السياسة والدين في آن معا.
ولكن الكهنوت المسيحي لم يتخلّ عن السلطة بعد أن ذاق طعمها إلا بعد معارك طاحنة
وجهد جهيد.
صفحة 99: إيراسموس زعيم النهضة
الأوروبية (1469 م -1532 م)، يمكن اعتبار إيراسموس الشخصية التي جسدت مُثُل عصر
النهضة والنزعة الإنسانية في أرقى تجلياتها. ولكن لا يفهمنّ أحد من هذا الكلام أنه
كان مضادا للدين. على العكس، لقد كان مؤمنا مستنيرا راسخ الإيمان... كان أبوه
كاهنا، ولذا فلم يستطع أن يعترف به، وإنما ظل ولدا غير شرعي. وكانت عادة منتشرة في
ذلك الزمان أن يتخذ الرهبان عشيقات وأحيانا يحملن منهم من دون أن يعترفوا بالطفل
لأنه وُلِدَ خارج الزواج الشرعي... أفكاره الجريئة والتجديدية كانت تصدم جمهور
الرهبان واللاهوتيين، ما عدا المستنيرين منهم أو الإنسيين الذين اطلعوا على فلسفة
اليونان وآدابها ومزجوا بينها وبين الدين (إضافة المؤلّف محمد كشكار: نقطة مضيئة
حضارية ثقافية غير قرآنية: ونظير إيراسموس عندنا هو ابن رشد، 1126م - 1198م، مُلهِم النهضة
الأوروبية في القرن الثاني والثالث عشر)...وكان يلقب هؤلاء الرهبان
بـ"البرابرة" الذين يخلطون بين التقى والورع من جهة، وبين الجهل من جهة
أخرى. فبقدر ما تكون جاهلا ولا تطرح أي سؤال تكون تقيا ! وكان يزعجه كثيرا رفضهم
للثقافة اليونانية والآداب الجميلة.
إضافة
المؤلف محمد كشكار: نقطة حضارية ثقافية غير قرآنية وغير
مضيئة: كما يزعجني أنا أيضا رفض بعض علماء الدين الإسلامي وبعض المتدينين المسلمين
للثقافة الغربية بغثها وسمينها ويزعجني أكثر عداوة هؤلاء الصارخة -عن جهل- للفنون
الجميلة بمسرحها وسينمائها ونحتها ورسمها ورقصها وغنائها ويؤلمني جدا ويحز في نفسي
رفض بعضهم للعلوم الغربية الحديثة مثل الأنتروبولوجيا والأركيولوجيا ونظرية التطور
والإبستومولوجيا وعلم الألسنية وعلم النفس والاكتشافات العلمية التجريبية في مجال
استنساخ الأعضاء والإنجاب بمساعدة طبية وبنك الحيوانات المنوية وزرع البويضات
للنساء العاقرات وحرية التعبير المطلقة من كل قيد وشرط إلا ما تمنعه أخلاقيات
المهنة وضمير المبدع وحرية النشر في وسائل الاتصال الحديثة مثل الفضائيات الحرة
والأنترنات، مدونات وفيسبوك وتويتر.
تابع
نص هاشم صالح: قام (إيراسموس) شخصيا بتحقيق الإنجيل من جديد، ونشر نسخة عنه مختلفة
كثيرا عن النسخة الرسمية التي تعتمدها الكنيسة (إضافة المؤلّف محمد كشكار: نقطة قرآنية مضيئة عدد1:
وهذا ما أكده القرآن الكريم قبله بثمانية قرون عندما قال أن إنجيل المسيحيين
المستعمل آنذاك محرّف)...وهكذا أدخل المنهجية النقدية إلى ساحة العلوم الدينية
لأول مرة. وسوف يكون لذلك أثر تحريري كبير في المستقبل... في الواقع إن
الإنسانيين-النهضويين كانوا أكثر تدينا مما نظن على الرغم من إعجابهم بالحضارة
اليونانية وفلسفتها... يقول بما معناه: "إن الدين يسر لا عسر"، ولكن
المؤسسات البشرية الصغيرة هي التي أضافت كل تلك القيود والإكراهات التي تضغط علينا
وتثقل كاهلنا.
إضافة
المؤلف محمد كشكار: نقطة قرآنية مضيئة عدد 2:
وهذا ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم منذ ثمانية قرون قبل إيراسموس: "إن
هذا الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ويسّروا واستعينوا
بالغدوة والروحة وشيء من الدُّلْجَة (والدلجة تعني السير من أول الليل أو سير الليل
كله)" ولكن بعض علماء الشريعة عسّروا علينا ديننا الإسلامي، فالرسول الكريم
لم يفرض علينا إلا الصلاة والصيام والزكاة والحج والصدقة وصلة الرحم.
صفحة 157: ومن الأمثلة الأخرى
الشنيعة على الظلامية المسيحية ما حصل للفيلسوف "ميشيل سيرفيه" الذي
أحرقوه حيا في جينيف بتهمة التشكيك بعقيدة التثليث، وهي من العقائد الأساسية في
المسيحية. فبمجرد أن شكك بصحتها ألقي طعمة للنيران ولم يشفع له علمه ولا فلسفته
ولا إنسانيته.
صفحة 183: المذهب السوسيني، نسبة إلى
سوسين (1540 م - 1604 م)، وهو مصلح بروتستانتي من أصل إيطالي وصل به الأمر إلى حد
إنكار التثليث وألوهية المسيح، وهو من أكثر المذاهب عقلانية في المسيحية.
إضافة المؤلف محمد كشكار: نقطة
قرآنية مضيئة عدد 3: قال
تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة"، جاءت في القرآن منذ
القرن السابع ميلادي.
صفحة 159: وأثبت (الأب ألفريد لوازي
1857 - 1940) أن عيسى ابن مريم هو نبي فقط ولا يتصف بصفة الألوهية التي تتجاوز
النبوة كما يزعم المسيحيون. ثم أصدر البابا قرار تكفيره وفصله من الكنيسة عام 1908
(إضافة المؤلّف محمد كشكار: نقطة قرآنية
مضيئة عدد 4: قال تعالى: "قلْ هُوَ
اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ
يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"(. وأصدر البابا بيوس
العاشر عندئذ قرارا بإدانة الاشتراكية والليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان
ومجمل الأفكار الحديثة، واعتبرها كفرا ما بعده كفر (إضافة المؤلف محمد كشكار: نقطة حضارية ثقافية غير قرآنية وغير
مضيئة: وهذا ما يفعله السلفيون الجهاديون والوهّابيون اليوم، في القرن الواحد
والعشرين في السعودية ومصر و تونس).
صفحة
159: هامش 2: من أهم هذه التنازلات (عام 1962، عندما انعقد المجمع الكنسي الشهير
باسم الفاتيكان الثاني... وهكذا اعترفوا لأول مرة بشرعية المنهج التاريخي والتأويل
الحديث للدين. كما قدموا تنازلات أخرى عديدة لأفكار وتوجهات العصور الحديثة) نذكر
الاعتراف بالحرية الدينية وأنه لا يمكن إجبار أي شخص على الإيمان غصبا عنه. ومنها
التعددية الدينية والمذهبية والتخلي عن المقولة اللاهوتية الشهيرة التي استمرت
ألفي سنة تقريبا والتي تنص على ما يلي: خارج الكنيسة الرومانية البابوية
الكاثوليكية المقدسة لا نجاة للإنسان في الدار الآخرة ولا مرضاة عند الله. وهي
مقولة تدين ليس فقط الأديان الأخرى كاليهودية والإسلام وإنما أيضا المذاهب الأخرى
غير الكاثوليكية وبخاصة المذهب البرتستانتي.
إضافة
المؤلف محمد كشكار: نقطة قرآنية مضيئة عدد 5:
قال تعالى: "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر..." وقال: "لكم دينكم
ولي دين..."، وقال: " قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا
وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا
نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". يبدو لي
-والله أعلم- وأنا غير المختص في تأويل الآيات، أننا نستطيع أن نستنتج مما سبق أن
القرآن يعترف بحرية المعتقد ويقرّ بتعدد الأديان قبل أن يعترف بها المجمع الكنسي
بـ12 قرنًا.
صفحة
190: ولكن الناس جميعا يتهمون "سبينوزا" بالإلحاد في القرن السابع عشر
ميلادي (إضافة المؤلّف محمد كشكار: كما اتهم علماء السنّة
-و دعاتها- "الحلاج" بالإلحاد، 858م- 922م)، فما هو سبب ذلك
؟ السبب هو كتابه التالي الذي نشر بعد هذا الكتاب، أعني سبينوزا. ونقصد به رائعته
الفلسفية المدعوة بـ"الأخلاق". فهذا الكتاب قدّم تصورا عن الله يختلف
كليا عن تصور اليهود والمسيحيين وجميع أتباع الأديان التوحيدية. فالله أصبح هو
الطبيعة أو كلية الوجود ولم يعد هو ذلك الله الخالق، المنفصل عن خلقه، والقابع في
أعلى السماوات. أصبح الله على يد سبينوزا هو قوانين الطبيعة والعقلانية المطلقة
التي تتحكم بها. أصبح هو الكون بما فيه ومَن فيه. أصبح هو القوة الحيوية المنبثَّة
في الكون. وربما كان هذا التصور الغريب من نوعه هو الذي دفع أوروبا المسيحية إلى
رفض سبينوزا ونبذه على مدار ثلاثة قرون تقريبا. عندئذ اتُّهِمَ بالمادية،
والإلحاد، والحلولية، ووحدة الوجود (إضافة المؤلّف محمد كشكار: كما وقع تقريبا بالضبط لـ
"الحلاج" قبل 8 قرون خلت، عندما صاح صيحته الشهيرة: "ما في الجبة
إلا الله" وقالوا عن قولته "أنا الحق" أنها قولةٌ شِرْكِيّةٌ).
صفحة
200: ثم يرى سبينوزا أن الفلسفة تتوصل إلى نفس الحقائق ولكن عن طريق العقل
والبرهان لا عن طريق الإيمان والتسليم. وبالتالي فهناك طريقان إلى الحقيقة أو
الخلاص: طريق الفلسفة وطريق الدين. والأول خاص بالمثقفين فقط، أما الثاني فخاص
بعامة الشعب الذين لا يستطيعون التوصل إلى الحقيقة عن طريق العقل. وهذا الكلام
يشبه كلام ابن رشد (إضافة المؤلّف
محمد كشكار: لكن بعد ابن رشد بـ5 قرون). وهناك طريقان لتصور الله بحسب سبينوزا: طريق
الدين حيث نجد الله يخاطب خيال البشر وعاطفتهم من خلال موسى وعيسى والأنبياء بشكل
عام. وهناك الله المطابق للطبيعة بحسب التصور الفلسفي أو العقلاني. وبالتالي
فالكتابات المقدسة لا تستطيع أن تقدم لنا أي شيء عن طبيعة هذا التصور الفلسفي لله،
ولا عن صفاته وعلاقاته بالبشر. فهذه أشياء من اختصاص الفلسفة وحدها. هنا يتجاوز
سبينوزا ابن رشد بشكل كامل. في الواقع إن سبينوزا كان يهدف من كتابه هذا إلى تقديم
تفسير عقلاني للكتابات المقدسة يواجه فيه -أو يحجّم إذا أمكن- التفسير اللاعقلاني
لعلماء اللاهوت المتزمتين. وبالتالي فمعركة سبينوزا كانت مفتوحة مع جميع الأصوليين
من كل الأجناس والأنواع (إضافة المؤلّف
محمد كشكار: بما فيهم الأصوليين الإسلاميين المعاصرين). كانت معركته مع التعصب الديني
الأعمى الذي إذا ما خرج من قمقمه أصبح كالمارد الأهوج لا يبقي ولا يذر (إضافة المؤلّف محمد كشكار: كما هو حال السلفيين
الجهاديين اليوم في العالم العربي والإسلامي).
خاتمة
صفحة 161: لذلك أستهجن موقف المثقفين
الأوروبيين الذين يتهموننا بالتعصب والتزمت، وينسون كم عانوا هم من تعصب تراثهم
ورجال دينهم قبل مائتي سنة أو ثلاث مائة سنة. من السهل أن تضحك على الآخرين أو
تستهزئ بهم بعد أن تكون قد سوّيت مشكلتك مع نفسك وأصبحت قويا، ناجحا، متفوقا.
ولكنني أستغرب في ذات الوقت موقف المثقفين العرب الذين يعتقدون أن بإمكاننا أن
نتوصل إلى الحداثة الحقيقية (أو الحريات الديمقراطية والتعددية الروحية والسياسية)
من دون أن نخوض معركة الصراحة مع الذات التراثية.
إضافة المؤلف محمد كشكار: وأستهجن
أنا بدوري موقف أكثرية الحداثيين العرب، سوى كانوا يساريين أو قوميين أو
ليبراليين، الذين يعتقدون أنهم قادرون على تغيير المجتمع العربي الإسلامي دون فهم
ميكانيزماته الداخلية وآلياته الإجرائية ومنطقه الخاص به ودون الاطلاع المعمّق على
تاريخه وفلسفته وتراثه وثقافته.
شكرا للحركات الإسلامية التي أجبرتنا
على العودة إلى الذات !
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية
في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
نص هاشم صالح:
صفحة 251: شكرا للحركات الإسلامية
التي أجبرتنا على العودة إلى الذات وعلى
طرح المشكلة الحقيقية بدلا من التهرب منها. ثم أجبرت هؤلاء المثقفن المتحررين جدا،
والتقدميين جدا، والحداثيين جدا جدا على أن يتنبهوا إلى أنهم في واد والواقع في
واد آخر، وأنهم غير ما يدّعون. فالتاريخ يعلّمنا والمنهجية التاريخية تعلّمنا أنه
لا يمكن لأي مفكر مهما علا شأنه وكبرت عبقريته أن يتجاوز ما لا يمكن تجاوزه، أي
الذات الجماعية (d’après moi, c’est la
conscience générale ) التي تحيط
به، واللحظة التاريخية التي هو مشروط بها، شاء ذلك أم أبَى.
إضافة المؤلف محمد كشكار:
لو طبقنا هذه المنهجية على واقعنا
التونسي الراهن، وتمعّنا في نتيجة انتخابات 23 أكتوبر 2011 الأولى بعد
اللثورة رغم أنني أراها لعبة شبه
مزيفة بالمال السياسي والماكينة الانتخابية حتى لو لم تكن شكليا مزيفة مثلها مثل
الانتخابات في الدول الديمقراطية الغربية، وأرى أن نسبة صفر فاصل لا تعكس الواقع
الموضوعي لليسار التونسي، المشارك الأبرز في الثورة والعاجز عن جني ثمارها في الوقت المناسب
(التآمر على جبهة 14 جانفي اليسارية و حلها بسرعة البرق من قبل أطراف يمينية
داخلية وخارجية وتعويضها بالهيئة العليا لابن عاشور)، لكن حتى لو كانت ديمقراطية
ونزيهة وشفافة مائة بالمائة (وهذا لم يحصل
حتى في أمريكا وأوروبا، لأن الديمقراطية الغربية لعبة بالمعنى الحرفي وليس المجازي
للكلمة و"الشاطر" الخبيث المتلون وليس الوطني المخلص الصادق هو الذي
يربح، يربح بماله السياسي وبتحالفاته المشبوهة وبوعوده السخية الكاذبة). حتى لو
كانت ديمقراطية فلن تزيد نسبة اليسار -حسب تكهناتي غير العلمية- على عشرة في
المائة في أقصى تقدير. ومهما كان تقييمنا للانتخابات، مزيفة أو نزيهة، فهي كانت
بمثابة الصدمة الكهربائية لليسار حتى يعي حجمه السياسي الحقيقي وليس الوهمي في تونس
وفي العالم العربي وعلى ضوء هذه النتيجة بدأ اليسار العربي يراجع مواقفه ويعدّل
سياسته ويغيّر خطابه ويتماهى مع مجتمعه العربي المسلم ويتصالح مع هويته العربية
الإسلامية.
انتهت إضافة المؤلف محمد كشكار
نرجع إلى نص هاشم صالح
بهذا المعنى، فإن المفكر العربي أو
المسلم الحقيقي هو ذلك الذي يعيش اللحظة التاريخية للعرب والمسلمين وينتمي إليها
قلبا وقالبا، لا ذاك الذي يعيش اللحظة التاريخية للغرب والغربيين. هذا يعني أنه
يمكن للمفكر أن يكون مرتبطا بهموم مجتمعه العربي-الإسلامي حتى وهو في الخارج.
فالمفكر الذي يعيش في باريس فكل حياته مثلا سيكون مشغولا بمشاكل الإسلام والمسلمين
أكثر من مفكرين عديدين يعيشون في بغداد أو دمشق أو القاهرة... المسألة تخص في
نهاية المطاف مدى الارتباط الوثيق بالقدر التاريخي للعرب والمسلمين أو عدمه، مدى
الحرص على تخليصهم من وهدة التخلف والانحطاط أو اللامبالاة كليا بهذه المسألة.
والواقع أن الشيء المؤلم الآن هو أن المفكرَ مضطرٌّ للعيش خارج مجتمعه لكي يفكر
فيه ! فالتفكير في الداخل أصبح مغامرة غير محمودة العواقب. بل إن المضايقات
والتهديدات أصبحت تصل حتى إلى المفكرين في الخارج...
هنا يكمن المقياس الحقيقي للإخلاص
والخيانة أو إذا شئتم كلمة أخرى أقل حِدّة للارتباط والقطيعة مع القدر التاريخي
للعرب. وهذا هو الشرط المسبق والضروري لكي يفعل المفكر في المشكلة، أو يزحزحها عن
مواضعها التقليدية. ذلك أن التحرير لن يكون إلا عن طريق الجهد البطيء والمخيّب
غالبا. هذا الجهد الذي تقوم به الذات على ذاتها وضد ذاتها من أجل أن تنبثق من داخل
ذاتها ذاتُ أخرى أكثر شبابا وقدرة على مواجهة التحديات.
لماذا تفاعل اليابانيون إيجابيا
وتفاعلنا نحن سلبيا مع الحضارة الغربية ؟
المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية
في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
نص هاشم صالح:
صفحة 321: كان اليابانيون يعتقدون أن
الصين هي مركز العالم وأهم شيء في العالم، فإذا بهم يكتشفون أنها هامشية بالقياس
إلى الغرب. وبالتالي فقد أصبحوا هم على هامش الهامش وهذا وضع لا يُحتمل بالنسبة
للإنسان الياباني. عندئذ قرروا الانفتاح على العلم الغربي وامتلاكه بأي وسيلة
ممكنة. فقبْل سلالة الميجي (بدأت معها الإصلاحات الحقيقية من ثقافية، واقتصادية،
وسياسية حوالي سنة 1854) مثلا، لم يكن عدد اليابانيين الذين سافروا إلى الخارج
يتجاوز الثلاثمائة شخص.
إضافة 1 المؤلّف محمد كشكار:
أما
نحن عرب اليوم فعلى هامش أمريكا واليابان أولا وأوروبا ثانيا والصين والروسيا
والبرازيل ثالثا وماليزيا وتركيا وإيران رابعا ونحن آخرا وأخيرا، ما وراءنا إلا
الصومال وأفغانستان.
نرجع إلى نص هاشم صالح:
الهامش 1 على نفس الصفحة: ربما كان
من المفيد أن يقوم أحد الباحثين بكتابة دراسة مقارنة بين البعثات التي أرسلها محمد
علي مصر إلى الخارج في النصف الأول من القرن التاسع عشر والبعثات التي أرسلتها
سلالة الميجي أو إمبراطورية اليابان في النصف الثاني من ذات القرن لمعرفة سبب نجاح
النهضة اليابانية وفشل النهضة المصرية أو العربية. لماذا كان هناك تفاعل إيجابي
ناجح مع الحضارة الغربية في الحالة الأولى وتفاعل سلبي فاشل مع نفس الحضارة في
الحالة الثانية ؟ وقد فعل ذلك مؤخرا الباحث اللبناني مسعود ضاهر من خلال كتابه:
النهضة العربية والنهضة اليابانية: تشابه المقدمات واختلاف النتائج، سلسلة
المعرفة، رقم 252، الكويت، 1999.
على
أية حال يرى البعض أن اعتقادنا بامتلاك الحقيقة الإلهية المطلقة أو الوحي الوحيد
الصحيح هو السبب في الانسداد التاريخي الذي نعاني منه وفي عدم تمكننا من هضم روح
الحداثة ومكتسباتها الأساسية. بمعنى آخر فإن نقطة قوتنا هي نقطة ضعفنا أيضا. وهذه
أطروحة ينبغي الاهتمام بها أو الحفر فيها أو أخذها مأخذ الجد.
فالتراث
الياباني على ما يبدو لا يُشعِر اليابانيين بأنهم هم وحدهم الذين يمتلكون الحقيقة
المطلقة في العالم. ولذلك سَهُلَ عليهم أن يتفاعلوا مع الآخرين بكل حرية ودون أي
عُقد ذاتية أو تاريخية تراثية ضخمة، (انتهى الهامش).
ولكنهم
بعد هذا العهد أصبحوا بالألاف وعشرات الألاف. إذ قال أحد أباطرة هذه السلالة عام
1890: أريدكم أن تذهبوا إلى إنـﭬلترا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وتأتوني بالعلم
الغربي كله ! لا أريد بعد اليوم أن تظل اليابان متخلفة بالقياس إلى العالم
المتحضر. وأريد نتائج سريعة بقدر الإمكان.
بعدئذ
أصبح الانفتاح على الغرب طوعيا لا إجباريا كما حصل سابقا. ويمكن القول بأن المثقف
الياباني فوكوزاوا (1835 - 1901) كان أول من دعا إلى "غربنة" اليابان
بالكامل. وقال إن البلاد بحاجة إلى تغييرات وإصلاحات جذرية وإلا فسوف ننقرض ونموت.
وبعد عودته من أوروبا عام 1869 نشر كتابا عمّا رآه. وكان أول كتاب يصدر باللغة
اليابانية عن الحضارة الغربية. ثم أصبح الغرب "على الموضة" في اليابان
كما يقال. فقد ابتدأت الترجمات تظهر، أي ترجمات كتب روسو، ومونتسكيو، ومعظم فلاسفة
التنوير. أما قصة "روبنسون كروزو" فقد تُرجمت مرتين ! وذلك لأن
اليابانيين وجدوا أنفسهم فيها. فهي تحكي قصة شخص وجد نفسه في جزيرة معزولة فاضطر
إلى تدبير نفسه وصنع الحضارة بمفرده، تماما كما يفعل اليابانيون... وشهدت اليابان
في نهاية القرن التاسع عشر نفس الصراع الذي شهده العالم العربي، أو الصين، أو
الهند بين أتباع التغريب من جهة و أتباع التقليد والهوية والأصالة من جهة أخرى...
في الواقع إن وصايا أباطرة الميجي كانت واضحة: نعم لتغيير الأوضاع وتحديث البلاد
ولكن مع المحافظة على تراثنا وتقاليدنا. فالجوهر القومي أو الثقافي لليابان مقدس
ولا ينبغي المس به. ولذلك تراجع بعض المثقفين عن هوسهم بالغرب وأصبحوا تقليديين أو
تراثيين.
إضافة 2 المؤلّف محمد كشكار:
وهذا
ما حدث لي أنا شخصيا منذ الثمانينات من القرن الماضي: فبعد هوسي بالغرب وحضارته
وثقافته، تراجعتُ عن إهمالي واحتقاري -عن جهل- لتراثنا الأمازيغي التونسي العربي
الإسلامي.
لماذا فشلت الحداثة في العالم العربي
والإسلامي ؟
المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية
في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
نص هاشم صالح
صفحة 160: ولكن من الواضح أن العلاقة
مع آخر ثقافة أو مع آخر طبقة جيولوجية هي أقوى بكثير من العلاقة مع الطبقات
السفلية أو الثقافات الغابرة التي لم نعد نتذكرها إلا عن طريق الحفريات
الأركيولوجية. ومن هنا فَشَلُ كل الدعوات العتيقة: كالقومية السورية، أو القومية
الفرعونية... إلخ، وذلك لأن الطبقة العربية-الإسلامية هي التي تهيمن على الوعي من
أقصاه إلى أقصاه، ولا يمكن للتغيير أن يحصل إلا من خلالها وبناء على تطويرها
وتحديثها (أضف إلى ذلك أن طبقة الحداثة التي حاولوا لصقها على الطبقة
العربية-الإسلامية وإعدام هذه الأخيرة تماما عن طريق القفز فوقها قد فشلت. وكانت
حداثة عدمية أو تخريبية لأن هذه الحداثة لم تتم عن طريق التفاعل الصعب والتدريجي
مع التراث العربي-الإسلامي ذاته. لم تتم عن طريق المواجهة الصريحة
والداخلية والعميقة، معه، كما حصل في أوروبا بالنسبة لتراثها المسيحي)، (هامش
الكاتب في نفس الصفحة: وفيما يخص مُعاركة التراث من الداخل أو مصارحته ومكاشفته لا
أجد أقوى من محاولة محمد أركون. (إضافة 1 المؤلّف محمد كشكار: وأضيف أنا إلى محمد
أركون قائمة طويلة من رواد النهضة العربية المعاصرة أمثال حسين مروة وجمال الدين
الأفغاني ومحمد عبده وطه حسين وعلي حرب ومحمد الشريف الفرجاني وجمال البنّا ونصر
حامد أبو زيد وعلي عبد الرازق وعبد المجيد الشرفي وهشام جعيط وآمال ﭬرامي ومحمد
حداد ومحمد الطالبي وصادق جلال العظم وهاشم صالح والطاهر الحداد وعبد الله العروي
ومحمد الطاهر بن عاشور وغيرهم كثيرون).
صفحة 166: ما حققته أوروبا على مدار
ثلاثة قرون متتالية، وبشكل تدريجي وإنساني، نطالب نحن بتحقيقه خلال عدة عقود من
السنين ! وهذا أمر مستحيل، بل وخطر على توازن الشخصية التاريخية للأمة الإسلامية
والعربية. وربما لهذا السبب نشهد الآن مثل هذه التشنجات والاختلاجات الهائجة هنا
أو هناك. فصدمة التحديث موجعة إذا ما أتت دفعة واحدة، أو إذا ما كانت قادمة على
هيئة "غزو ثقافي" كاسح لا يرحم (هامش الكاتب في نفس الصفحة: لست من
مؤيدي مقولة "الغزو الثقافي" بالطبع لأنها مقولة أيديولوجية هدفها منع
التفاعل مع الحداثة. ولكن لا نستطيع أن نمنع الناس من الشعور بأن الحداثة الغربية
هاجمة عليهم وكأنها غزو. وبالتالي فلا بد من تهيئة عقول البشر لتقبل الحداثة
تدريجيا. فالمسيحيون الأوروبيون أنفسهم يشعرون بهذه الحداثة وكأنها عدوان عليهم
وعلى يقينيّاتهم ومعتقداتهم...).
ينبغي على التحديث أن يتم درجة درجة،
ومرحلة فمرحلة. ولا ينبغي أن ننتقل إلى المرحلة التالية قبل أن نهضم تماما كل
متطلبات المرحلة الأولى. حذار من عسر الهضم بالنسبة للتطور التاريخي، فأفضل منه
عدم الهضم على الإطلاق ! حذار من حرق المراحل والمغامرات الطائشة ومحاولة اللحاق
بالآخرين بأي شكل. فمن يريد كل شيء دفعة واحدة، سوف يحصد في النهاية اللاشيء.
ولذلك فإن التطور التدريجي المعقول -أي المهضوم والمستوعب جدا- هو التطور الوحيد
الباقي الذي يرسخ في الأرض. إنه التطور الذي يراعي عقلية الناس وتقاليدهم
وحساسيتهم ويمشي بهم خطوة فخطوة على الطريق الصحيح. (إضافة 2 المؤلّف محمد كشكار:
قال تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ". وكيساري من نوع خاص يعني غير
ماركسي وغير منبت عن مجتمعه التونسي العربي الأمازيغي الإسلامي ومتماهِ مع بيئته
وحضارته، هذا ما جعلني شخصيا، لا أؤمن بمفهوم "الثورة" أو التغيير
الفجائي العنيف ماديا أو فكريا أو التغيير الحضاري الصادم ولا أؤمن بتاتا بالعنف
الثوري الماركسي أو السلفي وهذا ما دفعني إلى أن أجتهد فكريا وأحاول قدر المستطاع
تعويض مفهوم الثورة بمفهوم جديد، اشتغلت عليه في أطروحة الدكتوراه 2007، اسمه
"التغيير المفاهيمي" الفكري السلمي المتدرج البطيء أو ما يُدعى
بالفرنسية:
Le changement conceptuel progressif : renouvellement et
dépassement des concepts périmés et simultanément auto-construction des
conceptions scientifiques afin d’essayer de remplacer les conceptions non
scientifiques résistantes et récalcitrantes dominantes chez l’individu et dans
la société arabo-musulmane.
يريد
رفاقي في اليسار الماركسي التونسي الأصولي الأرتدوكسي تغيير مجتمعهم التونسي
الأمازيغي العربي الإسلامي إلى الأفضل وأنا لا أشك البتة في صدق رفاقي وإخلاصهم
لوطنهم، لكنني أشكك في طريقتهم المتوخاة للتغيير وأشكك أكثر في عدم إلمامهم
بالتراث العربي الإسلامي. يبدو لي أنهم يريدون تغيير
مجتمع بآليات وفكر مجتمع آخر، يريدون تغيير مجتمع دون أن يفهموه ويدرسوه ويطلعوا
على تراثه الفكري الغزير والغني والذي يحتوي على جوانب عديدة مضيئة -يجب إحياؤها-
وأخرى مظلمة -يجب نقدها- ككل حضارات العالم).
نرجع
إلى نص هاشم صالح
ولذلك
أقول إن استيعاب المنهجية العلمية في كافة المجالات سوف يأخذ وقتا طويلا، بل
وينبغي أن يأخذ وقتا طويلا. ونحن إذا ما درسنا كيفية انبثاق العقلية العلمية في
أوروبا وجدنا أنه كان انبثاقا صعبا، طويلا، بطيئا، معقّدا. فقد اصطدمتْ أولا
بالعقلية الأسطورية والغيبية المسيطرة، ولم تستطع أن ترسّخ أقدامها جيدا قبل أن
تزحزح العقلية اللاعلمية (أو الماقبل علمية) عن مواقعها. هذا أول مبدأ من مبادئ
الإبستمولوجيا.
حول قولة عمر
بن الخطاب: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟"
"الحرية
ليست شيئا قائما في ذاته نبحث عنه لكي نقبض عليه، بل هي شيء نمارسه ونصنعه أو
ننتجه ! الحرية لا تنزل من السماء وهي
ليست موجودة على الأرض لكي نقترب منها، بل هي نتاج يُنتج و صناعة تُصنع في
المعيش اليومي" (علي حرب).
قالها عمر بن الخطاب، رضي الله عنه،
منذ خمسة عشر قرنا: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟".
ومع ذلك ظل المسلم يستعبد أخاه المسلم أربعة عشر قرنا بعد تاريخ القولة (أُلغيت
العبودية في موريتانيا في القرن الماضي فقط). نداء الفاروق، رضي الله عنه، لم يشمل
جميع البشر في ذلك العصر وذلك لوجود العبيد رسميًّا في عهده. ولم يتم تحريم
العبودية في الإسلام بل اكتفى الإسلام فقط بتشجيع تحرير العبيد ولو امتثلنا لنصائح
القرآن وطبقناها فعليًّا لكنَّا سبقنا عصرنا وكل الأمم. ومَن يطالب بتحرير العبيد
جملة وتفصيلا في ذلك الزمن كمَن يطالب بالمستحيل التفكير فيه في ذلك العهد. صيحة
عمر، هي صرخة إنسانية تكرّم الإنسان لا شك في ذلك، وقد سبقه بأحد عشر قرنًا
الأسياد اليونانيون في مساواة الأحرار بين بعضهم البعض.
وما وقع في الحضارة الإسلامية من
ممارسات عبودية، وقع بنفس الدرجة أو أكثر في الحضارة المسيحية فلا يحق إذن لهذه
الحضارة أن تزايد على غيرها في مجال حقوق الإنسان: ملايين من الأفارقة هُجِّروا
قسرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، نصفهم مات في البواخر ونصفهم الآخر بَنَى
أمريكا. خاض الغرب المسيحي حروبا مذهبية بين الكاثوليك والبروتستانت، حروبا تفوق
دموية بكثير حروب السنّة والشيعة عندنا. لا تعترف المسيحية بمحمد نبيا ورسولا في
حين أننا نحن نمجّد عيسى ونذكره في كل صلاة هو وأمه مريم العذراء. قَمَعَ الغرب
الأقلية اليهودية قمعا وحشيا في ألمانيا "المحرقة" بغض النظر عن كون
العدد صحيح أو مبالغ فيه، بينما عاشت هذه الأقلية بسلام نسبي في الإمبراطورية
الإسلامية على مدى قرون. خَلَقَتْ أمريكا والسعودية إرهابَ القاعدة "بن
لادن" ضد الاتحاد السوفياتي، فرجع السحر على الساحر واكتوتا بنار الإرهاب بعد
خروج الشيوعيين من أفغانستان.
ثار العبيد عدة مرات وفي أماكن
مختلفة وأزمنة مختلفة، لكنهم لم ينجحوا في تحرير أنفسهم قبل الأوان ولم ينفعهم أو
يعجل بتحريرهم أي دين. حررهم تقدم البشرية وتطور وسائل الإنتاج وليس صدفة أن يبدأ
تحريرهم في أكثر الدول تقدما، الولايات المتحدة الأمريكية. حررهم العقل البشري
وساهمت في عتقهم من أغلالهم مَكْنَنَة وسائل الإنتاج. أصبحوا عبئا على صاحب الأرض
فقال لهم غصبا عنه أو عن طواعية في بعض الحالات: "اذهبوا فأنتم
الطلقاء". خرجوا من سجنهم الضيق إلى السجن الكبير. خرجوا من سجن أحادي اللون
إلى سجن ملوّن، فيه الأسود والأبيض والأصفر والأحمر. كانوا يبادلون العمل بالقوت
اليومي فأصبحوا يبادلونه بأجر زهيد لا يكفيهم قوت يومهم. كانوا وحدهم في العبودية
فأصبح لهم إخوة كثر، عمال وفلاحون أجراء وزادهم أخ جديد، سماه صاحب الأرض والمالك
الجديد، "المعطّلين عن العمل".
حول مفهوم "الجاهلية": خاطرة معاكسة للفكر السائد ومشاكسة للذوق العام في
عالمنا العربي الإسلامي
نحن العرب المسلمون، تنكَّرنا لجميع
الحضارات غير العربية الإسلامية التي سبقت فجر الإسلام بما يزيد عن عشرة قرون، ولم نعترف
عَلَنًا بفضلها علينا ومساهمتها الفعالة والجيدة في بناء حضارتنا وازدهارها خاصة
في القرون الثمانية الهجرية الأولى (على سبيل الذكر لا الحصر، أذكر الحضارات
التالية التي سادت في العالم من حوالي 4000 ق.م إلى 3000 ق.م.: الحضارة الفرعونية في مصر والحضارة السومرية والحضارة
البابلية في العراق على تخوم الجزيرة العربية. أو التي سادت في العالم أيضًا من
حوالي 500 ق.م.: أرسطو وأفلاطون وسقراط وغيرهم من رواد الفلسفة الأوائل في
اليونان، وكونفشيوس رائد الفكر الإنساني في الصين، وبوذا الحكيم في الهند، والنبي
زرادشت في فارس ، ومكتبة الإسكندرية، أثرى وأغزر مكتبة في العالم في عصرها، في
مصر، وكانت منّا على مرمى حجر).
ومن شدة "جهلنا" أطلقنا
نعت "الجاهلية" على كامل الحقبة التاريخية التي سادت في الجزيرة العربية
قبل ظهور الإسلام، وهي في الواقع ليست بالجاهلية في شيء حتى في الجزيرة نفسها، وما
محمد -صلى الله عليه وسلم- إلا ثمرة من أطيب ثمارها.
La
Mecque, avant l’islam, constituait un grand centre-relais cultuel, culturel et
commercial, c’est un havre de paix dans un tourbillon océan de désert et
Mohamed, que Dieu le proyège, mis à part son message divin, n’est que le
produit exceptionnel d’une société mecquoise raffinée sur trois niveaux,
intellectuel, économique et moral.
يبدو لي أن الجهلَ هو قطعة منّا
وفينا، وهو ملتصق بنا ويسكننا حتى اليوم، يملؤنا ويفيض عنّا، فنهرب منه إليه، أو
نحاول التخلص منه وهميا فنُلبِسه ونُسقِطه زورا وبهتانا على كل مَن يخالفنا.
حول كيفية تطبيق مقولة "الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر" في السعودية
قال الشاعر التونسي العظيم منور
صمادح:
"شيئان في بلدي قد خيّبا أملي .... الصدق
في القول والإخلاص في العمل".
وأنا بعد قراءاتي، أقول:
كلمتان أو قِيمتان إسلاميتان ساميتان
أو مبدآن، قد طُبِّقا في السعودية في غير موضعهما: "الأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر". طُبِّقا على الضعفاء من المواطنين في السعودية، وكان أولى بمن
يمارسهما أن يُطَبِّقهما على الأمراء والأغنياء والمسؤولين المتنفذين المتحكمين في
مصائر ورقاب المواطنين السعوديين البسطاء العاديين، لأن الضعيف، حتى وإن ارتكب
منكرا عن سهو أو جهل، فهو في غالب الأحيان لا يضر بمنكره هذا إلا نفسه أو عائلته
وإن أنجز معروفا، فلا ينتفع من معروفه إلا محيطه الضيق، أما الحاكم فمنكره مصيبة
على القريب والبعيد ومعروفه قد ينقذ الآلاف أو الملايين من البشر من الفقر والمرض
والجهل. في السعودية يوجد عشرات الآلاف من الأمراء، بعضهم يعبث ويفسق ويفسد في
الأرض ويسرق وينهب أموال الشعب السعودي ويخون البلد ويشوّه سمعة العرب والمسلمين،
ولا من رقيب ولا من حسيب، ولا من ناه عن المنكر، ولا من آمر بالمعروف ! أما شرطة
"الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" التعيسة والسخيفة، فهي طوال اليوم
تجري وتهرول في الطرقات العامة وتنهى عن المنكر وكأن كل المواطنين السعوديين
والأجانب الوافدين أو المقيمين متهمون بارتكاب المنكر حتى تثبت براءتهم، شرطة -بأوامر
أميرية فاسدة- تلاحق السافرات المسالمات العفيفات المحصنات أو تنهر مراهقا ارتدى
"شورتا" قصيرا اتقاء لموجة حَرٍّ صحراويةٍ قائضةٍ.
يا ليتهم فعلوا مثل جدهم (الذي لن
يتشرف بهم لو بلغته أفعالهم) الفاروق عمر بن الخطاب ( رضي الله عنه) و طبقوا هذان
المبدآن الرائعان على الأمراء قبل الفقراء:
سأل عمر بن الخطاب عمرو بن العاص حين
ولاّه مصر: "إذا جاءك سارق، ماذا تفعل به ؟" فقال عمرو بن العاص:
"أقطع يده". فقال عمر بن الخطاب: "وأنا إن جاءني جائع من مصر، قطعت
يدك".
وقال أيضًا:
"انصحوا الناس بصمت". قالوا: "كيف يا عمر؟". قال:
"بأخلاقكم". لو عملنا بهذه النصيحة فقط لقطعنا نهائيا مع الوعظ العقيم لدعاة
الدين.
ملاحظة:
يُذاعُ أن "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر" قد تمّ حلّها عقب
تولي الملك سلمان.
حول خطبة الجمعة: وجهة نظر في الدرس الذي يسبق خطبة الجمعة
لستُ من أهل الاختصاص في المسائل الفقهيّة ولكنّ موضوعات
الدرس الذي يسبق عادة خطبة الجمعة تهمني لأنها تهتمّ بشؤون الدنيا. لذا رأيتُ من
واجبي الكتابة فيها، مساهمة مني في الارتقاء بالمستوي العلميّ لهذا الدرس.
لنترك جانبًا الإمام الكلاسيكي المختصّ في الدين وهو موظّف
قار ولن أتدخّل في دوره لأنني غير مختصّ في الدين، وأقترح في كل جمعة، وبعد تنسيق
وإعداد مسبق, استدعاء متدخّل من بين المواظبين على الصلاة: يُختار هذا الشخص تحت
إشراف الإمام ويكون محل ثقته وثقة مرتادي
الجامع ومن الأفضل أن يكون مختصّا في فرع من فروع العلم ومتطوّعا غير قار لأن
"من مقوّمات الخطيب علمه وثقافته، والعلم والثقافة يحتويان مجموعة اختصاصات
لا يمكن أن يلمّ بها ويتقنها شخص واحد، لا سيّما في عصرنا هذا، ولا يُعقل أن يصمت
المصلّي المختصّ وهو يسمع خطيبا غير مختصّ يشرح ويحلّل ويعظ ويرشد في مسائل الناس
ومشكلاتهم الدنيويّة التي يسألونه عنها ويطلبون رأيه فيها".
على سبيل الذكر لا الحصر, أسوق أمثلة تجسّم الموضوعات
الدنيويّة التي يُرجى أن يتدخّل فيها الضيف الخطيب العالِم الدنيوي في درس الجمعة
الذي يسبق خطبة الجمعة:
1.
ما أحوجنا كلنا إلى
توصيات خطيب مختصّ في كتابة عقود البيع والشّراء ونحن نتعرّض يوميا للاحتيال باسم
القانون.
2.
في افتتاح السنة
الدراسية: لماذا لا نأتي بخطيب مختصّ في علوم التربية يشرح للناس كيفيّة تهيئة
ابنائهم لعام دراسي ناجح ؟
3.
بمناسبة الأزمة الماليّة
العالميّة: لماذا لا نستدعي خطيبا خبيرا في الشؤون الماليّة يشرح للناس أسباب
الأزمة ونتائجها ؟
4.
إثر انتشار مرض معيّن في
العالم أو في البلاد: لماذا لا نرحّب بخطيب طبيب في الجامع يُطَمْئن الناس وينصحهم
بما يجب فعله في مثل هذه الظروف مثل "جائحة كوفيد 19" ؟
5.
في موسم الحج: لماذا لا
ندعو خطيبا مختصّا في الطبّ الوقائيّ، يشرح للمرشّحين للحج فوائد التلقيح أو كيفية
اتّقاء ارتفاع درجة الحرارة في الأراضي المقدسة ؟
6.
قبل رمضان: لماذا لا
نستقدم خطيبا مختصّا في التغذية يحذّر المرضى وكبار السن والمعذورين شرعيا من
مخاطر الصوم على صحتهم وعلى صحة من يقوم عليهم ؟
7.
قبل فصل الصيف وكثرة
حركة السيارات: لماذا لا نستفيد من علم وتجربة خطيب خبير في حوادث الطرقات، هذه
الحوادث التي تقضي سنويا على 36 ألف بشر وتصيب 400 ألف مواطن في جملة البلدان
العربية ؟
8.
قبل موسم الأفراح: لماذا
لا نستضيف خطيبًا خبيرًا في التلوّث الصوتيّ ينبئنا عن مضارّ الضجيج المنبعث من
مكبّرات الصوت ؟
9.
في اختتام السنة
الدراسية: لماذا لا نستدعي خطيبا عالِم نفس يفسر للأولياء أسباب النجاح والفشل
الدّراسي وكيفيّة التعامل مع أبنائهم في الوضعيّتين ؟
لقارئ أن يردّ ويقول: "هذه موضوعات محاضرات علميّة
مختصّة تُلقى في دُور الثقافة والجامعات"، أجيبه مسبقًا: ما الضّرر لو يصبح
الجامع دار دين ومنارة علم في آن ؟
بالله عليك، أيها القارئ الكريم، تصوّر معي واحلم -ولو للحظة-
بالفائدة التي قد تحصل لمواطن مسلم مواظب على خطبة الجمعة عندما يتلقّى اثنين
وخمسين تدخّلا علميّا ولو لعشر دقائق في
الأسبوع في مجالات علمية مختلفة خلال سنة
على يد مختصّين "وهذا يمثل في حد ذاته مساقًا دراسيًّا كاملا" قد تتخرّج
منه أجيال بدرجة علمية محترمة، خاصة وأن كثيرًا من المصلين لا يرتادون دُورَ
الثقافة لانشغالهم بعملهم، ومنهم من لم يسعفه النظام التربوي وظروفه الخاصّة في
الوصول للجامعة.
ولقارئ آخر أن يحتجّ ويتمسّك بتراث السلف الصالح فلا يريد
تغييرا حتى ولو كان مفيدا. أجيبه: "في العصور الماضية كانت العلوم قليلة
واجتماعها في إمام واحد كان ممكنًا، أضِف إلى ذلك فقد كان ترسيخُ العقيدة يشغل
بالهم أكثر من المسائل الدنيويّة والعلميّة".
أنا لا أدّعي أن هذه التدخّلات سوف تعوّض محاضرات الجامعة أو
دروس المعهد وهذا غير ممكن عمليّا "لتنوّع المستمعين اليها, باختلاف
مستوياتهم وطبقاتهم العلميّة والاجتماعيّة" ولقِصَر زمن الخطبة.
لو قدّر الله وطُبِّقت هذه المبادرة فسوف تمهّد لإرساء ثقافةٍ
نحن في أشدّ الحاجة اليها خاصّة في مجتمع ابتعد كثيرا عن القراءة، فتصبح ثقافتُه
ثقافةً شعبيّةً سمعيّةً نفسيّةً تربويّةً صحيّةً وحقوقيّةً مبسّطةً لكنها صحيحةٌ
وصادرةٌ عن مختصّين.
هذه المبادرة قد تفتح المجال للعمل الخيريّ وتؤسّس لنمطٍ
جديدٍ من التطوّع العلميّ قد يعطي فرصةً لأصحاب المعرفة وجلهم فقراء في بلادنا،
فرصةٌ تمكنهم من التصدّقِ بما يملكون من العلم، خاصة وأن العلمَ هو الكنز الوحيد
الذي يزيد كلما أنفقتَ منه.
لماذا
نشترط في الأستاذ أن يكون مجازا في اختصاصه ولا نشترط في إمام الجمعة نفس الشيء.
هل دَور الإمام أقل أهمية تربويا من دور الأستاذ ؟
يبدو
لي أن أغلبية أئمة الجمعة ليس لهم دراية معمقة بالتفكير الإسلامي والفلسفة عموما
والإمام مدرسة لو أعددته أعددت شعبا وسطا غير متطرف.
إمام الجمعة رسول، رسول لا ينزل عليه الوحي من السماء بل يأتيه من التكوين الجامعي أساسا ومن
التكوين الذاتي عامة. وإذا وظفته قتلت الرسالة فيه.
يبدو لي أن جل أيمة المساجد
التونسيين لا يفهمون أن المصلين لا يفهمون خطابهم الفقهي المتكلس والمتعالي، خطاب
قد عفا عليه الزمن وفاته بسنين ضوئية، "فصاروا يحصرون الدعوة في الدعاء على
الأعداء في خطب بلهاء لا تحرك غير الهواء".
ملاحظة هامة 1:
الدين الإسلامي يحوي قِيم فلسفية
راقية ورائعة
وكونية. تخيّلوا لو ركّز عليها
أيمتُنا لَغزونا قلوبَ المسلمين وغير المسلمين وفتحنا عقولهم.
ملاحظة هامة 2:
مقالي هذا وصل بالصدفة إلى وزير
الشؤون الدينية الأسبق، السيد القاضي المحترم أحمد عظّوم فاستدعاني ورحّب بي
وأعجبته الفكرة ووعدني بتطبيقها تجريبيًّا في جوامع تونس الكبرى. "كلام الليل
يصبح...".
مقاربتان متناقضتان حول مفهوم ختم
النبوّة
المقاربة الأولى فقهية إسلامية
أرتدوكسية:
هذه المقاربة تقرّ بمحمد (صلى الله
عليه وسلم) خاتم للأنبياء جميعا ومعتنقوها يرون أن الختم وقع من الداخل فأصبح
مثَلهم كمثل مَن دخل بيته وقفل على نفسه وسَجَنها فيه والمفتاح في جيبه. السجن هو
الإسلام الأرتدوكسي يعني إسلام التقليد دون اجتهاد أو تجديد.
المقاربة الثانية عَلمانية مسلمة
لصاحبها الفيلسوف المسلم الهندي محمد
إقبال، مقاربة غير معادية للمسلمين والإسلام وفي الوقت نفسه غير متعصبة لهما على
حساب معتنقي المعتقدات الأخرى: هي أيضا تقرّ بمحمد (صلى الله عليه وسلم) خاتمًا
للأنبياء جميعا ومعتنقوها يرون أن الختم وقع من الخارج فأصبح مثَلهم كمثل مَن خرج
من بيته وقفله من الخارج حفاظا على محتوياته الثمينة (اللغة العربية، القرآن،
الحديث والفقه الغني بغثه وسمينه)، قفله والمفتاح في جيبه يرجع لبيته متى يشاء بعد
أن تحرر من القيود الصلبة المتكلسة المتمثلة في الإسلام الأرتدوكسي. تحرر من سلطة
البشر على البشر على المستوى الديني والدنيوي وآمن بأهم آيتين في القرآن الكريم:
آية "لا إله إلا الله" وآية "إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي
من يشاء وهو أعلم بالمهتدين" (الله لم يمنح رسوله الخاتم القدرة على ضمان
النتيجة بعد محاولة الهداية، فكيف يدّعيها مَن هم أقل درجات من الرسول مثل الدعاة
الجدد في التلفزة واليوتوب). تحرر المسلم المعاصر. خرج من سجن الإسلام الأرتدوكسي
إلى رحابة الإسلام التقدمي الحداثي المعاصر المتجدد. تحمّل مسؤوليته بنفسه دون
انتظار نبي جديد. جدّد مفتاح بيته وأثاثه أسوة بأول مجتهد ومجدد في الإسلام، عمر
بن الخطاب (رضي الله عنه). تسلح بالعقل والمنطق ثم فتح بيته بروح العصر وجدّد
أثاثه ولم يحرقه، حافظ على النفائس الثمينة فيه ونفض التراب عنها بمقشة جديدة
قُدّتْ أعوادُها الصلبة من العلوم الحديثة مثل الإبستمولوجيا والبيولوجيا
والفيزياء والأنتروبولوجيا والألسنية وعلم النفس وسوسيولوجيا الأديان وغيرها.
دينُنا الإسلام يدعو إلى قَدْرٍ كبيرٍ من التجريدِ والتعقيدِ (la complexité) ونحن لا نؤمن إلا بالظاهرِ والمحسوسِ (la facilité)
الله تعالى متعالٍ
مجرّدٌ لا تُدركه الحواس الخمس وجنته أيضا مجرّدةٌ لا وجود فيها لجنس الدنيا ولا
خمرها ويوم حِسابه غير معلوم ومعيار حِسابه أيضًا غير معلوم. قرآنه غني بالصور
المجازية. وحده يعلم الغيب. الإيمان بوجوده في كل مكان (إن لم تكن تراه فهو يراك)
ووحدانيته وقدرته اللامتناهية، كلها معانٍ مجرّدةٌ أيضا. هو وحده القادر على قياس
التقوى والإيمان وهو وحده أيضا القادر على تقييمهما ونحن البشر لا نعرف ميزانَه
يوم القيامة (قال رسوله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "دخلتْ امرأة النار
في هِرّة حبستها فلم تطعمها ولم تدعها تأكل من خَشاشْ الأرض"، خَشاشْ الأرض
هو هوامها وحشراتها).
لو دخل مسلمٌ سكرانًا متمايلا مسجدا طوعا تائبا إلى ربه مستغفرا طالبا العفو
واللجوء لمن لا ملجأ له غير رب العالمين، لَفضحَتْه أنوف المصلين ونهشته الأعين
ولَعنته الألسن قبل أن تطرده الأيدي من بيت الله. أفِقْ أيها المسلم غير التقيِّ
فالمسجد ليس بيت المسلمين ولا بيت أحد.
أنت حرٌّ في بيتك تطرد منه مَن تشاء لكن الله لم يُنصِّبك حاجبا على بيته
فالرحمان الرحيم الغفور الكريم يترك بيته مفتوحا لا يُغلق أبدَا، يرحِّب فيه بكل
البشر دون تمييز عقائدي بين عباده أجمعين. يستقبل فيه النفوس الحائرة أو التائهة
قبل النفوس المطمئنة العامرة بالإيمان التي تعتبر كل أديم الأرض بيوتا لربها. ولنا
في رسولنا أسوة حسنة عندما استقبل في المسجد الأول أول بِعثةً مسيحية دبلوماسية
خارجية. ولو كان المسلمون مسلمين لَسلِم السكران من ألسنتهم وأيديهم ولأخذوا بيده
وأجلسوه في الصف الأول وأوصوا جيرانه في الصلاة أن يساعدوه على أداء واجبه الديني
لعل الله يهديه ويقلِع عن الإدمان المضرّ بالصحة والعائلة،
وقصة الأعرابي الذي دخل المسجد وبال فيه فاستغرب الصحابة لكن
الرسول صلى الله عليه وسلّم منعهم من إيذائه وقال: "دعوه ولا تزرموه"،
وحينما انتهى وضّح له النبي الكريم أن هذا مسجد ولا يحسن به أن يفعل فيه ما فعل،
فمن فرط فرحه بأخلاق الرسول ورِفعتِها وصبره عليه قال: "اللهم ارحمني وارحم
محمدا ولا ترحم أحدا غيرنا". فأجابه مصحِّحا: "يا هذا قد ضيّقت واسعا،
فإن الله قال ورحمتي وسعت كل شيء". تأمل جيدا قال الله "كل شيء" أي
حتى الجماد.
ألا يدري
المُصلِّي المتسرّع المعتدِي على المسلم السكران أو لا يريد أن يدري أن نفس المسجد
قد يستقبل يوميا العديد من المسلمين غير التائبين المتسترين بالتقوى الطقوسية
الشكلية من ذوي الراوئح النتنة غير المفضوحة وقد يكون من بينهم الحاكم المعروف
بظلمه وجبروته والقاضي المعروف بالارتشاء والانحياز والمدرِّس المعروف بتقاعسه في
العمل واستغلاله التلاميذ في الدروس الخصوصية مُشطَّة الثمن وهذا أسمّيه أنا
"البغاء السرِّي التربوي" وهو أبشع استغلال للأطفال في الوجود.
لو سرق جائع عُلبة
جُبن من تاجر على الرصيف، تاجرٍ مهرِّبٍ ومتهرّبٍ من الضرائب لَمَسَكه المارّة
وأشبعوه سبّا وضربا وهم لا يدرون أن السارق الجائع سرق قوته من سارق محترف كان
أولى أن لا يشتروا منه ويدعوا الشرطة لتقبض عليه وتسلِّمه للعدالة كي تقتص منه حق
السارق الجائع وحق المواطنين التونسيين المظلومين المسالمين المسلمين وغير
المسلمين. نَجري يوميا وراء مُرتكبي اللَّمَمِ (الصغائر من الذنوب) مثل المعاصي
المحسوسة كالسرقة للضرورة الحياتية والإفطار في المطاعم والمقاهي المغلقة على
المُفطرين لأسباب لا نعلمها ولا يحق لنا أن نعلمها وحتى لو علمناه فالله وحده
حسيبهم يوم القيامة. نتمسك بالقشرة ولا ننفذ للبّ ونترك مرتكبي الكبائر في شهر
رمضان وغير رمضان مثل المعاصي غير المرئية كاحتكار السلع والزيادة في الأسعار
والتقاعس في العمل بحجة الصيام أو بغيرها. "أعجب لمسلم يبيت جائعا ولا يشهر
على المسلمين من الغد سيفه"، قالها أبو ذر الغفاري. وأنا أعجب من الدولة
وقضائها الفاسد جزئيًّا وشرطتها المرتشية جزئيًّا والناس عموما كيف يأخذون اللقمة
بعنفٍ من فمِ المحتاج ويضعونها بلطفِ في فم المُتخم من الكسب الحرام. يأخذونها
جَهرا "نُصرة للحق" على حد بصيرتهم القاصرة والقصيرة وهم في الواقع
للظلم مسانِدون وللقهر مؤبِّدون. يا ليتهم أخذوا الحقَّ المسلوبَ من قِبل مافيا
الأغنياء وردّوه لأصحابه العمال الفقراء. الأغنياء المافيا يسرقون وللتمويه
يؤسِّسون علومَ سوقهم ويقدِّمونها لنا في ثوب من الموضوعية المزيفة فيستلِبون
كياننا ويشوِهون ثقافتنا ويطمِسون تراثنا ويستثمِرون بأموالنا (قروض الدولة)
ويصدِّرون ربحهم إلى الخارج وهم عن أعمالهم لا يُسألون وفي تونس بالآلاف يُعدُّون
ومن كل أنحاء العالم قادِمون ولعرَقنا مُمتصون ولثرواتنا الطبيعية والبشرية ناهبون
ولعمالنا بأبخس المرتبات مُشغِّلون مستغِلّون وللحروب الأهلية في أوطاننا العربية
مُشعِلون ولمئات الآلاف مِنَّا بأيدي إخواننا قاتِلون.
باب الرحمة عند
ربي واسع لا يُغلق أبدا. رحمته وسِعت المسلمين والكفّار. كلمة كفّار يعتبرها
المسلمون سَبّة وإذا اعتبروها كذلك فنحن نعرف أنه لا يجوز للمسلم أن يسبّ غيره
مهما كانت عقيدته. المسلم يرى الإسلام هدية من الله فكيف يمكن أن نهدي لآخر هدية
ونحن نكرهه. كفَرَ تعني غطى الشيئ مثل ما يغطي الفلاح البذور الزراعية بالتراب حتى
تنبت وتنمو. قال القرضاوي: المسيحي يكفر بالإسلام والمسلم يكفر بالمسيحية ويقول أن
كتابهم محرّف أي كل واحد يكفر بدين الآخر ولا يعترف بالاختلاف رغم أن الاثنين
موحِّدان. أما "العلماء المسلمون" ودعاة التلفزيون -الله يهديهم إلى
إبستمولجيا الدين- لم يدركوا كنه الاختلاف المركّب حتى داخل الإسلام نفسه وما وجود
تعدّدُ المذاهب الإسلامية لدى السنّة والشيعة إلا خير دليل على هذا التعقيد (la complexité). حاول "العلماء
المسلمون" تبسيط الدين لتحقيق أغراض سياسية عن طريق الدين فشوّهوه وضيقوا في
رحمة الله وللأسف وصلوا في النهاية إلى إقصاء جل إخوانهم المسلمين. فتح الرحمان
بابه للفيلسوف الفرنسي روجي ڤارودي فأسلم ولم يأبه الله بالـ69 عاما التي قضاها
ڤارودي قبل إسلامه في عقيدة الإلحاد. أما عامة المسلمين الذي لم يقرؤوا القرآن
بعمق معرفي ولو يتبصروا في آياته وأسباب نزولها التأريخية فما أفقرهم وما أغناه.
والله العظيم أُشْفِقُ على مسلمي اليوم من إسلامهم الأرتدوكسي.
الدين الإسلامي يحوي قِيمًا فلسفيةً
راقيةً ورائعةً وكونيةً. تخيلوا لو ركز عليها أيمتُنا لَغزونا قلوبَ
المسلمين وغير المسلمين وفتحنا عقولهم.
ما هي هذه القِيم ؟
على سبيل الذكر لا الحصر، سأذكر منها
عَشرة عناوين فقط:
1.
لا وساطة بين
الخالق والمخلوق حتى لنبي ولا هاديَ غيره.
2.
الاعتراف بكل
الشرائع والأديان التي سبقته وأنبيائها ورسلها.
3.
حرية التفكير
والمعتقد لغير المسلمين.
4.
حرية ممارسة
الشعائر الدينية لغير المسلمين.
5.
حرية التعبير
والمعارضة حتى للشيطان نفسه.
6.
إرجاء الحساب إلى
يوم الحساب ومعياره غير معيار البشر.
7.
العفو خيرٌ من
العقاب.
8.
باب التوبة مفتوح
إلى آخر رمق في الحياة.
9.
رحمة ربي واسعة
وغفرانه قد يشمل حتى المشركين أنفسهم.
10.
الملذات الحسيّة الدنيوية التي لا ضرر فيها
ومنها للفرد والمجتمع حلال محلل.
إمضائي: "إذا كانت كلماتي
لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران خليل جبران)
8
حول التدين الإسلامي الشائع
أفكار وممارسات إسلامية سابقة
لعصرها، ظهرت في نصف القرن الأول الهجري
أفكار وممارسات "تقدمية"
ظهرت في نصف القرن الأول الهجري. للأسف جُمِّدت ولم نستفد منها بعد انتهاء
الخلافة الراشدة. تبجحنا بها طيلة خمسة عشر قرنًا ولم نطبقها يوما ولم نطوّرها بل
قبرناها في المهد. تلقفها الغرب وأعاد اكتشافها في بداية نهضته في القرن الثاني
عشر ميلادي ثم صقلها وهذبها وأنسنها وصاغها أفكارا نيرة ونظريات اجتماعية وحقوق
إنسان وساعده في مسعاه توفر ونضج الأسباب المادية من علم وتكنولوجيا. وعلى سبيل
الذكر لا الحصر سأذكر البعض منها مع الإشارة الهامة أنني سأتناول الموضوع من
الجانب الفلسفي وليس من الجانب الفقهي أو التاريخي الدقيق:
1.
العلاقة العمودية دون وساطة بين الخالق
والمخلوق. اكتشفها الغرب في القرن الخامس عشر ميلادي مع ظهور البروتستانتية التي
أنكرت صكوك الغفران الممنوحة من البابا. أما نحن المسلمون، فلم نعمل بها وفي عصور
الانحطاط وسّطنا الأولياء الصالحين بيننا وبين خالقنا وفي العصر الحديث أصبحنا
نوسّط تجار الدين من أمثال دعاة البترودولار المصريين والخليجيين.
2.
آدمية الأنبياء والرسل بما فيهم محمد صلى
الله عليه وسلم. قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا
إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا
بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا"
و"هل
كنت إلا بشرا رسولا" و" قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى
إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ
فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"
و"وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ
عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ". في بداية القرن العشرين ميلادي، رُفِت أستاذ جامعي مسيحي من
جامعة السربون الفرنسية بطلب من البابا، لمجرد أنه أنكر ألوهية عيسى، عليه السلام.
أما نحن المسلمون، فقد أضفينا على الرسول قداسة وعصمة لم يكن يدّعيها لنفسه
إلا في تبليغ الوحي الإلهي وأحطنا صحابته والتابعين وتابعي التابعين بهالة من
القدسية وحنّطنا نصوصهم وجعلناها سرمدية عابرة للزمان والمكان. قدسية منعتنا من
الاجتهاد والتفكر في ديننا.
3.
حرية المعتقد واحترام الأديان الأخرى. قال تعالى: "لا
إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغيّ" و"لا نفرّق بين أحد من رسله".
4. "إلا فاطمة يا علي":
صيحة حنان أبوي صادق أطلقها رسولنا الكريم -صلوات الله عليه- عندما فكر صهره علي
بن أبي طالب في الزواج من ثانية وفاطمة الزهراء ابنة الرسول ما زالت على ذمته.
اقتداء بالرسول، وكآباء نحب بناتنا كما يحب الرسول ابنته، لذلك نطلق نفس الصيحة
ونقول: "إلا ابنتي يا صهري فلان"، فكل ابنة عند أبيها فاطمة.
5.
اجتهاد عمر -رضي الله عنه- في تأويل أحكام القرآن وتحريمه إقامة الحد على
السارق في عام الرمادة (حلت فيه مجاعة)
ومَنْعِه عطاءات المؤلفة قلوبهم. في العصر الحديث، أوقفنا الاجتهاد فأصبحنا رجعيين
متخلفين.
6.
تقديم حفظ النفس على حفظ الدين وتقديم الحرية على تطبيق الشريعة. بعد
الثورات العربية، غزتنا إيديولوجية الإسلام السياسي المتطرف فعطلت فينا العلم
والعمل وعِوض أن نلتفت لحل مشاكلنا المادية والاجتماعية، أرجأناها وقدمنا عليها
الحساب والجزاء والعقاب والتكفير. يُرجأ الحساب والجزاء والعقاب والتكفير ليوم
القيامة وهو اختصاص من صفات الله وحده. غريب أمرنا نحن المسلمون، نقدّم ما يجب
إرجاؤه ونرجئ ما يجب تقديمه.
7.
هداية البشر هي أيضا من صفات الله فقط (إنك لا
تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء). دخلنا في اختصاص رباني و
تجاوزناه فأصبحنا في السعودية نحث الناس على الصلاة بالسوط وندعو في سوريا
المسلمين للإسلام بالديناميت والكلاشينكوف.
8. إلغاء القبليّة والعنصرية اللونية والجندرية.
بلال، العبد الحبشي أصبح من صحابة الرسول المقرّبين وأول مؤذّن في الإسلام. وزوّج
الرسول -صلى الله عليه وسلم- ابنة عمه القرشية الأرستقراطية من عبد محرر وهو زيد
ابنه الذي ليس من صلبه. بعد الخلافة الراشدة، رجعت التقاليد الاجتماعية القبلية
بقوة وأرسى الأمويون والعباسيون حكما قبليا أرستقراطيا متوارثا وجاء من بعدهم
السلاطين العثمانيون من عائلة واحدة أيضًا.
9. "إلعن المعصية ولا تلعن
العاصي": لأن المعصية ضارّة باتفاق جميع المسلمين أما العاصي فهو بشر قد
يهديه يوما ربه ويغفر له سيئاته كلها. كل إنسان غير مسلم هو مسلم بالقوة أو مشروع
مسلم فلا تيأسوا من رحمة ربكم ولا تضيّقوها بعد أن وسّع الله فيها -سبحانه تعالى
لحكمة لا يعلمها إلا هو الحي القيوم- لتشمل
عباده الضالّين فجادلوهم بالتي هي أحسن إن كنتم حقا من المسلمين. قال
تعالى: "فذكّر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر".
10. التسامح الديني في العهد العربي الإسلامي الذهبي
الذي عاش تحت ظله مفكرون وأدباء وشعراء ومغنون مختلفون عن السائد من أمثال المعري
وأبو نواس والتوحيدي ومسكويه وأبو الفرج الأصفهاني والجاحظ وعمر ابن أبي ربيعة
وغيرهم كثيرون دون أن ننسى أو نتناسى من قضى نحبه من عظماء المفكرين والكتاب جرّاء
تحررهم وخروجهم عن خط السلطة السائد والظالم أمثال ابن المقفع وبشار والحلاج مع
التذكير المهم أن القمع الذي وقع في تاريخ الحضارة الإسلامية لا يساوي واحدا على
ألف مما عاناه وقاساه روّاد النهضة الأوروبية في القرون الوسطى من مجازر اقترفتها
في حقهم الكنيسة المسيحية ومحاكم تفتيشها المرعبة، سيئة الذكر.
11. احترام الوالدين وإكرامهما وتبجيلهما، قيمٌ تجلت
في أروع وأرق آية في القرآن حسب رأيي المتواضع.. قال تعالى: " وقضى ربك ألا
تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما
يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا
كريما واخفض
لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربّياني صغيرا". انظر كيف يعامل
الغربيون كبارهم باحترام شديد ويوفرن لهم جراية تقاعد مرتفعة تَقيهم الحاجة
والسؤال مع الإشارة إلى أن أكبر لوبي في أمريكا الشمالية هو لوبي المتقاعدين وليس
لوبي الصهاينة كما هو متداول عند أكثر الناس وانظر كيف يعامل أكثرية المسلمين
مسنّيهم ولا يضمنون لهم العيش الكريم والرعاية الصحية وأكبر دليل على صحة كلامي أن
جل المتقاعدين التونسيين من عمالنا بالخارج يلجؤون إلى المستشفيات الفرنسية لأقل
وعكة صحية تلمّ بهم .
12.
عقلانية ابن رشد. تلقفتها جامعة السربون بباريس وبنت على أفكار صاحبها
نهضة علمية، نهضة عقلانية أشعّت بشمسها على العالم أجمع بما فيه العالم الإسلامي
الذي طرد أكبر فيلسوف مسلم عربي عقلاني في العصور الوسطى وأحرق كتبه وتبنى عوضًا
عنها أفكار خصومه الفلاسفة المسلمين من أمثال الغزالي وابن تيمية ومنذ القرن
الثاني عشر ميلادي لم تقم لعلمنا وعقلانيتنا قائمة.
خاتمة:
اثنَي
عشر مثالاً من الأفكار العربية الإسلامية السابقة لعصرها، قد يكون الغرب أعاد
اكتشافها وتوظيفها في نهضته ثم أخذها وطبّقها أفضل تطبيق، أما نحن المسلمون فمن
عمانا لم نرها أو لم نرد أن نرها حتى بعد أن نضجت الأسباب المادية والاجتماعية
لتطبيقها.
حول سلوكيات بعض المسلمين المعاصرين
منذ خمسة قرون، وجّه زعيم النهضة
الأوروبية، إيراسموس نقدا إلى بعض
المسيحيين في سلوكياتهم في القرون الوسطى وقياسا على ذلك أوجه أنا اليوم نقدا إلى بعض المسلمين في سلوكياتهم
الحالية.
ملاحظة هامة
لقد نقلت الاستشهادات حول نقد
سلوكيات بعض المسيحيين من كتاب "مدخل إلى التنوير الأوروبي"، تأليف:
هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى
2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت - لبنان، 264 صفحة. ودون
تعسف أو إسقاط مرحلة تاريخية على مرحلة معاصرة، أضفت نقدي الشخصي لسلوكيات بعض المسلمين في القرن الواحد
والعشرين. أرجو من القارئ الكريم أن لا يغفل أن بين النقد والنقد خمسة قرون
بتمامها وكمالها وأرجو من المسلم أن لا يخشى مقارنة دينه مع أي دين آخر فمن منّا
لا يرى أمه أفضل الأمهات ؟ ومَن منّا لا يغرّه جمال الأخريات ؟ انتهت الملاحظة.
-
صفحة 111 لهاشم صالح: يعتقد الرواقيون (المسيحيون) بأن المجزرة التي يذهب
ضحيتها ألف شخص تمثل خطيئة أقل أهمية من رتق حذاء أحد المساكين يوم الأحد
!...لماذا ؟ لأن العمل يوم الأحد حرام !...وهكذا ندخل في متاهة من الفتاوى
والأقوال التي لا أول لها ولا آخر ولا علاقة لها بأي واقع محسوس.
-
هامش (1) في نفس الصفحة: لقد حضرت مرة مناقشة رسالة
دكتوراه في علم اللاهوت وسمعت كلاما عجبا. سمعت أحدهم يسأل الطالب: "ما هي
الآية الإنجيلية التي تنص على أنه يُفضّل حرق الهراطقة أحياء بدلا من إقناعهم عن
طريق الحجة" ؟!... هذا مستوى اللاهوتيين المسيحيين. ولو ظهر إيراسموس، زعيم
النهضة الأوروبية (1469 م -1532 م) في العالم الإسلامي حاليا وسمع أقوال الأصوليين
لجُنّ جنونه أيضا.
تعليق أول المؤلّف محمد كشكار:
-
حول المسلمين عدد 1: كنت أحاور، يوما ما، شابّا إسلاميا، ابن
صديق عزيز وهو حديث التديّن وكان لا يصافح النساء، فقلت له: "ما الضرر يا ابن صديقي في مصافحتهن وقد
كنا وما زلنا نحن معشر الرجال في قرية جمنة المحافظة (ولاية ﭬبلي) نصافح النساء في
عيد الفطر وعيد الأضحى باليد ومع المحصنات الأمهات والجَدّات منهن بالقبل
والأحضان، فهل نحن مجتمع إباحي ؟". قال: "معاذ الله يا عمي محمد، أنا لم
أقل هذا لكن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، قال: "لأن
يُطعن أحدكم بمِخْيَط من حديد في رأسه خيرٌ له من أن يلامس امرأة لا تحل له".
-
حول المسلمين عدد 2: يقول الداعية الإسلامي السلفي المصري وجدي
غنيم أن رسول الله، صلى الله عليه وسلّم، قال: "الختان سنّة للرجال مكرمة
للنساء" وقد أكّد الشيخ
التونسي السنّي المالكي، عبد الفتّاح مورو صحة الحديث رغم أنني وجدت على النت ما
يلي: "وقد نص الحافظ العراقى فى تعليقه على "إحياء علوم الدين" على ضعف
هذا الحديث أيضاً. وسبقة إلى تضعيفه الأئمة البيهقى وأبن أبى حاتم وأبن عبد البر.
وجميع طرق رواية هذا الحديث تدور على، أو تلتقى عند، الحجاج بن أرطاة وهو لا يحتج
به لأنه مدلّس".
لن أناقش صحّة الحديث أو ضعفه ولن أناقش مضمونه
لأنني غير مختص في تحقيق الأحاديث وتأويلها. لكنني أرى لزاما عليّ كرجل مختص في
علم البيولوجيا أن أتدخل ردّا على تدخل وجدي غنيم في البيولوجيا وهو غير المختص في
البيولوجيا عندما وصف ختان البنات بأنه عملية تجميل وأسأله: كيف نسمي بتر عضو جنسي
مهم من أعضاء جسم المرأة عملية تجميل ؟ أيعني هذا في علم الجمال، أن كل امرأة تحمل
بظرا كاملا سليما، هي امرأة غير جميلة ؟ ألا نسمي عادة في علم التشريح كل فرد فقد
عضوا من أعضائه معوقا ؟ وأذكّر الشيخ غنيم بأن القضيب عند الرجل والبظر عند المرأة
هما عضوان ينحدران من نفس الأصل الأمبريولوجي الجنيني ! وأضيف مؤكدا دون الدخول في
التفاصيل أن للعضوين المجهزين بعديد النهايات العصبية الحسّاسة نفس الوظيفة
الفيزيولوجية المهمة التي تتمثل في التقاط وتقبل المثيرات الجنسية الخارجية
وتبليغها عن طريق الأعصاب الحسّاسة إلى
المخ أين تقع عملية الإدراك والإحساس باللذة، والإحساس باللذة لدى المرأة والرجل
أثناء الجماع هي حلال محلّل على حد علمي واستنادا إلى كتاب "الجنسانية في
الإسلام" للفيلسوف والأكاديمي المسلم السنّي المالكي التونسي عبد الوهاب
بوحديبة. انتهى التعليق الأول.
-
صفحة
111 لهاشم صالح: ثم يصب إيراسموس جامَ غضبه على الرهبان ويقول:
"إن معظمهم لا دين له. ولا أحد يسرح في الأرض طلبا للمال أكثر من هؤلاء
الرهبان الذين يدّعون الوحدة والتفرغ لعبادة الله... وعلى الرغم من ذلك فإنهم
مغرورون وصفيقون إلى أقصى حد ممكن. لماذا ؟ لأن ذروة التقى والورع في نظرهم هي أن
تكون جاهلا بشكل مطبق. وكلما زاد جهلك زاد إيمانك أو اقترابك من الله !... ثم
لأنهم يزعقون في الكنائس... وكلما زاد جهلهم زاد زعيقهم. والكثيرون منهم يعرفون
كيف يستغلون قذارتهم ودروشتهم.
تعليق ثان المؤلّف محمد كشكار:
-
حول المسلمين عدد 3: وأنا
بدوري أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للرهبان المسيحيين وأسلّطه دون
تعسف على الدعاة التلفزيين الإسلاميين أمثال وجدي غنيم وعمرو خالد وغيرهم وعلماء
السلطة ومفتيها المسلمين وأقول: "إن معظمهم لا علم له بالدين وفيهم من
لم يكتب كتابا واحدا في حياته مثل وجدي غنيم حسب تصريح مهدي مبروك وزير الثقافة
النهضاوي التونسي السابق. ولا أحد يسرح في الفضائيات طلبا للمال أكثر من هؤلاء
الدعاة الذين ينصحون المسلمين بالتفرغ لعبادة الله... وعلى الرغم من ذلك فإنهم
مغرورون وصفيقون إلى أقصى حد ممكن. لماذا ؟ لأن ذروة التقى والورع في نظرهم هي أن
تكون جاهلا بشكل مطبق ولا تقرأ للكفار من العلماء ولا تذهب إلى المسرح ولا تسمع
الفن ولا تستمتع بجمالية المنحوتات واللوحات لأنه حسب رأيهم حرام في الإسلام.
وكلما زاد جهلك ونبذك للحداثة والفن والإبداع زاد إيمانك أو اقترابك من الله !...
ثم لأنهم يزعقون في المؤتمرات الشعبية والفضائيات... وكلما زاد جهلهم زاد زعيقهم.
والكثيرون منهم يعرفون كيف يستغلون قدراتهم في الدروشة الحداثية لجمع ثروات طائلة
من أموال الفقراء والمساكين والأغنياء الأغبياء الذين يصدّقون كلامهم وهم مسلوبو الإرادة عن جهل أو تقصير أو عن
إيمان العجائز. انتهى التعليق الثاني.
-
صفحة 112 لهاشم صالح: ثم
يشهّر "إيراسموس" بالخرافات والخزعبلات التي لحقت بالإيمان (المسيحي)
الصحيح وأساءت إليه، ويقول: "إنهم لمجانين أولئك الذين يعتقدون بأنهم لن
يموتوا أثناء النهار إذا ما نظروا إلى صورة القديس كريستوف، أو أولئك الذين
يتضرّعون إلى القديسة "بارب" لكي تحميهم في ساحة القتال، أو أولئك
اللذين يتضرّعون إلى القديس إيراسموس في أيام معينة لكي ينزل عليهم الثروة والغنى
بأقصى سرعة ممكنة... وهكذا يقدّمون
القرابين والأضاحي للقدّيسين لكي يشفعوا لهم ويحققوا رغباتهم المادية والدنيوية.
ثم يصرخ إيراسموس قائلا: وماذا يمكن أن أقول عن أولئك الذين يشترون صكوك الغفران
وهم يعتقدون أنها ستخفف عنهم ذنوبهم أو حتى تمسحها مسحا كاملا
؟
تعليق ثالث المؤلّف محمد كشكار:
-
حول المسلمين عدد 4: ومن داخل الحضارة الإسلامية العربية
التونسية ودون تعسف، أشهّر أنا أيضا بالخرافات والخزعبلات التي لحقت
بالإيمان الإسلامي الصحيح وأساءت إليه، وأقول: "إنهم لمجانين أولئك الذين
يعتقدون بأنهم لن يفشلوا في دراستهم أو أعمالهم إذا ما قرؤوا سورة أو آية معينة
ألف مرة في اليوم، أو أولئك البسطاء من الصوفيين الطرقيين الذين يتضرعون إلى
الأولياء الصالحين لكي يحموهم من الأوبئة والأمراض الجرثومية المعدية، أو أولئك
الشيعة أو الدروز أو العلويين اللذين يتضرعون إلى الحسين وفاطمة وعلي في أيام
معينة لكي ينزلوا عليهم الثروة والغِنى بأقصى سرعة ممكنة... وهكذا يقدم البسطاء
الصوفيون الطرقيون القرابين والأضاحي للأولياء الصالحين لكي يشفعوا لهم ويحققوا
رغباتهم المادية والدنيوية البسيطة مثل نجاح أولادهم في الدراسة أو تزويج بناتهم
العوانس. ثم أصرخ قائلا: وماذا يمكن أن أقول عن أولئك الذين يحجون إلى الكعبة
والبيت الحرام وهم يعتقدون أن حجة واحدة بعد حياة فاسقة ستخفف عنهم ذنوبهم أو قد
تمسحها مسحا كاملا ؟
-
صفحة 117 لهاشم صالح: فالدين (المسيحي) ليس
منعا وزجرا، أو ردعا وتخويفا، وإنما هو محبة أولا وأخيرا. هذا هو جوهر رسالة
الإنجيل في نظر إيراسموس: المحبة والشفقة والإحسان. وقد غطت القشور والقوالب على
الجوهر، ولا بد من عزلها وإزالتها لكي ينبثق الجوهر من تحت الركام أو من تحت
الأنقاض. بهذا المعنى فقد كان إيراسموس مصلحا من الطراز الأول. فالإصلاح يتطلب أولا العودة إلى الجذور لمعرفة
كيف كانت على حقيقتها وأين حصل الانحراف عنها ومتى. فهناك الدين في أوله وهناك
الدين في آخره وشتان ما بينهما. على هذا النحو يمكن تقويم الإعوجاج الحاصل في فترة
من فترات التاريخ. ولهذا السبب اهتم إيراسموس بتطبيق المنهجية اللغوية والتاريخية
على الإنجيل من أجل تطهيره من الشوائب والأخطاء التي لحقت به فيما بعد. ولهذا
السبب قدم ترجمة جديدة له غير الترجمة الشائعة والمعتمدة من قبل الكنيسة. وبلور
قواعد التأويل الحديث بشكل واضح في المقدمة الشهيرة التي كتبها لتلك الترجمة.
ودشّن بذلك منهجية النقد التاريخي في أوروبا.
تعليق رابع المؤلّف محمد كشكار:
-
حول المسلمين عدد 5: وأنا
أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للدين المسيحي وأسلّطه بدوري دون تعسف
أو إسقاط على الدين الإسلامي مع التأكيد على حقيقة ثابتة عندنا وهي أن
"القرآن الحالي هو نسخة أصيلة لم تُحرّف" وأقول: فالدين الإسلامي ليس
منعا وزجرا، أو ردعا وتخويفا، وإنما هو محبة أولا وأخيرا، على الأقل كما أفهمه
وأتذوقه أنا وأؤمن به، أنا المتطفل المؤمن المحب
المسالم المتسامح غير المتعصب وغير المختص في الدين. هذا هو جوهر رسالة القرآن،
محبة وشفقة وإحسان في نظر النهضويين
المؤسسين: أمثال الحنيف
قس بن ساعدة ومحمد صلى الله عليه وسلّم، وأبو بكر الصديق والمجتهد الأول عمر بن
الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبو ذر الغفاري، رضي الله عنهم جميعًا، والمجددون الأوائل: أمثال
الطبري والأئمة الأربعة وابن رشد وابن سينا والفارابي، والمثقفون المسلمون الجدد
والمعاصرون. وقد غطت قشور التديّن وقوالبه الجاهزة والمتكلسة عبر القرون على الجوهر الثوري في الدين الإسلامي عند بنائه
في القرون الوسطى، ولا بد من عزل هذه القشور وإزالتها لكي ينبثق الجوهر الصافي
النقي من تحت الركام أو من تحت الأنقاض. بهذا المعنى فقد كان هؤلاء مصلحين من
الطراز الأول. فالإصلاح يتطلب أولا العودة
إلى سيرة السلف الصالح لمعرفة كيف كانت على حقيقتها وأين حصل الانحراف عنها ومتى ؟
فهناك التدين في أوله وهناك التدين في آخره وشتان ما بينهما. على هذا النحو يمكن
تقويم الإعوجاج الحاصل في فترة من فترات التاريخ. ولهذا السبب اهتم المصلحون
النهضويون الجدد بتطبيق المنهجية اللغوية والتاريخية على تأويل القرآن والحديث من
أجل تطهيره من الشوائب والأخطاء البشرية التي لحقت به فيما بعد.
لكننا لسنا في
حاجة مثل حاجة إيراسموس إلى تقديم ترجمة
جديدة للإنجيل غير الترجمة الشائعة المحرفة والمعتمدة من قِبل الكنيسة (وقد أكّد
القرآن تحريف الأنجيل قبل إيراسموس بثمانية قرون) لأن قرآننا وصل إلينا في نسخته
الأصلية غير محرّف والحمد لله، وهي النسخة الوحيدة المعتمدة من قِبل كل المسلمين،
شيعة وسنة وإباضيين وسلفيين، كلهم متفقون بالإجماع على نص واحد أوحد يتجسّم في
المصحف المعتمد للقرآن منذ خمسة عشر قرنًا. وقد بلور المصلحون المذكورون آنفًا،
خاصة المجددون الأوائل منهم قواعد التأويل بشكل واضح في الكتب العديدة والشهيرة
التي كتبوها ونشروها منذ عشرة قرون أو أكثر وسبقوا النهضويين الأوروبيون بقرون. ثم
جاء الخلف الصالح الذي يتمثل في المثقفين المسلمين الجدد والمعاصرين ودشّنوا
بدراساتهم العميقة والمتعددة منهجية النقد
التاريخي في العالم الإسلامي. لكن ومع الأسف الشديد، نهضنا وسبقنا أوروبا في
نهضتها في نهاية القرون الوسطى (القرن الثاني عشر ميلادي والقرن الثالث عشر م)،
أخذوا عنا أحسن ما فينا وسبقونا، ونحن تركنا أفضل ما فينا ولم نأخذ عنهم إلآ أحط
ما فيهم فقطيعتنا الرجعية قطيعتان، لا قطيعة واحدة، قطيعة أولى مع
"حداثتنا" ونهضتنا في الفترة العباسية من الحضارة الإسلامية وقطيعة
ثانية مع حداثة أوروبا الحالية. دخلنا في عصور من الانحطاط منذ القرن الثاني عشر
أو الثالث عشر ميلادي، عصور مظلمة عجز ثلة من المصلحين النهضويين المعاصرين
والمثقفين المسلمين الجدد عن تنوير ظلمتها رغم مجهوداتهم النهضوية الجبّارة. انتهى
التعليق الرابع.
- صفحة
120 لهاشم صالح: إن كل علية القوم هؤلاء تناسبهم الفلسفة المسيحية
ويستطيعون أن يفهموها. ولكن ماذا نقول عن الإنسان البسيط الذي لم يتح له أن يتعلم
و يتثقف والذي لا يستطيع أن يفهم رسالة فكرية في مثل هذا المستوى الثقافي المرتفع
؟ إن الرسالة الوحيدة التي يفهمها هؤلاء الناس هي تلك التي تقدم نفسها على هيئة
الصور والأيقونات (صور المسيح والعذراء والقديسين). كل ما يفهمونه هو الصلاة
والصيام والحج والتبرك بالمزارات والمقامات وقبور القديسين، (...)، الخ، أي كل ما
يدينه إيراسموس وأمثاله. فصور القديسين وأيقوناتهم هي "إنجيل الجاهل"
الذي يعجز عن القراءة والكتابة.
تعليق خامس المؤلّف محمد كشكار:
- حول المسلمين عدد 6: وأنا
أحاكي "إيراسموس" في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للبسطاء من المسيحيين
وأسلّطه بدوري دون تعسف على البسطاء من المسلمين المعاصرين وأقول: إن كل علية القوم المسلمين هؤلاء يناسبهم الفكر
الإسلامي ويستطيعون أن يفهموا تفريعاته المتعددة وتعقيداته الفلسفية. ولكن ماذا
نقول عن الإنسان البسيط الذي لم يتح له أن يتعلم و يتثقف والذي لا يستطيع أن يفهم
رسالة محمدية فكرية في مثل هذا المستوى الثقافي المرتفع ؟ إن الرسالة الوحيدة التي
يفهمها هؤلاء الناس هي تلك التي تقدم نفسها على هيئة أشياء محسوسة ومرئية (قبور
الأولياء الصالحين الصوفيين ومعجزاتهم الوهمية وكراماتهم المزيفة وطقوس أتباعهم
ومريديهم في "الحضرة"). كل ما يفهمونه هو الصلاة والصيام والحج والتبرك
بالمزارات والمقامات وقبور الأولياء الصالحين، رموز الصوفية التي تبعدنا عن
التوحيد وتقرّبنا من الوثنية، وهي تمثل حاجة روحية بالنسبة للشعب الجاهل وبعض
أصحاب الشهائد المتعلمين والمتكونين غير المثقفين ونردف نحن من جهتنا قائلين بأنها
تمثل أيضا رزق القائمين على الزوايا الصوفية الطُّرقيّة والقائمين على الحَوزات
العلمية الشيعية، الذين يعيشون كالطفيليات على صدقات الشعب البسيط المٌعدم
والمؤمن، وهذه ممارسات يدينها المصلحون
الجدد والمثقفون المسلمون الجدد. فالطقوس الشكلية المُفرغة من كل إيمان مجرد خالص
لله هي "إسلام الجاهل" الذي يعجز عن التفكير والتثاقف والانفتاح على
العلوم الحديثة مهما كان مأتاها ما دمنا نهتم بمضمونها وفحواها ولا نكفّر قائلها
وشارحها وناشرها. انتهى التعليق الخامس.
- صفحة 121 لهاشم
صالح: في الواقع إنه ينبغي
التمييز بين حالتين: حالة السلم وحالة الحرب. ففي أوقات السلام كان هؤلاء (الطبقات
العليا والمستنيرة في أوساط الكنيسة والسلطة) يستمعون إلى "إيراسموس"
ويؤمنون بأقواله. ولكن ما إن تدلهمّ الأمور وتدق ساعة الحرب حتى يغيروا رأيهم ويهرعوا
إلى الرهبان. وذلك لأنهم يعلمون أن الرهبان هم وحدهم القادرون على تجميع جيش جرار
في أوساط الشعب. وبالتالي فينسون إيراسموس وتعاليمه التنويرية وفلسفته العالية عن
الدين. وهذا ما حصل عندما اندلعت الحرب في كل أنحاء أوروبا بين لوثر والكاثوليك.
فقد أخذت مواقع إيراسموس العقلانية والتنويرية تنحسر وتتراجع. ولم يعد هناك من
مجال إلا للسيف والمناضلين الأشداء. وأصبح إيراسموس يخشى حتى على نفسه. ففي عام
1527 استطاع الرهبان الإسبانيون -وهم من أشد الرهبان تعصبا- أن يحصلوا من رئيس
محاكم التفتيش على إذن رسمي بفحص كتب إيراسموس لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على أفكار
مهرطقة أم لا.
تعليق سادس المؤلّف محمد كشكار:
-
حول المسلمين عدد 7: وأنا
أحاكي إيراسموس في ما ذهب إليه وأتبنى نقده للبسطاء من المسيحيين و أسلّطه بدوري
دون تعسف على الحالة الإسلامية المعاصرة في تونس ومصر وأقول: في الواقع إنه ينبغي التمييز بين حالتين: حالة
الانتخابات والسلطة وحالة المعارضة. ففي أوقات المعارضة لنظام بن علي ومبارك كان
الإخوان المسلمون يستمعون إلى آراء العقلانيين ويؤمنون بالفلسفة والحداثة ويقتربون
سياسيا من الوسط. ولكن ما إن ادلهمّت الأمور ودقت ساعة الانتخابات وقرب الوصول إلى
السلطة حتى غيروا رأيهم وهرعوا إلى الدعاة
السلفيين المشهديين وإلى أئمة الجوامع أنصاف أو أرباع المثقفين دينيا واجتماعيا.
وذلك لأنهم يعلمون أن هؤلاء هم وحدهم القادرون على تجميع جمهور غفير من البسطاء
الموالين والمناصرين والمتعاطفين مع الإخوان المسلمين والناخبين في أوساط الشعب.
وبالتالي فقد نسوا أو تناسوا العقلانيين (أمثال أبو يعرب المرزوقي ومحمد الطالبي
وهشام جعيط وعبد المجيد الشرفي وغيرهم) وضربوا بعرض الحائط بتعاليم هؤلاء
التنويرية وفلسفتهم الإسلامية النهضوية التجديدية العالية. وهذا ما حصل بالضبط
عندما انتصرت الثورات في كل أنحاء العالم العربي. فقد أخذت مواقع الفلاسفة العقلانيين
الحداثيين المسلمين والتنويريين تنحسر وتتراجع. ولم يعد هناك من مجال إلا للعنف
وممارسات بعض المناضلين السلفيين الجهاديين الأشداء. وأصبح المثقف الحداثي التونسي
والمصري يخشى حتى على نفسه. ففي عام 2012 استطاع السلفيون الجهاديون التونسيون -و
هم من أشد السلفيين تعصبا- أن يحصلوا من رئيس قناة نسمة التونسية الخاصة على
اعتذار رسمي عن بث فيلم "برسيبوليس" الإيراني المتهم بأنه مس بالذات
الإلهية عند تصويره لله في هيئة شيخ ملتح وقور. انتهى التعليق السادس.
حول التعصّب المذهبي في الإسلام
فهذه المذاهب الشيعية والسنّية التي ما انفكت تتحدث باسم
الإسلام، والأخلاق، والفضيلة، هي التي تشعل الحروب الأهلية والمذهبية بين أبناء
الشعب الواحد في العراق وباكستان وأفغانستان ! وكان بعض علماء الدين ودعاته
"المستنيرون" في كل مذهب أو طائفة يؤلّبون أبناء طائفتهم على الطوائف
الأخرى عن طريق نشر الإشاعات المفزعة عنها وإنزال اللعنات الدينية عليها. فالسنّي
يلعن الشيعي باسم "الإسلام الحق" والشيعي يلعن السنّي باسم
"الإسلام الحق" أيضًا ! ويتصارع كلاهما على الفهم والتأويل الصحيح والمستقيم
للدين الإسلامي. وهكذا كفّر السنّة الشيعة، وكفّر الشيعة السنّة. ودارت بينهم
المعارك الطاحنة والحروب التي مزقت العالم الإسلامي وقضت على خيرة شبابه واقتصاده
ومستقبله.
ملاحظة هامة
نص القالب الأصلي للفقرة السابقة كتبه هاشم صالح في كتابه "مدخل
إلى التنوير الأوروبي"، صفحة 186، تأليف: هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة
والنشر ورابطة العقلانيين العرب، الطبعة الأولى 2005، الطبعة الثانية 2007، بيروت
- لبنان، 264 صفحة. شرح فيه أسباب النهضة الأوروبية في أواخر العصور الوسطى. يتحدث
هذا النص في الصفحة 186 وما تلاها عن المذاهب المسيحية.
تأويل جميل للقرآن والحديث سمعته من تيولوجي مسلم مصري في
قناة مصرية لم أحفظ اسمه ولا
اسمها
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا
الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ
تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ
تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
(59﴾".
تأويل القرآن: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ (أَطِيعُوه
بذكاء في قرآنه الكريم) وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ (أَطِيعُوه لكونه مُبلِّغ الرسالة الإلهية،
أَطِيعُوه بذكاء في سُنّته الكريمة) وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ (أَطِيعُوهم بذكاء في الدستور الوضعي
والقوانين البشرية) فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ
(عبارة "فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ" تعني أرضُوا بما كتب
الله لكم حتى وإن ظلمكم القاضي في حدود اجتهاده وإخلاصه وقولوا "حسبِيَ الله
ونِعْمَ الوكيل" ولا تعني البتة فكرة الحاكمية لله كما تدعي بعض الحركات
الإسلامية النصّية المتشددة وكل واحدة منها تنسب الحاكمية لنفسها فقط طمعا في مغنم
دنيوي سياسي أناني) إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا.
قال
رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: "وإذا حاصرتم أهل
حصن أَو مَدِينَة فأرادوكم على أَن تنزلوهم على حكم الله تَعَالَى فَلَا تنزلوهم
فأنكم لَا تَدْرُونَ مَا حكم الله تَعَالَى وَلَكِن أنزلوهم على حكمكم ثمَّ احكموا
فيهم بِمَا رَأَيْتُمْ وإذا حاصرتم أهل حصن أَو مَدِينَة فأرادوكم على أَن تعطوهم
ذمَّة الله تَعَالَى وَذمَّة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تعطوهم ذمَّة
الله تَعَالَى وَلَا ذمَّة رَسُوله وَلَكِن أعطوهم ذممكم وذمم أبائكم فإنكم إِن
تخفروا ذممكم وذمم أبائكم أَهْون من أَن تخفروا ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم".
تأويل الحديث: وإذا حاصرتم أهل حصن أَو مَدِينَة فأرادوكم على أَن تنزلوهم
على حكم الله تَعَالَى فَلَا تنزلوهم فأنكم لَا تَدْرُونَ مَا حكم الله تَعَالَى
(التأكيد من الرسول واضح فلا أحد من المسلمين يدري حكم الله ولا حاكميته: قال
تعالى: "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من
عند ربنا"، تفسير الطبري: كان من رسوخهم في العلم أن آمنوا بمُحْكَمِهِ
ومُتشابَهِهِ، ولم يعلموا تأويله.) وَلَكِن أنزلوهم على حكمكم (أي الدستور الوضعي
والقوانين البشرية) ثمَّ احكموا فيهم بِمَا رَأَيْتُمْ وإذا حاصرتم أهل حصن أَو
مَدِينَة فأرادوكم على أَن تعطوهم ذمَّة الله تَعَالَى وَذمَّة رَسُوله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلَا تعطوهم ذمَّة الله تَعَالَى وَلَا ذمَّة رَسُوله (البشر
الحاكم ليس ظل الله في الأرض وليس رسوله ولا يحق له أن ينتحل صفة من صفات الله أو
رسوله أو يعطي ذممهم المقدسة لتحقيق هدف سياسي لا علاقة له بالله أو برسوله)
وَلَكِن أعطوهم ذممكم وذمم أبائكم (هذا أقصى ما في وسعكم وهذا ما تقدرون على فعله
دون افتراء على الله ورسوله) فإنكم إِن تخفروا ذممكم وذمم أبائكم أَهْون من أَن
تخفروا ذمَّة الله وَذمَّة رَسُوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
(ذمَّة
الله وَذمَّة رَسُوله أقدس من تُخفَر -أي قد ينقضها من لا يعرف حقها- من قِبل بشر
ضعيف جهول خطّاء مهما أوتِيَ من علم).
اجتهادٌ
عن إخلاصٍ و ليس عن درايةٍ
قرأت الآيتين الواضحتين الصريحتين
التاليتين: قال تعالى: "مَن يُضلِلْ اللهُ فلا هادي له (سورة الأعراف، آية
186).. ومَن يَهدِ اللهُ فما له من مُضِل (سورة الزمر، آية 37)".
آيتان، قمة في استقلال إيمان الفردِ
عن المجموعة واستغناء الفرد عن الفرد في مجال الاعتقاد بالله مهما كان الداعية
ومهما كان المَدعوُّ !
تأملتُ فيهما جيدا وبصدقٍ وإخلاصٍ (sincérité) فبدا لي أن
الرغبة المسيطرة على الإنسان ليست الرغبة الجنسية كما يَعتقد "فرويد"،
بل هي الرغبة في السلطة والتسلط على الآخرين كما يؤكد "يونڤ"، فوددت لو كُتِبت الآيتان الاثنتان بمدادٍ من
ذهب ورُسِمتا على الجدران والواجهات وعُلِّقتا في الساحات العمومية الكبرى وفي
مداخل القرى والمدن حيث يتواجد بكثرة هذه الأيام، الدعاة "بالتي هي أخشن
وأعنف" وليس "بالتي هي أحسن وألْين"، وهم حسب رأيي الدعاة
المتطفلون على الإسلام دينًا وحضارةً.
أنهي بقوله تعالى في نفس الموضوع: "ولا تزِرُ (لا تحمل)
وازِرَةٌ (النفس مقترفة الإثم) وِزْرَ أخرى (إثم أو عبء أخرى) "
Nulle âme ne portera le faix
d’une autre.
هل أصبح الحكام العرب المعاصرون
أحطَّ من "حكام ما
يُسمَّى عهود الانحطاط" ؟
كتاب "آفاق النهضة العربية
ومستقبل الإنسان في مهب العولمة"، أبو يعرب المرزوقي، الطبعة الثانية 2004،
دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 216 صفحة.
صفحة 30 هامشة 1: فهذا الأمر حصل في
ماضينا الذي يعتبره البعض منحطًّا. ألم تصبح الخلافة مجرّد سلطة رمزية والسلطنة
مجرّد سلطنة تنفيذية، فبقي سلطان القيم المعرفية والدينية والخلقية والجمالية
مجالا حرا بحيث يمكن أن تجد في الدولة نفسها وبصرف النظر عن مذهب المشرفين عليها
كل المذاهب الفكرية ؟ أليس العهدان البويهي والسلجوقي مثلا من الخلافة العباسية قد
اعتمدا على مثل هذه الآلية ؟ ففي العهد البويهي يمكن لك أن تجد ذروة الفكر
الاعتزالي (عبد الجبار) وذروة الفكر الأشعري (الباقلاني)، وقبلهما تجد مؤسس
الأشعرية ومؤسس البهشمية وتجد ذروة الفكر المشائي العربي (الفارابي) والفكر الصوفي
العربي (الشبلي) والفكر العلمي العربي (ابن قرة الحفيد). وفي العهد السلجوقي تجد
ابن سينا والغزالي وابن الهيثم والخيامي إلخ. وكلهم يعملون دون أن يتدخل السلطان
في شأنهم لكون الدولة كانت قد فهمت أن سرّ قوتها هو هذا التنوّع الحيّ في مجالات
القيم التي عليها أن ترعاها بصرف النظر عن اختلاف أصحابها المذهبي. إنها قد فهمت
أن الاختلاف المذهبي هو سرّ الحياة في الإبداع القِيمي.
هل عدالتُنا ما زالت معلقةً في
السماء ؟
قال الفيلسوف الألماني العظيم هيـﭬل:
"كانت الثورة الفرنسية، الحدث الذي اتخذ الرؤية المسيحية للمجتمع الحر القائم
على المساواة، ونقلها من السماء إلى الأرض".
وعلى خطاه أقول: "لم تقع الثورة
العقلانية العربية بعدُ، الثورة التي سوف
تتخذ الرؤية الإسلامية للمجتمع الحر القائم على المساواة، وتنقلها من السماء إلى
الأرض".
بقيتْ قِيَمُ قرآننا مؤجّلة التطبيق، وحديث محمد صلى الله عليه وسلم معلقًا،
وبقيت أقوال صحابته ومجتهدينا ومفكرينا ومصلحينا حبرًا على ورقٍ:
-
يقول تعالى: "لا إكراه في الدين". ومسلمو
اليوم يعدمون المجتهدين (مثل المجتهد
السوداني محمود محمد طه في عهد حسن الترابي)، أو يغتالونهم (مثل المجتهد المصري
فرج فودة وللأسف لقد وقع تبريرُ اغتياله بعد وقوعه من قِبل الشيخ المصري محمد
الغزالي). وقديمًا أعدموا مفكرينا الأحرار (مثل شهيد حرية التعبير
الحلاج-644هـ/808م وابن المقفع -720ـ 756م)، أو
اغتالوهم (مثل المفكرَين اللبنانيين حسين مروه ومهدي عامل)، أو حاولوا (مثل ما حدث مع المبدع المصري
والعربي الوحيد الحاصل على جائزة نوبل للآداب الروائي الرائع نجيب محفوظ)، أو
كفِّروهم (مثل المفكرين: (مثل المصريين
الأربعة علي عبد الرازق ونصر حامد أبو زيد وجمال البنا ونوال السعداوي
والفرنسي-الجزائري محمد أركون والتونسيين
الخمسة الطاهر الحداد وألفة يوسف وعبد المجيد الشرفي ومحمد الشرفي ومحمد الطالبي).
NB: L’antithèse, dans ce cas, pourrait être
défendable aussi.
-
قرآن: "كُنْتُمْ
خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ
عَنِ الْمُنكَرِ". وهل نحن اليوم كذلك ؟ يبدو لي أننا لسنا كذلك !
-
حديث: "الناس سواسية كأسنان
المشط الواحد لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". و هل كنا يومًا كذلك ؟ يبدو لي أننا ومنذ 14 قرنا لم نكن يومًا كذلك
!
-
حديث: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب
لأخيه ما يحب لنفسه". وهل يحب السلفيون الجهاديون لإخوانهم المسلمين العَلمانيين في سوريا وليبيا
والعراق ما يحبون لأنفسهم ؟ وزبانية السيسي والمالكي والبشير وبشار وبوتفليقة
والسادس: هل يحبون لإخوانهم الإسلاميين ما يحبون لأنفسهم ؟
-
وقال
عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "لو عثرت بغلة في العراق فأنا المسؤول عنها
لأنني لم أمهّد لها الطريق". أنبِئك يا فاروق أن الدول العربية تتمتع اليوم
بأكبر نسبة في العالم في حوادث الطرقات لأن مسؤولينا لم يمهدوا الطريق لبغالنا، عفوًا لسياراتنا الحاملة لفلذات أكبادِنا.
-
"النظافة من الإيمان والوسخ من الشيطان". يكفي أن
تتجول في العواصم العربية لتعرف هل نحن مؤمنون أم شياطين !
-
"أمة اقرأ" هي اليوم أقل أمة تقرأ !
-
رمضان: الشهر الفضيل، الشهر
الكريم، الشهر العظيم، شهر التقوى، شهر الصبر، شهر التكافل الاجتماعي، شهر
الإحساس بالفقر والتعاطف مع الفقير، كلها شعارات إنسانية جميلة لكنها شعارات وهمية
محفوظة في القلوب أو في الكتب السماوية على رفوف المكتبات وللأسف لم ننقلها بعدُ
إلى الأرض وبقيت معلقة في السماء. أما الواقع المر السائد اليوم داخل الدول
العربية الإسلامية، فهو مغاير تماما لما دعا له الإسلام ونبي الإسلام، فشهر رمضان
اليوم، هو شهر يزداد فيه التبذير وتكثر فيه الأنانية وتطغى فيه الفوارق الاجتماعية
وتُحتكَر فيه السلع الأساسية الضرورية وتَرتفع الأسعار وتتفشّى فيه كل أنواع
الرذيلة الاجتماعية مثل الغش والكسل والكذب واالنميمة والنفاق والغضب لأتفه
الأسباب.
ملخص الحديث وخاتمته:
أنتظر عهدًا يجيء يومًا نصبح فيه قادرين على وصفِ أنفسنا بما
هو فينا، وليس بما هو موجود في القرآن وكُتُبِ الفقه، يومها فقط نستطيع القول أننا
وضعنا إصبعنا على الداء وشرعنا في وصف الدواء.
"إن
الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، آية رائعة قالها
الله تعالى مخاطبا الناس. آية طبقها نسبيا بعض المسلمين المقيمين في الدول غير
العربية، وطبقتْها حرفيا مخلوقات الله من غير المسلمين المقيمين في الدول الغربية
وبعض الدول الآسيوية غير المسيحية، وأهملها جل المسلمين المقيمين في الدول العربية. لله في خلقه شؤون
!
يبدو لي أننا لم نفقه كل الفقه معانى
قِيم الإسلام حتى اليوم فبقينا متقاعسين عن تفعيلها في الأرض منذ حوالي عشرة قرون
(منذ حرق كتب ابن رشد نهية القرن 12م) وبقينا قاعدين منتظرين رزقًا وعدلاً ونصرًا
من السماء.
والله أكاد أجزم أن الرزقَ والعدلَ
والنصرَ لن يأتوا إلا بالعلمِ والعملِ والصدقِ والإخلاصِ وبرهاني قول الله تعالى:
"إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا
ما بأنفسهم".
صيحة فزع ضد الجهل والعنصرية
والعدوانية المغلفين برداء الدين الإسلامي !
الاثنين 5 نوفمبر 2012، سمعت اليوم
باكرا في قناة "دريم 2"، برنامج "الطبعة الأولى" للمذيع أحمد
التلمساني. سمعت ويا ليتني ما سمعت !
سمعتُه وهو يشهّر بتصريحات جاهلة وعنصرية وعدوانية صدرت عن فرد من بين ممّن
يُسمّون أنفسهم بـ"علماء الدين المسلمين"، بعضهم متهمون بالتعصب الديني
الإسلامي ومشهورون بالإساءة اللفظية لغير المسلمين.
ملاحظة عابرة: بعد ما حدث الانقلاب
العسكري في مصر، لم يعد يعجبني أحمد التلمساني لمساندته الانقلاب وتعيينه ناطقا
رسميا باسم رئاسة الجمهورية الانقلابية.
المذيع يذيع الخبر:
لن أتكلم عن المسلمين المدوّنين أو
الفيسبوكيين العاديين المتعصبين وعن ما يكتبونه وما ينشرونه من سموم عنصرية
وعدوانية ضد غير المسلمين بمناسبة الكارثة الإنسانية التي حلت بمدينة نيويورك
الأمريكية بعد مرور إعصار "صاندي".
سأتكلم خصيصا عن أحد أعضاء رابطة
"العلماء المسلمين"، وأخص بالذكر "العالِم" الذي يحث المسلمين
على الدُّعاء على الأمريكيين بأن
يهلك الله منهم أكبر عدد في الإعصار. إعصارٌ سلّطه الله عليهم -حسب رأيه- عقابا
لهم على إنتاج فيلم مسيء للرسول، صلى الله عليه و سلّم.
ردّ علي هذا "العالِم"،
مفتي السعودية محتجا قائلا: "لا يجوز دعاءك عليهم كلهم بالهلاك لأنه قد يكون
فيهم مسلمين". أجابه "عالِمنا الجليل" قائلا: "المسلمون منهم،
ينجّيهم الله".
قال المذيع معلقا على الخبر المحزن
دينيا وفكريا وفلسفيا وإنسانيا، قال ما يلي (أنقل بتصرف وليس حرفيا):
-
أولا: مَن أنتج وأخرج ومثّل الفيلم المعني بالذكر ؟
أفراد معدودون موجودون أحياءٌ عند ربهم يُرزقون في ولاية أخرى غير ولاية نيويورك
فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
-
ثانيا: رغم إسلامهم القديم، لم ينجُ مسلمو أندونيسيا
وماليزيا وجنوب تايلاندا من "عقاب" إعصار "تسونامي". أكبرُ
إعصار مدمّر للمدن وقاتل للسكان حدث في التاريخ. ورغم إسلامهم القديم أيضا، لم
يسلم مسلمو بنڤلاداش الأبرياء الفقراء المساكين من "العقاب الإلهي" حسب
الأفق المعرفي الديني الضيق لبعض "علمائنا" وبعض "مسلمينا"
غير العالِمين بالمقاصد الإنسانية النبيلة لديننا الإسلامي العالمي الحنيف. لم
يَسلمْ مسلمو بنڤلاداش وماتوا وغرقوا هم وحرثهم ونسلهم وزرعهم وحيواناتهم ومساكنهم
ومدّخراتهم الحياتية القليلة نتيجة الفيضانات الطبيعية السنوية. قضوا قضاءً وقدرًا وليس عقابا لهم عن ذنب لم
يقترفوه أو جرم لم يرتكبوه ولله في خلقه شؤون.
تعليق
المؤلف محمد كشكار:
-
أبدأ يقول الله سبحانه وتعالى في
سورة الحجرات: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ
وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ
عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" صدق الله العظيم... ويقول الرحمان في
آيات أخرى: "ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تُكرِه الناس حتى
يكونوا مؤمنين... وما كان لنفس أن تؤمن إلا
بإذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون".
-
يبدو لي أن غير المسلم (مثل الملحد والمسيحي واليهودي والبوذي
واللاأدري والبهائي) هو أخونا في الإنسانية، والله هو الذي خلقه، وهو وكيله
الوحيد، وهو الرحمان الرحيم، ولن يهمله، وسوف يحميه حسب ما أعتقد من إعصار
"صاندي" ومن كل مكروه قد يصيبه، أضفْ إلى ذلك أن غير المسلم قد يكون
مسلما بالقوة بالمعنى الفلسفي لكلمة "قوة" أو مسلما محتملا. إذنْ وفي
الحالتين السابقتين، لا يجوز الدعاء عليه بل يُستحبّ الدعاء له بالنجاة من الكوارث
الطبيعية والدعاء له بالهداية إلى الطريق المستقيم ولا ننسى أن الرسالة المحمدية
هي رسالة موجّهة للعالمين دون تمييز ديني أو عرقي أو جنسي أو جغرافي أو طائفي أو
عنصري.
-
وأنهي
أيضا بقوله تعالى: "كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر" (آل
عمران: 110 ).
و أتوجه بالسؤال إلى العنصريين
المتسترين بالدين المذكورين سابقًا، قائلا: أيُّ معروف تأمرون به وأي منكر تنهون
عنه، عندما تتمنون الشرّ لغير المسلمين ؟ سأدلِي بدلوي في هذه المسألة من باب
الموعظة الحسنة مستعينا بما أوتِيتُ من علم غير ديني وأظن أن إيماني العميق لن
يقودني إلى الخطأ: أنا أرى أن الأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر ليسا واجبَين
حَكرا على المسلمين وليسا موجهَين إلى المسلمين فقط، بل يشملان المسلمين وغير
المسلمين لأن الرسالة المحمدية هي رسالة سماوية مفتوحة وموجهة دون إكراه للعالمين،
مسلمين وغير مسلمين.
-
أتمنى
أن يكون الخبرُ كاذبًا والمذيع مروِّجًا للإشاعات ويذهب تعليقي أدراج الرياح كما
ذهب الآلاف من مقالاتي المنشورة على النت بين 2008 و2022 وأحمد الله -الذي لا
يُحمد على مكروه سواه- على أن العلماء المسلمين العنصريين والمحرضين على العدوان
على غير المسلمين أمثال عينتنا النادرة لا يمثلون إلا قلة قليلة من علمائنا
وفقهائنا الأجلاء المحترمين.
دعاء موجه إلى العالِم صاحب
الدعاء العنصري المسيء للإسلام والمسلمين: الله يهديك وأتمنى أن تكون رحمة
للعالمين -مسلمين وغير مسلمين- لا نقمة عليهم.
9
حول الإسلاميين
حول مقولة "الإسلام دينٌ
ودولة"
مقولة ترددها وتؤمن بها جازمة كل
الحركات السياسية الإسلامية في العالم العربي والإسلامي دون استثناء.
يعتقد المرددون الصادقون لمقولة
"الإسلام دينٌ ودولة" أنهم يرفعون من شأن الدين الإسلامي بالادعاء عن
حسن نية أنه يحوي أجوبة شافية وسابقة لكل الإشكاليات التي يواجهها المواطن المسلم
وغير المسلم في القرن 21، ولو كان ذلك كذلك لَما كان حال المسلمين طيلة عشرة قرون
على ما هو عليه من جهل ومرض وتخلف علمي وتكنولوجي وحروب أهلية دينية مذهبية ولَما
وظفه واستغله الإرهابيون لتبرير بطشهم وعنصريتهم ووحشيتهم ضد المسلمين قبل غيرهم.
يبدو لي أن المقولة البديلة
"الإسلام رسالة لا دولة" هي التي سترفع بحق من شأن الإسلام والمسلمين
لأنها بفصل الدين عن الدولة ترفع كثيرًا من شأن الدين دون التحقير من شأن الدولة.
لماذا ؟ لأن الدولة تحتكر العنف لإجبار مواطنيها على تطبيق القوانين ومعاقبة كل
خارق لقانونها من أجل المحافظة على كيانها وردع مناوئيها بالإكراه ومعاقبتهم إن لم
يرتدعوا. هل يرضى الدين الإسلامي بمهمة مادية وظرفية مثل هذه المهمة ؟ طبعًا لا.
مقولة "الدين رسالة" أرقى ألف مرة من مقولة "الدين دولة"،
فعندما نفصل بين الدين والدولة، نرفع من
شأن الدين الرباني الثابت والصالح لكل زمان ومكان بفضل ما يحمله من قِيَمِ سَمحة
نبيلة راقية ومتسامحة حتى مع مَن أخطأ في حق ربه ومَن أصرّ على العصيان فعقابُه
مؤجّلٌ إلى يوم القيامة وقاضيه هو الوحيد الذي لا يخطئ ولا شريك له هو الله سبحانه
وتعالَى لا غيره ومعياره غير معيار البشر وأكيد أرحم منه. أما الدولة فهي نظام
بشري ضعيف وضعفه متأتٍّ من ضعف البشر الساهرين على إدارة شؤونه من حكّامٍ وقضاةٍ
ورجال أمن. لأسباب عقائدية أستثني من التاريخ فترة حكم النبي محمد صلى الله عليه
وسلم لِما للنبي من قدرة على القيادة والتسيير، كفاءة لا تتوفر في باقي المسلمين
حتى الخلفاء الراشدين الأربعة، فهؤلاء كان لهم شيطان يغويهم كسائر البشر وأما محمد
المعصوم من الخطأ في تبليغ الرسالة فكان له ملاك يهديه كما قال أبو بكر الصدّيق في
خطبة حفل تنصيبه كأول خليفة للمسلمين.
نحن نعرف أن للإسلام أركان خمسة،
أربعة منها لا تتحمل الإكراه بالقانون وإن أكرَهت أحدًا على أدائها فستضيف إلى عدد
المسلمين مسلمًا منافقًا، وعلى العكس فلو جادلته بالتي أحسن فقطعًا ستجني أجرًا
عند الله وستعزز الإسلام بمسلم مقتنع. أنا متيقّنٌ أن التقوى لن تَحصُل والإيمان
لن يُكتسب عن طريق قوانين زجرية تسنّها الدولة الإسلامية. أما الركن المتبقي، أعني
به ركن الزكاة فهو يتمثل في فرض ضريبة على ذوي الدخل الزائد عن الحاجة الحياتية
وهو أداء ضريبي فوق الضرائب العادية التي يدفعها للدولة كل المواطنين العاملين
أغنياء وفقراء وقد نجد له شبيها في دول لا تستمد قوانينها من الشريعة الإسلامية
مثل فرنسا حيث تَفرض الدولة ضريبة خاصة على أصحاب الثروات الكبيرة.
"خاتمة:
الإسلام رسالة لا سلطة ومحمد رسول وليس ملكًا": قالها علي عبد الرازق في كتاب
"محمد الطاهر بن عاشور تنويريًّا"، تأليف د. جمال الدين دراويل، 2020 (ص
228).
في السبعينيات، كنتُ أظن أن جميع
مُنْتَسِبِي الحركات الإسلامية يتحلّون بمثلِ هذا السلوك الإسلامي المثالي !
نص أمين معلوف:
"المكان:
مدينة فاس المغربية. الزمان: أواخر القرن الخامس عشر ميلادي، سنوات قليلة بعد سقوط
غرناطة الأندلس (1492 ميلادي). كان يعيش بها "جماعة الحمّالين"، مجتمع
صغير منظم يتكون من ثلاث مائة رجل مع عائلاتهم، كلهم بسطاء، كلهم فقراء، جلهم
أمّيون، ولكن رغم ذلك نجحوا في تكوين منظمة اجتماعية (Corporation-"نقابة")، المنظمة الأكثر احترامًا والأكثر تضامنًا والأحْكَم
تنظيمًا. كل سنة ينتخبون رئيسَا يدير نشاطهم بدقة متناهية. وفي أوّل كل أسبوع،
الرئيس هو مَن يعيّنُ مَن مِن رجالِه سيشتغلُ، ومَن منهم سيرتاحُ حسب حالة نشاط
السوق وتوافد القوافل وتَوفُّر المرافقين لها. ما يكسبُه الحمّالُ خلال يومِ عملٍ،
لا يحملُه إلى منزلِه بل يضعه كله في صندوقٍ مشتركٍ، وفي آخرِ الأسبوعِ يُوزَّعُ
المالُ المتجمِّعُ بالتساوي بين مَن اشتغلوا ومَن لم يشتغلوا في ذلك الأسبوع،
باستثناء حصةٍ صغيرةٍ تُنفَقُ بكرمٍ في الأعمالِ الاجتماعيةِ المتعددةِ، مثلا: عند
موتِ عاملٍ، تتكفلُ المجموعةُ بالنفقات الكاملةِ لعائلتِه ويساعدونَ زوجتَه على
البحثِ على زوجٍ جديدٍ ويرعَوْن أطفالَه الصغارَ حتى يبلغوا أشدَّهم ويتعلموا
مهنةً شريفةً. ابنُ أحدِهم هو ابنُ الجميعِ. أموالُ الصندوقِ تُنفَقُ أيضًا في
الأفراحِ: كلهم يساهمونَ في توفيرِ مبلغٍ محترمٍ للزوجينِ، يمكِّنهما من بناءِ
عُشِّ الزوجيةِ بأريَحيةٍ. يراقبونَ كل ما
يُعرضُ في السوق، يضمنونَ سلامتَه، ويَشهِرون محاسنَه في السوقِ بالصوتِ، طبعاً
بِمقابل. كل المستهلكين وكل التجار يثقونَ في شهادتِهم ونزاهتِهم.
لا يتجرأ على أحدهم أحدٌ لأنه يعرف
مسبقًا، إذا أصرّ وتمادَى، أنه سيواجِه ثلاث مائة رجلٍ وليس رجلاً واحدًا معزولاً.
شعارُهم حديثٌ للرسول (صلى الله عليه وسلّم): "انصرْ أخاكَ ظالمًا
ومظلومًا": نادرًا ما يتسبب أحدهم في شجارٍ، ولو حصلَ فسيجدُ دائمًا بين
إخوته عاقلاً يرده عن غِيِّهِ.
هكذا كانوا، متواضعين جدًّا، لكنهم
فخورون جدًّا بمهنتهم وكانوا محتاجين جدًّا، لكنهم كرماء جدًّا، بعيدين جدًّا عن
سرايا السلاطين، لكنهم حاذقون جدّاً في حُكمِ أنفسهم بأنفسهم.".
Référence: Amin Maalouf, Léon l`Africain, Ed. 34 J-C
Lattès, 2012, p.p. 111-112.
NB : Ce récit original d’Amin Maalouf
pourrait servir de scénario pour un très bon film d’action, de suspens, de
réflexion et d'histoire aussi.
تعليق المؤلّف محمد كشكار: مرّ نصفُ قرنٍ على تأسيس
"الاتجاه الإسلامي" في تونس (حاليّاً "النهضة")، تَقدَّم بي
العمر فاكتشفتُ أن إسلاميينا التونسيين لا يختلفون كثيراً عن باقي التونسيين، هُم
أبناءُ مجتمعِهم وبيئتِهم ونشأتهم، وليسوا أبناءَ إيديولوجيتِهم الإسلامية، فيهم
الصالحُ وفيهم الطالحُ، كإخوانِهم
السلفيين واليساريين والقوميين والليبراليين، كلنا في الأنانيةِ والخبثِ والطمعِ
والجشعِ والكسلِ سواسية، كلنا تونسيون "كِيفْ كِيفْ"، والحمد لله الذي
لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواهُ !
ما هي النَكَبَات الكُبرَى التي
أصابت القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين ؟
Citoyen du Monde ? : « Naître, c`est venir au
Monde, pas dans tel ou tel pays, pas dans telle ou telle maison ». Amin
Maalouf, Les Désorientés
تَكهّنَ أمين معلوف فقالَ (مع إضافةٍ
بين قوسين للمترجم محمد كشكار):
1. كارِثتان في
القرن العشرين: الشيوعية (اللينينية والستالينية والماوية) ومعاداة الشيوعية
(العولمة والرأسمالية والنيوليبرالية).
2. كارِثتان في
القرن الواحد والعشرين: الإسلام الراديكالي المسلّح ومعاداة الإسلام الراديكالي
المسلّح. (النكبة
الأولى يُجسّمها سلفيو القاعدة وداعش، مع استثناءٍ مأجّل لمستقبل "الإسلام
الديمقراطي" في إيران وماليزيا وأندونيسيا والباكستان وتركيا ونهضة تونس.
النكبة الثانية تُجسّمها الحكومات الغربية منفّذة الحروب الاستباقية ضد العالم
الثالث وخاصة ضد المسلمين منهم مثل حكومات أمريكا وأوروبا وروسيا، والديكتاتوريات
العسكرية العربية في سوريا بشار ومصر السيسِي).
ما الفرق بين المسلم والإسلامي ؟
كتاب "ثورات القوة الناعمة في
العالم العربي. من المنظومة إلى الشبكة"، علي حرب، الدار العربية للعلوم
والنشر، الطبعة الثانية 2012، 240 صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 202: "فالمسلم هو الذي
يتعاطى مع ثقافته الدينية كمرجعية للمعنى، كمشروع خلاص فردي، كنسق رمزي من
القِيَمِ والمُثُلِ يمكن استلهامه في حياته ومهنته وعمله العام، أو في برنامجه
السياسي إذا كان حاكما، كما فعل قادة كـ"مهاتير محمد" و"رجب أردوغان"
و"راشد آل مكتوم"، وسِواهم من الحكام الذين لم يقدّموا أنفسهم كدعاة
إسلاميين، ولكن نجاحهم في إدارة بلدانهم وتنمية مجتمعاتهم يُحسب لمصلحة هويتهم
الوطنية أو الدينية، من غير ادّعاء أو تنظير.
وعلى هذا النحو يتعامل المسيحي مع
ثقافته الدينية وتراثه اللاهوتي، سيما وأن "المسيحية" مرّت بمصفاة
العَلمنة، بعد الثورة الفرنسية، ولم تعد وصية على الدول والأوطان، ولا على العقول
والأفكار، وأعتقد أن هذه هي حال فكرة "الاشتراكية"، بعد فشل مشاريعها
وتحوّلها إلى أصوليات عَلمانية أو معسكرات فكرية أو أنظمة ديكتاتورية. لقد أصبحت
مجرّد مرجع مُلْهِم أو مبدأ موجّه للفكر والعمل لا أكثر".
صفحة 211: "المسلم العادي، هو
المسلم الذي لا ينتمي إلى تيار سلفي أو تنظيم أصولي، وهو المسلم الذي تفاجئه
وتصدمه انتهاكات الدعوات السلفية والتيارات الأصولية وأعمالها البربرية".
صفحة 203: "أما الإسلامي فهو،
على خلاف المسلم، يتعامل مع ثقافته الدينية كمشروع خلاص جمعي لإصلاح الأمة ونهوض
المجتمعات. ومنهم مَن يدّعي إنقاذ البشرية جمعاء، كما هي دعوى بعض الجماعات
والأحزاب والمنظمات الإسلامية.
وهذا ما تشهد به شعارات الحاكمية
والخلافة الإسلامية وولاية الفقيه، وهذا ما يؤكده إصرار الإسلاميين على أن الشريعة
الإسلامية هي "المصدر الرئيسي" للتشريع. بذلك يصبح الدين بمثابة هوية أو
دولة أو نظام سياسي أو نسق حقوقي أو برنامج اقتصادي أو نموذج تنموي... وهذا هو
مفاد شعارهم: الإسلام هو الحل والبديل: أسلمة شاملة للحياة بمختلف جوانبها و
وجوهها".
هل الإسلام واحد أم متعدّد وهل
المسلمون متماثلون أم مختلفون ؟
كتاب "ثورات القوة الناعمة في
العالم العربي. من المنظومة إلى الشبكة."، علي حرب، الدار العربية للعلوم
والنشر، الطبعة الثانية 2012، 240 صفحة.
نص علي حرب:
صفحة 208: "مأزق
الهوية الإسلامية: من حيث العلاقة مع المختلِف في الداخل، لا يحسن
الإسلاميون سوى الإخفاق في ترجمة شعارهم. هنا بيت الداء ومكمن العلّة، إذ الهوية
الدينية تتحول إلى مشكلة لأصحابها بالدرجة الأولى، كما يتجسم ذلك في الفتن
المذهبية الناشبة بين المسلمين والتي هي أشد فتكا من الحروب بينهم وبين الطوائف
الأخرى، وكما تشهد حروب النصوص والأحاديث وخطب الجوامع النارية التي تأجج الذاكرة
وتذكي فتيل الفتنة.
وعلة ذلك أن الإسلام لم يعد واحدا،
بل لم يكن يوما واحدا، منذ وفاة المؤسس. نحن إزاء عالم إسلامي متعدد المذاهب
والمدارس، الفقهية والكلامية، إلى حد التناقض. ولو أخذنا الفرقتين الرئيسيتين،
السنّة والشيعة، نجد أنفسنا أمام شرخ عميق يكاد يتجاوز كونه خلافا بين اجتهادين أو
مذهبين، لكي يتحول إلى خلاف بين ديانتين لكل منهما عالمها ورموزها الخاصة التي هي
عندها أوْلى من الأمر الجامع (الله والقرآن والنبي). والدليل هو علاقة النفي
المتبادل بينهما، تكفيرا أو تبديعا، إذ كل فرقة تقدس رموزها الخاصة و تجحد ما عند
سواها. من هنا، من التبسيط الكلام على وجود أمة إسلامية واحدة.
لنعترف بالحقيقة كي نحسن معالجة
المشكلة. فالطوائف الإسلامية، وكذلك المسيحية. كانت تعيش في عوالم منعزلة، وإن
متجاورة، بعد الصراعات الطويلة والحروب الأهلية التي أدت إلى الانشقاق والقطيعة.
وإذا كانت هذه الطوائف قد فكت عزلتها وخرجت من قوقعتها، المجتمعية والفكرية، على
سبيل التواصل والتبادل، فبفضل الحداثة بفضاءاتها وقِيمها ومؤسساتها التي أتاحت لها
التعبير عن معتقداتها وممارسة طقوسها في الفضاء العمومي".
صفحة 212: "أعرف أن المسلمين
ليسوا كلهم إسلاميين سلفيين أو أصوليين. فالكثيرون منهم يعيشون زمنهم وينخرطون في
العالم الحديث، بالإفادة من منجزاته أو تبنّي قِيمه ونُظُمِه في الحرية
والديمقراطية، أو في الاشتراكية والليبرالية، أو في التعددية والشفافية، أو في
العولمة والتنمية.
بل إن السلفيين والأصوليين، تأثروا
بمنجزات الغرب واستثمروها، ولو لم يعترفوا
بذلك. واليوم وبعد اندلاع الثورات التي غيرت المشهد وقلبت الموازين، حدث تغيُّرٌ
في مواقف الإسلاميين جعلهم يتخلون عن ثوابتهم ويقبلون بالدولة المدنية
والعَلمانية. بالطبع مع تأكيدهم، بنوع من الالتفاف والخداع، بأن ذلك لا يتعارض مع
تعاليم الدين الإسلامي.
ومن هنا نشأ صراعٌ داخل الجماعات
الإسلامية بين المحافظين والإصلاحيين، بين التيار السلفي الذي لا ينتج سوى منظمات
تكفيرية، وبين التيار الليبرالي المنفتح على حقائق العصر وقِيم الحداثة، ويشبه أن
يكون الفرق بين الاثنين كالفرق بين حمادي الجبالي الذي تحدث عن "الخلافة
السادسة"، وبين راشد الغنوشي الذي بدا ذا منزع حداثي ليبرالي في موقفه، على
نحو يقرّبه من نموذج مهاتير محمد أو رجب أردوﭬان، في موقفه من بعض القضايا
المتعلقة بالحريات، وخاصة في مجال الاقتصاد. فالإسلاميون هم ليبراليون إلى أقصى
الحدود في هذا المجال، وهو الذي يجمعهم مع أميركا والعالم الرأسمالي، كما جمعهم من
قبل عداؤهم المشترك للمعسكر الاشتراكي".
هل استنفذ
المقدس عندنا طاقته وفُرِّغَ من معناه ؟
المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية
في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
نص هاشم صالح:
صفحة 268: "طيلة سنوات عديدة
كنت أعتقد أن الحل يكمن في الإبستمولوجيا (علم العلوم أو علم فلسفة العلوم). وككل
باحث عربي غادر بلاده إلى أوروبا وجامعاتها كنت مسحورا قبل كل شيء بالحداثة والعلم
والتكنلوجيا. وكنت مسحورا بتلك النظرية التي أتاحت نشأة هذه الأشياء في أوروبا،
وأتاحت لأوروبا أن تتفوق على جميع الأمم الأخرى منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم.
ففلسفة العلوم أو فلسفة المعرفة هي التي تدرس شروط إمكانية وجود المعرفة الصحيحة
وتمييزها عن المعرفة الخاطئة (إضافة المؤلّف محمد كشكار: وأنا أقول تدرس شروط
إمكانية وجود المعرفة "العلمية" وتمييزها عن المعرفة "غير
العلمية" ولا أقول "الخاطئة" لأن خطأها لا يظهر إلا للعالِم بينما
هي -حتى ولو كانت خاطئة فعلا- هي معرفة عملية وحياتية على الأقل بالنسبة لحاملها ومستعملها). وهي
التي تبلور معايير التقدم وطرائق الاكتشاف والبحث العلمي. ولكن بعد فترة طويلة من
التخبط والتيه رحت أكتشف -و يا لدهشتي الكبرى !- أكتشف أن الحل يكمن أولا في
التيولوجيا لا في الإبستمولوجيا ! إنه يكمن في علم الكلام، في علم الله، في علم
اللاهوت قبل أن يكمن في علم الطبيعة أو الفيزياء أو الرياضيات. وفهمت عندئذ أن
تحرير السماء سوف يسبق حتما تحرير الأرض. وعرفت ألا جدوى من تحرير الأرض قبل تحرير
السماء. هذه السماء الضاغطة كالسقف فوق رؤوسنا، هذه السماء التي تراكمت فيها
الغيوم السوداء و ادلهمّت على مر القرون السكولائية.
لا يفهمنَّ أحدٌ من ذلك أني أدعو إلى
الإلحاد، فهذا حل سهل لم يخطر لي على بال. ذلك أني لا أعتقد بإمكانية قيام مشروع
نهضوي كبير إلا على الإيمان: أقصد الإيمان الذي يزحزح الجبال، الإيمان المنبعث من
تحت الأنقاض أو من تحت الرماد. فالتحرير اللاهوتي الذي ندعو إليه سوف يقدم لنا
شحنة هائلة من الانبعاث والتجدد والخلاص. كنا قد ذكرنا أن القرار اللاهوتي الحاسم
الذي اتخذه مارتن لوثر 1517م لم يخلّص المسيحية فقط من الأوشاب التي علقت بها عبر
التاريخ وينتشلها من الوهدة التي سقطت فيها، وإنما سرعان ما تُرجم على أرض الواقع
سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فشمل التحرير كل جوانب الحياة. وكان أن عادت الثقة
إلى روح أوروبا والمسيحية من جديد، وكانت انطلاقتها الكبرى وتحررها من عُقَدِها
التاريخية المُزمنة.
اسمحوا لي أن أقول في الختام بأن
المقدس عندنا قد استنفذ طاقته، وفُرِّغَ من معناه. لقد فُرِّغَ من تنزيهه وتعاليه
الذي كان القرآن العظيم قد دشنه لأول مرة في اللغة العربية قبل خمسة عشر قرنا من
الزمن. لقد تحول إلى شكليات طقوسية وقوالب قسرية جفّ فيها نبض الإيمان. هذا اللهب
الأوّلي، هذه الشرارة المقدسة التي أشعلها محمد بن عبد الله في روابي مكة والحجاز،
ماذا بقي منها الآن ؟ كيف تحولت وتشوّهت على أيدي الحركات الحالية حتى أصبحت غريبة
عن مقاصدها الأولية ؟ كيف طُمِرت طزاجتها الغضة تحت ركام العصور والخلافات
المذهبية ؟ كيف استُهلِكت من كثرة الاستخدام بحق وبدون حق ؟ كيف هرمت وشاخت وأصبحت
عالة على التاريخ، هي التي كانت تشحن التاريخ وتدفع بالعرب نحو الفتوحات والأمجاد
؟ كيف خارت القوى، وانحطت العزائم ؟ كيف أصبحت الآيات القرآنية تُسحب في هذا الشأن
أو ذاك، لتأييد هذا الزعيم أو ذاك بحسب الحالة والحاجة ؟ كيف دخلنا في معركة
الفتاوى الحامية التي تُقذف ضد البعض كالرجم بالصواريخ ؟
يقولون: عاد الدين وعاد الإسلام، وإنهم لواهمون. فما عاد ليس
إلا أيديولوجيات سياسية مغلّفة بغلافات تيولوجية. ذلك أن ما يحصل تحت أعيننا اليوم
ليس عودة إلى الإسلام ولا انبعاثا أو تجديدا لروح الإسلام، وإنما عَلمنة كاسحة تتم
تحت غطاء المعجم اللاهوتي القديم. ولا أحد يرافق هذه العَلمنة الجارية فعلا على
أرض الواقع بخطاب نظري عربي إسلامي حديث. لا أحد يشرح لنا ما يجري، ولماذا يجري ما
يجري بهذه الطريقة لا بتلك. ذلك أن الأفق مسدود والخطاب الأيديولوجي الأعمى يغطي
الساحة فلا يترك أي مساحة للفكر الحر والمستنير. ومن المعروف أن المجتمع عندما
يُكبت طويلا ينفجر، وعادة ما يلجأ إلى لغة آبائه وأجداده للتعبير عن نفاذ صبره
وضيق عيشه. وهذا ليس تزمتا خاصا بالإسلام والمسلمين كما يزعم الغربيون، وإنما هو
تعبير عن الاحتجاج السياسي والاجتماعي المشروع في ظل إخفاق التنمية وغياب الحد
الأدنى من الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية. افتحوا المجتمع قليلا، دعوه
يتنفس شيئا ما، عندئذ يعبّر عن نفسه بغير لغة الانفجارات والتفجيرات.
لذلك نقول بأن ما نحن بحاجة إليه اليوم كخطوة أولى نحو الحل
هو الانخراط في حركة تاريخية-روحية أو بالأحرى روحية- تاريخية تأخذ بعين الاعتبار
النقطة الجوهرية التالية: القيام بعملية تحليل
نفسي جماعية للتراث. أقصد بذلك الشروع -أخيرا- بتطبيق منهجية النقد التاريخي على
النصوص الإسلامية الكلاسيكية الكبرى والعصور الأولى للإسلام حين تشكلت الذاكرة
الجماعية والوعي الجماعي الإسلامي كله. إن التراث الإسلامي هو من العظمة والكبر
بحيث أنه يستحق منا أكثر من مجرد التبجيل والتبرير والتعلق العاطفي والطفولي. لقد
آن الأوان لأن نرتفع به إلى مستوى الدراسة العلمية، أو أن نرتفع بالدراسة العلمية
إلى مستواه. إنه يتطلب منا أن نحترمه بطريقة أخرى، أي بواسطة الدراسة التاريخية
والمنهجية المقارنة المطبقة الآن في أحدث الجامعات الأوروبية.
هل اهتدى المثقف العربي إلى حل
للأزمة العربية الراهنة ؟
المصدر:
كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية
في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان،
الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
تمهيد:
إن اجتهادات المثقف العربي طيلة
القرن الماضي لإيجاد البديل للأزمة العربية الخانقة، لم تأت بالحل كما توهّم بعض المثقفين التقدميين
كالماركسيين والقوميين والليبراليين العرب غير الملمّين عادة بالتراث العربي
الإسلامي، أو كما أمِلَ بعض الناشطين السياسيين منهم. وإنما البراديغم في حد ذاته
(البراديغم لدى توماس كوهان، يشبه إلى حد ما مصطلح الإبستميه لدى فوكو. أي تراث البحث السائد أو النظرية العلمية
السائدة في بيئة علمية ما وزمن ما) الذي سجن فيه المثقفون العرب أنفسهم هو العلامة
التي لا تخطئ الأزمة، حِدة الأزمة. إن مقالات أو مقولات المثقف العربي المعاصر
ليست العلاج أو الدواء وإنما هي أعراض المرض.
نص هاشم صالح:
صفحة 247: "لم يترك المثقف
العربي طريقا إلا وجرّبه: من الإصلاحية السلفية إلى الليبرالية إلى الوجودية إلى
الماركسية إلى البنيوية إلى القومية الرومانطيقية إلى التراثية التقليدية أو
التراثية الثورية، ولكن المَخرج المناسب لا يزال عَصِيّا على المنال حتى الآن. ولا
تزال المعضلة الرهيبة صامدة كتلك الصخرة التي تحدث عنها شاعرنا العربي القديم:
كناطح صخرة يوما ليُوهنها
............... فلم يُضِرها وأوهَى قرنه الوَعِلُ".
صفحة 248: "كلنا يعرف أن الخط
الليبرالي قد سيطر على نخبة المثقفين في المغرب والمشرق منذ أواخر القرن التاسع
عشر وحتى منتصف هذا القرن. وكان يبدو بمثابة المَنفذ الصحيح إلى الحل. وقد أعطى
بالفعل عدة إسهامات جادة من خلال أعمال الطاهر الحداد وأحمد أمين وعباس محمود
العقاد وطه حسين... إلخ. ولكنه هُزِم فيما بعد على يد الخط الصاعد في الخمسينات:
خط القومية والاشتراكية الذي استطاع أن يواكب الثورة السياسية التحررية، وإن لم
يستطع تقديم أعمال فكرية كبيرة كتلك التي قدمها سلفه. ثم جاء الخط الماركسي في
السبعينات لكي يبدو أنه الحل والخلاص الأكيد. كيف لا وهو منهج علمي ذو حتمية لا
تقل صرامة عن حتمية القوانين الفيزيائية والكيميائية ؟ ثم تبخّرت الماركسية عن
سراب أو شيء يشبه السراب. وجاءت البنيوية بعدئذ لكي توهمنا بأننا قبضنا على الحل
والوصفة الجاهزة التي ستحل كل الأمور بضربة عصا سحرية. ثم خاب الأمل بها أيضا في
السنوات الأخيرة.
وأخيرا جاء الحل الإسلامي والثورة الإسلامية، وكانت النتيجة
التي نعرفها، والتي لا تزال مُجرياتها تتفاعل تحت أعيننا حتى الآن.
كل الخطوط جُرِّبت، وكل الدروب طُرِقت، ولكن الحل بقي
مستعصيا، والداء متأصّلا. كل الدروب جُرّبت إذن إلا درب واحد، لم يطرقه المفكرون
إلا نادرا، و من بعيد البعيد، وبالشكل الذي لم يكن ناجعا حتى الآن. ولا عجب في
ذلك، فهو الدرب الأبعد لأنه الأقرب، قرب فوهة القنينة من ذبابة
"فتغنشتين". فهو لشدة قربه منا وارتطامنا به يوميا لا نكاد نراه. إنه
كمن يبحث عن قلم أو ورقة في كل مكان والورقة أمامه على الطاولة مباشرة ولكنه لا
يراها.... كان من السهل على المثقف العربي في بدايات هذا القرن (القرن العشرون) أو
في منتصفه أن يقول: أنا ليبرالي مستنير، أنا خِرِّيج جامعات أكسفورد والسوربون
وبرلين، أنا متحرّر ولا علاقة لي بهذا التراث المتخلف والجامد الذي يشكل عبئا
عليَّ ووصمة عار أحاول التهرب منها.
(...) أما المثقف القومي أو القومي الاشتراكي الذي ظهر بعد
الخمسينات من القرن المنصرم فكان أقل تدرّبا على مناهج البحث والتفكير القادمة من
أوروبا. ولكنه كان أكثر تحمسا للسياسة والفكرة القومية الصاعدة بكل طيبة وعفوية
رومنطيقية. وأعتقد أنه قد اكتشف أخيرا الطريق إلى النهضة والخلاص المنشود: إنه
الخط القومي. ولا ريب أن اكتشافه كان صحيحا، فلا شيء أغلى على العرب من وحدة العرب
ففيها عزهم ومنعتهم. ولكنه اعتقد -وهنا وجه التسرع والخطأ- أنه يكفي أن نمزج بين
التراث والحداثة، أو بين الأصالة والمعاصرة بتلفيقة معيّنة وبطريقة معيّنة لكي
نتوصّل إلى الجواب. يكفي أن نبلوِر ذلك في عدة شعارات مبسطة وانفعالية لكي نستطيع
تجييش الجماهير ودفعها نحو تحقيق الهدف الأكبر. ولكن هزيمة الخامس من حزيران/يونيو
1967 والهزائم التي تلتها جاءت لكي تضع حدا لهذا الحلم الكبير والجميل، أو لكي
تعرقل تحقيقه، مرحليا على الأقل.
فالأمور أشد صعوبة مما توقعنا، والطريق أكثر طولا وتعرّجا والتواء. وكانت صدمة
مفجعة أصابت النرجسية العربية في الصميم. فجاءت التيارات الماركسية كعلاج يَجُبّ
ما قبله. ذلك أن الماركسية -أو ما فُهم منها و ما تُرجم ونُقل- قدّمت نفسها على
أساس أنها نظرية علمية لا تُناقش ولا تُرَد. وهل يُناقش العلم وقوانينه الحتمية ؟
وأفرزت في الساحة الأدبية مذهبا نقديا مزعجا، باترا ومبتورا، يُدعى بالواقعية
الاشتراكية. وراحت تسيطر على بعض الساحات والجامعات على هيئة شعارات سريعة
ومبتسرة. وجذبت الكثير من الشباب المتحمسين، وكانت النتيجة المعروفة. فالماركسي
العربي هو أيضا رجل تقدمي مُفرغ من كل ما هو ماضوي أو تراثي. إنه رجل تقدمي لا
يعبأ بمشاكل التراث ولا تهمه دراسة الإسلام (أو المسيحية العربية الشرقية مثلا).
والسبب أن هذه الأشياء عفا عليها الزمن، أشياء مضت وانقضت، أشياء تخص الرجعيين
فقط. وبالتالي فلا داعي للخوض فيها أو الاهتمام بها، اللهم من خلال "المادية
الديالكتية" و"المادية التاريخية" وهكذا راح يُدَبّج الكتب التي
تتحدث عن كل شيء ما عدا التراث، وتُسقط ما ليس فيه عليه. وفي حين أن المثقف
الليبرالي كان يدرس أحيانا بعض هذه الجوانب ببعض الاعتدال والاستنارة، فإن المثقف
الماركسي أراد القفز عليها واعتقد بإمكانية قفز الجماهير المسلمة على تاريخها
ونسيانه تماما بمجرد أن تعتنق النظرية العلمية التي فسّرت سر التاريخ ولغز الكون !
مرة أخرى نلاحظ أن القفز على المشكلة
كان هو الحل المقترح، أو قُل الانحراف عنها والمواربة بدلا من مواجهتها وجها بوجه،
وعينا بعين.
ثم جاءت الحركات
"الإسلامية" الحالية وأعادت الأمور إلى نصابها. لا أقصد بالطبع إنها قد
وجدت الحل. وإنما أقصد أنها قد أجبرت بمجرد وجودها الضخم والكثيف في الشارع كل
هؤلاء المثقفين التقدميين من دون تقدم، والمتحررين من دون تحرر، على فهم أن حل
المشكلة لا يكون بالقفز عليها أو بالتعامي عنها، ثم لفتت انتباههم إلى أن المشكلة
ليست حيث يظنون ويتوهّمون ويسرحون، وإنما هي في مكان آخر مختلف تماما، إنها لا
تزال رازحة هنا، حيث هي. إنها في الصميم منا، إنها مشكلة العلاقة، الصحيحة أو
المَرَضِية، مع الذات التاريخية العربية-الإسلامية. والتحرر-إذا ما حصل يوما ما-
سوف يكون من داخل هذا التراث في صراع جدلي وخلاّق معه، وليس من خارجه.
كفانا إذن جريًا وراء الأوهام وبُقع
السراب في الغرب أو في الشرق، كفانا إذن دَفْنًا للرؤوس في الرمال وتعاميا عن واقع
الحال والتاريخ. وهذا الحل التحريري لن يتم دفعة واحدة أو بضربة عصا سحرية، وإنما
درجة درجة، ومرحلة فمرحلة، وبعد يأس مرير وكفاح طويل (=الجهاد الأكبر). ذلك أن أي
تحرر آخر للعرب والمسلمين سوف يكون هشا ووهميا، وقابلا للانتكاسة عند أول صدمة
موجعة.
هل أن الأصولية الإسلامية التي تخيف
الناس هي في الواقع خائفة على مستقبلها ؟
المصدر: كتاب "مخاضات
الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر والحياة."، هاشم صالح،
دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.
نص هاشم صالح:
صفحة 197: "ولكن من الواضح أن
العرب -والمسلمين بشكل عام- يُعانون من انسداد خطير لم يسبق له مثيل في التاريخ.
لهذا السبب يبدو مصيرهم قلقا، مترددا، وكأنه على كف عفريت. وما اندلاع الحركات
الأصولية بمثل هذه القوة والجبروت منذ عشرين سنة إلا أكبر دليل على عمق هذه
الأزمة، واستفحالها وخطورتها. يمكن أن ننظر إلى الحركة الأصولية من زوايا مختلفة.
ولكن نادرا ما ننظر إليها من الزاوية التالية: لماذا لا نقول بأنها تعبّر عن قلق
عميق (أو خوف شديد) من الاقتراب من لحظة الحقيقة ؟ من المعروف أن المرء يرتجف رعبا
عندما تقترب منه حقيقته، أو عندما يقترب من لحظة الحقيقة المطموسة منذ سنوات
طويلة. بهذا المعنى فإن الأصولية ليست إلا تشنجا أو اختلاجا هائجا يسبق انكشاف
الحقيقة.
بما أنني شخص "بدائي" لا
يستطيع أن يفهم بدون مقارنة محسوسة، وبما أن حداثة الغرب تميل لأن تفرض نفسها على
جميع الناس في عصر العولمة الكاسح، فإني مضطر لطرح هذا السؤال: ألا تعبّر الأصولية
عن محاولة يائسة (وربما دونكيشوتية) لتحاشي العصر، لتحاشي الدخول في الحداثة ؟
فالأصولية التي تخيف الناس هي في الواقع خائفة. أليست هي آخر طلقة نارية نطلقها
قبل الاستسلام لمنطق العصر في سلوك المنهج العلمي والتقدم والعقلانية ؟ أليست شهقة
المحتضر -احتضار القرون الوسطى قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة ؟ بكلمة أخرى وأخيرة:
أليست آخر عتمة، وأقوى عتمة، العتمة التي تسبق مباشرة انبلاج الفجر ؟
ولكن هذه العتمة قد تطول أكثر مما
نتوقع. صحيح أن عصر الأصولية ابتدأ يلهث قليلا ويبدي بعض أمارات التعب والعناء.
صحيح أن عصر "ما بعد الأصولية" ابتدأ يتراءى في الأفق المنظور. صحيح
أيضا أن كل ظاهرة محتقنة بعد أن تشبع انفجارا تتراخى وتهدأ تماما كما يهدأ الإعصار
أو الزلزال... فمتى سيشبع إخواننا الأصوليون من الانفجار والتفجير ؟ متى سيقذف
الواقع بكل الحمم المخزونة في أحشائه، في أعماق أعماقه ؟ هذا هو السؤال. وبالتالي
فإن الأصولية ليست استثناء على القاعدة. فقوّتها الانفجارية -أو العنيفة- سوف تخفّ
تدريجيا بطبيعة الحال. وسوف تخفّ أيضا قدرتها على التعبئة والتجييش: تعبئة الشبيبة
العربية والجماهير. ولكن الأسئلة التي طرحتْها بشكل مباشر أو غير مباشر، فج أو غير
فج، سوف تبقى. وسوف تشغلنا لفترة طويلة مقبلة من السنين.
إن الأصولية ليست هي الحل كما توهّم
بعض المتسرّعين السذّج، أو كما أمِلَ بعض المحافظين الماضويين. وإنما هي العلامة
التي لا تخطئ على الأزمة، على حِدة الأزمة. الأصولية ليست العلاج أو الدواء وإنما
هي أعراض المرض. بهذا المعنى يمكن القول إن الانفجار الأصولي كان أمرا محتوما لا
نستطيع تحاشيه. كان لا بد من المرور من هذه المرحلة العصيبة والمؤلمة من تاريخنا.
ولكن ليست كلها مؤلمة. فالأصولية فيها إيجابيات لا تنكر. وأول إيجابياتها التنبيه
إلى مسألة الهوية والتعلق بالجذور. الأصولية كانت محاولة عطشى لمعانقة الجذور. في
الأصولية جوع هائل للهوية ورفض للاستغراب بعد طول انفصام أو تهديم وضياع في
الأديولوجيات الأجنبية المستوردة (وأحيانا بشكل رديء، إن لم يكن في أكثر
الأحيان..). بهذا المعنى فإن الأصولية تمثل لحظة مشروعة أو شرعية. إنها لحظة
الارتطام بالقعر، لحظة معانقة الذات التراثية التي انصرفنا عنها بحجة التخلف
والرجعية، لحظة العودة إلى البيت القديم... ولكنها لحظة مؤقتة بالطبع، أو لحظة
عبور، لأنها رد فعل وليست فعلا، الفعل يجيء لاحقا بعد مرور العاصفة...
الأصولية هي الرد المنطقي على فشل
الحداثة العربية-الإسلامية. ولكن إذا ما نجحت هذه الحداثة يوما ما، فسوف تنحسر عنا
أوهام الأصولية كما ينحسر الضباب عن بطن الوادي. سوف ينزاح كابوسها عن صدورنا كما
تنزاح الصخرة عن كاهل سيزيف (ولكن لكي لا تعود هذه المرة، أو في كل مرة).
ليُسمح لي أن أخاطر هنا بالأطروحة
التالية: إن ما يحصل الآن من مآس وانفجارات شيء محتوم وإجباري ما دام الاحتقان
موجودا، وما دامت المشاكل الداخلية لم تُحل وما دامت لحظة المصارحة مع الذات لم
تُحسم. ولا أقول ذلك فقط من باب الإيمان بمقولة هيغل "كل ما هو واقعي
عقلاني"، أي له سببيّته أو ضرورته المسجَّلة في أحشاء الواقع. وإنما لأن
التاريخ يتقدم من أبوابه الخلفية أحيانا، ولأن الكوارث والفواجع هي الثمن المدفوع
لكي تنحل عقدة التاريخ. كنت أتمنى لو أننا نستطيع إحراز التقدم بدون دفع الثمن،
بدون المرور بهذه المرحلة التراجيدية والعصيبة التي نمر بها. ولكن هذا مستحيل: فلا
بدَّ دون الشهد من إِبَرِ النحل...
حزبُ "النهضة"
التونسي (2011-2021): هل كان حزبُ النظام أم حزبُ التغيير ؟
خلال عشر سنوات تأقلمت "النهضة" مع إملاءات
لوبيات الداخل وإكراهات الخارج ولم تدّخر جهدًا من أجل نحت مكان لها داخل مؤسسات
الدولة، لكنها فشلت في التغلغل في مفاصل الدولة ولم تغامر بِبَعث مؤسسات إسلامية
جديدة وواعدة (تشييد عاصمة دينية في القيروان، إحياء جامع الزيتونة، دسترة الزكاة
والحُبس، إلخ). أيادي مرتعشة كي لا أقول أيادي عاجزة وربما تكون أياديَ مكبّلةً
بإكراهات غير مرئية. الله أعلم.
الحقيقة أن هذا الحزب لم
يُخلَقْ لتغيير المنوال الاقتصادي الليبرالي السائد في تونس منذ الاستقلال، بل على
العكس: فضّلت "النهضة" وبإرادتها السيرَ في ركابه بل قدّمت له تنازلات
مجانية للتقرّب منه والتودّد إليه.
"النهضة" لم تطرح
أبدًا مسألة الدين والسياسة بل تراجعت عن مبادئها الإسلامية وأصبحت تقول على لسان
عبد الفتاح مورو، نائب الغنوشي: "مرجعيتنا الدستور وليس القرآن" (سمعته
بأذنيَّ وشاهدته بأم عينَيَّ). هل
بدأت النهضة تتعلمن ؟
"النهضة" قطعتْ
علاقتها بالحركات الإسلامية الجهادية (أنصار الشريعة) وفضّلت إتّباعَ نهج
البراﭬماتية السياسية والاقتصادية على حساب مرجعيتها الإسلامية الخيرية التطوعية
التضامنية الدعوية وبدأت تَنحتُ لنفسها هُوية توفيقية (Une identité syncrétique).
Le parti islamiste tunisien Ennahda a monnayé sa
participation au pouvoir durant six années (2014-2021) en échange de l’abandon
de toute velléité de rupture avec l’ancien système. Et d’en absoudre les
représentants les plus corrompus.
Source d’inspiration: Le Monde diplomatique.
Manière de voir février-mars 2022.
خاتمة:
فرضية متفائلة جدًّا للمستشرق
الفرنسي جيل كيبال: "الإسلام السياسي هو إيديولوجية قابلة للذوبان في
الإيديولوجية الليبرالية (سوق مع حقوق الإنسان مع أنترنات)".
تعليق أوّلي انطباعي حول محاضرة وجدي
غنيم بقبة المنزه بتونس العاصمة (2012-2013)
أمضيت ثماني سنوات كأستاذ متعاون
بالجزائر، كنت أثناءها مثابرا على متابعة الدرس الأسبوعي للشيخ محمد الغزالي (وكان
يوم الاثنين على ما أذكر على الساعة السابعة مساء بالتوقيت الجزائري)، الداعية
الإسلامي المصري بالجزائر، ساعدني على أن لا تقف "يساريتي" عائقا بيني
وبينه وكنت أنتظره وأسمعه وأنصت إليه وأتذوّق كلامه وأعجب بسلاسة أسلوبه وحسن
معانيه ولطف خطابه. نهلت من علمه الكثير واستفدت من تفتحه وسماحته وقررّت إثرها
دراسة التراث الإسلامي عن قرب. سمعت البارحة في الفيسبوك بعض محاضرات وجدي غنيم وأنصت جيدا لما قاله في
المنزه لمدة ساعة و20 دقيقة وقارنت بينه وبين الغزالي فحزنت كثيرا على ما آل إليه
الخطاب الفكري الإسلامي على لسانه من تسطيح وسياسوية وتعبوية وتحريض وتعصب وعنصرية
وتَعَدٍّ على الذوق السليم في اختيار المفردات اللائقة بمحاضرة دينية إسلامية
وتشويه للقيم الإسلامية النبيلة المتسامحة مع جميع الناس وجميع الأديان.
حكمة ربّانية
حكمة ربّانية، اتعظت منها الإنسانية
وأتمنى من كل جوارحي أن يعيها السلفيون: قناة نسمة التي بثت فيلم برسيبوليس سنة
2012-2013، هل هي أكثر إيذاء للذات الإلهية والشخصية المحمدية أم الشيطان وكفار
قريش ؟ طبعا الشيطان وكفار قريش أكثر إيذاء، أعداء الله ورسوله صلى الله عليه
وسلّم.
لكن من حكمة ربنا أنه نقل لنا حرفيا
في القرآن الكريم، كلام وحجج أعدائه وأعداء نبيه
محمد صلى الله عليه وسلّم، ولم
يكتف بحرية التعبير والنشر المطلقة لهؤلاء المعارضين في كتابه المبين، بل
فات وارتقى وعلا، سبحانه، وأمرنا أن نردد كلامهم في كلامه عند قراءة القرآن الكريم
دون حذف حرف واحد، خمس مرات في صلواتنا اليومية، وأن نرتله صباحا مساء وأن نتهجّده
ليلا حتى مطلع الفجر. واعتبر هذا، عبادة يتقرب بها المخلوق من خالقه ولم يعتبره،
هو، صاحب الشأن، لا مسّا من الذات الإلهية ولا تطاولا على الشخصية المحمدية. حدث
هذا، والإسلام ما زال في أوله ولم يستقر في القلوب بعدُ، فما بالك اليوم وقد تربّع
واستقرّ في قلوب مليار ونصف مليار مسلم منتشرين في العالم أجمع.
فكّر قبل أن تعلّق !
1. في تونس
وللأسف يبدو لي أن جل الإسلاميين لا يملكون ثقافة إسلامية معمّقة كذلك جل
اليساريين لا يملكون ثقافة يسارية معمّقة !
2. عند العرب،
يبدو لي أن التعليم الديني القديم أنتج علماء-فلاسفة (ابن سينا، ابن رشد،
الفارابي، إلخ) والتعليم الغربي الحديث أنتج مثقفين جهلة بالعلم وعلماء غير مثقفين
! لا يعني هذا أن التعليم الديني اليوم أفضل من التعليم الغربي كما تدّعي منظمة
"بوكو حرام" النيجيرية الداعشية.
3. كل الوافدين
على تونس، الفينيقيون والرومان والفرنسيون كانوا عنصريين لذلك لم نَرِثْ من
حضاراتهم إلا النزر القليل، أما المسلمون فقد ورثنا حضارتهم كاملةً !
4. الحضارة
السائدة اليوم في تونس عمرها خمسة عشر قرنا وهي أمازيغية-عربية-إسلامية والباقي
استعمار حضاري (الفينيقيون والرومان والفرنسيون) !
5. الحضارة
العربية-الإسلامية: الغريب أن عدالتها ومساواتها وتسامحها وانعدام العنصرية داخلها
وانعدام الإقطاع والطبقية فيها، كل هذا أضعفها.
Elle est
victime de son succès !
6. أيها
اليساري التونسي أنت اعتنقتَ نظرية الماركسية الوافدة، آمنتَ بها ودافعتَ عنها،
فكيف تتعجّب من اعتناق أمازيغ شمال إفريقيا للإسلام !
7. الملحدون
التونسيون هم أنتروبولوجيًّا مسلمون. الغريب أنهم ينكرون هذه الحقيقة والغربيون
يعرفونها ويعاملونهم كمسلمين !
8. كل المسلمين
غير العرب هم جزئيا عرب لأن الحضارة الإسلامية هي منتَج عربي بالأساس ولأن القرآن
الكريم وحي إلهي بلغة العرب !
9. انتشار السلفية منذ
سبعينيات القرن الماضي ليس صحوةً إسلاميةً أو اقتداءًا
بالسلف الصالح كما يدّعي السلفيون، وإنما هي في الواقع صحوة بترودولارية وهّابية
تخدم مصالح الخليج العربي السياسية لا غير !
Le « Salaf
Vertueux » était révolutionnaire, les « salafistes
contemporains » sont réactionnaires !
Le « Salaf Vertueux » : le messager de Dieu,
Mohamed (Qu'Allah le bénisse et lui accorde la paix), ses disciples
et les disciples de ses disciples (Que Dieu les bénisse) ont fait une révolution
sociale et culturelle profonde au VIIè siècle après J.-C. Ils n’étaient pas
« salafistes » par rapport aux valeurs de leurs prédécesseurs. Au
contraire, ils étaient des innovateurs. Ils ont accompli une rupture
épistémologique avec le paganisme et le polythéisme de leurs ancêtres.
Je pense que les prédicateurs
prosélytes « salafistes contemporains » justifient
l’injustifiable : la circoncision des jeunes filles (ختان البنات), la polygamie (تعدد
الزوجات), l’aliénation de la femme (استلاب
المرأة), le concubinage
« halal » (إباحة الجواري والمحظيات وما ملكت
أيمانكم), le sexisme (التمييز على أساس الجنس
), la lapidation des adultères (رجم الزانية), la torture (التعذيب), la flagellation (الجَلْد), la violence (العنف), l’esclavagisme ( العبودية),
la dictature (لا يعترفون بالديمقراطية),
l’état religieux (الدولة الدينية), le parti unique de Dieu (ضد التعددية الحزبية), la monarchie oligarchique (لا يعترفون بالانتخابات), le racisme (التمييز
العنصري), la traîtrise de la famille royale saoudienne (عَمالة العائلة المالكة السعودية للأمريكان و خيانتها للعرب و
المسلمين), etc.
Ils ont accompli deux ruptures
réactionnaires, une avec leur propre patrimoine musulman éclairé et une autre
avec le modernisme occidental actuel.
10
الأخوان اللدودان: اليساريون والإسلاميون
هل غيرت أفكارُ اليساريينَ والإسلاميينَ التونسيينَ من
عقليةِ المواطنِ التونسيِّ، وهل غيرت من عقلياتِهم هم أنفسِهم ؟
يبدو لي -والله أعلم- أن معظم
اليساريين والإسلاميين التونسيين يلتقون ويتوحّدون حول الأفكار الإيجابية،
الغايات، القِيم الإنسانية، مثل العدالة الاجتماعية، التضامن، التضحية، المساواة
في الحقوق والواجبات، الصدق في القول والإخلاص في العمل. كلها أخلاقٌ نبيلةٌ وعاليةٌ،
ثمّنها القرآن الكريم قبل ماركس بعشرة قرونٍ أو أكثر قليلاً. للأسف الشديد، هذه
الأفكار السليمة بقيت سجينة الكتب، بشريةً كانت أو مقدسةً، لم تترك أثرًا طيّبًا
في عقلية المواطن التونسي، ولم تغيّر من سلوكاته شيئًا يُذكَر فيُشكَر.
المفارقة الكبرى تكمن في أن اسلوكات
السيئة هي التي سادت وانتشرت في مجتمعنا التونسي، مثل الأنانية، المحسوبية،
الجهويات، الربح السهل والسريع دون جَهدٍ ولو يَسيرٍ، الفساد، الرشوة، تراجع
الضمير المهني، إلخ: تجد اليساري والإسلامي على حد سواء من بين الأساتذة المقاولين
تجار المعرفة الجشعين، أو من بين الموظفين عديمي الضمير، أو من بين المسؤولين
المرتشين، أو من بين الحِرفيين الغشاشين، أو من بين الأطباء الجشعين، أو من بين
القضاة والمحامين الفاسدين، إلخ. والتونسي حسب رأيي يبقى تونسيًّا، سواءً يَسّرَ
أو يمّن، والطبعُ عادةً يغلب التطبّعَ !
أعتقد أن القِيم السلبية، مثلها مثل
التصورات غير العلمية، تصمد بقوة ضد التنوير العلمي أو الديني أو الفكري أو
الثقافي، لا تنهزم بسهولة، ولا تزول بسرعة. وأعرف أيضًا أن التحصيل العلمي لا يغير
آليًّا الأخلاقَ إلى الأفضلِ.
ماذا تَعَلمَ المواطن التونسي من
المجموعتين المتخاصمتين ؟
مِن اليساريين ودون تعميمٍ، تَعَلمَ الخطابَ "الصِّدامِي" (Le discours frontal) الذي غالبًا ما يوصِل إلى نتيجةٍ
عكسيةٍ، وتَعَلمَ أيضًا العنفَ اللفظيَّ.
مِنَ الإسلاميين ودون تعميمٍ، تَعَلمَ الإقصاءَ لغير الإسلامي، وتَعَلمَ أيضًا
التسرعَ في التكفير وعدمَ الانفتاح على الأفكار غير الإسلامية والتعصبَ الأعمَى
المُضِرَّ بالهُوية الإسلامية نفسِها.
ما هو مصدر مخزون الكُرهِ
المُتَبادَلِ للأسف بين اللائكيّين التونسيّين والإسلاميين التونسيّين ؟
يبدو لي أنه كُرهٌ موروثٌ.
كُرهٌ للآخر: وَرَثَهُ اللائكيّون
التونسيّون عن فِكر الثورة الفرنسية المعادي للمسيحية (Pensée déiste non athée mais anti-théiste)، أما الإسلاميون التونسيّون فقد ووَرَثوه
عن فِكر الإخوان المسلمين المصريين المعادي لـ"اللائكية الناصرية".
أدعو الطرفين إلى حلحلة موقفَيْهما
المتطرّفَين وإلى محاولة كل واحد منهما الاقتراب من خصمه الإيديلوجي التاريخي، هذا
لو أرادا التعايش السلمي في كَنَفِ الديمقراطية. وأدعوهم أيضًا إلى التعاملِ مع
الواقع كما هو وليس من خلال النصوص النظرية على أهمّيتِها.
على اللائكيّين التونسيّين أن
يطّلعوا على التجارب العَلمانية في الدول الأنڤلوسكسونية (أمريكا وبريطانيا
وألمانيا) حيث يتعايش اللائكي مع المتدين في كَنَفِ الاعترافِ المتبادَل دون
تنازلاتٍ مبدئيةٍ، ومن أجل كسبِ ثقة الناخب الحر، فَلْيتنافس المتنافِسون.
هل يختلفُ المواطن التونسي المتحزب
اليساري عن الإسلامي أو القومي أو الدستوري في سلوكياته وقِيمه (Comportements et Valeurs) ؟
للأمانة العلمية أقول لكم:
لا تنزعجوا أيها المنتمون للأحزاب
التونسية، فملاحظاتي التالية ليست نتيجة بحثٍ أو دراسة لأحوالكم المتردية والواضحة
للعيان ولا تحتاج إلى بيان، بل هي مجرد انطباعات صادرة عن مُسِنٍّ (70 عامًا)
فَقَدَ ثقته فيكم جميعًا ولا يرى خلاصًا للبشريةِ في
الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، يراهُ فقط في
الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ ما شِئتَ (La
spiritualité à l`échelle individuelle).
يبدو لي أن الجواب على سؤال العنوان
سوف يكون حتمًا بِـ"لا" وهو في ظني أقربُ للصواب والدلائل كثيرة ولكم
منها بعض مما أعرف حولكم جميعًا (يساريين
وإسلاميين وقومييين ودستوريين):
-
بعض المدرّسين والمدرّسات منكم يساهمون في
تخريب المدرسة العمومية التونسية وذلك عن طريق الكسب المشط من بيع الدروس الخصوصية
غير القانونية (القانون يقول: لكل مدرّسٍ الحق في تنظيم دروس خصوصية خارج المدرسة لغير
تلامذته في القسم على شرط أن لا يفوق العدد الجملي اثنَي عشر تلميذًا، يقسّمهم إلى
ثلاث مجموعات منفصلة وبمقابل غير مشط وفي قاعة درس وليس في ﭬاراج).
-
بعضكم ليسوا ديمقراطيين حقيقيين: الإسلاميون
يساندون أردوڤان مُدَمِّرُ المدن الكردية في تركيا وسجّان الصحافيين الأتراك
المعارضين، واليساريون والقوميون يساندون الدكتاتور بشار ابن ووريث الدكتاتور حافظ
(مع الإشارة أن كل مَن شارك في تدمير سوريا أعتبره أنا شخصيًّا مجرمَ حربٍ من
أمثال الحكومات التركية والقَطرية والسعودية والإيرانية والروسية وحزب الله
اللبناني وأمريكا وأوروبا) أما الدستوريون فيكفيهم نقدًا أن زعيمهم بورڤيبة هو أول
مستبد تونسي حكم تونس بعد الاستقلال.
-
بعض التُجار والتاجرات منكم يرفعون الأسعار
ولا يقنعون بالزيادة القانونية.
-
بعض الحِرَفِيين منكم يغشّون ولأعمالهم لا
يتقنون.
-
بعض قيادات أحزابكم يَكذِبون ولِوعودهم
الانتخابية يخونون.
-
بعض الموظفين العموميين منكم يغادرون عملهم
قبل الموعد المحدّد ولا يقومون بواجبهم ويتمتعون دون وجه حق بالعطل المرضية
المزيّفة.
-
جلكم لا يتقبل النقد الذاتي العلني، لا بل
يُحقِّر من شأن النُقادِ المستقلين.
-
جلكم لا يهتم بالنشاط الفكري والثقافي.
خاتمة:
"الإيديولوجياتْ، كل الإيديولوجياتْ، هي حُلمٌ
وحريةٌ عند بداية تَشكّلها، قَمعٌ واستبدادٌ عند نهاية تَشكّلها" Jean Paul Sartre,
1948
أيها اليساريون التونسيون والإسلاميون التونسيون، إلى أين
المصير ؟
-
"الدين
يخلق المجتمع والمجتمع يخلق دينَه" قالتها الأنتربولوﭬ الفرنسية جاكلين
الشابي.
-
التديّن
هو تطبيق الدين في مجتمع ما في مكان ما في زمن ما.
-
التديّن (وليس الدين)
اقتحم ما تحت التفاصيل في حياتنا اليومية وما زال جل اليساريين التونسيين يُصرّون
على تصنيفه في البِنى الفوقية !
-
التديّن (وليس الدين)
أراحنا من أنظمة ديكتاتورية ولكنه تسبّب في حروب أهلية وما زال جل اليساريين
التونسيين يُصرّون على أنه علاقة عمودية بين الخالق والمخلوق لا غير !
-
التدين (وليس الدين) لا
تخلو منه عائلة يسارية واحدة وما زال جل اليساريين التونسيين يتعايشون معه بسلام
داخل العائلة ويقصونه خارجها !
-
اليساريون التونسيون متدينون أنتروبولوجيًّا والمتدينون التونسيون يساريون
اجتماعيًّا، فلو حفر كل واحد منهما في داخله لَتصالح مع نفسه ومع الآخرين !
-
اليساريون التونسيون والإسلاميون التونسيون،
الاثنان يؤمنان بحرية المعتقد الموثقة في القرآن والبيان
العالمي لحقوق الإنسان. بقي التطبيق حلمًا لم يتحقق !
-
أمنية: لو تنازل اليساري التونسي قليلاً ما لأخيه
الإسلامي التونسي، ولو تنازل الإسلامي التونسي قليلاً ما لأخيه اليساري التونسي،
لوجدا أرضيات للتفاهم: 1. "إِنّ اللّهَ
لا يُغيّرُ ما بِقومٍ حتّى يُغيّروا ما بِأنفسِهم" (قرآنٌ كريمٌ). 2.
"مِن كلٍّ حسب جَهدِه، ولكلٍّ حسب حاجتِه" قالها كارل ماركس الفيلسوف
الحالِمُ الجميلُ. 3. "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" قالها
المصطفَى الحبيبُ صلى الله عليه وسلم. 4. "الاقتصاد الاجتماعي-التضامني"
ولكم أسوة في تجربة جمنة التي ساهم
اليسار واليمين في إنجاحها.
-
النهضة واليسار والثقافة: "النهضة قاعدة
واسعة لكنها متوسطة الثقافة ضئيلة الفعالية والتأثير. اليسار قاعدة ضيقة لكنها
عالية الثقافة شديدة الفعالية والتأثير. ضعف تأثير النهضة يبرز في 4 قطاعات: العمال (طرح عقائدي أخلاقي) والنساء (قضية عُرْيٍ وتَبرّج) وغياب
التنظير في الفنون وثقافة متوسطة الفعالية (المصدر: الشيخ راشد الغنوشي، " الحركة الإسلامية ومسألة التغيير"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015،
كُتِبَ قبل الثورة، 120 صفحة).
-
قبل عام 1989، العام المفصل، كانت الثورات تُنجَز بأيادٍ يسارية. ثم أصبحت
تنجز بأيادٍ يمينية. لا اليسار أوفَى بما وعدَ ولا اليمين.
Référence: Le naufrage des
civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €.
حزب "النهضة" وأحزاب اليسار، تياران يتباريان: الملعب
تونسي والجمهور عالمي
1. للنهضة منتدى ثقافي اسمه
"مقابسات"، منتدى يستضيف وجوهًا يساريةً لِيحاضروا في فضائه بكل حرية،
مثل سليم دولة وأم الزين بن شيخة (لم أذكر اسمي لأنني في نظر رفاقي يساري مرتدّ).
في المقابل، سألتُ مرة يساريًّا دون تعميمٍ: لماذا لا تنظِّمون ندوات ثقافية ؟
أجابني بكل وثوق: "نحن لاهْيينْ في رَصِّ الصفوف". قلتُ له في قلبي:
"أيها الرفيق، رَصُّ الصفوفِ لن يأتي إلا بِمِثلِ هذه الندواتِ".
2.
النهضة رشّحت يهوديًّا
تونسيًّا على رأس قائمة انتخابية في المنستير. علق بعض اليساريين: "النهضة
تتقرب من اللوبيات الصهيونية"، والمفارقة أن اليسار كان دومًا ينادي بعدم
الخلط بين الصهيونية واليهودية.
3.
المواطن الذي نشر فيديو
تعنيف الأطفال المتوحدين هو إسلامي وأظنه نهضاويًّا أو متعاطفًا. وفي المقابل لا
يهتم اليساريون إلا سَلبًا بالمدارس القرآنية، والمفارقة أن جل اليسارييِّن من
مواليد الخمسينيات والستينيات استفادوا لغويًّا من ارتيادهم الكُتّاب اين يُحفَّظ
القرآن (الكُتّاب يُسمّى في علوم التربية حمّامًا لغويًّا).
4.
قناة فرانس 24 تحدثتْ
عن برلمانيةٍ تونسيةٍ تطالبُ بتدريسِ التربيةِ الجنسيةِ في التعليم العمومي.
البرلمانيةُ نهضاويةٌ وليست يسارية.
5.
حول المثليين
التونسيين، قال الغنوشي: "لن نفتشَ في حياتهم الخاصة ولن نتجسسَ عليهم في
بيوتِهم". في المقابل أحد المحسوبين على اليسارقال في نفس الموضوع:
"المثليون شواذ ومرضى، يجب معاقبتهم بالعَزلِ أو السجن، كما فعل معهم قديمًا
أب الشعوب الرفيق ستالين".
6.
حول المساواة في الإرث:
النهضة قالت: "وجهةُ نظرٍ فيها نظرٌ"، أما رئيس حزب يساري فقال:
"موش وقتو".
7. النهضة تربط العلاقات وتتبادل الزيارات مع الحزب
الشيوعي الصيني، وحزب العمال مع الحزبِ الشيوعي الكيني.
ملاحظةٌ منهجيةٌ:
لم أنحزْ شخصيًّا إلى أحد الطرفَين ولم أعمِّمْ، نشرتُ الأخبارَ طازجةً عاريةً،
وقصدًا لم أحلِّل ولم أقرأ في نوايا الطرفَينِ.
حكاية واقعية معبِّرة لو يتعظ
اليساريون التونسيون !
الحكاية كما رواها لي، في مقهى
البلميرا بِحمّام الشط الشرقية، صديقي وزميلي اليساري رضا بركاتي أخو نبيل بركاتي
العضو السابق بحزب العمال وشهيد القمع البورڤيبي سنة 1987:
"في
بداية الستينيات زار الحزبُ الشيوعي التونسي (قبل حَظْرِهِ مِن قِبل بورڤيبة سنة
1963) دولةَ الصين الشيوعية للمشاركة في مؤتمرٍ عالمي للأحزاب الشيوعية. وَجَّهَ
له عضوٌ من الحزب الشيوعي الصيني سؤالا عن هيكلته في تونس فأجاب: "لدينا
تمثيلياتٍ في الجامعات ومكاتبَ في بعض الجهات وحضورٌ في المنتديات الثقافية".
ردّ العضوٌ الصيني متعجِّبًا: "نحن نعلم أن الشعبَ التونسي مسلمٌ بنسبة 99% ، ونعلم
أيضًا أن أكثرهم يرتادون المساجدَ والجوامعَ. فهل لديكم حضورٌ في هذه الفضاءات
؟" قال التونسي مرتبِكًا: "وما صِلتنا نحن الشيوعيين بهذه الفضاءات
الدينية ؟"
تعليقي:
مِن المفروض
أن يكون المناضلُ الشيوعي داخل شعبه كالسمكة في الماء كما قال ماوتستونڤ، الزعيم
الصيني الشيوعي ومؤسس الصين الشعبية الحديثة سنة 1945، ونحن نرى اليوم اليساريين
في تونس كالألواحِ فوق الماء، يطفون على السطح ولا ينفذون إلى الأعماق ! وعِوض أن
يقاوموا الظلمَ والفقرَ نراهم يتعالون على هُويةَ شعبهم الإسلامية وأنتروبولوجيته، ويتجاهلون تراثَه وينسون أو يتناسَون أن ماركس قد قال "إن
الدين هو زفرة المظلوم، هو روح عالَم بلا روح، هو قلب عالَم بلا قلب". وأول
الفقراء والمظلومين في تونس هم الأجراء عُمّالاً وفلاحينَ، وإذا هَجَرَ هؤلاء
الأحزابَ اليساريةَ فالمشكلة في هذه الأحزابِ وليست في الأجراء.
ما هي العلاقات التي تربط بين
الأصناف الأربعة من المفكرين المشتغلين على الإسلام والمسلمين ؟
هم: المفكرون المسلمون الموالون
للسلطة، ومفكرو الإسلام السياسي (أو "العلماء المسلمون")، والمفكرون
المستقلون (أو "المثقفون الجدد")، والمفكرون غير المسلمين (أو
"المستشرقون الجدد").
المفكرون المسلمون الموالون للسلطة
يجدون معارضة مركبة من الآخرين: معارضة فكرية-إيديولوجية من قِبل مفكري الإسلام
السياسي، ومعارضة فكرية-إبستمولوجية من قِبل المفكرين المستقلين، ومعارضة
فيلولوجية-فلسفية من قِبل المفكرين غير المسلمين.
المفكرون المستقلون ومفكرو الإسلام
السياسي تربطهما علاقات مركبة وغير ثابتة: الجهتان ترفضان احتكار تأويل القرآن
والحديث من قِبل المفكرين المسلمين الموالين للسلطة (إخوان مصر ساندوا المفكر
المستقل نصر حامد أبو زيد ضد علماء الأزهر لكن محمد الغزالي حلل اغتيال المفكر
المستقل فرج فودة). الجهتان تقاومان الهيمنة الثقافية الغربية لكنهما تختلفان حول
المواقف من كونية حقوق الإنسان ومن الديمقراطية الغربية ومن العدالة الاجتماعية
ومن الفنون.
إضافة المؤلف محمد كشكار
لى سبيل الذكر لا الحصر، سأسرد عليكم بعض الأسماء التي
أعرفها في كل صنف من الأصناف الأربعة:
5.
المفكرون المسلمون
الموالون للسلطة: علماء الأزهر في مصر وجامع الزيتونة في تونس (دون تعميم).
6.
مفكرو الإسلام
السياسي (أو "العلماء المسلمون"):
راشد الغنوشي، سيد قطب، أبو يعرب المرزوقي، حسن
البنّا، (قرأتُ جزءًا يسيرًا من مؤلفات كل واحدٍ منهم). يوسف القرضاوي، أبو الأعلى
المودودي، محمد عبد الوهّاب، حسن الترابي، مالك بن نبي، (لم أقرأهم). محمد
الغزالي، وجدي غنيم، (سمعتهما في التلفزات).
7.
المفكرون
المستقلون (أو "المثقفون الجدد"):
محمد أركون، هاشم صالح، عبد الله العروي، علي
حرب، حسين مروّة، فراس السواح، علي شريعتي، طه حسين، الطاهر الحداد، محمد الطاهر
بن عاشور، عبد المجيد الشرفي، محمد الشرفي، محمد الحداد، محمد الطالبي، محمد
الشريف الفرجاني، ألفة يوسف، هالة وردي، هشام جعيّط، محمد شحرور، نصر حامد أبو
زيد، فرج فودة، يوسف الصدّيق (قرأتُ جزءًا يسيرًا من مؤلفات كل واحدٍ منهم). جمال
البنّا، طارق رمضان، (سمعتهما في التلفزات). أمل ﭬرامي، حسن حنفي، محمد إقبال، (لم
أقرأهم).
8.
المفكرون غير
المسلمين (أو "المستشرقون الجدد"): روائيون ومؤرخون وفلاسفة وعلماء
سياسة:
François
Burgat, Gilles Kepel, Jean Baubérot, Olivier Roy, Amir Moezzi (Le Coran des
historiens, 3400 pages), Alain Gresh, Amin Maalouf, Michel Onfray, Maxime
Rodinson, Jacqueline Chabbi, Malek Chebel, Alain Roussillon, (j’ai lu une
partie de l’œuvre de chacun d’entre-eux). Edward Saïd (le palestinien-américain
qui a fustigé tous les orientalistes classiques. je ne l’ai pas lu).
Source d’inspiration:
La pensée islamique contemporaine, Alain Roussillon, éd. Cérès, 2007, 182
pages, prix : 8 DT.
11
الأخلاقُ
أتمنى حذف قسم
الوعظ والإرشاد من مؤسسات وزارة الشؤون الدينية لأن الأخلاقَ سلوكٌ يُمارَسُ وليست
معرفةً تُدرَّسُ.
هل الأخلاقُ معرفةٌ تُدرَّس أم
سلوكٌ يُمارَس ؟
نحن في مدارسنا نُدرّسُ الأخلاق في
حصص التربية المدنية والتربية الإسلامية مدة ساعتين أسبوعيًّا (معرفة-Connaissance). وفي جوامعنا نُدرّسُ الوعظَ والإرشادَ (La morale moralisante). فهل نحن، العربُ المسلمون، مدنيون ومهذبون في سلوكنا اليومي في
الشارع والمقهى والعمل، أم نحن كالحمار يحمل أسفارًا ؟
كيف يعلّمون الأخلاقَ في التعليم
الثانوي في كندا، الدولة العَلمانية متعددة الأعراق والقوميات والأديان ؟
يُطالَبُ التلميذ الكندي بإنجاز
أربعين ساعة عمل تطوّعي خلال ثلاث سنوات تعليمه الثانوي ودون إنجازها لن يحصل على
شهادة الباكلوريا مهما ارتفعَ معدّلُه. أسوقُ لكم مثالاً روته لي ابنتي عبير
المقيمةُ بكندا: "يتطوع التلامذة الكنديون (من مختلف الأديان) لخدمة المسلمين
الكنديين خلال عشاءٍ جماعيٍّ ينظمونه احتفالاً بقدومِ العيدِ الصغيرِ أو العيدِ
الكبيرِ، فعلٌ أخلاقيٌّ ناجعٌ (Une action) وليس درسًا
نظريًّا عقيمًا (Une connaissance)".
"فَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ
مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ" (قرآن)، والمقصود هنا بالعمل هو فعلُ الخير (Action
morale) وليس الشغل في مهنة (Travail)، ونحن، العربُ المسلمون، والحمد لله
-الذي لا يُحمدُ على مكروهٍ سواه- لم نفلِحْ اليوم، لا في العمل الأول ولا الثاني.
أخلاقُنا في الكتب عاليةٌ جدًّا جدًّا (أمانةٌ، صدقٌ، ضميرٌ مهنيٌّ، تكافلٌ،
تسامحٌ، إلخ.)، أما في الواقع فهي هابطةٌ جدًّا جدًّا (خيانةٌ، كذبٌ، تكاسلٌ
مهنيٌّ، أنانيةٌ، تعصّبٌ، إلخ.)، والمعارفُ لا تغيِّرُ القِيمَ كما قالت
الديداكتيك اختصاصي
Les connaissances ne changent pas les
valeurs (sujet de ma thèse de doctorat, UCBLyon1, 2007).
قالها الفاروق منذ خمسة عشر قرنًا
ولم نسمعها ولم نَعِها: "انصحوا الناس بصمت". قالوا: "كيف يا
عمر؟" قال: "بأخلاقكم (أي بسلوككم)". لو عمِلنا بهذه النصيحة فقط
لَقطعنا نهائيًّا مع وعظ تُجار الدين وإرشادهم العقيم.
12
حول مفهوم "ختم
النبوّة" في الإسلام
مفهوم "ختم النبوّة" بديلا عن مفهوم "موت الإله" أو بناء الحداثة في السياق الإسلامي. بقلم مصدق الجليدي، دكتور في علوم
التربية (أكتوير 2008)
توطئة حول سؤال الحداثة في السياق الإسلامي:
كثيرا ما يثار السؤال حول تأخر العرب والمسلمين التاريخي في "دخول
الحداثة". وهذا سؤال في الحقيقة سيّء الطرح، لأنه يسلّم ضمنيا بوجود فضاء
منجز للحداثة، وما على العرب والمسلمين إلا شحذ الهمة لدخوله، ضاربا صفحا عن مسار
كامل للتاريخ الثقافي والحضاري الإسلامي. هذا الفضاء الحداثي المقصود هو الفضاء
الأوروبي والغربي بوجه عام. على العرب الدخول إليه كما يقومون بزيارة لمدينة
أوروبية، أو يختارون الإقامة فيها. بينما المشكل هو أن الإقامة في الحداثة لا
تتأتى إلا لمن بنى حداثته بنفسه، لأن الحداثة الأصيلة ليست غزوا من الخارج، بل
فتحا وبناء من الداخل، حيث تعتمد كما نبه إلى ذلك آلان توران في "نقده
للحداثة"، على ركيزتين هما الفرد (أي بناء مفهوم الإنسان الحر) والعقلانية،
وهما يحيلان ضرورة إلى معنى البنائية التي لا تكون في الآخِرِ إلا ذاتية. وهذا
يعني أن الحداثة ليست مجرد نتاج يوفره الآخر لنا كما يوفر لنا أي مادّة استهلاكية،
بل هي بالأساس تمشٍّ واعٍ ونشط من أجل التحرر من الاستلاب الميتافيزيقي والثقافي
اللاعقلاني، مقدمةً ضروريةً لسيادة العالم الطبيعي من قِبل العقل العلمي المتجدد،
ومن أجل التحرر من الاستلاب السياسي والاقتصادي شرطا ضروريا لسيادة الدولة من قِبل
إرادة الأفراد التفويضية المؤقتة، تتجدّد وفق قواعد اللعبة الديمقراطية.
فيصبح السؤال الأكثر أهمية هو: لماذا لم يفلح المسلمون
في إنجاز حداثتهم بعدُ وكيف يتسنى لهم القيام بذلك ؟
صحيح أن الحداثة يمكن أن يُنظر إليها كظاهرة إنسانية
كونية، لأن العقل قيمة كونية وكذلك الفرد، ولكن هل توجد صيغة واحدة من المعقولية ؟ وهل يظل الأفراد هم أنفسهم مهما
كان المناخ الثقافي والروحي الذي يعيشون فيه ؟ من الصعب الجزم بهذين الأمرين.
والأهم من ذلك هو أن الفلسفة الحديثة نفسها، من ديكارت إلى هيـﭬل، لا يمكن
إخراجها بصفة جذرية من الأفق الروحي الذي نجمت عنه، والمقصود هو سياقها المِلّي
المسيحي، وهو ما عمد نيتشه إلى إبرازه بكل حدّة ولذلك، فإن الحداثة إذا لم تُفهم كإيديولوجيا للهيمنة، كما حذّر من ذلك
هابرماس في قوله الفلسفي في الحداثة أو هربارت ماركوز في إيروس والحضارة أو حتى
دوركهايمر في خسوف العقل، وإنما كإرادة للمعرفة النسبية المعتدلة (اللارَيبية)
وكإرادة للتغيير الحضاري، فإنها يمكن أن تُصاغ بعدّة أشكال لا تصطدم مع نزوع
الإنسان نحو طلب السعادة، زيادة على طلبه للفهم والرفاهية المادية. فالتقدم الذي
يخلق أنواعا جديدة من الاغتراب ليس إلاّ دورة جديدة محكمة لإعادة إنتاج العبودية.
ولذلك لا يمكن الفصل في التقدم بين الرفاهية والوفرة المادية، تحقيقا لمطالب
الجسد، من جهة، والحرية والسعادة، تحقيقا لمطالب الروح، من جهة أخرى.
لكل هذا نقترح
في هذه الورقة مفهوما إجرائيا متميزا لبناء الحداثة في العالم الإسلامي الذي يشعر
بالحاجة إلى التحديث وإلى البعث الديني في نفس الوقت. هذا المفهوم هو مفهوم
"ختم النبوة". غير أننا ننبه من الآن إلى اختلافه عن المفهوم الكلاسيكي
للختم الذي يشير إلى الاكتمال ضمن منطق تأبيد الوصاية على عقل الإنسان. وسنشرح
لاحقا كيف أن هذا الختم يعبّر عكس ذلك تماما عن معنى ارتفاع الوصاية عن عقل
الإنسان.
إن ما عُرِفَ في الفلسفة الغربية
بـ"موت الإله" (نيتشه) يقابله في الفلسفة الإسلامية "ختم
النبوّة" (محمد إقبال). في الغرب يتعلق الأمر بختم الألوهة وبالقتل المضاعف
للأب (قتل الأب الفرويدي ثانية -قبل مجيء فرويد نفسه- بعد أن تحول إلى إله في نظر
أبنائه) ولا بختم النبوة، لأن الإله لديهم مفهوم له تاريخ (روجيس دبراي)، أي ليس
مفارقا. وهذا أمر مفهوم وقد اضطر إليه الفكر الغربي لأنه قد أحلّ الله الأب في شخص
المسيح الابن، فعيسى عليه السلام ليس نبيا بالنسبة لهم، بل هو ابن الله وهو الله
وقد حلّ فيه بالكامل. لا يقدر الفكر المسيحي الإيجابي أو المضاد (النقدي) على ختم
النبوة والإبقاء على الله حيا لا يموت، ولذلك لا فكاك له من ورطة الوصاية
المتواصلة على العقل وعلى الضمير الإنساني، إلا بقتل الله، فادّعى الأسلاف صلب
المسيح وبقاءه في الإله حيا، أي رفع الحلول وتعويضه باتحاد روح المسيح بروح الله.
أما الأخلاف فقد ادّعوا موت الإله نفسه (نيتشه) أي قتل الأب الذي لم يحب إلا ابنه
الذي جعله ذاته، وفي النهاية الذي لا يحب إلا ذاته. قتلوه حتى يتسنى لهم تبادل
الحب في ما بينهم كبشر، والذي يبدأ بمحبة الفرد لذاته وثقته فيها.
إلههم مات (قتلوه مرتين ابنا وأبا،
ماديا ورمزيا، وفق الرواية المسيحية أو المناهضة للمسيحية) لأنه وُلِدَ ميتا
(عقيدة التثليث والحلول والخطيئة الأصلية المزمنة و«الوعي الرديء»: نيتشه) أما إله
الحنيفية المحدثة، الإله الكوني، رب العالمين، الذي نجت توحيديته القرآنية من
التحريفَين التوراتي والإنجيلي لنصه المتقدم بالذّات والمتأخر بالزمان، فهو حي
قيوم لا يموت، ولم يمنع الحب البشري بل حثّ على التناكح والتناسل (في الحديث
النبوي «تناكحوا تناسلوا، فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة») وأظهر الود والرحمة
لكل عباده ولكل مخلوقاته.
ولذلك لم يؤدِّ تطور الثقافة
والفكر في الحضارة الإسلامية إلى ظهور فكرة موت الإله لأنها فكرة لا معنى لها في
هذا السياق، طالما أن الإنسانية لم تختزل في شخص واحد خلاصي كشخص المسيح، ولذلك
قدّم القرآن الكريم واقعة موت الرسول المحتملة كظاهرة طبيعية لا تمس في شيء جوهر
الرسالة، لأنها لم ترتبط أنطولوجيا (أي ارتباطا وجوديا لازما) بشخص محمد صلى الله
عليه وسلم وإنما ارتبطت بمفهوم الإنسان المستخلف في الأرض والمكرّم في البر والبحر
والمفضّل على كثير ممن خلق الله تفضيلا. « وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله
الرسل، أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله
شيئا وسيجزي الله الشاكرين » (آل عمران/ 144). فالمشروع الاستخلافي متواصل إلى أن
يرث الله الأرض ومن عليها، وما الأنبياء والرسل إلا مُعلمين ومدربين للبشر على
الاستقلال بالذات والترقّي في مدارج الحضارة.
الفلسفة الغربية إذن فلسفة للموت
بدرجتَيه: الموت في ذاته وموت الموت، أي موت المعنى، لأن الموت الأول تم التفكير
فيه لإضفاء معنى على الحياة، أما الموت الثاني (المضاعف) فهو سلب للحياة من كل
معانيها: عَوْدٌ أبدي لحياة ميتة سلفا، أي محكوم عليها بالموت الفوري. وما تساوي
حياة إنسان فاقدة لكل معنى سوى معنى القضاء على المعنى ذاته ؟! قد تكون هذه
الأفكار جيدة لمقاومة تعصب الفقهاء، ولكن لا نظنها صالحة لمن يروم منذ البداية
المقاصد البعيدة ويسعى في النهاية إلى السعادة المديدة.
ولقد اقترنت الفلسفة الغربية
بمعنى الموت في مراحلها الثلاث: الإغريقية («أن نتفلسف هو أن نتدرب على الموت»:
أفلاطون) والمسيحية (شبهة صلب المسيح) ومضادة المسيحية (النيتشوية التي أعلنت موت
الإله). فلسفة تخاف الموت فحاولت قتله، ولكنها لم تفلح إلا في تأجيله (ارتفاع نسبي
لمعدل الأمل في الحياة) أو تعجيله ("الموت الرحيم")، وظل الخوف من الموت
يسكن أعماقها. بينما روح الثقافة الإسلامية تتجه نحو معانقة معنى الحياة والزينة
والأكل من الطيبات: « يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله والرسول إذا دعاكم لما
يحييكم » (الأنفال/ 24) وليس "إلى ما يميتكم". و«خذوا زينتكم عند كل
مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين » (الأعراف/ 31). أي اقتران
العبادة التي تضمن تلبية حاجات الروح بمظاهر البهجة وإشباع حاجات الجسد. وقوله
"إنه لا يحب" من دون ذكر اسم الله صراحة، يفيد معنى القاعدة الصحيحة
موضوعيا وليس دينيا فحسب. فالضمير الغائب يحيل إلى معنى الحكم الموضوعي الكوني،
وما الله المستتر ( الباطن) إلا ضمانة خلقية وطبيعية لهذا الحكم الموضوعي كما جعل
ديكارت الله ضمانة ابستمولوجية للحكم الموضوعي للعقل فلا معنى لموت إله هو خالق
للفطرة ومانح للإنسان الحرية والقدرة اللامحدودة على الإبداع.
I- معنى ختم النبوّة
تحتوي عبارة "ختم النبوة" على مفهومين: أحدهما
قد تشكّل والآخر يطلب التشكّل، وهما على التوالي: "النبوة"
و"ختمها". من الإشكاليات التي يطرحها هذا المفهوم:
- ماذا تعني النبوة ؟
- ما الفرق بين النبوة والرسالة ؟
- ما هو دور الأنبياء في الارتقاء بالوعي البشري ؟
- لماذا خُتمت النبوة ؟
- ما هي استتباعات هذا الختم ؟
1- النبوة والرسالة
جاء في "كبرى اليقينيات الكونية" للدكتور محمد
سعيد رمضان البوطي أن كلمة النبوة «مأخوذة من النبإ بمعنى الخبر، ومعناها وصول خبر
من الله بطريق الوحي إلى من اختاره من عباده لتلقي ذلك.
فالكلمة إذن تفسير بين النبي والخالق جل جلاله، وهي
الوحي والإنباء. أما الرسالة فتعني تكليف الله أحد عباده بإبلاغ الآخرين بشرع أو
حكم معين. فهي إذن تفسير للعلاقة بين النبي وسائر الناس، وهي علاقة البعث والإرسال
» (ص.82).
بحسب هذين التعريفَين ، نتبين فرقا أوّلَ أساسيا بين
النبوة والرسالة، وهو أن الرسول مكلف بتبليغ شرع بينما النبي غير مطالب بذلك، فما
هي وظيفة النبي إذن ؟
عن أبي ذر الغفاري
قال قلت كم وفّى الله عدّة الأنبياء ؟ قال: "مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا،
الرسل من ذلك ثلاث مائة وخمسة عشر جماّ غفيرا". انفرد به أحمد في باقي مسند
الأنصار
بطبيعة الحال لا نجد كل هذا العدد من الأنبياء والرسل في القرآن الكريم، فهو لا
يتضمن إلا بضعا وعشرين نبيا ورسولا. وقد أوضح لنا ذلك بقوله: "ولقد أرسلنا
رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك" (غافر/ 78) ولكنه
يؤكّد في نفس الوقت: "إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، وإن من أمة إلاّ خلا
فيها نذير" (فاطر/24)، ويطمئن الله عباده بقوله: "وما كنا معذبين حتى
نبعث رسولا" (الإسراء/15). فهذا كله يدل على العدد الكبير للأنبياء والرسل.
وبالعودة إلى
المقارنة بين النبوة والرسالة، نلاحظ في الحديث السابق أن عدد الأنبياء يفوق عدد
الرسل زهاء أربعمائة مرة. فما السرّ في ذلك ؟
إن هذا الفرق العددي الكبير يعطينا فكرة أولية عن دور
الأنبياء مقارنة بدور الرسل. فمن المؤكد أن الرسل تأتي بعد قدوم عدد كبير من
الأنبياء. وهذا يدل على الوظيفة التمهيدية التي يضطلعون بها. كما أنه بعد قدوم
رسول بشرع ما من ربه يعقبه عدد من الأنبياء لتذكير الناس به، عندما يحيدون عنه،
ولمواصلة جهد تركيزه في أقوامهم، إذ أن الناس قد جُبِلوا على مقاومة كل جديد وعلى
التلكّؤ في متابعة أعمال المصلحين. :"ثم أرسلنا رسلنا تترا، كلما جاءت أمة
رسولها كذّبوه، فأتبعنا بعضهم بعضا وجعلناهم أحاديث، فبعدا لقوم لا يؤمنون"
(المؤمنون/44). وهاهو الوحي يستنكر عليهم نزوعهم إلى التقليد والجمود بالتعريض
بقولهم :"إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون"
(الزخرف/22).
للأنبياء إذن وظيفتان أساسيتان: التمهيد للرسالات
القادمة والتذكير بالرسالات السابقة.
يمكن أن نجمع هاتين الوظيفتين في وظيفة أساسية واحدة وهي
مساعدة البشر على الارتقاء بوعيهم. النبوة إذن توعية وتربية للجنس البشري، وعي
علوم وحكمة وموعظة وتبصرة ونصح. ولذلك فإن من يخالف النبي لا يعاقب بمنطق الجزاء
الديني، لأن الناصح لا يعاقب المنصوح له إن هو خالفه، ولأن المنصوح له ما زال في
مرحلة التعلم ولم يع بعدُ عواقب عمله السيئ. بل إن عقابه يكون من جنس عمله
المخالف، لأن النبي ينصحه وفق ما تقتضيه الضرورات الطبيعية والاجتماعية. فمن خالف
الضرورة الطبيعية سيكون عمله غير موفق وسيخيب سعيه ويجني خسارا. كأن يأمره النبي
بالطهارة في البدن والثياب والمأكل والمشرب فيصاب بشتى الأمراض عند عصيان أمره، من
دون حاجة إلى عقاب آخر. أما من يخالف الرسول فيعاقب دينيا، لأن الرسول يأتي بشرع
قد مُهِّد له بجهود توعوية كبيرة من قِبل الأنبياء السابقين، ولأن مخالفة الشرائع
والقوانين لا يظهر ضررها على ذات المخالف بصفة عاجلة وفورية، كما هو الحال لسارق
أموال الناس مثلا، فإنه ينتفع بسرقته في العاجل، ولكنه يسهم في خلق مناخ من انعدام
الأمن على الأرزاق يعود بالضرر عليه وعلى ذريته وعلى كل المجتمع في الآجل، ولذا
وجب الضرب على يد السارق منذ الوهلة الأولى حتى لا يستفحل خطره ويعظم داؤه.
ونظرا لبساطة تفكير الإنسان في
مراحل طفولته العقلية فإن الشرائع التي كلف بها في هذه المرحلة شرائع في غاية
البساطة، كدعوته إلى مجرد الاستغفار في رسالة نوح أبي الأنبياء: "فقلت
استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (نوح/10). وكلما تدرج بهم الأنبياء إلى مراحل
أرقى من الوعي، كلما زاد تعقيد الشرائع شيئا فشيئا. وهذا أمر نلحظه حتى في الرسالة
الخاتمة، فإن الفرائض لم تفرض دفعة واحدة، بل على التدرّج. ذاك أن الرسول يقوم
بالتمهيد لشرائعه التي سيبلغها عن ربه أولا ثم يشرع في تلقي الأمر بتنزيلها في
الواقع تاليا. فالرسول يجمع بين وظيفتي النبوة والرسالة معا. ولذا فكل رسول نبي
وليس كل نبي رسولا. قال الله تعالى على لسان نوح: "أبلّغكم رسالات ربي وأنصح
لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون" (الأعراف/ 62). فبنصحه لقومه هو نبي،
وبتبليغه رسالات ربه هو رسول. وكانت الشرائع في البداية مجرد شعائر دينية ومبادئ
أخلاقية، ثم شملت تدريجيا مجالات الاقتصاد (كأحكام الإرث والبيوع والقروض)
والاجتماع (كأحكام الزواج والطلاق والإنفاق) والعلاقات الدولية (أحكام السلم
والحرب والمعاهدات والمواثيق)... إلخ.
2- في معنى الختم
أ-معنى الختم لغة
الخَتْمُ لغة هو السَّدُّ على الإناء، والغَلْقُ على
الكتاب، بِطين ونحوه، مع وضع علامة مرسومة في خاتَم؛ ليمنع ذلك من فتح المختوم.
فإذا فُتِح علم صاحبه أنه فتِح، لفسادٍ يظهر في أثر النقش. وقد اتخذ النبي صلى
الله عليه وسلم خاتَمًا لذلك. وقد كانت العرب تختم على قوارير الخمر؛ ليصلحها
انحباس الهواء عنها، وتسلم من الأقذار في مدة تعتيقها. والخَتْمُ: أَفواه خَلايا
النَّحْل. والخَتْمُ أَن تَجمع النحلُ من الشَّمَع شيئًا رقيقًا، أَرقَّ من شَمَع
القُرْص، فَتَطْلِيَه به. والخاتَم، بفتح التاء، الطين الموضوع على المكان المختوم.
وأطلق على القالَبِ المنقوش فيه علامة، أو كتاب.
ب- معنى الختم اصطلاحا
لقد قُرئ لفظ الخاتم بوجهَين:
الأول: بفتح التاء وعليه قراءة عاصم، ويكون بمعنى
الطابع الذي تختم به الرسائل والمواثيق، فكان النبي الأكرم ( صلى الله عليه وآله )
بالنسبة إلى باب النبوة كالطابع ، ختم به باب النبوة ، وأوصد وأغلق فلا يفتح أبدا.
الثاني: بكسر التاء وعليه يكون اسم فاعل، أي الذي
يختم باب النبوة.
ج- الختم في القرآن وفي السنة
قال الله تعالى: "مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً" (الأحزاب:40).
وفي الحديث: "مثَلي ومثلُ الأنبياء من قبلي كمَثَل
رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية فجعل الناس يطوفون به ويعجبون
له ويقولون هلاّ وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين" (صحيح
البخاري، كتاب المناقب، باب خاتم النبيين).
II- ختم النبوة في الفكر الإسلامي
1- الطرح الكلاسيكي لختم النبوة
يقول أبو الأعلى المودودي أحد أبرز رموز الحركة السلفية المعاصرة: "لا
يرسل نبي بعد نبي إلا لأحد الأسباب الثلاثة الآتية:
1. أن يكون تعليم النبي المتقدم قد انمحى وظهرت الحاجة إلى
عرضه على الناس مرّة أخرى.
2. أو يكون تعليم النبي المتقدم غير كامل، فهو بحاجة إلى
إتمامه.
3. أو يكون تعليم النبي المتقدم منحصرا في أمة خاصة،
وتكون أمة أخرى أو سائر الأمم بحاجة إلى نبي مرسل مثله. وقد انعدم كلّ سبب من هذه
الأسباب الثلاثة اليوم. (من كتاب "مبادئ الإسلام").
2- طرح الشيخ أبو الحسن الندوي (عالم هندي وُلد عام 1332هـ/
1913)
كتب أبو الحسن الندوي في بيان أهمية ختم النبوّة بأن في هذا الختم تكريما
للإنسانية باعتبارها "بلغت الرشد"، وأنها انتهت إلى الدين الكامل الذي
يضع الأسس والأصول، ويترك التفصيلات للعقل البشري، الذي يولد ويستنبط في ضوء تلك
الأصول ما تحتاج إليه المجتمعات في تطورها المستمر، وهي تغلق الباب على المتنبئين
الكذابين، وتمنع فوضى الدعاوى الكاذبة المفترية على الله تعالى. وقد أكد الشيخ ذلك
في فصل من كتابه "النبوة والأنبياء" عن محمد خاتم النبيين، ثم ألف
كتابًا عن "النبي الخاتم".
وهذا الطرح شبيه بطرح محمد إقبال ، ولعل الشيخ الندوي قد أخذه عنه، لأنه وُلد
بعده بأربعين سنة وهو من أبناء بلده الهند. ولكن إقبال يمتاز عن الندوي بنظراته
الفلسفية وبتأملاته الصوفية العميقة.
3- طرح منكِري الختم
أ- البابية والبهائية والقاديانية: وهي ديانات تدّعي كونها
سماوية من بعد نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وتؤوّل ختم النبوة تأويلا غريبا
للتوفيق بينه وبين استئنافها، وهي على كل حال تنكر عمليا مسألة الختم، وإلا لما
استقام لها منطقيا ظهورها ذاته.
ب- الشيعة
يرى الشيعة أن الإمام ينزل عليه الوحي ويكلمه الله ويناجيه بلا حجاب, وقد أعطي
خصالا لم يسبقه إليها أحد، ثم توارث هذه الأوصاف من خلفه بعده إلى خاتم
الأئمة
فقد أورد الكليني عن جعفر الصادق أنه قال: "إني لأعلم ما في السموات
وما في الأرض, وأعلم ما في الجنة وما في النار, وأعلم ما كان وما يكون".
ج- الصوفية: وبِمثل ذلك قالت الصوفية. يقول محيي الدين بن عربي كبير المتصوفة
"من يكن الحق سمعه وبصره فكيف يخفى عليه شيء". ويقول عن مصدر إشراقاته
الصوفية: "عن قلبي عن ربي قال...". ويزعم ابن عربي أن ما انقطع هو نبوة
التشريع ورسالته، أما النبوة العامة فلا ( كتابه المسائل لإيضاح المسائل). ولا
ندري من أين أتى بهذا المعنى والحال أن الحديث المشهور ينصّ على أن العلماء هم من
يرثون الأنبياء، أي بِعلمهم، ولا الأولياء، بتكشفاتهم.
3- الطرح الجديد لختم النبوة (محمد إقبال)
إن ختم النبوّة لم يصبح مفهوما فلسفيا إيجابيا إلا مع الفيلسوف الهندي محمد
إقبال (1873-1983) المعاصر لفيلسوف "التطور الخلاق"، الفرنسي هنري
برغسون. وقبل ذلك كان ختم النبوة يشير فقط إلى ظاهرة توقف الوحي عند قوله تعالى:
"اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا"
(المائدة/ 3).
لنبدأ تقديمنا للمفهوم الجديد لختم النبوة بالتذكير بطبيعة الوحي كما يراها إقبال.
يرى إقبال أن ظاهرة الوحي ظاهرة طبيعية كونية، إذ هي لا تخصّ فقط الجنس البشري، بل
إنّها تمتدّ إلى أبعد من ذلك لتشمل كلّ مكوّنات الوجود. إنّه يعبّر بذلك عن المرور
إلى أنطولوجيا جديدة ظلّت مجهولة إلى حدود تلك اللّحظة من قِبل الفكر الإسلامي،
الّذي دأب وبِتأثّر بِنوع من الرّؤية الأفلاطونيّة للعالم، على قِصر ظاهرة الوحي
التي يعتبرها ظاهرة كسموـ ميتافيزيقية، على مختلف أنواع العقول المفارقة.
هذه الرّؤية المفقرة جدّا للحقيقة الطّبيعيّة الشاملة
للوحي، تمّ تجاوزها على يد إقبال، بفضل تطبيقه للمنهج الاستقرائي الّذي أكّد لنا
هذا الفيلسوف عثوره على أسسه وتطبيقاته الأولى في القرآن 11. يقول إقبال:
"إنّ الطريقة الّتي استعمل بها القرآن لفظ "الوحي" تبيّن أنّه
يعتبر الوحي صفة عامّة من صفات الوجود، وإن كانت حقيقته وطبيعته تختلفان باختلاف
مراحل التّدرّج والتّطوّر في الوجود. فالنّبات الّذي يزكو طليقا في الفضاء،
والحيوان الذي ينشئ له تطوّره عضوا جديدا ليمّكنه من التّكيّف مع بيئة جديدة،
والإنسان المستلهم للنّور من أعماق الوجود، كلّ أولئك أحوال للوحي تختلف في
طبيعتها وفقا لحاجات نوعه الذي ينتمي إليه. وفي طفولة البشرية تتطوّر القوّة
الرّوحانية إلى ما أسمّيه الوعي النّبوي، الّذي هو وسيلة للاقتصاد في التفكير
الفردي والاختيار الشّخصي، وذلك لتزويد النّاس بأحكام وأساليب للعمل أعِدّت من
قَبل".
وهكذا فإن إقبال يتصوّر الوحي سيرورةً تمتدّ على كامل التاريخ البشري، منذ طفولته
الأولى إلى لحظة انفتاح أفق نضجه. وهو يعتبر ختم النبوّة علامة مميّزة للتبشير
المبكر بإمكانية استقلال الجنس البشري عن كلّ أنواع الوصاية الخارجيّة عن العقل
الإنساني.
قبل أن نشرع في بسط وتحليل أفكار محمّد إقبال بخصوص المسألة المطروحة، نذكّر بأنّ
الفيلسوف وعالم اللاّهوت الألماني "لسنچ" كان قد طوّر من قَبل تصوّرا
مشابها لوظيفة العقل البشري. فقد قسّم تاريخ هذا العقل إلى ثلاث مراحل متعاقبة:
الطفولة العقلية والمراهقة العقلية وأخيرا النضج العقلي. لقد بلور
"لسنچ" فلسفته في التّاريخ على قاعدة فلسفة تربوية، مستوحاة نوعا ما من
"تأمّلات في التربية" قام بها مواطنه الفيلسوف إمانويل كانط، ومن
"نداءات إلى الأمة الألمانية" وجّهها "فخته" إلى الشّعب
الألماني، في مناخ ثقافي عام يولي أهمية كبرى للتّربية. ومن المحتمل أن أكون أنا
بنفسي متأثّرا في دراسة هذه المسألة بميولاتي وبتكويني التربوي، باعتباري مختصّا
في علوم التربية.
بحسب المقاربة التربوية، فإنّ "الوحي بالنسبة للجنس البشري قاطبة كالتربية
بالنسبة للفرد الواحد". لقد أكّد "لسّنچ" بوجه حقّ، أنّ "فكرة
اعتبار الوحي تربية للجنس البشري فكرة مثمرة جدّا في العلم اللاّهوتي وأنّها تحلّ
كثيرا من المشكلات [العويصة] دفعة واحدة".
لنسلّط إذن بعض الأضواء على مسيرة العقل البشري النّشوئيّة، كما قدّمها
"لسّنچ"، مع إضافة بعض العناصر المثرية، من جانبنا.
1- في مرحلة أولى، وهي مرحلة تتوافق مع عصر التوراة واليهوديّة،
"اختار [اللّه] شعبا واحدا، وهو أكثر الشّعوب قحة وشراسة، كي يبدأ مع عمله من
الأساس
في تلك الفترة، ما زال الجنس البشري (الممثل عندئذ ببني إسرائيل) في طور الحدوس
الأوّليّة الحسّيّة، كما أنّ تصوّراته للعالم لا تزال ساذجة جدّا. وعلى سبيل
المثال، فإنّ البراهين والجزاءات الّتي كان الإسرائيليوّن يطلبونها من أنبيائهم
كانت دائما من طبيعة حسّيّة ومباشرة. لم يكن بالإمكان حينئذ إذن رؤية الأمور على
نحو أكثر تساميا أو التفكير بطريقة تجريديّة".
إنّ النبي موسى نفسه لم يكن قادرا، كما يبدو، على تجاوز الحدّ الأقصى المتاح ضمن
إبستيميةّ زمانه. يذكر لنا القرآن مثال موسى الّذي طلب من اللّه أن يمكّنه من
رؤيته، كما تذكر التوراة ذلك ، فيؤكّد له اللّه استحالة ذلك: في القرآن :
"قال ربّي أرني انظر إليك. قال لن تراني، ولكن انظر إلى الجبل فإن استقرّ
مكانه فسوف تراني. فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّا وخر ّموسى صعقا". وفي
التوراة (العهد القديم): "فقال أرني مجدك [...] وقال لا تقدر أن ترى وجهي.
لأنّ الإنسان لا يراني ويعيش". وهكذا نرى كيف أنّ موسى لم يكن قادرا، شأنه في
ذلك شأن بقيّة أفراد شعبه، على تجاوز مرحلة التفكير ما قبل-المجرّد". وحريّ
بنا أن ننبّه هنا أنّنا لم نشهد حالة كهذه لا مع المسيح ولا مع الرّسول محمّد
عليهما السّلام، لأنّهما ببساطة قد مرّا إلى مستوى أرقى من الوعي الوجودي ومن
التّسامي الرّوحي.
إنّ الفيلسوف اليهودي العقلاني موسى ابن ميمون (1135-1204) كان لا يوافق على فكرة
أن يكون الرّسل قادرين على الفعل خارج حدود الممكن البشري التّاريخي.
ومن الناحية التربوّية الأخلاقية، خاطب اللّه بني إسرائيل من موقع الأمر الحاسم،
تماما كما نتوجّه إلى طفل ما زال في مرحلة الواقعية الأخلاقية، فنتوعّده بالعقاب
البدني في حال ارتكابه لشقاوات: الاحترام اللاّمشروط للقاعدة الأخلاقية من دون
البحث عن الأسباب العميقة التي تلزم باتّباعها. غير أنّنا نجدهم (بني إسرائيل)
يحاولون أحيانا خرق القاعدة الأخلاقية بكلّ سذاجة (مثال اعتداؤهم في السّبت).
2- وفي مرحلة ثانية، وهي المرحلة الّتي تتوافق هذه المرّة مع حقبة الأناجيل
والمسيحيّة، اختار اللّه المسيح ليقترح كتابا جديدا لـ"هذا الطّفل [الذي
أصبح ذهنه] مدقّقا، منقّبا، باحثا عن الدّقيقات […] ولوعا بالأسرار […] يحتقر كلّ
شيء سطحيّ وضحل". ومعنى هذا أنّ "هذا الجزء من الجنس البشري الذي توفـّر
لديه تعوّد كاف على استخدام العقل، وأصبحت بواعث السّلوك الخلقي لديه أكثر نبلا
وأكثر كرامة من بواعث الآلام والجزاءات الدّنيويّة، الّتي كانت حتّى الآن هي
العنصر الموجّه للسّلوك "أصبح ناضجا للمرحلة الثّانية الكبرى من التربية.".
في هذه المرحلة، أصبح بالإمكان الكفّ عن الخضوع للقاعدة الأخلاقية لمجرّد الخوف من
العقاب في هذه الحياة الدّنيا وأتيح للإنسان التوجّه نحو الخير ومساعدة الآخرين من
منطلق الحبّ في اللّه والأمل في حياة أخرويّة خالدة. ذلك لأنّ "المسيح هو
أوّل من بشّر بخلود النّفس [في السّعادة لمن كان لديهم "الصّفاء الدّاخلي
للقلب"] بطريقة عمليّة تدعو إلى الثّقة".
وباختصار، إنّ المسيحيّة هي دين المحبّة، الذي يدعو إلى عبادة اللّه وحده: إله
المحبّة ! في إنجيل "متّى"، عندما سأل المسيحَ أحدُ الفرّسيّين،
"وهو ناموسيّ ليجرّبه قائلا: يا معلّم أيّة وصيّة هي العظمى في النّاموس
؟" قال له يسوع: "تحبّ الربّ إلهك من كلّ قلبك ومن كلّ نفسك ومن كلّ
فكرك. هذه هي الوصيّة الأولى. والثّانية مثلها: تحبّ قريبك كنفسك". وعوض
أن يتوعّد العاصي بعقوبات إلهية ماديّة مباشرة (كما كان الحال مع شريعة موسى) أو
في الآخرة، يكتفي بتحذيره ببساطة، متوجّها إلى ضميره الخلقي، بأنّه سيكون، في حال
عدم توبته، "الأصغر من بين كلّ عمّار ملكوت السّماوات".
3- أخيرا، نصل مع "لسّنچ" إلى إبراز خصائص المرحلة الثّالثة، والّتي
هي مرحلة النّضج والعقل
"الإنجيل الخالد الجديد"، حيث "يفعل
الإنسان الخير لأنّه خير ولا لأجل الجزاءات التعسفية [...]، بل من أجل الجزاءات
الحقيقية المنبثقة من طبيعة الخير نفسها". هذا الإنجيل الخالد الجديد ليس
شيئا آخر غير فلسفة الأنوار، التي أفضت إلى ولادة الإنسان كذات عارفة مستقلّة.
إنّ أفكار "لسّنچ" بحاجة، في اعتقادنا، كي تقزّح أكثر، وأن تناقش وتنقد
من بعض الوجوه بشدّة حتّى. لقد أكّد "لسّنچ" في أربع من تصريحاته في
"تربية الجنس البشري" أنّ: "أسفار العهد الجديد ... قد كوّنت وما
زالت تكوّن ثاني الكتب الأوّليّة وأفضلها للجنس البشري"، وأنّه "على مدى
ألف وسبعمائة سنة شغلت هذه الكتب الذّهن الإنساني أكثر من أيّة كتب أخرى، وأنارته
أكثر ممّا أنارته الكتب الأخرى".
إنّ "لسّنچ" يقول هذا، فيما يؤكد ألكسندر كويري، مؤرّخ العلوم المشهور،
أنّه خلال العصر الوسيط، "لم يعد الشّرق -خارج بيزنطة- يونانيّا وإنما عربيا.
كما أن العرب هم الذين كانوا معلمي ومربّي الغرب اللاّتيني".
وللمرء أن يتساءل: إلى ماذا يعود ذلك التفوّق العربي في تلك الفترة (العصر الوسيط)
؟
إننا نفترض أن ذلك يعود أساسا، بعيدا عن كل تأثير من
تعصب ايديولوجي أو عقدي، إلى روح البحث العلمي الجديدة التي استلهمها من القرآن
العلماءُ المتواجدون في فضاء التّأثير الثّقافي الإسلامي والمدفوعين بإرادة الفهم
والتحكّم في ظواهر الطّبيعة. ألم يحثّ القرآن كل الناس إلى النظر"ماذا في
السّماوات والأرض" وألم يدعهم إلى أن يـ"سيروا في الأرض"
ليـ"نظروا كيف بدأ الخلق"، متجاوزا بذلك موقف الفلسفة اليونانية
القديمة، التي كانت تكتفي عموما بالتفسيرات الميتافيزيقية، وفي أحسن الحالات
بالتفسيرات الحسية، للظواهر الطبيعية.
وبصفة أكثر منهجية، نعتبر أن المرحلة الثالثة من الوعي البشري
لم تتأخّر كل هذه القرون السبعة عشر، التي ذكرها "لسّنچ"، حتّى تبدأ. بل
إنّنا مقتنعون بأنّه عندما ظهرت فلسفة الأنوار للوجود فإنّ تمشّي نضج الجنس البشري
قد مضى عليه عندئذ وقت طويل منذ أن شهد انطلاقته الأولى.
وهذا يعني أننا نتصور نضج العقل البشري كسيرورة تتطلّب نفسا
طويلا، وأنّ فلسفات الأنوار ما هي إلاّ ثاني أكبر مآل لها، باعتبار أنّ الأوّل هو
ذاك الذي تمثّل في تلك القفزة الإبستيمولوجيّة والعلمية التي حقّقها العقل العلمي
العربي في القرن الرّابع هجري (العاشر ميلادي).
هذه القفزة أنجزت بفضل قطيعة إبستيمولوجية دشّنها ذلك العقل مع
الفكر والمنهج اليونانيين المستندين إلى محض تأمّلات واستنتاجات مجردة، تهم حتى
المجال الطبيعي نفسه، وبفضل توجّه العلماء العرب إلى المنهج الاستقرائي التجريبي.
ونحن متفقون هنا تماما مع إقبال، عندما يوعز هذا التحوّل في الفكر العربي إلى
التأثير القرآني: هذه الدّعوة الموجّهة من القرآن إلى الفكر للنظر في العالم
المحسوس (الطبيعي والإنساني) وهذه الأمثلة المضروبة بكثرة والمتّصلة بذلك العالم،
مع فهم العلماء المسلمين للنظرة القرآنية بخصوص الطبيعة المتغيرة للكون وامتداده
اللاّنهائي، كل هذا قاد هؤلاء إلى نقد ودحض الفكر اليوناني (باستثناء المنطق
وما صحّ لديهم من رياضيات نقية من شوائب التصورات الميتافيزيقية الخرافية). ولكنهم
لم يتوصلوا إلى تحقيق ذلك إلاّ عندما تبيّن لهم أنّ روح القرآن تتعارض بعمق مع النظرات
الفلسفية المشدودة إلى التجريدات التخيّليّة العقيمة، كما هو الحال بالنسبة لقسم
كبير من الفكر الفلسفي اليوناني القديم، الذي انبهروا وشغفوا به في البداية. ومن
المعلوم جدّا الآن أنّ الأنوار والثورة العلمية الغربية لم تكن لتقع لو لم تقطع هي
كذلك مع الفكر المدرسي (السكولاستيكي).
هذا التغير الجذري في
الفكر العلمي والفلسفي في الفضاء المعرفي الإسلامي، والذي تجسّد لدى علماء من
أمثال ابن الهيثم والخوارزمي والبيروني والكرخي الخيامي وابن الشّاطر والطّوسي
وابن سهل وابن قرّة وكمال الدين الفارسي والقوهي وابن النفيس وابن تيمية وابن
خلدون، هذا التغير ليس، في نظرنا، إلاّ تعبيرا ثقافيّا عن أحد أكبر الأحداث
التاريخية والثقافية والذي هو حدث ختم النبوّة، المعلن منذ قدوم الإسلام بكتابه
المنير: القرآن: "ما كان محمّد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول اللّه وخاتم
النبيين، وكان اللّه بكلّ شيء عليما".
كيف يمكن إذن اعتبار ختم النبوّة عاملا
حاسما في ميلاد العقل المستقل البرهاني والاستقرائي ؟
لقد رأينا مع "لسّنچ" كيف أن البشرية قد مرت
بمرحلة أولى يمكن نعتها بكونها ما قبل-استدلالية أو حدسية، و أن الكتاب المقدّس
الموافق لهذه المرحلة هو التوراة ورأينا كيف أنها بلغت بعد ذلك مرحلة ثانية تتسم
خاصة باستيقاظ الأحاسيس والمشاعر النّبيلة: الشفقة والرحمة وحب الجار… إلخ. وذلك
بفضل رسالة المسيح. هذه المرحلة يمكن وصفها بشبه الاستدلالية أو قبل-الإجرائية.
فهل يُعقل إذن، بعد الانتهاء من هاتين الديانتين، أن يتم
المرور مباشرة إلى مرحلة الأنوار والتغاضي عن (أو تجاهل) واحدة من بين الديانات
السماوية الكبرى ممثلة بالإسلام بكتابه المقدّس القرآن ؟!! أليس من الأنصف التفكير
في مرحلة وسيطة بين مراهقة الجنس البشري ونضجه ؟
إن من يستحق أن يتبوّأ مكانة كهذه هو الإسلام بالتأكيد ! يقول
إقبال عن موقع نبيّ الإسلام بأنه قائم: "بين العالم القديم والعالم الحديث.
فهو من العالم القديم باعتبار مصدر رسالته، وهو من العالم الحديث باعتبار الرّوح
التي انطوت عليها". وهذه الروح هي روح تحريرية للعقل من كلّ وصاية خارجيّة
عنه، وذلك وكما أحسن بيانه إقبال، أنّ: "مولد الإسلام هو مولد العقل
الاستدلالي" و"أن النبوّة لتبلغ كمالها الأخير في إدراك الحاجة إلى
إلغاء النبوّة نفسها، وهو أمر ينطوي على إدراكها العميق لاستحالة بقاء الوجود
معتمدا إلى الأبد على مِقود يُقاد منه، وأن الإنسان، لكي يحصّل كمال معرفته لنفسه
ينبغي أن يترك ليعتمد في النهاية على وسائله هو. وأن إبطال الإسلام للرهبنة ووراثة
الملك، ومناشدة القرآن للعقل والتجربة على الدّوام، وإصراره على أن النظر في الكون
والوقوف على أخبار الأوّلين من مصادر المعرفة الإنسانية، كلّ ذلك صور مختلفة لفكرة
ختم النبوّة".
فإذا كانت هذه الرسالة السماوية الأخيرة قد سعت إلى تحرير
الفرد واستقلاله عن سلطة ووصاية الدين وكل الأشكال الأخرى من السلطة غير النابعة
من العقل أو من القناعة الحدسية الروحية الشخصية ( بالمعنى البرغسوني لكلمة
حدس)، بِوضع حدّ لكلّ تدخّل نبوي جديد، فإلى أيّ منابع أخرى للوعي والفهم والعلم
قد شدّت انتباه الإنسان النبيه إذن ؟
إن إقبال يذكر ثلاث مصادر نوّه بها القرآن: الرياضة الروحية
(تقوى الله) واستقراء القوانين الطبيعية (آيات اللّه) وأخيرا استقراء القوانين
التاريخية (أيّام اللّه)، من خلال الملاحظات المنهجية:
· بخصوص المصدر الأوّل، يعتبر إقبال الرياضة الروحية نشاطا
طبيعيّا بالكامل، مهما بدت خارقة وغير مألوفة، وأنها قابلة للنقد والتمحيص
العقلاني (لاتقاء الدجّالين والمشعوذين). وهي رياضة عليها أن تصبح فردية بكل عمق
وأصالة لأن الرسول قد آمن لنا، فعلينا الآن الإيمان لأنفسنا: "يؤمن بالله
ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم" (التوبة/ 61).
· أما المصدر الثاني، فقد سبق أن تكلّمنا عنه، ولكننا
سنضيف هنا فقط شهادة لـ"بريفولت" في كتابه" بناء الإنسانية" Briffault in Making of Humanity، بخصوص
التّأثير العربي في العلماء الأوروبيين، في مستوى تبني المنهج الاستقرائي
التجريبي: ما هي العلامة البارزة في تاريخ العلوم التجريبية في أوروبا ؟ لا شكّ
أنه روجر بيكون. ومن أين استقى روجر بيكون ما حصله في العلوم ؟ من الجامعات
الأندلسية في الأندلس...[فهو] قد درس اللّغة العربية والعلوم العربية في مدرسة
أكسفورد على خلفاء معلميه العرب في الأندلس. وليس لروجر بيكون ولا لسميه، الذي جاء
بعده، الحق في أن ينسب إليهما الفضل في ابتكار المنهج التجريبي. فلم يكن روجر
بيكون إلاّ رسولا من رسل العلم والمنهج الإسلاميَّين إلى أوروبا المسيحية، وهو لم
يملّ قطّ من التصريح بأن تعلم معاصريه للّغة العربية وعلوم العرب هو الطريق الوحيد
للمعرفة الحقّة.
· أمّا بخصوص المصدر الأخير للمعرفة الموصَى بها من قِبل
القرآن، والمتمثلة في استقراء المدونة التاريخية والثقافية للشعوب والأمم
والقبائل، والتي ما ينفك هذا الكتاب الكريم يضرب عنها الأمثال للعبرة ويحث على
مواصلة البحث فيها، فإنه بإمكاننا إثارة مثال العلاّمة العربي المشهور ابن خلدون،
الذي استطاع أن يستفيد من تصنيفات القرآن، لبناء فلسفته في التاّريخ وقيام الدّول
وانهيارها: نظرية العصبية والدّولة.
· باختصار، يمكننا أن نعمّق أكثر الأفكار التي تقدمنا بها
ها هنا، بخصوص الدور الجديد الذي تحمّله الوحي في مرحلته النّهائية، والذي هو دور
آخر مرافقة للعقل البشري في سفره الطويل نحو الاستقلال والاعتماد على الذّات،
بِمدّه بوسائل وتمّشيات البناء الذاتي للمعارف، كما يمكننا أن نحلل بأكثر تفصيل
الاستتباعات الابستيمولوجية للوعي بالغايات البعيدة لفلسفة ختم النبوّة وأن نعطي
عنها أمثلة أكثر، إلاّ أن المجال لا يتسع لأكثر من هذا للأسف.
قبل أن ننهي هذا العنصر نودّ أن نبدي أربع ملاحظات هامة يبدو أن إقبال لم
ينتبه إليها أو لم يولها ما تستحق من توضيح:
1- إن ختم النبوة سيرورة معرفية
تاريخية لا تنقطع فهي ضرب من البنائية المفتوحة وليست مجرد حدث تاريخي حصل
لحظة انقطاع الوحي، ولذا علينا أن نمعن باستمرار في مزيد تكريس هذا الختم، أي مزيد
استبدال التقليد بالفهم وإرادة التجديد والفعل في العالم والتاريخ.
2- الختم لا يخص المسلمين فقط بل هو ظاهرة معرفية كونية،
وقد استفاد منها المسيحيون واليهود عبر المثاقفة وعبر الحروب الصليبية، بما نقلوا
عن المسلمين من علوم ومناهج ظهرت في المناخ العام لختم النبوة.
3- ملاحظة نبديها على التصور الخطي لتطور التاريخ كما
قدمه "لسنج" وكما توحي به فلسفة إقبال: إن تاريخ الوعي ليس هو نفسه لدى
كل الأمم ولا حتى لدى أفراد نفس الجماعة، وبالتالي فإن ختم النبوة بما هو ظاهرة
نفس-معرفية ثقافية لا يتم ولا يتحقق إلا لدى الأفراد الذين يعون به. وبالتالي يمكن
أن تجد أناسا ينتمون إلى نفس الجماعة وهم يقفون على نقاط متباعدة من خط سيرورة ختم
النبوة. فبالتأكيد أن العلماء والفلاسفة والمفكرون هم الآن في الشرق وفي الغرب
الأكثر تمثلا وتمثيلا لهذه السيرورة المعرفية.
4- لا بدّ أخيرا من التصريح بفكرة على غاية كبرى من
الأهمية. وهي إنّ التاريخ لا يتغير فقط بالأفكار. بل بِجدل الأفكار مع الواقع. وإن
الواقع التاريخي للمسلمين، وأساسا نمط الإنتاج وعلاقات الإنتاج، لم تكن تسمح
بالظهور المادي الملموس للفرد. فالفرد كان مغمورا في جملة العلاقات الاجتماعية
الأبوية التقليدية التي هي انعكاس لنمط الإنتاج الزراعي التقليدي. لأجل هذا لم
نشهد تحولا تلقائيا للشرط الثقافي لاستقلال الفرد -المتمثل في ظاهرة ختم النبوة-
إلى واقع تاريخي حداثي ملموس في السياق الإسلامي. زد على ذلك أن الصياغة الثقافية
ذاتها لمفهوم ختم النبوة لم تبلغ في السابق من العمق والنضج ما يرشحها حتى لمجرد
تأمين الشرط المعرفي لبناء الحداثة في هذا السياق.
خاتمة
إن أهم ما حاولنا القيام به في هذه الورقة هو تنسيب مفهوم الحداثة وإظهار تاريخيته
في السياق الغربي، وهذا التنسيب هو الذي يمثل الشرط النظري لتذليل عقبة بناء هذا
المفهوم في السياق الإسلامي. فحضارتنا ليست حضارة صَلب الأنبياء ولكنها مع ذلك
حضارة لم تخل من العنف ضدّ المعارضين للإيدولوجيا الرسمية للدولة. فهي لا تحتاج
إلى الإجهاز النهائي على مسيحها -الذي لاذ بروح الإله- (قتل الأب بعد قتل الابن)
حتى تُبني حداثتها، ولكنها تحتاج إلى تصفية مع تاريخ طويل من الجهل والخرافة
واستبداد الطواغيت، وتحتاج إلى الوعي بأن كل ضروب الوصاية على العقل قد رُفعت بفضل
تطوّع الوحي الأخير بختم النبوّة.
إن الختم في عبارة"ختم النبوة" ليس مجرد إشارة
إلى ذلك الحدث التاريخي المتمثل في توقف نزول الوحي من الله إلى البشر إنه يعبر عن
معنى عظيم أو أعمق من ذلك بكثير. ختم النبوة حدث معرفي يمثل خطاّ حاسما فاصلا بين
الحقبتين الأكبر في تاريخ العقل البشري: الحقبة التي كان فيها الإنسان واقعا تحت
الوصاية المطلقة للمتعالي وللمعرفة النازلة إلى عقله من خارج والحقبة التي
ارتفعت فيها مثل هذه الوصاية وأصبح بإمكان الإنسان فيها أن يعتمد على مصادره
الخاصة به في معرفة الوجود: عقله والطبيعة التي يتفاعل معها بكيانه المادّي
والروحي إلى جانب خبراته وتجاربه التاريخية المعقلنة ما-بعديا. والغاية القصوى
للإسلام لا تقع قطعا في دائرة النبوة وإنما في دائرة "ختم النبوة".
ولهذا قال إقبال قولته العميقة التي أشرنا إليها آنفا: « إن النبوة لتبلغ كمالها
الأخير في إدراك الحاجة إلى إلغاء النبوة نفسها ». ولذلك يجب الكف عن اختزال
الإسلام في معنى النبوة فقط، ففي ذلك هدر عظيم للمعنى البعيد الذي ينطوي عليه
الإسلام.
إذا ما تم الوعي بهذا الأمر نكون قد تغلبنا على أحد أكبر العوائق الثقافية من أمام
تحديث العقل الإسلامي وأصبح بإمكاننا عندئذ أن نسود الطبيعة ونملكها لأنها مسخّرة
لنا وأن ننظم علاقاتنا بطريقة عقلانية أفقية ولا تسلطية، بدون أن نضحي بنعمة
الإيمان (نبني علمانية مؤمنة)، لأن الإيمان التوحيدي بكل بساطة لا يقف حائلا أمام
مثل هذه الغايات، بل كان على مدى قرون طويلة شريكا ورفيقا للعقل في الارتقاء بوعي
البشر عبر الدور الذي لعبه الأنبياء في بناء صرح الحضارة الإنسانية زمن طفولتها
العقلية، ولم ينفك عن مؤازرة العقل في المسائل التي لازالت تؤرقه وتستعصي عليه.
ساعد الإيمان التوحيدي البشر على التخلص من عبادة الأوهام ودرّبهم على التمثّل
المجرد والحميمي في الآن نفسه لمنظومة العالم والوجود، ولكنه ما زال بمقدوره
مساعدتهم على تلمس طريق الحرية خارج قوالب الحتمية والبحث عن سبل السعادة في ما
وراء مجرد تحصيل اللذائذ العابرة.
ختم النبوة مفهوم من وضع محمد إقبال، وقد أخذناه عنه وحاولنا تطويره، أما موت
الإله فهو، كما معروف، لنيتشه. وهنالك من يعتقد بتأثر إقبال بنيتشه في نظرية
الإنسان الكامل أو مقالة العَود الأبدي، غير أن إقبال ينفي ذلك بشدة، وله الحق في
ذلك، فالفرق بين عدمية نيتشه وتطورية إقبال الروحانية فرق واضح جدا. وكتاب
"ما وراء الطبيعة في إيران" (رسالة دكتورا إقبال في الفلسفة) لا وجود
فيه لاسم نيتشه قط. أما كتابه "تجديد التفكير الديني في الإسلام"، ففيه
ذكر له، على نحو إيجابي، لاشتمال مقولته عن العَود الأبدي على فكرة الخلود، وهو في
نظرنا مجرد توافق شكلي، لأن معنى الخلود يختلف من أحدهما إلى الآخر.
13
مقارنة بين التنوير
في القرآن وفي أدب روّاد النهضة الأوروبية
مقارنة بين التنوير في
القرآن وفي أدب روّاد النهضة الأوروبية. تأليف هاشم صالح نقل وتعليق المؤلف محمد كشكار
المصدر:
كتاب "مدخل إلى التنوير
الأوروبي"، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر ورابطة العقلانيين العرب،
الطبعة الثانية 2007، بيروت-لبنان، 264 صفحة.
نص هاشم صالح:
صفحة 95، الفضيحة الأولى:
"لورنزو ﭬالا"، أحد النهضويين (نسبة إلى النهضة الأوروبية) والإنسيين في
القرن الخامس عشر (1407-1457 م)، فقد تجرأ مثلا على الكشف عن زيف الوثيقة
الكنسية الشهيرة المدعوة "هبة قسطنطين"... ماذا تقول هذه الوثيقة بالضبط
؟ إنها تزعم أن الإمبراطور قسطنطين وهب البابا سيلفستر حق امتلاك روما وإيطاليا،
وعموما حق امتلاك السلطة الزمنية، وليس فقط السلطة الروحية. وعلى الرغم من هذا
العمل المضاد للمبدأ الإنجيلي القائل "ما لقيصر لقيصر، و ما لله لله"،
كما أنه مضاد لكلمة المسيح الشهيرة "مملكتي ليست من هذا العالم"، إلا أن
بابوات روما كانوا يستمتعون بهذه السلطة الدنيوية ويحرصون عليها أشد الحرص. وقد
وصل بهم الأمر إلى حد خلع الملوك والأباطرة وإخضاعهم لهم، وممارسة السلطة السياسية
بكل جبروت و اقتدار. وهكذا خرجوا على مبادئ الإنجيل وانتهكوها بعد أن أغرتهم السلطة
الدنيوية بكل متعها وأطايبها.
هامش 1 على نفس الصفحة: وهذا ما ينقض الأطروحة الاستشراقية الشهيرة التي تعيب
على الإسلام خلطه بين الروحي والزمني في حين أن المسيحية فصلت بينهما منذ البداية
كما يزعمون ! ثم شاعت هذه الأطروحة في أوساط بعض المثقفين العرب وتبنوها من دون أي
مراجعة أو تفحص حتى أسقطتها تحليلات محمد أركون مؤخرا. فالواقع أن المسيحية مارست
السلطة السياسية طيلة عدة قرون مثلما حصل عندنا في الجهة الإسلامية. وكل الثورات
الحديثة التي جرت في الغرب كانت تهدف إلى التحرر من رجال الدين، وإعادتهم إلى
كنائسهم لكي يهتموا بالشؤون الروحية فقط، ويتركوا السياسة للسياسيين. فتلويث الدين
بالسياسة يضر السياسة والدين في آن معا. و لكن الكهنوت المسيحي لم يتخلّ عن السلطة
بعد أن ذاق طعمها إلا بعد معارك طاحنة وجهد جهيد.
وأما الفضيحة الثانية التي أثارها
هذا العالم المختص بالدراسات اللغوية وتحقيق النصوص كمعظم النهضويين، فقد اندلعت
عندما نشر كتابه: المتع والملذات. فقد أثبت أنه يحق للمسيحي أن ينال نصيبه من متع
هذا العالم وملذاته بانتظار ملذات العالم الآخر من دون أن يتخلى عن إيمانه. كل
متعة هي خير يقول أنطوان (أحد الأشخاص الثلاثة في الكتاب والذي يدافع عن المذهب
الأبيقوري المنغمس في الملذات ويهاجم الموقف الرواقي المحجم عنها)، ثم يدافع صراحة
عن المتع الحسية أو الجنسية (فالحياة السماوية لا تستبعد متع الجسد على عكس ما
نتوهم). بل إن متع الجسد في الجنة أعظم منها على الأرض ولكن المتع الروحية تظل
أعظم من كل شيء. ففرحة الروح تبلغ هناك ذروتها وكمالها وعندئذ تبتدئ الحياة الحقيقية: حياة الأبد
والخلود. هكذا نجد أن "لورنز ﭬالا" يظل مؤمنا على طريقة القرون الوسطى،
ولكن الفرق الوحيد بينه وبين أناس هذه القرون هو أنه لا ينكر المتع الجسدية ولا
يحرمها. وبالتالي فهو قروسطي ونهضوي في آن معا (نسبة إلى النهضة
الأوروبية).
تعليق:
-
نقطة قرآنية مضيئة عدد 1: ونحن نعرف أن حق التمتع بالملذات مكفول شرعا منذ ظهور
الإسلام في القرن السابع ميلادي لكل المسلمين بما فيهم علماء الدين أو رجاله.
-
نقطة قرآنية مضيئة عدد 2: والمتع الحسية والجنسية حلال محلّل أيضا في الإسلام لكل
المسلمين بما فيهم علماء الدين ورجاله منذ القرن السابع ميلادي ، انظر كتاب
"الجنسانية في الإسلام" للمفكر التونسي عبد الوهاب بوحديبة.
-
نقطة قرآنية مضيئة عدد 3:
-
ومتع الجسد موعودة أيضا في جنة الإسلام ومشروعة لكل
المسلمين بما فيهم علماء الدين ورجاله منذ القرن السابع ميلادي.
-
و المسلمون أيضا بما فيهم علماء الدين ورجاله يفضلون
أيضا المتع الروحية على المتع الجسدية منذ القرن السابع ميلادي.
-
بناء على فلسفة لورنزو ﭬالا في القرن الخامس عشر في
كتابه "المتع والملذات"، نستطيع القول أن الرسول محمد صلى الله عليه
وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، مؤسسي الإسلام والدولة المدنية الإسلامية، قد قاموا
بالنهضة الإسلامية منذ القرن السابع ميلادي لذلك ينطبق عليهم نعت النهضويين
الإسلاميين أكثر مما ينطبق على جميع النهضاويين (نسبة إلى حزب حركة النهضة
التونسي) والسلفيين التونسيين المعاصرين.
بعض النهضاويين لم يستنبطوا شيئا ولم يطوروا شيئا بل يريدون تحريم الاجتهاد
والتطور والاستنباط والخلق والإبداع في جميع المجالات، الدينية منها والدنيوية
(خاصة الفنية والفلسفية والاجتماعية وحتى في بعض الحقول العلمية المحرمة كاستنساخ
الأعضاء لزرعها أو الإنجاب بمساعدة طبية). وأما بعض السلفيين فلم يأخذوا عن الرسول
وأصحابه إلا عاداتهم في الأكل والشرب واللباس وتركوا الأهم الذي يتمثل في عبقرية
السلف الصالح الفذة ومنهجهم الثوري وعقليتهم التحديثية والتجديدية والتنويرية
والنهضوية (renaissance) الإسلامية مقارنة بعصرهم في القرن السابع
ميلادي.
صفحة 99: إيراسموس زعيم النهضة الأوروبية (1469-1532 م):
يمكن اعتبار إيراسموس
الشخصية التي جسدت مُثُل عصر النهضة (renaissance) والنزعة الإنسانية في أرقى تجلياتها. ولكن
لا يفهمنّ أحد من هذا الكلام أنه كان مضادا للدين. على العكس، لقد كان مؤمنا
مستنيرا راسخ الإيمان... كان أبوه كاهنا، ولِذا فلم يستطع أن يعترف به، وإنما ظل
ولدا غير شرعي. وكانت عادة منتشرة في ذلك الزمان أن يتخذ الرهبان عشيقات وأحيانا
يحملن منهم دون أن يعترفوا بالطفل لأنه وُلد خارج الزواج الشرعي...أفكاره الجريئة
والتجديدية كانت تصدم جمهور الرهبان واللاهوتيين، ما عدا المستنيرين منهم أو
الإنسيين الذين اطلعوا على فلسفة اليونان وآدابها ومزجوا بينها وبين الدين (تعليق:
نقطة مضيئة حضارية ثقافية غير قرآنية: ونظير إيراسموس عندنا هو ابن رشد، 1126-1198م، مُلهِم
النهضة الأوروبية في القرن الثاني والثالث عشر)... وكان يلقب هؤلاء الرهبان
بـ"البرابرة" الذين يخلطون بين التقى والورع من جهة، وبين الجهل من جهة
أخرى. فبقدر ما تكون جاهلا ولا تطرح أي سؤال تكون تقيا ! وكان يزعجه كثيرا رفضهم
للثقافة اليونانية والآداب الجميلة.
تعليق: نقطة حضارية ثقافية غير قرآنية وغير مضيئة: كما يزعجني أنا أيضا رفض بعض علماء الدين الإسلامي وبعض
المتدينين المسلمين للثقافة الغربية بغثها وسمينها ويزعجني أكثر عداوة هؤلاء
الصارخة -عن جهل- للفنون الجميلة بمسرحها وسينمائها ونحتها ورسمها ورقصها وغنائها
ويؤلمني جدا ويحز في نفسي رفض بعضهم للعلوم الغربية الحديثة مثل الأنتروبولوجيا
والأركيولوجيا ونظرية التطور والإبستومولوجيا وعلم الألسنية وعلم النفس
والاكتشافات العلمية التجريبية في مجال الاستنساخ والإنجاب بمساعدة طبية وبنك
الحيوانات المنوية وزرع البويضات للنساء العاقرات وحرية التعبير المطلقة من كل قيد
أو شرط إلا ما تمنعه أخلاقيات المهنة وضمير المبدع وحرية النشر في وسائل الاتصال
الحديثة مثل الفضائيات الحرة والأنترنات، مدونات وفيسبوك وتويتر وغيرها.
تابع
لنص هاشم صالح: قام (إيراسموس) شخصيا بتحقيق الإنجيل من جديد، ونشر نسخة عنه
مختلفة كثيرا عن النسخة الرسمية التي تعتمدها الكنيسة (تعليق:
نقطة
قرآنية مضيئة عدد4: وهذا ما أكده القرآن الكريم قبله بثمانية قرون عندما قال أن
إنجيل المسيحيين المستعمل آنذاك كان محرّفا)... وهكذا أدخل المنهجية النقدية إلى
ساحة العلوم الدينية لأول مرة. وسوف يكون لذلك أثر تحريري كبير في المستقبل... في
الواقع إن الإنسانيين-النهضويين (renaissance) كانوا أكثر تدينا مما نظن
على الرغم من إعجابهم بالحضارة اليونانية وفلسفتها... كان إيراسموس يقول بما
معناه: "إن الدين يسر لا عسر"، ولكن المؤسسات البشرية الصغيرة هي التي
أضافت كل تلك القيود و الإكراهات التي تضغط علينا وتثقل كاهلنا.
تعليق: نقطة قرآنية مضيئة عدد 5: وهذا ما قاله النبي صلى
الله عليه وسلم منذ ثمانية قرون قبل إيراسموس: "إن هذا الدين يسر ولن يشاد
الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا ويسّروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من
الدُّلْجَة (والدلجة تعني السير من أول الليل أو سير الليل كله)" ولكن بعض علماء
الشريعة عسّروا علينا ديننا الإسلامي، فالرسول الكريم لم يفرض علينا إلا الصلاة
والصيام والزكاة والحج والصدقة وصلة الرحم.
صفحة 157: ومن الأمثلة الأخرى الشنيعة على الظلامية المسيحية ما
حصل للفيلسوف "ميشيل سيرفيه" الذي أحرقوه حيا في جينيف بتهمة التشكيك
بعقيدة التثليث، وهي من العقائد الأساسية في المسيحية. فبمجرد أن شكك بصحتها ألقى
طعمة للنيران ولم يشفع له علمه ولا فلسفته ولا إنسانيته.
صفحة 183: المذهب السوسيني، نسبة إلى
سوسين (1540-1604 م)، وهو مصلح بروتستانتي من أصل إيطالي وصل به الأمر إلى حد
إنكار التثليث وألوهية المسيح، وهو مذهب يُعد من أكثر المذاهب عقلانية في
المسيحية.
تعليق: نقطة قرآنية مضيئة عدد 6:
قال تعالى: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث
ثلاثة"، وردت في القرآن منذ القرن السابع ميلادي.
صفحة 159: وأثبت الأب ألفريد لوازي (1857-1940م) أن عيسى ابن مريم
هو نبي فقط ولا يتصف بصفة الألوهية التي تتجاوز النبوة كما يزعم المسيحيون. ثم
أصدر البابا قرار تكفيره وفصله من الكنيسة عام 1908 (تعليق: نقطة قرآنية مضيئة عدد 7: قال تعالى:
"قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ
يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ"(. وأصدر البابا بيوس
العاشر عندئذ قرارا بإدانة الاشتراكية والليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان
ومجمل الأفكار الحديثة، واعتبرها كفرا ما بعده كفر (تعليق:
نقطة
حضارية ثقافية غير قرآنية وغير مضيئة: وهذا ما يفعله السلفيون
الجهاديون والوهّابيون اليوم، في القرن الواحد والعشرين في السعودية ومصر وتونس).
صفحة
159: هامش 2: من أهم هذه التنازلات (عام 1962م، عندما انعقد المجمع الكنسي
الشهير باسم الفاتيكان الثاني... وهكذا اعترفوا لأول مرة بشرعية المنهج التاريخي
والتأويل الحديث للدين. كما وقدموا تنازلات أخرى عديدة لأفكار وتوجهات العصور
الحديثة) نذكر الاعتراف بالحرية الدينية وأنه لا يمكن إجبار أي شخص على الإيمان
غصبا عنه. ومنها التعددية الدينية والمذهبية والتخلي عن المقولة اللاهوتية الشهيرة
التي استمرت ألفَي سنة تقريبا والتي تنص على ما يلي: خارج الكنيسة الرومانية
البابوية الكاثوليكية المقدسة لا نجاة للإنسان في الدار الآخرة ولا مرضاة عند
الله. وهي مقولة تدين ليس فقط الأديان الأخرى كاليهودية والإسلام- وإنما تدين أيضا
المذاهب الأخرى غير الكاثوليكية وبخاصة المذهب البرتستانتي.
تعليق: نقطة قرآنية مضيئة عدد 8: قال تعالى: "فمن شاء
فليؤمن و من شاء فليكفر..." وقال: "لكم دينكم و لي دين..."، وقال:
" قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ
عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا
أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ
أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ". يبدو لي -والله أعلم- وأنا غير
مختص في تأويل الآيات، أننا نستطيع أن نستنتج مما سبق أن القرآن يعترف بحرية
المعتقد ويقرّ بتعدد الأديان قبل أن يعترف بها المجمع الكنسي بـ12 قرن.
صفحة
190: ولكن الناس جميعا يتهمون الفيلسوف من أصل يهودي "سبينوزا"
بالإلحاد في القرن السابع عشر ميلادي (تعليق: كما اتهم علماء السنّة -ودعاتها-
"الحلاج" (858-922م) بالإلحاد )، فما هو سبب ذلك ؟ السبب هو كتابه (سبينوزا) التالي الذي نشر بعد
هذا الكتاب. ونقصد به رائعته الفلسفية المدعوة بــ"الأخلاق". فهذا
الكتاب ("الأخلاق") قدم تصورا عن الله يختلف كليا عن تصور اليهود
والمسيحيين وجميع أتباع الأديان التوحيدية. فالله أصبح هو الطبيعة أو كلية الوجود
ولم يعد هو ذلك الله الخالق، المنفصل عن خلقه، والقابع في أعلى السماوات. أصبح
الله على يد سبينوزا هو قوانين الطبيعة والعقلانية المطلقة التي تتحكم بها. أصبح
هو الكون بما فيه ومَن فيه. أصبح هو القوة الحيوية المنبثَّة في الكون. وربما كان
هذا التصور الغريب من نوعه هو الذي دفع أوروبا المسيحية إلى رفض سبينوزا ونبذه على
مدار ثلاثة قرون تقريبا. عندئذ اتهم بالمادية، والإلحاد، والحلولية، ووحدة الوجود
(تعليق: كما وقع تقريبا بالضبط لـ "الحلاج" قبل 8 قرون خلت،
عندما صاح صيحته الشهيرة: "ما في الجبة إلا الله" وقال قولتهالتي تظهر
شِرْكِيّة لمن لم يفهمها: "أنا الحق").
صفحة
200: ثم يرى سبينوزا أن الفلسفة تتوصل إلى نفس الحقائق ولكن عن طريق العقل
والبرهان لا عن طريق الإيمان والتسليم. وبالتالي فهناك طريقان إلى الحقيقة أو
الخلاص: طريق الفلسفة وطريق الدين. والأول خاص بالمثقفين فقط، أما الثاني فخاص
بعامة الشعب الذين لا يستطيعون التوصل إلى الحقيقة عن طريق العقل. وهذا الكلام
يشبه كلام ابن رشد (تعليق: سبينوزا بعد ابن رشد
بـ5 قرون). وهناك طريقان لتصور الله بحسب سبينوزا: طريق الدين حيث نجد الله يخاطب
خيال البشر وعاطفتهم من خلال موسى وعيسى والأنبياء بشكل عام. وهناك الله المطابق
للطبيعة بحسب التصور الفلسفي أو العقلاني. وبالتالي فالكتابات المقدسة لا تستطيع
أن تقدم لنا أي شيء عن طبيعة هذا التصور الفلسفي لله، ولا عن صفاته وعلاقاته
بالبشر. فهذه أشياء من اختصاص الفلسفة وحدها. هنا يتجاوز سبينوزا ابن رشد بشكل
كامل. في الواقع إن سبينوزا كان يهدف من كتابه هذا إلى تقديم تفسير عقلاني
للكتابات المقدسة يواجه فيه -أو يحجّم إذا أمكن- التفسير اللاعقلاني لعلماء
اللاهوت المتزمتين. وبالتالي فمعركة سبينوزا كانت مفتوحة مع جميع الأصوليين من كل
الأجناس والأنواع (تعليق: بما فيهم الأصوليين
الإسلاميين المعاصرين). كانت معركته مع التعصب الديني الأعمى الذي إذا ما خرج من
قمقمه أصبح كالمارد الأهوج لا يبقي ولا يذر (تعليق:
كما
هو حال السلفيين الجهاديين اليوم في العالم العربي والإسلامي).
تعليق: نقطة قرآنية مضيئة عدد 9
وليست الأخيرة: صفحة 253:
فالواقع أن الحركة التي دشنها المصلح الديني مارتن لوثر عام 1517 م عندما ثار ضد
صكوك الغفران... فالإنسان المؤمن إذ يتخلص من كل العبوديات ما عدا العبودية
لخالقه... ويمكن القول بمعنى من المعاني إن موقف لوثر أقرب إلى روح الإسلام
بالمعنى الأصلي والأوّلي للكلمة.
خاتمة
صفحة 161: لذلك أستهجن موقف المثقفين الأوروبيين الذين يتهموننا،
نحن المسلمون، بالتعصب والتزمت، وينسون كم عانوا هم من تعصب تراثهم ورجال دينهم
قبل مائتي سنة أو ثلاثمائة سنة. من السهل أن تضحك على الآخرين أو تستهزئ بهم بعد
أن تكون قد سوّيت مشكلتك مع نفسك وأصبحت قويا، ناجحا، متفوقا. و لكنني أستغرب في
ذات الوقت موقف المثقفين العرب الذين يعتقدون أن بإمكاننا أن نتوصل إلى الحداثة
الحقيقية (أو الحريات الديمقراطية والتعددية الروحية والسياسية) دون أن نخوض معركة
الصراحة مع الذات التراثية.
تعليق: وأستهجن أنا بدوري موقف أكثرية الحداثيين العرب، سوى
كانوا يساريين أو قوميين أو ليبراليين، الذين يعتقدون أنهم قادرون على تغيير
المجتمع العربي الإسلامي دون فهم ميكانيزماته الداخلية وآلياته الإجرائية ومنطقه
الخاص به ودون الاطلاع المعمّق على تاريخه وفلسفته وتراثه وثقافته.
إمضائي المختصر
وكما قال الفيلسوف المغربي المعاصر عبد الله العروي: "لا
أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه
إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه".
إنتاجي بداية
من سنة 2010 إلى سنة 2022
صَدَرَ لِي سبعة كُتُبٍ:
1. Enseigner des valeurs ou des connaissances ? L’épigenèse
cérébrale ou le "tout génétique" ? (PUE: Presses Universitaires
Européennes, Edition électronique, 2010).
2. Le système éducatif au banc des accusés ! «Les professeurs ne
comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas» (2014).
3. جمنة وفخ العولمة (2016).
4. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي سفر في الديداكتيك
وعشرة مع التدريس (1956 – 2016).
5. حكايات طريفة (2021)
6. حدّث ميشيل سارّ قال (2022)
7.
ممّا قرأتُ حول الإسلام والمسلمين والإسلاميين خلال
سنوات 2012-2022، نسخة رقمية، تونس 2022، 518 صفحة.
نهاية الكتاب نهاية مفتوحة...
فهرس الفلاسفة
أبو يعرب المرزوقي (ص. 15)، سعد الله
ونّوس (ص. 25)، علي حرب (ص. 30)، علي شريعتي (ص. 51)، محمد الحدّاد (ص. 72)، مطاع الصفدي (ص. 82)، محمد الشرفي
(ص. 84)، رؤوف
قبيسي (ص. 94)، راشد الغنوشي (ص. 110)، أمين معلوف (ص. 122)، محمد
الطاهر بن عاشور (ص. 147)، مالك بن نبي (ص. 150)، سيد قطب (ص. 153)، عبد الله العروي (ص. 161)، ميشيل أونفري وفرانسوا بورڤا وألفريد نيتشة وإدﭬار موران وآلان روسيون (ص. 185) فلالي-أنصاري (215)، طارق رمضان (218)، لطيفة لخضر (ص. 221) محمد طالبي (ص.227 و309)، عبد الوهّاب بوحديبة (ص. 244)، محسن
كاديفار (ص. 248)،
محمد إقبال (ص.
480)، هاشم صالح (ص. 504) مصدق الجليدي (ص. 479)، مالك شبل (ص. 311)، ابن عربي (ص. 46) جمال الدين الأفغاني (ص. 179...) محمد عبده (ص. 102...).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire