dimanche 2 février 2025

Mon 14e livre : خواطر حول اللغة والفن والثقافة والعلم/الدين والهوية والسريالية والذكاء الاصطناعي

 





 

د. محمد كشكار

مواطن العالم

 

أصيل جمنة ولادة وتربية

 

خواطر حول اللغة والفن والثقافة والعلم/الدين والهوية والسريالية والذكاء الاصطناعي

 


 

فهرس

اللغة.............................................................4

الفن..............................................................59

الثقافة...........................................................71

العلم/الدين.................................................... 137

الهوية..........................................................182

المقاومة السلمية..............................................230

السريالية.......................................................248

الذكاء الاصطناعي...........................................252

خلاصة مكثَّفة ومقتضَبة جدًّا لمحتوى الكتاب...........260

أين يوجدُ مصنعُ الإرهابْ ؟................................265

سيرة ذاتية.....................................................278

نهاية............................................................280


 

اللغة

رولان بارتس: اللغة=فاشية لأن "الفاشية لا تتمثل في منعنا من الكلام بل تتجسم في إجبارنا على الكلام"

يبدو لي أن المساواة التامة بين كل التونسيين لم تتحقق إلا في إتقان اللغة العربية الدارجة ومع ذلك يتنكرون لها ويقولون إن لغتنا هي الفصحى.

هل صدفة أن يكون جل مجددينا في اللغة العربية يتقنون لغة أجنبية ؟

محمود المسعدي، توفيق بكار، طه حسين، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، نزار قباني

"الأرض بتتكلم عربي".

الأرض لا تتكلم عربي ولا فرنساوي !

الأرض أي الطبيعة لغتها الرياضيات، كما قال صوابًا الرياضي ﭬاليلي (XVIeS)

 

اليوم (8 أفريل 2015) ألقيتُ محاضرةً في مركز تكوين المتفقدين بقرطاج تحت عنوان "بعض أسباب النقص الفادح في مستوى اللغة العربية الفصحى لدى تلامذتنا التونسيين"

 

المكان: المركز الوطني لتكوين المكونين في التربية بقرطاج (CENAFFE).

الزمان: 7-8 أفريل 2015. أنا حضرت يوم 8 أفري. فقط.

الحضور: 25 منهم 6 نساء.

الجهة المنظِّمة: cifop Formation (شركة خاصة) وبعض المؤسسات الجامعية التونسية والأجنبية.

عنوان الملتقى: "اللقاء التمهيدي للملتقى الإقليمي حول تدريس العلوم في المنظومات التربوية العربية".

الأجر: إعجاب الحضور بما قدمتُه من نقد رغم عدم رضا المنظمِين الظاهر على وجوههم. بعد انتهاء كلمتي، أقبلَ المشاركون على أخذ كل نسخ المحاضرة المكتوبة الـ23، لم يأخذ منها الدكتور الجهبذ عبد الله محمد خطايبة ورئيس الجلسة وهو مهندس فعذرُه معه.

انطلق برنامج اليوم العاشرة صباحا وانتهى الثانية بعد الزوال بغداء سَمَك "وَرَقَة" في مطعم المركز.

افتتح الندوة الأستاذ الدكتور عبد الله محمد خطايبة، أستاذ في مناهج العلوم وأساليب تدريسها بجامعة اليرموك بالأردن. عنوان محاضرته "واقع تدريس العلوم في الوطن العربي: فاعلية المناهج وجودة المُخرَجات.."

ملاحظاتي حول هذه المحاضرة:

-  أطوَل محاضرة سمعتها في ملتقى علمي، ساعة وعشر دقائق.

  - شرائح معروضة محمّلة بنص غزير.

- من الدرر العلمية التي تفضل بها جلالته: "الغرب يعرّف التربية عل أنها إعداد الطفل للحياة الدنيا. هذا تعريف استعماري، ونحن نعرّفها على أنها إعداد الطفل للحياة الدنيا والآخرة، نعدّه ليوم القيّامة واستشهد بآيات قرآنية.. ثم قال: "لا يوجد في كتب العلوم العربية جملة واحدة تشير إلى عروبة الأمة وإسلامها.." عرّفَ البحث العلمي كالآتي: "الرضيع يبحث على ثدي أمه مباشرة بعد ولادته فهو إذن عالِم فتي". أعجبني إثارته لموضوع تدريس أخلاقيات العلوم لكنني خالفته في استعمال المصطلح وطرحتُ تدريس القِيم العلمية الكونية كالأمانة العلمية في النقل عن الآخرين وتَقاسُم المعرفة مع الجميع دون تمييز والعمل الجماعي وغيرها.

أما محاضرتي أنا فقد دامت رُبع ساعة وناقشها الحضور لمدة ساعة: سلبا (1)، إيجابا (4) وحيادا (4). لقد سبق أن نشرتها كمقال على الفيسبوك يوم الأحد 28 مارس 2015، واليوم 8 أفريل أعيد نشرها احتفاءً بإلقائها في ملتقى تربوي:

أعتذر منكم مسبقا أيها الأعزاء والعزيزات إن بدا في كلمتي تهجّم على اللغة العربية فنيتي طيبة وهدفي من وراء النقد التالي والله نبيلٌ، ربما تغفرون لي هناتي لعدم تخصصي في اللغة الشعرية الجميلة، لغة القرآن ولغتي المفضلة التي أحبها بل أعشقها وأكتب بها إراديا جل مقالاتي الفيسبوكية وأعتز بالانتماء إلى حضارتها القديمة والحديثة وثقافتها المتنوعة والمتحررة وتراثها الغني بالكنوز الفقهية والأدبية والشعرية.

الجمل الواردة بين ظفرين في كلمتي اقتبستُها من المقال التالي: اللغة العربية الفصحى لدى المتمدرسين – تحليل الواقع واقتراح الحلول/مثال الجزائر، بوطيبة جلول، جامعة بن باديس - مستغانم، كتابات معاصرة، صفحة 119، العدد 88، المجلد 22، ماي-جوان 2013.

 بوطيبة جلول تناوَلَ بالتحليل إشكاليات اللغة العربية الفصحى في الجزائر. أما أنا فسأتناول بالنقد مستوى اللغتين الرسميتين الأجنبيتين الاثنتين المعتمدتين في كل المراحل التعليمية التونسية مع اللغة العربية الفصحى التي أعتبرها للأسف الشديد لغة غريبة في تونس وربما تكون في وطنها أكثر انبتاتا وغربة من الفرنسية خاصة في أوساط المثقفين. يبدو لي والمختصون في العربية أعلم مني أن الفرنسية هي اللغة الأولى في التعليم العلمي التونسي خاصة في مرحلتيه الأخيرتين الثانوية (كل المواد العلمية تُدرّس بالفرنسية) والجامعية (كل الشعب العلمية في الجامعة دون استثناء تدرّس بالفرنسية) والفرنسية هي لغة الأنترنات عندنا بعد الأنڤليزية وقبل العربية لدى المُبحِرين افتراضيا وهي لغة التجارة لدى الحِرفيين والمستهلكين (خاصة لدى تجّار المواد الحديدية والصحية وقطع الغيار والأثاث العصري والآلات الكهرومنزلية والمواد الفلاحية من أسمدة وأدوية وآلات و"ماركات" الأغذية المعلّبة كبسكويت "ڤوشو" وحليب "ديليس" وعصير "تروبيكو" وغيرها من الأسماء الأجنبية الدخيلة التي لا تُحصى ولا تُعد) وهي لغة البحث العلمي عندنا في تونس بعد الأنڤليزية وهي لغة الأدب العالمي والتاريخ العربي الذي أثراه المستشرقون بدراساتهم وبحوثهم القيّمة ولغة الفلسفة الحديثة ولغة المخترعين المبتدئين في تونس.

1.  أبدأ بالتذكير بالأوهام الأربعة السائدة لدى العرب حول لغتهم العربية الفصحى:

- الوهم الأول يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغةً-أمّ  (Langue maternelle)  والواقع المعيش يرشَح بغير ذلك، فاللغة الأم هي اللغة العربية الدارجة المتداولة باختلاف لهجاتها في الدول العربية الاثنتان والعشرين.

- الوهم الثاني يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة حضارة عالمية، كانت كذلك في القرون الهجرية الثلاثة الأولى (القرن السابع والثامن والتاسع ميلادي) وبقيتْ بعضُ جمرات نارها تنير دربنا حتى القرن السادس هجري (الثاني عشر ميلادي) ثم انطفأت آخرها مع موت الفلسفة الناطقة بالعربية مع موت ابن رشد سنة 1198 ميلادي.

- الوهم الثالث يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى المعجمية المستعملة اليوم لغة قادرة على تعريب واستيعاب مصطلحات التكنولوجيا. رفض النحويون العرب الأوائل إثراء لغتهم الفتية بتبني مصطلحات الحِرَفِيين الأعاجم (فرس وأتراك وبربر وغيرهم من الدول المفتوحة عنوة بحد السيف) بدعوى المحافظة على شاعريتها وصفائها وعذريتها فكيف ستقدر على فعل ذلك وقد هرمت اليوم، لكنني في الوقت نفسه -وقد ييدو موقفي هذا للبعض متناقضا- لا أشك لحظة في مستقبل القدرة الاشتقاقية المحتملة للغة العربية الفصحى في تعريب واستيعاب مصطلحات التكنولوجيا الحالية والقادمة لو توفرت المبادرة الشجاعة لدى اللغويين المختصين العرب لتحديث لغتنا وتحيينها وعصرنتها.

- الوهم الرابع يتمثل في اعتبار اللغة العربية الفصحى لغة حية معاصرة. كيف تكون حية ومعاصرة، لغة يحتقرها أصحابها ويتباهون ويتجمّلون بالتكلم بمنافِساتِها الأجنبيات، لغة لا ينتج مستعمليها علما ولا تكنولوجيا ولا فنا راقيا ولا يمثلون وزنا في الاقتصاد العالمي إلا كمصدِّرِين سلبِيّين للنفط الخام. والله لو لم تكن لغة القرآن والشِّعْر لَمَاتت واندثرت وورثتها وعَوّضتها اللغة الدارجة منذ قرون كما ماتت قبلها اللغة اللاتينية وعوضتها تدريجيا اللهجات الدارجة كالفرنسية والإيطالية في بداية القرن الرابع عشر ميلادي (الانجيل كُتب لأول مرة بالآرامية، لغة المسيح عليه السلام، لغة ماتت منذ زمان ولا يستعملها اليوم إلا بعض الباحثين أو سكان قرية معلولة بالاضافة إلى قريتين أخريين في سوريا.

2. بعض أسباب تدني مستوى العربية لدى تلامذتنا التونسيين:

- "عند التحاق الطفل بالمدرسة لأول مرة ينتقل من الوسط الأسري وله في جعبته من المكتسبات رصيد لغوي لا بأس به من اللغة يستعمله في تواصله اليومي للتعبير عن حاجته واهتماماته، وهذا يُعد عاملا مساعدا على اكتساب اللغة العربية الفصحى. ورغم ذلك لا يجد سهولة في التحدث أو التحرير بالعربية الفصحى."

أنا أقول: ربما بسبب ذلك وليس رغم ذلك، يعني أن هذا الرصيد اللغوي غير الفصيح والفقير فقر الدارجة (حسب إحدى المختصات في اللغة: تحوي الفصحى على ستة عشر ألف مفردة أما الدارجة فلا تحتوي إلا على ثلاثة آلاف مفردة فقط) قد يكون عاملا عائقا وليس عاملا مساعدا كما يرى الكاتب بوطيبة جلول من جامعة بن باديس في مستغانم بالجزائر. يأتي الطفل التونسي إلى المدرسة وهو يتكلم جيدا العربية الدارجة التونسية فيجد نفسه مبتدئا في تعلم الفصحى ويُفاجأ بـ"السردوك" قد أصبح بالفصحى ديكًا و"القطوس" أضحى قطَّا.

- "تَساهُل المعلمون أنفسُهم مع اللغة العربية عند مخاطبتهم للمتعلمين أو التواصل معهم أثناء العملية التعلمية باعتبار أن اللغة محاكاة وتقليد الطلاب لأساتذتهم، فما بالك بذلك الطالب الذي يرى أستاذه لا يتحكم في اللغة ؟".

أنا أقول: منذ تعريب تدريس العلوم في التعليم الأساسي (الابتدائي والإعدادي)، قررت وزارة التربية التونسية تدريسها بالعربية الفصحى، لكن رغم وضوح التعليمة الوزارية لا يزال بعض معلمينا وبعض أساتذتنا يستعملون الدارجة في القسم بدعوى مساعدة التلميذ على فهم العلوم وكأنّ العلوم لا تحتاج إلى وعاء العربية الفصحى (للأسف الشديد في واقعنا العلمي التونسي، لا يحتاج المختص في العلوم للفصحى ولا للدارجة لأنه ببساطة يدرس كل العلوم بالفرنسية في الثانوي والجامعة) والمفارقة أن الامتحانات تُكتب بالفصحى ولا تُفسر بالدارجة في أول الامتحان داخليا كان أو وطنيا وهذا التمشي الخاطئ المتّبع من قِبل بعض مدرسينا قد يضرّ بالتلميذ ولا ينفعه البتة. امتد هذا الاستخفاف العام باللغة الحاوية والناقلة للعلم سواء كانت الفرنسية أو العربية ووصل إلى الفرنسية التي تُدرّس بها رسميا العلوم في التعليم الثانوي، والمتهم الرئيسي -حسب رأيي- هو مدرس العلوم في الثانوي الذي يتحتم عليه رسميا تدريسها بالفرنسية لكن بعضهم فضّل تدريسها بالعربية الدارجة لنفس الأسباب الواهية التي يتحجج بها مدرسو العلوم في التعليم الأساسي. زد على ذلك أن هذا التمشي أضرّ بتعليم اللغة نفسها أكثر من ضرره بتعلم العلوم لأن تعليم اللغة العربية أو الفرنسية هو مسؤولية يتحملها مدرّس العلوم كما يتحملها مدرّس اللغة.

- "أسباب من خارج المحيط المدرسي: 1 - الدور السلبي الذي تلعبه الفضائيات العربية الوطنية والإقليمية حيث أن أغلب البرامج المحببة لدى الأطفال والمسلسلات والحصص المتنوعة تقدَّم باللهجات أو بالعاميات أو بلغة عربية هابطة، رغم أن هناك قنوات أجنبية بريطانية وروسية وحتى صينية تبث بلغة عربية راقية. 2 - رؤية الشارع العربي إلى كل مَن يتكلم العربية الفصحى في الشارع أو في البيت بنظرة غير لائقة."

أنا أقول: إضافة إلى الأسباب الداخلية مثل السياسة التربوية التونسية الفاشلة منذ ثمانينات القرن الماضي أو التكوين الناقص الممنهج لرجال التعليم ونسائه المتمثل في إلغاء مدارس ترشيح المعلمين والأساتذة، نجد أيضا أسبابا خارجة عن الوطن نفسه ونذكر منها على سبيل الذكر لا الحصر: اللغات العالمية المنافسة كالفرنسية والأنڤليزية وما تحمله وراءها من مصالح استعمارية ثقافية واقتصادية واِملاءات البنك العالمي والدول المانحة وتأثيراتهم السلبية المحتملة على المنظومة التربوية التونسية.

- "اللغة الوطنية والرسمية وهي من أهم وسائل الارتباط الروحي بين أبناء الوطن والأمة والمقوّم الأساس للشخصية الجزائرية".

أنا أقول: أتفقُ مع الكاتب في المضمون لكن أسأله: هل اللغة العربية الفصحى تمثل اللغة الوطنية والرسمية في البلدان العربية ؟ حسب رأيي المتواضع علميا، يبدو لي أن اللغة الوطنية هي العربية الدارجة بلا منازع أما الفصحى فهي لغة رسمية لكنها ليست وطنية لأن الشعب لا يستعملها في حياته اليومية بل يستعمل الفرنسية أحيانًا أكثر منها.

- "إننا نركّز على تحسين مستوى العربية لأن المسألة تُعد في ضوء التربية الحديثة وسيلة تواصل وتفاهم، لذا يجب على المتعلم أن يعرف بأنه يتعلمها لأنه في حاجة ماسّة إليها في حياته".

أنا أعلّق قائلا: لو كان المواطن العربي الدارس وغير الدارس في حاجة ماسة للعربية الفصحى كما يؤكد الكاتب مجانا لأقبل عليها وتعلمها إن لم يكن من باب الأصالة الإسلامية أو القومية العربية فعلى الأقل يتعلمها ويتقنها من باب المصلحة والمنفعية والبراڤماتية والأنانية. لكن الواقع المعيش يقول عكس ذلك حتى في الجزائر نفسها أين يُدرّس علم الطب باللغة الفرنسية فيتيه طالب سنة أولى طب ويشقى في تصفح المراجع الفرنسية بسبب دراسته العلوم باللغة العربية من السنة أولى ابتدائي إلى غاية الباكلوريا على مدى ثلاثة عشر سنة متتالية، يتحصل على الباكلوريا علوم بملاحظة جيد جدا وهو لا يتقن اللغة الفرنسية ولا يمتلك زادا لغويا علميا بالفرنسية، أصبحت اللغة العربية لديه إذن عاملا عائقا وليس عاملا مساعدا في دراسته الجامعية في اختصاص الطب وقِس على هذا المثال وعمِّمه على كل الاختصاصات العلمية المدرّسة بالفرنسية في التعليم الجامعي الجزائري وما أكثرها. أما عن مدرّسي العلوم بالعربية في التعليم الأساسي والثانوي الجزائريين والمتعاونين الشرقيين المعرّبين، فعن حالهم المعرفي من الأفضل ألا تَسَلْ، جلهم لا يتقن الفرنسية ولا الأنڤليزية ولا توجد مراجع أو مجلات علمية معتبرة مكتوبة بالعربية ولا يستطيعون الاطلاع على النشريات العلمية الحديثة الصادرة باللغات الأجنبية فتصبح العربية عائقا في طريق تكوينهم الذاتي مما يؤثر سلبا على مِهَنيتهم ويترك نقاط ضعفٍ في تكوين تلامذتهم. يحدث الاستثناء ويتحسن المستوى اللغوي لأولاد العائلات الغنية الذين يتابعون تعليمهم الأساسي في بعض المؤسسات التربوية الخاصة باهظة الثمن التي تعتمد البرنامج الفرنسي في تدريس اللغة الفرنسية والبرنامج الأنڤليزي في تدريس اللغة الأنڤليزية.

لنأخذ مثلا تونسيا: يبدو لي أن الطبيب التونسي الذي لا يتقن العربية الفصحى تعبيرا وكتابة لم يفقد شيئا يندم عليه أو يتحسر ولن يحس في حياته بأي نقص، يخاطب مرضاه بالدارجة أو بالفرنسية، يكتب وصْفته بالفرنسية فيقرؤها أي صيدلي من بنزرت إلى بنڤردان، يشارك في المؤتمرات ويلقي محاضراته بالفرنسية أو الأنڤليزية، يقرأ ويطّلِع على أحدث المجلات الطبية بالفرنسية، يكتب وينشر مقالاته باللغات الأجنبية، فبماذا ستساعده العربية الفصحى لو كان يتقنها ؟ ربما بالعمل في الخليج أو إلقاء محاضرة في مؤتمر علمي عربي في السعودية أو في اليمن السعيد !

لنأخذ جدلا مثلا آخر دون تعميم غير علمي :  يبدو لي أن المثقف العربي الذي درَس اختصاصه بالعربية الفصحى والذي قد يكون لا يحذق لغة أجنبية فلن يجد في متناوله إلا إنتاجا علميا ضحلا -هذا إن وُجِدَ- فمآله التقوقع داخل تاريخه العرقي والديني أو استحضار الماضي المجيد للحضارة العربية الإسلامية. وهمٌ قد يمنعه من بناء حاضره واستشراف مستقبله. كسلٌ فكريٌّ قد يُعَدّ من أحد الأسباب التي جعلت العِلم يهجر لغتنا وديارنا إذْ لم يجد في اللغة العربية وعاءً أو حاملاً فذهب يبحث عن أوعية تحمله في لغات أخرى في بلدنا أو في بلدان أجنبية.

إمضائي

لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى، وعلى كل مقال قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي.

ملاحظة هامة:

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 8 أفريل 2015.


 

لم أسمع في حياتي عن لغة قدّسها الله وسَخِرَ منها أهلها في الواقع ومجّدوها في كتبهم، أعني بها اللغة العربية الفصحى ضحية العرب لا غيرهم

 

لكي تبدع وتجدد في الأدب العربي، عليك أن تتقن لغة أجنبية: طه حسين، توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، نزار قباني، محمود المسعدي، توفيق بكّار، محمود درويش...

أقولها بكل أسف: في تونس، لغتنا الأم ليست العربية الفصحى بل هي العربية الدارجة، ولغة تدريس العلوم الأولى هي الفرنسية وليست العربية.

لَولا القرآن الكريم لماتت اللغة العربية الفصحى كما ماتت زميلاتها، الآرامية واللاتينية والإغريقية.

النموذج الصادقي كان نموذجا نصف معرّب (bilingue du primaire au supérieur)، واليوم أصبح التعريب مشوها: "هربنا من القَطرة جينا تحت الميزاب".

اللغة العربية الفصحى، ساهم في صقل نحوها وصرفها وانتشارها العرب والعجم (فُرس، تُرك، هنود، إلخ). اليوم تخلى عنها الأعاجم وهجرها أهلها.

انطلاقًا من تجربتي مع ترجمة مقالات جريدة "لوموند ديبلوماتيك"، أقترح تدريس الترجمة في الثانوي كمادة مستقلة من قِبل أساتذة يتقنون اللغتين.

اللغة العربية الفصحى، رحمها الله ولم يرحمها أهلها.

قال لي: كيف تقول أنك تعشق العربية وتعلق على تدويناتك بالفرنسية ؟

99%من مقالاتي منشورة بالفصحى فاعذروني في الـ1% خصصتها للفرنسية اعترافا بجميلها عليّ.

 


الرجلُ، أصابَه الوَجْدُ في الكِبرِ، عَشِقَ في نفسِ الوقتِ صبيةً فرنسيةً وعجوزًا عربيةً !

 

-       العربية، أهلها محافظون، في صِباها خَطَبَ وِدَّها عُشّاقٌ كثيرون، عجمٌ وعربُ، بيضٌ وسُودُ، بدوٌ وحَضَرُ، مسلمون ويهودٌ ومسيحيون، هندوسٌ وبوذيون، أكرادٌ وبربرُ، فُرسٌ على أتراك على بيزنطيين على هنود على أسبان، فتنتهم بجمالها الأخّاذ، لكن لم يدخل خِدْرَها أحدٌ.

-       الفرنسية، أهلها متحرّرون، كل مَن عشقها دخل خِدْرَها ووضع على خدّها قُبلةً.

-       العربية، "ابنةُ عمّي وحبها يجري في دمّي"، سُمّيتْ عليَّ قبل ولادتي.

-       الفرنسية، لقِيتها لأول مرة وأنا عمري ست سنوات ورافقتني مدى الحياة.

-       العربية، مرافقتها للنزهة اليومية لم تعد تغري إلا عشاقها الولهانين، ولو لم يفقْ أولياء أمرها من سبات أهل الكهف لكان مآلُها كمآلِ التحف النادرة، متحف اللوفر بباريس.

-        الفرنسية، تُزين الصالونات وأفواه الحسان وعشاقها من غير ناسها متواجدون في كل مكان، أفارقة وعُربان.

-       العربية، تزوّجت، ولمدة وجيزة، كل فلاسفة الإغريق ثم طلّقتهم بالثلاث جميعًا.

-       - الفرنسية، جدّها القانون الروماني وجدتها الفلسفة الإغريقية، قاطعتْهما قرونًا، ندمت فرجع الدرّ إلى معدَنه.

-       العربية، سِنّها لا يعيبها بل يُزينها، على أقل تقدير عمرها تقريبًا عشرون قرن.

-       الفرنسية، صِغَرُها وسامٌ على صدرِها، عمرها تقريبًا خمسة قرون.

-       العربية، جدودُها كُرَماءُ، لكن النار للسف خلّفـتْ رمادًا. أما أهلها اليوم فهم بخلاء ينقصهم الجَهدُ والعطاءُ، ظلموا الفتاة حتى صارت عانسًا هفاة، خذلوها، وبجهازٍ رَثٍّ جهّزوها، وكالمومياء حنّطوها وعلى الرفوف وضعوها، ومن التثاقف حرموها، وبعنوسة أبدية أصابوها، فهَجَرَها العشاق ولولا نسبها القرآني لتركها القاصي والداني. هل عرفتموها ؟

-       الفرنسية، هجينة وأصلُها مزدوج، أما أهلها اليوم فقد صانوها وبأفضل جهازٍ جهّزوها وبكساء العقل والعلم كسوها ولعيون العالمين عرضوها وبتعدد الأزواج وعدوها. هل عرفتموها ؟

-       في النهاية، لكم مني هدية هي مفتاح الحكاية والقضية: حبيبتاي الاثنتان، العجوز والصبية، يشتركان في نفس الجذر الذي نسميه "المنطق" (لغة -logos ).

 

 


 

ملاحظات في محلّها حول فعل "تَرْجَمَ" ؟

 

 

-       هنالك مَن يترجم نصّاً ذاتيّاً. لا تثريبَ عليه إذا اجتهد وأخطأ بسبب عدم إلمامه باللغتين سوى نصحه بالاجتهاد أكثر.

-       هنالك مَن يترجم نصّاً لغيره ويذكر المصدر، لكنه يخطئ في الترجمة بسبب عدم إلمامه باللغتين. لا تثريبَ عليه إذا اجتهد وأخطأ بسبب عدم إلمامه باللغتين سوى نصحه بالاجتهاد أكثر.

-       هنالك مَن يترجم نصّاً لغيره ويذكر المصدر، لكنه يحرّف النص الأصلي لتحقيق أغراض إيديولوجية. هذا الفعل يُسمَّى تجنٍّ مُبَيَّتٍ على الكاتب الأصلي وهو فعلٌ غير أخلاقيٍّ ويعاقِب عليه القانون.

-       هنالك مَن يترجم نصّاً لغيره وينسبه لنفسه. هذا الفعل يُسمَّى "سرقة أدبية" (Le plagiat) وهو فعلٌ غير أخلاقيٍّ ويعاقِب عليه القانون، والسرّاق موجودون في الجامعة (ماجستير ودكتورا) وفي المركز البيداغوجي التابع لوزارة التربية (بعض مؤلفي الكتب المدرسية) ووسائل الإعلام (بعض الصحفيين) وخاصة عند مدوّني الفيسبوك.

-       هنالك مَن يترجم نصّاً لغيره ويذكر المصدر، لكنه يؤقلم النص الأصلي ويكيّفه ويتونسهعن قصد

Indigénisation du texte (التأصيل). C’est ce que je pratique souvent, et c’est pourquoi je tiens toujours à mentionner à la fin la précision suivante : source d’inspiration.

خاتمة: يبدو لي أن كل ترجمة لا يمكن أن تخلوَ من نوعٍ من الخيانة للنص الأصلي لأن لكل لغة خصوصياتها (أصلها، تاريخها، تطوّر مفاهيمها، إلخ.).

 


 

انطلاقاً من تجربتي الخاصة، ما الفرق بين ما يُنشر باللغة العربية وما يُنشر باللغة الفرنسية في الكتب ووسائل الإعلام (Tv, journaux, fb, YouTube)

 

للأمانة: قراءاتي بالفرنسية أكثر بكثير من قراءاتي بالعربية، لذلك قد تكون شهادتي غير قابلة للتعميم لكنني سأرويها دون خلفيات إيديولوجية.

 

الفلاسفة والمفكرون الذين استمعتُ لهم وقرأتُ لهم

M. Serres, M. Onfray, F. Burgat, A. Maalouf, R. Gori, A. Prochiantz, G. Haarscher, J. Baubérot, G. Kepel, A. Jacquard, C. de Duve, H. Atlan, R. Aron, Z. Bauman, E. Morin, etc.

كلهم لا يكتفون بالسهل والظاهر بل يغوصون في اللُّجُّ  ويدركون قعرَه ويحفرونه بحثاً عن الدرر الكامنة. يحفرون بواسطة أدوات حفر حديثة (الإبستمولوجيا، الأنتروبولوجيا، البسيكولوجيا، إلخ.). قرأتُ لآخرين غيرهم ولم أفهم نصوصَهم جيداً

L'Être et le Néant de Sartre, le Capital de Marx, La Formation de l'esprit scientifique de Bachelard, Les Mots et les Choses de Foucault, etc.

 

أما المفكرون العرب فأغلبهم كتّابٌ عُزَّلٌ من أدوات الحفر الحديثة لذلك تراهم يكتفون بنبش القشرة ومَن لا يكِدُّ فطبيعي إذن ألا يجدَّ. ومَن كان منهم دارسًا لِلعلوم المذكورة أعلاه ومتشبّعاً بها فهو مكبَّلٌ بالتابوهات الذي لم تعد موجودة إلا عند أمة العرب لذلك تراه يتهيّب من الغوص ويحجم عن الحفر فزِعاً حذِراً مما سيكتشِفْ !

 


 

واجب التركيز على تدريس اللغات في كل المستويات وإعطائها الأولوية في التوقيت فاللغات هي الحاملة للأفكار

 (Supports et véhicules)

 

الفيلسوف ميشال سارّ قال في تعريف اللغة الحية ما يلي:

"اللغة الحية هي اللغة التي تستطيع أن تقول كل شيء في كل المجالات المعاصرة... تستطيع أن تخلق وترتجل وتستنبط كلمات ومعاني جديدة... اللغة الحية كاليد البشرية تستطيع أن تقوم بكل الحركات المعروفة (كتَبَ، أشار، مسّد، إلخ) ولها قدرة كامنة واستعداد للقيام بحركات لا نعرفها اليوم... اللغة الحية، تُعَرَّفُ بقدرتها على الفعل في المستقبل، لا بما تفعله في الحاضر

(La langue n’est pas, elle peut…)

تموت اللغة عندما تعجز عن قول كل شيء... بين إصدار 1935 وإصدار 1992 (9e édition) اغتنى قاموس الأكاديمية الفرنسية بـ35 ألف كلمة جديدة جلها علمية وتكنولوجية".

هل لغتنا الفصحى تستطيع ؟ إذا لم تستطع فالذنبُ ذنبُنا وليس ذنبَها !

الأمم المتحدة تستعمل ست لغات رسمية والاتحاد الأوروبي يستعمل أربعًا وعشرين لغة، ونحن العرب نستعمل لغة واحدة ونعتنق دينًا واحدًا ولكننا بقينا متفرقين في إثنين وعشرين دولة.

هيمنة اللغة العربية في بعض البلدان العربية قد (قد) ينجرّ عنها ظلمًا للأقليات (الأكراد في العراق والأمازيغ في شمال إفريقيا) أما التنوع اللغوي فقد يُنعش الديمقراطية فيها.

اللغة العربية الفصحى لغة محكمة لكنها قليلة التداول خارج الدوائر الرسمية والمعرفية خلافا للدارجة (la langue vernaculaire locale).

أمثلة من الجزائر الشقيقة: "كرازاتوتوموبيل"

 (une  automobile l’a écrasé)

يتنحّاوْﭬاع": لهجة جزائرية، نحن نفهمها لكن لا يفهمها عرب المشرق.

التنوّع اللغوي في العالم، البعض يراه عقوبة إلهية لذرية آدم أما الأكثرية فتراه أساس الإنسانية وسبب من أهم أسباب ثرائها الثقافي.

"اللغة هي أداة تواصل وعلامة خارجية على الثراء المادي والثقافي وهي أيضًا أداة سلطة وهَيمنة" (Pierre Bourdieu). مثال: اللغة الأنـﭬليزية.

ازدواجية اللغة عند النخبة التونسية قد تصبح نقمة عوض أن تكون نعمة خاصة إذا تمت لصالح الفرنسية على حساب العربية. عندي أنا، وبالتجربة والتمرين أصبحت نعمة والحمد لله.

العربية الفصحى يتهددها خطران: الأول يتمثّل في نُدرة تداولها خارج الدوائر الرسمية والمعرفية. والثاني يتمثّل في أنها لم تَعدْ مُنتِجَةً للعلم ولا للتكنولوجيا.

أربعة أنواعٍ فقط من حروف الكتابة تهيمن على العالم: اللاتينية والعربية والسيريلية والصينية

(cyrillique : russe, ukrainien, biélorusse)

اليوم، لم يَبقَ في العالم إلا 7100 لغة فقط والخبراء يتنبّؤون بانقراض أكثرها خلال هذا القرن، أي في القرن 21 ميلادي سوف ينقرض منها حوالي 50 إلى 90%.

Pour en savoir plus, prière lire Le Monde diplomatique, Manière de Voir, Décembre 2022-Janvier 2023.

مفارقة كبرى:

عندنا أكبر نسبة من الأساتذة المرتقين (أول، فوق الرتبة، مميز)، وعندنا سنويا 100 ألف منقطع و7 آلاف صفر في الباك فرنسية ومثلها في الأنـﭬليزية ؟

 


 

واجب تدريس الترجمة كمادة مستقلة مع أستاذ مختص

 

عندما أصرّ على الترجمة والنشر بالعربية فإنني أدافع بصفة غير مباشرة على حق كل لغات العالم في التواجد ضد هيمنة لغة واحدة.

حسب تجربتي الخاصة في ترجمة مقالات جريدة "لوموند ديبلوماتيك" ونشرها في حسابي الفيسبوكي في العشرية الأخيرة (2012-2022)، تبيّن لي أنها حسّنت في أدائي باللغتَين. وجب إذن تدريس الترجمة كمادة مستقلة من قِبل أستاذ مختص.

ولتكون عروبيا أكثر، عليك أن تتعلم لغة أوروبية حديثة كالألمانية أو الفرنسية أو الإنـﭬليزية!

أقدّم لكم فقرة معبِّرة من كتاب "الإسلام والانغلاق اللاهوتي"، هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 2010، 376 صفحة. صفحة 28، هامشة 1: "لا توجد في اللغة العربية مراجع كافية لكي تفهم التراث العربي الإسلامي بطريقة علمية وتاريخية جادة ومسؤولة. أكاد أقول بأن المثقف الذي لا يتقن إلا اللغة العربية أصبح شبه أمي الآن!  يؤسفني أن أقول هذا الكلام ويحز في نفسي. ولكن هذه هي الحقيقة. الكتب الاستشراقية الكبرى التي تسلط أضواء المنهج التاريخي على تراث الإسلام موجودة في اللغات الأوروبية الحديثة كالألمانية والفرنسية والإنـﭬليزية وليس في اللغة العربية. إنها ممنوعة في العربية حتى الآن في قسم كبير منها على الأقل. أحيانا أقول بيني وبين نفسي: لو لم أخرج إلى الغرب وأعش تجربة أوروبا لكنت قد عشت ومت من دون أن أفهم شيئا.. كنت قد مررت في هذا العالم مرور الكرام.. كان قد فاتني كل شيء تقريبا.. أكبر جريمة تُرتكب الآن في حق الثقافة العربية والأجيال العربية الراهنة والمقبلة هي عدم وجود مركز قومي عربي للترجمة الشاملة، أي لنَقْلِ كل فتوحات العلم والفلسفة إلى لغتنا العربية. ما معنى أن تعيش وتموت من دون أن تستمتع بأنوار العلم والفلسفة ؟ ولا أستثني من ذلك بالطبع فلسفة الدين بل أضعها في المقدمة. فدين بدون فلسفة يؤدي غالبا إلى الانغلاق ثم إلى الظلامية العمياء.. وهنا تكمن مشكلتنا الأساسية. هنا يكمن الداء العضال. من سيترجم ثلاثية هانز كونغ عن المسيحية واليهودية والإسلام لكي نعرف معنى التداخل التفاعلي أو الجدلية الخلاقة بين الدين والفلسفة ؟".

قال الفيلسوف بول ريكور (1992): "أن نترجم لا يعني فقط أن ننقل من لسان شعب إلى لسان شعب آخر. بل بالآساس أن نقبل بوجود شيء من قبيل مبدا القابلية الكونية للترجمة". ثم أضاف "أن نرفع عبقرية لساننا إلى مستوى عبقرية اللسان الأجنبي". وبعبارة أخلاقية: "يتعلق الأمر أن نسكن عند الآخر، من أجل أن نقوده إلى بيتنا بصفته ضيفًا مدعوًّا". وليس من سند مناسب لهذه المهمة مثل "تبادل الذاكرات الثقافية" (المصدر: فتحيالمسكيني، الهجرة إلى الإنسانية، نشر كلمة، 2016. ص. ص. 197-198).

NB : « On ne peut jamais traduire intégralement un mot arabe, car toute traduction supprime les réseaux de communication qui lient entre eux et colorent les mots d’une même racine. Toute traduction est dès lors un appauvrissement et une distorsion » (Source : Ma Religion c’est la liberté, Mohamed Talbi, traduit par Mohamed Salah Barbouche, éd. Nirvana, Tunis, 197 pages. p. 61).


واجب إعادة النظر في تدريس العلوم بالعربية في التعليم الأساسي

 

إن المواطن التونسي المعاصر هو مترجِم بامتياز لأنه يعيش يوميا في بلد متعدد اللغات ومتعدد الثقافات. قلّما يقضي شؤون يومه بالعربية وحدها.

"لا معنى لأي تخرّص أنثروبولوجي على أي لغة قومية (وخاصة اللغة العربية الفصحى) باتهامها بكونها لا تصلح لإنتاج العلم أو بأنها لا تلائم التطور المعلومتي للعلوم أو للثقافة الغربية" (فتحي المسكيني، الهجرة إلى الإنسانية، 2016)

مبدئيًّا أنا مع تدريس العلوم باللغة العربية لكنني اليوم وبصفة ظرفية أدعو إلى التراجع عن تدريسها بالعربية في المرحلة الأساسية بشقيها الابتدائي والإعدادي وإعادة تدريسها باللغة الفرنسية (أو من الأفضل بكثير بالأنـﭬليزية) كما فعلت دولة المغرب الشقيقة حسب ما يُشاع. للأسف لغتي الأم لا تنتج اليومَ علمًا. لن يطوّر العرب لغتهم العربية نفسها ما لم يُلِمّوا بآليات تطوير اللغات الحية الأخرى، وهذه الآليات مكتوبة ومنشورة بالفرنسية والأنـﭬليزية والألمانية، والدليل أن جل مبدعينا باللغو العربية هم أناس مُلمِّون على الأقل بلغة من اللغات الأجنبية، مثل طه حسين والحكيم ومحفوظ وجعيط ودرويش والمسعدي وغيرهم والشاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه ويكفي العربية شرفا أن تكون لغة تدريس العلوم الإنسانية ناقلة قِيم هويتنا العربية الإسلامية. أضيف وأقول أن العجزَ ليس في لغتنا العربية الفصحَى بل فينا نحن العرب !

 

Prière, sachez bien que je ne suis pas contre le principe d`enseigner les sciences en arabe, ma langue maternelle avec laquelle j`écris la majorité écrasante de mes articles de vulgarisation scientifique ou autres, mais dans l`enseignement scientifique contemporain c`est différent car j`ai remarqué en Algérie (j’étais prof coopérant entre 80-88) que l`apprenant, qui étudie les sciences en arabe au lycée et la médecine à l`université en français, trouve beaucoup de difficultés à lire des revues spécialisées comme "Sciences & Vie" ou "La recherche" et cet handicap pourrait nuire à ses performances scientifiques dans le futur.

À mon avis il faut préparer un bon terrain si on veut enseigner correctement les sciences en arabe (traduction et production comme à l`époque glorieuse et florissante des abbassides, précisément la période d`Elmaamoun, pendant laquelle presque tout le savoir grecque a été traduit en arabe.). Enfin je vous rapporte que les scientifiques européens avaient étudié sans complexe les sciences arabes en arabe en Andalousie et sans complexe aussi le chercheur français contemporain est obligé d`écrire ses articles en anglais si non il ne sera ni publié ni reconnu par la communauté scientifique internationale.

 


أهم المحطات التاريخية التي مرت بها اللغة العربية في تركيا من سنة 1923 إلى اليوم ؟

 

-       سنة 1923: أتاتورك قام بعدة إصلاحات في مجال اللغة أدّت إلى نبذ اللغة العربية ومسحها من الفضاء الثقافي التركي (dérabisation).
-
سنة 1928: الحروف الأبجدية اللاتينية عوضت الحروف الأبجدية العربية التي كانت مستعملة قبل هذا التاريخ في اللغة التركية. إصلاحُ أتاتورك هذا، وصفه أردوﭬان نفسه بـ"المجزرة التاريخية".
-
سنة 1932: إعلانُ الآذان باللغة التركية ومنعِه باللغة العربية.

- سنة 1950: عاد الآذان باللغة العربية.
-
سنة 2002: بدأت اللغة العربية تسترجع مكانتها التي تستحق.

- سنة 2016: رجعت اللغة العربية إلى المؤسسات التربوية العَلمانية بما فيها الجامعات وفي عدة اختصاصات (المالية الإسلامية وعلوم الدين والعلوم الرقمية والعلاقات الدولية للطلبة العرب والأتراك.

Source : Le Monde diplomatique, juin 2021


 

اللغة العربية الفصحى واللغة الدارجة ؟

 

ملاحظة ديونتولوجية: للأمانة العلمية، لستُ مختصًّا في اللسانيات ولا في السيميولوجيا ولا أستاذ ثانوي لغة عربية، أنا أنقل وأجتهدُ فقط وأجري على الله فلا مُجِيرَ لي غيرُه.

قال جان جاك روسّو (1712-1778)، الفيلسوف البارادوكسال والمواطن الجنيفي، فرنسي القلم واللسان، أب ومؤسس البيداغوجيا الحديثة (للمقارنة والتذكير فقط: ماريا مونتيسوري-1870-1952، أمّ ومؤسِّسة البيداغوجيا العلمية أي البيداغوجيا المعاصرة)، قال روسّو: "اللغة تتشكّل حسب حاجيات المجتمع". لوموند ديبلوماتيك تضيف: "اللغة المُشَكَّلَة (la langue façonnée) تَصلح في المقابل للمحافظة أو تحنيط المجتمع في الهيكل (la   structure) أو القالب الذي أنتجها هي نفسها، واللغة ترتبط بالمجتمع في علاقة جدلية متواصلة

 (dialectique ou interaction permanente)".

تعليق مواطن العالَم:

يبدو لي أن مجتمعَنا التونسي يتعامل مع نسختين للّغة العربية، واحدة فصحى والثانية دارجة، يستعمل الأولى في المجالات الرسمية والفضاءات الدينية (الجامع، التعليم، الإدارة، الأدب، الشعر، التلفزة، إلخ.، أي لغة النخبة المثقفة فقط)، ويستعمل الثانية في المجالات غير الرسمية (الفيسبوك، الشارع، المقهى، البيت، الحب، السينما، المسرح، إلخ.، أي لغة الشعب والنخبة المثقفة أيضًا تستعملها يوميًّا خارج اهتماماتها المهنية: مثلا، الأستاذ الجامعي، يحب بالدارجة، يغضب بالدارجة، في المقهى يتكلم بالدارجة، إلخ).

إذا أردنا إذن تغييرَ مجتمعِنا، فهل نستطيعُ تغييرَه دون تغييرِ لغتِنا ؟

يبدو لي أنه من الصعب أن نغيّر النسخة الأصلية أي الفصحى

لماذا ؟

لأنها تحفةٌ فنيةٌ مُحْكَمَةُ الصُّنْعِ والجمالِ والبهاءِ (لغة القرآن).
بارادوكسالّومان: ولأنها تحفةٌ فنيةٌ محكمة الصنع لذلك بالأساس يصعب تغييرها دون تشويهها

 (En français, on dit qu’elle est victime de son succès d’antan, au moyen-âge)

لغةٌ تقريبًا أحفوريةٌ (une langue presque fossile)، لغةٌ لا تصلح إلا لأن نضعها في المتحف كما وضع الأوروبيون اللغة الإغريقية واللغة اللاتينية، جذور الفرنسية المعاصرة (على فكرة: اللغة الفرنسية الفصحى الحالية كانت لغةً دارجةً تقريبًا قبل القرن 16م).

. هل ظلمتُ اللغة العربية الفصحى ؟

لا أظن أنني فعلتُ !

ماذا تُسمِّي لغةً لا يتقنُها أغلبية أهلها ؟ (مَن يُصرّ على التحدّث في المقهى بالفصحى، يصبح كاراكوزا ومحل سخرية العامة الخاصة.

قال فيها عابد الجابري أكثر مما قال مالك في الخمر: بمعنى أنها أحاطت نفسَها بقوقعة كلسية-طينية غير نفوذة (imperméable)، وغير مستعدة للتفاعل مع حاجيات المجتمع العربي المعاصر بديمقراطيته وعلومه واكتشافاته التكنولوجيته الغزيرة والمعقدة.

لم تفعل ما فعلته اللغة الفرنسية مثلاً أي لم تستطع أن "تتشكّل حسب حاجيات المجتمع" كما عرّف اللغة روسّو.

Michel Serres, ancien membre de l’académie française, a dit : nous avons ajouté au dictionnaire de l’académie française 35 mille mots nouveaux entre la précédente version -vers 1930- et la dernière version d’aujourd’hui.
اعتذارٌ موجَّهٌ إلى زملائي أساتذة اللغة العربية الأجلاء وأخص بِالودِّ منهم ليلى حاج عمر ولسعد النجار ورفيق الطبوبي وعفيف ساسي، المستشارين اللغويين المتطوّعين الذين أشكرهم وأعتمد عليهم في تجويد لغتي في الفيسبوك: أرجو أن لا تفهموا من كلامي النقدي هذا أنني عدوٌّ للفصحى أو داعٍ لخلعها وتنصيب الدارجة مكانها، والدليل أنني بها تعلمت وبها أكتب 99% مما أنشر على الفيسبوك. ويكفي أنها لغة القرآن ولغة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى لا أعاديها ! لغة الوحدة العربية ولغة المتنبي ونزار والمسعدي وعبد الوهاب وفيروز وأم كلثوم والحلاج وابن عربي.
أما الدارجة فهي لغتُنا الحية بامتياز، وصفٌ واقعيٌّ وليس انحيازًا فكريًّا. الدارجة ينطبق عليها ما لا ينطبق على الفصحى، ينطبق عليها تعريف روسّو للغة عمومًا: "اللغة تتشكّل حسب حاجيات المجتمع". هي لغتنا في معيشنا ولا لغة لنا غيرها أما الفصحى فكأن بها حياءْ، لا نلقاها إلا في الكتبِ وعلى لسان الأدباءِ والشعراءْ !

خاتمة: أحترمُ عدم تخصصي في اللغة وأسكت عن الكلام المباح حتى لا أتمادى في الخطأ في صورة ما إذا كان كل كلامي خطأ لا يحتمل ولو نزرًا قليلاً من الصواب !

Source : Le Monde diplomatique, août 2020.


 

اللغة والدين، تعايُشٌ أم تَنافُسٌ ؟

 

المصدر:

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset &Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.

نص أمين معلوف، مقتطفات مبَعثرة (ص. ص. 170-185):

-         اللغة تحدّد الثقافة والهوية لكل فردٍ.

-         اللغة هي المنافس الأساسي للدين.

-         لا يكفي الدين وحده لتجميع مجتمعات تتكلم لغاتًا مختلفةً مثل المسلمين الأتراك والكُرد والعرب.

-         لا تكفي اللغة وحدها لتجميع مجتمعات لها أديان مختلفة مثل الأرتدوكسيين الصِّرب والكاثوليكيين الكروات والبوسنيين المسلمين.

-         كثيرٌ من الدول التي تأسست حول لغة مشتركة جَزَّءَتها حروب دينية مثل يوغزلافيا سابقًا ولبنان مهددٌ.

-         نَسَجَ التاريخ رِباطًا متينًا عبر قرون بين اللغة والدين مثل العربية والإسلام (اللغة نشرت الإسلامَ والإسلامُ حَمى العربية من الاندثار)، وبين اللاتينية والمسيحية والألمانية واللوثرية (اللاتينية بقيت والآرامية لغة المسيح انقرضت)، وبفضل العِبرِية الحديثة أسس الصهاينة دولة من عدم.

-         قد يعيش الفرد دون دين لكن يستحيل أن يعيش دون لغة.

-         قد يكون الدينُ عاملَ إقصاء للمختلف عقيدة أما اللغة فهي دومًا عامل تجميع بين المختلفين في العقيدة.

-          يستطيع الفرد أن يتكلم عدة لغات لكنه لا يستطيع أن يكون في نفس الوقت يهوديًّا ومسلما وحتى لو نجح أحدهم في الجمع بين الديانتين فسيلفظه اليهود والمسلمون في آن.

-          ستبقى اللغة حاملا أساسيا للهوية، وسيبقى التنوع اللغوي حاملا أساسيا للتنوع الثقافي.

-         لا شيء أخطر من قطع حبل السرّة الذي يربط الفرد بلغته الأصلية والدليل أن حرمان الجزائريين من التعبير بالعربية يفسر دموية حرب التحرير الجزائرية أكثر من الاستهتار بدينهم مع الإشارة التاريخية إلى أن فرنسا لم تحاول بجدية تنصيرَهم.

-         يبدو لي أن حرية اللغة أهم من حرية المعتقد: أجد حرجا في مساندة الثانية لِما قد تنشره بعض المعتقدات الرجعية من تكفير وعدوانية وكره واستنقاص من قيمة المرأة في المجتمع، وفي المقابل لا أشعر بأي حرجٍ في مساندة حق كل فرد في التعبير بلغته الأصلية.

-         صحيح أن كل اللغات لم تولد متساوية لكن سأقول في شأنها ما أقول في الأفراد أي حق كل لغة في احترام كيانها وكرامتها.


 

ما هي حصيلة عشريتين من التعريب في الجزائر: تشخيصٌ محدودٌ في الزمان والمكان ؟

 

بعد الاستقلال، ودون تَبَصُّرٍ أو تَدَرُّجٍ، اتخذت النخبة، فرنسية اللسان المهيمِنة في الجزائر، قرارًا فوقيًّا ومتسرِّعًا بتعريب جميع المواد، الأدبية والاجتماعية والعلمية، في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي، وأبقت على الفرنسية كلغة أجنبية أولى في الجامعة.  الجزائر عَرّبت تعليمها من أجل فك الارتباط مع المستعمر الفرنسي ومن أجل ترميم "الشخصية الوطنية". لكن، ويا للمفارقة، واصلت هذه النخبة التواصلَ فيما بينها بلغة المستعمر، وذلك للتميز عن الطبقات الشعبية، فأصبحت خطاباتها غير مفهومة من أغلبية الشعب المعرّبة. نخبة انتهازية مخاتِلة، تفرض التعريب على أبناء الشعب وفي نفس الوقت تبعث أبناءها للدراسة في فرنسا.

عملتُ في الجزائر كأستاذ علوم متعاون من سنة 1980 إلى 1988، وزاملتُ أساتذة علوم معرَّبين في مدينة جامعة، ولاية واد سوف بالجنوب الجزائري (قد يكون الوضع مختلفًا في الشمال). ودون تعميم، سأسوق لكم أمثلةً من بعض ما عاينتُ:

1.   زملائي، مدرِّسو علوم الحياة والأرض بالإعدادية (يتخرجون أساتذة إعدادي بعد عام واحد تكوين معرّب بعد الباكلوريا)، لا يتقنون الفرنسية، ويعجزون عن قراءة أي مجلة علمية باللغة الفرنسية مثل (Sciences & Vie ou La Recherche)، وللأسف لا توجد مجلة علمية محترمة واحدة مكتوبة بالعربية في الثمانينات. أتساءل: كيف سيُحيِّن هؤلاء المدرسون معلوماتهم وبماذا سيُفيدون تلامذتهم ؟

2.   دراسة الطب في الجامعة مفرنسة، طلبة السنة الأولى القادمون من شعبة علمية تعليم ثانوي معرّبة 100%، لا يتقنون الفرنسية ولا الأنڤليزية، يشتكون من صعوبة الاستفادة من المراجع الطبية في الجامعة وكلها بالفرنسية وبعضها بالأنڤليزية.

3.   في 1980، مدير إعدادية زيروت يوسف بقسنطينة، التي اشتغلتُ فيها زمن ذروة التعريب، كان لا ينطق في الاجتماعات إلا بلغة فولتير.

ما هي حصيلة نصف قرنٍ من التعريب في الجزائر؟ حصيلة ضَحْلَة وهزيلة جدًّا، لا حِكْمة فيها ولا عُمْق !

1.   أغلبيةٌ معرّبةٌ لا تتقن الفرنسية ولا الأنڤليزية، فلا تستطيع إذن -حتى ولو رغبت في ذلك- الاطلاع على الإنتاج المعرفي الجيد في مجالات العلم والأدب والفكر والفلسفة والفن، فتتجه مكرهةً إلى المطالعة بالعربية، فلا تجد أمامها إنتاجًا جديدًا يُذكر فيُشكر إلا المؤلفات الدينية، ولكن حتى في هذا المجال الأخير فهي لِفهمه تحتاج إلى الاستعانة بالمقاربات الحديثة في علوم الأنتروبولوجيا والإبستمولوجيا والسيميولوجيا الصادرة جلها بلغة أجنبية.

2.   وفي المقابل، نخبة مثقفة أغلبها ناطقٌ بالفرنسية، أشهر كُتاب الجزائر اليوم يُبدِعون باللغة الفرنسية، أذكر من بينهم اثنين: كمال داود، الحاصل أخيرًا على أكبر جائزة أدبية فرنسية، جائزة "ڤنكور"، والروائي يسمينه خضراء، الأكثر شهرةً ومَبِيعًا في العالم، يقول هذا الكاتب أن عدد قرّائه في سَنْغَفورَة وحدها، المدينة-الدولة، يفوق مجموع عدد قرّائه في الشرق العربي الجاهل باللغة الفرنسية. هذا لا ينفي وجود نخبة مثقفة ناطقة وكاتبة بالعربية.

 

 

 

 


 

أيها العربْ، إذا أردتُم أن تنهضَ لغتُكم انهضوا باقتصادِكم ؟

 

يبدو لي أن تكثيف تعلم لغة أجنبية (في تونس، الفرنسية أو الأنڤليزية) قد يساعدنا على تطوير لغتنا العربية ويحثنا على الإنتاج المعرفي الجيد بلغتنا ويجعلنا نتمسك ونعتز بهويتنا الثقافية أكثر، عكس ما يعتقد دعاة التعريب الشامل والعاجل. إتقان لغة أجنبية هو السبيل الوحيد للتعريف بتراثنا العربي-الإسلامي الغني والمتفتح على الثقافات الأخرى منذ نشأته ونشر قِيمنا الإنسانية المميِّزة لشخصيتنا العربية قبل وبعد الإسلام دون التفريط في إخواننا العرب المسيحيين وإبداعاتهم من جرجي زيدان إلى أمين معلوف. ودليلي على وجاهة طرحي أن جل أدبائنا العرب يتقنون لغة أجنبية وربما بفضلها ثوّروا اللغة العربية وأبدعوا في توظيفها من أمثال جبران خليل جبران، ميخائيل نعيمة، طه حسين، توفيق الحكيم، نزار قباني، إلخ.

نص هنتڤتون: "أزْيَدَ من تسعة أعشار سكان العالم سنة 1993 لا يتكلمون الأنڤليزية (لست وحدي، تبارك الله)، فكيف تريدون إذن جعلها لغة عالمية ؟ العربية يتكلمها 3,5% ، الصينية Le mandarin 15,2%، الأنڤليزية 7,6% . في الهند لا يتكلم الأنڤليزية إلا 2 إلى 4%  من الهنود. كانت الفرنسية (Lingua franca) وعلى مدى قرون في أوروبا، أي لغة تواصل ثانية مستعملة من قِبل شعوبٍ غير فرنسية مختلفة. (...) أكثر اللغات انتشارًا في العالم هي بالترتيب التنازلي: الصينية، الأنڤليزية، الاسبانية 6,1% ، الروسية 4,9% ، الفرنسية (لم تَرِدْ في الجدول أصلاً)، وهي كلها لغات موروثة عن إمبراطوريات تاريخية قوية. (...) نلاحظ اليوم أن استعمالَ أي لغةٍ وانتشارَها خارج بيئتها مرهونٌ بازدهار اقتصادِ وطنِها الأصلي، فتخلفُ العربِ اقتصاديًّا هو السبب الأساسي في عدم ازدهار لغتهم وقلة انتشارها في العالم. قوة الاقتصاد الياباني حثّت غير اليابانيين على تعلم اللغة اليابانية وكذلك حدث في ألمانيا والصين. (...) يبدو أن الصين بدأت تأخذ مكان الغرب كحضارة مهيمِنة على مستوى العالم وبالتوازي بدأت لغتُها تُزِيحُ الأنڤليزية وتعوضها كـLingua franca عالمية".

خاتمة: فالحل إذن انكشفْ وبانْ ! انهضوا باقتصادكم يا بني قومي تنهض لغتكم، ولم ولن تنهض أبدًا بالتعريب الإيديولوجي القومي العربي المتعصب الشامل والعاجل خاصة في مجال العلوم، لأن وفي هذا المجال بالذات، مجالي، التعريب الكامل يساوي التجهيل الكامل: تخيلوا طبيبًا لا يتقن لغة أجنبية فماذا سيقرأ بعربيته وكل الإنتاج المعرفي في الطب منشور بلغات أجنبية ؟ ينتظر الترجمة... المريضُ يموت... وربما يلحقه الطبيب في انتظار الترجمة الشاملة الكاملة المواكبة والعاجلة، إلخ.

لا أهدف للسخرية من دعاة التعريب الشامل والعاجل، على العكس أشاركهم حلمهم وأدعو إلى نفس الهدف، لكننا نختلف في الوسائل المعتمدة لبلوغ هذا الهدف (Et la fin ne justifie en aucun cas les moyens). هم يرون الطريقَ واضحًا وقصيرًا وأنا أراه معقّدًا وطويلاً. وخوفي عليهم وعلى الأمة العربية من عجلتهم وتبسيطهم، خوفي أن يصلوا إلى عكس ما يتمنون، أي تقوقعُ العرب على لغتهم وعوض أن ينقذوها يخنقوها من فرط حبهم الساذج لها. ومَن من العربِ لا يحب للغته المجد والخلود لكن "وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي***ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا غلابـا"، مصدر غالَب عند كشكار لا يعني القوة والعنطزة والعنتريات والتهوّر الذي يُخلّف الذل، بل يعني العقلَ والعلمَ والبحثَ والتبصرَ والصبرَ.

Référence : Samuel P. Huntington, Le Choc des civilisations, Éd. Odile Jacob, 1996, pp. 75-80

 


 

الفن

"لا أفهم اللوحات فقال لي أحد الرسّامين: "النظام التعليمي علّمك كيف تتعامل مع قصيدة عربية عمرها 1500سنة ولم يعلمك كيف تتذوق رسم لوحة فنية"

(M Zagrouba)

« Quelle est la différence entre un comédien et un acteur ?

Le comédien joue le rôle, l’acteur le vit »

 Alain Delon

Notre capitale, Tunis et sa grande banlieue, a subi un véritable génocide architectural (la frénésie des immeubles vitrés) !

"إن للفن (أنا: كما للفلسفة) أهميته في تقويض سلطة الوثوقية، وخاصة الوثوقية الدينية (أنا: لذلك نرى المتزمتين يعادون الفن والفلسفة)"

م الكيلاني

"التمثيل هو فن إتقان الكذب بالنسبة للممثل وفي نفس الوقت هو فن إتقان الصدق بالنسبة لشخصية الدور" غولشيفته فرحاني، ممثلة إيرانية عالمية France 24

 

 


 

ما هو كوجيتو الرسّام ؟ تأليف ميشال أونفري، ترجمة مواطن العالَم

 

Question : Le cogito du peintre

Définition du terme « cogito » : Cogito, ergo sum (Je pense, donc je suis) est une formule latine forgée par le philosophe René Descartes. Elle exprime la première certitude qui résiste à un doute méthodique. (Wikipedia)

"أسطورة: "سُئِل (بيكاسو) مرة: لماذا لا ترسم الطبيعة كما هي، أم أنت غير قادرٍ على ذالك ؟ أخذ ريشته ورسم قمحة طبيعية. مرّت دجاجة قرب اللوحة فحاولت التقاطها بمنقارها. التفت إلى سائله متهكِّمًا وقال: أتطلب مني أن أرسم للدجاج ؟ وحدهم الدجاج يقعون في فخ الفن. (...) الرسّام يرسم الفكرة المكتسبة والمادية والواقعية والحساسة والمجسمة، أي بنتُ عصرِها، وليس الفكرة الأفلاطونية المثالية الأثيرية الواضحة الجلية غير المتصلة بالواقع، خارج الزمن والتاريخ. بلغة أخرى يرسم إدراكه الذاتي، رؤيته، طريقته في تفحّص الوجه (Le portrait) ثم تصميمُه بهدف تصويرِه ليعبّر عنه عبر نظرته الشخصية النسبية، وليس عبر حقيقة الوجه الموضوعية غير المتوفرة. ما هو كوجيتو الرسام ؟ أنا رسمتك في خيالي، فأنت إذن موجود (Je te pense, donc tu es).

قالوا: "الرسم مات يومَ وُلِدَ التصويرُ الفوتوغرافي ؟". أكيد لا... الرسم من جديدٍ، ممكنٌ مع التصويرِ الفوتوغرافي، ليس كعدو بل كصديق، ليس كخصم بل كشريك. الرسّام يستعمل الفوتوغرافيا في رسمه.

 

Référence : Michel Onfray, La lueur des orages désirés, Éd. Grasset, 2007, p. 399.

 

 

الذائقةُ الموسيقيةُ تُكتسَبُ ولا تُورَّثُ !

 

الروائي فيكتور هوﭬو قال: "الكبير الأنـﭬليزي هو شكسبير والكبير الألماني هو بتهوفن".

أضيفُ: والكبير الفرنسي هو هوﭬو والكبير التونسي هو ابن خلدون.

سمعتُ عنهم الأربعة، قرأتُ (Les Misérables & Le dernier jour d`un condamné) لكنني لم أقرأ شكسبير ولا ابن خلدون ولم أسمع بتهوفن إلا عبر فيروز.

مَن لا يتقن اللغة الأنـﭬليزية مثلي، أعتبره مصاباً بـفقر الدم الثقافي، ومَن لا يتذوّق السيمفونيات مثلي أيضاً، أعتبره مصاباً بـفقدان حاسة الذوق الموسيقي.

ذنبي وليس ذنبي إن تربّتْ أذني على نغمات الحضرة العيساوية في جمنة، حتى هي فيها ما يُطرِبُ.

خاتمة: الذائقة الموسيقية صفةٌ مكتسبةٌ 100% لأنها صفةٌ حضاريةٌ 100%

En interaction, certainement, avec nos gènes supports de nos caractères génétiques et épigénétiques.


 

الفنّانون في المجتمع: هل يَصْلُحُونَ لِـشيء ؟

 

أهدي هذا المقال إلى ابن أخي، الفنان الممثل، أسامة كشكار (مسلسل شْوِرِّبْ ومسلسل الحَرْقَة).

ملاحظة: من حسن الصدف أن جريدة لوموند ديبلوماتيك الشهرية الناطقة بالفرنسية، جريديتي المفضّلة، استبقتْ الجدل الدائر حاليًّا في تونس حول الفنان لطفي العبدلّي وحرية التعبير على خشبة المسرح.

الموضوع:
منذ القرن 19م والفنانون يتساءلون بِـحيرة وجودية هل سيستطيعون العيش من مردودِ نشاطهم الفني فقط، ويتساءلون أيضًا عن دورهم في المجتمع. والمجتمع بدوره يتساءل عن دور الفنان: طفيلي مُلهَمٌ ؟ مُضيفٌ للروحانيات؟ هل للفنان خصوصية تمكّنه من أن يكون مفيدًا وصالحًا للاستعمال ؟

نلاحظ اليوم تكالب السياسيين، الدساترة واليساريين والقوميين وحتى الإسلاميين، نهضة وسلفيين، على توظيف الفنانين لأغراض حزبية خاصة في حملاتهم الانتخابية.

غرّد رئيس فرنسا الحالي، ايمانويل ماكرون، مغازِلاً الفنانين: "لن يُبتكَرَ المستقبلُ إلا بفضل سلطانِ خيالِكم". أصبح الفن ضروريًّا في السياسة وأصبح الفنانون مطلوبين لخدمة السياسيين.

أصبحوا مطلوبين أيضًا في المجال التربوي ومجال التضامن الاجتماعي وحتى مجال الرعاية الصحية، ومُنحت لهم مكانة بين المهن المفيدة بل حتى بين المهن الضرورية.

هذه الضرورة الاجتماعية للفنانين، مسألة تستطيع أن تتقبّل أجوبة شديدة الاختلاف، أجوبة لم تُطرَح في السابق، لا من قِبل الفنانين أنفسهم ولا من قِبل مموّليهم ولا من قِبل الجمهور عمومًا. مسألةٌ لم تُطرَح في واقعنا العربي، لا من قِبل الفنانين أنفسهم ولا من قِبل الجمهور الفاقد للتذوّق الجمالي أصلاَ.

قبل الإسلام كان الشعراء عندنا يوظِّفون إبداعَهم للتغني بنَسب القبيلة وشرفها وانتصاراتها على القبائل العربية المجاورة والمنافسة على الماء والكلأ، وبعد أصبحوا يسترزقون من مدحِ الأمراء والسلاطين.

في عالم رأسمالي متوحش جشع أناني، عالم يفضّل المفيد والمربِح، في عالم يعاني لماذا يصلح البحث المجاني عن جمالية المعاني ؟

ومن هنا تنبثق المواقف وتتطور التصورات حول الفنانين: الفنان الملعون، الفنان الانتهازي، الفنان المتطفل، الفنان المتقوقع في برجه العاجي والذي لا ينكر انعدام صلوحيته أي الفنان المحكوم عليه بالوحدة والانعزال، الفنان السكران بمبدأ الفن من أجل الفن لا غير

لكن يبدو أن موقف الفنان الانعزالي الأرستقراطي الإرادي هو موقف مشترك، موقف يَرفض فيه الفنان الانسياق وراء نزوات الجمهور والجمهور بدوره يرفضه، موقف نتج عن الوضع السياسي والاجتماعي القائم ثم وقع التنظيرُ له، موقف مبتكَر من قِبل الطرفَين (الجمهور مرآة الفنان والفنان مرآة الجمهور)، موقف ديالكتيكي مأساوي، موقف يؤبد تصورًا سيئًا عن الفنان، الفنان الملهَم المتطفل على جمهور لا يطيقه.

في أمريكا الثلاثينيات، عصر الماكّارتيزم أو "الخوف الأحمر":
الصفقة الجديدة (le New Deal): صُنِّفَ فيها الفنانون كعمال من ذوي الكفاءات الخاصة الذين يجب أن يتلقوا أجرًا. صفقةٌ انتُدِبَ فيها 13.000 ممثل، و7.000 كاتب، و2500 موسيقي (...) انتُدبوا من أجل القيام بمهمة لفائدة الصالح العام بعيدًا عن الجرعة الإضافية من الروحانيات والفن من أجل الفن. انتُدبوا لتثقيف الشعب وتنشيط مجموعات هواة وإيصال المسرح إلى مناطق دون مسرح وتسجيل التراث الموسيقي لِسُود الجنوب الأمريكي أو تسجيل قصص معاناة العبيد من أفواه أبناء العبيد أنفسهم وتجميل الأحياء بلوحات فنية جدارية

2500 fresques.  

كل هذا من أجل إرساء ثقافة وطنية والنتيجة كانت رائعة حقا: 25 مليون أمريكي اكتشفوا المسرح لأول مرة. لكن المؤسسة الأمريكية المكلفة آنذاك برصد الأنشطة العدائية للأمة لم تر في كل هذا النجاح إلا انتشارًا وانتصارًا للفكر الشيوعي.

في الاتحاد السوفياتي في الثلاثينيات، عصر الستالينية أو عصر الواقعية الاشتراكية:

الفنان مطالبٌ بالالتصاق بالواقع ونقله كما هو ومطالَبٌ أيضًا بالمساهمة في التغيير الإيديولوجي وتربية العمال على الحس الاشتراكي، أي مطالَبٌ أن يكون الفنان مفيدًا على شرط أن يؤقلم فنه ويلائمه مع متطلبات المشروع الثوري.
في التجربتين، الأمريكية والسوفياتية، كان الهدف هو استلاب الفنان (aliénation de l’artiste) وتوظيفه لخدمة أغراض سياسية، أغراض لا علاقة لها بالفن والخلق والإبداع غير المقيد بالمنفعة الآجلة.

وتبقى الإشكالية معلقة لكنها مطروحة: كيف نتجنب التناقض التالي: نعترف للفنان بضرورته وأهميته في المجتمع دون أن نطلب منه، فردًا أو جماعةً، أن يساهمَ في بناء مجد بلاده ويثقف شعبه ويشارك في بناء الإرادة الجماعية، ودون أن نحدّ من خياله وتطلعاته، ودون المساس بأعز ما يملك، خصوصيته وحميميته.

المتنفّذون الجدد

(les nouveaux commanditaires, 1991)

 يتصورون أنهم وجدوا الحل، وجدوه في "فن الديمقراطية" وغايته الاستجابة لطلبات المواطنين واعتماد سياسة ثقافية، سياسة يصممها وينفذها الفنانون بمشاركة المواطنين والمواطنات دون انتظار مشاريع الدولة. سياسة تدعو الفنان لتبنّي مواضيع الإيديولوجيا السائدة في المجتمع والمقدّسة من قِبل "المواطَنة"

(des thèmes élus par l’idéologie dominante, sanctifiés par la « citoyenneté » et l’horizontalité)

 

سياسة أفقية تقطع مع سياسة الدولة العَمودية. علاقة أفقية مباشرة من الحريف إلى مقدم الخدمة، يصبح فيها الفنان عبارة عن مجمّل (enjoliveur) يلبّي الطلب المحلي.

خاتمة: قد يتشكّلُ في الأفقِ جوابٌ مع تأمّلات الفيلسوف أرنست بلوش (Ernst Bloch): "ويبقى في العالم جزءٌ من الحُلم لم يُستثمَر بَعْدُ، بُعْدٌ من التاريخ لم يُكتشَف بَعْدُ، رُكْنٌ من الطبيعة لم يُغتصَب بَعْد".
الإحساسُ والوعيُ بما ينقصنا وإذكاءُ الرغبة فيه، يبدو لي أن هنا، وليس هنالك، تكمنُ رَوْعَةُ المُفِيدِ - للجميعْ.

Source : Le Monde diplomatique, août 2020.


 الثقافة

الولع بالثقافة يوفر للمولع متعة فكرية، ثروة لا تنضب واستهلاكها بِـنَهَمٍ لا يضر بالبيئة، متعة قد تغنيك عن المتع المادية.

كلما ارتفع استهلاكنا للثقافة كلما انخفض استهلاكنا للسلع المادية وانخفض معه إلحاق الضرر بالصحة والبيئة.

مستقبل البشرية ليس مكتوبًا في لوح محفوظ وعلينا نحن كتابته. كيف ؟ بالثقافة ثم الثقافة. أمين معلوف !

علينا كتابة مستقبلنا بشجاعة وصبر وكرم وكرامة. كيف ؟ نجسّر ولا نكسّر، نجمّع ولا نفرّق، نرحّب ولا نقصي، نتقاسم ولا نتخاصم.

أربع تدوينات من وحي أمين معلوف

 

إنما الأمم المثقفون ما بَقُوا، فإن هُمُ ذهب مثقفوهم ذهبوا، في تونس ذهبوا إلى وجهتين، الانتهازيون في الواجهة والنزهاء مهمَّشون.

مواطن العالم

المثقفون التونسيون تعوّدوا على تصنيف بعضهم بعضًا (يساري، إسلامي، قومي، ليبرالي، إلخ) مع الإشارة إلى أن المثقف حسب رأيي، مثله مثل الفيلسوف، هو شخصٌ لا يُصنف.

لا يصح أن نرفق صفة فيلسوف بِـنعت، مثل "فيلسوف إسلامي" أو "فيلسوف ماركسي" لا يصح كذلك إضافة نعت لصفة مثقف.
المثقف مستقل أو لا يكون.

المثقف عندي كالفيلسوف متعدد الهويّات أو لا يكون.
هو مفكر حُرّ وغير منحاز لأي إيديولوجية ولا يسلم من نقده أحدٌ، لا سلطة لا معارضة.


مُرَوِّجُو الأفكار (Les diffuseurs d`idées) على الفيسبوك، أنا أختلف مع أكثرهم لكنني أحبهم جميعا وأحترمهم !

 

لماذا لا نفتح المجال واسعًا لهؤلاء المفكرين الأحرار؟ ندعوهم إلى تأثيث الندوات الفكرية على قلتها ونستضيفهم في المؤسسات التربوية من الابتدائي إلى العالي ليحاضروا (وكلهم متطوعون لخدمة الثقافة) ونعطِهم المصدح لكي يروّجوا أفكارهم وينشروا الحب والتآخي بين الفرقاء من الإسلاميين واليسارين والقوميين ويجسّروا الهوّة الوهميّة الفاصلة بين خصومٍ ما من صداقتهم بُدُّ. ويشرحوا لنا وجهات نظرهم، إن كانت موافقة لنظرتنا فزيادة خير ما فيها ندامة، وإن كانت مخالفة فذلك هو الفوز العظيم وفرصة لشحذ حُجَجِنا المنطقية وتجريبها على خصمِ منفتحِ قبل مواجهة الخصم العنيد فنستفيد منهم كما يستفيد الجسم من التلقيح. ويزرعوا القيم الإنسانية، قيم الحرية والعدالة الاجتماعية والتضامن والتعاضد والتسيير الذاتي من أجل إعادة أنسنة الإنسانية

« Réhumaniser l`humanité » comme il l`a bien dit le philosophe humaniste français Edgar Morin.

يسعدني جدا لو كانوا كلهم ضد الليبرالية أي ضد تسلط السوق الرأسمالية على المجتمع

Des anti-libéraux purs et durs, contre la droite libérale et contre la gauche libérale.

من اليسار أتوا، من الإسلام أو من القومية، لا يهم، فمعركتنا واحدة ومصيرنا واحد ومستقبلنا واحد، أما اختلافاتنا فهامة ولم ولن أدعوَ إلى تأجيلها أو ركنها جانِبَا لكنها ليست حياتية، خاصة في مواجهة الليبرالية غير الإنسانية المتوحشة التي لو لم نقاومها اليوم فلن تمهلنا إلى الغد وقد لا تترك لنا غد.

 

وعلى سبيل الذكر لا الحصر، أذكر دون ترتيب البعض ممن أعرفهم في الفيسبوك والمعذرة لمن سهوتُ عن ذكرهم دون قصد: 

Mustapha Alaoui (La raison)Selmi Nidhal (L`amour)Mohamed Mathlouthi (Le libre penseur)Mohamed Dhifallah (La sagesse)Leila Haj Amor (La finesse et le raffinement)Mokhtar Mzali (La lucidité)Belgacem Amami (La subversion),Haamdi Bechir Haamdi (La révolution)Ridha Mohamed Khaled (L`islam républicain)Faycal Elleuch (L`organisation)
Lamine Bouazizi (La gauche sociale, libertaire non libérale), Majid Belgacem (l’ouverture), Riadh Ben Mohamed (l’échange), Ramez Lazrak (le respect mutuel), Lazhar Zarzis (l'argumentaire) Said Maatoug (la gentillesse), etc

 

حمام الشط، الاثنين 11 جويلية 2016.

 

Haut du formulaire

 


 

تأملات كشكارية من وحي الكاتب "الأنارشيست-المحافظ"، الفيلسوف العظيم جورج أورويل (1903-1950) ؟ (جريدتي الشهرية المفضّلة "لوموند ديبلوماتيك"، النسخة الفرنسية، عدد أكتوبر 2019)

 

 أنا نِصْفُ مثقفٍ، كائنٌ هشٌّ عجوزٌ مهزوزٌ، منتوجٌ تعيسٌ من منتوجات هذا العصر التعيس تعاسة النمط الغربي الرأسمالي-الليبرالي الحديث، وللأسف الشديد سائد في العالم أجمع. نمطٌ جبّارْ منافقٌ قهّارْ، جبّار بـعلومٍ براءاتُ اختراعِها محتكرةٌ من قِبله وَحْدِهِ واكتشافاتُها منحازةٌ إلى مصالحه المادية الضيقة جدًّا، غربٌ منافقٌ متاجرٌ بحقوق الإنسان الغربي ضد الإنسان غير الغربي، قهّار يحرق بالنووي والكيمياوي.

 نِصْفُ مثقفٍ وأموتُ لو قُطِعت عني شهرًا واحدًا جِراية التقاعد الهزيلة، أو ألغِيَ اشتركي فجأةً في "تُوبْناتْ"، أو أغلِقت في وجهي مقهى الشيحي ذات صباحٍ، الله لا يُقدّر، أو مُنِع عنّي يومًا تهريبُ عُلبِ سجائرْ الرخيصة، أوكْسِجِينِي المفضّل !

 ليس لي رغبةٌ في العودة إلى حياة البداوة (حياةٌ أبسطُ وأنظفُ وأخشنُ)، حياةٌ تعتمد على المَشقة والجهد البدني الضروري لفلاحة الأرض أو تربية الأغنام، لكن.. لكن وبمعنى أعمق أحِنُّ إلى زمن الطفولة في جمنة الخمسينات، أحِنُّ إلى كل هذا (حياةٌ أبسطُ وأنظفُ وأخشنُ)، ومعه أيضًا "شوية" تَقَدّم حضاري، تَقَدٌّمٌ لا يتجاوزُ بشريةَ البشرْ، لكنه ليس كالذي في أمريكا أو قَطَرْ

Une croissance à la mesure de l’homme. « La vertu est le juste milieu », a bien dit un jour Aristote.

وفي الوقت نفسِه، تَقَدٌّمٌ لا يَخلقُ كائنًا مشوّهًا مثلي أنا محمد كشكار:

كائنٌ نِصْفُ مثاليٍّ-نِصْفُ واقعيٍّ، نِصْفُ مثقفٍ-نِصْفُ جاهلٍ، نِصْفُ عاقِلٍ-نِصْفُ مجنونٍ، نِصْفُ حداثىٍّ-نِصْفُ محافظٍ، نِصْفُ حضريٍّ-نِصْفُ بدويٍّ، نِصْفُ حمّام شطّي-نِصْفُ جمني، نِصْفُ ماركسيٍّ-نِصْفُ برودونيٍّ، نِصْفُ مادّيٍّ-نِصْفُ روحانيٍّ، نِصْفُ مسالمٍ-نِصْفُ عنيفٍ.

نِصْفُ ساذجٍ- نِصْفُ "مْزَوَّرْ"، نِصْفُ عربي القلم واللسان-نِصْفُ فرنكفوني القلم واللسان وأخجل من جهلي المُطْبَقِ باللغة الأنجليزية، الأكثر استعمالاً في العالم، نِصْفُ أمميٍّ-نِصْفُ قوميٍّ، نِصْفُ نُخبويٍّ-نِصْفُ ديمقراطيٍّ، مسلمٌ نِصْفُ مُلتزِمٍ-نِصْفُ عاصٍ، نِصْفُ متأصّلٍ في هُويته-نِصْفُ منبتٍّ في بيئته الحضارية الأمازيغيةِ-الإسلاميةِ-العربيةِ، نِصْفُ عالِم-نِصْفُ حالِم، نِصْفُ مفكّر-نِصْفُ "خَلْواضْ"، نِصْفُ لَبَاسْ-نِصْفُ "مُوشْ لبَاسْ"، نِصْفُ سيّدٍ-نِصْفُ عبدٍ، نِصْفُ فقيرٍ-نِصْفُ متوسطِ الحالِ، نِصْفُ-نِصْفُ أو شِبْهْ-شِبْهْ في كل شيء، حتى في يساريتي وأحلامي نِصْفُ-نِصْفُ...

 النمط الغربي الرأسمالي-الليبرالي الحديث وللأسف الشديد سائدٌ في العالم أجمع، نمطٌ قهرني، هزمني وبحبال شهواته المصطنعة كتّفني

Par des désirs non naturels et non nécessaires qui les a créés en moi.

إغراءاتُه المادية الحسية غزت جسمي وفكري: اخترقتْ مسامَّ جِلدي، عَششتْ في تلافيفَ قشرتي المخية، ونسجتْ في داخلها شبكاتٍ من الوصْلات العصبية.

Des réseaux neuronaux ou un million de milliards de synapses : l’homme neuronal.

يَصحّ فيك، أيها "النمطُ"، ما قاله المتنبي في الحُمّى:

"وزائِرَتي كأنَّ بِها حَياءاً *** فليسَ تَزورُ إلاّ في الظّلامِ

بَذَلتُ لهَا المطارِفَ والحَشَايا *** فَعافَتها وباتَت في عِظامِي".

 أيها "النمطُ"، الله لا تربحك دنيا وآخرة، لقد جعلتَ مني كيانًا نافرًا من حياةٍ أبسطَ وأنظفَ وأخشنَ ولها كارهًا ومنها ومن الحنينِ إليها مُطأطئ الرأسِ ذليلاً "حاشِمًا"، رغم أن الأنتروبولوجيا (علم الإنسان) قد قالت حول الانتماء قولتَها الفصلْ "لا حضارةَ أفضلَ من حضارةٍ، ولا ثقافةَ شعبٍ تفوقُ ثقافةَ شعبٍ آخرَ".

أعلَيتِ من مَقامِنا أيتها الأنتروبولوجيا، كعرب ومسلمين، الله يُعلِيك، ورفعتِ رؤوسَنا عاليًا أمام الغربيين العنصريين والذين عنّا كالدخان متعالين، الله يُعلِي من مقامِكِ ويُهنِئ مَنامِكِ ويُزيّن أيامِكِ، آمين يا رب العالَمين.

 أيها النمط، دلّلتني، وعلى حبك ربّيتني وعلى ألاعيبك البهلوانية درّبتني وعلى حِبالِك البائدةِ رقّصْتني ومن حليبك المغشوش أرضعتني، ثم، وعلى حين غِرّة وفي غفلة مِنِّي، غدرتني، جعلتَ مني كاراكوزَا وأضحكْتَ عليَّ "أمة لا إله إلا الله"، ومن حواسّي الستة "سَلْسَلْتَني وَسَرْسَبْتَني"، وبإرادتي شبه الحرة في براديـﭬم تَحرُّرِكَ سجنتني، قفلتَ البابَ ومعك أخذتَ المفاتيحَ وتركتني حرًّا دون عَسَسٍ كعصفورٍ في قَفَصٍ مفتوحٍ.

 خاتمة: الحمد لله أن الاستلابَ الثقافيَّ (L’aliénation culturelle) لا يُورَّثُ، ومع كل ولادةٍ جديدةٍ يولَدُ أملٌ جديدٌ.


 

هل للثقافة اليابانية دورٌ في تفسير العدد القليل من الإصابات بالكوفيد-10 مقارنة بالدول الغربية ؟ لوموند ديبلوماتيك، ترجمة وتعليق مواطن العالَم

 

قد يكون بفضل خصوصية طقوسهم الاجتماعية والثقافية التالية:

-       عادةُ وضعُ الكمامة عادةٌ متجذّرة في ثقافتهم.

-       لا يصافحون باليد.

-       لا يحضنون بعضهم البعض عند التلاقي.

-       يُحَيّون بعضهم البعض عن بُعد.

-       يتحاورون بلطف فلا ينبعث رذاذ أفواههم بقوة ولا يصل للمخاطَبِ (لو فرضنا جدلاً أن آداب الحوار لها دخلٌ في هذا الموضوع، قد نكون مجبورين بالإعتراف بأن لغة اليابانيين الذليلة-leur langue servile، هي أفضل لغة تقاوِم الجوائح).

تعليق أو سؤال إنكاري: "زعمة" هل لنفس الأسباب وصلنا نحن في تونس لنفس النتيجة (العدد القليل من الإصابات بالكوفيد-10) ؟

على عكس اللغة اليابانية الذليلة، لغتنا نحن التوانسة، أقصد اللغة العربية الدارجة، ليست لغة ذليلة بل هي لغة متهوّرة جريئة وفاحشة في جل الأحيان (كلنا لطفي العبدلي في الشارع والمقاهي والحانات والأعراس والمهرجانات، والذي لا يفحش منا لفظيًّا يُعتبر ذليلا و"خرنـﭬـة" و"موش راجل").

وعلى حد قول الفيلسوف الفرنسي والسيميولوجي رولان بارت: اللغة = فاشية، لأن "الفاشية لا تتمثل في منعِنا من الكلام بل تتجسم في إجبارِنا على الكلام". لغتنا العربية الدارجة في تونس، وخلافًا لكل البلدان العربية وخاصة الشرق أوسطية منها، لغةٌ فاشيةٌ بامتياز لأنها تجبرنا على اللجوء إلى توظيف الكلام الفاحش (بالدارجة نسمّيه "كلام زائد") في كل جملة ننطق بها ويستوي في هذا الشذوذ اللغوي الأستاذ الجامعي والأمّي وخاصة على صفحات الفيسبوك.

Source : Le Monde diplomatique, août 2020, extraits de l’article de Mizubayashi Akira, romancier, [Au japon, le poids de la hiérarchie. « Langue servile » et société de soumission], p. 1 & 16.

 


 

مَن هم "المثقفون الكبار" (“Les grands intellectuels”) ؟: الفلاسفة أم العلماء ؟

 

مَن غَيَّرَ ثقافة المجتمعات ونمط حياتهم في العالَم أجمع ؟ الفلاسفة أم العلماء ؟

هل غيّرها مَن يبحث في المخابر العلمية في الكيمياء والفيزياء والبيولوجيا والطب وعلم الوراثة، أو غيّرها مَن يبحث في المكاتب المغلقة والأرشيف فيما أنتجه البشرُ واكتشفه علماؤهم ؟

لا أرى في تونس أن مفكرينا الكبار (أمثال الطاهر بن عاشور، الطاهر الحداد، هشام جعيط، عبد المجيد الشرفي، عبد الوهاب بوحديبة، محمد الطالبي، أبو يعرب المرزوقي، حمادي بن جابلله وغيرهم) قد غيّروا ولو قليلا من نمط عيشِنا، وفي المقابل أرى واضحًا أن علماء غربيين كبار (فليمنڤ مكتشف البنسيلين، توران مخترع الحاسوب، زوكاربيرغ مصمم الفيسبوك وغيرهم) قد قلبوا نظام حياتنا اليومية وحياة العالمين رأسًا على عقب.

وهل لنا، نحن العرب، المقيمون في الدول العربية، فلاسفة وعلماء ؟

فيما يخص العلماء الكبار منتجي المعرفة، أكاد أجزم أن عالمنا العربي لم يُنجِبْ ولو واحدًا أحدًا منهم منذ عشرة قرونٍ أو أكثرَ، أما فلاسفتنا وما أكثرهم فهم يجترّون ما ألّفه فلاسفة الغرب منذ خمسة وعشرين قرنًا، أي مند سقراط وأرسطو وأفلاطون.

أرجو أن لا تُحاجِجُونني بأسماء مثل أحمد زويل وفاروق الباز ومحمد أوسط العياري، فهم علماء غربيون، من أصلٍ ونشأةٍ عربية، اشتغلوا وبحثوا في مخابر غربية، ودرّسوا وكتبوا ونشروا بِلغاتٍ غربيةٍ، وأقاموا في دولٍ غربيةٍ أكثر مما أقاموا في دولهم الأصلية. المسألةُ إذن هي مسألةُ محيطٍ وليست مسألةَ عِرقٍ أو جنسيةٍ، كما كان في القديمِ علماء ينتمون للحضارة العربية-الإسلامية وهم من أصلٍ فارسيٍّ مثل أبو علي الحسين ابن سينا وعمر الخيّام.

خاتمة: العطالةُ الفكريةُ تكمنُ دائمًا في الأنظمة العربية السياسية والتربوية وليست في العِرقِ العربيِّ.

L`idée principale de cet article est inspirée de Michel Serres, Hominescence, Ed. Le Pommier, 2001, p. 235.

حمام الشط، الأحد 12 نوفمبر 2017.

 

Liste non exhaustive des grands intellectuels qui m’ont beaucoup inspiré :

1.   Pierre Clément (mon ancien professeur préféré et mon directeur de thèse UCBL1, 2007)

2.   Amin Maalouf (mon romancier préféré)

3.   Henri Atlan (mon théoricien biologiste préféré)

4.   Albert Jacquard (mon épistémologue préféré)

5.   Christian de Duve (mon biologiste préféré)

6.   Alain Prochiantz

7.   Roland Gori  (mon psychanalyste préféré)

8.   Boris Cyrulnik (psychanalyste)

9.   Michel Onfray (mon déboulonneur de statues préféré)

10.                 Michel Serres (mon philosophe préféré)

11.                 Gaston Bachelard

12.                 Mohamed Ali Amir-Moezzi

13.                 Malek Bennabi

14.                 Gilber Naccache (ma gauche préféré)

15.                 Guy Debord

16.                 Alain Deneault

17.                 Abdallah Aroui

18.                 Shlomo Sand

19.                 Edgar Morin

20.                 Raymond Aron

21.                 Karl Marx

22.                 Friedrich Engels

23.                 Jean-Paul Sartre

24.                 Simone de Beauvoir

25.                 Nawel Saadaoui

26.                 Abdelmajid Charfi

27.                 Jacqueline Chabbi

28.                 Hachem salah

29.                 François Burgat

30.                 Mohamed Ikbal (non lu directement)

31.                 Ali Chari’ati

32.                 Le Monde diplomatique (mon journal mensuel préféré)

33.                 Habib Ben Hmida (philosophe de Hammam-Chatt)

 

 

 


 

شَرُّ البلية في المجتمع التونسي هُمُ أنصافُ المثقفين !

 

أعني بهم المدرّسين بجميع اختصاصاتهم (ابتدائي وثانوي وعالٍ) والأطباء، والمهندسين والمحامين والصحفيين والإعلاميين والخبراء والمحللين السياسيين والدعاة وأئمة المساجد والأمّيين المستنيرين، إلخ.

كلهم ناقلو معرفة وليسوا منتجيها، والمثقف حسب اجتهادي هو منتج للمعرفة أو لا يكون، متمكن من فرعٍ من فروع الفلسفة، يشتغل عليه دوماً ويوظفه في كل مجالات المعرفة.

أنصافُ مثقفينا لم ينجحوا في تغيير أنفسهم ولا فلحوا في تغيير الغير. المصيبة أنهم يمثلون الأغلبية الساحقة في أحزابنا، سلطة ومعارضة.

قَدَري أنني أنا أيضاً مثلهم نصفُ مثقفٍ، ويا ليت اعترافي هذا كان من باب التواضع، إنه الحقيقة المرّة، حقيقة مَن يدخل مجال الثقافة وهو في سن الخمسين، لكنني لم أيأس بعدُ من الخروج من هذه الطبقة نصف-مثقفة البائسة التي تتكون من فئتين اثنتين: فئة تحكمنا متكونة من مثقفين جهلة بالعلم (خرّيجو العلوم الإنسانية)، وفئة تأتمر بأوامر مَن يحكمنا متكونة من رجال ونساء علم غير مثقفين (خرّيجو العلوم الصحيحة والتجريبية).

 

 


 

طوفان.. طوفان.. ولا سفينة في الأفق !

 

Pamphlet anti-politiciens de tous bords

للأمانة الأدبية:

هذه الصرخة أسفله، صرختي أنا، صرخة مستوحاة من مقال "الطوفان والسفينة" لــنجيب محفوظ في الأهرام بتاريخ 14 ماي 1987، ص 31 من كتاب "حول العلم والعمل"، أعَدَّه للنشر فتحي العشري، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى، 1996، 223 صفحة.

خطاب من مثقف فقير مغمور ومهمّش، موجّه إلى ممثلي السلطة في تونس قبل وبعد الثورة:

إنكم تحثونني دومًا على تصديق وعودكم وأقوالكم التي تنفثونها صباحًا مساءً في قنواتكم التي تملكونها في القطاع العام والخاص، يا مَن صمَمْتم آذانكم على صرخة المظلوم وترتعدون جزعًا لصرخة أسيادكم من الداخل والخارج، يا مَن لم يردعنّكم دينٌ أو قانون، يا تجار الأوهام الدينية و الأوهام الديمقراطية، يا أعداءَ العدالة الاجتماعية، يا أحطَّ من دود الأرض، يا طفيليات الجسم الإجبارية، يا أمرّ من الانتظار، يا قدرًا مُقدّرًا علينا من البشر، يا شؤمًا في الغداة والرواح، يا ظلمًا لم يكتبه الله لنا، يا سنّة لم يفرضها الرسول علينا، يا قمرًا أكمد لا يضيء، يا شمسًا حارقة لا تنير، يا بلاءً لا ثواب يتلوه، يا وطنًا فرَّ منه أولاده وبناته في قوارب الموت، يا زارعي الإرهاب في ربوعنا، يا مَن قتلتم الحلم في أعين صغارنا وسرقتم اللقمة والبسمة من أفواهنا، يا مَن تحالفتم مع أعدائنا وقزّمتم رموزنا ودجّنتم مثقفينا.

إني والله يائسٌ منكم تمامًا، متشائمٌ حتى الثمالة، لا ثقة لي البتة في قول أو فعل قد يصدر عنكم، ولا في رجل أو امرأة تنطق باسمكم، ولا في تاريخ أنتم أو جدودكم فيه أبطالٌ. أحقِد عليكم حقدا وجوديا، والله العظيم لو لم يحتسب الله حسنة لي غيره لدخلت فيه الجنة !

تعلمتُ واجتهدتُ ونلتُ أعلى الشهادات في أرقى الجامعات الفرنسية، ولم ألحَق بالجامعة بسبب محسوبيتكم فحولتموني من أستاذ ناجح محتمل إلى جليس مقاهي كسول مبتذل، الله لا يسامحكم ! كتبتُ عشرات الكتب بعد الاثني عشر المطبوعة على حسابي الخاص، لم يُنشَر إلا اثنان منها بسبب عدم تشجيعكم للمثقفين الأحرار. عملتُ ثماني وثلاثين سنة في مؤسساتكم وتقاعدتُ بمرتب لا يشبع ولا يُغني ولا يحقق لي العيش الكريم، عشتُ محروما من مطالب الحياة الأساسية كالصحة المجانية والسفر وشراء الكتب والمشاركة في بناء غد أفضل لي ولأبناء وطني. اقتلعتم من قلبي الأمل وسجنتموني في بلد كئيب مملوء بالزبالة واللصوص والانتهازيين من جهة، وبأصحاب المليارات العابثين والمسؤولين الفاسدين من جهة أخرى، سجنتموني في مجتمع متدين حتى النخاع لكنه في أغلبه ضعيف الإيمان عديم الضمير، مجتمع أرضعتموه الخداع والنفاق ومَن تربّى على شيء فلن يَكتسِبَ غيرَه، مجتمع ينادي بلسان كاذب بسيادة العدل والقانون علنًا، ويمارس المنكر سرًّا، مجتمع يصلي خمس مرات في اليوم ويكذب ألف مرة في نفس اليوم دون حياء، مجتمع يقول ما لا يفعل.

هذا هو حالنا نحن التونسيون اليوم ولا يُستثنى منه إلا مَن سانده الحظ بأب غني أو أم غنية أو مَن وجد في دول الغرب أو دول الخليج فرصة عمل تُغيّر موازينه، فلا تحدثوني بعد اليوم عن ديمقراطيتكم أو انتخاباتكم أو وعودكم بالأمل والفلاح فلم ولن أصدّقكم فاتركوني أقصّر مدة انتظار الأجل المحتوم بالسجائر الرخيصة المهرّبة، وإذا لم تستحوا فافعلوا ما شئتم !


 

غريبٌ أمرُ فِئَةٍ من المحللين السياسيين التونسيين ؟

المحللون الذين يظهرون يوميا في الفضائيات التونسية العمومية والخاصة، الذين يُطلقون دون حياء صفة القطيع على الجماهير التونسية. لو كان مجتمعهم قطيعًا فهم مُرَبُّو ماشية أو رعاةُ إبِلٍ ويبدو أن أصحابَ المهنتَين أشرفُ منهم ! يتستّرون وراء يافطة الاستقلالية عن الأحزاب وجلهم في الواقع مرتزقة في خدمة الأحزاب أو سُجناء باراديڤمات إيديولوجياتهم الماضوية الدوغمائية المتكلسة. يُكرِّرون على مسامعنا صباحًا مساءً عبارات طنانة وشعارات خاوية وكليشيهات ممجوجة لا تُضيف إلى ثقافة الشعوب شيئًا يُذكر مثل استحقاقات الثورة والربيع العربي والحرب ضد الإرهاب وتحييد المساجد ومحاربة الفساد والاقتصاد الموازي والمصالحة الوطنية والديمقراطية، إلخ.

أوجه إليهم السؤالَيْن الإنكاريَّيْن التاليَّيْن: مَن المسؤول عن تردِّي المستوى الثقافي لدى الجماهير التي توجهون إليها يوميا خطابكم الفكري ؟ إن لم تكونوا أنتم المسؤولِين فمَن تَرَوه بالله يكون ؟


 

كيف استباحَ الغربُ مجالَ قِيمِنا الثقافية بعدما نهبَ ثرواتنا الطبيعية ؟ ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

لِـمزيدٍ من الاستغلال والربح، نقلتْ بعض الشركات الغربية مكان استثماراتها إلى دول العالم الثالث حيث توجد يد عاملة مطيعة ورخيصة وغالبًا غير منظمة نقابيًّا: صناعة الملابس في بنـﭬـلادش والهواتف المحمولة في فيتنام والأفلام في المغرب وتونس والإمارات والسعودية.

للمقارنة: أجرُ يوم عمل بـ11 ساعة لـكمبارس في المغرب -figurant- يَقدَّر بـ27 أورو في حين أن مثيلَه في فرنسا يتقاضى 105 أورو مقابل يوم عمل بـ8 ساعات فقط زائد خلاص مساهمتِه في الضمان الاجتماعي، ووصل "الرُّخصْ" بالمغرب الشقيق إلى درجة أن الملك عرضِ جيشه الوطني كَـكمبارس ببلاش على ذمّة المنتجين السينمائيين الغربيين بِـتعلة تشجيع الاستثمار الأجنبي وجلب العملة الصعبة من الأورو والدولار وهو في الواقع مجلبةٌ للذل والعار.

مَكَرَ بنا التاريخُ، نحن العرب، ومكرْنا بأنفسنا، فأصبحنا نستقبل على أرضنا سينمائيين غربيين يُنتجون أفلامًا تمجّد تاريخَهم الكولونيالي وتُثمّن قِيمَهم الحضارية وتزدري قِيمَنا الحضارية، مثل الأفلام التي تَنسب الإرهاب لِلإسلام وهو في الواقع من صُنع بعض المسلمين المتطرفين (مثل داعش والقاعدة)، تعلّموه عن زملائهم الغربيين المتطرّفين (مثل بادر ماينهوف في ألمانيا والألوية الحمراء في إيطاليا ولم يتعلموه من تراثهم الإسلامي). وممّا زاد الطين بلّة أن نكبتَنا كانت في البعض من نخبتنا العربية السينمائية اللائكية الفرنكوفونية المنبتّة المستلَبة، خاصة المغاربية منها، التي استبطنتْ العبودية والتبعية فأصبحت تنتج أفلامًا تزدري فيها تاريخنا وديننا ولغتنا وتقاليدنا، ناسين أو متناسين أن علماءَ الأنتروبولوجيا الغربيين أنفسهم قد أكّدوا مرارًا وتكرارًا أن "لا ثقافة أفضل من ثقافة" مهما اختلفتا في المعايير.

Source d’inspiration : Le Monde diplomatique, août 2023.

 


كيف نحوّلُ شعبًا إلى غوغاء ؟

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 22 أفريل 2018.

 

1.   كيف نحوّلُ شعبًا إلى غوغاء ؟ : امنحْ تراخيصًا لقنوات تلفزية خاصة فيصبح فيها التافهون محللين سياسيين وAiguilleurs de conscience. قنوات تبث برامجَ تسود فيها التفاهة وقلة التربية وقلة الذوق والانحطاط الأخلاقي. برامجٌ تأسس لتَصَوُّرٍ مفاهيمي للرداءة (La conceptualisation de la médiocrité). ديكورٌ ضخمٌ فخمٌ ومكلِفٌ، كلمةٌ هابطةٌ وحوارٌ غبيٌّ تمامًا.

مبرمجون خططوا لتحويل شعبٍ إلى غوغاء، الظاهر أنهم نجحوا والدليل: ارتفعت معدلات المشاهدة التلفزيونية، زادت الإعلانات التجارية ودون جهدٍ أو إبداعٍ كسَبَ الخواص مالا وفيرا.

أفرغوا الأدمغة ليبيعوننا السراب. خدّروا العقولَ، نشروا الأخبار المزيفة، حوّلونا إلى وحوش آدمية تقودها غرائزُ البطنِ وما تحت البطنِ. ولو تجرأتَ على نقدهم، فأنت متطرف إسلامي، متطرف يساري، رجعي، متخلف، عدو الحداثة الغربية.

2.   كيف نحوّلُ شعبًا إلى غوغاء ؟ : تراخيصًا لغير المربين بفتحِ مدارسَ خاصة. مدارسَ يُدرّسُ فيها مدرّسو التعليم العمومي ساعات زائدة أو مُنتَدَبون جدد لا تجربة لهم ولا تكوين بيداغوجي أو ديداكتيكي.

3.   كيف نحوّلُ شعبًا إلى غوغاء ؟ : أقِم ديمقراطية بغير ديمقراطيين ونظامًا جديدًا بسياسيين فاسدين من النظام القديم.

4.   كيف نحوّلُ شعبًا إلى غوغاء ؟ : نتخلى عن دور الدولة التعديلي في الأسعار وعن دورها الرقابي في جودة السلع.

5.   كيف نحوّلُ شعبًا إلى غوغاء ؟ : نُجبِرُ الفقير على الالتجاء للسوق الموازية والسلع الرخيصة المقلدة. نغذي الفساد في الواقع وفي نفس الوقت نرفع شعار محاربة الفساد.

6.   كيف نحوّلُ شعبًا إلى غوغاء ؟ : نهمّش القطاع العام وفي المقابل نشجّع القطاع الخاص فيقل عدد الطبقة المتوسطة ويتضاعف عدد الطبقة الفقيرة.

 


 

تفاهةُ أن يكون المرءُ مثقفًا !

 

أبدأ بتعريف المثقف حسب المثقف جلال أمين، تعريفٌ أعجبني: "لقد تبينت مع مرور السنين، أن مدلول الكلمة الأنجليزية (intellectual) لا يتوافر إلا في عدد قليل من الناس، وتوافره بين أساتذة الجامعة، مصرية كانت أو أمريكية، ليس أكبر بالضرورة منه بين غيرهم، وأن الحصول على الشهادات العالية، لا يدل على أي شيء على الإطلاق فيما يتعلق بهذه الصفة. إن كلمة (intellectual) ليس لها في الحقيقة مقابل شائع باللغة العربية، فهي بالطبع لا تعني المتعلم ولا حتى المثقف، بل تشير إلى الانشغال المستمر، أو شبه المستمر، بأمور فكرية، أو رؤية المشكلة الفكرية وراء أي حدث أو ظاهرة من أحداث وظواهر الحياة اليومية (مما عبر عنه تعبيرا طريفا كاتب أنجليزي كان يصف جورج أورويل، فقال عنه إنه لا يمكنه أن يُخرج المنديل من جيبه ليمسح أنفه، دون أن تخطر بباله المشاكل الأخلاقية التي تثيرها صناعة المناديل !).

ثم أمرُّ للكلام المباح وأعدد لكم فضائل المثقف حتى لا تخطئوه إذا صدفة قابلتموه: المثقف، ذكر كان أو أنثى إن بقي فيه ذكورة أو فيها أنوثة، هو مَن لا شغل له إلا الثقافة، هو مَن ترك الشباب وراءه، هو مَن لم تسعفه الطبيعة بقدر كافٍ من الصحة والوسامة، هو مَن يشتكي دومًا من قلة الحيلة وشُحّ ذات اليد، هو مَن ضعفت همته ووهنت ذراعه، هو مَن لم يفتَك حظه في الحياة وبقي يتحسّر على ما فات، هو مَن هرمت أسنانه ولم يعد قادرًا على العضّ بجميع أنواعه.

هو شخصٌ معقّدٌ، ناقصُ البصر ومثالي البصيرة، يرى البعيد ويعمى عن القريب، عاجزٌ عن المغامرة، خوّاف من الغد، متردد في التنفيذ، متحدث حريص على ألا يخطئ أبدًا، حامل لكتاب ونظارات مقعّرة، مُخِلٌّ بواجباته الدينية والعائلية وفي بعض الفترات حتى الزوجية، مرهف الإحساس، محاضر دون مناسبة، متطوع ساذج، متكلم في مسائل لا تهم سامعيه، دقيق الملاحظة، صعب المراس، غير مرن مع المتأدلجين، غير مؤنس للتافهين، محطم للأساطير والأصنام والعباد المعبودين، كاتب في كل الاختصاصات والميادين، كاظم للغيظ كَرهًا، مسالم جبنًا. لا يصلح قائدًا أو أميرَا، ولا رئيسًا أو وزيرَا، ولا حتى مستشارًا أو مديرَا. هو بشر يحسب نفسه ربًّا، لا يعجبه العجبْ ولا حتى الصيامَ في رجبْ.

بالله عليكم، أصدقوني القول: هل صادفتم في حياتكم يومًا مثقفة شابة جميلة رقيقة ومثيرة أو مثقفًا شابًّا وسيمًا مفتولَ العضلات وممشوقَ القِوام ؟

المثقف، لا رائحة لا لون ولا طعم له، لا موقف شخصي ولا رأي خاص يدعو لهما، يحب ما يحبه الكتاب ويكره ما يكرهه الكتاب، لا يصدّق ولا يصادق ولا يثق إلا في الكتاب، ليس له مشاريع للإنجاز، مشاريعه كلها طُرحت ونُوقشت وأنجِزت في الكتاب، لا يحلو له السهر ولا الجلوس في المقهى إلا مع الكتاب ولو خُيّر بين المال والبنين والزوجة والأصحاب مجتمعين لاختار الكتاب، ذوقه من الكتاب، رأيه من الكتاب، ربه الكتاب، عِشقه الكتاب، حبيبه أنيسه صديقه الكتاب، لو الجنة خالية من الكتاب لَفضّل عنها جهنم بكتاب، عواطفه مشاعره أحلامه أمانيه تطلعاته مستمدة من الكتاب، عينه كتاب، أذنه كتاب، كل أسماء أولاده من كتاب، الزوج المثقف يعانق في زوجته بطلات الكتاب وكذلك تفعل الزوجة المثقفة مع زوجها، لا تحضنه المسكين بل تحضن فيه أبطال الكتب التي قرأتها.

خاتمة: المثقف لا يصلح لشيء أو يصلح لشيء قريب من الشيء لكن هذا الشيء القريب من الشيء هو في بناء الحضارات كل شيء، هو صفر والصفر في الرياضيات هو كل شيء، هو الملح والطعام دون ملح لا يساوي في المذاق شيئًا. إذا يومًا في الطريق صادفتموه، "سلمولي عليه وبوصولي عينيه". ما أقصر العمر حتى نضيعه في الثقافة !

إذا مات مثقف من ذوي قرباكم، أوصيكم به خيرًا، اقرأوا عليه كثيرًا من الكتاب وافرشوا قبره بوريقات من كتاب لم يقرأه وعِوض التراب ذروا على جُثمانه ألف كتاب وكتاب.

ملاحظة موجهة إلى ضيّقي الصدور من المثقفين: أحبابي حبيباتي لا تغضبوا فكل "حسناتكم" التي ذكرت وجدتها في كتاب فلا تلوموني على ما نقلت ولوموا الكتاب، هو الذي خلقكم في "أحسن تكوين"، فقط لا تنسوا أن مرآتكم كتاب، وإذا ساءكم ما عدّدت في مقالي من صفات "حميدة" فانسبوها كلها لي، وهي في المجاز كلها فيّ، حتى ولو لم يكن في الواقع بعضها فيّ.


 

تذكيرٌ مهمٌّ أراه مُلِحّاً ؟

 

-       العالِمُ منتِجٌ للمعرفة العارِفة (Le savoir savant) أو لا يكونْ. كثيرٌ من العلماء مرتزقة في خدمة رأس المال !

-       للمعرفة العارِفة ثلاثة مصادر موثوقة لا غير: الجامعة والمؤتمرات العلمية والمجلات العلمية المختصة والمحكمة (Les revues cotées). المصادر التالية غير موثوقة: الكتب المدرسية، الموسوعات، القواميس، الجرائد، المجلات، التلفزات، الإذاعات، الفيسبوك، اليوتوب، معلمو وأساتذة الابتدائي، أساتذة الإعدادي والثانوي، الأطباء والمهندسون والصيادلة، إلخ.

-       الباحثُ عضوٌ في مخبر علمي أو لا يكونْ. جلهم مرتزقة في خدمة لوبيات صناعة الأسلحة أو لوبيات صناعة الأدوية أو صناعة الأسمدة، إلخ !

-       الأستاذ الجامعي باحثٌ ومنتِجٌ للمعرفة العارِفة أو لا يكون. جل أساتذتنا الجامعيين هم ناقلو معرفة وليسوا منتجيها !

-       المثقف كاتبٌ ناقدٌ وناشرُ كُتُبٍ أو لا يكون. جل المثقفين مرتزقة في خدمة الثقافة الليبرالية المهيمنة (L’hégémonie culturelle) !

-       الخبيرُ مُلِمٌّ بدقائق اختصاصه أو لا يكون. كلهم مرتزقة في خدمة رأس المال !

-       الفيلسوف صاحب نظام فلسفي (Un système philosophique) أو لا يكون. بعضهم مرتزقة في خدمة الثقافة الليبرالية المهيمنة !

 

خاتمة: الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه، أنا لستُ عالِماً ولا باحثاً ولا أستاذاً جامعيّاً ولا مثقفاً ولا خبيراً ولا فيلسوفاً. أنا فقط دكتور في ديدادكتيك البيولوجيا وكاتبٌ فيسبوكي ناقدٌ، لا أكثر ولا أقل.


 

المثقف العربي كما أعرّفه أنا شخصيًّا ؟

 

-شخصٌ أمميٌّ متعدّدُ الثقافات أو لا يكون (شخصٌ يقفُ ضد "الهُويات القاتلة" حسب تعريف المثقف العربي أمين معلوف، عضو "الأكاديمية الفرنسية" منذ 2011 ).

لا ينتمي لأي حزب ولا لأي جمعية.

- لا يزكي نفسه، لا يترشح ولا ينتخبْ، ولا يعجبه العجبْ ولا الصيام في رجبْ.

- يعيش على هامش السلطة والمعارضة والمجتمع.

- يتقن لغة أجنبية، يقرأ بها ويكتب بها وينشر (الأفضل أن تكون الأنـﭬليزية، للأسف أنا لا أفقه منها حرفًا).

- غير منبت ومتصالح مع حضارته العربية-الإسلامية، حضارةٌ متعدّدةُ الثقافاتِ منذ نشأتِها: يكون إسلاميًّا غير داعشي أو يساريًّا غير ستاليني أو قوميًّا غير بشّاري أو ليبراليًّا غير ماكروني.. لا يهمّ (C’est l’indigénisation).

- ضد استعمال العنف بأي شكل من الأشكال ولا في أي قضية من القضايا، وسِلمي للعنكوش.

- عَلمانيٌّ أو لا يكون (الأفضل أن تكون عَلمانيتُه علمانيةً أنـﭬلو-سكسونيةً، بعيدةً عن اللائكية الفرنسية المعادية للدين مثل علمانية الثورة الفرنسية 1789 المنتشرة للأسف لدى أغلبية المثقفين التونسيين الفرنكوفونيين).
- يحاضر مجانًا ويعرض كتبه للبيع من صفر دينار إلى الثمن المحدد على الغلاف.

- يُلبّي الدعوات جميعًا، وشرطه الوحيد أن لا نفرض عليه أي شرط.

- لا يحاضر إلا في اختصاصه الأكاديمي.

- يهدي علمه للناسِ جميعًا، لا يستطيع أن يهادي مَن يكره.. قدرُه إذن أن يحب الناسَ جميعًا ويحترمهم حتى ولو خالفوه في الرأي.

- لو كان مدرّسًا، لا يدرّس خارج المدرسة بمقابل، ولو كان طبيبًا أو مهندسًا لا يشتغل خارج القطاع العمومي، ولو كان إمامًا لا يأخذ منحة على خطبة الجمعة.

ملاحظة:

علق عليّ أحد المتابعين: "المدينة الفاضلة".

أجبته: أجبرتني يا سيدي أن أقول لك الآتي "شروطي طبقتُها على نفسي، ويوجد مثلي في العالم العربي الكثيرُ من المغبونين. أذكر منهم حمدي بشير حمدي، صديقي الذي تعلمت عنه بيع كتبي من صفر دينار إلى الثمن المحدد على الغلاف".


 

المثقف ؟

 

المثقف عند سارتر هو شخصٌ يعيش على هامش المجتمع ويدّعي أنه يفكر للآخرين وقد تنبّأ بانقراضه في القرن 21. جاء الفيسبوك فأكّد نبوءَته.

المثقف عندي هو شخصٌ désintéressé أو لا يكون، أي لا يخدم أجندة على حساب أخرى، ولا يدّعي أنه جاء ليثقف الآخرين بل ليتعلم من تجاربهم.

Désintéressé : personne qui peut arriver ou ne pas arriver à ses fins, celle qui n’a pas d’agenda idéologique prédéterminé.

المثقف الـdésintéressé عندي، مَثَلُه كمثل مَن يعشق امرأة مستحيلة المنال، يضحّي من أجل إرضائها بجد وإخلاص دون طمع منها في جزاء أو شكور.

المثقف الـdésintéressé عندي، هو الذي يعتبر غير المثقفين مشاريع مثقفين (en puissance) ويحسن الظن بهم ويخاطبهم كمثقفين ولا ييأس منهم.

المثقف الـdésintéressé عندي، هو الذي لا يرد على الشتيمة بشتيمة بل يرد في الفيسبوك بالبلوكاج تجنبا للعنف اللفظي إلا في حالات استثنائية.

المثقف الـdésintéressé عندي هو الذي يحرص على عدم المساس بشعور محاوره دون التخلي عن جوهر الخلاف العلمي. المثقف يجامل والعلم لا يجاملُ.

المثقفون نوعان، المنتج والمستهلك، النزيه والانتهازي، والصغير فيهم مثلي يرى بعيون الكبير فيهم مثل أمين معلوف وميشال سارّ وهنري أتلان ومالك بن نبي وألبير جاكار.

 

السياسي والمثقف، الأول يبيع الأوهام والثاني يحطمها واحد يمدح سلعته مهما كانت رديئة والآخر ينقد إنتاجه مهما كان جيدا. خطان قد يلتقيان

السياسي والمثقف، الأول يتكلم لغة خشبية أو لا يكون والثاني يتكلم لغة عقلانية أو لا يكون، واحد يغلّف الحقائق الموجعة والآخر يعرّيها.

أعجب من مثقف يعجب بسياسي مهما كان لون هذا الأخير وخاصة عبير، المثقف "لا يعجبه العجب ولا الصيام في رجب" لا لأنه متكبّر بل لأنه طموح

ويل للسياسي إن لم يرض عن نفسه، وويل للمثقف إن رضي عن نفسه. السياسي يعيش في قلب المجتمع والمثقف على هامشه. شرّان لا بد منهما !

السياسي شرٌّ كبيرٌ إذا فكّرَ في مصلحته فقط وخيرٌ كثيرٌ إذا فكر في مصلحته والمصلحة العامة. والمثقف شرٌّ إذا فكّرَ مكانَ الآخرين.

المثقف هو الذي يعرف أن لا وجود لفكرة صائبة 100% وأخرى خاطئة 100% فلا يطلب من مخالفه إذن التخلّي عن فكرته بل يدعوه إلى مقاربة أخرى.

لا وجود لمثقف عابر للمكان والزمان، هو ابن بيئته أو لا يكون، والمُنبتّ لا يمكن أن يكون مثقفًا. هو كالطبيب العام يتدخّلُ في كل الأمراض.

المثقفون صنفان، الكبار (معلوف، النقاش، أونفري، إلخ) والصغار، منتجون ومستهلكون، مَن يرَونَ بـ"جومال" ومَن يرَونَ بعيونِ مَن يَرونَ !

 

إمضائي: "إذا فهمتَ كل شيء، فهذا يعني أنهم لم يشرحوا لك جيّدًا !" أمين معلوف

خاتمة: أنا أصدّق شعوركم نحوي وفي المقابل أطلب منكم أن تصدّقوني فكل ما أقوله عن نفسي هو حقيقة وليس تواضعا تجميليًّا لشخصي.

 


 

هل فَهِمَ المثقفُ التونسيُّ الواقعَ التونسيَّ و أنارَ لنا السبيلَ ؟

 

"المعاصَرة خلقٌ وإبداعٌ ولا تتم إلا بالالتحام الوثيق بمسيرة المجتمع ودور المثقف هنا يتمثل في إنارة السبيل بعد فَهْمِ الواقع وبعد رفع القناع عن ملابساته" د. عبد الوهاب بوحديبة

هل تصحّ مقولة د. عبد الوهاب بوحديبة في المثقف التونسي أيام ثورة 14 جانفي 2011 ؟

لقد لاحظتُ في الشارع وكتبتُ في الفيسبوك أيام الثورة، قبلها وبعدها، أن جل مثقفينا، بجميع أطيافهم السياسية، لم يفهموا ما وقع قبل 14 جانفي ولا بعده ولا أستثني نفسي بل أضعها في خانة غير الفاهمين، لم يرفعوا القناع عن ملابسات ما وقع ولم ينيروا السبيل لعامة الناس ومتواضعي الثقافة. كنتُ أعتقد أن المثقفين الناشطين سياسيًّا، ليبراليين وقوميين ويساريين وإسلاميين، الذين ناضلوا منذ الستينات ضد بورقيبة وضد بن علي وقادوا المظاهرات وشاركوا في الاعتصامات والإضرابات، هم الذين أطاحوا بالطاغية بن علي بمعية المعطلين والمهمشين وأجبروه على الهروب إلى دولة الرجعية والعمالة والخيانة.  كنتُ أظن أنهم أوسع منا ثقافة وأعمق منا تحليلا، نحن القاعدة المثقفة غير الناشطة سياسيًّا. لكن ما راعني وأدهشني هو ما شاهدته يوم 13 جانفي، بضع ساعات قبل هروب المخلوع، في الحصة التلفزية الذي نشطها رمز الإعلام الفاسد والبائد، المنشط سامي الفهري، شاهدتُ المختار الطريفي، المتعاطف مع حزب العمال "الشيوعي"، ورئيس الرابطة التونسية لحقوق الإنسان، رأيته يستبشر خيرا بخطاب الرئيس، ورأيتُ ويا ليتني ما رأيتُ، رأيتُ الناشطة الحقوقية المشهورة والعضوة في منظمة النساء الديمقراطيات، بشرى بن حميدة، تؤكد على المباشر ثقتها الكبيرة في بن علي رغم أن خطابَه الأخير كان هزيلاً  ومكشوفًا، إلا لمن لا يريد أن يرى، ومن لا يريد أن يرى لن يرى حتى ولو منحناه ألف مخ وألفي عين !

 لو لم يكن هؤلاء المتحزبين قصيرِي النظر لما تهافتوا على تكوين أحزاب ذات فكر منبت عن واقعنا، يخاطبون الشعب التونسي العربي المسلم بهوية إيديولوجية مزيفة ماضوية متخلفة عن عصرنا أو حداثية مستوردة من عصر ما بعد الحداثة رغم اعترافهم العلني والصريح بأن هوية الشعب التونسي هي هوية عربية إسلامية. عصرنا هذا يمتاز بالتكامل بين العقل وبين ما لا يدركه العقل، أو ما يسمى ما وراء الطبيعة (أو اللاوعي أو الدين أو الأسطورة أو الخرافة أو السريالية). العقل وما لا يدركه العقل، مفهومان غير متصارعين، فعصر الصراع بينهما قد ذهب وولّى إلى غير رجعة، وأصبح العقل وما وراءه يتكاملان في إنتاج التوازن البشري الضروري للحياة الطبيعية الغريزية والمكتسبة، السعيدة والكريمة نسبيا.

 لو لم يكن هؤلاء منبتّين عن واقعهم لما تاهوا وضيّعوا وقتهم ووقتنا في تحليل وتفسير المشاغل الاجتماعية الثانوية تونسيا (مثل حرية المعتقد، المساواة في الإرث، الحرية المطلقة للفنان في ممارسة فنه دون رقابة ولا مصادرة ولا وصاية، هل يحق ويحلّ للمنقّبة الدخول إلى قاعة الدرس أو قاعة الامتحان ؟)، وتجاهلوا القضايا الأساسية تونسيا (مثل تعويض عائلات شهداء الثورة معنويا وماديا، معالجة جرحى الثورة مجانا بتونس والخارج  في أحسن المصحات مهما كان الثمن فدمهم أغلى من كنوز الفراعنة، محاسبة القناصة والقتلة، قضية البطالة المتفشية في الشباب، المجانية الفعلية في التعليم والصحة، محاربة الفساد ومحاكمة رموزه، تسبيق التنمية الجهوية في المناطق الداخلية).

 تهافتت هذه النخب على اقتسام كعكة مسمومة أعدّتها مطابخ الإدارة الأمريكية، وهي نفسها التي احتكرت وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة منذ 14 جانفي إلى اليوم. لم نَرَ يومًا منبرا تلفزيا واحدا يناقش سياسة التعليم المتخلفة، أو سياسة الصحة وفشل "الكنام" (الصندوق الوطني للتأمين الصحي)، أو الديمقراطية داخل الاتحاد العام التونسي للشغل، أو قضية المناولة والمتاجرة بعرق العمال، أو احتكار التجار الوسطاء للمنتوجات الغذائية وترفيعهم للأسعار مثلما يريدون وقت ما يشاؤون.

 

 

 


 

"أتابع مقالاتك وأفهمها جيدًا إلا كلمة "إبستمولوجيا" (جملة قالها لي أحد الأصدقاء)

 

جملة قالها لي في جمنة صديقي عبد المجيد بالحاج منذ سنوات. عبد المجيد فلاحٌ مثقفٌ، وثقوا أنني لا أجامله بنعته بالمثقف والدليل على موضوعية كلامي تجدونه موثقًا بالصوت والصورة في وسائل الاتصال الاجتماعي التي أرّخت لـملحمة (La geste) قضية جمنة (أو "هنشير ستيل")، وهو أحد الأعضاء المؤسسين لـ"جمعية حماية واحات جمنة".

بعد مرور سنوات سمعتُ الفيلسوف ميشال سارّ على اليوتوب يقول الآتي: "أكثر الناس يجهلون معنى كلمة إبستمولوجيا. المفارقة أن أكثر الناس أصبحوا فعلا إبستمولوجيين، أي أصبح لهم رأيٌ ونقد حول المعرفة العلمية" :

Ils critiquent e savoir savant comme la vaccination anti-Covid-19 et ses opposants, les médicaments et leurs effets secondaires, la pollution et ses catastrophes sur le climat régional comme le Groupe Chimique de Gabès (GCT-ICM).

بعد سماع هذا الشرح لكلمة "إبستمولوجيا" على لسان الفيلسوف ميشال سارّ، هاتفتُ مباشرة صديقي عبد المجيد، الفلاحٌ المثقفٌ، وقلتُ له: "ابشِرْ يا صديقي فقد أصبحتَ أنتَ نفسك "إبستمولوجيًّا" دون أن تشعر وهذا بشهادة عالِم الإبستمولوجيا نفسه الفيلسوف ميشال سارّ". ضحك وقال: "لن أقول لك بعد اليوم أنني لا أفهم كلمة "إبستمولوجيا" !"

حسب الفيلسوف ميشال سارّ، أصبح كل الناس أو جلهم على الأقل مثقفين وإبستمولوجيين لكنهم "مثقفون وإبستمولوجيون في المهد" (des intellectuels et des épistémologues en herbe)، وذلك بفضل تكاثر وسائل التواصل الاجتماعي وتنوعها في القرن 21 (فيسبوك، تويتر، يوتوب، ﭬوﭬل، ويكيبيديا، إلخ.)، قرن انتشار المعرفة العلمية في العالم أجمع، المعرفة التي أصبحت اليوم في متناول كل من يطلبها، متعلّمٌ أو أمّي، مبصر أو بصير، غني أو فقير، كبيرٌ أو صغير، داخل أسوار الجامعة أو خارجها، في المدن أو في الأرياف.

ولشرح وجهة نظري أكثر حول المثقف والإبستمولوجي، أعطي بعض التعريفات المتنوّعة لكلمة "إبستمولوجيا" وكلمة "مثقف":

1.   تعريفات متنوّعة لكلمة "المثقف":

-       المثقف يُعرَّف عندي بمدى إلمامه باختصاصه وبغير اختصاصه.

-       المثقّفُ هو المطَّلِع على ثقافاتٍ أخرى: الرسول صلى الله عليه وسلم كان أمّيًّا لكنه كان مثقّفًا، والأمة الإسلامية اليوم خليطٌ من الثقافات.

-        الفيلسوف سارتر، 1967: "يبقى الباحثُ يُسمى باحثا ما دام يساهم في تطوير القنبلة الذرية، يصبح مثقفًا حالَما يبدأ يحتج ضدها (أينشتاين نموذجًا، عالِم ثم مثقف)".

-       L’Intellectuel, c’est une création du XIXe siècle qui disparaîtra à la fin du XXe ou du XXXe parce qu’il est fait pour disparaître. L’homme qui pense pour les autres, cela n’a pas de sens. Tout homme qui est libre ne doit être commandé par personne que par lui-même.

-       مات المثقف الذي يدّعي أنه يفكر للآخرين. مات النائب الذي يدّعي أنه يمثل ناخبيه. كل إنسان حر، عليه أن يفكر بنفسه ولا يمثل إلا نفسه متفاعلاً إيجابيًّا مع الآخرين.

-       مالك بن نبي عرّف الثقافة بأنها ما يميّز أمّة عن أخرى، وذلك تمييزا عن العلم: داخل العيادة، طبيب فرنسي أو تونسي، لا فرق، لكن خارجها هنالك فرقٌ ؟

-       مثقفون حداثيون تونسيون يجهلون تاريخ الإسلام ويحفظون تاريخ المسيحية، يحقّرون لغتهم ويمجدون الفرنسية، يزدرون تقاليدهم ويقلدون الغربيين.

-       بفضل التعليم الأعرج، أصبحت نخبتُنا مقسّمةً بين "مثقفين جهلة بالعلم" (خرّيجي كليات العلوم الإنسانية والفلسفة والقانون، حُكّام العالَم) و"علماء غير مثقفين" (خرّيجي كليات العلوم الصلبة، "الصحيحة" والتجريبية، مغيّرو العالَم) !

-                من الكبائر التي يرتكبها المثقف مساندته للسلطة ! عرّفه سارتر: "على هامش المجتمع أو لا يكون". عرّفه ميشال سارّ: "ضد الرأي العام أو لا يكون !".

-       المثقف، أعرّفه أنا: لا يعجبه العجب ولا الصيام رجب، لا لأنه عنيد بل لأنه يتمتع بذهن ناقدٍ، ثاقبٍ، واستشرافي ويَطمح دومًا إلى الأفضل.

-       واهمٌ، المثقف الذي يعتقد جازمًا أن إيديولوجيته -ماركسية قومية أو إسلامية- قادرة على الإجابة على كل تساؤلاته. أكيد يحتاج إلى غيرها.

-       المثقفُ الذي يقرأ لإيديولوجية واحدة، كالفلاح الذي يزرع كل عام نفس النوع في نفس الأرض. الثاني يُفقِّرُ أرضَه، والأول يُفقّرُ مُخَّه !

2.   تعريفات متنوّعة لكلمة "إبستمولوجيا":

-       الإبستومولوجيا (نقد المعرفة أو معرفة المعرفة أو فلسفة العلوم أو تاريخ العلوم): معناها أن تخرج من جلدك وترى جلدك من الخارج بواسطة مكبّر اسمه النقد ونقد المعرفة يحتاج إلى معرفة معمّقة.

-       "النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" ونقدنا في مجلس الشعب لم يهدمْ الفساد لأن نوّابنا ليسوا نزهاء والنقد عندهم مطية للوصول إلى السلطة لا غير.

-       قرار عدد 1 لوزير التربية القادم: "إدراج تدريس الإبستومولوجيا في كل الجامعات وفي كل شُعَبِ العلوم الصحيحة والتجريبية والإنسانية".

ملاحظة عابرة: من المفروض ألا يُنتدَبَ في التعليم الثانوي والعالي أي أستاذ علوم لم يدرُسْ أكاديميّاً إبستمولوجيا اختصاصه. لماذا ؟ دون إبستمولوجيا، "لن يفهم الأستاذ لماذا تلامذته لا يفهمون"، كما قال ﭬاستون باشلار، الإبستمولوجي الفرنسي العظيم، صاحب المفهوم-المفتاح المسمَّى "القطيعة الإبستمولوجية". لو طُبِّقَ هذا الشرط سنة 1974 (تاريخ انتدابي أنا كأستاذ علوم الحياة والأرض)، لَما انتُدِبتُ أنا نفسي، لأنني درّست 24 سنة دون معرفة إبستمولوجيا اختصاصي، لم أدرُسها أكاديميّاً إلا سنة 1998، تاريخ تسجيلي بالجامعة مرحلة ثالثة سنة أولى دراسات معمّقة.

Docteur en didactique de la biologie. La didactique, ma deuxième spécialité, a failli s’appeler épistémologie de l’enseignement.

ملاحظة: هذا النص، أعتبرُه، أنا، من أفضلِ ما أوْحَتْ به إليَّ قراءاتي في الفكر العالمي، العربي والفركفوني والأنـﭬلوفوني المترجَم للغة الفرنسية أو العربية.

 


 

تجد في النهر ما لا تجد في البحر

 

شخصٌ لم أكن أعرفه جيّدًا ولم يسبق لي مجالسته بالمرة أو حتى تبادل الحديث معه. ألتقي به كل يوم الساعة السادسة صباحًا في مقهى الشيحي بحمام الشط الغربية ونتبادل صباح الخير. مسِنٌّ تقريبًا من سِنّي، سي محمد علي، عرفت اسمه اليوم عندما سألته، كل يوم يجمع القوارير البلاستيكية الفارغة المهملة في سلال الفضلات المرابطة أمام المقهى. فاجأني أمس بِـلفتة كريمة، بِـصدقِ لم أكن أنتظرها منه: قدّم لي هدية معتبرة تتمثل في كيس بلاستيك يكاد ينفجر بما يحمل من كتب، جمّعها خصّيصًا لي من سلّة المهملات. شكرته وأثنيت على صنيعه. كيسٌ يحوي ما يقارب العشرين كتابًا. حملت الكيسَ بعناء في اتجاه البيت. فرزت الكتب واحتفظت منها بِـخمسة مهمة في رفوف مكتبتي الصغيرة على أمل توفر متسع من الوقت لمطالعتها.

ملاحظة: ما أتاه سي محمد علِي لم يأته جلسائي المتعلمين في مقهى الشيحي، ألا وهو الاعتراف بالكتاب والتشجيع على المطالعة واحترام المولعين بها من أمثالي. شكرًا سي محمد علي على هذه اللفتة الكريمة.


مرافعة مجانية دفاعًا عن المثقفين التونسيين ممّن ينعتونهم بـ"الجالسين على الربوة"

 

مَن هم ؟

هم المثقفون المنتجون للمعرفة، مقالات أو كتب أو محاضرات مباشرة أو تدخلات مبثوثة على اليوتوب.

مَن الذي يُحقّر من شأنهم ويرى في "جلوسهم على الربوة" عيبًا كبيرًا ؟: هم إخوانهم، تونسيون أنصاف مثقفين، ولا يحقِّر من شأن المثقف المنتِج للمعرفة أو ناقلها إلا المتعلم غير المثقف أو نصف المثقف: يحطّون من عزائمهم، يحاولون تهميشهم، يستنقصون من قيمتهم الاعتبارية، يشوّهون صورتهم لدى العامّة، يمسّون من سمعتهم، وغالبًا ما ينتهون إلى ثلبهم واقتحام حياتهم الخاصة. هؤلاء، هم عادة المتحزبون الناشطون يسارًا أو يمينًا، "المالكون للحقيقة المطلقة"، أعداء الاختلاف، العدوانيون الذين لا يطالعون ولا يُنصِتون إلى المطّلعين.

مَن الذي يرفعُ من شأنهم ويرى في "جلوسهم على الربوة" شرفًا معرفيًّا كبيرًا ؟: أنا ومَن لفّ لفّي، نحن نعتبر أن "الجلوس على الربوة"، مرتبةٌ لا يبلغها إلا الراسخون في المعرفة وخاصة في نقد المعرفة (Épistémologie)، وناقد علم البيولوجيا مثلاً، لا يقاسِم بالضرورة عالِم البيولوجيا مخبره، لكن العالِم الغارق في تجاربه يستفيد من نقد الناقد "الجالس على الربوة"، و"الجلوس على الربوة" عادة ما يمنح صاحبه رؤية بانورامية ومقاربة شاملة (Une vision panoramique et une approche systémique)، رؤيةٌ لا تتوفر عادة لدى المتحزبين الناشطين يسارًا أو يمينًا، ربما لضيق الوقت لديهم أو لتنوّع مشاغلهم واهتماماتهم. المفروض أن الدورَين يتكاملان، دور الناشط (L’activiste) ودور الناقد "الجالس على الربوة"، ولا يبخس أحدهما دور الآخر بل على العكس يثمّنه وإذا لم يثمّنه على الأقل يحترمه.

"الجلوس على الربوة" بالمعنى الإيجابي والمعرفي للكلمة ليس أمرًا هيّنا وليس سهل المنال يبلغه كل مَن هبّ ودبّ، ولكي "تجلس على الربوة"، يجب أولا أن تصعد إلى الربوة، وللربوة، كما تعلم، ألف درج ودرج (escalier)، وفوق كل درج كتابٌ، ولن تصل قمة الربوة وتتربع فوقها إلا إذا قرأتَ ألف كتاب على أقل تقدير. كيف نتعرّف على "الجالسين على الربوة" ؟: صحتهم عليلة، هندامهم مغاير للموضة، نظرهم ضعيف وعيونهم مثقلة من كثرة القراءة والكتابة.

خاتمة: أنا يشرّفني أن أكون من مريدي "المثقفين التونسيين الجالسين على الربوة" ومن عشاقهم، أثمّن إنتاجهم المعرفي حتى ولو اختلفتُ معهم، أواظب على قراءة مقالاتهم وتغريداتهم. تعلمتُ منهم الكثير الكثير، أحترمُهم، أجِلُّهم، وأطمحُ في الوصول إلى مراتبِهم العاليةِ.

أيها المتحزبون الناشطون، الكارهون لـ"المثقفين الجالسين على الربوة"، مالَكم ومالَهم، لا ينافسونكم أحزابكم ولا جمعياتكم، اقرؤوا كتبهم أو مقالاتهم أو اتركوهم وشأنهم، ينالكم ثوابٌ دنيا وآخرة ! 

فى عصر القبلية جُبل الإنسان على حب أفراد قبيلته وكره القبائل المنافسة. الفردانية فربّته على حب نفسه فقط وكره الآخرين.

خلال فترة التقاعد، تفرّغتُ لمشاهدة محاضرات الفلاسفة على اليوتوب ومطالعة كتب ورقية وقراءة لوموند ديبلوماتيك. تمتعت فنشرت لكن وللأسف لم أنجح في نقل متعتي إلى غيري.

 


 

 

 

 

 

العلم/الدين

الدنيا مادة وروح. الروح يفسّرها علماء الدين. المادة يشرحها علماء المادة. فلماذا لا يشتغل كل واحد في مجاله دون صراع إيديولوجي عقيم.

لولا التفسير الغيبي للظواهر (فقر، مرض، جفاف، إلخ) لنقص الإيمان وانقرضت الأديان وانتحر الجوعان ولكن لولا العلم لزادت معاناة الإنسان.

أفضلُ تعريفٍ للدين قرأته في حياتي: " فأي طريق استُخرِج بها العدلُ فهي من الدين، وإن لم يضعه الرسول ولا نزل به وحي" ابن قيم الجوزية

الإنسان حمّال للخير والشر بطبعه وما بالطبع لن يتغير بالثقافة لأنه وراثي (ADN). قالها القرآن (فجورها وتقواها) وأكدتها نظرية التطور.

"وَنَفْسٍ (l’ADN) وَمَا سَوَّاهَا (Dieu) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا (l’agressivité) وَتَقْوَاهَا (la solidarité) قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا (l’éducation) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (l’avidité)"

"الروح ليست موضوع بحث علمي" (Le philosophe Henri Atlan)

أي لم تعد من اهتمامات العلماء لكنها بقيت من اهتمامات الفلاسفة ورجال الدين.


هل استنفذ المقدس عندنا طاقته وأفْرِغَ من معناه ؟

 

المصدر:

كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر والحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة.

نص هاشم صالح:

صفحة 268 : "طيلة سنوات عديدة كنت أعتقد أن الحل يكمن في الإبستمولوجيا (علم العلوم أو علم فلسفة العلوم). وككل باحث عربي غادر بلاده إلى أوروبا وجامعاتها كنت مسحورا قبل كل شيء بالحداثة والعلم والتكنلوجيا. وكنت مسحورا بتلك النظرية التي أتاحت نشأة هذه الأشياء في أوروبا، وأتاحت لأوروبا أن تتفوق على جميع الأمم الأخرى منذ القرن السادس عشر وحتى اليوم. ففلسفة العلوم أو فلسفة المعرفة هي التي تدرس شروط إمكانية وجود المعرفة الصحيحة وتمييزها عن المعرفة الخاطئة وهي التي تبلور معايير التقدم وطرائق الاكتشاف والبحث العلمي (إضافة المؤلّف محمد كشكار: وأنا أقول تدرس شروط إمكانية وجود المعرفة "العلمية" وتمييزها عن المعرفة "غير العلمية" ولا أقول "الخاطئة" لأن خطأها لا يظهر إلا للعالِم بينما هي -حتى ولو كانت خاطئة فعلا- هي معرفة عملية وحياتية على الأقل بالنسبة لحاملها ومستعملها). ولكن بعد فترة طويلة من التخبط والتيه رحت أكتشف -و يا لدهشتي الكبرى !- أكتشف أن الحل يكمن أولا في التيولوجيا لا في الإبستمولوجيا ! إنه يكمن في علم الكلام، في علم الله، في علم اللاهوت قبل أن يكمن في علم الطبيعة أو الفيزياء أو الرياضيات. وفهمت عندئذ أن تحرير السماء سوف يسبق حتما تحرير الأرض. وعرفت ألا جدوى من تحرير الأرض قبل تحرير السماء. هذه السماء الضاغطة كالسقف فوق رؤوسنا، هذه السماء التي تراكمت فيها الغيوم السوداء وادلهمّت على مر القرون السكولائية.

لا يفهمنَّ أحدٌ من ذلك أني أدعو إلى الإلحاد، فهذا حل سهل لم يخطر لي على بال. ذلك أني لا أعتقد بإمكانية قيام مشروع نهضوي كبير إلا على الإيمان : أقصد الإيمان الذي يزحزح الجبال، الإيمان المنبعث من تحت الأنقاض أو من تحت الرماد. فالتحرير اللاهوتي الذي ندعو إليه سوف يقدم لنا شحنة هائلة من الانبعاث والتجدد والخلاص. كنا قد ذكرنا أن القرار اللاهوتي الحاسم الذي اتخذه مارتن لوثر 1517م لم يخلّص المسيحية فقط من الأوشاب التي علقت بها عبر التاريخ وينتشلها من الوهدة التي سقطت فيها، وإنما سرعان ما تُرجم على أرض الواقع سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، فشمل التحرير كل جوانب الحياة. وكان أن عادت الثقة إلى روح أوروبا والمسيحية من جديد، وكانت انطلاقتها الكبرى وتحررها من عُقَدِها التاريخية المُزمنة.

اسمحوا لي أن أقول في الختام بأن المقدس عندنا قد استنفذ طاقته، وفُرِّغَ من معناه. لقد فُرِّغَ من تنزيهه وتعاليه الذي كان القرآن العظيم قد دشنه لأول مرة في اللغة العربية قبل خمسة عشر قرنا من الزمن. لقد تحول إلى شكليات طقوسية وقوالب قسرية جفّ فيها نبض الإيمان. هذا اللهب الأوّلي، هذه الشرارة المقدسة التي أشعلها محمد بن عبد الله في روابي مكة والحجاز، ماذا بقي منها الآن ؟ كيف تحولت وتشوّهت على أيدي الحركات الحالية حتى أصبحت غريبة عن مقاصدها الأولية ؟ كيف طُمِرت طزاجتها الغضة تحت ركام العصور والخلافات المذهبية ؟ كيف استُهلِكت من كثرة الاستخدام بحق وبدون حق ؟ كيف هرمت وشاخت وأصبحت عالة على التاريخ، هي التي كانت تشحن التاريخ وتدفع بالعرب نحو الفتوحات والأمجاد ؟ كيف خارت القوى، وانحطت العزائم ؟ كيف أصبحت الآيات القرآنية تُسحب في هذا الشأن أو ذاك، لتأييد هذا الزعيم أو ذاك بحسب الحالة والحاجة ؟ كيف دخلنا في معركة الفتاوى الحامية التي تُقذف ضد البعض كالرجم بالصواريخ ؟

يقولون: عاد الدين وعاد الإسلام، وإنهم لواهمون. فما عاد ليس إلا أيديولوجيات سياسية مغلّفة بغلافات تيولوجية. ذلك أن ما يحصل تحت أعيننا اليوم ليس عودة إلى الإسلام ولا انبعاثا أو تجديدا لروح الإسلام، وإنما عَلمنة كاسحة تتم تحت غطاء المعجم اللاهوتي القديم. ولا أحد يرافق هذه العَلمنة الجارية فعلا على أرض الواقع بخطاب نظري عربي إسلامي حديث. لا أحد يشرح لنا ما يجري، ولماذا يجري ما يجري بهذه الطريقة لا بتلك. ذلك أن الأفق مسدود والخطاب الأيديولوجي الأعمى يغطي الساحة فلا يترك أي مساحة للفكر الحر والمستنير. ومن المعروف أن المجتمع عندما يُكبت طويلا ينفجر، وعادة ما يلجأ إلى لغة آبائه وأجداده للتعبير عن نفاذ صبره وضيق عيشه. وهذا ليس تزمتا خاصا بالإسلام والمسلمين كما يزعم الغربيون، وإنما هو تعبير عن الاحتجاج السياسي والاجتماعي المشروع في ظل إخفاق التنمية وغياب الحد الأدنى من الديمقراطية والتعددية الفكرية والسياسية. افتحوا المجتمع قليلا، دعوه يتنفس شيئا ما، عندئذ يعبّر عن نفسه بغير لغة الانفجارات والتفجيرات.

لذلك نقول بأن ما نحن بحاجة إليه اليوم كخطوة أولى نحو الحل هو الانخراط في حركة تاريخية-روحية أو بالأحرى روحية-تاريخية تأخذ بعين الاعتبار النقطة الجوهرية التالية : القيام بعملية تحليل نفسي جماعية للتراث. أقصد بذلك الشروع -أخيرًا- بتطبيق منهجية النقد التاريخي على النصوص الإسلامية الكلاسيكية الكبرى والعصور الأولى للإسلام حين تشكلت الذاكرة الجماعية والوعي الجماعي الإسلامي كله. إن التراث الإسلامي هو من العظمة والكبر بحيث أنه يستحق منا أكثر من مجرد التبجيل والتبرير والتعلق العاطفي والطفولي. لقد آن الأوان لأن نرتفع به إلى مستوى الدراسة العلمية، أو أن نرتفع بالدراسة العلمية إلى مستواه. إنه يتطلب منا أن نحترمه بطريقة أخرى، أي بواسطة الدراسة التاريخية والمنهجية المقارنة المطبقة الآن في أحدث الجامعات الأوروبية.

 

 

 

 


 

لماذا لا أحبّذُ إقحامَ الدينِ في النقاشِ العلميِّ في المقهى ؟

-       عادة ما يكون عالِم الدين غير مختص في البيولوجيا وعالِم البيولوجيا غير مختص في الدين، فيحصل بينهما حوار بيزنطي لا طائل من ورائه إلا التنابز بالألقاب.

-       لأنني ضعيف في العربية وغير ملِمٍّ بعلوم القرآن والفقه والحديث.

-       لأنني أرى أن المكان غير مناسبٍ لتناول المسائل المقدّسة من قِبل كل التونسيين، متدينين وغير متدينين.

-       بما أنني مختص في البيولوجيا، فإذا كذّبني أحدٌ بآية قرآنية، قطع عني معارضته الممكنة احترامًا للقرآن وليس احترامًا لرأيه.

-       لأنني أرى أن العلمَ والقرآن لا يتناقضان في الجوهر، لكنهما خطان متوازيان لا يلتقيان إلا في القيم الإنسانية النبيلة. القرآن كتاب هداية وأحكام وإيمان، حثّ على كسب العلم والتبحّر فيه لكنه ليس كتاب علم بالمعنى البشري لكلمة علم، والإيمان أسمَى من العلم ولا وجه للمقارنة بين الثرى والثريّا.

-       لأن القرآن يقينٌ من أوله إلى آخره وحقائقه كلها ثابتة وأبدية، أما العلم فهو مبني على التجربة والخطأ والصواب وهو شك يقود إلى مزيد من الشك تتخلله حقائق ثابتة إلى حين.

-       العلم كوني أو لا يكون (Universel)، قابل للدحض والتكذيب أو لا يكون (Falsifiable)، ومختزل للحقيقة أو لا يكون (Réducteur)، أما الدين فهو مِلَلٌ ونِحلٌ أو لا يكون ("لكم دينكم ولي دين")، غير قابل للدحض والتكذيب أو لا يكون ("فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ")، شامل للحقيقة أو لا يكون ("مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ").


 

ليس بالدين وحده تحيا وتتقدم الشعوب

 

L`Universel dépasse de loin le Culturel, mais ne le nie pas.

أنا لا أعرف شعبًا واحدًا من شعوب العالم المتقدم تطور بفضل الدين وحده، إسلامًا كان أو مسيحيةً أو يهوديةً أو بوذيةً أو غيره.

لكنني في المقابل أعرف أن كل الشعوب التي نهضت هي شعوبٌ اعتمدت على العِلم وعلى مُولِّدَتِه الفلسفة العقلانية أمّ العلومِ جميعًا.

العلوم وتكنولوجياتها المتفرعة عنها والعَلمانية (Le sécularisme) والعِلمِية (L`esprit scientifique) والفلسفة العقلانية (الفلسفة الدينية ليست فلسفةً عقلانيةً وذلك لسبب موضوعي ألا وهو كونها تشتغل على المعارف اللاهوتية أي الميتافيزيقية، حيث يسود اليقين وينتفي الشك، وحيث تُمجَّد الطاعة ويُستنكَر النقد، عكس ما هو سائد في المجال العلمي) والديمقراطية (النموذج السياسي الأقل سوءًا المطروح اليوم على الساحة من بين نماذجَ أخرى كالشيوعية والإسلام السياسي والدولة اليهودية).

يبدو لي أن أملَنا الوحيدَ، نحن المسلمون، مرهونٌ بالنهلِ مِن مَعِينَين اثنَين: مَعِينٌ أولٌ واقعيٌّ يتمثل في الاستفادة من المكتسبات التي تجسمت فعلاً في الدول الاشتراكية الديمقراطية كالبلدان الأسكندنافية، ومَعِينٌ ثانٍ محتمَلٌ لكنه واعدٌ وهو الإسلام الديمقراطي على شاكلة المسيحية الديمقراطية الحاكمة اليوم في ألمانيا ميركل.

لو توكلنا على الله واعتمدنا على الإنسان، وصَدَقنا أنفسنا، ولم نكذب على الغير، فقد نحقق مصالحةً بين النقلِ والعقلِ، مصالحةٌ تاريخيةٌ ثانيةٌ ممكنةٌ وغيرُ مستوردةٍ والدليلُ القاطِعُ أنها وقعت ظرفيًّا في عهد المأمون والمعتزلة، ولا زلنا بِإنجازاتِها العلمية والفكرية كلنا نفتخر، مسلمون عَلمانيون ومسلمون إسلاميون، والله ولي التوفيق.

ما الفرق بين التفكير العلمي والتفكير الديني ؟

 

في هذا المقال، أنطلق من محاضرة ألقاها أحمد شبشوب, الأستاذ والباحث التونسي القدير في علوم التربية, أثناء المؤتمر الوطني الرابع لتعلّمية العلوم (أو فلسفة تعليم العلوم كما أود أن أسميها).

La didactique des disciplines ou épistémologie de l’enseignement.

نُظِّمَ المؤتمر في كلية العلوم بمدينة صفاقس التونسية سنة 1998 وعنوانه "التربية العلمية للتلاميذ: أيّ عوائق يجب تجاوزها ؟" قال شبشوب: "في الواقع نحن ننتمي إلى ثقافة ما زالت شديدة التأثّر بما هو سحريّ و/أو ما هو وراء الطبيعة مع العلم أن التعليم المكثف للعلوم العصرية مازال حديث العهد في تونس: في سنة 1875 بدأت مدرسة الصادقية تنشره لدى النخبة، والمفروض أن الإصلاح التربوي لسنة 1958 قام بتعميمه على كامل التونسيين، لكن علينا أن ننتظر قانون جويلية 1991  ليصبح التعليم إجباريا حتى سن السادسة عشرة، ثم قانون التوجيه سنة 2002، ورغم تعليمه الطويل مازال التونسي المتوسط يعتمد في حياته اليومية على طريقة تفكير, في إدراك العالم وتفسيره, تتداخل فيها النتائج المادية والأسباب غير المادية وهذا مخالف للتفكير العلمي".

 نبدأ بتعريف التفكير العلمي الذي يعتمد منهجية تتألف من المراحل التالية:

الملاحظة: تنبع الملاحظة من نظريات مسبقة عند العالِم وهي لا تحدث صدفة كما يعتقد الكثيرون في أسطورة حادثة التفاحة عند "نيوتن". عين العالِم، عين واعية ومُدرِكة، ليست كعيون غير العلماء والعامة.

الإشكاليات: تمثل مداخل البحوث العلمية وتأتي بعد الملاحظات الصادرة من العلماء بعد تفكير أيضًا وليس صدفة.

الفرضيات : تُطرَح قبل بداية البحث العلمي وهي استشرافٌ لنتائجه لكن تبقي رهينة التجارب, تؤكدها أو تنفيها.

التجارب: يقوم بها العالِم أو الباحث أو التقني ويتحرى فيها الدقة والأمانة العلمية.

النتائج: يجمعها العالِم أو الباحث أو التقني ويتحرى فيها الدقة والأمانة العلمية.

تحليل النتائج وتفسيرها: هي أهم مرحلة لأنها الأصعب ولا يقوم بها إلا العالِم أو الباحث الملم بالنظريات العلمية السابقة.

الاستنتاجات: هي خلاصات البحوث العلمية الذي ينشرها العالِم أو الباحث في المجلات العلمية المختصة أو يلقيها في المؤتمرات العلمية الجامعية لتوضيح رؤيته الجديدة للآخرين (Le savoir savant).

لا يوجد فصل ميكانيكي بين هذه المراحل لا في الزمن ولا في الترتيب، بينما يوجد بينها تداخل وتفاعل وأخذ ورد وتغيير في الترتيب.

 بعد هذه المقدمة، نحاول مقارنة منهجين سائدين في العالم : التفكير العلمي والتفكير الديني :

- ينبني التفكير العلمي على الأرض فهو أرضي وعلى الإنسان فهو إنساني صرف يحرّكه الشك (في مجالِ العلومِ،
الشكُّ طريقٌ إلى مزيدٍ من الشكِّ وليسَ طريقًا إلى اليقينِ
لأنه لا يوجدُ يقينًا أبديًّا في العلومِ.)، ويحرّكه أيضًا الخطأ والصواب والتطور والاختلاف في وجهات النظر وهو يحمل تاريخا وفلسفة وإيديولوجيا. يستطيع الإنسان أن يجدد ويضيف فيه بلا حدود ويعيد بناء أسسه متجاوزًا النظريات القاصرة أو غير العلمية.

- أما التفكير الديني فينبني على ما هو آت من "السماء"، فهو سماوي وإلهي وغيبي، وهو صواب لا يحتمل الخطأ، ويقين يقود حتما إلى مزيد من اليقين، وهو ثابت في نصه متحول في تفسيره. يستطيع الفرد أن يجتهد داخل دائرة صدقه دون أن يمس ثوابته.

- يتصف التفكير العلمي بالشفافية والتحدي فهو يعرض نفسه متطوعا للدحض أو النقض على صفحات المجلات المختصة وفي المؤتمرات العلمية لكل مَن استطاع إلى ذلك سبيلا, لا يحمل جنسا ولا جنسية ولا هوية ولا وطنية ولا عصبية ولا لون ولا عرق ولا دين. يراجع نفسه بلا خجل ويتخلى في أكثر الأحيان على الأفكار السابقة التي كان يمجدها في يوم ما إذا أثبتت التجربة خطأها.

- يتعالى التفكير الديني على التفكير العلمي بنسبه غير البشري (الله مصدره وليس الإنسان)، ويقينه المطلق وعدم التزامه بالزمان والمكان (صالح لكل زمان ومكان). يتعصب له المؤمنون ويكفرون غير المؤمنين، ويقصون المخالفين لهم حتى لو كانوا موحدين مثلهم (الكفر ليس الإلحاد، المسلم كافر بالمسيحية واليهودية ولا يؤمن إلا بالإسلام الدين الوحيد غير المحرّف في نظره، أما المسيحي فهو كافر بالإسلام. الملحد لا يؤمن بكل الأديان السماوية ولا يؤمن بوجود إله أصلا).

- التفكير العلمي متواضع بإنسانيته وماديته ونسبيته وتحديد مكانه وزمانه وشكه المتجدد والمتواصل.

- التفكير العلمي يؤمن به كل العالَم، والتفكير الديني يؤمن به بعض العالَم. يعرض الأول نفسه على الدحض والتعديل ويطالب الثاني بالتسليم والتقديس دون جدل.

التفكير العلمي والتفكير الديني، خطان متوازيان ولو حدث أن تواجدا في شخص واحد فهو ثنائي التفكير، ولا ضرر في ذلك عند عظماء العلماء المتدينين مثل الفيلسوف المسلم الكاتب والطبيب "ابن سينا" (980-1037) والمعلم الثاني بعد أرسطو الفيلسوف المسلم "الفارابي" (872-950) والراهب المسيحي عالِم النباتات والأب المؤسس لعلم الوراثة، القس "مندال" (1822-1884).

أما الضرر الجسيم -حسب رأيي- فيكمن في الخلط بينهما، وهذا وارد في عقول  بعض المتدينين حين يستشهدون بالعلم لتقوية إيمانهم ولو عكسوا لأصابوا، وكأن العلم في أذهانهم أعظم شأنا من الإيمان، أما بعض العلمانيين الملحدين (بفتح العين وليس بكسرها لأن المفهوم مشتق من كلمة العالَم وليس من كلمة العِلم كما يعتقد الكثيرون)، فهم يؤمنون بالإنسان ويثقون في قدرته على صنع مصيره بنفسه، لذلك يتنافسون في محاربة المقدس ويكذّبون بالدين وهذه تجارة خاسرة لو تفكّروا لأن الإيمان إحساس ذاتي لا يخضع للقياس (La mesure) ولا للتجارب العلمية أو العلوم الإنسانية.

 خلاصة القول حسب اجتهادي المتواضع: للعلم منهجٌ, مَن مشي فيه واحترم قواعده, حقق المعجزات، وللدين بابٌ من دخل فيه وصدّق معجزاته وجد فيه راحة البال.

 هذان النمطان من التفكير يستطيعان التعايش إذا احترم كل واحد منهما الآخر، لأن غاياتهما السامية تتمثل في تحقيق القيم الإنسانية النبيلة على الأرض, من عدالة وتضامن وصدق وإخلاص وسلم ومقاومة للقيم الهدامة السائدة للأسف منذ ظهور الإنسان على الأرض  من ظلم وجشع وكذب وخيانة وحرب.

العلم "عمومي مشترك" والإيمان "ذاتي بحت" رغم أن الدين في ممارسته اجتماعي أو لا يكون، أنت حر في إيمانك تمارسه كيفما يشاء ربك وتشاء أنت في علاقة عمودية، ولن تأتي فيه بجديد مهما علا شأنك. أما العلم فتمارسه كيفما يشاء اتفاق العلماء وتشاء أنت في علاقة أفقية، لذلك تستطيع أن تبدع في مجالك وتثبت صحة فرضياتك فتُجازَى على قدر إبداعاتك أو تُكذِّبُ فرضياتك فيستفيد الآخرون من النتيجة السلبية كما استفادوا من نجاحات غيرك.

 الرسالات الدينية موجهة للبشرية جمعاء فهي ليست حكرا على المتدينين، والعالَم الإنساني المادي المحسوس مِلك للعلمانيين ولغيرهم. فمِن المفروض إذن أن يكون العَلماني "متدينا محتملا" بالنسبة للمتدين المعتدل والمتسامح، ويكون المتدين "عَلمانيا محتملا" بالنسبة للعلماني المتفتح والمتفائل.

العلم والدين -لكل محرابه- فرجاءً من مريدي الاثنين أن لا يهدم الواحد منهم محرابَ أخيه في الإنسانية، وإذا رُمتَ المقام في أحدهما أو في كِليهما فالدين رحبٌ، يؤمن به المؤمنون فقط وهم كُثْرُ, والعلم أرحبُ، تؤمن به أغلبية البشر، مؤمنون وغير مؤمنين.

ستيفن جاي ﭬولد قال: "مِن الأفضل ألا نسجن أنفسنا في خانة الخيارات الخاطئة مثل: أنت مؤمن بنظرية التطور لداروين، إذن أنت ملحد، أو العكس أنت مؤمن بالله إذا أنت لا تعترف بهذه النظرية. مِن الممكن أن يكون الإنسان مؤمنا بالله ويعترف بنظرية التطور أو ملحدا ولا يعترف بها. يكوّن التفكير الديني والتفكير العلمي عالَمَين مختلفين ومنفصلين ومستقلين، فلا تطابق بينهما ولا تناقض، والمواجهة بينهما معركة خاسرة للاثنين. قد يلتقيان في علم الأخلاقيات (L’éthique)".

بعد ما نشرتُ مقالي في جريدة الشعب حول "التفكير العلمي والتفكير الديني", قرأتُ في موقع“WIKIPÉDIA" فاكتشفتُ أن ما قلتُه يتوافق تماما مع ما قاله عالِم الإحاثة الأمريكي "ڤولد" (Le paléontologiste Stephen Jay Gould):

مبدأ "فصل السلطات العقائدية والفكرية والأخلاقية بين الدين والعلم"، مبدأ يهدف إلى إرساء استقلالية متبادلة في الاختصاصات. باسم هذا المبدأ, يوبّخ "ڤولد" الأصوليين الذين يعتقدون أن قيمة النص في الكتاب المقدس تساوي قيمة النص في المجلة العلمية الثانية في أمريكا, وباسم هذا المبدأ نفسه يوبّخ أيضا العلماء الذين, بسبب إلحادهم, يهاجمون اعتقادات المتدينين.

Le texte original complet en français :

Le paléontologiste Stephen Jay Gould a dit : « Les fausses alternatives : créationniste religieux ou évolutionniste athée ? On peut être athée et créationniste comme on peut être religieux et évolutionniste ».

La science et la religion, deux mondes : Pas de concordisme, ni affrontement systématique entre les deux mondes.

Dans le site « WIKIPÉDIA », j’ai lu sur Gould : principe de NOMA (Non-Overlapping Magisteria) : non recouvrement des magistères, destiné à instaurer une autonomie réciproque des compétences de la science et de la religion dans leurs domaines respectifs.

Au nom de ce principe, Gould fustige les fondamentalistes religieux, pour lesquels le texte de la Bible a la même valeur que les Proceedings of the National Academyof Sciences (2ème revue scientifique américaine). Mais il réprouve également les scientifiques qui, en raison de leur athéisme, attaquent les croyances religieuses.

حمام الشط في7 فيفري 2010.

مشارَكة متواضعة في الجدلِ القائمِ سنة 2017 حول موضوع الأطروحة التي تُشكك في كروية الأرض ودورانها حول الشمس

 

لماذا أقول "مشارَكة متواضعة" ؟ أولا أنا لستُ مختصًّا في علوم الفضاء ولا في الهندسة الجيوفيزيائية، بل مختصٌّ فقط في ديداكتيك البيولوجيا وأستاذ علوم الحياة والأرض، ونحن معشر أساتذة هذه المادة ناقِصِي تكوين في الجيولوجيا بالذات. ثانيًا لم أقرأ الأطروحة المعنية، وحتى وإن قرأتُها فلستُ مؤهلاً لِدحضِ ما ورد فيها، والعلمُ لا يُردُّ عليه إلا بعلمٍ وفي نشريات علمية مختصة ومرقّمَة (Une revue scientifique spécialisée et cotée)، نشريات باللغة العربية غير موجودة للأسف الشديد في جميع دولِ العالَمِ العربِي. ثالثًا، العلماء أنفسهم لم يؤتُوا من العلم إلا قليلاً (مرجعيتي في حكمي هذا علمية وليست قرآنية) فما بالكَ إذن بِطالِبِ علمٍ وناقِلِه من أمثالي، لم يؤتَ من العلم إلا قليلُ القليلِ.

دون إطالة سأدلِي بِدلوي في الموضوع من خارج الموضوع معتمدًا ومركزًا على المنهجية العلمية (La méthodologie) التي تعلمتُها خلال سبع سنوات بحث علمي (AEA-DEA + Doctorat) وهي منهجيةٌ مناقضة في مجملها للحس العام السائد (Le sens commun dominant):

-       العلم -يا سادتِي يا كرامْ- تراكمٌ وبناءٌ على بناءْ (Accumulation et Construction) وليس وحيًا من السماءْ أو اكتشافًا معلقًا في الهواءْ (Une découverte brusque et spontanée) فلا تتوهموا إذن أن علمًا قد ينبثق يومًا من جامعةٍ عربيةٍ قاحلةٍ جدباءْ ولو عاش أينشتاين في الصحراء لأصبح في أحسن الحالات أمهرَ صياد غزلانٍ وضِباءْ ولو درس في تونس أو دمشق أو صنعاء لَتخرّج ببغاء أستاذُ رياضياتٍ أو فيزياءْ !

-       العلم -يا سادتِي يا كرامْ- يلزمه مخبر والمخبر يلزمه ميزانية وميزانية العرب تُصرفُ على الانحراف والبذخ والرشوة ونشر الخرافات الجوفاءْ ! وخاصة مخابر الفضاء فميزانياتها تفوق ميزانية جامعات العرب جمعاءْ !

-       البحث العلمي -يا سادتِي يا كرامْ- أصبح اليوم جماعيًّا (Travail d`équipe) أو لا يكون ؟ والاختصاص العلمي توسّعَ بدرجة أنه لم يعد في وِسْعِ عالِمٍ واحدٍ أن يُلِمَّ بجميع فروعِه فلم يعد إذن في مقدورِ عالمٍ معزولٍ مهما كانت عبقريتُه أن يؤكد بمفرده أو يدحض نظرية علمية وهو قابِعٌ في صومعته.

-       يا سادتِي يا كرامْ، يبدو لي -والله أعلم- أن جميع أطروحات الجامعات العربية ليست إلا نُسَخًا باهتةً لعلومٍ غربيةٍ فاتها الغربُ من زمان، ولا أستثنِي أطروحتي رغم أنني حصلتُ عليها تحت إشرافٍ مشتركٍ في غالبيته فرنسي (UCBL1, 2007).

ملاحظة: سمعتُ مُؤطٍّرَ الطالبةِ -التي يُقالُ إنها متفوقةٌ- الأستاذ جمال الطوير في قناة "نسمة" يقول أنها لم تستند في بحثِها على الدين ولم تستشهد بِآية قرآنيةٍ واحدةٍ، وأنا أصدّقه إلى أن يأتي ما يخالفُ ذلك والسلام.


 

انتصارًا للديداكتيك اختصاصِي وليس انتصارًا للإسلامِ دينِي، ولكلّ مقامٍ مقالٌ ؟

 

يخافون على الصغار من التعليم الديني في بلاد مسلمة بنسبة 99%.

مَن هُمْ ؟

هم رفاقي اليساريون الستالينيون والأقربون إليهم الحداثيون ولائكيّو فرنسا المناوئون للدين عمومًا الذين، كُرهُهم الإيديولوجي للنهضاويين القاعديين (لم أقل للإسلام) أعماهم عن المنطقِ (لا تعنيني قيادة النهضة).

أقول لهم ما يلي:

1.   المدرسة السلوكية (Le béhaviorisme de Pavlov, Watson et Skinner) ترى أن الطفلَ إناءٌ فارغٌ يملؤه المعلم بما يشاء، صفحةٌ بيضاءُ يَكتب عليها ما يريد، صلصالٌ يشكّله حسب هواه.

2.   الطفلُ يا سادتي، يا مؤمنون بحرية الضمير والمعتقد، الطفلُ ذاتٌ حرةٌ مستقلةٌ تَملأ نفسَها بما تشاء، صفحةٌ بيضاءُ تَكتب على نفسها ما تريد، مخٌّ صلصالٌ غير مكتمل الوصلات العصبية المجهرية الوظيفية (La plasticité cérébrale) يتشكل حسب هوى صاحبه متفاعلاً مع محيطه وأقرانِه ومعلّمِه (L`épigenèsecérébrale).

هكذا قال زارادُشتْ أو تهيّأ لي أنه قالَ (عِلم الديداكتيك أو فلسفة التعلم أو إبسمولوجيا التعليم بكل أنواعه، فروعه وتفرّعاته) وهكذا قالت المدرسة البنائية (Le constructivisme de Montessori et Piaget) على عكس ما قالت زميلتها البافلوفية، قالت: يبني التلميذ معرفته بنفسه متفاعلاً مع محيطه، أقرانه ومعلمه (Le socioconstructivisme de Vygotsky).

3.   على سبيل الذكر لا الحصر أذكّركم ببعض الاستثناءات ولا أهدف البتّة إلى إقناعكم بل أطمح فقط إلى التخفيف من تعصبكم ضد أبناء وطنكم. ستقولون لي "الشاذ يُحفظ ولا يقاس عليه" وأنا لا أطالبكم إلا بحفظ ما سأقول، أي تصونوه مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ، أن لا تُدخِلوا أبناءَكم مدارسَ دينية وتُعلموهم في مدارسَ عَلمانية فلن يضمن لكم صنيعكم هذا أن أبناءَكم سيتخرّجون عَلمانيين:

-       مئات الدواعش الفرنسيين في سوريا المولودين في باريس وليونْ من الجيل الثاني دَرَسوا في المدارس الفرنسية العلمانية ولا يَحفَظونَ من القرآن إلا الفاتحةَ وقُلْ هو الله أحد الله الصمد.

-       مئات آلاف الدواعش السوريين دَرَسوا في المدارسَ السوريةَ الحديثةَ شبه العلمانية.

-       آلاف الدواعش التونسيينَ في سوريا دَرَسوا في المدارسَ التونسيةَ الحديثةَ شبه العلمانية.

-       أكبر مَن أجرموا في حق الإنسانية في الحرب العالمية الثانية (60 مليون قتيل) دَرَسوا في مدارسَ علمانية: سياسيو وعسكريو المحور (هتلر، موسولوني، هيروهيتو، إلخ.) وخصومهم الحلفاء (ستالين، إيزنهاور، شرشل، ديڤول) وعلماء الجهتين مصمِّمو القنبلة الذرية والأسلحة الكيميائية والألغام الشخصية وتسميم الغابات والبحر والتربة والجو. دول الحلفاء كانت تحارب دول المحور، والاثنان يتسابقان في احتلال دول العالم الثالث.

4.   في المقابل، إن الذين لم يُدخِلوا أبناءَهم مدارسَ علمانية وعلّموهم في مدارسَ دينية لم يضمن لهم صنيعهم ذلك أن أبناءهم تخرّجوا متدينين:

-       العالِم الشهير داروين صاحب نظرية التطور المناقضة لنظرية الخلق في الإنجيل دَرَسَ في مدرسة دينية.

-       الفيلسوف هيڤل دَرَسَ العالي في مدرسة دينية، كانوا يُعِدّونه ليصبح قِسًّا فأصبح أكبر فيلسوف لتاريخ الفلسفة وخاتم الفلاسفة وقد صدق في ادّعائه. لم أقرأ هيڤل، كلمتين حفظتهم أمس مساءً في مقهى الأمازونيا من صديقي فيلسوف حمام الشط لكيلا أقول على هيڤل خطأً !

-       مندال، مؤسس علم الوراثة هو قس مسيحي.

-       حسين مروة أكبر مُنظِّر في الحزب الشيوعي اللبناني وكاتب كتاب "النزعات المادية في الإسلام" دَرَسَ 14 عامًا في الحزوة الشيعية في النجف في العراق.

-       طه حسين والطهطاوي، رمزا النهضة العربية العقلانية، دَرَسا في جامع الأزهر.

-       الطاهر الحداد محرر المرأة التونسية دَرَسَ في جامع الزيتونة.

خلاصة القول: مقولةُ "غسل الدماغ" مقولةٌ فيها مبالغة: المخ ليس صحنًا نغسل بالصابون ما علق به من دهون، المخ عشرة مليارات خلية عصبية أو أكثر. كل خلية قادرة على أن تُقيم مع جاراتها عشرة آلاف وصلة عصبية أي ما يُقدّر مجموعه بمليون مليار علاقة عصبية في المخ بين خلية وأخرى. علاقات تتشكل طيلة العمر كله حسب التجربة التي يمر بها كل شخصٍ على حِده (L`épigenèse cérébrale).

وصلات عصبية غير قارّة (La plasticité cérébrale) ولا أحد يستطيع التنبّؤ بكيفية تشكلها في كل ثانية من جديد، تتشكل بالتفاعل مع ثلاثين ألف جينة داخل نواة كل خلية (ADN) ومع المحيط الخلوي الداخلي ومع المحيط الخارجي بكل مكوّناته المتعددة والمتحركة وهي غير معروف اتجاه حركتها مسبقًا. المخ البشري عالَمٌ معقدٌ جدًّا، عجز العلم عن كشف جل ميكانيزماته وأعمق أسراره

(ses mécanismes et ses mystères)

ولا أعْتَى حاسوب في "سيليكون فالِي" أمريكا أو الصين يَقدر على مراقبة تفاعلاته الفيزيائية-الكيميائية أو قيس ذبذباته الكهرو-مغناطيسية، لا يَقدر عليه إلا الخالق الذي أبدعه و"ما أوتيتم من العلم إلا قليلا" !

خاتمة: أنا أدينُ وبشدة كل تجاوزٍ يقع على الأطفال وفي أي مكان في تونس أو في العالَم، الرڤاب أو غيرها، وإذا ثبتت التهمة على المتهمين في قضية المدرسة القرآنية بالرڤاب فأنا أطالب بتسليط أشد العقاب عليهم هم وعلى مسؤولي الطفولة المحليين والجهويين والوطنيين ولا تنسوا أمثالهم السياسيين والإداريين.

لي طلبٌ آخرَ ولو أنني أثقلتُ عليكم زملائي البيداغوجيين ورفاقي اليساريين والحداثيين ولائكيِّ فرنسا: لا تنسوا أن تتفقدوا ما يحدث من تجاوزات مماثلة أو أفظعَ في مهرجانات الأولياء الصالحين (الله ينفعنا ببركاتهم) والروضات ونوادي الأطفال والمبيتات التلمذية والرحلات المدرسية بأكثر من يوم وإقامات المصائف والجولات المطوّلة وغرف ملابس الصغار في ملاعب الكرة والمخيمات الكشفية والمراكز المندمجة (قُرَى أطفال بورڤيبة سابقًا)، إلخ. هذا لا يعني تمييعًا لجريمة الرڤاب وليس تبريرًا لها ولا تخفيفًا بأي شكلٍ من الأشكالِ.

لماذا كتبتُ هذا المقال ؟: هو مواصلة لنقاش في مقهى الشيحي وليس ردّا أو استفزازًا لأحد. لقد تناولتُ الموضوع من جانب علمي ديداكتيكي (فلسفة التعلّم، تعلّم القرآن أو غيره من المواد) وليس من جانب عاطفي ديني وإن لم تصدّقوني فـ"اجعلكم لا صدّقتم" ! لكي أكتبَ يكفي أن أصدّقَ نفسي وأرضِي ضميري وبَسْ. ولو سألوني أين ستُعلِّم ابنك ؟ سأجيبُ كالآتي، مع العلم أنني لستُ نهضاويًّا ولن أكون ولا جبهاويًّا ولن أكون أيضًا. أنا مسلم يساري، يسار ما قبل ماركس، علماني على الطريقة الأنڤلوساكسونية غير المناوئة للدين عمومًا والحمد لله على ما أعطاني:

-       قبل المدرسة أدخِله كُتّاباً (3-6) لا يُحفَّظ فيه إلا القرآن ودون تفسيرٍ، درسٌ أعتبره علميًّا حمّامًا لغويًّا (Un bainlinguistique) يتعلم فيه الفصحى والنطق السليم للحروف مثلما تعلمتهما أنا في "خَلوة" جمنة في الخمسينيات عند "المِدِّبْ" محمود، الله يرحمه.

-       في التعليم العمومي الأساسي (6-15) يتعلم المواد الأخرى ويتعلم القرآنَ والتفسيرَ والحديثَ والشرحَ في التربية الإسلامية.

-       في التعليم العمومي الثانوي (15-19)، علمي أو أدبي، يتعلم الفقهَ والتفكيرَ الإسلامي.

-       في التعليم العمومي العالي (19-22)، علمي أو أدبي، يتعلم الدينَ المقارنَ اختصاص علي شريعتي (قال عنه سارتر الفيلسوف الوجودي الملحد: لو قررتُ يومًا أن أختارَ دينًا لاخترتُ دينَ صديقي علي شريعتي، أي الإسلام) ويتعلم أنتروبولوجيا الأديان اختصاص جاكلين الشابي.

-       يحق لكل مواطن تونسي مسلم غير يساري وغير علماني أن يُدخِلَ ابنه مدرسة علمانية أو يُدخِلَه مدرسة دينية من الكتّاب إلى الجامعة وليس ضروريًّا أن يعلّمه علوم الدين فقط وهذا النوع الأخير من التعليم الديني موجود وبكثرة في الدول العلمانية المسيحية والدولة العلمانية اليهودية مغتصبة فلسطين.


 

الواقعُ المَعِيشُ بين صورتِه الحقيقية وصورتِه المثالية في النصوصِ المقدّسةِ دينيًّا أو إيديولوجيًّا !

 

ما الضرَرُ مِن النظرِ في الواقعِ المَعِيشِ فقط من خلال صورتِه المثالية في النصوصِ المقدّسةِ دينيًّا أو إيديولوجيًّا ؟

هل يجوزُ إنكار الصورة الحقيقية للواقع المَعِيش وتصديق الصورة التي تنقلها عنه النصوصُ المقدّسةُ دينيًّا أو إيديولوجيًّا ؟

تعليق الذكاء الاصطناعي على هذا السؤال الثاني أضافه شادي ناجي، صديق فيسبوكي متابع وفيّ لما أنشر :

إن إنكار الصورة الحقيقية للواقع المعيش لصالح تصديق الصورة التي تنقلها النصوص المقدسة أو الإيديولوجية يطرح عدة إشكاليات فلسفية وعملية تتعلق بالتوازن بين الحقيقة الموضوعية والإيمان أو الالتزام الفكري. يمكن تناول المسألة من عدة زوايا:

1.    من زاوية فلسفية معرفية:

النصوص المقدسة والإيديولوجيات غالبًا ما تقدم رؤية مثالية أو معيارية للواقع، تسعى لتفسيره أو تغييره، لكنها قد تكون غير متطابقة تمامًا مع الواقع الفعلي. إذا كان الواقع يقدم دلائل حسية أو تجريبية تتعارض مع التصور الإيديولوجي أو الديني، فإن إنكار هذا الواقع قد يؤدي إلى انفصال عن الحقيقة.

الفيلسوف الديني أو الإيديولوجي الحصيف قد يرى أن النصوص بحاجة إلى تأويل أو فهم سياقي يناسب الواقع، مما يسمح بالجمع بين الإيمان أو الفكر واحترام الواقع الملموس.

2.    من زاوية دينية:

في السياق الديني، الإيمان يتطلب أحيانًا قبول حقائق ميتافيزيقية قد لا تكون قابلة للتحقق التجريبي. لكن إذا تعارضت النصوص مع حقائق محسوسة ومؤكدة، فإن كثيرًا من الفقهاء والفلاسفة المسلمين والمسيحيين، على سبيل المثال، قد أشاروا إلى ضرورة التفسير الرمزي أو المجازي للنصوص لتجنب التناقض.

3.    من زاوية اجتماعية وسياسية:

إنكار الواقع المعيش لصالح تصديق صورة إيديولوجية قد يؤدي إلى تصرفات ومواقف لا تنسجم مع الاحتياجات العملية للناس. الإصرار على صورة غير واقعية قد يؤدي إلى فشل السياسات أو الممارسات الاجتماعية.

لكن في بعض الأحيان، قد يكون تصديق رؤية إيديولوجية أو دينية وسيلة لتحفيز الناس على تحسين أوضاعهم أو تجاوز صعوباتهم.

4.   موقف التوازن:

يتطلب التعامل مع هذه المسألة مرونة فكرية، بحيث يكون هناك اعتراف بالواقع المعيش مع البحث عن الطرق التي يمكن بها الاستفادة من النصوص المقدسة أو الإيديولوجيات لإصلاح هذا الواقع بدلاً من إنكاره.

الخلاصة:

لا يُعدُّ إنكار الواقع المعيش لصالح النصوص أو الإيديولوجيات مقبولًا إذا كان يؤدي إلى تجاهل الحقائق وإلحاق الضرر بالناس أو المجتمعات. الأفضل هو الموازنة بين الاستفادة من النصوص كمصدر للإلهام أو التوجيه وبين مواجهة الواقع كما هو والعمل على تحسينه.

انتهى تعليق الذكاء الاصطناعي.

 

-       النص القرآني كرّمَ المرأة. لا أشك في ذلك، خاصة بالمقارنة مع الأديان والحضارات التي سبقته. ولكن هل أغلبيةُ مسلِمِي اليوم يُكرّمون نساءهم ؟ أشك في ذلك !

-       النص الماركسي ألّهَ العاملَ اليدوي، صانِعُ الثروةِ. لا أنفِي ذلك. ولكن هل الأنظمة الشيوعية المنقرضة والحالية احترمت إلَاهَهَا الذي اصطفته إراديًّا لنفسها ؟ قَطعيًّا أنفِي ذلك !

-       النص القرآني يؤكد "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر". ولكن هل نهت الصلاةُ أغلبية مصَلِّي اليوم عن كل الفحشاءِ وكل المنكرِ؟ لستُ متأكدًا من ذلك !

-       الرسول محمد - صلى الله عليه - وسلم يعرّف المسلم كالآتي: "المسلم من سلم الناس من يده ولسانه"(حديث). من وجد منكم مسلما واحدا بهذه الصفات في العالم الإسلامي المعاصر، فليدلّني عليه مشكورًا ؟ لنكن متفائلين: يبدو لي أن أغلبية المسلمين المقيمين في الدول العلمانية هم على مكارم الأخلاق سائرون (يمثلون 40% من الأمة الإسلامية).

-       النص الماركسي حرّر الإنسان من الاستلابِ والإيمانِ بالأوهامِ. نصٌّ رائعٌ. ولكن هل الأنظمة الشيوعية المنقرضة والحالية حرّرتِ الإنسان؟ على العكس ابتكرت لاستعبادِه أجهزةً حديثةً كالحزبِ الشيوعي الأوحدِ والزعيمِ الأوحدِ ؟

-       النص الماركسي يقول: "مِن كُلٍّ حسب جَهْدِهِ، ولِكُلٍّ حسب حاجَتِهِ". قِمّةٌ في نكران الذات والتضحية الإرادية مِن أجل خدمة المجموعة الوطنية، وهذا ما فعله عمال واحة ستيل بجمنة دون أن يقرؤوا حَرفًا واحدًا من مؤلفات ماركس. لكن في الأنظمة الشيوعية المنقرضة والحالية، نحن رأينا ولا زلنا نرى أن العامل قدّمَ كلَّ جهده ولم يدّخر منه شيئًا، لكنه أخذ أقل من حاجته بكثيرٍ، أما أعضاءُ الحزب الشيوعي الحاكم (Nomenklatura en Ex-URSS, en Chine, en Corée du Nord, au Vietnam et à Cuba) فلم يُقدموا للعمالِ شيئًا وأخذوا في المقابل كل شيءٍ. وحالُ العمال في الدول الرأسمالية ليس أفضلَ بكثيرٍ حيث المستغِلُّ الأوحدَ أيضًا، اسمه طبقة الأغنياء التي تمثل نسبتها 10 % من سكان العالم تتنعم دون وجهِ حقٍّ بما تنتجه طبقة الفقراء التي تمثل نسبتها 90 % من سكان العالم، باستثناء عمال الدول الأسكندنافية الاشتراكية الديمقراطية حيث قُلِّمَتْ مخالبُ الرأسمالي قليلاً وحيث تُراعَى حقوقُ العمال بصفة أفضل من باقي دول العالم الشيوعي والرأسمالي.

-       الحديث يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". أكاد أجزم أنه لم يبقَ للمسلمِ شخصًا واحدًا من غير المسلمين يرغبُ في أخوته أو يتشرّفُ بها في العالم، وذلك مِن شر أفعال قلة من قليلة المسلمين !

-       النص القرآني يقول في صريح الآية أحادية الدلالة: "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا". واليوم -ويا للهولِ- نحن نرى بأعيننا على الفضائيات كيف يتفنن جلادو الحركات الإسلامية الإرهابية في قتلِ الناسِ جميعًا بضميرٍ مرتاحٍ وكأنهم يذبحون خروفَ العيد.

خاتمة: وإذا بدا للبعضِ منكم بعضُ الاختلافِ الظاهرِ بين حقيقة النص القرآني وحقيقة الواقع المعيش. فما الحل وما العمل ؟ المؤمن المسلم سيجيب دون ترددٍ: "وكفى بالله شهيدًا". هو طبعًا على صوابٍ ولا يحق لأحدٍ لومه على امتثاله لأوامر الله دون جدلٍ أو نقاشٍ، وهو حسب رأيي (غير الفقهي) ليس في حاجة لأي دليلٍ مادي حتى يؤمن أو لا يؤمن، هو مؤمنٌ، بالعلم أو بدونه، مؤمنٌ، سانده العلمُ أو لم يسانده، "الإيمان نورٌ قذفه الله في القلب" كما قال حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي، قذفه قبل اكتسابِ الإنسانِ للعلم أو معه أو بعده.

 


 

الهوية

"الريحُ يسيِّرها ربُّها أما السفينةُ فيوجهها رُبّانُها" محمد كشكار، قولة مستوحاة من أمين معلوف

 

 


 

حفرَ الغربُ هُوَّةً بين مستقبل العربِ وحاضرهم وحفر العربُ بأيديهم هُوَّةً أخرى بين حاضرهم وماضيهم المجيد جزئيًّا ونسبيًّا، فأصبحوا أمة بين هُوَّتَيْن أو هاوِتَيْن ! ترجمة مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

 

المصدر:

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.

نبذة عن أمين معلوف:

كاتب باللغة الفرنسية (Prix Goncourt 1993 pour « Le Rocher de Tanios »)، مزدوج الجنسية، من عائلة وتنشِئة مسيحية-عربية، لبناني-فرنسي، متعدد الهويات، لا ينكر انتماءه إلى أي واحدة منها وفي الوقت نفسه لا يضخّم من شأن واحدة على حساب الأخرى.

نصوص مختارة من أمين معلوف:

صفحة 76: "الشيء الذي أناضل اليوم ضده وسأناضل دومًا ضده، هو هذه الفكرة الثنائية الخاطئة القائلة بوجود من جهة، دينٌ -مسيحي- يهدف إلى نشر التقدم والحرية والتسامح والديمقراطية، ومن الجهة الأخرى دينٌ -إسلامي- مهيأ من البداية للاستبداد والظلامية".

"أعرِّف المؤمن كالآتي: هو مَن يؤمن بـبعض القيم -التي ألخصها في واحدة :  كرامة الكائن البشري. أما الباقي فلا يعدو أن يكون إلا أساطير وآمال".

"لا تخلو ديانة من التعصب والتشدد والتطرف، لكن إذا قمنا بجردِ ما أنجزته الديانتان المتنافستان عبر التاريخ، لَلَاحظنا أن الإسلامَ لا يخجل من ماضيه.  لو كان أجدادي مسلمين في بلدٍ محتل من قِبل الجيوش المسيحية عوض أن يكونوا مسيحيين في بلدٍ محتل من قِبل الجيوش الإسلامية، لا أعتقد أنهم كانوا قادرين على مواصلة العيش والمحافظة على إسلامهم في مدنهم وقراهم طيلة 14 قرن. ماذا حصل في المقابل لمسلمي إسبانيا وسيسيليا ؟ انقرضوا عن بكرة أبيهم، مقتولين أو مُكرَهين على الهجرة أو مُمَسَّحِين بالقوة. منذ فجره، يزخَر التاريخ الإسلامي بقدرة عجيبة على التعايش مع الآخر. في أواخر القرن XIX، كانت إستطبول، عاصمة أكبر قوة إسلامية في ذلك العصر، تعدّ في سكّانها أغلبية غير مسلمة، أساسيا يونانيين وأرمينيين ويهود. لـنتخيل في نفس العصر أن نصف سكان باريس أو لندن أو فيانّا أو برلين يتكون من مسلمين ويهود ؟ لا يزال بعض المواطنين الأوروبيين إلى اليوم يمتعضون من سماع الآذان في مدنهم".

"يجب أن نقارن ما يصلح للمقارنة. أسّسَ الإسلام "اتفاقية تسامح" (un “protocole de tolérance”) في عهدٍ كانت فيه المجتمعات المسيحية لا تتحمل الآخر".

"بعد ما كان العالَم الإسلامي وعلى مدى قرون، رافعًا راية التسامح، أصبح اليوم في مؤخرة الأمم" (كشكار: "أضحى العالَم الإسلامي اليوم يُنعتُ بالتشدد والتطرف والتعصب والرجعية والظلامية ومعاداة المرأة والفن وحقوق الإنسان".)

"بالنسبة لي، بيّنَ التاريخ بوضوح أن الإسلامَ يحمل في داخلِه استعدادات وإمكانيات كبيرة للتعايش والتفاعل الخصب مع الثقافات الأخرى، لكن التاريخ الحديث بيّن أيضا أن رِدّة قد تحدث وقد تبقى هذه الإمكانيات الكامنة فيه كامنة على طول. (...) لو طبقنا التاريخ المقارَن على العالَم المسيحي والعالَم الإسلامي، سنكتشف من جهة، دين متعصب، حامل لنزعة الاستبداد، لكنه تغيّر شيئا فشيئا إلى دين تفتّح على الآخر، ومن الجهة الأخرى، دين حاملٌ لرسالة تفتّح، لكنه شيئا فشيئا انحرف إلى سلوكيات متطرفة واستبدادية".

صفحة 85: "المجتمع الغربي صَنَعَ الكنيسة والدين اللذان كان هو في حاجة لهما". ... كل المجتمع شارَك، بمؤمنيه وملحديه" (كشكار: " يبدو لي، حسب اجتهادي، أن هذه الجملة الأخيرة لأمين معلوف، يقابلها في قرآننا : "إن الله لا يغيّر ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم").

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 23 نوفمبر 2015.


 

لا وجود لإيديولوجية بريئة من دم الأبرياء. أمين معلوف. ترجمة مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

 

نص أمين معلوف

صفحة 70: "علّمَنا القرن العشرون أن لا وجود لإيديولوجية تحريرية بطبيعتها. كلها قد تنزلق، كلها قابلة للتحريف، كلها ملوثة أياديها بالدماء، الشيوعية، الليبرالية، القومية، كل دين من الديانات الكبرى وحتى اللائكية لم تسلم هي أيضا. لا أحد يحتكر التعصب الإيديولوجي ولا أحد، على العكس، يحتكر التسامح الإنساني".

المصدر

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages

إمضائي المحيّن:

قال الشاعر الشيوعي التركي العظيم ناظم حكمت: "أنا الذي أحمل في رسغي الطوق الحديدي، وكأنه سوار من ذهب، وأتطلع إلى حبل المشنقة، دون أن يهتز لي جفنٌ فهل يهتز لتهديدك نعلي ؟".

قال علي حرب: "الحقيقة أن الفلسفة لا تعدو كونها تجربة إنسانية فريدة، تحقيقا لحلم شخصي". "الإنسان لا يقع خارج التاريخ بل داخله. ولا يتعالى عليه بل ينخرط فيه. من هنا قلما تصح النبوءات والتكهنات".

قال جان بول سارتر: "يجب ألا نشعر بالخجل عندما نطلب القمر".

قال أنشتاين: "لا تُحَلّ المشاكل باستعمال نفس أنماط التفكير التي أنتجتْها".

قال جبران خليل جبران: "وعظتني نفسي فعلمتني ألا أطربَ لمديحٍ ولا أجزعَ لمذمّةٍ".

قال مواطن العالَم د. محمد كشكار: "يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا -اقتداء بالمنهج العلمي- أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد". "لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة والبراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى". "على كل مقال يصدر عَنِّي قد يبدو لكم ناقصا أو سيئا نرد بمقال كامل أو جيد، لا بالعنف اللفظي". "عندما تنقد إيديولوجية في حضور صديقك تُطلعه على جزء من فكرك فإن كانت غير إيديولوجيته شجعك وشكرك وإن كانت إيديولوجيته تجاهلك واحتقرك". "ألا ليتني كنت ذاتا لا تنشر ولا تكتب فألَمُ التغريد خارج السرب أمرّ من ألَمِ الصمت". "نفسي مثقلة بالأحلام فهل بين القُرّاء مَن يشاركني حُلمي ويخفّف عني حَملي؟". "لا يوجد دينٌ محصَّنٌ من الضلال الفردي ولا دينٌ ينفرد بالتقوى". "أنا الذي أحمل في رأسي نقدٌ دائمٌ للسائد القائم وكأنه مرضٌ مزمِنٌ وأتطلع إلى مواجهة الحجة بالحجة دون أن يتهافت عقلي فهل تعتقد يا تُرى أن يهتز لعُنفك اللفظي نَقدِي ؟".

أؤكد ما قلت صادقا مع نفسي وليس عن تواضع مبطّن بالغرور، ولا عن مَسكنة يُراد بها استجداء العطف، إنما لأنني أعي جيدا أن اختصاصي العلمي يبقى بطبيعته ناقصا محدودا واختزاليا.

معنى كلمة "كشكار":

"كشكار دائم ولا علامة مقطوعة" (مَثل متداوَل في مصر منذ سبعة قرون). تفسيره: الكشكار هو الدقيق الخشن الذي يقدر على شرائه الفقراء، والعلامة هي الدقيق المكرَّر الذي لا يقدر على شرائه الفقراء. يشرِّفني أن تكون مقالاتي الفيسبوكية غذاءً فكريّا في متناول الفقراء.

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 20 نوفمبر 2015.

 

 

 


 

يجب ألا نخجل من أنفسنَا، لنا ضلع في هذا الإرهاب كما لغيرنَا ولنا كما لغيرنَا أيضا باع وذراع في المشاركة الفعّالة في بناء الحضارة الإنسانية ! مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

 

ملاحظة:

الفكرة الأصلية للمقال مستوحاة من كتاب :

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.

نص محمد كشكار:

كتب أمين معلوف ص 94: "أنا أعتبِرُ الحضارة الغربية المعاصِرة المسيطِرة حدثًا لا سابقةَ له في التاريخ. مرّت في التاريخ فترات تجلَّى فيها تقدّمُ بعض الحضارات على غيرها جميعًا (الفرعونية المصرية، ما بين النهرين في العراق، الصينية، اليونانية، الرمانية، البيزنطية أو العربية-الإسلامية). لكن ما تفجّرَ في أوروبا منذ القرن الثالث عشر ميلادي هو شيء مغاير تمامًا. أنا أتمثله كعملية إخصاب: عديد الحيوانات المنوية تتجه نحو البويضة، واحدٌ منها فقط نجح في اختراق غشائها وأبعِدَ باقي المرشحين. من الآن فصاعدا أصبح للحضارة الغربية المسيطِرة أبٌ واحدٌ، لا أبًا قبله ولا أبًا بعده، وله وحده سيشبه الابن. لماذا هو وليس غيرَه ؟ هل هو أفضل من جيرانه أو منافسيه ؟ هل كان الأسلم فيهم أو الأكثر وعْدًا مستقبلا ؟  ليس بالضرورة، ليس بصورة قاطعة. عديد العوامل تدخّلت في انبثاق الحضارة الغربية، منها ما هو مرتبط بأداء وكفاءة المواطن الغربي، ومنها ما هو خاضع للظروف الموضوعية، ومنها ما هو رهين الصدفة..." انتهت الاستعارة وتوقف الاستشهاد.

رغم أن الحظ لم يحالِفنا ولم نلقِّح بويضَة الحضارة المتفوقة لكننا لم نكتف بدور المتفرج: في تأسيس العمران شاركنا وفي تطوير الطب والفلك والجبر والألڤوريتم والبصريات كذلك فعلنا وفي التعايش بين الأديان سبقْنا. كنا لهذه البويضة بمثابة الرحم الحنون ولم نتنكر للمولود إلا بقدر عقوقه لنا. في القرنَين الماضيين، غذّينا الغربَ بعَرَقِنا ولم يبخل عليه ملايين عمالنا المهاجرين بجهدهم في مزارعه ومصانعه، دخلوا دواميسَ مناجمه واستخرجوا فَحْمَها وبأيديهم عبّدوا طرقاته السيّارة وشيدوا قناطره وأعلوا ناطحات سحابه. واليوم مئات الآلاف منّا يدرّسون في معاهده وجامعاته ويعملون بحّاثة في مخابره، وبفضل ابتكاراتهم نالَ الغربُ أعلى الجوائز العالمية العلمية والأدبية (أحمد زويل وفاروق الباز ومحمد أوسط العياري وأمين معلوف والطاهر بن جلون ومحمد أركون وغيرهم كثيرون).

لماذا نُصِرُّ على رفضِ مولودٍ (الحضارة الغربية)، شاركْنا، نحن المُبدِعون باللغة العربية عبر التاريخ، في تنشِئته وتربيته وأفدنا واستفدنا ولا زلنا نستفيدُ من ذكائه ! كمواطن عربي-مسلم، أنا أناضل لمرافقة نفسي ورفاقي في العِرق والثقافة من أجل مساعدة أنفسنا على تخطي أزمة الهوية التي نمرُّ بها في هذا الزمن الرديء. نساعد أنفسنا على تجاوز حزننا على فقدان جزء هام من هويتنا وحضارتنا العربية-الإسلامية دون الإحساسِ بمرارة عقدة الذنب أو حلاوة وهم التفوق ودون شعورٍ بالإهانة ودون تنكّرٍ لتاريخنا المجيد جزئيًّا ونسبيًّا ككل التواريخ.

حضارتهم شاركنا في صنعها وإرهابنا شاركوا في صنعه. صحيح أنهم تفوقوا علينا علميًّا وتكنولوجيًّا والغريب أنهم كذلك فعلوا في مجال الإرهاب، فلا ينتظروا منّا إذن تبنّي انفرادي للقيط مزدوج الهوية (الإرهاب)، سليل صلبنا وصلبهم في آن. نحن اكتوينا بنارَين، نارُ إرهابهم الجوّي ونار إرهابنا الأرضي. ما أبعد إرهابهم على إرهابنا ! ما أكثر قتلانا ضحية إرهابَيْن (إرهابهم وإرهابنا) مقارنة بعدد قتلاهم ! نُدينهم ونُدين أنفسنا وسنقاوم إرهابهم وإرهابنا وسننتصر بحول السماء وسنبقى شامخين أحياء كالنسر فوق القمة الشمّاء. أتمنى أن نتخلى عن عاداتِنا الجاهلية، نزرعُ البذرة ونُنكِر نسبَ المولود في الحالتيْن !

سؤال إنكاري:

لماذا لا تصنَعُ الدولُ الأسكندنافية -مثَلي الأفضل حاليًّا- إرهابًا، ولا تصدِّرُ إرهابًا، ولا تستورِدُ إرهابًا، ولا تغذِّي إرهابًا، ولا تأوي إرهابًا، ولا تسلّطُ إرهابًا على أحد، لا في الداخل ولا في الخارج، ولم يُسلَّط عليها إرهابٌ إلا نادِرًا ؟

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 25 نوفمبر 2015.

 

 

 

 


 

يبدو أن الأبناء يشبهون عصرهم أكثر مما يشبهون أجدادهم. ترجمة مواطن العالَم محمد كشكار، دكتور في إبستمولوجيا تعليم البيولوجيا

 

المصدر:

Les identités meurtrières, Amin Maalouf, Ed Grasset & Fasquelle, Paris, 1998, 211 pages.

نص أمين معلوف:

صفحة 135-136: يبدو أن الأبناء يشبهون عصرهم أكثر مما يشبهون أجدادهم. لا أبالغ عندما أقول أنني أجد أشياء كثيرة مشتركة بيني وبين أي مواطن مارّ بالصدفة في شوارع باريس، القاهرة، لندن، روما أو داكار أكثر مما أجده بيني وبين جَدُّ جَدِّي. ليس فقط في تشابه المظهر الخارجي واللِّباس والمِشية، ليس فقط في نمط الحياة ونوعية العمل وهندسة السكن والأشياء المستعملة في المعيش اليومي، لكننا نتشابه أيضا في التصورات الأخلاقية وطُرُقِ التفكير والاعتقاد. مهما كُنّا، مسيحيين أو مسلمين أو يهود أو بوذيين أو هندوسيين أو بَهائيين، فإن نظرتُنا لهذا العالَم المادي أو العالَم الآخر لا تمت بصلة لِما كان يراه أجدادنا منذ 500 عام.

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، السبت 28 نوفمبر 2015.

 

 

 

 

 


 

فلسفة حول العنوان (L`adresse) ؟ الفيلسوف الفرنسي ميشال سارّ، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

لو تسألني: ما هو عنوانك ؟ أقول: 4 نهج باردو حمام الشط (محدَّد في الجغرافيا والفضاء ويخضع للقانون منذ زمان مثل الجباية البلدية، أي "الزبلة والخرّوبة"). عنوان يصلني فيه الإشهار فأرميه في سلة المهملات.

لو أعدتَ عليَّ السؤال ؟ أقول: 23139868، رقم جوّالي، وعنواني الألكتروني هو mkochkar@gmail.com. عنوانَان فِعليان لكنهما غير محدَّدَين في الجغرافيا والفضاء أو الأصحّ، محدَّدَان في فضاءٍ آخرَ بمعاييرَ جديدةٍ، فضاء، المسافات فيه لم تتغيّر لكن سرعة اختراقه هي التي تغيرت، فضاء لا يخضع للقانون ولا للسياسة، فضاء صَنَعَ قانونه وسياسته، فضاء صَنَعَ ثورةً ثقافيةً، فضاء أضاع ذاكرتنا وعوّضها ببنوك للمعلومات.

حمام الشط، الخميس 27 سبتمبر 2018.

 


 

فلسفة حول الذاكرة (La mémoire) ؟ ميشال سارّ، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

القدرات الذهنية ثلاث: الذاكرة، الخيال والعقل

Trois facultés intellectuelles : la mémoire, l`imagination et la raison.

خسرنا واحدة، الذاكرة. لم نخسرها بل أخرجناها من مكانها الطبيعي، المخ، وصنعنا لها بيتًا أضمن وأوسع، الحاسوب.

Nous avons perdu la la mémoire, il nous reste l`intelligence, l`inventivité, nous sommes libérés des travaux répétitifs non intelligents.

حمام الشط، الخميس 27 سبتمبر 2018.


 

« Moi, je suis un être exceptionnel, et chacun de vous est un être exceptionnel ! » Albert Jacquard. Commenté par Citoyen du Monde Mohamed Kochkar

Source : Intervention d'Albert JACQUARD - séminaire du 10-03-2012. Vidéo sur You Tube.

Je suis un être exceptionnel, c`est-à-dire unique au monde, il n`y en pas deux comme moi parmi les six milliards d`individus existant au monde. Heureusement que la nature ou Dieu fait toujours du neuf et ne se répète jamais, même dans le cas des vrais jumeaux (ils sont génétiquement semblables mais épigénétiquement différents).

La nature ou Dieu fait toujours du neuf. Et nous les arabes musulmans citoyens des pays arabes, que faisons-nous de ce neuf ?  À mon avis, on le fait entrer dans notre moule pour qu`il ressemble à nous, donc il n`est plus neuf. 

Notre moule, c`est notre école, notre mosquée, notre comportement, notre religiosité biaisée et nos valeurs usuelles (opposées aux nobles valeurs universelles ou islamiques authentiques),.

À chaque seconde, à chaque nouvelle naissance, la nature ou Dieu nous offre une nouvelle occasion pour se racheter. Malheureusement les arabes la ratent de nouveau !

كلّما قامَ في البلادِ خطيبٌ ......... مُوقِظٌ شَعْبَهُ يُرِيدُ صَلاَحَهْ

ألبسوا روحَهُ قميصَ اضطهادٍ ....... فاتكٍ شائكٍ يردُّ جِماحَهْ

أخمدوا صوته الإلهي بالعسف..........أماتوا صداحه ونواحه

فعلها الأندلسيون المتزمتون قبلك يا شابي مذ أحرقوا كتب ابن رشد ونفوا أفكاره إلى الغرب وجسمه إلى المغرب وفعلها الاستعمار في عصرك وللأسف لا زال بعد الاستقلال يفعلها أبناء وطنك.

Haut du formulaire

 


 

للتأمُّلِ: بطاقة تعريفي الوطنيّة، هل تُعرِّفُ بي كذاتٍ أو كفردٍ مُجَزَّءٍ من مجموعةٍ ؟ مواطن العالَم

 

بطاقة عدد 04357189، هل عرفتني ؟ لا، رقمٌ بِثمانية أعداد (Un nombre à 8 chiffres) ! قد يكون رقمَ هاتفٍ قارٍّ ؟

اللقب كشكار. هل عرفتني ؟ لا، لقب غير منتشر في تونس لكنه موجود في الجزائر وسوريا وتركيا وروسيا !

الاسم محمد. هل عرفتني ؟ لا، منك ملايين في كل العالَم الإسلامي !

تاريخ الولادة 16 نوفمبر 1952. هل عرفتني ؟ لا، ملايين وُلِدوا في نفس التاريخ !

مكانها جمنة. هل عرفتني ؟ لا، عشرات المئات وُلدوا بنفس الفردوس الأرضي !

اسم ولقب الأم : آمنة بن أحمد بن حمودة. هل عرفتني ؟ لا، ما أكثر الآمنات تبرّكًا بأم الرسول صلى الله عليه وسلم !

المهنة متقاعد. هل عرفتني ؟ لا، قرابة المليون في تونس من المهمّشين أمثالك !

العنوان 4 نهج باردو حمّام الشط بن عروس. هل عرفتني ؟ لا، قد تكون أنتَ أو زوجتك أو ابنتك أو ابنك الأول أو ابنك الثاني أو قريبٌ مقيمٌ عندك ؟

اجمَعْ كل هذه المعلومات أعلاه. هل عرفتني ؟ لا، كلها أسماء لمجموعة انتماءات (Des appartenances). أنتَ، أين أنتَ كذاتٍ داخل هذه الانتماءات الواسعة والغامضة ؟

بماذا يُعرَّفُ الفردُ إذن ؟ ربّما بِموروثِه الجيني (Son ADN) ؟

ألم تقل لي في محاضرتك السابقة أن شخصية الفرد تنبثق من تَفاعُلِ جيناته مع محيطه ؟ ألا تعرفُ أن الفردَ هو كائنٌ مستقبليٌّ متحوِّلٌ

Un être en perpétuel devenir

وليس حاضرًا ولا ماضيًا ؟

ربّما يُعَرَّفُ بِطَيْفِهِ الفيروسي (Son spectre viral) ؟ تسكن الجسم البشري مليارات الفيروسات موزَّعة على شكل خريطة لا تتكرّر من فردٍ إلى آخرَ، مثل خريطة خطوط البصمات.

هل عرفتني ؟ المعذرة، لم أعرفك بعدُ ! وهل أنا عرفتُ نفسي حتى تعرفني أنتَ ؟ فرويد نفسه فشل في تعريفي فكيف تدّعي أنتَ أنك تعرفني ؟ أنسيتَ منطقة اللاوعي في شخصيتي (L`inconscient) ؟

قالها سقراط منذ قرابة 25 قرنًا : اِعْرَفْ نفسكَ (Connais-toi toi-même).

كرّرها ديكارت منذ خمسة قرونٍ : أنا أفكر إذن أنا موجود

“Je pense donc je suis”

خلاصة القول: ذاتُ الفردِ أو ماهيتُه مفهومٌ قديمٌ قِدَمَ تاريخ الحضارات، ورغم ذلك ما زال الفردُ يُظلَمُ ويُعرّفُ بانتماءاته. انتماءاتٌ لا تعرِّف به بل في بعض الأحيان قد تشوّهه : مثلاً، في أوروبا يعرّفونني بـ"مسلم عربي" وعن جهلٍ منهم بالإسلام والعرب يصنّفونني فورًا وظلمًا في خانة الإرهابِ والتخلّفِ ! فهل أشرحُ لكل فردٍ منهم أن المسلمَ هو مَن سلِمَ الناسُ من يدِه ولسانِه، وأن العروبة ثقافة، ولا ثقافة تعلو على ثقافة حسب ما علّمنا علماء الأنتروبولوجيا الأوروبيون أنفسهم ! في جمنة يعرّفونني بـ"يساري عَلماني" وعن عدم سِعةِ اطّلاعٍ منهم بتاريخ اليسار وتاريخ العلمانية وتفرّعاتهما، يحشرونني فورًا وظلمًا أيضاً في خانة ماركس والكفّار ! فهل يُرضيني هذا التعريفُ بالانتماء إلى مجموعة مفاهيم-حقائب (Des concept-valise) ؟ طبعًا لا وألفُ لا ! ماذا أفعلُ ؟ أأشرحُ لكل جمني منهم أن اليسارَ مفهومٌ سابقٌ لماركس وأن بُشرَى بن حميدة لا تمثلني مع أنني أومن بالمساواة التامة بين الرجل والمرأة في الحقوق رغم اختلافِهِما في الواجبات، اختلافاتٌ تفرضها عليهما طبيعة كل واحدٍ منهما البيولوجية المتباينة.

ملاحظة ديونتولوجية: فكرةُ المقالِ، فكرةٌ مستوحاةٌ من محاضرةٍ لفيلسوفِي المفضَّل، الفيلسوف الفرنسيِّ المعاصرِ، العظيمِ ميشال سارّ، سمعتها أمس على اليوتوب. يَرْحَمُ والِدَين ميشال سارّ ويَرْحَمُ مَن مَن فكّرَ في ابتكار اليوتوب ونفّذَ !

 

حمام الشط، الأحد 23 سبتمبر 2018.

 

 


 

أنا لا أعرِفُ مَن أنا، وأنتَ أيضًا لا تعرِفُ مَن أنتَ، ولا أحدٌ مِنّا يعرِفُ حقيقةَ الآخرَ ! (عِلمٌ وليس فلسفةً). مواطن العالَم

 

L`idée principale de cet article est inspirée du livre de Michel Serres, Hominescence, éd. Le Pommier, 2001.

في العالَم نُعرّفُ أنفسَنا بٍجوازِ سفرِنا، في الشرطة والبلدية بِبطاقة تعريفِنا الوطنية، في الكنام بِمُعرَّفِنا الوحيدِ، في الفيسبوك بِكلمة سرّنا، في حيِّنا اسمُنا يكفي. كلها هُويات جزئيّة تُخفِي من هُويتُنا أكثر مما تَكشِفُ. حتى طبيبُنا لا يعرف من جسمِنا أكثر مما تقول له التحاليلُ والصورُ.

كل هُويةِ فريدةٍ من هُوياتِنا الحقيقية تنبثق من تفاعُلٍ بين هُويتَينِ (Émergence)، هُويةٌ داخليةٌ موروثةٌ من الوالدين بالتناصفِ وتُسَمّى هُويةٌ بيولوجيةٌ أو هُويةٌ جينيةٌ لا نعرف إلا القليلَ القليلَ من أسرارِها

 Identité héréditaire, biologique ou génétique = ADN : 30 mille gènes = 23 chromosomes paternels + 23 chromosomes maternels.

وهُويةٌ خارجيةٌ مكتسبةٌ من المحيط

Environnements interne et externe = Cellule, corps, autrui, famille, école, etc

تفاعلٌ يُسَمَّي ما بَعْدَ الوراثي أو التخلّق (Épigenèse).

المفارقة الكبرَى أننا نعرف هُويتَنا الخارجيةَ ونجهل هُويتَنا الداخليةَ ولا أحد غيرنا أيضًا يعرفها ولا حتى الراسخون في العِلمِ مِنّا أو من الغربِ ؟

ثلاثون ألف جينة أو مورِّثة تتفاعلُ داخلَنا فيما بينها، تتفاعلُ مع محيطها الجيني داخل الآدِآنِ

 Épigenèse génétique à l`intérieur même de la molécule d`ADN.

ومع محيطِها الخَلَوِي

Cytoplasme et interstices.

وتتفاعلُ أيضًا مع كل جسمٍ خارجِيٍّ

Épigenèse immunitaire

قد يقتحم جسمَنا مثل

 Corps étrangers = nutriments, médicaments, microbes, photons, vibrations, particules, etc.

ولا أحدٌ -دون استثناء أنفسِنا- يعرفُ مسبقًا ماذا سينبثقُ من هذه المجموعة من التفاعلاتِ الصُّدفَوِيَّةِ (Au hasard).

مجهولٌ آخرَ يسكننا ويساهمُ بِقِسطٍ كبيرٍ في تحديدِ هُويتِنا المتحرِّكة، هو مخنا، عُضوٌ معقَّدٌ جدا، جبلٌ لا يمكن للثلاثين ألف جينة أن ترسمَ مسبقًا تضاريسه المجهرية

Cent milliards de neurones, chacun est capable de générer 10 mille liens avec ses semblables, les synapses dont le nombre total dépasse 1 million de milliards (10 puissance 15).

ولا يمكن لنا أن نتنبأ بِردودِ أفعالِه (Épigenèse cérébrale) إلا الفِطرية منها والشرطية (Réflexes innés et acquis).

خاتمة: هل ما زلتم مُصِرِّينَ على أنكم تعرفونَ أنفسَكم والآخرين ؟ عند المؤمنين، الله وحده يعرفُ. عند غير المؤمنين، الطريقُ صعبٌ والأملُ مشروعٌ.


 

الفلسفة صالحتني مع نفسي وعلّمتني كيف أحب قَدَرِي وأرْضَى به نصيبَا

 

فيلسوفٌ دخل بيتي والباب مقفلٌ والشبابيك منيعةٌ بالحديد، هَمَسَ في أذنيّ وقال: "أحِبَّ قدرك وارْضَ بحلوه ومرّه فليس لك في هذا اختيارٌ" (نيتشه).

دخل الثاني، لقد أصبح بيتي لهم مزاراً، شَرَحَ ما قاله الأول: "لو أردتَ أن تكون سعيدًا، تعلّمْ أن تكونَ راضيًا بما عندك، ولا تبتئس بما ليس عندك".

ودون استئذان تكلّم فيلسوف السعادة: "السعادة يا بُنَيْ أن تعوّد نفسَك على تجديد الرغبة فيما لديك، فهذه زُبْدَةُ الحكمة".

صاح في وجهي أفصحُهم وقال: "أعرفُ أنك سجينُ نفسك وأنا جئتُ لأحرّرك من عبودية انفعالاتك الحزينة، غضبك على مَن ظلموك، خوفك من غدك، جبنك أمام الانتقام، حسَدك لمن سلكوا معك نفس الطريق ثم فاتوك ولقدرك تركوك واستياؤك من وضعك المادي وإحساسك بالذنب لعدم قدرتك على تحقيق ما رسمتَ وخطّطتَ".

وكيف عرفتَ ؟

"سيماهم في وجوههم، الانفعالات الحزينة تجعل أصحابها أشقياء".

اتركني وحالي، مالك ومالي.

"بؤسك مُعدٍ".

كيف الخلاص ؟

"حياتك ملآنة أفراح دائمة مرتبطة بأفكار ملائمة ومطالعة وكتابة ونشر وقُرّاءٌ بالمئات منتشرون في شتّى بِقاع الأرض وأنت لم تتحرّك من مكانك في قهوة الشيحي كل يوم صباحًا وقهوة الأمازونيا كل يوم مساءً وفلاسفة تقرأهم وفلاسفة تسمعهم وفيلسوفاً ومثقفين تجالسهم يوميًّا وروتين جميلُ. والله لو كان لدينا ما لديك لحمدنا الله عن وعيٍ وشكرناه بكرة وأصيلا. نحن مذهولين من ذهولك الدائم وتعجّبك الدائم وسؤالك الدائم وحجاجك الدائم وأنتَ طفلٌ-فيلسوفٌ في الخامسة والستين من عُمُرِهِ".

حمام الشط، الأربعاء 13 جوان 2018.

 

 

 


"وأبغضُ الحَيْرَةِ الجهلُ بالوِجْهَةِ" ؟

 

نَصُّ مواطن العالَم:

كان ممكنًا ألا أبوحَ بما يشغلني مع أن الكتمانَ ليس من شِيمي والتواصلَ عنديَ مرهمٌ والإفشاءَ دواءٌ. لذا أشهِدكم يا أحبائي وحبيباتي -جنّبكم الخالق ما بلاني- أشهِدكم أنا العبدَ الضعيفَ، رقيقُ الفؤادِ رقيقُ الإشارة في كل هَمسةٍ ولَمسةٍ، أنني غير موقنٍ، غير واثقٍ، غير متفائلٍ بأن الفرجَ آتٍ وغير مُسَلِّمٍ بأن الفقرَ قدرٌ من السماء. وأن النضالَ أصوبُ طريقٍ للخلاصِ أو مَن خافَ سَلِمَ، أن العدلَ بشريٌّ، وأن الظلمَ من طبيعة الإنسانِ ومكتوبٌ في جيناتِه.

في البدايةِ كان المستبدّونَ، وعلى أكتافِ العبيدِ بَنَوْا الأهرامات وفي النهايةِ وبسواعدَ المضطهدينَ شقّوا القنال، وبين العهدِ الأولِ والثاني نزلتِ الرسالات. الأسى على ما راحَ لا يُرجع ما راحَ والبكاءُ على الأطلالِ لن يُحييَ أم كلثوم. وأن العبقريةَ ليست موهبةً والغباءَ ليس وراثيًّا، والكمالَ والجمالَ لله والنقصَ والقبحَ للبشرِ، والعلمَ ليس موضوعيًّا ولا محايدًا، لكن اليومَ خيرٌ من أمسٍ، ولولاه ما كان لي وأنا في هذا العمر، لا ابتسامةَ على شفتايَ أرسمُها مجاملة ولا تفاحةً بأسناني الصفراءَ أقضمُها. وأن الحيادَ والموضوعيةَ والصدقَ والإخلاصَ خصالٌ بشريةٌ ؟ كذا التضامنَ والتآزرَ والتزاورَ والتطوّعَ والرفقَ والتقوى والكرمَ والأمانةَ وانعدام الغدر. الكذبُ حقٌّ، والبؤسُ حقٌّ، والنفاقُ حقٌّ، واللؤمُ والمحسوبيةُ والرشوةُ، حقٌّ أيّدَه وأبّدَه البشرْ ليشقَى بذنبه، لا بذنب غيره، البشرْ.

أشهِدكم أن الإنسانَ أقربُ إلى الحيوانِ منه إلى الإنسانِ، وأنه وعِفةُ النفسِ مَرَجُ البحرين لا يلتقيانْ بينهما برزخٌ لا يبغيانْ، أشهِدكم أن الله حضرَ طيلة الحِقَبِ النبوية ثم غابَ في النفوس قبلَ وبعدَ، وغابَ الحقُّ معه والعدلُ والرحمةُ وكل صفاتِه التسعة والتسعين، في مكةَ لم نعثرْ عليه منذ زمانْ، ولا في القدسِ وجدناهُ ولا في الفاتيكانْ.

أشهِدكم أن الطبيعةَ ليست وحدَها الخلاّقةُ والولاّدةُ، والأملُ في الإنسان عبادةْ، والرجاء فيه وحده آية من آيات الله لا نقصانَ فيها ولا زيادةْ، ومن حسن حظ البشريةِ أن العدوانيةَ والدونيةَ والتمييزَ والعنصريةَ ليست وراثيةً. كذا الأنانيةَ والجشعَ والربحيةَ والثقافةَ والأميةَ والإيثارَ وحب النفس الأمّارة بالسوء. بلاءٌ أصَبْنا به أنفسَنا وما ابتلانا به الواحد الأحد الله الصمد، فكأن الابتلاءَ من جِبِلتنا وهو في الواقع ليسَ كذلك.

صحيحٌ أن جيناتَنا الثلاثينَ ألفٍ ما زالت تبرمجُ لإنسانِ الغابةِ ولم تسمعْ بعدُ بأن المُبرمَجَ أصبحَ يُبرمِجُ وأن المخلوقَ الصغيرَ أصبح يَخلقُ الطائرات والكبائرَ. جيناتُنا لم تسمعْ بعدُ بأن الفراعنةَ تفرعنوا وأن البابِلِيّينَ علّقوا الحدائقَ وأن أثينا أنجبت رَقِيقًا مَهَّدَ للفلسفة ولولاه ما وُلِد سقراط ولا أفلاطون وما نَظَمَ هوميروس ملحمةَ الألياذة بخمسة عشر ألف بيت وما غزا طارق إبيرييا ولا كَتَبَ ابن خلدون المقدمةَ.

وصحيحٌ أيضًا ومن حسن حظنا أن خلايا مخنا تمرّدَتْ على هذا البرنامج ولم تخضعْ له إلا عند التكوين (La genèse du cerveau) ثم شيئًا فشيئًا شَقتْ عصا الطاعةِ وتفاعلتْ مع جاراتِها والمحيطِ والناسِ فنجحتْ في نَسْجِ مليون مليار علاقةٍ عصبيةٍ أو وصلةٍ عصبيةٍ، هي جميعُها مُولّدُ ذكائِنا ومنها انبثقتْ شخصيتُنا وبها تميزنا وبها بين ملايين البشر تفرّدنا (L`épigenèse cérébrale). ولولا تمرّدِها على برمجية "الآدِآن" لَكُنّا اليومَ نتكاثر كالقِرَدَةِ ونقفزُ في فرحٍ ومرحٍ من غصنٍ إلى غصنٍ

L’ADN : C`est un logiciel performant et sophistiqué mais il est très ancien.

وقالت ليَ نفسي لمّا سألتُ: أيا نفسُ أتقنعين بالعيشِ عيشِ الحُفَرْ ؟ دنت منّي, رمقتني بنظرات، "نظرات مَن دنا وتدلَّى فكانت مني قاب قوسين أو أدنَى.. إنها تعلم السرَّ وما يخفى"، ثم قالت لي: أباركُ فيك صعودَ الجبالِ واقتحامَ الصعابِ وركوبَ الخطرْ !

بنيتُ لها فوق الربوةِ عُشًّا، في عليائِها تشمُّ هواءً نظيفًا ومنه تَرصُدُ حركات البشرْ، أوصيتُها ألا تقترب منهم وقلت لها أن البشر خطرْ، وهل في الطبيعة كائنٌ أشَرّْ. زياراتُ الأقاربِ تباعدتْ بل كادتْ تندثرْ، فلا مؤنس لي غير الذكرى أجترُّها وأنتظرُ الأمرّْ، الموتُ. أما الأصدقاءُ فلم أعدْ أراهُمُ إلا في أحلامِ القيلولةِ وعند السَّحَرْ، يا لخُدعةِ العقلِ وسُخريةِ القَدَرْ ! "عُدتُ وحيدًا بدونِ وِحدةٍ"، عُدتُ وأصحابِي، السجائرُ والحاسوبُ والكتابُ والقَمَرْ.

خاتمة: بيدَيَّ اقتلعتُ جذوري وانطلقتُ، ظننتُ أنني منها تحرّرتُ وبلهفةٍ عدوتُ، في الكلم ستين تعبتُ ففتحتْ لي ذراعَيها وفي حضنها ارتميتُ !

ملاحظة للأمانة الأدبية: القالِبُ (Le moule) لِصاحبِه الروائي المصري جمال الغيطاني (كتاب التجليات، السفر الثاني، 1985) والحشوُ حَشوِي بما يَحمِلُ اللّفظُ الأخيرُ من معنى مزدَوَجٍ. 

 

حمام الشط، الأربعاء 20 فيفري 2019.

 


 

"الأرض مليئة بأناس يجب حثهم على الموت" هكذا تكلم زرادشت !

 

مقال مستوحَى من كتاب "نيتشه" والفلسفة"، محمد المزوغي، 2010.

المزوغي قال عن نيتشه أنه رجعي، عنصري، نازي قبل النازية، متكبر، متغطرس، غير إنساني.

أما أنا فأقول:

-       ماذا فعل بن علي بـالبوعزيزي غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الإرهاب الأمريكي والداعشي بالمدنيين الأبرياء اليوم غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الزوج بزوجته الأولى عندما يبيح لنفسه الزواج على امرأته ثنائي وثلاثي ورباعي غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الزوج بمطلقته عندما يُطلّقها بسبب مزاج متقلب أو نزوة عابرة بعدما عاشرها بالمعروف مدة أربعين عامًا غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الرأسمالي الأجنبي أو التونسي الجشع بالعامل التونسي عندما يدفع له 240 دينارًا أجرًا شهريا غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الناتو بليبيا غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل بشار وفعلت السعودية وقطر بالسوريين غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعلت إسرائيل بالفلسطينيين غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الابن بوالديه عندما يرمي أحدهما أو كليهما في مأوى العُجّز غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل السيسي بمصرِيِّي رابعة وماذا فعل علي العريض بعيون شباب سليانة غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الغربُ بالعربِ غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل السيدُ بالعبدِ غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل المريض بنفسه في الموت الرحيم غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل منتِجو السلاح بالبشرية غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل علماء القنبلة النووية الأمريكيون بــ150 ألف ياباني مدني في مدينتَي هيروشيما وناكازاكي سنة 1945 غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعلت فرنسا بـآلاف الجزائري المدنيين في مدينة سطيف يوم 8 ماي سنة 1945ِ غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعلت الأسمدة الكيميائية بالأرض غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعلت الصناعات الكيميائية بسكان مدينة ڤابس غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعلت الآثار الجانبية للأدوية الغربية التجارية بالإنسانية غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل البنك العالمي وصندوق النقد الدولي بفقراء العالم الثالث غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعلت جيوش العقيدة (اليهودية أو المسيحية أو الإسلامية) بالكفّار غير ما قاله نيتشه ؟

-       ماذا فعل الشيطان بِنا غير ما قاله نيتشه ؟ يحثنا يوميا على القتل من أجل تحقيق نزواته.

-       نيتشه أنظف منكم يا حثالة البشر من رأسماليين جشعين وحكام ظالمين ومتدينين عنصريين وعلماء انتهازيين. صحيح، قال أشنع من هذا كثيرا ولكن العبقري المتناقض مات ولم يقتل ذبابة ‼

 

حمام الشط، الأربعاء 20 أفريل 2016.

 

 

 


 

مناجاة الذات الحائرة !

 

مناجاة الذات.. ثنائيات.. ثنائيات.. التجذر والانبتات، الشك واليقين، العلم والدين، الماركسية والحرية، اللائكية الفرنسية والستالينية المعاديتان للدين والعلمانية البروتستنتية الأنـجلو-سكسونية المتصالحة مع الدين، المقاربة التحليلية والمقاربة الشاملة، الوطنية والمواطنة العالمية، الموروث الجيني والمكتسب الثقافي، نظرية المؤامرة ونظرية التفاعلِ بين الدول، التفاعلِ المرغوبِ كَرهًا أو المفروضِ غصبًا، المكتوب ومسئولية الفرد، المركزية الأوروبية والإسلام صوت الجنوب، الحضارة المسيحية العجوز والحضارة الإسلامية الشابة، التقوى والفجور، أخلاق المجتمع وأخلاق الفرد، الأنانية والتطوع، الرأسمالية والاقتصاد التضامني، جمنة وحمام الشط، تعليم أول الاستقلال وتعليم اليوم، المحافظة والحداثة، القديم والجديد، فهم المجتمع أو تغييره، الديمقراطية التمثيلية والديمقراطية التشاركية، الحتمية والانبثاق، المقاومة المسلحة والمقاومة السلمية، اللغة العربية واللغة الفرنسية، الثورة والدولة، الشهوات والجهاد ضد النفس، قيس سعيّد أو الفساد، إلخ.

سَطَعَ النورُ فجأة ومعه انطفأت الحقيقة، ضَعُفَ النظرُ ومعه وضحت الرؤيا، قَرُبَ الأجلُ ومعه تبدد آخر أملٍ لي في التصالح مع الواقع. نفسٌ أمّارةٌ بالسوء متمردةٌ عنيدةٌ وعَصِيّةٌ عن الترويض. نفسٌ عاشت ثلاثة عقودٍ في قفصٍ، قضبانُه متعاركةٌ، ثم خرجت منه إلى الحرية زحفًا على يديها ورجليها، كسيحةٌ فاتتها مرحلة تعلم المشي مستقيمةً، وكان ماضيها يزحف خلفها بلجاجة كأنه يخشى أن تتلكّأ عن الزحف نحو الحرية لحظة واحدة أو تحنّ للرجوع إليه.. ما أمرّ الرجوع إليه. وعندما هممتُ بالانتصاب وجدتني في وحدةٍ قاسية إلى حد أني شعرتُ بقسوتها تُثقل رُكَبِي وتُغلق أهدابي، وحدةٍ حاصرني في ظلمتها بعِصِيّهم أصحابي.

سياطهم آلمتني، لم تحبطني، زحفتُ، زحفتُ، وعند الثالثة شعرتُ كأن الألم زال والزحفُ تسارعَ ونَبَتَ لي جناحان وشعرتُ أيضًا أني في الجوّ حرًّا طليقًا أطير، أغرّد بعيدًا عن حِقدِ ذوي الصداقة القديمة الذي كاد أن يكتم أنفاسي في صدري ويجذبني بعنف إلى الوراء، إلى قفص الإيديولوجيا الماركسية.. كانت المغدورةُ حريةً عند بداية تَشَكُّلِها، فأصبحت جورًا وطغيانًا عند اكتمال تَشَكُّلِها، أفضل أفيونٍ للمثقفين.

المصدر: النص من تأليفي والوحي جاء من ورقةٍ مقطوعةٍ من كتابٍ، ورقةٍ يتيمةٍ وصلتني اليومَ من صديقي البهائي المحترم محمد بوسريرة.

 

حمام الشط في 27 أكتوبر 2019.

 


 

المقاومة السلمية

أنا إنسانٌ مسالمٌ حتى النخاع على منهج غاندي ومانديلا وأكره العنف مهما كان مأتاه ومهما كانت القضية التي تستعمله وسيلة لبلوغ غاياتها، ظالمة كانت أم عادلة.

"المقاومة السلمية جهاد، وأي جهاد. هي أبعد من أن تكون استسلامًا، بل قمة الشجاعة أن تواجه عدوك بصدر عار وقوة السلاح بقوة الروح" (الغنوشي)

المصدر: راشد الغنوشي، " الحركة الإسلامية ومسألة التغيير"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، 2015 (كُتِبَ قبل الثورة)، 120 صفحة (ص 87).

"لا إكراه في الدين" و"مَن شاء فليؤمن ومَن شاء فليكفر": تأويل نَسْخُ تلك الآيات بآيات الجهاد قد أثبت التحقيق المعاصر بُطلانه. راشد غنوشي

المصدر: راشد الغنوشي، "الديمقراطية وحقوق الإنسان في الإسلام"، دار المجتهد للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية، 2015 (كُتِبَ قبل الثورة)، 281 صفحة

"عرب 48" أو عرب الداخل بقوا تحت الاحتلال اليهودي ولم يغادروا ولم يقاوموا بالسلاح: ليسوا خونة ولا جبناء.

أعتبرهم مقاومين ومقاومتَهم سلميةً ناجعةً. Moi


 

Citations célèbres de Gandhi Mohandas Karamchand :

-       L’ennemi ne trouvera pas chez moi une résistance physique contre laquelle il  peut s’appuyer mais une résistance de l’âme qui l’aveuglera.

-       Je m'oppose à la violence parce que lorsqu'elle semble engendrer le bien, le bien qui en résulte n'est que transition, tandis que le mal produit... est permanent.

-       " Il y a assez de tout dans le monde pour satisfaire aux besoins de l'homme, mais pas assez pour assouvir son avidité. "

-       " Si la non-violence est la loi de l'humanité, l'avenir appartient aux femmes. Qui peut faire appel au cœur des hommes avec plus d'efficacité que la femme ? "

-       " Je ne veux pas que ma maison soit murée de toutes parts, ni mes fenêtres bouchées, mais qu'y circule librement la brise que m'apportent les cultures de tous les pays. "

-       "Si chacun ne conservait que ce dont il a besoin, nul ne manquerait de rien, et chacun se contenterait de ce qu'il a".

-       L'humanité est une famille entière et indivisible. Je ne peux me désolidariser même de l'âme la plus noire.

-       Rappelez-vous qu'à travers l'histoire il y eut des tyrans et des meurtriers qui pour un temps, semblèrent invincibles. Mais à la fin, ils sont toujours tombés. Toujours...

-       " Vis comme si tu devais mourir demain. Apprends comme si tu devais vivre toujours ".

-       Tout ce que tu feras sera dérisoire, mais il est essentiel que tu le fasses.

-       Appeler les femmes "le sexe faible" est une diffamation ; c'est l'injustice de l'homme envers la femme. Si la non-violence est la loi de l'humanité, l'avenir appartient aux femmes.

-       La vie est un mystère qu'il faut vivre, et non un problème à résoudre

-       " On peut juger de la grandeur d'une nation par la façon dont les animaux y sont traités. "

-       « Je crois en vérité que s'il fallait absolument faire un choix entre la violence et la lâcheté, je conseillerais la violence ». (...) Mais je crois que la non-violence est infiniment supérieure à la violence ».

-       Vivons simplement pour que d'autres puissent simplement vivre.

-       Le mal ne se maintient que par la violence : Suivi de La vérité est la seule arme dont nous disposons.

-       J'ai compris que l'épouse n'est pas l'esclave du mari mais une compagne et une collaboratrice appelée à partager ses joies et ses peines tout en restant aussi libre que lui pour choisir sa propre voie.

-       Le terrorisme et le mensonge sont les armes du faible, pas du fort.

-       La véritable éducation consiste à tirer le meilleur de soi-même. Quel meilleur livre peut-il exister que le livre de l'humanité ?

-       C'est ce qui fait dire au poète :"le sentier de l'amour passe par l'épreuve du feu ; les timorés s'en détournent".
- Je n'ai aucune attirance pour le prestige, simple décor qui convient à la cour d'un roi.

- Et pour servir, c'est d'amour dont j'ai besoin , et non de prestige. Tant que je serai fidèle à la cause que je sers, je n'aurai pas à craindre de manquer d'amour.

-       « Celui qui parle sème, celui qui écoute récolte » Proverbe Persan

 

-       بِـمرارةٍ أتساءلُ: لماذا عندما يتحارب مسلمون ضد مسلمين، تظهر الشجاعة والأسلحة المتطورة والإمكانيات الهائلة وضد إسرائيل كلها تغيب. Moi

-       بِـمرارةٍ أتساءلُ: "لماذا كل طلقاتهم تنطلق وتصيب الهدف وجل طلقاتنا تنطلق ولا تصيب الهدف فيستغلونها تِعِلّةً إعلاميةً يتكئون عليها للهجوم علينا المرة تلو المرة وفي كل مرة طلقاتهم تصيب الهدف ؟". Moi

-       Le fait d'avoir à cohabiter sur cette petite planète qu'est la Terre nous impose d'apprendre à y vivre en paix tous ensembles, en harmonie avec la nature, et il ne s'agit pas d'un rêve mais d'une nécessité. 
Dalaï Lama, discours de réception du Prix Nobel de la Paix, 1989

 

 

 

 

 

حزب الله اللبناني: هل هو منظمة مقاومة عربية أو ميليشيا طائفية مسلحة ؟ مواطن العالَم، يساري غير ماركسي وغاندي الهوى

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 23 جويلية 2019 (أي قبل "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023).

 

توضيح أوّلِي: لستُ متعصبًا للسنّة ضد الشيعة، رغم أنني أنتمي للمذهب السني تقليديًّا وأنتربولوجيًّا وتاريخيًّا وحضاريًّا واجتماعيًّا وتربويًّا ووراثيًّا وعرقيًّا وجغرافيًّا. مواطن العالَم، كل البشر عندي سواسيَ، وكل المسلمين في نظري يؤمنون بربٍّ واحدٍ ورسولٍ واحدٍ وقرآن واحدٍ، سنّة وشيعة وإباضية، يختلفون فيما بينهم في تفاصيل تافهة لا تعنيني ولا تمس من جوهر ديني.

حزب الله اللبناني.. كان منظمة مقاومة عربية ضد العدوّ الصهيوني، وفِعل "كان" يفيد الماضي، إلى حدود سنة 2006، تاريخ آخر حرب تحريرية عربية ضد إسرائيل : حرر جنوب لبنان من براثن العميل اللبناني أنطوان لحد. أحييه وأبوس الأرض تحت نِعال مناضليه الأشاوس، شَكَرَ الله سعيه وبَارَكَ الله فيه.

ماذا أصبح بعد 2006 ؟

أصبح ذراعًا عسكرية مرتزقة في خدمة إمبريالية إقليمية طائفية إيرانية شيعية عرقية صفوية شوفينية دينية مذهبية شمولية ظلامية رجعية متخلفة. ذراعٌ في خدمة التوسع الشيعي في لبنان وسوريا والعراق واليمن. ذراعٌ في خدمة إيران، تُرهِبُ بها خصومَها الإقليميين التقليديين من سنّة ومسيحيين ويساريين. ذراعٌ تضرب بها خصومَ حليفها العلوي (مذهب ينتمي للعائلة الشيعية الموسعة)، حليفها، نظام بشار الأسد، النظام الطائفي الديكتاتوري الفاشي الشمولي المتخلف. ذراعٌ قتلت ولا زالت تقتل الآلاف من المدنيين السوريين أو الوافدين العُزّل حتى ولو كانوا ينتمون بيولوجيًّا إلى عائلات الجهاديين (شيوخ، نساء، أطفال: أستثني طبعًا المسلحين منهم: "ولا تزر وازرة وزر أخرى"، قرآن).

ثلاثة أسئلة إنكارية، أوجهها إلى أصدقائي التونسيين القوميين المحترمين المتحزبين وغير المتحزبين: هل يحق أن ننعت تنظيمًا عسكريًّا ونشرّفه بصفة "منظمة مقاومة عربية ضد العدوّ الصهيوني وهو تنظيمٌ...؟ :

1.   تنظيمٌ مدجّجٌ بأحدث أنواع الأسلحة الكورية الشمالية، تنظيمٌ قطعة من أرضه محتلة (مزارع شبعا)، تنظيمٌ لم يطلق رصاصة واحدة ضد العدو منذ 13 سنة من 2006 إلى 2019 (على حد علمي، لا يوجد مثالٌ مشابهٌ في التاريخ الحديث لكل حركات التحرير في العالم أجمع).

2.   تنظيمٌ يترك قطعة من أرضه محتلة ويدخل طرفًا في حربٍ أهليةٍ طائفيةٍ في بلدٍ مجاورٍ بغض النظر عن إيديولوجية المتخاصمَين المحليين (أنا أقف ضد الطرفين).

3.   تنظيمٌ أنشِئ نظريًّا من أجل مقاومة العدوّ، يضربه العدو في سوريا المرة تلو المرة وهو لا يرد إلا بالجعجعة الفارغة (اللهمّ إلا إذا كان منذ البداية يستعمل شرف المقاومة المعلنة كـ"تَقِيّةٍ" -مبدأ شيعي- وتغطية لمآربه الطائفية غير المعلنة ؟).

تنبيه ودّي أوجهه إلى عشاق حزب الله اللبناني في العالَم العربي: من حقكم أن تتشرفوا به قبل 2006، وأنا كنتُ مثلكم، لكنني لستُ بالضبط مثلكم، لأنني كنتُ، ورغم انتصاراته على أمريكا وفرنسا وإسرائيل، كنتُ محترزًا بجدٍّ وحدّة على طائفيته الشيعية المقيتة (Un parti moralement biaisé dès le départ).

بعد 2006، لا أحمّلكم جرائمه في لبنان (اغتيال عديد المثقفين اليساريين اللبنانيين)، ولا فضائعه الشنيعة في سوريا. لذلك وبِصدقٍ أراعي حقكم وكما تشاؤون في الدفاع عن معبودكم حسن نصرالله حتى ولو كان على صفحتي، لكن أرجوكم لا تتجاوزا حدودكم ولا تدنوا من شخصي المتواضع، وأطمْئِنكم فأنا فردٌ معزولٌ ولا أمثلُ حزبًا أو تيارًا إيديولوجيًّا، لا شيوعيًّا ولا إسلاميًّا ولا عروبيًّا، وإن لم تمتثلوا لرجائي فبيني وبينكم نقرةُ فأرةٍ (bloquer) والسلام.

إمضائي (مواطن العالَم، يساري غير ماركسي وغاندي الهوى): "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)

 

 

                                     


عَجَبِي ! مواطن العالَم

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 9 جويلية 2019 (أي قبل "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023).

 

عجبي كبيرٌ من دولةٍ، نظامها جمهوري، وهي، ومنذ أربعين سنة، لا زالت تخطط لصُنع أخطر سلاح من أسلحة الدمار الشامل، القنبلة الذرّية ! عجبي يكبر ويكبر.. عندما اكتشفتُ أنها جمهورية إسلامية، وأنا أعرف أن أسلمَ تعريفٍ للإسلام، هو الآتي: "اسمٌ اشتُقَّ من السلام، والمسلمُ هو مَن سَلِمَ الناس من يده ولسانه".  والكذبةٌ الكبرى تقول إن القنبلة الذرّية هي سلاح السيادة.

كيف برّرت الباكستان المالكة لـ"سلاح السيادة" خذلانها لأقرب حلفائها، طالبان أفغانستان، عندما غزوهم ظلمًا الأمريكان ؟  قالت: "لن أتصدى للغزاة العتاة حِفاظًا على قنبلتي النووية، سلاحي الوحيد ضد أبناء عمومتي هنود الهند".

لماذا لا تتخلى إيران طواعيةً عن مشروعها النووي العسكري، عوض أن تتخلى عنه مكرهةً كألمانيا واليابان ؟ هل الإيرانيون أكثر شجاعةً من الألمان واليابانيين ؟ وهل جنّبت قنبلة ستالين إمبراطورية الاتحاد السوفياتي من التفكك والانهيارْ في وضح النهارْ ؟

أما باقي سلاحها الكلاسيكي فقد وظفته كله أو جله ضد الشعوب العربية المسلمة الشقيقة في لبنان والعراق وسوريا واليمن، ولم تطلق رصاصة واحدة ضد الشيطان الأكبر، أمريكا (باستثناء إسقاط طائرة دون طيّار أخيرًا).

حزبُ الله، حزبٌ لبنانيٌّ وليس حزبًا إيرانيًّا، وهو أول منظمة مقاومة مسلحة في التاريخ لم تطلق رصاصة واحدة ضد العدو على مدى 13 عامًا، العدو الإسرائيلي الغاصب لجزء من لبنان (مزارع شبعا)، وذلك منذ حرب 2006 .

إسرائيل ضربت عدة مرات قواعد عسكرية في سوريا تابعة لإيران وربيبها حزب الله، الاثنان لم يردّا على إسرائيل إلا بالتهديدات الجوفاء، في المقابل الاثنان أسُودٌ ضد المواطنين السوريين، لا يفرّقان بين الدواعش المقاتلين والمواطنين العُزّل (أطفال ونساء ومُسِنِّي الدواعش وجيرانهم من غير الدواعش).

ماذا قالت لوموند ديبلوماتيك (جوان 2019) عن إيران ؟ والعهدة على الراوي:

ميزانية إيران العسكرية لا تفوت ربع ميزانية السعودية العسكرية. إيران تملك جيشين متنافسين، واحد نظامي كلاسيكي ضعيف والآخر إيديولوجي قوي (حراس الثورة). خُلق الثاني لانعدام الثقة في الأول، ففي تنافسهما إذن تكمن نقطة الضعف الكبرى في جهاز الدفاع الإيراني. الجيش النظامي مجهز بـ65 طائرة فقط، أكثرها من عهد الشاه، لا فانتوم، لا ميراج، ولا حتى واحدة ميـﭬ من "حليفتها" روسيا التي سبق لها وأن تركت إسرائيل تضرب قواعد عسكرية إيرانية في سوريا، وهي تعلم مسبقًا بالغارة الغادرة ولم تحرك ساكنًا. أي حليفٍ هذا، حليفك يتآمر عليك مع عدوك ! أي عبثيةٍ هذه ! روسيا باعت لإيران منظومة رادار متطورة، آخر صيحة. صواريخ شهاب 1 و2 وهي في الأصل مصنوعة في كوريا الشمالية، وإيران عدّلتها كما فعل قبلها عدوها السابق صدام مع صواريخ سكود الروسية. إيران تملك الكثير من الطائرات دون طيار صنع محلي.

خاتمة:

أتمنى، مثل كل مواطنين العالَم أن تنتصر دولة من عالمنا الثالث على أكبر دولة إمبريالية ليبرالية في العالم، حتى ولو كانت إيران هي نفسها إمبريالية إسلامية إقليمية (تهيمن حاليًّا على لبنان والعراق وسوريا واليمن ولو استطاعت لتوسعت أكثر)، أتمنى أن تنتصر إيران على أمريكا، لكن "وما نـيل الـمـطـالب بالتمنـي***ولـكـن تــؤخـذ الـدنـيا غلابـا" (أحمد شوقي)، ولو أنني لا أحبّذ هذه المفردة الأخيرة (غلابـا) التي تتغنى بقهر الآخر، وأنا لا أحب قهر الآخر بالعنف، حتى لو كان هذا الآخر عدوِّي.

وأخيرًا، أنا أدينُ صُنع كل أنواع الأسلحة، وأدينُ أيضًا وبشدّة استعمالها تحت أي مسمَّى أو أي قضية، حتى ولو كانت قضية تحرير أوطان، وأومن بالنضال السلمي بديلاً وحيدًا، ولنا قدوة حسنة في غاندي ومانديلا وفي ثورتنا التونسية : هذا رأيي، رأيٌ حرٌّ، رأيٌ ذاتيٌّ جدًّا، ولا يحق لأحدٍ لومي على ما أحملُ، لكن يبقى لك الحق في إبداء رأيك بعيدًا عن شخصي آلاف الكيلومترات، لك الحق في إبداء رأيك في الإشكالية التالية: "أيهما أفضل، المقاومة (أو المعارضة) المسلّحة، أو المقاومة (أو المعارضة) السلمية ؟".

إمضائي: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" جبران

 

 


 

 

السريالية


 

أول مرة أقرأ فكرة واضحة وجميلة حول السريالية. ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

-       تيار فكري-فني بدأ في الغرب في أوائل القرن عشرين ميلادي وظهر أساسًا ضد الواقعية الاشتراكية محدودة الأفق وضيقة الخيال.

-       انتفاضةٌ دائمة ومتجددة ضد الرضوخ السلبي للعُرف والعادات والتقاليد مهما كان مأتاها، ديني أو دنيوي.

-       تيار فكري-فني لا يرجع بالنظر لأي مدرسة فكرية أو إيديولوجيا سياسية، لا رأسمالية ولا شيوعية.

-       فكرة طلائعية جديدة من خارج سجن الأحزاب الشيوعية وإملاءاتها القامعة للحريات الفردية.

-       ثورة ضد الماضي والمستقبل في نفس الوقت، ضد مستقبلٍ تَعِدُنا به المجتمعات الرأسمالية أو الشيوعية على حد سواء.

-       تيار فكري-فني يرفض الحداثة المدمِّرة: صناعة الأسلحة، صناعة الأسمدة الملوثة للتربة، الاحتباس الحراري، سلعنة المهن وبرلتتها (prolétarisation de tous les métiers) وإفراغها من رسالاتها الإنسانية النبيلة، تقنين الرشوة (commission)، انعدام الضمير المهني، سياسة الكيل بمكيالَين، مجتمع المشهد والاستهلاك المفرط، إلخ.

-       حب الطبيعة والمحافظة على التنوّع البيئي.

-       ممارسة السياسة ضد السياسة المهيمِنة والسياسيين المهيمنِين.

-       ضد كل أنواع الاستلاب: استلاب العامل، استلاب المرأة، الاستلاب الثقافي، إلخ.

-       فكرة تَحثنا على السلوك في الطريق المعاكس للطريق الذي تدلّنا عليه الثقافة المهيمِنة والذوق الفني المهيمِن.

-       ضد الحروب بجميع أنواعها بما فيها حروب التحرير.

-       "تغيير زاوية الرؤيا للواقع 180 درجة" هو أفضل تعريف قرأته عن السريالية.

Source d’inspiration : Le Monde diplomatique, novembre 2024.

تاريخ أول نشر على صفحتي الفيسبوكية : حمام الشط في 26 ديسمبر 2024.

 

 

 

 


 

أقوالٌ مأثورةٌ حول الذكاء الاصطناعي مستوحاةٌ من جريدتي الشهرية المفضّلة "لوموند ديبلوماتيك" الصادرة بالفرنسية في أوت 2024


والفرق شاسع بين ذكاء اصطناعي يحوّلنا إلى مستهلكين سلبيين وذكاء اصطناعي يجعل منا منتجين خلاقين. للأسف في الدول المتخلفة لم نتعلم منه إلا الكسل الذهني

-       الذكاء الاصطناعي جرّدنا من بعض قدراتنا الطبيعية مثل الذاكرة باسم النجاعة والسرعة والمطلوب منه هو تنمية قدراتنا الطبيعية وليس تجريدنا منها.

-       ماذا يضيف لنا الذكاء الاصطناعي ؟ GPS مثلاً يدلنا على الطريق الأسهل والأسرع. إنها إضافة نافعة لكنها تبقى قصيرة الأمد.

-       الذكاء الاصطناعي صنع بدلة رقص تتفاعل حينيًّا وتنسّق بين حركات الجسم والأصوات المنبعثة من الآلات الموسيقية.

-       طرفة معبّرة عن غباء الذكاء الاصطناعي: ينصح البشر بأكل الحجارة اعتمادًا على قاعدة مجردة أن الحجر غني بالأملاح المعدنية التي نحتاجها.

-       مشاغب جمهوري من أمريكا قال: "الذكاء الاصطناعي الشيوعي الصيني (l’intelligence artificielle) يهدد العالم كما هدده وباء كوفيد-19"

-       ملكة الذكاء ليست سجينة أدمغتنا بل هي تنبثق من تفاعلات جيناتنا مع جميع مكونات محيطنا. تفاعلات لا يقدر عليها الذكاء الصناعي.

-       ما الفرق بين الذكاء الطبيعي والذكاء الاصطناعي ؟ الأول يتغير ويتطور نتيجة تفاعله المستمر مع المحيط أما الثاني فتفاعله مبرمَج مسبقا.

-       ما الفرق بين الذكاء الطبيعي والذكاء الاصطناعي ؟ الأول هو حصيلة تجربة شخص واحد أما الثاني فهو عصارة آلاف التجارب البشرية.

-       ما الفرق بين الذكاء الطبيعي والذكاء الاصطناعي ؟ الأول يطوّر الثاني والثاني يضيف إلى الأول ويثريه ولا يمكن للثاني أن يلغي الأول وإلا انقرضنا.

-       ظاهرة الذكاء الاصطناعي برزت لأول مرة سنة 1950 وكانت بمثابة تراجع عن رسالة "علم التحكم الذاتي "(la cybernétique).

-       "علم التحكم الذاتي "(la cybernétique) أراد الاستعانة بالحاسوب لكي نفهم أكثر أسرار المعرفة البشرية لا لنقلده ويستلبنا.

-       الذكاء الاصطناعي يريد خلق حواسيب قادرة على التفكير مثل البشر عوض حواسيب تطور قدرة التفكير لدى البشر، كل البشر.

-       الذكاء الاصطناعي لم يكن يهدف إلى فهم أسرار المعرفة البشرية بل كان هدفه من الأول تلبية متطلبات مموله وحريفه الأساسي: الجيش.

-       الباحثون الشبّان يرون أن "علم التحكم الذاتي "(la cybernétique) تجريدي جدا وفلسفي جدا لذلك لجأوا إلى الذكاء الاصطناعي.

-       يسمّونه الذكاء الاصطناعي حتى لا نسمّيه نحن باسمه الحقيقي: عسكرة الذكاء أو رأسملة الذكاء ويستغلونه للاعتداء مثلما تفعل إسرائيل في غزة.

-       الذكاء الاصطناعي -كاختصاص مستقل- خرج من رحم الحرب الباردة والنزعة العسكرية والنزعة القطاعية والوطنية العنصرية.

-       الذكاء الاصطناعي مفهوم رجعي يحتكره الرأسماليون الجشعون فهل يمكن له أن يخدم طموحات تقدمية تكون في صالح الإنسانية جمعاء.

-       الذكاء الاصطناعي في شكله الرأسمالي الحالي ليس له من شغل إلا رصد فترات الاكتئاب عند البشر ليجبرهم على الإكثار من الاستهلاك.

 

Les statuts suivants sont inspirés du journal mensuel français « Le Monde diplomatique », novembre 2024 :

يبدو الحاسوب لأول وهلة كآلة محايدة وهو في الواقع ليس كذلك: وراء برماجياته توجد كل انحرافات البشر الذين برمجوه.

ما يسمى بالذكاء الاصطناعي هو عبارة عن آلة سياسية لأنه صمم على نموذج الإنسان المحاسب وورث عنه اختياراته الإيديولوجية.

الذكاء الاصطناعي وجد نفسه أما إيديولوجيتين: خدمة المصلحة العامة أو خدمة التسرع التكنولوجي. الثانية قد تقودنا إلى حتفنا.

إيديولوجية "آلان ماسك" تطالب بإلغاء الحدود الأخلاقية وتتجاهل حقوق المؤلف ولا تحترم المعطيات الشخصية.

هل نستطيع أن نتخيل ذكاءً اصطناعيًّا لا يستغلنا ولا يغالطنا ولا يوظف ذكاءنا ضد إنسانيتنا ولا يلغي ملكة الإبداع عندنا ؟

نعم، نستطيع على شرط أن نتحرر من سلطة الرأسماليين الجشعين الذين صمموا الذكاء الاصطناعي الحالي لصالحهم هم وحدهم.

الذكاء الاصطناعي سُمي خطأ "ذكاء" لأنه يجتر أفكارا جاهزة معلبة أما الذكاء الطبيعي فهو تجاوزٌ للتصورات النمطية المسبقة.

الحل لا يكمن في حسن الاختيار بين الذكاء الاصطناعي والذكاء الطبيعي بل في تحالف الإنسان مع الآلة وهذا لن يتم إلا بفصل الدولة عن السوق.

سنة 1956، عُقِدَ أول مؤتمر حول الذكاء الاصطناعي في مدينة دارموث بأمريكا.

"معالجة المعلومات داخل المخ البشري (مليون مليار وصلة عصبية-synapses) تختلف تماما عن معالجتها داخل الحاسوب"  John von Neumann in Le Monde diplomatique, novembre 2024

الذكاء الاصطناعي: هل هو اكتشاف علمي رائع لا مفر منه للبشرية أم هو لقيط مشوه من زواج العلم مع الفردانية الأمريكية المقيتة ؟

الذكاء الطبيعي (أو الذكاء البشري) ينبثق من قدرة فردية اجتماعية وثقافية تتفاعل مع عديد القدرات الفردية الأخرى. يفيد ويستفيد.

L’IA

ازدهر مع ظهور الأنترنات سنة 2000 حيث تقوم أجهزة المراقبة الرأسمالية بتجميع المعطيات الشخصية للتأثير على سلوكات المستعملين.

ChatGPT

وراء تطوره يوجد في الظل آلاف العمال من كينيا الذين يكتبون الحواشي على الصور والنصوص ويتقاضون أقل من دولارين للساعة.

"آلان ماسك" لا يعتبر الذكاء الاصطناعي علما أساسيا في خدمة الإنسانية بل يعتبره منتوجا وسلعة يجب أن تباع في أسرع وقت ممكن.

 

 

 

خلاصة مكثَّفة ومقتضَبة جدًّا لمحتوى الكتاب

تعريفات :

1.    اللغة

لم أسمع في حياتي عن لغة قدّسها الله وسَخِرَ منها أهلها في الواقع ومجّدوها في كتبهم، أعني بها اللغة العربية الفصحى ضحية العرب لا غيرهم.

2.    الفن

"إن للفن (أنا: كما للفلسفة) أهميته في تقويض سلطة الوثوقية، وخاصة الوثوقية الدينية (أنا: لذلك نرى المتزمتين يعادون الفن والفلسفة)". م الكيلاني

3.    الثقافة

مستقبل البشرية ليس مكتوبًا في لوح محفوظ وعلينا نحن كتابته. كيف ؟ بالثقافة ثم الثقافة. أمين معلوف

4.    العلم/الدين

الدنيا مادة وروح. الروح يفسّرها علماء الدين. المادة يشرحها علماء المادة. فلماذا لا يشتغل كل واحد في مجاله دون صراع إيديولوجي عقيم.

5.    الهوية

لا وجود لهوية بريئة من دم الأبرياء. أمين معلوف

6.    السريالية

تغيير زاوية الرؤيا للواقع 180 درجة. فكرة تَحثنا على السلوك في الطريق المعاكس للطريق الذي تدلّنا عليه الثقافة المهيمِنة والذوق الفني المهيمِن.

 

7.    الذكاء الاصطناعي

ما الفرق بين الذكاء الطبيعي والذكاء الاصطناعي ؟ الأول هو حصيلة تجربة شخص واحد أما الثاني فهو عصارة آلاف التجارب البشرية.

 


 

إصداراتي خلال الفترة الممتدة من سنة 2010 إلى سنة 2024

 

ثمانيةُ كُتُبٍ من سنة 2010 إلى سنة 2023:

  1. Enseigner des valeurs ou des connaissances? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique" ? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes. (PUE), 2010, 386 pages. 

2. Le système éducatif au banc des accusés ! « Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas », Édition libre, Tunis 2016, 160 pages. Ce livre a été traduit en 2022 en 7 langues occidentales par la maison d’édition numérique « Presses Universitaires Européennes (PUE) ».

3. جمنة وفخ العولمة، طبعة حرة، تونس 2016، 224 صفحة.

4. الشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، تونس 2017، 488 صفحة.

5. حكايات طريفة، طبعة حرة، تونس 2021، 95 صفحة.

6. حدّث ميشال سارّ قال...، طبعة حرة، تونس 2022، 110 صفحة.

7. مواقف وآراء حول الإسلام والمسلمين، دار علوي للنشر، تونس 2023، 350 صفحة.

8. حدّث ﭬاستون باشلار قال: "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون !"، دار يس للنشر، تونس 2023، 285 صفحة.

9. حدّث أمين معلوف قال...، طبعة حُرّة، تونس 2024، 174 صفحة.

10. حدّثت جريدة "لوموند ديبلوماتيك" قالت... (النسخة الفرنسية 2019-2023) ، طبعة حُرّة، تونس 2024، 290 صفحة.

11. النقد هدّامٌ أو لا يكون. هدّامٌ للتصورات غير العلمية. 2024،  440 صفحة.

12.حدّث حبيب بن حميدة، فيلسوف حمام الشط، قال... 2024، 88 صفحة.

13. عاشق الفلشفة، تقديم فيلسوف حمام الشط حبيب بن حميدة، تونس 2024، 293 صفحة.

14. خواطر حول اللغة والفن والثقافة والعلم/الدين والهوية والسريالية والذكاء الاصطناعي، تونس 2024، 264 صفحة.

 

                           


 

أطروحةٌ مطروحةٌ للنقاشْ: أين يوجدُ مصنعُ الإرهابْ ؟ مواطن العالَم

 

أين يوجد مصنع الظلم واللامساواة والإرهاب والحيف الاجتماعي والأنانية والاستغلال الرأسمالي، وأين يوجد التضامن والعدوانية، الضدّان المترافقان (التضامن مع الشقيق داخل القبيلة \ العدوانية ضد الأجنبي خارج القبيلة) ؟ مصنعٌ ماديٌّ أو مدرسةٌ يتخرّج منها الملايين كل سنة. مدرسةٌ لا شرقية ولا غربية، لا قرآنية ولا علمانية، لا شيوعية ولا إسلامية.

للأسف المصنعُ موجودٌ فينا، داخل كل كائن بشري، رجلاً كان أو امرأةً، طفلاً أو كهلاً، متعلماً أو أميّاً، أمريكيّاً أو تونسيّاً، يمينيّاً أو يساريّاً، مؤمناً أو ملحداً.

 المصنعُ موجودٌ في نواة كل خلية من خلايا جسمنا المائة مليار مليار، مصنعٌ نُورّثه لأولادنا في البويضة والحيوان المنوي. مصنعٌ لا يُرى بالعين المجرّدة ولا بالمجهر الذي تعرفون !

مصنعٌ يُنفذ ما وردَ في كتابٍ عملاقٍ، كتابٍ مكتوبٍ بأربعة أحرفٍ تتكرر (A, C, G, T)، كتابٍ يضم أربعة مليار حرف !

هل عرفتموه ؟

اسمه الحمض النووي (ADN) أي الجينات البشرية وعددها حوالي ثلاثين ألف. جينات تطورت حسب علم التطور الدارويني عبر 6 أو 7 مليايين السنين (Sélection naturelle + Mutation + Hasard) وكل غرائزنا الحيوانية-البشرية هي نتاجُها (حب التملك، الأنانية، الرغبة في الشهوات، السيطرة على المرأة، إلخ.). المفارقة الكبرى أن جيناتنا تَحثنا على التضامن داخل مجموعتنا البشرية الضيقة، تضامن يَقوَى كلما انحسرت دائرته  (بداية من الإنسانية جمعاء، فالأمة، فالوطن، فالجهة، فالقبيلة، فالعائلة)، وفي نفس الوقت تَحثنا على العدوانية باسم الدفاع عن النفس ضد المجموعات البشرية الأخرى، عدوانية تزيد كلما اتسعت دائرتها  (بداية من العائلة، فالقبيلة، فالجهة، فالوطن، فالأمة، فالإنسانية جمعاء)، مثلاً: الأخ وأخيه ضد الجار، قبيلة الهمامّة ضد الفراشيش أو العكس، الجندوبي والسلياني ضد الساحلي، الجندوبي والساحلي ضد الليبي، التونسي والليبي ضد الإسرائيلي، التونسي والروهينڤ ضد الهندوس الصينيين المعتدين.

هل نستطيع أن نغلق هذا المصنع أو هذه البرمجية المتكلسة التي لم تتغير منذ 300 ألف سنة على أقل تقدير

 (Date probable de l`émergence de l`Homo sapiens)

طبعاً لا وإلا انقرض الجنس البشري ! يكفي الحمض النووي (ADN) شرفاً أنه منحنا الحياة على الأرض بقدرة الله طبعاً.

هل نترك غرائزنا تتحكم في سلوكاتنا ونطلق العنان لشهواتنا تقودنا إلى الفناء بقنبلة هيدروجينية تحت إصبع مخبول اسمه ترامب ؟

هل نساير الطبيعة وننتظر نقلة نوعية إيجابية (Mutation bénéfique) تزيد في حجم جمجمتنا ووزن مخنا ومساحة تلافيفنا وعدد وصلاتنا العصبية ؟ قد تحدث بسبب الانتقاء الطبيعي الدارويني لكن هذا قد يتطلب مئات آلاف السنين نكون خلالها قد أفنينا أنفسنا بأيدينا، بأسلحتنا، بمبيداتنا، بِرُوبُواتنا، بأدويتنا "المذرّحة"، بأغذيتنا المسرطنة، أو نكون قد عدّلنا جيناتنا من أجل إشباع نزواتنا وحوّلنا نوعنا إلى مخلوق مشوّه أشوم من ذاتنا التي نحن عليها اليوم.

الحمض النووي (ADN) هو الذي دفعنا دفعًا إلى الرأسمالية واستغلال الإنسان للإنسان، هو الذي ألهمنا صُنْعِ أذرع أطول وأقوى من أذرعتنا، وظفنا بعضها للخير (آلات البناء والحفر والرفع) ولكن وظفنا جلها للشر حتى نأخذ بها أكثر ونخنق بها أقوى (مثل الأسلحة بجميع أنواعها)، و ألهمنا أيضًا صُنْعِ آذان تسمع ما كنا لا نسمع، وظفنا بعضها للخير (آلات طبية وتواصلية وكشافة) وجلها للشر حتى تتجسس أمريكا على باقي العالَم، وصُنْعِ عيون ترى ما كنا لا نرى، وظفنا بعضها للخير (آلات طبية وتواصلية وكشافة) ولكن وظفنا جلها للشر حتى نراقب من واشنطن آدميًّا يسعى في جبال اليمن ونقتله بالدرون (Drone).

 Bref, je n`aime pas un monde qui n`est pas à notre mesure, un monde qui n`est pas conçu pour le bien de tous, un monde inhumain et ignoble.

ما العمل إذن ؟

العملُ واضحٌ والهدفُ واضحٌ والطريقُ إليه أوضحُ:

 Culture contre Nature ou Épigenèse contre ADN ou plutôt la Culture en interaction avec la Nature ou l`épigenèse en interaction avec le tout génétique.

العمل هو الحد من هيمنة الغرائز، والهدف هو أنسنة الإنسان والابتعاد به أكثر ما يمكن عن الحيوان الذي يسكنه، الحيوان أصله حسب علم التطور الدارويني والله أعلم، والطريق هو التالي: ما دمنا لا نستطيع أن نغيّر جيناتنا فالأفضل لنا إذن أن نعمل معها وضدها في نفس الوقت (Faire avec pour aller contre)، نربّيها، ندجّنها وإذا تجاوزت حدودها نوقفها عند حدها. كيف ؟ بالاعتماد على علم جديد اسمه التخلّق أو ما بعد الخلق أو ما فوق الوراثي (l`épigenèse)، وهو بالصدفة موضوع أطروحتي (UCBLyon1, 2007) التي تقول إن ما هو مكتوب بالشفرة الجينية (Le code génétique) في كتاب الجينات (L`ADN ou les 46 chromosomes ou les 30 mille gènes) ليس برنامجا مغلقا (Un programme figé) أو قدرنا المحتوم (Notre destin, une fatalité).

إنما الجينات لا تعبّر عن نفسها إلا بالتفاعل مع المحيط. نمسك بالمحيط إذن وبعون الله سوف نفوز بإنسانيتنا ونخلّصها من أدران حيوانيتنا، أقصد بالمحيط (L`environnement) أي البيئة التي نعيش فيها، أي كتاب الثقافة، أي ما نستطيع تغييره وتطويره في جيل واحد أي في ثلاثين سنة، كتابٌ يضم: العائلة، الشارع، المدرسة، الناس، الدين، العلم، الفلسفة، الغذاء، الحب، الحنان، التضامن داخل المجموعة وخارجها، الفن، العادات، التقاليد، اللغة، الذوق، الخيال، إلخ.

للأسف هذا العلم الجديد نسبيّاً (l’épigenèse) لا يُدرّس عندنا، لا في الثانوي ولا في العالي. في فرنسا أدرجوه سنة 2000 في برنامج الثالثة ثانوي. قابلتُ وزير التربية التونسي في ذلك الوقت، الأستاذ منصر رويسي، وطلبتُ منه فِعل نفس الشيء في تونس. للأسف أقِيلَ من منصبه بعد مدة قصيرة ولم يتمكن من تنفيذ ما وعدني به، وما زال هذا العلم الحديث لا يُدرّس في جامعاتنا إلى اليوم.

 

خاتمة: المشكلة أن كتابَ الجينات وراثيٌّ (L`ADN) وكتابَ الثقافة مكتسبٌ (l`épigenèse) ! بلغة أوضح غرائزنا الحيوانية (L`ADN) نرثها وتمر أوتوماتيكيّاً من جيل إلى جيلٍ عبر التكاثر الجنسي، أما طريقة مقاومتها (l`épigenèse) فنتعلمها مع كل جيل جديد، حِملٌ ثقيلٌ نرفعه إلى قمة الجبل وكحجرة سيزيف يتدحرج إلى الأسفل مع كل ولادةٍ جديدةٍ وفي كل مرةٍ نعيدُ رفعَه من جديد، قَدَرُنا نتعلّم ونعلّم والنتيجة غير مضمونة، علينا ألا نتعب ولا نكلّ ولا نملّ وإلا انتصرت علينا غرائزنا كما هي منتصرة علينا اليوم.

غرائزنا التي تمشي في شوارعنا عارية قبيحة وأسماؤها متعددة: ترامب، ماكرون، نتنياهو، السيسي، بشار، الدواعش، برنار هنري ليفي (BHL)، الدوائر المالية العالمية (FMI, BM, BCE, Club de Paris, etc)، الشركات البترولية الاحتكارية (ُEsso, Total, Schell, BP, etc)، الشركات الصناعية والتجارية المتغوّلة (Carrefour, Danone, General Motors, Nokia, Apple, etc )، جارٌ يظلم جاره من أجل متر مربع من التراب، زوجٌ يمدّ يده على زوجته، مدرّس يصفع تلميذه ، موظفٌ يأخذ رشوة، تاجرٌ يحتكر سلعة، أخٌ يحرم أخته من حقها في الميراث، عالِمٌ  يوظف عِلمه من أجل تطوير أسلحة الدمار الشامل وغير الشامل، مسؤولٌ غير أمينٍ، حِرفيٌّ غشّاشٌ، وكل القيادات السياسية والعسكرية ومثقفو السلطة الظالمة، إلخ.

ملاحظة هامّة: هذه الأطروحة لا تتناقض مع ما جاء في القرآن الكريم:

الإنسان حمّال للخير والشر بطبعه وما بالطبع لن يتغير بالثقافة لأنه وراثي (ADN). قالها القرآن (فجورها وتقواها) وأكدتها نظرية التطور.

"وَنَفْسٍ (l’ADN) وَمَا سَوَّاهَا (Dieu) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا (l’agressivité) وَتَقْوَاهَا (la solidarité) قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا (l’éducation) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (l’avidité)".

 

إمضاء مواطن العالَم

"أنا عند الإسلاميين شيوعي وعند الشيوعيين إسلامي! لأن المفكر الحر يستحيل تصنيفه.." قالها المفكر الإيراني الإسلامي الحر علي شريعتي، صديق الفيلسوف الفرنسي اليساري الملحد جان بول سارتر الذي قال: "لو أجبرتُ يومًا على اختيارِ دينٍ، لاخترتُ دينَ صديقي علي شريعتي".

أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ، لا أراهُ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ سياسيًّا كما شِئتَ (La spiritualité à l`échelle individuelle).

"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

 و"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إذن إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

يا أولِي الألباب

 Combattez votre ADN, héréditaire, sauvage, agressif et égoïste avec l`épigenèse cérébrale, acquise, éducatrice, altruiste et civilisatrice (Sujet de ma thèse de doctorat en didactique de la biologie, UCBL1, 2007).

 

Ma source d’inspiration : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 14 أفريل 2019.


 

 

       سيرتي الذاتية:

 

محمد كشكار، أرى نفسي مواطنًا تسكنه غصبًا عنه عديد الهويات المتصارعة، صراعٌ أبديٌّ ونهايتُه مشروطةٌ بنهايتِي: تونسي، مسلم، عربي، أمازيغي، متوسطي، مغاربي، قبَلي، وطني، قومي، أممي، كَوني، مواطن العالم أصيل جمنة ولادة وتربية، أناني، نرجسي، غيري، تطوّعي، منبتّ، متجذّر، نقابي قاعدي، يساري غير ماركسي، فرنسي التكوين العلمي والثقافي والمطالعة، عربي الهوى والقلم، عِلمي، عَلماني، دارويني، سِلمِي، مُسالم، غاندي الهوى وعلى كل مقالٍ سيّئٍ أردُّ بمقالٍ جيّدٍ. خلال عشر سنوات، أصدرتُ 14 كتابا اثنان منها فقط عن طريق دار نشر. حصلتُ على الباكلوريا علوم في سن 28، الإجازة في علوم الحياة والأرض في سن 41، ديبلوم الدراسات المعمقة في ديداكتيك البيولوجيا في سن 50 والدكتورا في ديداكتيك البيولوجيا في سن 55 تحت إشراف مشترك بين جامعة تونس 1 وجامعة كلود برنار ليون 1 فرنسا. بين سنة 1974 و2012، درّستُ في تونس 30 سنة إعدادي وثانوي وفي الجزائر 8 سنوات إعدادي (درّستُ فيها علوم الحياة والأرض والفلاحة والتكنولوجيا واللغة الفرنسية). قضيتُ في التعليم العالي 13 سنة: 2 منها علوم الحياة والأرض في المدرسة العليا لترشيح الأساتذة المساعدين (1972-1974)، عام فلسفة بالمراسلة في جامعة رانس بفرنسا (1981)، 3 علوم الحياة والأرض بالمعهد الأعلى للتكوين المستمر بباردو جامعة تونس 1 (1990-1993)، 7 ديداكتيك بيولوجيا بين جامعة تونس 1 وجامعة كلود برنار ليون 1 فرنسا (2000-2007).

لم يبق لي في مخي من هذا كله إلا كلمات معدودات، مثل:

Didactique, biologie, gènes, épigenèse, interaction, émergence, complexité, épistémologie, anthropologie, approche systémique, socioconstructivisme, béhaviorisme, dévolution, obstacles, conceptions, zone proximale de développement, conflit intra-cognitif, conflit socio-cognitif, métacognition, pédagogie de projet, contrat pédagogique, etc.


 


 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire