dimanche 2 février 2025

Mon 8e livre : حدّث ﭬاستون باشلار قال

 



 

د. محمد كشكار

مواطن العالم، أصيل جمنة ولادة وتربية

 

 

 

 

 

 

حدّث ﭬاستون باشلار قال:

"الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون !"

 

تقديم لطفي بكوش

دكتور في الديداكتيك ومتفقد وإمام جمعة

 

 

 

 


أربع جمل تربوية بليغة، تمنيتُ لو كُتِبت على أربع لافتات كبيرة وعُلِّقت في قاعة الأساتذة في كل مؤسسة  تربوية تونسية :

Le pédagogue suisse Philippe Perrenoud a dit :

-       « L’absence d’autorité chez les enfants est une forme de maltraitance ».

-       « Une réforme du système éducatif n’est un enjeu majeur que si elle profite, en priorité, aux élèves qui ne réussissent pas à l’école ». 

L’épistémologue français Gaston Bachelard a dit :

-       « Les professeurs ne comprennent pas

que leurs élèves ne comprennent pas ».

Jean Jacques Rousseau a dit :

 « Donner à l`enfant le désir d`apprendre et toute méthode sera bonne ».

 

-       "غيابُ الانضباط في المؤسسات التربوية يُعتبرُ سوءُ معاملة للتلميذ"

-       "الإصلاح التربوي لا يُعتبَر إصلاحًا إلا إذا استفاد منه التلامذة الذين يتعرّضون عادةً إلى صعوبات في التعلّم"

-       "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون"

-       "مرِّرْ إلى الطفل متعة التعلم وكل الطرق البيداغوجية سوف تكون ناجعة"

 

أهم الكفاءات الضرورية للنجاح في الحياة لا يوفرها نظامنا التربوي: العمل في فريق، الحوار مع المختلف، التفاوض، إدارة الصراعات.

 


 

الإهداءُ:

1.  إلى أمي يامنة، أعز مخلوق لدي، أحبّتني بصمتٍ وربّتني بصمتٍ.

2.  إلى أختي فاطمة، الضريرة المستنيرة، سندٌ ليس كمثله سندٌ.

3.  إلى بنات وأبناء إخوتي وأخواتي، سرٌّ من أسرار سعادتي.

4.  إلى أساتذتي السابقين في الجامعة الرسمية:

Pierre Clément & André Gioran.

5.  إلى أساتذتي الحاليين في الكتب وفي الجامعة الافتراضية على اليوتوب:

Gaston Bachelar, Albert Jacquard, Roland Gori, Alain Denault, Michel Serres, Michel Onfray, Yuval Noah Harari, Christian de Duve, Henri Atlan, Maria Montessori, Jean Piaget, Lev S. Vygotski, Philippe Perrenoud, Alain Prochaiantz, Stephen Jay Gould, Grégoire Borst, Fethi Meskini & Le Monde diplomatique et sa Manière de Voir.


 

الشكر:

أتوجه بالشكر الجزيل إلى المتفقد لطفي بكوش على المراجعة العلمية وكتابة مقدمة لهذا الكتاب.

أتوجه بالشكر الجزيل إلى الأستاذ عفيف ساسي على المراجعة اللغوية للكتاب.

أتوجه بالشكر الجزيل إلى عمر الجمني، الفنان الخطاط، على تصميم غلافات خمسة من كتبي الثمانية.

أتوجه بالشكر الجزيل إلى  شقيقي أحمد كشكار على مساعدتي على توزيع كتبي في جمنة مسقط رأسي.


 

Trois principales questions posées par le philosophe Michel Serres auxquelles je vais essayer de répondre dans ce livre:

-       Qui enseigner ?

-       Quoi enseigner ?

-       Comment enseigner ?

 

-       إلى مَن نتوجه بالتعليم ؟ إلى التلامذة فقط أم إلى الأولياء أم إلى المدرسين أم إلى المسؤولين أم إلىهم جميعًا ؟

-       ماذا نعلمهم ؟ هل نعلمهم معارفَ أم قيمًا أم الاثنين معًا ؟

-       كيف نعلمهم ؟ هل بتوظيف البنائية أم البيهافيورية أم التلقين أم التقليد أم بالوكالة أم بالهدم والبناء أم بها جميعًا لكن حسب الظرف ؟

 


 

مقدمة بقلم لطفي بكوش،  دكتور في الديداكتيك ومتفقد مادة التفكير الإسلامي في ولاية المنستير وإمام جمعة

 

أوّل ما استلمت العمل وقرأت عنوانه (المدرّسون لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون) استيقظ فيّ سؤال ألقيته ذات يوم على السّامعين في خطبة الجمعة (لماذا يخطب الإمام خطبتَيْ الجمعة ؟ لماذا لا نجد أثرا لما يقول الإمام ؟ أين يكمن العيب؟ في السّامعين؟ أم في الإمام وخطابه ولغته؟ لماذا هذا التّمايز الحادّ بين حياة واقعية نعيشها بأبعادها المختلفة وحياة مثالية إيتوبية (utopique) تعرضها المرويات وكتب السِّيَر والأحاديث وغيرها... ؟

وأخذتني الذّاكرة لكتاب (Comment éduquer ses parents)[1] حيث أثارني العنوان وجعلني أتساءل: من يعلّم من؟ وبعبارة أخرى: هل يكون الأستاذ في قسمه معلّما دائما؟ ولماذا يظلّ المتعلّم متقبّلا على الدّوام؟ وكيف للمتعلّم أن يتبوّأ مقاما متقدّما في العمليّة التّعليميّة؟

لقد ذكّرني عنوان العمل بذلك الجدل الذي دار بين منكري دعوة الرّسول محمّد عليه السلام وبين الله حيث لم يعترفوا بالرّسالة واستكثروا على اليتيم الفقير رسالة تأتيه من السماء (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)[2] ولعلّ مردّ هذا الانكار عدم فهم المنكرين واستيعابهم مكوّنات الرّسالة وشعورهم أنّها لا تخاطبهم ولا تعنيهم. فأجابهم الله بما يؤكّد أن الرّسالات السّماوية كلّها نزلت من أجل الإنسان وصلاحه (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)[3]

إنّ الله لم يَجْرِ في بعثة الرّسل مجرى الإعجاز وخرق العادة، ولا فوّض إلى رسله من الهداية والضّلال شيئاً. ومربط الفرس في الآية هنا اللّسان، فهو يعني أداة التّواصل ووسيلة التّبليغ، وهو أمر طبيعيّ، بل ضروريّ أن يتكلّم أيّ رسول لغة الذين أرسل إليهم. ولكنّ الأعمق من ذلك حسب رأيي الخاصّ أن يأتي الرّسول بالحلول لمشكلات قومه، فالدعوة لا معنى لها إذا لم تنقذ المدعوين من مشاكلهم وتيسّر صعوباتهم وعوائق حياتهم. فيكون اللّسان الوارد في الآية قدرة الرّسول على فهم قومه ووعي واقعهم وإدراك حاجاتهم، ومعايشة التّحديّات التي تواجههم جميعا. ولأجل هذه المهمة الاجتماعيّة وجب على الرسول بذل جهده في هداية قومه وانقاذهم.

لماذا تبنّى محمّد كشكار في عنوان كتابه خطابا تقريريّا (المدرّسون لا يفهمون لماذا تلامذتهم لا يفهمون) ولم يجعل المسألة فرضيّة يبحث في إثباتها أو دحضها؟ من أين لمحمّد كشكار هذا الإدراك وهذا الاطّلاع وهذا اليقين بكون الأساتذة (المدرّسين والمعلّمين) لا يفقهون ولا يعلمون، بل حتى لا يشعرون أو لا يحسّون بأن تلاميذهم (المتعلّمين) لا يستوعبون الدّروس، ولا يفهمون ما يُنجز من تعلّمات؟

لعلّ ما يشفع لمحمّد كشكار في هذا الموقف التّقريري الجازم والرّأي الواثق، خبرة الكاتب[4]، وإحاطته الدّقيقة بالمسألة التربويّة، فهو دكتور الدّيداكتيك، وهو العارف بالقسم وفضاءات التعلّم والتّكوين، وهو المدرك لطبيعة العلاقة بين المعلّم والمتعلّم كما يصوّرها المثلثّ الديداكتيكي.

وأحسب أنّ الجملة التقريريّة في عنوان الكتاب هي رسالة يريد محمّد كشكار تبليغها للقرّاء وللمشتغلين بالتّربية والبيداغوجيا والدّيداكتك من أجل اتّهام النّفس الباحثة ومساءلتها. فهل ترى الكتاب محاكمة للخيارات التّربوية منذ بداية الاستقلال؟ أم بحثا عن نموذج تربويّ يحتضن المتعلّم ويقيه غول الإخفاق، ويحمي المؤسّسة التّربوية من الهدر والتّسرّب.

يطرح الدّكتور محمّد كشكار أسئلة جوهرية حول العمليّة التعليميّة ومكوّناتها ومدى نجاعتها. مستندا إلى الفلسفة تارة وإلى الدّيداكتيك تارة أخرى ويراوح بين النّظري والتّطبيقي، ويزاوج بين الفكرة والمنهج في البحث عن الحلول.

فبعد كتابه الموسوم ب"الإشكاليات العامّة في النّظام التّربوي التّونسي" الذي تناول فيه قضايا المنظومة التّربوية التّونسيّة وعناصرها، فأخضع الأستاذ والمتفقّد وطرق التّدريس وأساليب والتّشريعات إلى المساءلة. وكشف بعين الخبير المجرّب، الذي حنّكته الأيام والخبرة في التّدريس والتّأطير، وبيّن عناصر التّهافت في ذلك جميعا. فكان الكتاب شهادة على واقع التّعليم في تونس. ومن أجل التّجاوز اقترح مخارج متنوّعة وموزّعة بين الدّيداكتيكي والبيداغوجي والاجتماعي والثّقافي والسّياسي... ودعا إلى الاستلهام من التّجارب النّاجحة في العالم لتكون نموذجا يقتدى به في إصلاح المنظومة التّربوية التّونسيّة.

يطلّ علينا محمّد كشكار بكتابه الجديد (المدرّسون لا يفهمون لماذا تلامذتهم لا يفهمون) متبنّيا ما يعتقده باشلار حول المعلّمين الذين لا يأخذون في الاعتبار الحالة الذّهنيّة للمتعلّمين إلا قليلاً، والتي تجعلهم عرضة للخطأ أو الجهل أو عدم التّفكير والتي تمثّل المصدر الرّئيس للفشل المدرسي. ومستلهما من باشلار دهشته حيث يقول: "وغالبا ما اندهشت من واقع أنّ أساتذة العلوم، أكثر من المؤلفين العلماء إذا أمكن، لا يفهمون أنّنا لم نفهم. قلّة هم أولئك الذين خاضوا في علم نفس الخطأ، الجهل واللّا تفكير..."[5]

فيكون هذا الكتاب بحثا في العائق الإبستمولوجي[6] وأسباب عدم تحقيق المتعلّم لنتائج جيّدة في الدّراسة، وبالتّالي الفشل المدرسي، والانقطاع عن التّعليم.

كأنّي بمحمّد كشكار يُرجع عدم قدرة المتعلّمين على فهم مضامين الدّروس التّعلّمات وأسئلة الامتحان وفشلهم في الإجابة عنها، إلى المعلّمين والمدرّسين الذين لم يتفطّنوا لعديد العوائق التي تحول دون تمثّل التّلميذ للتعلّمات وفهمها... بل أكثر من ذلك فهو يعتبر غياب المتعة والمعنى عن التعلّم[7] في ذهن التّلميذ وحياته المدرسيّة السبب الرّئيس في التسرّب المدرسي والإخفاق الدّراسي، وفشل المنظومة التّربويّة....

فعندما يخاطب المعلّمون والمدرّسون جميع التلاميذ بلغة واحة وبأسلوب واحد، ولا يتفطّنون إلى اختلاف مستويات الفهم والمعرفة بين التلاميذ، ولا يدركون الفروق الفرديّة بينهم، ولا يعي المعلّم حاجة كل تلميذ النفسيّة والمعرفيّة إلى نوع متفرّد من التفسيرات والشّروح، وإلى مساعدة مخصوصة، وفقًا لاحتياجاته، ومستوياته النّفسيّة والمعرفيّة.

عندما يكون موضوع التعلّم غير مقدور على تصوّره تنشأ الصّعوبة ويكبر عائق التعلّم في ذهن التّلميذ، وتصبح المفاهيم المدروسة رموزا وأشكالا، ويصير الدّرس غير واقعيّ. ولعلّ الأمر يزداد تعقيدا في دروس الفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة والأرض، حيث تنعدم التّجربة، ويغيب التّطبيق المخبريّ.

ولتحسين فهم التّلاميذ للتعلّمات، ينبغي على المدرّسين تشجيع التلاميذ على المناقشة والإسهام في بناء الدّرس، وتقديم المواد بطرق تجذب انتباههم وتحفّزهم...

الأسئلة التي طرحها محمّد كشكار في التّصدير واستهلّ بها الكتاب أسئلة عميقة وحارقة تبحث في كلّ مكوّنات المنظومة التّربويّة (من يعلّم من؟ ولماذا؟ وكيف؟) (ماذا نعلّم معارف أم مهارات أم قيما؟) (أيّ المدارس نعتمد البنائيّة أم الاجتماعيّة أم البنائيّة الاجتماعيّة؟)

في رحلة للبحث عن الأعطاب التي أصابت المنظومة التّربويّة التّونسيّة يستقرأ محمّد كشكار الإخلالات التي أصابت التّعليم والتّعلّم في العالم فيتّهم اللّيبرالية المجحفة التي سَلْعَنَت التّعليم وحوّلت الأستاذ المعلّم إلى بروليتاري يلهث وراء تأمين مرافق الحياة واحتياجاته، (وليس أدل على ذلك من انتشار الدّروس الخصوصيّة في الواقع التّونسي.) وكان محمّد كشكار قد صرّح بذلك بوضوح في مقارنة أقامها بين أستاذ تعليم عالي يلقي محاضرة يتقاضى عليها منحة تساوي 100دولارا واستاذا مكوّنا للتعليم الثّانوي ينفق من عمره خمسة عشر يوما في الإعداد وأربع ساعات في التّكوين ليحصل على منحة تساوي دولارا واحدا.

واعتبر محمّد كشكار مع ميشيل سار (فصل الإنسانيّ عن العلمي) جريمة كبرى في حق التّربية والتّعليم في العالم. إذ جعلت التّعليم أعرج يمشي على رِجل واحدة، فلا تلاميذ الآداب يعتنون بالمواد العلمية[8]، وكذلك تلاميذ شعب العلوم والتّقنية لا يهتمّون بالمواد الأدبية والاجتماعيّة. فتألّم محمّد كشكار لذلك، وسخر من هذا الفصل المقيت فاعتبر "بفضل التّعليم الانفصالي، أصبحت نخبة العالَم مقسّمةً بين "مثقّفين جهلة بالعلم" (خرّيجو كلّيات العلوم الإنسانيّة والفلسفة والقانون، هُمُ حُكّام العالَم) و"علماء غير مثقّفين" (خرّيجو كليات العلوم الصلبة، "الصحيحة" والتجريبيّة، هُمُ مغيّرو العالَم!... شُعَبُ العلوم الصّحيحة وشُعَبُ العلوم الإنسانيّة، مفصولتان منذ الثّانوي: تعليمُ أنتج لنا "علماء غير مثقفين" غيّروا العالم و"مثقفين جهلة بالعلوم..."[9]

وعبر هذه القطيعة غير العلميّة بين العلوم الإنسانيّة والعلوم الصّحيحة أو الصّلبة تهاوى الإنسانيّ في التّربوي وأصبح التّعليم والتّعلّم دون غاية وفقد المعلّم رسالته، وسادت الفوضى العقليّة في الأذهان على حد تعبير أوغست كونت، "وإعادة النّظام إلى المجتمع يقتضي إزالة الفوضى الأخلاقيّة، وهو الأمر الذي يتطلّب النّظر في الفوضى العقليّة بإقامة المعرفة العلميّة بالحياة العمليّة للمجتمع، من حيث إنّ هذه المعرفة هي السّبيل الأكثر صلاحيّة للتّأثير في مجرى الحياة المجتمعيّة بصورة موضوعيّة. فكما إنّ ما يسمح لنا بالتّأثير في ظواهر الطّبيعة هو المعرفة العلميّة التي يقدّمها بنا عنها علم الفيزياء، فإنّ ما يسمح لنا بتأثير مماثل في الظّواهر الإنسانيّة هو قيام الفيزياء للظّواهر المجتمعيّة"[10]

يفكّك محمّد كشكار ويحلّل وجوه الخلل الذي تمكّن بالمنظومة التّربوية فردّه إلى تركيز التّعليم التّونسي على تعليم الكفاءات (أستاذ، طبيب، مهندس...) وإهمال تعليم القِيم الضامنة للكفاءات (التّضامن، التّطوع، نقد المعرفة نفسها، الحوار...) فالتّعليم التّونسي في نظر محمّد كشكار لا يهتم إلّا بتكوين كفاءات عمليّة فاقدة لرسالتها الإنسانيّة مثل جلّ المدرسين والأطباء والمحامين. ووسمه بالتّعليم الذي كانت تخصّصه أثينا للعبيد.

ممّا جعل المدرسة التّونسيّة مدرستين، الأولى عموميّة تفتقر لأبسط الوسائل والضّرورات، واستحالت إلى ملجأ بعدما كانت مصعدا اجتماعيّا. والثّانية مدرسة خاصّة ربحيّة همّها الدّخل حوّلت المتعلّمين إلى روبوتات (robots) للحفظ والاستظهار واستنساخ مسارات أوليائهم ووراثتها.

يلتقي محمّد كشكار مع باولو فرايري (Paulo Freire) في ندائه إلى تجويد التّعليم وجعله يستجيب لحاجيات المجتمع ويبتعد عن التعليم البنكي. فاعتبر "مهمّة التّدريس مسؤوليّة جسيمة وخطرة تستدعي الجديّة الفكريّة الدائمة، وتحفيز دوافع التّطلّع المعرفي، والقدرة على الحب وعلى الإبداع وعلى الكفاءة العلميّة، والابتعاد عن الاختزال العلمي، ويتطلّب التدريس كذلك القدرة على الكفاح من أجل الحريّة، والتي دونها تخلو مهمّة التدريس من كلّ معنى."[11]

فكأنّي بمحمّد كشكار ينادي المدرّسين بصوت عال: لا تجعلوا المعلومات تلهيكم عن حقيقة دوركم في الأقسام. فليس الدّرس مناسبة لشحن العقول بالمعلومات والمسلّمات وإنّما هو فرصتكم لصناعة الشّخصيّات والعقول على ضفاف المعارف والمعلومات. فعقل محكم الصّياغة والبناء خير ألف مرّة من عقل مترع بالمعلومات يتخبّط في شراكها ولا يكاد يتعدّاها. وقيم فاعلة في السّلوك عن وعي، محبّبة إلى نفس المتعلّم، مؤثّرة في خياراته ومواقفه، خير من ألف قصيدة تتغنّى بالأخلاق يلقيها الفتى لا تتجاوز لسانه. وكما قال إيمانويل كانط: (لا يجب أن ندرّس أفكارا، بل نعلّم كيفية التفكير، ويجب عدم حمل المتعلّم، ولكن يجب أن نوجّهه إذا أردنا أن يكون قادرًا في المستقبل على المشي بمفرده)[12]

وإلى جنب ذلك يدعو المتفقّدين إلى ممارسة المرافقة والإرشاد في مهنتهم أكثر من ممارسة الرّقابة والتّفقّد. فكلّما اتسعت مساحة التّواصل والتّعاون بين الأستاذ والمتفقّد كلّما كانت التّوجيهات والتّوصيات مؤثّرة. وكلّما كان الأستاذ والمعلّم محور عمليّة التّكوين كلّما كانت النّتائج أفضل.

يغوص محمّد كشكار في المنظومة التربويّة التّونسيّة كمستكشف البحار بحثا وتفتيشا عن لؤلؤة فلا يظفر بها. ومتسلّحا بالبركار والمنقلة كمهندس معماريّ يخطّط مثالا لبناية المدرسة أو المعهد المنشود، فتتكسّر الأدوات ويتمزّق ورق الرسم بين يديه لكثرة العوائق. ويدخل غرفة عمليّات الإصلاح التّربوي مستعينا بالمقصّات والإبر وممسكا بالمشرط كطبيب جرّاح فيقضي المريض ويموت لتمكّن المرض اللّعين من جسده وانهيار قواه...

وكطبيب ماهر يحرّر الوصفة اللّازمة لعلاج المنظومة التربوية فيدعو إلى مراجعة نظام التّقييم. فالعودة إلى المناظرات الوطنية واجباريتها، ورد الاعتبار للتّكوين المهني من أوكد الوسائل التي يراها محمّد كشكار للخروج من نفق أزمة المنظومة التّربوية. فاستبدال منهاج دراسي بآخر أو طريقة بيداغوجيّة بأخرى دون تبديل نظام التّقييم لا يؤدّي في أغلب الأحيان إلى شيء ذي بال. ولكن تغيير نظام التقييم يؤثّر تأثيرا بالغا في طبيعة التعلّم ونوعيته حتى في صورة الإبقاء على المنهاج الدراسي القديم.

ويدعو إلى تربية المتعلّم على القيم فهي في نظره المدخل الساس لتجاوز قلّة انضباط التّلاميذ. فالقيم تزوّد المتعلّم بمعايير للحكم على مواقف الحياة وأنماط السلوك. وتسيج القيم المتعلّم (بسياج قيمي) يحمي من الشرور (الفكر المنحرف، الرّؤية المنغلقة، أحادية المقاربة...) فالقيم فضائل عليا تؤطّر سلوك الفرد بالخير والفضيلة والحق والجمال وتعطي الفرد القوّة والفاعليّة وتزوّده بعوامل النجاح والتميّز. وتشبع الحاجات النفسية للمتعلّم فيكتسب السعادة. 

أخيرا لماذا يصرّ محمّد كشكار على دراسة الإبستمولوجيا وتدريسها ؟ لماذا يجعلها شرطا معرفيّا ومهارة تدريسيّة للمعلّم والأستاذ؟ لماذا يراها السّبيل الرّئيس لإصلاح التّعليم ؟

إنّ الإبستمولوجيا هي الدّراسة النّقدية لمبادئ العلوم ومناهجها ونتائجها قال غاستون باشلار: "إن معرفة الواقع هي نور يعكس دائما ظلاله في مكان ما، فهي ليست أبدا معرفة مباشرة ومليئة، وتجلّيات الواقع ليست دائما متواترة. فالواقع ليس دائما ما يمكننا أن نعتقده، لكنّه على الدّوام ما كان يُفترض أن نفكّر فيه. ويكون الفكر التّجريبي واضحاً في النّهاية، عندما يكون جهاز العقول عاملاً. وبالعودة إلى ماضٍ من الأخطاء، نجد الحقيقة في توبة عقليّة حقيقيّة. ففي الواقع، إنّنا نعرف مقابل معرفة سابقة، بتقويض معارف سيّئة الصّنع، وبتخطّي ما يعوق عملية الرّوحنة في العقل بالذات."[13]

فالإبستيمولوجيا لا تشكّل مبحثا واحدا أو موحّدا، لأنّها تأخذ من الفلسفة الشكّ والتّفكير النّقدي وتقليب الأمور على وجوهها المختلفة، وتأخذ من العلم الصّرامة في بناء المفاهيم، وطرق الاستدلال. ولأنّ العلم لا يقدّم -ما عدا في البرامج المدرسية التي هي بالضرورة بيداغوجية ودغمائية (dogmatique)- اليقين والموضوعية المطلقين دائما، فلا وجود لنظرية علمية نهائيّة وثابتة. "بالنّسبة إلى العقل العلمي تُعتبر كلّ معرفة جوابا عن مسألة. فإذا لم يكن ثمّة مسالة لا يمكن أن يكون هناك معرفة علميّة. لا شيء ينطلق بداهة. لا شيء معطى. كل شيء مبنيّ."[14]

في العملية التعليمية التعلّميّة، تساعد الابستمولوجيا على تحليل المفاهيم وتقييمها والتّفكير فيها، وهو ما يتيح للمعلّمين والمدرّسين فهم أفضل طريقة للتعليم والتعلّم وتقييم النّتائج التي يحصلون عليها.

تلعب الإبستيمولوجيا دورا مهمّا في مجال التّدريس، إذ تساعد على فهم كيفيّات اكتساب المتعلّمين المعرفة وتفسيرها وقدرتهم على إعادة بناء التّصوّرات وتصحيحها. كما تساعد المعلّمين على تطوير طرق التّدريس وممارسة النّقل الدّيداكتيكي (transposition didactique) بأكثر فعاليّة وتحفيز المتعلّمين على التّعلم.

واستخدام الإبستيمولوجيا في التّدريس تساعد المتعلّمين على تطوير قدرات التّفكير النّقدي لديهم. فعندما يتدرّب التّلاميذ على طرق تحليل المعرفة وفهم مصادرها وتحديد نسبيّتها، فإنّهم يتعلّمون الحجاج وأساليبه المختلفة ويكتسبون ملكة اتّخاذ القرار وبناء المواقف المنطقية. وبشكل عام، تساعد الإبستيمولوجيا على تحسين جودة التّعليم ومردوديّته وزيادة فعّاليته.

 

 

 

 

 

 

 

 

  


 

 

 

تذكير علمي مهم

 

أذكّر بأن مقالاتي حول الديداكتيك، التي يحويها هذا الكتاب، لا تعوّض البتة ما يقدمه زملائي الديداكتيون في الجامعة. ما أقدّمه هنا لا يعدو أن يكون إلا  تحسيسًا يحتمل الخطأ والصواب.

وأذكّر أيضًا أن للعلم ثلاثة مصادر موثوقة وموثقة لا رابع لها: الجامعة والمؤتمرات العلمية والمجلات العلمية المختصة والمحكّمة (Revues cotées). فلا تثقوا ثقة تامة في الكتب والأنترنات والتلفزة والراديو والجرائد والمجلات غير المختصة وغير المحكّمة.

وأعتقد أن النقدَ هدّامٌ أو لا يكونْ، هدّامٌ للتصورات غير العلمية. إنني لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل ودّ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ قد يبدو لكم غير علمي يكون الرد بِمقالٍ علميٍّ.

و"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران خليل جبران)

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

1

حول التعليم في العالم


 

ما هو أكبر خلل أصاب التعليم في العالم أجمع ؟

 

الخلل الأكبر: يبدو أن الحداثة قد حوّلت المدرّس إلى بروليتاري يبيع قوة عمله بمقابل ووظفته فأصبح أجيرًا يخدم مشروعَها الربحي وأفقدته رسالتَه التربوية المتمثّلة في مشروعِ خلقِ مواطنٍ صالحٍ يخدم مجتمعَه والإنسانية قاطبة.

لقد أفقِد  المدرس ضميرَه المهني منذ أن "بُرلِتَتْ" مهنته (métiers prolétarisés)  وتخلى قسرًا عن رسالته السامية في العمل التربوي.

مَن هُمُ المحتالونَ في مجتمعِ الحداثةِ مَصنعِ المحتالينَ ؟

أناسٌ متأقلمونَ جدّاً مع مجتمعِهم المريضِ حتى تخالُهم أسوياءً، أشخاصٌ مُسْتَلَبونَ جدا (aliénés) حتى تخالَهم مرضَى نفسانيينَ. أناسٌ أبطالُ عصرِ الحداثةِ وعصرِ ما بعد الحداثةِ.

 Pour en savoir plus sur le concept de « prolétarisation des métiers intellectuels », prière lire La fabrique des imposteurs,  éd. Babel essai, 2015, 308 pages, Prix 8,7  ; Roland Gori  (psychanalyste et professeur émérite de psychologie et de psychopathologie clinique à l’université Aix-Marseille).

يبدو لي أن الشاعر أحمد شوقي لم يبالغ عندما قال:

"قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا *** كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا".

Le philosophe humaniste Edgar Morin a dit : « Il faut réhumaniser l’humanité ». Et moi, je dis : « Il faut reprophétiser le métier d’enseignant ».


 

وما الخلل الثاني الذي أصاب التعليم في العالم أجمع ؟

 

 Le philosophe Michel Serres a dit : « L’Université d’aujourd’hui produit deux variétés d’imbéciles : d’un coté des scientifiques qui ne connaissent rien à la culture (des savants incultes), de l’autre des cultivés qui ne connaissent rien  à la science  (des cultivés ignorants)! ».

خللٌ كبيرٌ لاحظه الفيلسوف الإبستمولوجي "ميشيل سارّ". خللٌ يتمثل في فصل كليات العلوم الإنسانية عن كليات العلوم الصلبة (الصحيحة والتجريبية). الأولى أنتجت مثقفين جهلة بالعلم والثانية علماء غير مثقفين.

العلوم الصلبة والعلوم الإنسانية، الأولى تدرُس العالم والثانية تدرُس المجتمع. التعليم في العالم فصَلهما عن بعضهما فكيف نعيد الربط بينهما ؟

حسب اجتهادي المتواضع يجب إعادة الربط بينهما باعتماد نظام تدريس مشترك للمواد القناطر (tronc commun) مثل الإبستمولوجيا (نقد المعرفة أو معرفة المعرفة) والإيكولوجيا (علوم البيئة) وتاريخ العلوم وعلوم الحياة والأرض، إلخ.

فمَن غيّر العالم (تكنولوجيا، أمل الحياة، الحاسوب والأنترنات) ؟

إنهم أصحاب العلوم الصلبة، أي العلماء غير المثقفين.

ومَن يحتكر الحكم والكلمة في العالم ؟

هم أصحاب العلوم الإنسانية، أي المثقفون الجهلة بالعلم.

والمفارقة العجيبة أن مَن غيّروا العالم لا يعرفهم العالم (تورينـﭬ، فليمنـﭬ، باستور)، ومن حكموا العالم ودمّروه يعرفهم العالم (هتلر، ستالين) !

Le philosophe Michel Serres a dit : « La spécialité permet l’efficacité et empêche l’innovation ».

التخصصُ الذي جاء مع الحداثة قد يُحققُ النجاعةَ لكنه يَمنعُ التجديدَ. الفصلُ بين الاختصاصات في التعليم هو سياسة تربوية خبيثة ومبيّتة، سياسةٌ جعلت من المجتمع خلية نحل، كل مختص يعمل في عزلة متجاهلا المشروع الجماعي والمصير الإنساني المشترك.

 


 

بعض الأسباب العميقة وراء تدهور التعليم في العالَم

 

 

1.  اقتصاد السوق الليبرالي المتوحّش أجبَر الأستاذ على التخلي عن رسالته التربوية النبيلة. كان المعلّم في أيامنا رسولا (قبل 1970، l’année charnière) فجعلت منه الرأسماليةُ الجشعة بروليتاريًّا فاقدًا لأي رسالة. يبيع ما تعلّمه بمقابلٍ، أي يكتفي بالقيام بواجبه لا غير وينسى أنه مطالَب بأكثر من الواجب، مطالَب بأداء الرسالة على أكملِ وجهٍ ممكنٍ.

2.  تدهور مفهوم "الدولة-الأمة الراعية" (l’État-nation providentiel): "مَثلُ الدولة-الأمة الراعية في تكاملها كمثل البلد الواحد، إذا اشتكى منه مواطن تضامن معه باقي المواطنين بالنفس والنفيس".

3.  قديمًا كان 80% مما يُدرِّسه أستاذ العلوم الجامعي، تعلّمه في الجامعة. في القرن 21 أصبح 80% مما يدرّسه، تعلّمه بعد التخرّج.

4.  شرعية المعرفة الأكاديمية وهيبة الأستاذ تزعزعتا لأن الأكاديمية والأستاذ لم يعودا قادرَين على الإجابة على كل أسئلة الطالب والتلميذ وذلك ناتجٌ عن سرعة تطوّرِ العلوم وانتشارها عبر الأنترنات.

5.  تعليمنا يركّز على تعليم الكفاءات (أستاذ، طبيب، مهندس) ويهمل تعليم القِيم الضامنة للكفاءات (التضامن، التطوع، نقد المعرفة نفسها، الحوار).

6.  تعليمنا لايهتم إلا بتكوين كفاءات عملية فاقدة لرسالتها الإنسانية مثل جل مدرسينا وأطبائنا ومحامينا. هو تعليم كانت أثينا تخصصه للعبيد !

7.  في أثينا كان العبيد يُعلَّمون الكفاءات التي تؤهلهم لخدمة أسيادهم. وتعليم اليوم في العالم أجمع لا يفعل غير هذا مع تغير الأسياد (الرأسالماليون أرباب العمل).

8.  تعليمٌ لا يعلّم المتعلم كيفية حماية نفسه من الاستلاب   (aliénation)  وممارسة حريته الفكرية هو ترويضٌ للأحصنة وليس تعليمًا للبشر.

9.  تعليمنا اليوم هو تعليم سلوكي (éducation purement comportementale) بطريقة سلوكية (béhaviorisme) : سؤال/جواب، جزاء/عقاب، ذكي/غبي !

10.                تعليمنا اليوم تعليم يعتمد أساسًا على التقييم الجزائي مما يدفع التلامذة دفعًا للغش والمنافسة غير الشريفة بينهم (l’étude): التلميذ المحتال في نظامنا التربوي يصبح كالسمكة في الماء. 

11.                النظام التربوي الليبرالي في العالم: وزير ومتفقد ومدرس وتلميذ وولي ومشغّل، محتالٌ يحتالُ على محتالٍ، والمحتال الأكبر هو رأس المال  !

12.                إذا أردت أن تقيّم نظامًا تربويًّا ما، فانظر في متخرّجيه (مدرس، طبيب، مهندس). تقنيا جلهم أكفاء، اجتماعيا جلهم فاقدون لرسالتهم الإنسانية !

13.                المطلوب من المدرسة أن تعلم التلميذ النقد والتجديد وتحدي الصعوبات ومجابهة الطوارئ، لا أن تعلمه الخنوع والتقليد والتأقلم مع الموجود !

14.                "علّم" (enseigner) لا تعني "فسّر" (expliquer) ، بل تعني تدريب التلميذ على استنباط حلول تعلمية خاصة به لكي يستطيعَ أن يتعلم ما لا يعلمه أستاذه نفسه !

15.                لقد حاد التعليم عن رسالته، فعِوض أن يعلم التلميذ التحرر والانعتاق من الأفكار البالية، أصبح ينظم، يصنف، يراقب، يتحكم ويجازي ويعاقب !

16.                إذن فما هو الخلل الأساسي في التعليم ؟ أن يوجد في نفس القاعة معلم ومتعلم أي حاكم ومحكوم أي باث ومتلق أي مُذهِل (مدرس) ومذهول (تلميذ) !

17.                في تعليمنا لا مجال عادة لممارسة أنشطة بدنية سوى الرياضة. قليلُ جدا من الأنشطة الأخرى توجد في بعض المدارس وليس في كلها، مثل المسرح والتصوير وبعض الأشغال التطبيقية في بعض الشعب العلمية (إعلامية، فيزياء، علوم الحياة والأرض). نتمني إضافة الطبخ وتصنيف الحلويات والخياطة وخاصة الرحلات المدرسية لزيارة المتاحف والجبال والصحراء والبحر، بناتٍ وأولادًا مختلطين في انضباط أخلاقي. لقد اشتكى البدن من حمل الرأس دون يمتع نفسه بقدراته على القفز والجري والعوم والغطس للأعماق وتسلق الأشجار والجبال وتتبع آثار الحيوانات بحذر والرقص بأنواعه وفنون الدفاع عن النفس (arts martiaux) وتعلم قيادة الدراجات والموتورات والسيارات العائلية وغيرها من الأنشطة التعليمية-الترفيهية-الشبابية الأخرى.

NB : Aujourd’hui, malheureusement  les corps de nos élèves ne s'expriment presque pas à l’école, ou rarement durant le parcours scolaire, ils sont quasi inactifs.

18.                وبعد كل هذا النقد الذي سبق للتعليم، ما الحل إذن ؟ هل نغلق المدارس والجامعات ؟ أكيد لا... بل نساعد التلميذ على بناء معرفته بنفسه (مونتيسوري).

 

Pour en savoir plus, prière lire le livre de Roland GORI, La fabrique des imposteurs, BABEL, 2015 (308 pages, 8,7 euros).


 

نقدٌ في العُمقِ للمدرسة الليبرالية

 

فكرة الفيلسوف ميشيل أونفري، ترجمة وصياغة وتَوْنَسَة المؤلف محمد كشكار

 

نحنُ رجالُ التعليم ونساؤه المعارضون لسياسة الانتقاء في التعليم العمومي

 La sélection selon le mérite scientifique appelée sélection républicaine.

وأخص بالذكر منهم اليساريين الذين عرفتهم. كُنّا في السبعينيات من القرن الماضي نطالب بإلغاء الانتقاء ودَمَقرطة التعليم من أجلِ مَنحِ فرصة أكبر في النجاح لأبناء الأغلبية، أي أبناء الفقراء من طبقة العمال والفلاحين الصغار الذين يمثلون 99 % من سكان العالم.

اليوم وأنا متقاعد وعيتُ متأخرًا أننا لم نكن على صوابٍ تام كما كنا نعتقد في شبابنا. اليوم، هبّت على العالم وعلينا رياحُ الديمقراطية الليبرالية المنحازة إلى طبقة الأغنياء الذين يمثلون 1 % من سكان العالم وحلّت بين ظهرانينَا المدرسة الليبرالية

 (L`école libérale de Ben Ali et de la Révolution)

وعوّضت المدرسة الجمهورية

(L`école républicaine de Bourguiba)

La sélection libérale a remplacé la sélection selon le mérite scientifique appelée sélection républicaine.

 

لقد كان الانتقاء في المدرسة الجمهورية البورقيبية حسب الاستحقاق العلمي وليس الطبقي. أما في المدرسة الليبرالية المعولمة الحالية فيسود انتقاءٌ من نوعٍ آخرَ، انتقاءٌ مغلّفٌ بدمقرطة مزيفة: أهمِلت المدرسة العمومية وهُمشت لغاية في نفس رجال الأعمال الجشعين. هذه الغاية غير النبيلة تتمثل في تقوِية التعليم الخاص الليبرالي وإبرازِه في دورِ المنقذِ من تَدهورِ التعليم العمومي وتدحرُجِه. يُقال أنه في مفتتح السنة الدراسية 2016-2017، التحق بمؤسسات التعليم الخاص حوالي 25 ألف تلميذ جديد. النجاحُ في الجامعة والتشغيلُ بعد التخرجِ أصبحا في الغالب مُحتكرَين من قِبل أولاد أصحابِ النفوذ والمال، وأصبح المدرّسُ عُرضة للرشوة عن طريق دروسٍ خصوصيةٍ باهظة الثمن وغير مضمونة النجاعة. تعطّلَ الارتقاءُ الاجتماعي  (L`ascension sociale)  حسب الاجتهاد في الدراسة وفُسِح المجال واسعًا أمام المحسوبية والفساد المادي والأخلاقي وفقدت المدرسة بريق السبعينيات وانطفأ أمل الارتقاء في عيون التلامذة الفقراء ونقصت لديهم الدوافع للتعلم (La motivation).

يبقى دومًا لكل قاعدةٍ استثناءٌ، والاستثناء يتمثل في التعليم المجاني رفيع المستوى في فنلندا وفي القليلِ مِن الدول الاشتراكية أو الرأسمالية (فنلندا، ألمانيا، سنغفورة، بريطانيا، كوريا الجنوبية، الصين، المجر، الشيلي، كوبا، تركيا)، حيث يُثمَّن التعليم العمومي أفضلَ تثمينٍ وحيث توصّلوا بنجاح إلى الجَمعِ والتوفيقِ بين محاسن الانتقاء العلمي ومحاسن دمقرطة التعليم، لذلك لم ينزل المستوى العلمي للتعليم وفي نفس الوقت ارتفع عدد المستفيدين منه على اختلاف انتماءاتهم الطبقية.

 


 

الأوهام الثلاثة في التدريس (فكرة أستاذي السابق في الديداكتيك، أندري جيوردان)

 

يتمثل الوهم الأول في الاعتقاد أن الحل يكمن في الرجوع إلى الماضي ويتوهم الدعاة إلى هذا الحل، وهم عادة من المتقدمين أوالمتوسطين في السن، أن تعليمهم القديم أفضل وأجدى من التعليم الحالي وأن جيلهم أذكى من هذا الجيل. ويعتقد أصحاب الوهم الثاني أن وسائل التكنولوجيا الحديثة ستجيب على كل الإشكاليات المطروحة وأن الحاسوب سيأخذ مكان المدرس. أما دعاة الوهم الثالث فيقولون: يكفي أن تقوم بالدرس حتى يتعلّم التلاميذ ولا فائدة من التنظير في الموضوع.

 

 


 

 

 

 

 

 

 

 

2

حول التعليم في تونس


 

ما هو أكبر خلل أصاب التعليم في تونس ؟

 

النظام التربوي التونسي هرمٌ مقلوبٌ (pyramide renversée)

الخلل: هرمُ منظومتنا التربوية هرمٌ مقلوب على رأسه: الدولة تخصص ميزانية مالية للثانوي والإعدادي أكبر مما تخصصه للابتدائي، ولو عكست لأصابت. وتنتدب للتدريس في الثانوي مدرسين ذوي شهائد أعلى وتوفّر للثانوي والإعدادي وسائل إيضاح أكثر مما توفره للابتدائي، ولو عكست لأصابت.

البديل المقترح: إعادة الهرم التربوي إلى وضعه السليم،
أي تخصيص ميزانية للتعليم الابتدائي أكبر مما تخصّصه الوزارة للإعدادي والثانوي. ولو انتدبت مدرسين ذوي كفاءات وشهائد أعلى للتدريس في الابتدائي لتحسّنت آليًّا نتائج الإعدادي والثانوي والعالي. أما فيما يخص وسائل الإيضاح (les moyens didactiques : ordinateurs, cartes, microscopes, vidéo-projecteurs, etc) فتلامذة الابتدائي هم لها أحوجُ لأنهم أقرب إلى مرحلة المحسوس (le concret) أي لم يصلوا بعدُ إلى مرحلة التجريد (l’abstrait).


 

ما الخلل الثاني للتعليم في تونس ؟

 

يبدو لي أن حِرصَ الكثير من الأولياء على ضمان تعليمٍ أفضلَ لأولادهم (تعليم  خاص في تونس أو بِعثات دراسية للخارج أو دروس خصوصية -  Étude) قد خَلَقَ، ودون قصدٍ منهم، تعليمًا يمشي بسرعتين مختلفتين في تونس. مدرستُنا مدرستانِ (enseignement à deux vitesses): العمومي يؤبّد القديم بسيئاته ويتعثّر أما الخاص فيحثّ الخطى ويجدّد.

فمَن المسئول يا ترى ؟ مَن يصنعُ الفشل المدرسي في تونس ؟ (حوالي 100 ألف تلميذ منقطع تَلفظهم المدرسة في نهاية كل سنة دراسية وذلك منذ عقدَين من الزمن على الأقل، مئة ألف يعود أغلبهم للأمية). المسئول الأول هي الدولة، الدولة التي تخلت عن دورها التربوي وعن مدرسة الجمهورية (L’école républicaine)، مدرسة المِصعد الاجتماعي للفقراء (L’ascenseur social des pauvres)، مدرسة الاستقلال التي تعلمت فيها أنا (58-74) حيث كان المبيت مجانيا للمعوزين والأكل مجانيا والأدوات المدرسية مجانية (كنا مثل فنلندا حاليًّا أو أفضل قليلاً - servi, logé, nourri, blanchi). أما المسئول الثاني فهم مدرّسو المدرسة العمومية أنفسهم: مدرس الدروس الخصوصية (L’étude) الذي أنهَكَه جشعه، مما نتج عنه في عديد الحالات إهمالٌ مضاعف: انخفض أداؤه البيداغوجي خلال عمله الرسمي داخل المدرسة، وانخفض مستوى إعداده لدروسه خارج المدرسة. لا أعمّم وأستثني بعض المربين غير الجشعين الذين يلتجئون إلي الدروس الخصوصية اضطرارًا، أي الذين يُراعون القناعةَ في هذا المجال، وهم من الندرة بمكان.


 

ما الخلل الثالث ؟

 

في الماضي، كنتُ أشرِفُ على جميع الإضرابات التي وقعت في الإعداديات والمعاهد التي درّستُ فيها بصفتي قاعديًّا أحيانًا، وأحيانًا أخرى بصفتي مندوبًا نقابيًّا بغار الدماء أو عضو نقابة جهوية بجندوبة أو كاتبًا عامًّا للنقابة الأساسية بحمام الشط (في معهد برج السدرية، كنتُ أتقاسمُ الإشرافَ مع زميلي رضا بركاتي).



أما اليوم وبِعينٍ خارجيةٍ فلا أرى أيَّ موجبٍ منطقِيٍّ يُعطِي الحقَّ لِمدرِّسٍ بأن يَحرِمَ تلميذًا من حقه في طلبِ العِلمِ ويُعاقِبَه على ذنبٍ لم يقترِفهُ، وأعتبِرُ الإضرابَ عن القِيامِ بِدرسٍ مُبرمجٍ في جدول أوقاتِ التلميذِ والمدرِّسِ (أساسي وثانوي وعالٍ) خطأ لا يُغتَفَرُ في حق التلميذِ والولِيِّ، ولا أقبَل أيَّ تبريرٍ لمثلِ هذه الإضراباتِ مهما كانت أسبابُ الإضراب، ماديةً أو معنويةً، وعلى النقابِيين استنباطُ طُرُقٍ أخرى مُجديةٍ وناجعةٍ للمطالبة بِحقوقِهِم دون المَساسِ بحقوقِ التلاميذِ والأولياءِ.

أسحَبُ هذا الموقِفَ المبدئيَّ على كل الإضرابات في القطاع العمومي، وأعتبرها أيضًا أخطاءً لا تُغتَفَرُ في حق رُكّابِ النقل العمومي ومَرضَى المستشفيات العمومية وجميع المستفِيدينَ من خدمات القطاع العمومي وكل دافِعِي الضرائب مُلاّكُ هذا القطاع بما فيهم المضرِبونَ أنفسهم.

المدرّسون المضربون هُمُ في أشدّ الحاجة إلى "جُرْعَةٍ من التعاطف" (une dose d’empathie) حتى يَشعروا بما يَشعرُ به أولياءُ تلامذتهم.

 

وسيلة "نضالية" أخرى ابتدعها النقابيون للمطالبة بحقوقهم المشروعة وسمّوها "حجْب الأعداد" عن الإدارة وليس على التلميذ ولا يرون في ذلك إخلالاً بالعمل:

حسب رأيي، لا تُسمَّى مهمة التقييم الجزائي مهمة منجزَة إلا إذا وصلت إلى نهايتها المحددة سلفًا لكن حجْب الأعداد عن الإدارة يحجب المعدل ويحجب الجزاء، توجيه أو رسوب أو ارتقاء. في الآخر "هربنا من القطرة جينا تحت الميزاب" فالإضراب كوسيلة نضالية ورغم كوني لا أحبذه فهو يبدو لي أخف ضررا علي التلميذ والولي (يوم ويمر) من حجب الأعداد (ستراس طيلة عام) وهو كوسيلة "نضالية" أشرف من وسيلة حجب الأعداد: الإضراب فيه تضحية بالتلميذ والأجر أما حجب الأعداد ففيه تضحية بالتلميذ فقط

كيف لمدير مؤسسة تربوية أن يسيّر مؤسسته وهو لم يتلقَّ أي تكوين في تسيير المؤسسات ؟ هل يجوز للمدير أن يشارك المدرّسين إضرابهم ؟

 

 




 

تعليمنا تعليمٌ يحث على الأنانية والسباق والتنافس وتصنيف التلامذة

 

ألبير جاكار قال: "ليس من أهداف التعليم أن يتفوق تلميذٌ على تلميذٍ ويأتي قبله في الترتيب بل الهدف أن نُهَيِّئَ للجميع فُرَصَ التكوين الجيد ولكلٍّ حسب جهده وحظه"

Son patrimoine génétique héréditaire cad ses prédispositions génétiques et son capital culturel avant d'arriver à l'école.

الخلل: عادةً ما يُصنَّف التلامذة إلى ذكي، متوسط وضعيف، مما قد ينجرّ عنه نفورٌ وإحباطٌ وهروبٌ وفشلٌ ثم انقطاعٌ مبكِّرٌ عن التعليم (100 ألف منقطع سنويًّا لأسباب متعددة على مدَى عقدَين من الزمن). للأسف، مدرستنا تساهم في تكاثر الفاشلين مقابل حفنة من الناجحين.

المقترح: تعليم يحث على التضامن والتكافل والتعاون، ينبذ الأنانية والسباق والتنافس، ويتخلى نهائيًّا عن التصنيف الغبي لتلامذتنا الأذكياء، كلهم أذكياء لو وجدوا أمامهم مربين مسؤولين أصحاب رسالة تربوية وليسوا موظفين محنّطين. كل تلميذ ذكي في مجاله وحسب محيطه واستعداداته وميولاته. المربي الذكي هو المربي الذي يكتشف الذكاء المحتمل لدى التلميذ أي "المنطقة الوشيكة للنموّ الذهني" أو ما يسمّيه عالم البيداغوجيا السوفياتي (حوالي سنة 1935):

La ZPD : la Zone Proximale de Développement cognitif ou Intelligence en puissance.

ولا يكتفي بما هو ظاهر وجلي (Quotient Intellectuel ou QI). أطمح بتعليمٍ يهدف إلى مساعدة الأغلبية لبلوغ الوسط (Aristote: La vertu est le juste milieu entre deux vices). الذكاء لا يُصنّف (Albert Jacquard). الذكاء يُصنع ويُنمَّى ويُطوّر  في تفاعلِ مستمر بين الموروث والمكتسب (Épigenèse et plasticité cérébrales).

عالم الوراثة، ألبير جاكار، يؤكّد: "لا يجوز تصنيف التلامذة إلى ذكي وأقل ذكاء" ونحن نرى إعدادياتنا ومعاهدنا النموذجية تكرّس التصنيف في مناظراتها باعتمادها على  الذكاء الحيني(QI)  وإهمالها للذكاء المحتمل الكامن لدى كل تلميذ (ZPD).

ليس من واجب المدرس أن يصنّف تلامذته إلى ذكي وأقل ذكاء (évaluation sommative). ولو فعلها لَقَتَلَ ذكاءهم المحتمل (ZPD) وواجبه يفرض عليه أن ينمّيه.

 


 

تعليمنا يرعى نوعًا واحدًا من الذكاء

 

 

فتعليمنا يرعى الذكاء الذهني المنطقي بشقيه الرياضي واللغوي والمرتبط بالمادة الشخمة فقط (Le logos: parole, discours, raison, relation). ويهمل الأنواع الأخرى أي الذكاء المرتبط بالمخ وباقي أعضاء الجسم مثل الحِرف والفنون: الذكاء الفني أو الجسماني، إلخ. مدرستنا رَكّزتْ على الذهني فقط، وأهملت الباقي، فقتلت التنوّعَ في المهدِ، سامحها الله!

لستُ عدميًّا ولا سوداويًّا حتى أقول إن مدرستنا لم تنتج شيئًا. أنتجت القليل، فتركيز منظومتنا التربوية على الذكاء الذهني المنطقي دون سواه مكّن تلامذتنا المهاجرين من منافسة زملائهم الغربيين بل جعلهم يتفوّقون عليهم في عقر دارهم، أحييهم بالمناسبة ولي فيهم عدة تلامذة سابقين.

شخصيًّا أقترح تعليمًا يعطي مجالا أوسع لصقل الاستعدادات المنبثقة من ميولات التلميذ نفسه ولا يقمعها (الفنون بكل أنواعها، الرياضة، التعبير الجسماني بكل فروعه، الأعمال اليدوية، إلخ).

الذكاء ينتج عن تفاعل الجينات مع المحيط (L’environnement) فلو عاش العبقري أنشتاين في الصحراء مع الرعاة لكان أفضلهم. والعبقرية لا تنزل كالوحي من السماء ولكنها تُكتسَب وتُصقَل صقلا....

Le généticien Albert Jacquard a dit : « L'intelligence est 100% héréditaire et 100% acquise à la fois », c’est le résultat de l’interaction entre l'inné et l'acquis.

 


 

مدرستنا لم تعد مصعدًا اجتماعيًّا

 

أرى أن مدرستنا اليوم لم تعد مصعدًا اجتماعيًّا يرتقي بواسطته المواطن من مستوى اجتماعي إلى مستوى أفضل بل أصبحت تؤبد الطبقية: أبناء الأغنياء والمتوسطين (محامون، أطباء، أساتذة جامعيون وبعض مقاولي الدروس الخصوصية من مدرسي الثانوي والابتدائي) يُمكَّنون من مواصلة تعليمهم في أفضل المدارس والجامعات الخاصة في الداخل والخارج، وعند تخرّجهم يرِثون مناصب آبائهم ويبقى ابن الفقير خارج الدائرة بسبب فقره لا بسبب تقاعسه.

لذا أقترح إحياء قِيم المدرسة العمومية الجمهورية المتمثلة أساسًا في تكافؤ الفرص دون تمييز طبقي والتي تمكّن كل تلميذ دون تمييز اجتماعي من النجاح عن جدارة ودون ترقيات آلية (Méritocratie de l`école publique républicaine).


 

مدارسنا تفتقد لوسائل الترغيب

 

ألاحظ أن مدارسنا كئيبة البؤس يعلو محيّاها، بوّاباتها صدئة وجدرانها غير مطلية ومشققة احيانًا وحديقتها مفقودة أو مهملة وطاولاتها وكراسيها مضرّة بالظهر وحداتها الصحية غير صحية وفضاءاتها خالية من النوادي الثقافية أو عامرة بالمزيفة منها (على الورق فقط). لا أكل ولا شرب صحيين فيها ولا بشاشة ولا استقبال طيب ولا حتى ابتسامة أو كلمة طيبة صدقة. نحن مجتمع لا يهتم بجمالية مدارسه ولا شوارعه ولا حتى مظهره ونتساءل ببراءة كيف أنشأنا "دواعشَ" ؟

 

لذلك أقترح إعادة الاعتبار لقيمة الجمال في المدرسة.

Le philosophe français Michel Serres a dit : « La beauté est éducatrice »,

وذلك عبر تحسين الموجود بالحوكمة الرشيدة (La bonne gouvernance) وبأقل التكاليف المادية عن طريق تحسيس التلامذة والأولياء. خلال فترتَيْ الراحة في العاشرة والرابعة،  لماذا لا يقع استدعاءُ مهرّج محترف وتوزيع لمجة شكلاطة وخبز، حركتان بسيطتان  كفيلتان بإدخال الفرحة والبهجة في بطون وقلوب صغارنا.


 

أزمة التعليم الخاص في تونس

 

مقدمة حول التعليم الخاص بالسويد (Le Monde diplomatique, septembre 2018, pp. 18-19): كل عائلة سويدية لها اختيارُ تسجيلِ ابنها في العمومي أو الخاص (20% من الإعداديات السويدية). إذا آثَرَتِ الخاص، فالبلدية هي التي تدفع "صك التربية" الذي يغطِّي تكاليف الدراسة كاملة أي بمبلغ يساوي المبلغ الذي تنفقه الدولة في السنة على قرينه في العمومي (عشرة آلاف يورو أي ما يقابل تقريبًا 30 ألف دينار تونسي).

ومدرّسو التعليم الخاص ينقسمون إلى ثلاثة أصناف، مدرّس عمومي مباشر يبحث عن المادة ومدرّس عمومي متقاعد يبحث عن المادة وقتل الوقت ومدرّس منتدَب من قِبل باعث المؤسسة (ليس شرطًا قانونيًّا أن يكون الباعث رجل تربية). الباعث يستغلّ المنتدَب ولا يحترم رسالته التربوية ويعامله كعاملٍ في مصنع. يدفع له أجرًا أقل من أجر مدرّس العمومي. يكسب من ورائه الكثير. يشغِّله أكثر من 18 ساعة في الأسبوع ولا ينفق على تكوينه البيداغوجي مليمًا واحدًا، لذلك ترى المنتدَبين لا يستقرّون في مناصبهم، مما قد يلحقُ ضررًا تربويًّا بتلامذتهم. أما المدرّسون الأكفاء، فقلة من المؤسسات الخاصة الغنية تُغريهم ماديًّا ومهنيًّا، أعني بها مدارس أولاد البورجوازية المتميزين عادةً أكثر والذين يدفعون أكثر بكثيرٍ.


 

 

 

 

 

 

3

كيف نعلّم التلامذة الأخلاق والانضباط ؟


 

كيف نُعلّم الأخلاق للتلمييذ ؟

 

الأخلاقُ ليست معرفةً حتى ندرّسَها، بل هي فِعلٌ نمارسُه في المجتمع ونحن وللأسف ندرسها ولا نمارسها فأصبح مثلنا "كمثل الحمار يحمل أسفارا".

نحن في مدارسنا نُدرّسُ التربية المدنية والتربية الإسلامية ساعتين كل أسبوع (معرفة-Connaissance). قال الفاروق: "انصحوا الناس بصمت". قالوا: "كيف يا عمر؟". قال: "بأخلاقكم" (أي بسلوككم). فلو طبقناها لقطعنا نهائيا مع خطاب الوعظ والإرشاد الدعوي العقيم.

لماذا لا نستلهم من التجربة البيداغوجية الكندية الراقية ؟  في كندا، يُطالَبُ تلميذ الثانوي بـ40 ساعة تطوّعًا خلال فترة دراسته بالمعهد، ولا يتسلم الناجح في الباكلوريا شهادته إذا لم ينجز ساعاته كاملة حتى ولو حصل على 19\20 معدل. مثلا: يقوم التلامذة الكنديون (مسلمون وغير مسلمين) بخدمة المواطنين الكنديين المسلمين في حفلاتهم العامة بمناسبة الأعياد الدينية، وفي النهاية يمنح منظمو هذه الحفلات شهادة مشاركة للتلميذ المتطوع، شهادة وَرَقِية يستظهر بها في معهده وتُحفظُ في ملفه المدرسي.

لماذا لا نجاريهم في وزارة التربية التونسية وقد انتشرت المعاهد عندنا في جميع مدننا الكبيرة والصغيرة، إجراءٌ بيداغوجيٌّ غير معقّدٍ ولا يتطلب تمويلاً باهظا ولا انتدابًا إضافيًّا، إجراءٌ يتماشى مع ديننا وتقاليدنا ولنا فيه قديمًا باع وذراع (أمثلة عشتُها أنا شخصيًّا في جمنة السبعينيات: كانت لنا عادة الاستنجاد  بالأقارب والأصدقاء والجيران، تطوّعًا ودون مقابل، رجالاً ونساءً، شيبًا وشبابًا وأطفالاً، نستنجد بهم في الأفراح والأتراح).

خاتمة:

الديداكتيك تقول أن "تدريس المعارف (connaissances) لا يغير أوتوماتيكيًّا القِيم (valeurs)".

علينا إذن الربط بين الاثنين في كل درس علنا نرد للقِيم اعتبارها. للأسف الشديد، تعليمنا الحالي للأسف لا يدرّس سوى المعارف (Les connaissances) فلا تنتظروا منه إذن ثورة في القِيم (Les valeurs) !


 

مَن المسؤول عن "قلة انضباط" أبنائنا من الجيل الجديد ؟

 

قرأتُ أخيرًا في كتاب علمي جدًّا (Alain Prochiantz, 2019)، يقول فيه كاتبه: "تجربة كِبارِ السنِّ توفر للصغار وسطًا ثقافيًّا غنيًّا (un milieu intellectuellement riche) وتساهم مساهمة فعّالة في تدريب الصغار وتعليمهم وتمدّهم بمعلومات ثقافية مهمة خلال المرحلة  الطويلة والحساسة (période critique) التي تلي الولادة، وهي مرحلة  هامة جدًّا في اكتساب المعرفة (l’importance cognitive)". المخ البشري لا يولَدُ جاهزًا بل يجهز شيئا فشيئا مع العمر متفاعلا مع التجربة والمحيط ويغزل نسيجًا يتكون من مليون مليار وصلة عصبية بين خلاياه. يولدُ الرضيع بِـمخٍّ صغيرٍ لا يزن إلا 10% (140غ) من الوزن النهائي للمخ عند البلوغ (1400غ عند 15عامًا أو أكثر)، ثم ينضج بِبطءٍ وعلى مهلٍ (la maturation du cerveau)، أما القرد، ويا للمفارقة، فمخه ينضج بسرعةٍ أكبر لأنه يولدُ بمخ متوسط يزن 50% من الوزن النهائي لمخه عند البلوغ".

 

أَبنِي على قوله وأضيفُ: ونحن أطفالاً في جمنة الخمسينيات والستينيات، تربينا داخل وسط اجتماعي متنوع ومفتوح بالمعنى المجازي للكلمة الأخيرة والمعني الحرفي لها: كنا نعيش مجموعة من الجيران من عروش مختلفة في زنـﭬـة حادة (impasse)، أبوابنا كانت لا توصَد أبدًا، لا نهارًا ولا ليلاً، ندخل إلى بيوت بعضنا البعض متى نشاء ودون استئذان تمامًا كما ندخل بيوتَنا، كان بعض جيرانِنا ينشر غسيله عندنا، كنّا نجتمع في العيدَين، الصغير والكبير، في دار كبيرنا (كان هذا الدورُ يقومُ به أبي ثم ورثه عنه جارنا عمي نصر، عَمٌّ بالجيرة وليس عمًّا بيولوجيًّا). كنا نكوّن عائلة ممتدة موسعة، ممتدة بالجيرة وليس بالقرابة الدموية. أطفالٌ، كبرنا داخل وسط متنوع عمريًّا، الأكبر فينا يَنْهَى الأصغر، والأصغر يتعلم الحياة من تجربة الأكبر. وسطٌ تعلّمي، للأسف، لم يعُد موجودًا اليومَ، وذلك لأسباب عدّة يطول شرحها. اليوم وللأسف وفدت علينا أنماط جديدِة من العيش الغربي، أنماط متوحِّشة غازٍية فرضتها علينا العولمة الغربية الاقتصادية والثقافية (l’eurocentrisme). ونحن، العرب، لم نقاومْها، ربما بسبب ضعفنا السياسي وتبعيتنا الاقتصادية وسلبيتنا السلوكية، بل على العكس انبهرنا بها وانسقنا وراءها ناسين أو متناسين شعار الأنتروبولوجيا المنصِف والقائل "لا حضارة أفضل من حضارة، ولا ثقافة أفضل من ثقافة".


 

 

 

 

 

 

4

كيف نعامل التلميذ المخطئ ؟


 

خطأ التلميذ في القسم، قد يفيد المعلّم والمتعلّم

 

أنطلق دائما من نفس البحث الذي أجريته عام 2000 علي عينة تونسيّة تتكوّن من74   شخصا مستوي تعليم عالٍ.

السؤال المطروح في البحث: أعطوا تعريفا مقتضبا للخليّة العصبيّة ؟

نتائج البحث: 6 أشخاص من المستجوبين أعطوا تعريفا صحيحا وكاملا,  59 أعطوا تعريفا صحيحا لكنه ناقص, 1 أعطى تعريفا خاطئا و8 لم يجيبوا علي السّؤال. 

نستنتج من هذا البحث، البسيط والمحدود في العدد والزمان والمكان، أنّ المتخرّجين من التعليم العالي قد يخطئون في بعض الأحيان, ولا أستثني نفسي طبعا, فما بالك بالتلميذ ؟

لِننظر في وضع الخطأ في المنظومة التربويّة عموما: كتب الباحث الفرنسي "ميشيل سارول" )1990( في كتابه "تساؤلات حول التقييم، صفحة 110: نقتبس منه بنوع من التصرّف  ثلاثة آراء مختلفة حول مكانة الخطأ ودوره في التعليم:

ـ العالِم السّلوكيّ الأمريكيّ "سكينر" يعتبِر خطأ التلميذ في القسم شيئًا مضرًّا بيداغوجيّا.

ـ عالم النفس الأمريكي "نورمان أليسون كراودر" يقول إن الخطأ ليس ممكنا فقط بل متوقّعا في تكوين التلميذ.

ـ في نظام "لوڤو" للتّعلّم بالحاسوب, حيث يبرمج المتعلّم الكمبيوتر بنفسه, يُعتبَر الخطأ, ليس فقط ممكنا أو محبّذا, بل طريقة تربويّة تشجّع التلميذ علي اكتشاف الأشياء بنفسه.

تُوزَّع المساحة المخصّصة للخطأ في الدرس بين التعليم الخطّي أوالفوقيّ )من الأستاذ إلي التلميذ( والتعليم  المتفاعل )من الأستاذ إلي التلميذ ومن التلميذ إلي الأستاذ ومن التلميذ إلي التلميذ)، حيث يأخذ الأستاذ في اعتباره تصوّرات التلميذ حول موضوع الحصّة ويمكّنه من بناء معرفته بنفسه متفاعلا مع الخطأ. فالخطأ ينشّط انتباه التلميذ ويدفعه إلي إعادة التفكير والبحث عن الأسباب.

أقترح عدّة طرق لإصلاح الخطأ استنادا إلي مقال ورد في نفس الكتاب المذكور أعلاه صفحة 123 للأستاذين "ﭬرانج"  و"رفّان":

ـ يأخذ التلميذ على عاتقه إصلاح خطئه أو يستعين بزميله.

ـ يقف عمل الأستاذ عند هذا الحدّ إذا كان الإصلاح الذاتي صحيحا لتشجيع التلميذ على الاعتماد على نفسه وتوظيف معلوماته.  والمدرسة البنائيّة المنسوبة إلى "بياجي"  و"فيڤوتسكي" تحبّذ هذا التّمشّي لأنه يخفّف من وصاية الأستاذ على التلميذ.

ـ إذا كان الإصلاح الذاتي خاطئا, يقوم الأستاذ بحثّ التلميذ على الرّجوع إلي التجربة أو إلى الدرس أو يعطيه معلومات إضافية أو يسأله شفويا أو كتابيّا حتى يساعده من جديد علي البحث على الجواب الصّحيح.

 

وإذا عرفنا أن العلوم التجريبيّة تقدّمت عبر سلسلة طويلة من الأخطاء فلا نعجب من خطأ ارتكبه التلميذ في القسم أو نلومه عليه أو ننهره. عندما يخطئ التلميذ، يستفيد هو وزملاؤه: أوّلا لأنهم سيعرفون الجواب الصّحيح. ثانيا يستفيد الأستاذ لأنه سيكتشف مستوي تلامذته مما يجبره على إعادةِ أو تعديلِ درسِه تماما أو تقديمِ درسٍ مغايرٍ في بعض الأحيان.

 

نرجع الآن إلى واقعنا التّونسيّ بعد عرض النّظريّات )يعيبون عليّ دائما الاستشهاد بالنّظريّات وهل هنالك عمل لا يعتمد على نظريّات مسبّقة ويبدو لي أن كل عمل تطبيقي جيد تسبقه بالضرورة نظرية علمية جيدة( وأطلب بكل لطف من زملائي التحلي بسعة الأفق لأن كل الأخطاء الّتي سأعرضها عليهم قد قمنا بها سابقا ويمكن أن نقع فيها لاحقا فلا تغضبوا منّي وخذوا ملاحظاتي على أنها وجهة نظر لا أكثر ولا أقلّ: بعض الأساتذة يحتكرون الكلمة ويستعرضون عضلاتهم الفكريّة في القسم ولا يتركون مجالا للتلميذ الجيّد حتى يتمرّن علي التجربة والخطأ ويُقصون التلميذ الذي يتعرض لصعوبات في التعلم, ربما ليس عن قصد بل عن جهل بتاريخ وفلسفة العلوم وتعلّميّة المواد، مما قد يجعل التلميذ المُقصَي يتعقّد وينفر ويكره المادّة والأستاذ.

أعطي أمثلة علي ما سبق

ـ المثال الأوّل: في حصّة اللغة الأنڤليزيّة, يتكلّم الأستاذ أكثر من التلميذ حتى يملأ الفراغ الناتج عن عدم توفرِ مخبر مجهز بالحواسيب والسمّاعات الرأسيّة وهنا أطرح سؤالا: إذا لم نوفّر الفرصة للتلميذ كي يتعلّم النطق السّليم والتركيب الصّحيح في المعهد فأين سيتعلمهما إذن ؟

  ـ المثال الثاني: في حصّة مادة علوم الحياة والأرض, يحضّر الأستاذ الخلايا, بين صفيحتين زجاجيّتين, ويضعهما في المجهر ويضبط الرؤية ثمّ يدعو التلامذة للمشاهدة. مَن قال أن التلميذ شاهد الخلايا ولم يشاهد فقاقيع هواء وتصورها خلايا ؟ هل يكتفي التلميذ بمحاكاة الأستاذ حتى يتعلّم ؟ لماذا لا يقوم التلميذ بالتجربة من أوّلها إلي آخرها حتى وإن ارتكب خطأ ؟ ما ضرّ لو كسر التلميذ, عن خطأ, آلة مهما ارتفع ثمنها ؟  في بعض الأحيان يبرر زملائي عدم تشريكهم للتلميذ ويتعللون بكثافة البرنامج أو ضيق الوقت أوالمحافظة علي التجهيزات أوعدم انضباط التلامذة أو الاكتظاظ في القسم ورُب عذر أقبح من ذنب.

 

أرجوكم, اتركوا التلميذ يجرّب ويخطئ وسأحاول الردّ بكلّ لطف وموضوعيّة نسبية على حججكم الواحدة تلو الأخرى وردّي قد يحتمل الصواب والخطأ ككل الآراء:

ـ لنفترض أن البرنامج طويل وأنت قمت بواجبك وأنهيته في الآجال المحدّدة. قمتَ بواجبك نحو مَن ؟ نحو المتفقّد ؟ هل فهم التلامذة نصف البرنامج ؟ ما الفائدة من حشو الأدمغة دون فهم ؟ أستثني برنامج الباكلوريا لأن التلامذة مطالبون بامتحان وطني.

ـ أعلمكم أيها الزملاء الكرام بكل لطف واحترام أن التجهيزات معدّة أساسا للاستهلاك وتُخصّص لها ميزانيّة تعويض كل عام. هل بحجّة المحافظة علي مجهر أو حاسوب نحرم أبناءنا من التعلّم عن طريق التجربة والخطأ ؟ هل أجهزة المخبر أثمن من تكوين مخ تلميذ ؟  أعلمكم أيضا أن لوازم المخابر تُعوّض أما التلميذ الفاشل فلا يُعوّض وفشله قد يكلّف الشعب ثمن ألف حاسوب وألف مجهر.

 ـ التلميذ الّذي يعمل في القسم على حاسوب أو مجهر لا يجد وقتا للتهريج فينضبط بطبيعته ولا يجد مجالا للتشويش.

 ـ المواد الّتي تُجري فيها تجارب مثل علوم الحياة والأرض والفيزياء والتقنية, هي مواد تعمل بنظام الأفواج, يعني نصف القسم,  20 تلميذًا أو أقلّ فهي إذن ليست أقسامًا مكتظة في أغلبها.

 

خلاصة القول

أعتقد أن الخطأ هو"محرّك القسم" ومثيرٌ للنقاش، فالحصّة التي تخلو من الخطأ هي حصّة ميّتة لا يشارك فيها التلامذة ولا يبدون رأيهم ولن يتعلّموا عِلما ولا حريّة ولا ديمقراطيّة ولا سلوكا حضاريا بل يتربّون علي الذلّ والخنوع للآخر دون نقاش.

وعلينا أن لا ننسي أن القسم في المدرسة هو المكان الوحيد الذي نقول فيه للمخطئ أحسنت أمّا في الحياة العمليّة فقد يُعاقب الطّبيب أو المهندس المخطئ بفصله عن العمل وحتى مناظرات التشغيل لا يُسمح فيها بالخطأ لوفرة المترشحين.  


 

ما هي العوائق التي تعطّل عملية التعلم ؟

 

 

عوائق التعليم أربعة: عوائق معرفية، عوائق نفسية، عوائق تعلمية، عوائق لغوية:

1.   العوائق النفسية:

أذكر بعض الاضطرابات النفسية عند الأطفال: عسر القراءة والكتابة (dyslexie)، خلل في أداء الحركات (dyspraxie)، خلل وتأخر في الكلام (dysphasie)، إلخ.

2.  العوائق المعرفية:

وهي أخطر أنواع العوائق لصعوبة كشفها من قِبل مدرس لم يدرس الإبستمولوجيا لذلك جل مدرسينا لا يفهمون لماذا تلامذتهم لا يفهمون !

العوائق الإبستمولوجية، لماذا سميت عوائق عميقة ؟ لأنك ترى أثرها ولا تراها. تراه على تلميذ لم يفهم وعلى مدرس غاضب لأنه لم يفهم لماذا تلميذه لم يفهم. مثال: تلميذٌ يعرف أن ثاني أوكسيد الكربون غاز مضر بطبيعته، فكيف تطلب منه أن يقتنع بأن النبتة الخضراء تتغذى أساسًا من هذا الغاز ؟ العوائق الإبستمولوجية هي الجزء الغارق من جبل الثلج وأخطاء التلميذ هي الجزء العائم، فكيف لمدرس غير ديداكتيكي أن يعي أصلا وجود جزء غارق.

3.  العوائق التعلمية:

عادة ما يتسبّب فيها المدرّس نفسه عن قصدٍ (مثل: إسناد أصفار،تأنيب،عنف رمزي أو لفظي أو مادي) أو دون قصدٍ (عن جهلٍ بالعوائق النفسية أو بالعوائق المعرفية التي قد تعترض التلميذ).

4.  العوائق اللغوية:

مثال 1:

عوائق قد تعترض التلامذة خاصة في كتابة اللغة الفرنسية:

أروِي لكم حادثةً طريفةً ومعبّرةً عن هذا النوع من العوائق، رواها لي الزميل والصديق عفيف ساسي. حادثة وقعت في نهاية الخمسينات من القرن العشرين في مدرسة جمنة مع المرحوم المعلم عبد الحميد الـﭬلالي في السنة الثالثة ابتدائي في حصة الفرنسية (أول سنة فرنسية): كتب المعلم في السبّورة جملة (Ils chantent) وطلب من التلميذ عتيـﭬ بن عتيـﭬ (جاري في جمنة) أن يقرأها. نطقها بالفرنسية "إيلْ شانتون" نظرًا لانتهائها بـ(ent). غضب المعلم وطلب من عتيـﭬ إعادة قراءتها فنطقها ثانية "إيلْ شانتون" فاستشاط المعلم غضبًا. كان الراوي تلميذًا في نفس القسم وكان تلميذًا مجتهدًا ومتفوقًا منذ الصغر لكنه كان يتعحّب من موقف المعلم لأنه كان يرى أن التلميذ على صواب والمعلم على خطأ.

تعليقي: اللوم كل اللوم يقع على المعلم ولا ذنبَ تمامًا على عتيـﭬ. كان على المعلم أن ينبّه تلامذته إلى الاختلاف بين النطق والكتابة وهذا أمرٌ ليس منطقيًّا لكنه أمرٌ متّفقٌ عليه.

مثال 2:

مثال حول العوائق اللغوية في حصة ناطقة بالعربية الفصحى:

رواه لي الصديق المتفقد بلـﭬاسم عمامي: في حصة ملاحظة في الإيقاظ العلمي ، كان الدرس حول الصيد بالحيلة والفخ (سنة خامسة ابتدائي). سأل المعلم: "ماذا يفعل السرعوف (ناقة أخوالي - La Mante religieuse) ليتحصّل على فريسته ؟". أجابت تلميذة كالتالي: "يغيّر السرعوف لونه ليحميَ فريسته". قال المعلم متعجبًا: "ماذا يفعل ليتحصل على..؟" كررت نفس الجواب: "يغير السرعوف لونه ليحمي فريسته". المعلم كان ابن الجهة اللتي منها التلميذة. تدخّلتُ أنا وقلت لها: "ماذا تعنين بكلمة فريسته ؟ قالت لي: "سِيدي، أعني فْرِيسْتو وأشارت إلى بدنها". قلت لها: "يحمي بدنه". قالت لي: "نعم". ملاحظة المتفقد: في الجهة الفريسة يقصدون بها الجسد ومن هنا جاء الخلط بين الفصحى والدارجة.

 

خاتمة:

أعتقد أن مهمة المدرس تتمثل أساسا في إزالة العوائق التي تقف حجر عثرة أمام عملية التعلّم المعقّدة.


 

هل يحق لنا أن نعاقب تلميذًا أخطأ في القسم ؟

 

"أنا أفكرُ إذن أنا أخطِئُ": « Je pense donc je me trompe »

خطأ التلميذ في القسم مازال يُعتبر في مدارسنا خطيئة تستحق عقوبة فلو راجعنا أنفسنا لوجدناه مُحرِّكا للقسم بل مُعلِّما مساعدًا للمعلم والتلميذ.

 

خطأ التلميذ في القسم، شيء لا يمكن تجنبه في عملية التعلم، بل هو عنصر أساسي في إنتاج المعرفة وتطورها وميكانيزمات فهمها وبيداغوجيتها.

 

خطأ التلميذ في القسم، أعِيد له اعتباره منذ 30 سنة من قِبل مجموعة أعمال الديداكتيك والعلوم المعرفية (sciences cognitives).

 

خطأ التلميذ في القسم، لو كنا جادّين، يجب أن نخصّه بـ"بابٍ كاملٍ" في مشروعِ الإصلاحِ التربوي المزمَع تطبيقه قريبا في وزارة التربية.

 

عوض قمع خطأ التلميذ في القسم، على المدرس أن يبحث في ماذا يختفي وراءه وماذا يخبّئ من عوائق.

Pour en savoir plus, prière lire : Apprendre par l’erreur, sous la direction de Maridjo Graner - André Giordan, Éd. Chronique Sociale, Lyon, 2020 (108 pages, 12,5 euros).

"العقل العلمي يتكون على جبل من الأخطاء المعدّلة"  Gaston Bachelard

لماذا نعاقب التلميذ الذي يحاول الغش ولا نحاسب المتسبّبين غير المباشرين في عملية الغش (مصمّمو البرامج والزمن المدرسي، الأساتذة وطرق التقييم، الإدارة والفضاءات المدرسية، الأولياء وحرصهم الزائد على الأعداد المرتفعة، إلخ.)

 

سبق لي وأن قلتُ مباشرة لوزيرَي تربية، قبل الثورة وبعدها: "لو ضبطنا تلميذًا يغش في امتحان، المفروض أن تمثل قبله أمام مجلس التأديب لأنك المسؤول الأول عن ظاهرة الغش".

أطرح هنا بعض الأسباب الموضوعية وبعض الحلول العلمية لظاهرة الغش:

1. الاكتظاظ في قاعة الامتحان: هل يُعقل أن نضع 40   تلميذا في قاعة تَسع 20 ونطلب من كل تلميذ أن لا يسرق النظر إلى ورقة زميله ؟ هل التلميذ هو المسؤول عن الاكتظاظ في القسم ؟ ربما يكون من الأفضل توفير قاعات واسعة لعدد قليل من التلاميذ قبل محاسبتهم علي الغش.

2. طريقة إلقاء الأسئلة: أنا أتساءل:  ما ضرّ لو أدخل التلميذ معه ورقة دُوِّنَ فيها أبياتٌ شعريةٌ في امتحان الإنشاء أو بعضُ القواعد في امتحان الرياضيات أو الفيزياء؟ ربما يكون من الأفضل عدم محاسبة التلميذ علي الحفظ في امتحان توظيف المعلومات.

 3. مضمون البرنامج أصبح قديما: لماذا نفرض على التلميذ برامج قديمة لا تراعي اهتماماته الحالية ثم نحاسبه على حفظها وفهمها ؟ ربما يكون من الأفضل استشارة التلميذ عبر استفتاء لمعرفة تصوراته وآماله وطموحاته قبل إعداد البرامج المدرسية.

4. المدرسة السلوكية: التقييم الجزائي وتصنيف التلامذة حسب أعدادهم في الامتحان.

 

بعضُ مسبّبات الغش والعنف التلمذي  (المصدر: مقتطفات من مقال لعبد الناصر إسماعيل، مجلة المرصد عدد 2، 2018.)

 

1.  غيابُ الجمالية في شكل المدرسة الذي يتمثل في هندسة فضاءاتها (قاعاتها وساحاتها وملاعبها ومكاتبها وحدائقها وسورها) المنغلقة والمنعزلة عن العالم الخارجي انعدام الأنشطة الثقافية المكمِّلة للمنهج الدراسي مثل الرقص والمسرح والسينما.

2.  تحريمُ الخروجِ عن محاور المنهج "المقدّس" والكتاب المدرسي "المقدّس" أيضًا، تحريمٌ قد يولّد سلطة قامعة لأي أفكارٍ تحاول  التمرّد على هذه السلطة فيتعاظم العقاب البدني واللفظي داخل مدارسنا العربية: مدرسة بافلوفية لا يوجد فيها إلا السؤالُ والجوابُ، العقابُ والثوابُ !

3.  تكلّسُ طرق التدريس والتركيز على نموذج واحد فقط وهو المدرسة السلوكية لواتسون وسكينر (المدرسة البافلوفية).

4.  التركيزُ على نوع واحد من الامتحان، امتحان لا يقيس إلا قدرة ذهنية واحدة وهي القدرة على الحفظ والاسترجاع، امتحان يتجاهل القدرات الأخرى التي قد تكون مميزة مما قد يجرّ التلميذ جرًّا إلى امتهان الغش والتفنن فيه.

5.  تحوَّلُ المدرّس من صاحب رسالة تربوية نبيلة إلى مقاولِ دروسٍ خصوصيةٍ جَشِعٍ.

 

خاتمة: أقترح حلاًّ من الحلول الجذرية لظاهرة الغش في الامتحان: اعتماد بيداغوجيا المشروع (pédagogie de projet) لحث التلميذ على التدرب على التعلم الذاتي والبحث العلمي منذ مرحلة الثانوي.

ملاحظة شخصية: خلال فترة ممارستي للتدريس (1974-2012) لم أكتب تقريرًا واحدًا في تلميذ ضبطته يحاول الغش في امتحان، لكنني أمنحه واحدًا على عشرين في الامتحان حتى يتعلم أن لا يكسب عددًا ليس من حقه.

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 

 

 

5

بالموجود، كيف نبلغ بعض المنشود ؟


 

أدعو إلى بلوغ بعض المنشود ببعض الموجود

 

في انتظار الإصلاح التربوي الموعود، هل نستطيع بالموجود بلوغ بعض المنشود ؟

 

سأكتفي اليومَ بالتذكير ببعض الإجراءات التربوية، إجراءات لا تكلّف مليمًا، أعرضها على وزير التربية لتطبيقها وأدعو النـــــــــقابة العامة للتعليم الثانوي لمؤازرته من أجل تحقيق القليل في انتظار الكثير.

إجراء رقم 1 (فقرة مكررة لأهميتها):

أقترح فرضَ 40 ساعة عمل تطوّعي على تلامذة المعاهد في كامل تراب الجمهورية، يكون إنجازُها كاملةً خلال 4 سنوات شرطًا مستقلاًّ للحصول على شهادة الباكلوريا مع معدل 10 على 20 أو أكثر.

نستغل هذا الجهد أولاً لتدريب التلميذ على عمل الخير (وهو التطوع لا غير) واكتساب الأخلاق الحميدة بالفعل وليس بالقول. ثانيًا ندرب التلميذ على خدمة نفسه بنفسه من أجل صيانة كل المؤسسات التربوية (تنظيف، تبييض، دهن، تشجير، تصليح الكراسي والطاولات والأبواب والنوافذ المعطوبة، إلخ). فكرةٌ معمولٌ بها في كندا مع فارق في نوعية الأعمال التطوعية.

إجراء رقم 2:

تمكين كل أستاذ من مفتاح القاعة(passe-partout)  التي يدرّس فيها. هو أول من يدخلها وهو آخر من يخرج منها حتى تبقى نظيفة ونحافظ على التجهيزات من الإتلاف العرضي أو المتعمّد.

إجراء رقم 3:

إعادة الاعتبار للدور البيداغوجي والديداكتيكي للعاطفة بين الأستاذ والتلميذ لأن العاطفة تجلب الاحترام للأول وترغّب الثاني في المعرفة وتحببه في أستاذه.

إجراء رقم 4:

بين الفينة والأخرى، نجلب مهرّجًا محترفًا يروّح عن التلاميذ في أوقات الراحة حتى نحبّبهم في مدرستهم فيُقدِمون عليها منشرحين.

إجراء رقم 5:

هنالك إعداديات تحولت إلى معاهد فبقيت فيها وسائل إيضاح وآلات مخبرية لا تحتاجها. وجب إذن الاستغناء عنها لفائدة إعداديات ناشئة تحتاجها كثيرًا.

إجراء رقم 6:

الاقتصاد في استهلاك الماء والنور وتَجنب التبذير في غير محله حتى لا نثقل كاهل الميزانية على حساب شراء المستلزمات البيداغوجية (ورق طباعة، أقلام لبدية، فئران تجارب، إلخ.)

إجراء رقم 7:

عندنا تقريبًا 6.000 مؤسسة تربوية، لنفرض أن عُشرَها أو أكثر قليلا يعاني من صعوبات تعلمية (نتائج ضعيفة، عنف، انقطاع مبكر، تعدد غيابات التلامذة والأساتذة، إلخ.). وعندنا قرابة 800 متفقدا بيداغوجي بين الابتدائي والثانوي، فلماذا لا نعيّن، في كل مؤسسة تعاني من هذه الصعوبات، متفقدًا دارِسًا متكوِّنًا مكوِّنًا حاذِقًا نَشِطًا يسهر على إنقاذها بمعية أسرتها التربوية ولا يغادرها إلا وقد تعافت ولحقت بِركب المؤسسات الناجحة.

إجراء رقم 8:

في غياب المتفقدين حسب الإجراء رقم 7، لن يقف تكوين الأساتذة علميًّا ولن يقف أيضًا تأطيرهم بيداغوجيًّا. المهمة الأولى نوكلها لأساتذة جامعيين يقدّمون محاضرات دورية في مراكز الرسكلة الجهوية، والمهمة الثانية نوكلها للأساتذة المميزين ونخصص لكل واحد منهم 3 ساعات في جدول أوقاته. ساعات يرافق فيها زملاءه -الأصغر منه سنًّا وأقل تجربة- داخل القسم وخارجه ويمرر لهم تجربته بجد ورفق دون إسناد أعداد جزائية اعتباطية.

إجراء رقم 9:

يجب السعي لتمكين كل مؤسسة تربوية من مساحة فلاحية تقدر بهكتار أو هكتارين يُنشئون عليها وقفًا فلاحيًّا (un fond agricole) يكون على ملك المؤسسة وباسمها. مساحة يزرعها التلامذة أنفسهم ويرعونها في نطاق العمل التطوّعي (إجراء رقم 1 المنصوصِ عليه أعلاه). سمعتُ عن مدرسة ابتدائية في الجرسين ولاية ﭬبلي أنها تملك بستانَ دﭬلة نور يدرّ عليها دخلاً سنويًّا يقارب أو يفوق عشرين ألف دينار (في مقهى الشيحي، قال لي المعلم-المدير الجمني المتقاعد مختار الـﭬـلالي أنه مؤسسها،، ورأيت أيضًا بأم عيني نفس الشيء في معهد جمنة، مسقط رأسي.

إجراء رقم 10:

أحث كل الزملاء على الاطلاع على:

-       البيداغوجيا الفارقية، فهي عضدكم الأيمن ودونها الأستاذ ليس أستاذًا.

-       الديداكتيك، فهي اختصاص يَنفذ إلى أعماق أعماق عملية اكتساب المعرفة ولا يقف عند الجزء العائم من جبل الثلج.

-       الإبستومولوجيا، فهي كشّاف الجهل المقنّع ودونها أستاذُ العلوم ليس أستاذ علوم.

-       الأنتروبولوجيا، فهي تُزيل عقدة النقص الحضارية المتأصّلة فينا نحن المسلمون العرب.

-       المطالعة بلغة أجنبية لِكتّاب أجانب فهي الترياق ضد التقوقع الهُووي القاتل على حد تعبير الروائي أمين معلوف.

-       تَجَنُّبِ الشطط في ثمن الساعات الخصوصية (L’étude) وخاصة بالنسبة للتلامذة الفقراء رأفةً بالقواريرِ وأولياء القوارير، أعني بالقواريرِ أبناءَنا إناثًا وذكورًا.

-       تَجَنُّبِ الرخص المرضية المزيّفة قدر المستطاع.

-       تَجَنُّبِ التأخر في قاعة الأساتذة في راحة العاشرة صباحًا وراحة الرابعة مساءً.

-       تَجَنُّبِ احتكار الكلمة في القسم و تَجَنُّبِ استعراض عضلاتكم أمام تلامذتكم فالقسم مِلكٌ للتلميذ وليس مِلككم.

-       تَجَنُّبِ احتكار القيام بالتجارب بِـدعوى الحِرصِ منكم على التجهيزات المخبرية الثمينة فهي ليست أثمن من تلامذتكم.

إجراء رقم 11:

لتفادي التشويش اشغل تلامذتك بالعمل المتواصل ولا تحتكر العمل داخل القسم فيضطر تلامذتك للتشويش. التلميذ الذي يعمل داخل القسم لا يجد فرصة للتشويش.

إجراء رقم 12:

العدل في القسم يتجسّم في عدم المساواة بين التلامذة: يجب أن نخصص وقتا أكثر لمساعدة الذين تعترضهم صعوبات تعلمية دون إهمال الآخرين بل بتشريكهم.

إجراء رقم 13:

لماذا لا ننشئ في مؤسساتنا التربوية "مجلس المادة"، مجلس يضم الأساتذة المعنيين ويجتمع دوريا لتدارس كل ما يخص الاختصاص.

 

 

خاتمة:

إجراءاتٌ قد تبدو لكم بسيطة لكن البسيط مع البسيط قد يولّد المهم مثل خلية النحل، كل نحلة تقوم بعمل بسيط فينبثق من البسيط والبسيط شكلٌ هندسيٌّ معقَّدٌ وجميلٌ (La ruche). ألسنا أفضلَ من النحلِ ؟ النحلة تعمل بالغريزة ولا تتصور مسبقًا نتيجة عملها، أما نحن البشر فنعمل بوعيٍ وندرك مآل أعمالنا قبل الشروع في إنجازها، فالمفروض إذن أن يكون دافعُنا أقوَى (La motivation) لأن جزاءَنا على عمل الخير (Le bénévolat) سيكون إن شئنا وشاء الله أكبرَ دنيا وآخرة.

 

 


اجتهادات تربوية قد تساعد المدرّس والتلميذ

 

-       نحن نعرف "مجلس القسم" (يلتئم كل ثلاثي للتباحث في نتائج التلامذة) ولا نعرف "مجلس المادة": هو مجلسٌ خاص بكل مادة يلتئم كل أسبوع، يتباحث فيه المدرّسون أحوال تدريس المادة وأساليب تطويرها فيستفيدون ويتبادلون ويتقاسمون خِبراتهم وقِراءاتهم الذاتية حول الجديد في اختصاصهم مثل الإضطرابات النفسية التي تصيب بعض التلامذة مثل: : (عسر القراءة والكتابة (la dyslexie) أو خلل في أداء الحركات (la dyspraxie) أو تأخر في الكلام (la dysphasie).

-       يجب إشراك المحيط في التدريس. كيف مثلاً ؟ أستاذ التاريخ في درس الحركة الوطنية يستدعي في قسمه مناضلاً شارك في مقاومة الاستعمار الفرنسي ليحدّث التلامذة عن تجربته بلغته وتعبيراته الجسمية. حصةٌ لن ينساها التلميذ مدى حياته.

-       التلميذُ عُكّازٌ لأخيه التلميذِ لأن كل طفل هو متعلم لنفسه ومعلم لأقرانه، فلماذا لا نستفيد من قدرات التلميذ الكامنة ونخلق صراعا معرفيا بين التلامذة تحت رقابة المدرس (Conflit inter-cognitif).

-       في التعليم لايجب تجنيب التلميذ الخطأ بل يجب خلق وضعيات تعلمية تدفعه قصدا للوقوع في الخطأ لنفجر داخله صراعًا معرفيًّا بين تصوراته القديمة قبل الدرس وتصوراته الجديدة بعد الدرس (Conflit intra-cognitif ou conflit entre l’automatisme et la réflexion).

-       أدعو إلى إعادة الاعتبار للتجارب العلمية أو المحاكاة بواسطة الحاسوب التي يقومُ بها التلامذة -وليس المدرّس- داخل القسم (Les travaux Pratiques en classe ou la simulation ou l`EXAO)

 

-       لماذا لا نُنشئ ملفًّا لكل تلميذ نتابع فيه نموّه الذهني من عام إلى عام ؟ لماذا لا يهتم كل أستاذ بالتطور الذهني لتلامذته في مادته ويحتفظ لكل واحد منهم بملف يتابع فيه نتائجه وسلوكه من عام إلى عام ؟ مَلفٌّ مفقودٌ اليوم في جميع مؤسساتنا التربوية الإعدادية والثانوية، لكنه مقترحٌ في مشروع الإصلاح التربوي.

-       واجب على المدرّس أن يدرّس المادة باللغة الفصحى المخصصة لتدريسها رسميًّا، مثلاً مادة علوم الحياة والأرض يدرسها بالعربية الفصحى وليس بالدارجة في مستوى التاسعة أساسي ويدرسها بالفرنسية وليس بالعربية في مستوى الأولى ثانوي. عدم القيام بهذا الواجب قد يكون سببًا من أسباب ظاهرة كثرة الأصفار في العقدين الأخيرين في امتحان اللغة الفرنسية في الباكلوريا. تعلّم اللغة وإتقانها (عربية أو فرنسية) ليست مسؤولية أستاذ اللغة وحده.

-       ظاهرة سلبية، أتمنى أن تزول قريبًا: تأخر الأساتذة في قاعة الأساتذة في راحة العاشرة وراحة الرابعة.

-       يجب إعادة إحياء نظام الانضباط داخل مؤسسات التربية والتعليم: أحلمُ بإعادة فرض الانضباط (Discipline) في مؤسساتنا التربوية لأن غياب الانضباط يساوي عندي سوء معاملة وليس حرية. الطفلَ يحتاج إلى مربٍّ يوعّيه بحدود حريته.

Le grand pédagogue Philippe Perrenoud a dit: « L’absence d’autorité chez les enfants est une forme de maltraitance ».

-       يجب سبر تصوّرات التلميذ حول موضوع الدرس قبل الدرس بيوم حتى يستعد الأستاذ ويكيف درسه.

-       لا يحق للمدرّس احتكار الكلمة داخل القسم ؟

-       التلميذ التونسي، هل ما يتعلمه داخل المدرسة هو أكثر أو أقل مما يتعلمه قبلها وبعدها وخارجها خاصة في زمن تعددت فيه مصادر المعرفة ؟

-       مر على الجامعة التونسية 80 عامًا ولم تنتج لنا جائزة نوبل واحدة. لماذا ؟ ربما لأن كلياتها هي عبارة عن ثانويات وأساتذتها هم بمثابة ناقلي علم وليسوا بحّاثين  !

-       يجب إعادة إحياء التعليم المهني: أدعو إلى إعادة الاعتبار للتعليم المهني مثلما تفعل ألمانيا حيث يُوَجَّه 70% من مجموع تلامذة الأساسي للمعاهد المهنية بعد مرحلة التعليم الأساسي التي تدوم عندهم عشر سنوات.

 

-       لماذا لا نشرك باقي المجتمع في التعليم ؟  (Les pratiques sociales de référence): الأساتذة هم أقل الناس اختلاطا بالمجتمع ومشاكله فلماذا نكلفهم وحدهم بأكبر مهمة في المجتمع، ألا وهي تربية  النشء ! كيف نشرّك باقي المجتمع في التعليم ؟ مثلا: ننتدب أحسن طبّاخة "كسكسي" في البلدة أو أفضل "صلاّح بورتابلوات"، يعلّمون مهاراتهم للتلاميذ.

Site de la didactique: L'idée de pratiques sociales de référence consiste à examiner de quelle manière des activités de production, des activités d’ingénierie, voire des activités domestiques, etc., peuvent servir de référence à des activités scientifiques scolaires.

-       "الأستاذ الجدي على طول"، لا يحبه تلامذته ومعهم ألف حق (C’était mon cas). أما "الأستاذ الهزلي على طول"، يعشقونه وهذا ليس في مصلحتهم وخير الأمور الوسط.

-       الأستاذ الذي يبدأ بالاعتداء على تلميذه لفظيا أو ماديا يسقط أوتوماتيكيا حقه في المطالبة بعرضه على مجلس التأديب مهما كان رد التلميذ.

-       كل أستاذ مبتدئ تعشّش في مخه ثلاثة أوهام: 1. يشرح الدرس فأكيد تلامذته يفهمون. 2. هو عادل وموضوعي ومحايد. 3. تلامذته معجبون به ويحبونه.

 

-       لماذا لا نؤسس إنشاء نوادي مدرسية مستقلة في المؤسسات التربوية العمومية مثلما فعل اليابانيون: في أول السنة، يقوم قدماء النادي بالدعاية لنشاطهم وينتدبون أعضاءً جددًا. لكل نادٍ أستاذٌ مشرفٌ، لكن التلامذة يديرون ناديهم بأنفسهم، يتصرفون في ميزانيته المرصودة من قِبل المؤسسة، يحددون المحتوى ويتابعون الأنشطة. عادة ما يكون الانتماء إلى نادٍ هو بداية مسيرة مهنية في مجال الرياضة أو الفنون.

 

Conclusion :

Pour enseigner, il n’y a pas de recettes prêtes-à-porter, mais il y a beaucoup d’effort et de la passion. En classe, pas de prof meilleur qu’un autre, mais en dehors si, il  y a un prof qui prépare sa leçon mieux qu’un autre. La réussite d’une leçon ne dépend pas seulement du prof, elle dépend aussi des élèves, du matériel didactique et de l’interaction entre les trois.

 

بعض الحلول لبعض المشاكل التربوية

 

-       سبعة آلاف صفر في باكلوريا الفرنسية. القانون يجبر مدرسي الثانوي  على استعمال الفرنسية في المواد التالية وهي اليوم اللغة الرسمية إلى حين تعريبها رسميًّا إن شاء الله وشاء مسؤولونا

SVT, Mathématiques, Physique, Informatique, Technique, Economie-gestion, Education physique

-       ظاهرة الدروس الخصوصية خارج المؤسسات التربوية في الأساسي والثانوي والعالي: يُرْفت من عمله كل مدرس يَثبت أنه يقدم دروسا خصوصية بمقابل خارج العمل لأكثر من 12 تلميذ (القانون). دخلُه الحلال يُغنيه عن دخلِه الحرام.

-       وزارة التربية تشكو من عدم توفر ميزانية لترميم وتجهيز المؤسسات التربوية: اغلقي المؤسسات التربوية النموذجية واصلحي بميزانيتها المؤسسات العادية.

-       كل المدارس الابتدائية دون ميزانية تصرّف سنوية: يجبُ تخصيصُ ميزانية تسيير سنوية لكل مدرسة ابتدائية، حتى ولو اضطرت الوزارة إلى قضمِها من ميزانيات الإعداديات والثانويات.

-       مائة ألف منقطع سنويا من التعليم الطويل: كارثة كبرى تتطلب حلا عاجلا يتمثل في توجيههم كلهم إلى التعليم المهني مع إعادة تأهيله.

-       تمرّ المدرسة التونسية بأزمة انضباط وقِيم: لِنعلم تلامذتنا الانضباط والقِيم ونكلفهم بأعمال تطوعية لصالح مدرستهم ومحيطهم.

-       أغلب المدرسين التونسيين لم يدرسوا علوم التربية، علوم ضرورية لتأدية رسالتهم: لا حل في الأفق سوى التعويل على التكوين الذاتي.

-       "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون" (G. Bachelard): قبل المباشرة يجب تكوين أساتذة العلوم في

Pédagogie, Didactique,Évaluation,Méthodologie,Épistémologie, Histoire des Sciences, Techniques d’information et de communication de l’enseignement, etc.

-       أنت مدرس ولكنك لم تدرُس الطرق البيداغوجية فما العمل ؟ حاولْ أن تمرّر إلى تلامذتك متعة التعلم واتركهم أحرارا يتعلمون بأنفسهم.

-       الرأسمالية والحداثة "برلتتا" المدرس (prolétariser) وجعلت منه موظفا وأفقدته رسالته التربوية: على المدرس استرجاع مكانته الاعتبارية في المجتمع ولن يتم ذلك إلا باسترجاع رسالته التربوية ولا يتصرف كبروليتاري لا يهمه إلا الأجر.

-       كثير من الأساتذة يتأخرون في قاعة الأساتذة عند راحة  10 و16: على النقابة تحسيسهم بأن تأخرهم فيه هَدْرٌ للوقت وعدم احترام للتلميذ.

-       كثير من زملائنا يعانون من البحث في بداية السنة الدراسية عن مسكن لائق: لماذا لا تتطوع نقاباتنا الأساسية وتبحث لفائدتهم عن مسكن ؟

-                تلميذ يُضبط في حالة غش: يؤدبه أستاذه ولا يفضحه ويُسنِد له1/20 ولا يكتب فيه تقريرا للإدارة. سرٌّ دفين يبقى بينه وبين أستاذه فقط.

-       زارك المدير فجأة وتدخل ناقدًا: قانونيا لا يحق لأي زائر أن يتدخل في قسمك حول بيداغوجيتك حتى ولو كان وزيرًا، واليًا أو متفقدًا.

-       أستاذ حائرٌ: "لم أهتد بعدُ لأفضل طريقة بيداغوجية ؟" الجواب: "لا طريقة أفضل من طريقة !".

« Il faut jongler avec les modèles selon les situations » a dit André Giordan.

-       الإضراب حق شرعي يخدم المدرس لكنه في نفس الوقت يهضم حق التلميذ: المدرس المضرب مطالب أخلاقيا بتعويض ساعات يوم الإضراب.

-       قال مدرس: "أنا أساوي بين تلامذتي وأعاملهم كِيفْ-كِيفْ". لا يا سيدي.. أنتَ مطالَبٌ بأن تساعد أكثر التلامذة الذين يتعرّضون إلى صعوبات تعلّمية.

-       أحلمُ بمنظومة تربوية منضبطة دون إضرابات ولا "أوتيد" ولا متفقدين ولا قيّمين ولا معاهد نموذجية ولا ترتيب في الابتدائي والإعدادي.. أحلمُ وهذا حقي  !

« Les rêves d’aujourd’hui sont les vérités de demain »


 

 

 

 

 

 

6

حول المدرّس

لامني أحد المتابعين على الفيسبوك على إصراري على نقد المدرّسين.

وهذا جوابي: اختصاصي اسمه "نقد التعليم" (La didactique a failli s’appeler « l’épistémologie de l’enseignement ») وهذا لا يعني أنهم لا يستحقون الشكر وإنما للشكر أيضا مختصون.

 


 

هل يحق للأستاذ أن يتباهَى بتلامذته المتفوّقين وينسى تلامذته غير المتفوقين ؟ لو حقّت له الأولى فليُسأل عن الثانية

 

يبدو لي أن الأستاذ الذي يتباهَى بتلامذته المتفوقين الذين تخرّجوا بتجاح (أطباء ومهندسين ومحامين وأساتذة، إلخ.) هو أستاذٌ قد أخطأ مرتين: المرة الأولى، أخطأ في حق نفسه لأنه نسي أن فَشَلَ التلامذة غير المتفوقين -وهم عادة أكثر- سوف يُنسَبُ إليه أيضا. المرة الثانية، أخطأ في حق هؤلاء المتفوّقين لأنه نَسَبَ نجاحَهم إليه، أي تباهَى بإنجاز ليس هو مَن صَنَعَه كليًّا. وظلَمَ تلامذته -ربّما عن حسن نية- مرتين أيضا: المرة الأولى، ظلمَ تلامذته غير المتفوّقين لأنه لم يصنع منهم متفوّقين خاصة وهو يحاول أن يوهِم السامعين بقدرته العجيبة على صُنعِ العباقرة. المرة الثانية، ظلَمَهم لأنه قد يكون ميّز عليهم، خلال دراستِهم ودون وجه حق، زملاءَهم المتفوّقين وانحاز حيث يدّعي أنه عَدَلَ: قدّم مساعدةً أكبرَ لمَن ليسوا في حاجة إلى مساعدته من التلامذة المتفوّقين (عادة ما يكون جلهم أولاد أغنياء أو أولاد مثقفين أو أولاد متوسطي الحال تلقوا دروسًا خصوصيةً خارج المعهد والفقراء منهم هم الاستثناء الذي يؤكد القاعدة)، وكان الأجدَرَ به أن يقدّم هذه المساعدة لمَن هم في حاجة ماسّة وأكيدة إليها، أعنِي بهم الأكثرية غير المتفوّقة التي تتعرّض إلى صعوبات تعلّمية ولا تنتظر مساعدة من غيره (عادة ما يكونوا مِن أبناء الفقراء والمحتاجين الذين لا يقدرون على دفع ثمن باهظٍ مقابل الدروس الخصوصية).  التلامذة يأتون إلى المدرسة وهم غير متساوين، لكل واحد منهم إرثه الجيني ورأسماله الثقافي العائلي ، وواجب المدرس يتمثل إذن في العدلِ بين تلامذته -العدلُ وليس المساواةَ-  وذلك بتقديم مساعدة أكبر للأقل حظ فيهم.

التفوق أو الفشل في التعليم يتحمل مسؤوليتهما التلميذ وكل المتدخلين التربويويين (الوزير، المتفقد، الأستاذ، الإدارة، الولي، الصدفة...).

يأتي التلامذة إلى السنة أولى تحضيري وهم غير متساوين. كل واحد منهم محمل برساميله الثلاثة: واحد جيني والثاني ثقافي والثالث اجتماعي.

 

 


 

لا يُنتدب في التعليم إلا حامل شهادة جامعية في إبستمولوجيا اختصاصه

 

قال الفيلسوف هابرماس: "الإبستمولوجيا هي فرعٌ مستقل من الفلسفة العملية أو نوعٌ من النقد الجذري للمعرفة العلمية أو علمٌ شكلي يسعى إلى معاودة بناء النظرية العلمية" (المصدر: يورغن هابرماس، الفلسفة الألمانية والتصوف اليهودي، ترجمة نظير جاهل، نشر المركز الثقافي العربي، 1995، 93 صفحة. ص. 34).

« La didactique de la biologie a failli s’appeler épistémologie de l’enseignement ».

المدرّس، دارس الإبستمولوجيا، عادةً ما يكون حريصًا على تقييم نفسه ومراجعة ما يفكر فيه وما ينجزه من دروس.

العوائق المعرفية (les obstacles épistémologiques)، التي قد تعرقل عملية التدريس لدى المدرّس وعملية التعلم لدى التلميذ، تشبه في طبيعتها جبل الجليد حيث الجزء الغاطس أكبر من العائم وآلة الكشف الوحيدة المتوفّرة لدى المدرّس هي الإبستمولوجيا.

 دون إبستمولوجيا، كما قال ﭬاستون باشلار "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون".

يبدو لي أن البيداغوجيا التي لا تسندها إبستمولوجيا الاختصاص هي بيداغوجيا قاصرة. قاصرة عن الكشف عن عوائق التعلم لدى التلاميذ الذين تعترضهم صعوبات في التعلم وهُم الأكثرية.

يتخرج المدرس من الجامعة وهو مُلِم باختصاصه لكنه غير ملم بالأهم أي غير ملم بإبستمولوجيا اختصاصه وكيفية تعليم ما تعلمه و غير ملم بتصورات تلامذته القبْلِية.

يبدو لي أن مراكمة الشهائد في نفس الاختصاص (ماجستير، دكتورا، تبريز) لا تحسّن كثيرا من أداء المدرّس ، يحسّنه أكثر تعدد الاختصاصات والثقافة المتنوّعة" (André Giordan). لو طُبِّقَ هذا الشرط سنة 1974 (تاريخ انتدابي أنا كأستاذ علوم الحياة والأرض)، لَما انتُدِبتُ أنا نفسي، لأنني درّست 24 سنة دون معرفة الإبستمولوجيا.

 المدرّس المطلع على إبستمولوجيا اختصاصه يرى أن العلمَ اجتهادٌ وتراكمٌ وليس اكتشافًا بالصدفة ولا تخدعنكم تفاحة نيوتن ويرى أن العلمَ متحركٌ وليس ثابتا والعلم يعرّف نفسه بمدى قابليته للدحض (falsifiable). العلمُ ليس محايدًا ولا موضوعيًّا, العلمُ منحازٌ لأهله ومموليه. أحسنُ دليلٍ: احتكار براءات تركيب جل الأدوية من قِبل لوبيات ربحيّة (Industrie pharmacologique).

 

خاتمة:

في البحث العلمي، النقدُ هدّامٌ أو لا يكون. هدّامٌ للتصورات غير العلمية لدى الباحث، هدمٌ يتبعه بناءٌ ثم هدمٌ ثم بناءٌ. الراحةُ في البحث تؤدّي إلى موت البحث.

واجبٌ تَفْعِيلُ المجلس البيداغوجي ومجلس المؤسسة حتى ولو كانا استشاريَّين على أمل أن يصبحا تقريريَّين.

 

المجلس البيداغوجي يضم المدير والأساتذة وهو مسؤول عن تخطيط وإنجاز السياسة التربوية داخل المؤسسة، والسهر على إنجاحها وتقييمها تقييمًا داخليًّا يكمّله تقييمٌ خارجيٌّ ينجزُه المتفقدون البيداغوجيون وزملاؤهم الإداريون والماليّون. للأسف هو اليوم غير موجودٍ وإن وُجِدَ فهو شكليٌّ ولا يقوم بالدور المُوكَلِ إليه.

مجلس المؤسسة يضم الأسرة التربوية داخل المؤسسة والأولياء وممثلي المؤسسات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية الكائنة بمحيط المدرسة، مجلسٌ لا يخطط للسياسة التربوية ولا يتدخل في محتوى البرامج التعليمية الرسمية ولا في البيداغوجيا، وإنما يساعد على إنجازها مادّيًّا ومعنويًّا. للأسف هو اليوم غير موجودٍ. أسوق مثالاً واحدًا على نجاعته إن أوجِد: يوم 11 فيفري 2018، نظّم معهد جمنة ندوةً بيداغوجيةً بِيَومٍ واحدٍ، شاركتُ في فعالياتها المتعددة متطوّعًا بمحاضرة إبستمولوجية حول الإصلاح التربوي. "جمعية حماية واحات جمنة" ساندت وموّلت هذه المبادرة القيّمة بمبلغ قدره على حد علمي 2000 دينار، مثالٌ يُحتذَى.




 

 

 

 

 

 

 

7

ما هي المجالات المنسية في تكوين المدرسين ؟


 

ما هي المجالات المنسية في تكوين المدرسين ؟

 

يبدو لي أن تكوين المدرسين في الإعلامية قبل تكوينهم في الإبستومولوجيا وعلم نفس الطفل، مثَلُه كمثَلِ "من يهدي نظارات  طبية إلى ضرير".

 

أنزلت وزارة التربية و التعليم التونسية أخيرا (سنة 2010، قبل الثورة) منشورا يحث المدرسين ابتدائي و إعدادي و ثانوي على التكون في مجال الإعلامية [ استعمال الحاسوب و البرمجيات و السبورة التفاعلية لأغراض التدريس في القسم ( .Les T.I.C.E). احتج المدرسون النقابيون على الوزارة و عارضوا التكوين في العطل المدرسية و طالبوا بأجر مناسب للمدرس المكوِّن.

سبق لي أن عملت مكونا لأساتذة علوم الحياة و الأرض لمدة عامين. يستغرق إعداد حصة التكوين نصف شهر تقريبا. أعرضها و أناقشها مع الزملاء خلال أربع ساعات. أتقاضى على كل ساعة تقريبا دينارين ونصف [ما يقابل دولار واحد]. هل أجرُ عشرة دنانير يساوي جهد نصف شهر من البحث و التنقيب؟ عندما تستدعي الوزارة محاضرا جامعيا لتكوين أساتذة الثانوي أو معلمي الابتدائي تغدق عليه في الحصة الواحدة من 100 إلى 200 دينار. أنا أحترم العلم و العلماء و الأساتذة الجامعيين و الناس أجمعين و أطالب بمساواة المكونين في الأجر خاصة أن الكثير من المكونين من أساتذة الثانوي حاصلون على شهائد مرحلة ثالثة مثل الماجستير والدكتورا

أعود الآن إلى موضوعي الأصلي الذي من أجله أكتب هذا المقال وهو يتمثل في تذكير الزملاء و الوزارة أن التكوين في الإعلامية مهم و لكن الأهم منه هو التكوين في العلوم الضرورية لأداء وظيفة المدرس على أحسن وجه وهي العلوم التالية: التعلّمية (La Didactique)  وعلم التقييم (L'Évaluation)    و علم نفس الطفل (La psychologie de l'enfant)   و الإبستومولوجيا (L'Épistémologie)     و ربيبتها "إدراك عملية الإدراك (La Métacognition).

.

 الإعلامية لا تمثل علما بل أداة تكنولوجية عاجزة بذاتها وحدها و لا يمكن تفعيلها دون استعمال العلوم المنسية في التكوين. تحرص الوزارة على التكوين في الإعلامية فقط و تهمل العلوم الأخرى فمثلها كمثل "من يهدي نظارات طبية لضرير.

أذكّر زملائي أولا و الوزارة ثانيا بأهمية العلوم المذكورة أعلاه لعل الذكرى تنفع المتعلمين

v تهتم التعلّمية  La Didactique بالمعرفة وعلاقتها بالتلميذ والمدرس أكثر من اهتمام البيداغوجيا بطرق التدريس. يركّز هذا العلم خاصة على كيفية تعلم المتلقي و يعلّمه كيف يتعلّم. عدم إلمام المدرسين بهذا العلم يفسر مقولة العالم الابستومولوجي الفرنسي باشلار: "المدرسون لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون".

 

v علم التقييم L'Évaluation علم قائم الذات يدرّس في الجامعات. تسمح آليات هذا العلم بتقييم مكتسبات التلميذ قبل وأثناء وبعد الدرس. تساعد نتائجه على تحسين مردود المعلم والمتعلم. مثل المدرس الذي لم يدرس أكاديميا التقييم كمثل "تاجر يزن سلعة دون ميزان".

 

v يفتح "علم نفس الطفل  La psychologie de l'enfant عيون المدرسين على عالم الطفولة و المراهقة و يكشف لهم "ما خفي من جبل الجليد النفسي عند التلميذ" فتتوضّح لديهم الرؤيا ويظهر لهم أن "اللامعقول في تصرفات التلميذ هو في صلب المعقول النفسي", فيعذرون حينئذ ويفهمون أسباب وعمق بعض السلوكيات التلمذية العنيفة أو الخارجة عن المألوف و يكفّون عن التعامل مع التلميذ كما يتعامل " عالم النفس السلوكي مع فأر التجارب يحدد له المدخل والمخرج في المتاهة.

 

v الإبستومولوجيا L'Épistémologie هي "مبحث نقدي في مبادئ العلوم و في أصولها المنطقية" وتهدف إلى الكشف عن الآليات والمفاهيم التي تعتمدها الثقافة في إنتاج المعرفة ونقدها. هي "معرفة المعرفة أو نظرية المعرفة العلمية" ويحتاج لهذا العلم كل من يدرّس العلوم معلما كان أو أستاذا.  وعندما يعرف المدرس أن العلم لم يولد كاملا بل تكوّن على مراحل وبعد أخطاء جسيمة ارتكبها العلماء العظام, حينئذ يعذر ويتسامح ويفهم أخطاء التلميذ ولا يحمّله ما لم يقدر عليه كبار العلماء وهو الفهم المباشر والسريع للمسائل المعقدة في الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض.

 

v أما "إدراك عملية الإدراك  La Métacognition  فيتمثل "في التفكير في آليات التفكير وفي معرفة أننا نعرف وفي اختيار الطريقة الأنسب لحل المشاكل" وكما قال بيار قريكو: "لو أن الإنسان الذي يقول لا أعرف, عرف لماذا يقول لا, لكان قادرا على تحديد نعم المستقبلية" أو كما يقول المثل الصيني المشهور " لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد"  والسمكة في التعليم هي المعلومة و تعلّم الصيد هو "إدراك عملية الإدراك". أثناء "إدراك عملية الإدراك" ينشط التلميذ ذهنيا وليس تطبيقيا و قد ثبت أن هذا النوع من النشاط الذهني البحت يسمح بالوعي والشعور بالإجراءات والطرق والسيرورات الذهنية الموظفة لحل المشاكل فيرسّخ اكتسابها.

(  source : wikipédia)

 

خلاصة القول

جل الأساتذة لم يدرسوا هذه العلوم في الجامعة و أنا اكتشفتها بعد 24 عامًا في مجال التدريس والأستاذ أقل حظا من المعلم في هذا المجال و حتى من علم و تعلم لا يستطيع أن يطبق النظريات الجديدة في نظام تعليمي يعتبر الارتقاء الآليَّ ديمقراطيةً والتقشفَ في استعمال الطباشير حكمة. مدرسة ابتدائية دون ميزانية وميزانية المعهد تنفَق في تسخين مكاتب الإداريين وطباعة الامتحانات والمناشير. السبورة التفاعلية [Le tableau interactif  ] ليست عصا سحرية سوف تخرج تعليمنا من المحلية إلى العالمية و لن تغير بين عشية وضحاها وضعا متخلفا وتسيبا عاما وتجهيزات مهترئة وأجورا زهيدة وبيروقراطية متكلسة وقرارات فوقية وإملاءات خارجية وخريجين عاطلين عن العمل لمدة سنوات.

أنا عندي تجربة بسيطة مع توظيف التكنولوجيا الحديثة في التعليم: منذ ثماني سنوات وبضربة حظ, جهز لي وزير التربية التونسي السابق منصر رويسي مخبرا بعشر حواسيب لتدريس علوم الحياة والأرض في معهد برج السدرية ومنذ  تاريخ مغادرة الوزير للوزارة في 2001 نسوني وتركوني أتخبط وحدي دون فأرة ودون برمجيات و دون صيانة ودون تجديد الحواسيب حتى هرمت ولم تعد صالحة للاستعمال.

في فرنسا على سبيل المقارنة لا تدرس الإعلامية كمادة مستقلة بل تستعمل كأداة تدريس في كل المواد منذ ما يربو على عشرين عامًا.

 

 

 

 

 

8

حول التقييم الجزائي

التقييم الجزائي للتلميذ (يقوم به المدرس): C’est du béhaviorisme
التقييم التكويني الذاتي (يقوم به التلميذ): C’est du constructivisme

من أسباب تدني مستوى التعليم في تونس: الأولياء والمدرّسون والتلامذة يركّزون اهتمامهم على التقييم أكثر من تركيزهم على التكوين ولو عكسوا لأصابوا.

ستة أسابيع في العام تقريبا نخصّصها للتقييم الجزائي في التعليم الإعدادي والثانوي (أسبوع مغلق وأسبوع قبل المغلق كل ثلاثي). لماذا لا نخفّف منها لفائدة التكوين ونُبقِي على ثلاثة امتحانات فقط 6e+9e+bac.

منذ عقدين تقريبًا ألغت الجامعات الفرنسية إسناد ملاحظات (mention) للناجحين في الماجستير أو الدكتورا لأنه لا توجد أفضلية بين البحوث العلمية.

En 2007 et pour la même thèse en cotutelle (Université de Tunis & UCBLyon1) et le même jury, j'ai obtenu un doctorat tunisien qui porte la mention "très bien" et un doctorat français qui ne porte aucune mention.


 

بعض سلبيات التقييم الجزائي

 

في التعليم عندنا ولكي تصبحَ تلميذا متميّزًا يجب أن "تتعلم الانتهازية" منذ الصغر، أي أن تعمل من أجل تحصيل الأعداد لا تحصيل المعرفة.

 

"لتقييم ورقة الامتحان نوظف معايير متعددة (لغة + منطق + أسلوب + حفظ + فهم + إلخ). جملة من المعايير يستحيل اختزالها في عدد محدد" "نذهبُ إلى المدرسة لملاقاة الآخر وتبادلِ الخِبرات لكي نكونَ أفضل مما كنا عليه لا لنفوزَ على الآخر ونكون أفضل منه" (Albert Jacquard).

من سلبيات التقييم الجزائي السائد حاليا في تعليمنا، وخاصة الأعداد الضعيفة: يُطفِئ شعلة الاعتزاز بالنفس عند التلميذ وقد يُفقِده ثقتَه بنفسه ويُشعِره بأنه لا يُقيَّم حول معارفه فقط، بل يُشعره بأن شخصه في الميزان أيضا ويشجع التلامذة ضمنيا على التنافس المحموم على الأعداد عوض التنافس المحمود على تحصيل المعرفة.

البديل المستقبلي للتقييم الجزائي هو التقييم التكويني: كل تلميذ له الحق أن لا يُقيَّم إلا إذا طَلَبَ بنفسه أن يُقيم عندما يشعر أنه حاضر للتقييم حول محور من محاور البرنامج. التقييم التكويني الذي أدعو إليه يتميز عن الجزائي بتشريك التلامذة في تقييم أعمالهم بأنفسهم في جو من المرح ويعلّمهم النقدَ الذاتي مبكّرًا.

يبدو لي أن بيداغوجيا تدريب التلميذ في القسم على التعلم الذاتي والتقييم الذاتي تحقق نتائج أفضل من البيداغوجيا المعتمدة عندنا على التقييم الجزائي. فوزارة التربية عندنا لا تهتم بالتلاميذ الذين تعترضهم صعوبات وهم الأكثرية، بل تنظم لهم امتحانات للتخلص منهم، ظاهرها شرعي وباطنها انتقائي ! المدرسون (ابتدائي، ثانوي وعالٍ) لم يتلقوا أي تكوين أكاديميّ في علم التقييم قبل مباشرة التدريس ما عدى بعض التربصات بعد التخرج التي لا تغني ولا تسمن من جوع.

هل يجوز للمدرّسين تقييم تلامذتهم المباشرين ؟

يبدو لي أنه من الأسلم أن تُسند المهمة إلى لجنة محايدة.

أطالب بتجريد الأستاذ من مهمة التقييم الجزائي لتلامذته (الأعداد) ونوكل المهمة إلى لجنة امتحانات مستقلة (مثل لجان السيزيام والنوفيام والباكلوريا) حتى نقترب أكثر من الموضوعية.

 

 

 «L’effet de halo» (André Giordan):

هو مجموعة التأثيرات الجانبية على عملية إسناد الأعداد: مظهر التلميذ، هندامه، سيرته، خطه، انتماؤه الاجتماعي والطبقي.

في فنلندا، أفضل نظام تربوي في أوروبا، فهو يخلو تماما من أي تقييم جزائي لتلميذ الابتدائي (الأعداد).

تحت ضغط المجتمع والزملاء ودون أن يشعر يحرص المدرس عادة إلى إسناد ثلاثة أصناف من الأعداد (عالية ومتوسطة وضعيفة) حتى يؤكد مصداقيته ! أما المدرّس الديداكتيكي فيطبّق عادة "منحنَى غوس" («courbe en cloche» ou encore «courbe de la loi normale».) حيث ينال أكثر تلامذة القسم أعدادًا متوسطة وقلة منهم أعدادًا جيدة وقلة أخرى أعدادًا ضعيفة.

في فنلندا يدخل التلميذ قاعة الامتحان، يقرأ الأسئلة وإذا لم يكن جاهزا لإجراء الامتحان، يعيَّن له موعد لاحق في ظروف أفضل دون مساءلته.

حسب شهادة مريم عوينتي، جارتي السابقة وتلميذتي النجيبة السابقة، المقيمة حاليا في كندا (2024): "في كندا يجتاز التلميذ الامتحان ولو كان عدده تحت المعدل (أو حتى فوق المعدل في بعض الأحيان)، يقترح عليه أستاذه حصة تدارك إضافية تدوم عادة من 30 إلى 40 دقيقة. يعيد التلميذ أخذ نفس ورقة الامتحان ويكمِل أو يعدّل ولكن القرار يبقى بيد الأستاذ وليس بالضرورة يفعلها مع كامل القسم".

علينا الاستفادة من الأنظمة التربوية الناجحة في العالم مثل فنلندا وسنغفورة وكوريا الجنوبية، دون الوقوع في تقليد أسوئها في الغرب، فرنسا..

 


 

أستاذ ثانوي فرنسي يُسنِدُ لكل تلامذته دومًا 20 على 20

 

الزمان: العشرية الأولى من القرن 21.

المكان: معهد ثانوي عمومي بباريس.

البطل: أستاذ ثانوي مختص في تدريس التاريخ،   واسمه

Pascal Diard, Lycée Suger à Saint Denis, Paris


الخبرُ، كما وصلني بالسماع وليس بالمعاينة:

أستاذٌ أقام وزارة التربية الفرنسية منذ سنوات ولم يُقْعِدْها: قرّر أن يسند لكل تلامذته دومًا 20 على 20 في كل الامتحانات، الرسمية وغير الرسمية، داخل المعهد الذي يدرّس فيه بباريس.

حُجتُه في ذلك أن الأعداد الجزائية المسنَدة إلى التلامذة هي بالأساس أعدادٌ تقييميّةٌ اعتباطيّةٌ وقد تصدم التلميذ أو تؤلمه أو تحبطه أو تخيفه أو تفزعه، لذلك رأى بطلُ قصتنا وارتأى أن واجبَه يُحَتِّمُ عليه عدم إرباك أبنائه التلامذة.

تَجدرُ الإشارةُ إلى أن هذا الأستاذ المتنطع والثائر على قوانين وزارة التربية الفرنسية يرى أن لا وصاية على الأستاذ في المسائل البيداغوجية، ومن بين هذه المسائل حرية إسناد الأعداد كما يشاءُ هو، لا كما يشاءُ وزيرُ التربية. لم أجرؤ طوال حياتي المهنية على فِعل ما فَعل زميلي الأجنبي، لكنني تمنيتُ في داخلي أن أفعل ما فعل. أتعاطفُ مبدئيًّا مع زميلي الفرنسي وأؤيدُ تبريرَه المنطقي دفاعًا عن سيادةِ وحريةِ الأستاذ داخل قسمِه.

اعتباطيةُ إسنادِ الأعدادِ تظهرُ أساسا في أن مَن يُسنِدُ الأعداد (أي المعلم والأستاذ) ويقيّمُ التلاميذ، هو نفسُه لم يدرسْ أكاديميًّا ولو شهرا واحدا علم التقييم، فمَثَلُ مدرّسِينا كما أسلفتُ كمَثَلِ "تاجر يقدّر وزن سلعة دون ميزان"، أتوجدُ اعتباطيةٌ أكثر من هذه الاعتباطيةِ ؟

حاولتْ الوزارة ثَنْيَه عن صنيعه هذا فلم تفلح في ردعه، لا بالجزرة ولا بالعصا. قاموا بتفقده قصد إرهابه 8 مرات خلال 11 عاما تدريس. عرضتْ عليه الوزارة تقديم استقالته من التدريس ووعدته بتكليفه بعمل إداري فرفض. أرادت الوزارة إسكاتَه وإخمادَ صوته، فذاع على العكس صيتُه في كامل التراب الفرنسي، وتأسست من أجل حمايته ومساندته لجنة قومية، وتكوّن حول هذه الأخيرة حزامٌ نقابي يضم الآلاف من المتعاطفين الفرنسيين وغير الفرنسيين،  وحصل لي الشرف أن كنتُ واحدًا منهم ولو بالإيمان بقضيته فقط وقد بلّغته فعلا تحياتي عن طريق ابن أختي، زميله في نفس المعهد. أخبرني ابن أختي أخيرا أن زميلَه تنازل قليلا لصالح الوزارة وأصبح يسند لتلامذته أعدادا أقل من 20 لكن تفوقُ 17 على 20.

 

مع العلم أن بطلَ قصتنا الواقعية هذه، هو أستاذُ تاريخٍ كفءٌ وقديرٌ ومن مهاراته أنه عندما يدرّس تاريخَ حركة المقاومة الفرنسية في الحرب العالمية الثانية، يستدعي إلى القسم بطلاً من أبطالِها الناجين (هل فعلها أستاذٌ تونسيٌّ واحدٌ ؟ لا أظنُّ، رغم أن التجربة تبدو سهلةً وفي متناوَل أي أستاذ تاريخ !)، ومن إنجازاته أيضا أنه يؤطِّر تلامذة الباكلوريا ويحثهم على البحث العلمي، وبفضل علاقاته الثقافية والصحفية والجمعياتية يُمهِّدُ لهم نشرَ إنتاجِهم الفكري في مجلات مختصة، ويساعدهم على إصدارِ أقراصٍ رقميةٍ مضغوطةٍ (CD) تروي التاريخَ بأسلوبٍ بيداغوجيٍّ جذّابٍ وطريقةٍ تعلّميةٍ ناجعةٍ لفائدة تلامذة المعهد وتلامذة المعاهد الأخرى.

 

تعليق فيسبوكي (Afifa Sioud):

درّس معي زميل ذات مرة وكان قد أسند لتلاميذه أعدادا لا تقل عن 16 على 20 في كل من المواد الاجتماعية تاريخ جغرافيا تربية مدنية وحتى الإيقاظ العلمي. لا يمكن ان تتصور سعادة وفرحة التلاميذ وهم عائدون إلى منازلهم يقفزون ويرقصون ويقهقهون والسعادة تشع من أعينهم وقد سارعوا نحوي وكنت في الشارع المحاذي للمدرسة والكل يسابق الآخر في إخباري بأعداده المتميزة فهذا يقول بأن لديه ثلاثة عشرينات والآخر أربعة وتلك اثنتان.

يومها خامرتني العديد من التساؤلات حول صحة أو خطأ نظام إسناد الأعداد. وعادت بي الذاكرة بعيدا لسنوات بل عقدين من الزمن تذكرت رشاد المشاغب والذي لا يمر يوما إلا ويرتكب فيه تصرفا عنيفا تجاه تلاميذ المدرسة. وكان تحصيله العلمي ضعيفا جدا. سنة رابعة ولا يعرف الحروف. تخيرت له مكانا في أول مقعد أمامي وكنت كلما أنجزنا تمرينا أضع أمامه لوحة الحروف وأساعده على الإجابة ومع مرور الأيام بدأ يأخذ ثقة بنفسه وذات يوم أنجزنا فيه تقييما مطولا فخصصت له تمرينا واحدا وأخبرته بأنني سوف أسند له عددا جيدا لو أجاب عنه. تعمدت يومها أن أغض الطرف عن بعض الهنات إن وجدت وأسندت له 10/10. لا يمكن أن تتصور ردة فعل رشاد عندما كتبت له العدد ورآه بأم عينيه فظل يفركهما لعدة مناسبات ثم صاح بأعلى صوته 10. 10 .10، وقال: "في كامل حياتي لم أحصل حتى على نصفها" ثم اتجه نحوي يقفز وقد عانقني بقوة غريبة كدت أفقد أنفاسي من شدة الضغط على عنقي وأوشكت على الاختناق لو لا ألطاف الله وتدخل البعض من تلاميذي. أذهلني رد فعل رشاد: سعادة لا توصف ضحكات متتالية كمن فاز بحلم حياته. ومنذ ذلك اليوم عزمت معه على أن ينجح في المناظرة الوطنية للسنة الرابعة أساسي المعمول بها آنذاك .وقد فعلها رشاد بعد حصوله على 19 في الرياضيات وارتقى للسنة الخامسة إلا أنني انتقلت إلى ولاية أخرى ولكن تلك الحادثة جعلتني في كل مرة أتساءل عن مدى تأثير وتداعيات أعداد نسندها سلبا أو إيجابا على نفسية المتعلمين بمختلف أصنافهم.

 

 

 


 

تَحَسُّنُ أعداد التلامذة في مادة معينة مع أستاذ معين خلال سنة دراسية محددة:.هل هو دليل على تَحَسُّنِ المستوى المعرفي لدى تلامذته ؟

 

السؤال: هل هذا التحسن هو دليل على تحسن مستوى التلامذة المعرفي أم هو دليل على تأقلم التلامذة مع نوعية امتحانات أستاذهم فلان (فروض المراقبة وفروض التأليف) ؟

باحث في علوم التربية (Robert Linn) بيّن أن التلامذة يتأقلمون مع المجهودات التي تتطلبها فروض أستاذهم فلان، تأقلمٌ قد يصل إلى تشجيع التلامذة على استنباط حيل للغش خاصة بهذا الأستاذ نفسه. وإذا تغير الأستاذ تغيرت نتائج نفس التلامذة عادة إلى الأسوأ. وبيّن أيضاً أنه لو غيّر الأستاذ فلان نفسه طريقة تقديم فروضه لنقصت أعداد نفس تلامذته. يبدو، كما لاحظتْ أيضاً (Maya Beauvallet)، أن "الفرض لا يقيس إلا... المعارف المطروحة في الفرض".

تأكيداً للتحليل أعلاه، أعطي بعض الأمثلة:

-       لا مقارنة بين أعداد بعض التلاميذ وسط العام (عالية) وأعدادهم في امتحان الدخول للنموذجي (أقل بكثير).

-       لا مقارنة بين أعداد بعض التلاميذ وسط العام (عالية) وأعدادهم في امتحان الباكلوريا (أقل بكثير).

-       لا مقارنة بين أعداد بعض التلاميذ الذين ينتقلون من التعليم الخاص(عالية) إلى التعليم العمومي (أقل بكثير).

 

 

 

 

 

 

 

 

9

واجب إعادة الاعتبار لبعض المفاهيم التربوية الجيدة وإحيائها وتطويرها


 

واجب إعادة الاعتبار لمتعة التعلم عند تلامذتنا

 

أيها العقلانيون،اعلموا أن  الخطاب الديكارتي وحده لا يكفي لتغيير التصورات غير العلمية. قال شاعرنا أبو القاسم الشابي ما يلي: "عِشْ بالشُّعور، وللشعور، فإنما *** دنياك كون عواطف وشعور".

 

J-J. Rousseau a dit: « Donnez à l`enfant le désir d`apprendre et toute méthode sera bonne ».

Voilà un argument physiologie : Excitées, nos deux amygdales, centres cérébraux des émotions, produisent de l`adrénaline qui améliore l`apprentissage.

Le philosophe français Michel Foucault a dit : « Il faut érotiser le savoir, le rendre hautement agréable. Pourquoi notre société a intérêt à montrer que le savoir est triste ?

يُخطئ الأستاذ الذي يحاول أن يفصلَ بين العاطفة والعقل، فهما في المخ غير منفصلَين.

L’émotion est le moteur de recherche de la raison.

فلاديمير جانكلفيتش (Vladimir Jankélévitch)  أقرّ بأن "الأنا" (Ego) يتماهى والآخر عند الحب من غير فقدان أناه. غير أن الحب يُفهَمُ على كونه معرفة في الأساس تقضي اطمئنان الأنا إلى الآخر (التلميذ إلى المدرّس). أما سوء معرفة الآخر (méconnaissance) قد يشمل التقدير الخاطئ له (للمدرّس) بالمبالغة في إعلاء شأنه أو الحط منه (وفي الحالتَين ينتفي التعلّم). إرادة معرفة الآخر، أي الرغبة تحديدًا. الحرص على تغليب الحب على الكراهية (بين التلميذ ومدرّسه). (المصدر: العلمانية الممكنة، العلمانية المستحيلة، د. مصطفى الكيلاني، 2015).

 

الأم مدرسة إذا أعددتها.. هي معَدّة سلفا ولا تحتاج لأي نوع من الإعداد، معَدّة للتربية انتقائيًّا وجينيًّا. الحب هو بيداغوجيتها الوحيدة.

Ma source d’inspiration pour cette dernière idée : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

 

 


 

واجب تنظيم تدريسِ الساعاتِ الخصوصيةِ

 

حسب قانون وزارة التربية - يحق لأي أستاذ أن  يمارس هذا النشاط التربوي بمقابل معقول (غير مُشِطٍّ) خارج المعهد على شرط أن لا يزيدَ العددُ على 12 تلميذ موزّعينَ على ثلاث مجموعات، كل واحدة تضم أربعة تلاميذ، ويدرُسون في ظروفٍ لوجستيةٍ صحيةٍ وبيداغوجيةٍ طيبةٍ، وأن لا يكونوا من تلامذةِ المعنِي المباشرينَ أي مدرسيهم في الفصل.

حَفرٌ أركيولوجِيٌّ في نِضالِيةِ أستاذ ثانوي نقابي وهَرَمٌ من أهراماتِ تدريسِ الساعاتِ الخصوصيةِ في "الڤاراجات": يطالِبُ المتهرّبينَ بالقيامِ بواجبِهم ودفعِ ضرائبِهم بالكاملِ، وهو لا يدفع أي ضريبة على ما كسبه خلال عقودٍ مقابل "لِيتِيدْ" (L`étude). أستاذ الساعات الخصوصية(Etude)  : يسلعن العلم ويبيعه دون "أومبلاج" (دون تغليف) وفي الدكاكين العفنة يعرضه. قضى على ديمقراطية التعليم ودفنها ثم صلى صلاة الجنازةِ على مدرسة الجمهورية (L`école républicaine de Bourguiba, la Nôtre)، الضامِنُ الوحيدُ لمبدأ تكافؤِ الفُرَصِ والمساهِمُ الوحيدُ في التحريكِ الاجتماعي والمصعد الاجتماعي (Le brassage social) والمدافعُ الوحيدُ على قيمةِ "النجاحُ استحقاقٌ" (la méritocratie)، والمحرّكُ الوحيدُ لـلمِصعدِ الاجتماعي (l’ascenseur social)، مصعدُ مَن لا مِصعدَ له من التونسيين الفقراء والمحتاجين والمهمّشين، وما أكثرهم في بلدي، والحمد لله الذي لا يُحمَدُ على مكروهٍ سواه.

ظاهرة تدريسِ الساعاتِ الخصوصيةِ (l’étude)، وُلِدت مشكلة (لها حل)، تفاقمت فأصبحت  معضلة (لا حل لها في الأفق).

 

 

 

 

 

10

الأنتروبولوجيا والتربية ما قبل المدرسية

 


 

واجب إحياء وتطوير عاداتنا القديمة في التربية ما قبل المدرسية

 

لماذا نركِّز في تعليمنا على تنمية الذكاء الذهني فقط (رياضيات، آداب، هندسة، تاريخ، إلخ.) ونُهمل أنواع الذكاء الأخرى المرتبطة بباقي أعضاء الجسم (الحِرف اليدوية، الرسم، الرقص، الموسيقى، الفلاحة، التمريض، المسرح، الطبخ، التعلم من اللعب بكل حرية مع الأقران، إلخ.) وكأن ”الجسم لا يعدو أن يكون إلا مجرد وسيلة نقلٍ للمخ“.

في قرية جمنة تحديدا وقبل المدرسة، علمتني بيئة الخمسينيات ما يلي:

-       تعلّمتُ النطقَ السليمَ للعربية الفصحى عن طريق حفظ جزء "عَمَّ" من القرآن الكريم في الكُتّاب الوحيد بالقرية.

-       تعلّمتُ مهارات متعددة عن طريق اللعب مع الأقران. ودون رقيب كهل، كنا نصنع لعبنا بأنفسنا. كنا نُمسرِح عاداتنا في عاشوراء (جمل عَشورا). كنا نسهر ليلا وننصت لأمهاتنا تروين حكايات التراث الخيالية، كنا نصدّقها وكانت تستهوينا. كنا ننوّع وسائل لهونا حسب الفصول (خُوطَة، غُمِّيضَة، بِيسْ، مَشَّاية عند نزول المطر، دِرْڤِيلة، كَرُّوسة، بالُّون ابرِيزُونييه، إلخ.).

واجب إعادة إحياء دَور الكُتّاب في تعلم الفصحى في التعليم ما قبل المدرسي

كبرنا قليلا (أربع سنوات), أخذونا للكتّاب (في جمنة نسمّيها الخلوة) لتعلم القرآن الكريم في الجامع الكبير. كان الفناء مظلما في النهار وكان "المعلم-المِدّب" جالسا وعصاه تتنقل فوق رؤوسنا برأفة وحنان. نردّد وراءه لساعات ما ينشد من كلام حلو وموزون. نحفظه عن ظهر قلب دون شرح أو تفسير ونستوعب حسن نطقه وبلاغته ونطرب لموسيقاه. بعد خمسين سنة، عرفتُ أن هذا النوع من التلقين يُسمى: "حمّام لغوي" (Bain de langue)، هذا الحمّام يطهّرك روحيا من الداخل ويغمرك بالمفاهيم ويكسبك في مرحلة الاستيعاب زادا لغويا ثمينا ونطقا سليما تستثمره في مرحلة الفهم في شرح وتفسير أي أثر مكتوب, قرآنا كان أو نثرا أو شعرا.

نظرية مونتيسوري في تربية الأطفال قبل الست سنوات تتلخص في الشعار التالي على لسان الطفل: "ساعِدني على أن أتعلم بنفسي" (“Aide-moi à faire seul”). ونحن أطفال جمنة الخمسينيات لم ننتظر اكتشاف النظريات التربوية الحديثة وطبقنا منذ أجيال -بطريقة عفوية مكتسبة وموروثة ثقافيا في آن- شعارا قد يكون أفضل تربويا من شعار مونتيسوري.  كنا، وبمفردنا ودون رقيب كهل مختص أو غير مختص، نصنع لُعبنا بأيدينا ونتعلم منها ومن المحيط والأقران. عندما أقول "طبقنا شعارا قد يكون تربويا أفضل"، أنا أعي ما أقول، قلت "تربويا أفضل" ولم أقل "علميا أفضل" ولهذا انقرضت تقريبا طريقتنا التربوية التقليدية من جمنة وعوضتها رَوضات أطفال "حداثية". كادت تجربتنا أن تكون علمية صِرفة لو صاحبتها عينُ رقيبٍ عالِمٍ ميداني (La recherche-action)، عينٌ مسندة بعقل، عقلٌ  يلاحظ ويسجّل ويدوّن ويطوّر طريقتنا في التعلم الذاتي ويستنتج ويقارن وينشر فربما قد نكون سبقنا علماء الغرب من أمثال مونتيسوري وفيڤوتسكي وبياجي واكتشفنا "نظرية التعلم البنائي الاجتماعي" قبلهم جميعا (le socio-constructivisme).


 

ما هو دورُ كِبارِ السنِّ في مجتمعاتهم: ترابط أنتروبولوجي وثيق بين السوسيولوجي والبيولوجي ؟ ترجمتي

 

تعريف كلمة "أنتروبولوجيا" أو علم الإنسان (l’anthropologie): هي علم، يتموقع في التقاطع بين مختلف العلوم الإنسانية والطبيعية، التي تبحث في الكائن البشري بكل أوجهه، المادية منها (علوم الحياة والتشريح والشكل والوظائف والتطور، إلخ.) والثقافية (علوم الاجتماع والنفس والدين والفن واللغة والجغرافيا، إلخ).

 

معلومات علمية قد تنير السبيل وتوضّح الترابط الأنتروبولوجي الوثيق بين السوسيولوجي والبيولوجي:

-       النساء يفقدن القدرة على الإنجاب في سن الخمسين (la ménopause) بينما تحتفظ إناث الشانبانزي بخصوبتهن إلى آخر حياتهن التي تقف عادة في الخمسين من عمرها. هذا النقص الظاهر في القدرة على الإنجاب عند النوع البشري قد تكون فيه فائدة كبيرة لفصيلتنا: هذه الحياة بعد-إنجابية (post-reproduction entre 50 et 70-100) تسمح لكِبارِ السنِّ، بغض النظر عن صلة القرابة وعن المستوى الدراسي، تسمح لهم برعاية الرضع، صحيًّا وغذائيًّا، مما ينتج عنه تقليصٌ في مدة الرضاعة من قِبل الأمهات، وهذا التقليص بدوره يزيد في وتيرة الولادات (fréquence)، لأن الحَمل ينقطع خلال مدة الرضاعة التي تدوم عادةً من حولٍ إلى حولين اثنين. أضفْ إلى هذه الفائدة المادية، فائدة أخري، ذهنية: تجربة كِبارِ السنِّ توفر للصغار وسطًا ثقافيًّا غنيًّا (un milieu intellectuellement riche)، وتساهم مساهمة فعّالة في تدريب الصغار وتعليمهم، وتمدّهم بمعلومات ثقافية مهمة خلال المرحلة  الطويلة والحساسة (période critique) التي تلي الولادة، وهي مرحلة  هامة جدًّا في اكتساب المعرفة (l’importance cognitive)، وتمكنهم من المشاركة في أخذ القرارات المصيرية التي تخص القبيلة التي ينتمون إليها، مثلا: كِبارِ السنِّ الذين عايشوا كارثة تسونامي يستطيعون تعليم الصغار كيف يتصرفون لتجنب الأخطار الطبيعية. لا ننسى أنّ قبل اكتشاف الكتابة كانت التجارب تُمرَّر شفويًّا من جيلٍ سابق إلى جيل لاحق (إضافتي: أذكّر هنا بفوائد تقاليد العائلة الموسعة حيث كان الابن المتزوج يعيش، هو وأبناؤه، مع والديه في نفس المنزل). يبدو لي أن العائلة الحداثية المضيقة والمعزولة قد تكون سببا من أسباب أزمة الأخلاق والقِيم والسلوكات لدى أطفال اليوم.

-       خلافًا لصغار الشانبانزي الذين يولدون بمخ يزن 50 %من وزن مخ القرد البالغ، فصغار البشر يولدون بمخ يزن 10 %فقط من وزن مخ الإنسان البالغ، لذلك فالرعاية المضافة لصغارنا من قِبل كبارنا وتربيتهم جماعيًّا، أمران ضروريان لاستمرار النوع والحياة (l’homme est partiellement un produit culturel). نلاحظ أن هذين الخاصتَين المهمتين للنوع البشري (يولد بمخ صغير ويتربى تحت رعاية كبيرة من قِبل الأقارب) لعبا دورًا أساسيًّا في التطور المعرفي عند الإنسان (l’évolution de la cognition humaine)، مما يوحي أن التمديد في الحياة بعد-إنجابية قد يكون ناتجًا عن انتقاء جيني كسِمةٍ من السِمات التي ساهمت في انتصار نوعنا البشري وديمومته في الحياة فوق الأرض إلى يومنا هذا، والحمد لله. (...) قد يكون سلوك الإنسان مبرمَجًا جينيًّا (le comportement pourrait être programmé génétiquement)، لكنه يتأثر أيضًا بالمحيط (Ajout : mais le comportement est épigénétique aussi, c.à.d, une émergence qui vient de l’interaction entre nos gènes et notre environnement, et le débat sur la séparation ou la partition entre innée et acquis est un débat dépassé).

-       صحيح أن التمديد في الحياة بعد-إنجابية هو اكتشافٌ حديثٌ (grâce aux soins médicaux). في الواقع، هي حقيقة صحيحة جزئيًّا فقط، لأن هذه الزيادة المعتبرة في أمل الحياة (l’espérance de vie)، وفي جانب كبير منها، هي ناتجة عن نقص ملحوظ في معدل الوفيات مباشرة بعد المخاض أو عند الرضع (grâce aux soins médicaux aussi). أما أمل الحياة إلى ما بعد الخمسين في حد ذاته، فقد كان موجودًا حتى قبل التطور الطبي الحديث.

 

Référence: Alain Prochiantz (Professeur au collège de France), Singe toi-même, Paris, Ed. Odile Jacob, mai 2019, 331 pages, 23,90 euros, pp. 126-133.

 

تأنيث كامل الإطار التربوي في الروضات والمدارس الابتدائية

 

أطالب بتأنيث كامل الإطار التربوي في الروضات والمدارس الابتدائية لأن المرأة مهيأة جينيّا وأنتروبولوجيا أكثر من الرجل لتربية الأطفال. التفاعل بين الموروث والمكتسب (الانتقاء الطبيعي الدارويني) هيّأ المرأة لحمل الأطفال وإرضاعهم ورعايتهم وتربيتهم، أما الرجل فقد هيأه لمهام أخرى أخشنَ مثل الصيد والحرب.

 

 

Ma source d’inspiration :

-       Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

-       Alain Prochiantz (Professeur au collège de France), Singe toi-même, Paris, Ed. Odile Jacob, mai 2019, 331 pages, 23,90 euros.

-       En France: les femmes constituent 84,8 % des enseignants du premier degré dans le public et 91,6 % de ceux du privé. Par Vincent Mongaillard, le 29 août 2019. Site de « Le Parisien ».

 

 

 

 

 

11

واجب تدريس مسائل علمية جديدة


 

واجب تدريس الطب الوقائي والتربية الصحّية في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي

 

لماذا لا ندرّس الطب الوقائي طيلة 16 سنة في الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي كمادة مستقلة يدرّسها أستاذ-طبيب حتى نعلّم جيل المستقبل حماية نفسه ونقلل من النفقات الباهظة للعلاج سواء النفقات العمومية للدولة أو النفقات الخاصة للعائلات.

هل يهدد مصالحكم إلى هذه الدرجة حتى تحرّموه علينا يا تجّار الطب ومحتكِري العلم ؟

عدم الاهتمام المكثّف بالطب الوقائي في تونس (المفروض طبيب في كل مستوصف) سوف يكون له أثر سيئ على صحة المواطنين في المستقبل وسوف يزيد من عجز الصندوق الوطني للضمان الصحّي (CNAM).

كندا تخصص للوقاية الصحية 6% من ميزانية الصحة، إيطاليا 4%، فرنسا 1،8% (Le Monde diplomatique février 2020). كم تخصص تونس للوقاية الصحية ؟ الله أعلم ؟

يبدو لي أن دجاجَ شركةِ "بولينا" الخاصة في تونس يتمتعُ برِعايةٍ صحيةٍ أفضلَ مما يتمتعُ به العمالُ والموظفونَ التونسيونَ !

 

لذلك نرى أنّه من واجبنا تقديم مقاربة صحّية مدرسيّة بديلة تتمثل في النقاط التالية:

-       تشجيع التلميذ على ضمان استقلاليته تجاه السلوكات غير الصحّية وبعض المنتوجات الطبيّة والابتعاد ما أمكن عن الغرائز والإنفعالات والأفكار المسبّقة وسلطة الإعلام والقوالب الجاهزة في الموضة والرياضة.

-       تعزيز الثقة بالنفس لدى التلميذ وتدريبه على التحكّم في التوتّر وإتّقاء الأخطار المحدقة به وإنقاذ الآخرين إن لزم الأمر.

-       تنبيه التلميذ للدور السلبي للمصانع غير المجهزة بوحدات تنقية الهواء المنبعث من المداخن والتي تتسبب في تدهور المحيط الصحّي والنفسي للمواطن.

-       إبراز دور القدرة الشرائيّة والحبّ والضحك والأصدقاء والنظام الغذائي في رفع المستوى الصحّي للمواطن.

-       توفير التجهيزات الصحيّة الكافية والنظيفة والفضاءات الترفيهيّة والتدفئة والتكييف داخل المدرسة وداخل وسائل النقل.

-       حثّ العاملين بالمدرسة على ملاءمة سلوكاتهم الصحيّة اليوميّة مع ما يتلقّاه التلميذ من تربية صحّية.

-       دمج التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصّة في المدرسة وتوفير تسهيلات لوجستيكيّة لتنقّلهم وتعلّمهم.

-       تشريك التلامذة والأساتذة والقيّمين والأولياء ومِهنييّ الصحّة والسلطات المحليّة ورجال الأمن ورجال المطافئ في إعداد برنامج التربية الصحّية.

-       توفير إطار متخصّص قار لمعالجة المشاكل النفسيّة والعاطفيّة للتلميذ لأّنّها قد تعوق اكتسابه للمعرفة.

-       ربط تدريس التربية الصحّية بالإختصاصات الأخرى باعتبارها تربية على المواطنة التي لا تقتصر على الجانب الفيزيولوجي دون سواه.

 

 

خلاصة القول

لو أدخلنا التربية الصحّية كما نراها نحن ويراها غيرنا من المحبين لهذا الوطن في برامج الإبتدائي والإعداديي والثانوي والجامعي باعتبارها مادّة قارّة بضارب محترم ولو خصّصنا لها عيادة وقائية في كل مستوصف لتحسّنت صحّتنا واستغنينا جزئيا عن خدمات "الكنام" (الصندوق الوطني التونسي  للتغطية الصحية) الذي يوتّر أعصابنا كل يوم في فضاءاته الإدارية عند انتظار ساعة أو ساعتين لتقديم ورقة أو ورقتين من أجل استرجاع بضع دراهم معدودات.

 

 


 

واجب تدريس علم التخلّق (l’épigenèse) في مادة علوم الحياة والأرض في مستوى الثالثة ثانوي

 

"اللاحتمية الجينية: توأمان حقيقيان يولدان من نفس الخلية-لهما نفس الإرث الجيني، أحدهما قد يتخرج طبيبا والآخر مهندسا. مستقبلنا لاتحدده جيناتنا وحدها" (Henri Atlan).

لا يولَد الأطفال ملائكة كما يعتقد الكثيون ولا شياطين أيضًا. يولدُ الطفلُ بشرًا طبيعيًّا (L`homme de la nature: l`inné)، بشرًا غير مكتمل الإنسانية ثم يكتسبُ إنسانيتَة شيئًا فشيئًا عبر تَفاعُلِ (Interaction + épigenèse)  جيناته مع محيطه (L`homme de l`homme: l`acquis). "جيناتُنا  ما زالت تعتقد أننا نعيش في الغابة" (ADN=logiciel biologique performant mais anachronique, Yuval Noah Harari).

نذكّر بأن الجدل العلميّ الذي كان قائما بين النسبة المئوية للموروث والنسبة المئوية للمكتسب في الصفات البشريّة وخاصة الذهنية منها. هذا الجدل أصبح جدلاً عقيمًا وقد ولّي وانتهي وأصبحنا نقرّ اليوم أن الصفات الذهنية مثل صفات الإيمان بالله والذكاء والعدوانية هي صفات وراثيّة بنسبة 100 %  ومكتسبة بنسبة 100 %  في آن (Allbert Jacquard)، وذلك لأن الأسباب الوراثية والمكتسبة المسؤولة عن  تشكّل الصفات الذهنية، عديدة ومتداخلة ومتشابكة فيما بينها وتتفاعل مع بعضها باستمرار فلا نستطيع  تجزئتها أو فصلها ميكانيكيا عن بعضها البعض أو تحديد نسبة الوراثي فيها من نسبة المكتسب. وهذا ما نسمّيه اليوم علم التخلّق (l’épigenèse)، وهو بالمناسبة موضوع أطروحتي سنة 2007.

 

العلاقة الخطية: المخ يؤثر في اللغة والسلوك والأفكار.

العلاقة التفاعلية (épigenèse cérébrale): المخ يؤثر في اللغة والسلوك والأفكار ويتأثر بها.

العلاقة الخطية (a vers b) أصبحت عاجزة عن تفسير الظواهر. عوضتها العلاقة التفاعلية

La complexité: a et b dans un réseau de relations.

 

اللدونة المخية (Plasticité Cérébrale):

للمخ قدرة فائقة على إعادة التشكل المجهري والتأقلم مع الطوارئ قد تصل إلى مواصلة أداء دوره بعد فقدان ثلث وزنه.

 


واجب تدريس تركيبة المخ ووظائفه منذ الابتدائي في حصص الإيقاظ العلمي

 

-       مخكَ هو أعقد وأروع آلة في الوجود. يحوي مليون مليار وصلة عصبية  (synapses) .

-       المخ البشري ليس رئيسَ فرقة موسيقية، هو يأمر والأعضاء تنفّذ.
هو مركز التفكير والعواطف والحواسّ الخمس لكنه ينسّق مع باقي أعضاء الجسم (par feed-back).

-       القلب مضخة دم تعمل تحت إشراف المخ
له علاقة غير مباشرة بالعواطف
والدليل هو عملبة زراعة القلوب التي لا تغير عواطف المريض المتلقّي.

-       المخ البشري أفضل من أي حاسوب: لا يتوقف عن الاشتغال رغم أنه يفقد يوميا ملايين من الخلايا دون تعويض حتى وإن بتر جزء منه لأسباب صحية

Objection: le non renouvellement des neurones est un dogme ébranlé mais non encore vraiment vérifié et approuvé par la communauté scientifique internationale.

-       المخ البشري يمتاز عن الحاسوب بقدرته على التكيّف الذاتي (l’auto-organisation) : يغيّر وظائفه متفاعلاً مع المحيط وحتى دون تفاعلٍ. Henri Atlan

-       مركزية المخ (Céphalocentrisme) عوضت مركزية القلب (Cardiocentrisme): هو المركز الأساسي للشعور والإدراك وليس القلب. المخ لا يرأس القلب بل يتفاعل معه، يؤثر فيه ويتأثر به.

-       مخنا قادرٌ على صنع ملونين من الوصلات بين الخلايا المخية في الثانية الواحدة. (Albert jacquard)

(Un total de 1 million de milliards de synapses par cerveau)

-       للمولود الجديد أربعة والدِين وليس اثنين: الأب والأم والحيوان المنوي والبويضة، أربعة كيانات حية مستقلة جمعها الحظ.

-       Notre cerveau est le même biologiquement depuis presque 20 mille ans mais il a évolué culturellement (Source : LCITv).

-       المخ هو أكبر موزّع للمخدّرات الطبيعية (dealer):

Adrénaline, Noradrénaline, Dopamine, Sérotonine, GABA, Acétylcholine (J-D Vincent)

-       "العين لا ترى إلا ما تريد هي أن ترى" في الواقع ليست هي التي ترى بل المخ هو الذي يرى والدليل قد تجد أعمى بعيون سليمة. العين كالكاميرا تنقل ولا تدرك.

-       الأذن ضرورية لحاسة النظر. لِـتحقيق الإبصار يوظف المخ حوالي ثلاثين مركزًا عصبيًّا ويوظف الأذن الداخلية لإحكام توازن تحركات العين.

-       المخ يمثل حوالي 2% من وزن الجسم ويستهلك 20% من طاقة الجسم.

-       المخ البشري تخلص من أعباء يراها تافهة (الذاكرة والحساب الذهني والكتابة باليد) وأوكلها للحاسوب. تطورٌ تكنولوجي قد يقابله تقلصٌ في الذكاء.

-       المخ لا يولَدُ جاهزًا بل يجهز شيئا فشيئا مع العمر متفاعلا مع تجارب المحيط (L’environnement) ويغزل نسيجًا من مليارات الوصلات العصبية بين خلاياه.

 

 

فئران معدّلة مخيًّا ؟ ترجمة مواطن العالَم

فعلها مَن تعلّقت هِمَمُهم بكشف أسرار الخلايا المخية، منها عصبية (10 % من وزن المخ) ومنها غير عصبية لكنها داعمة للخلايا العصبية ومغذية لها (90% من وزن المخ).

علماء وظائف المخ البشري (Zhang et Barres, 2013):  زرعوا خلايا مخية بشرية غير عصبية في أمخاخ فئران حديثة الولادة (nouveau-nés) فزاد الذكاء عند هذه الفئران المعدّلة مخيًّا أي ارتفع النشاط الكهروفيزيولوجي داخل الخلايا المخية العصبية ومعه قابلية التعلّم (apprentissage synaptique).

 

Référence: Alain Prochiantz (Professeur au collège de France), Singe toi-même, Paris, Ed. Odile Jacob, mai 2019, 331 pages, 23,90 euros, pp. 172-174.

 


 

إن الله لا يغيّر ما بمخ البشر حتى يغيروه بأنفسهم ! (محاكاة بلاغية وليس قرآنًا). ترجمة وتأثيث المؤلف محمد كشكار (أطروحتي في 2007، كانت حول هذا الموضوع بالضبط)

 

كيف ينضج المخ البشري ؟

توجد في المخ خلايا غير عصبية إلى جانب الخلايا العصبية، خلايا تُسمّى الخلايا الدبقية (les cellules gliales)، خلايا تمثل 90% من العدد الجملي لخلايا المخ وتمثل تقريبًا 50% من حجم المخ. خلايا تغذي الخلايا العصبية المخية (les neurones)، تحضنها، تدعمها، تحميها وتصنع مادة اسمها المِيالِين (la myéline). المِيالِين هي نوعٌ من عازلٍ كهربائي يغلّف الامتداد المحوري للعصب (l’axone) ويزيد في سرعة نقل المعلومة (l’influx nerveux) بين منطقتين متباعدتين في الجهاز العصبي.

لا تكتمل عملية نضوج المخ البشري قبل نهاية سن المراهقة، وقد تتواصل حتى بعد هذا العمر لأن عملية التغليف بالمِييالِين لا تنتهي إلا في سنّ الثلاثين.

ينضج المخ على مهلٍ ويتعلم من التجربة والتفاعل مع المحيط (Interaction avec l’environnement)، فتتغير تركيبته المجهرية مورفولوجيًّا دون تغيير في شكله الخارجي ويكتسب وظائف فيزيولوجية حسب تجربته. المخ إذن هو عضوٌ لَدِنٌ وليس عضوًا جامدًا (plastique, non figé)، وكل معلومة مكتسبة تترك بصمة بيولوجية في تركيبته، بصمة تتمثل في إحداث وصلات عصبية جديدة بين خلاياه العصبية (un total de un million de milliards de synapses).

يَكتسب الإنسان النظر والسمع قبل أن يتعلم المشي، يتعلم الوظائف الحسية (la vision) والحركية (la marche) قبل تعلم الوظائف الذهنية (la langue, l’intelligence, la logique, les mathématiques, la religion, la politique, le dialogue, bref la culture).

 

ملخص أو تعريف مفهوم "التخلّق" أو "المكتسب ما بعد الوراثي" (l’épigenèse): نستطيع أن نؤكد أنه من المستحيل الفصل بين العوامل المتوارَثة عبر التكاثر الجنسي المُثرِي للنوع البشري (l’innée : 25 à 30 mille gènes) والعوامل المكتسبة (l’acquis : l’environnement, les choses, l’art, la culture, l’apprentissage, les autres, l’école, etc). عوامل مكتسَبة بالتدريب والتجربة والخطأ والتفاعل الحِينِي والمستمرّ مع البيئة والمحيط الاجتماعي (le débat entre l’innée d’un coté et l’acquis de l’autre est un débat dépassé, c’est l’ère de l’interaction entre nos gènes et notre environnement cellulaire, matériel et social).

مثال: لو أخذنا خلية عصبية مخية وخلية عضلية، فالاثنتان من أصل واحد (la cellule œuf ou la cellule mère formée par un ovule et un spermatozoïde) ويحملان نفس الجينات، عددًا وشكلاً ومضمونًا، لكنهما تختلفان في وظائفهما حسب تموقعهما في الجسم وحسب محيطهما الخلوي (C'est très facile, on l'explique par le phénomène de l'épigenèse -sujet de ma thèse, UCBL1, 2007- cad l'interaction entre nos gènes et leur environnement cellulaire.).

خاتمة مواطن العالَم: حَبَانَا الله بمخٍّ لَدِنٍ كالصلصال، مخٍّ قابلٍ للتشكلِ وإعادةِ التشكلِ بواسطة التدريب والتعليم والتجربة والخطأ والاستفادة المتاحة من محيطنا المادي والاجتماعي. فرصة ذهبية لا تُعوّض من أجل رفع قدراتنا البدنية والذهنية، فرصة جميلة علينا استغلالها على أكمل وجه وعلينا عدم إهمالها حتي لا نصبح على ما اقترفنا في حق مخنا نادمين حيث لا ينفع الندم.

أختم بالاستلهام التالي المستوحَى من الآية الكريمة "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ (الرعد:11)، وأقولُ: لا يغيّر الله ما بمخ البشر حتى يغيروه بأنفسهم !

 

Références:

-       Alain Prochiantz (Professeur au collège de France), Singe toi-même, Paris, Ed. Odile Jacob, mai 2019, 331 pages, 23,90 euros.

-       Mon premier livre : Enseigner des valeurs ou des connaissances? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique"? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes. (PUE), 2010.

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل ذكاءً لكنه ليس مماثلاً له وزنًا وحجمًا

 

أنطلق في هذا المقال من بحث أجريته عام 2000 علي عينة تونسيّة تتكوّن من 275 شخص، مستوي تعليم عال.  أبدأ أوّلا بموضوع من مواضيع هذا البحث   حيث توصّلت إلي النتائج المتواضعة التالية:  33% من الأشخاص المستجوبين يعتقدون خطأ أن وزن مخ المرأة أقلّ من وزن مخ الرجل.

من المرجّح أن يرجع أصل هذه التصوّرات غير العلمية الراسخة في أذهان أفراد العيّنة إلي دراستهم الثانوية التي تعتمد على أعمال العالم الفرنسي"بروكا", مكتشف مركز الكلام في المخ ( Le langage),  أو إلي غياب تدريس تاريخ العلوم في الاختصاصات العلميّة بالمعاهد والجامعات، ومن لم يدرس الإبستومولوجيا، لا يري أخطاء العلماء عند بناء علمهم.

 في سنة 1861، وَزَنَ العالم الفرنسي "بول بروكا" أمخاخ مجموعة من الرجال والنساء، فوجد أن مخ المرأة اقلّ وزنا من مخ الرجل. استنتج "بروكا" علاقة سببية لكنها غير علمية بين النتيجة العلمية الّتي توصّل إليها وظاهرة تُسمَّى آنذاك خطأ "نقص الذكاء عند المرأة".

بعد 120 سنة من "بول بروكا"، وفي كتابه " القياس الخاطئ للإنسان" (la mal-mesure  أعاد عالم الأحافير (Les fossiles) الأمريكي "ستيفن جاي ﭬولد" النّظر في أعمال "بروكا" فوجد أنّ معدّل وزن المخ عند الذكور يساوي 1325 غرام، وعند الإناث 1144، فليكن الفارق بينهما 181 غرام.

فنّد "ﭬولد" هشاشة استنتاجات "بروكا" شبه العلمية وقال:"ينقص وزن المخ مع العمر،  وفي عيّنة بروكا كان النساء أكبر من الرجال سنّا". ثم أضاف: "يكبر حجم ووزن المخ تناسبيّا مع القامة وفي عيّنة بروكا الرجال أطول من النساء 15  سنتمترا".

أعاد " ﭬولد " تحليل معطيات "بروكا" فوجد أنّ الفارق في وزن المخّ،  بين رجل قامته 1.62 متر وآخر قامته  1.93، يساوي 113 غرام ورغم هذا الفارق الكبير بينهما فلا أحد يفكّر في اعتبار الرّجل الطّويل أكثر ذكاء من القصير، ولو كان الذكاء مرتبطًا بالوزن لكان حوت العنبر وهو من الثدييات البحرية أذكى مخلوق على الأرض لأن مخه يزن 10 كيلوغرام.

أثبت "ﭬولد" أن الاختلاف في وزن المخ البشري لا علاقة له بالجنس، بل يتبع الاختلاف في القامة والعمر، لكن وبعد مرور أكثر من قرن على اكتشاف "بروكا"، ما زالت الاعتقادات الـ"بروكية" غير العلمية تؤثّر في أجيال المتعلّمين.

ليس من السهل الخروج من هذا المأزق وتمرير موقف علمي من هذه التصوّرات الـ"بروكية" غير العلمية الّتي تقول أن "المرأة أقل من ذكاءً من الرجل لأن مخها أصغر وزنًا" قد تؤدّي في جل الأحيان إلي أفكار تقلّل من ذكاء المرأة في المجتمع. من البديهي أنّ الأفكار المبنية علي معلومات غير علمية، تكون أكيدا خاطئة، لكن إصلاح المعلومة العلمية لا يعني بالضرورة تغيير هذه الأفكار الناتجة عنها، وفي كلّ الحالات يبدو أن الذكاء لا علاقة له بوزن المخ أو حجمه بل له علاقة بالشّبكات العصبيّة الّتي يبنيها المخ في تفاعله مع التجارب الّتي يعيشها الإنسان أثناء حياته اليومية (les synapses).

تتكوّن الشّبكة العصبيّة الواحدة (un réseau neuronal) من مجموعة من الخلايا العصبيّة المخية التي تتصل في ما بينها وتتعاون للقيام بمهمّة معيّنة، مثلا مهمة "تهريب اليد عند لمس النار".  خذ مثلا: شقيقان توأمان حقيقيان في ملجأ أيتام (les deux sont issus de la fécondation d’un seul ovule par un seul spermatozoïde)، تبنّتهما عائلتان مختلفتان، واحد منهما أصبح مهندسا والآخر طبيبا. اذا قمنا بتشريح مخيّهما، بعد موتهما الطّبيعي،  فسنجد شبكات مخ الطّبيب تختلف عن شبكات مخ المهندس رغم تماثلهما الكامل في الوزن والحجم وعدد الخلايا وطبيعة الجينات الوراثية. 

عند التشريح من الطبيعي جدا إذن أن نجد فروقا بين شبكات مخ المرأة وشبكات مخ الرجل لأن المرأة عادة ما تمكث في البيت والرجل يسافر، والمرأة تطبخ و الرجل يقرأ الصحف، والمرأة تُزوّج والرجل يتزوّج، والمرأة تحبل والرجل لا يحبل، إلخ. وشيئا فشيئا مخ كل واحد منهما يختلف عن الآخر في تشعّب شبكاته ويلعب التقسيم الاجتماعي والتاريخي بين المرأة والرجل دورًا في تكوين أمخاخ مختلفة تفرز بدورها أفكارًا مختلفة، فالمخ يؤثّر في السّلوك والسلوك يؤثّر في المخ ويترك عليه بصمات بيولوجية مجهرية.  مع العلم أنّ تشعب هذه الشبكات العصبية المخية  لا يزيد تناسبيّا مع وزن المخ، ومخ العصافير أكبر دليل علي ذلك فرغم صغر حجمه فهو يحتوي علي شبكات خلوية عصبية مخية معقّدة جدّا ذات كفاءة عالية، في التغريد مثلا وإلا لكان عمالقتنا أذكانا. 

الأفكار المختلفة عند المرأة والرجل ليست معلّقة في الهواء ولا نازلة من السّماء، بل هي وليدة عمل مليارات الشّبكات الّتي تبنيها خلايا المادّة الشخمة في القشرة المخيّة. وينتج نضوج المخ عن تفاعلات الموروث مع المكتسب. ولن يصل ذكاء القرد إلي ذكاء الإنسان حتى لو عاش في محيط بشريّ (L’environnement) لأنّه ببساطة لم يرث مخ إنسان منذ البداية.

 

خلاصة القول:

مخ المرأة ليس أقلّ من مخ الرجل وليس مماثلا له، والتصوّرات غير العلمية لا تتغيّر بعصا سحريّة، ولا "بِكُنْ فيكون"، ولا بالعنف الثوريّ أو الرجعيّ، ولا أوتوماتيكيا بتصحيح المعلومات غير العلمية، والدليل أن المعلومة العلمية الصحيحة متوفرة في كتاب السنة الرابعة علوم تجريبية، وهي تقول حرفيا: "يتغير وزن المخ حسب وزن الجسم". هذه التصوّرات غير العلمية تنتقل من جيل إلي جيل عبر الموروث الثّقافي المكتسب، وفي كلّ جيل تترك بصمات بيولوجيّة في المخّ علي شكل  شبكات عصبيّة حاملة للفكر والتفكير. بعض العبارات الشعبيّة المتوارثة مثل "الرأس الكبير للتدبير" أو نعت الأغبياء "بمخّ العصافير" تدلّ علي طول عمر هذه التصوّرات غير العلمية و صلابتها و تجذّرها في المجتمع. 

أنهِي هذا المقال بطرح الإشكالية التالية: كيف نغيّر هذه التصوّرات غير العلمية التي تبيح حقوقا للرجال وتمنعها عن النساء حسب حجم الجمجمة  لدى الجنسين ؟

 

 

 

ما هي أهم الفروقات بين المخ البشري والحاسوب ؟ تأليف الفيلسوف هنري أتلان، ترجمة مواطن العالَم

 

-       المخ ليس رقميًّا (non numérique) وإنما يشتغل على الرقمي ويفهم ما يشتغل عليه.

-       الحاسوب رقميٌّ ويشتغل على الرقمي، لكنه لا يفهم ما يشتغل عليه. هو يحاكي شغل المخ، والمحاكاة ليست كالفعل، مثلا محاكاة الطيران ليست طيرانًا فعليًّا. هذا لا يعني أنه لا يملك قدرات تفوق قدراتنا بأشواط: خذ مثلا آلة حاسبة صغيرة، فهي أنجع منا وأسرع ألف مرة في إنجاز عمليات حسابية معقدة. لا تنسوا أن الحاسوب صمّمه المخ، ثم صنعه وبرمجه للقيام بـ"معجزاته".

-       المخ كُتلة مادية رخوة تعيش في الماء وبالماء (80% من وزن المخ).

-       الحاسوب كُتلة مادية صلبة لا تشتغل في الماء بل تنفر الماء.

-       المخ: خلايا تشتغل بكيمياء عنصر الكربون (C).

-       الحاسوب: آلة تشتغل بكيمياء عنصر السيليسيوم (Si).

-       المخ يعالِج المعلومات ويفهم ما تعنيه المعلومات (Les informations).

-       الحاسوب يعالِج المعلومات ولا يفهم شيئًا مما تعنيه المعلومات.

-       الحاسوب يمتاز على المخ بميزة كبيرة، يستعمل لغة عالمية (un langage universel)، لغة الرياضيات، لغة الحساب والمنطق.

-       المخ يستعمل لغات مختلفة و"الترجمة في بعض الأحيان خيانة". لكن لغة الحاسوب ورغم عالميتها فهي تفتقر إلى ثراء لغتنا غير العالمية، لغتنا لغة غنية بالمتشابهات (Les métaphores) والصور والغموض والإشارات والمتضادّات وعمق اللغة الطبيعية (le vague du langage naturel). لغتنا غير العالمية تسمح لنا بالتعبير عن أشياء تعجز عن التعبير عنها لغته العالمية، والتفكير عندنا يضم الحساب (le calcul) وأكثر من الحساب، بينما الرقمي لا يضم إلا الحساب (nombre+logique).

 

ملاحظة هامّة: هل انتبهتم إلى أن الطبيب الفرنسي والفيلسوف المعاصر والمّنظّر في البيولوجيا لم يذكر الفارق -الذي تعتبره أغلبية المتعلمين (مثقفين جهلة بالعلم أو علماء جهلة بالثقافة) أهمَّ فارقٍ- وهو التالي: "المخ حي والحاسوب غير حي". لا.. لا.. لم ينسَ هذا "الفارق"، لم يذكره قصدًا لأنه لا يعترف بوجوده أصلاً ويعتقد جازمًا أن "الحياة" و"الموت" ليسا موضوعين عِلميَّين ولا يجوزُ طرحهما في المخابر العلمية

(La vie et la mort ne sont pas des objets scientifiques qui peuvent être traités au laboratoire).

Le texte transcrit d’Henri Atlan :

Le cerveau n’est pas numérique mais il fait du numérique et comprend ce qu’il fait, Le PC est numérique et  il fait du numérique mais ne comprend pas ce qu’il fait. Il simule notre façon de faire (simuler un vol ça ne veut pas dire qu’il vole, ça ne veut pas dire aussi qu’il n’est pas capable de performances parfois beaucoup plus supérieures que celles de l’homme. Une petite calculatrice est plus efficace pour faire mille opérations mieux que nous. Le PC est fabriqué à l’aide de notre cerveau. Le cerveau est mou et hydrophile. Le PC est dur et hydrophobe. Le cerveau est constitué de cellules qui fonctionnent sur la chimie du carbone. Le PC est formé de composants qui fonctionnent sur la physique du silicium. Le cerveau traite l’info et la signification de l’info. Le PC traite l’info et ne traite pas la signification de l’info. Le PC a un énorme avantage, il utilise un langage universel, le langage mathématique, un langage pauvre en métaphores, ambivalences, ambiguïtés, le vague du langage naturel cad il lui manque tout ce qui  nous permet de dire beaucoup de choses plus que le langage universel. Le cerveau utilise plusieurs langues mais la traduction pose problème. La pensée contient du calcul mais elle n’est pas que calcul. Le numérique est seulement du calcul (nombre+logique).

 

 

واجب تدريس التربية الجنسية للوقاية من الأمراض الجنسية

 

هي مادة-تَقاطُع اختصاصات متعددة (Une discipline-carrefour): بيولوجيا، طب-وقائي، علم اجتماع، أنتروبولوجيا، علم نفس الطفل، قانون، فقه، إلخ.

سأكتفي بعرض تجربتي البيداغوجية المتواضعة في هذا المجال كأستاذ سابق في علوم الحياة والأرض طيلة 38 سنة (1974-2012). درّستُها بالعربية لتلامذة التاسعة أساسي وبالفرنسية لتلامذة الثالثة ثانوي سابقًا (أي في فترة المراهقة، سن 15). نعم درّستُها في الجمهورية التونسية منذ 1974 .

ماذا كنتُ أدرّس بالضبط ؟

كنتُ أدرّس:

1. تركيبة الجهاز التناسلي الذكري والأنثوي ووظائف أعضائه بالتفصيل والاستعانة بقالب بلاستيك مجسّم لكل الأعضاء التناسلية الذكرية والأنثوية. مجسّمٌ قابلٌ للتفكيك والتركيب من قِبل التلامذة في حصص الأشغال التطبيقية.

2. الأمراض والإصابات المنقولة جنسيًّا (MST & IST مثل السيدا والتهاب الكبد "نوع ب"، وكيفية الوقاية منها.

3. كيفية استعمال وسائل منع الحمل: كنتُ أطلب من تلامذتي جلبَها من أقرب مركز للتنظيم العائلي.

هذا المحور كان يشدّ التلامذة شدًّا، وكنتُ أدرّسه بكل مِهَنِيةٍ وجديةٍ وبكل صرامةٍ وأمانة علميّتَين، وكنتُ أقول لتلامذتي: "لا حياءَ في العلم كما لا حياءَ في الدين".

من حسن حظي المِهَنِي أن تدريسَ هذا المحور بالذات لم يتسبب لي في أي مشكل خلال مسيرتي المهنية التي دامت 38 سنة بالتمام والكمال، لا مع التلامذة ولا مع أولياء أمورهم ولا مع الإدارة، وكنتُ أرى في تدريسه مصلحة كبيرة وفائدة مباشرة للتلميذ كفرد وللمجتمع لبناء علاقات سليمة بين الأفراد، وأرى أيضًا في تدريسِ هذا المحور الجذّاب لاهتمام التلامذة، كل التلامذة دون تصنيفٍ سخيفٍ، أرى فيه تَجْسِيرًا بين العلم والحياة، فالعلم -هنا- خرج من دائرته الضيقة، المخابر والجامعات، خرج إلى أفقٍ أرحبَ بكثيرٍ، ألا وهو أفقُ الحياة. في برنامج هذا المحور، لا توجد أي إشارة لتناول موضوع التحرّش الجنسي ولا الوقاية منه.


 

واجب تدريس تقنيات معالجة الصورة (Le traitement d`images) والتدريب على إنتاج المحتوى الرقمي وتحليله (production et analyse du contenu numérique)

 

الخلل: برامج تعليمية مكثفة تثقل كاهل التلميذ ولا تستجيب لاهتماماته ولا تواكب عصر الصورة في الأنترنات.

المقترح: التخفيف من المحتوى المعرفي في البرامج وتدريس تقنيات معالجة الصورة (Le traitement d`images) والتدريب على إنتاج المحتوى الرقمي وتحليله.

 


 

 

 

12

حول التفقد البيداغوجي الحالي

 

المتفقدون يتكونون عاما واحدا في معهد قرطاج هل يكفي عام واحد للتكوين في البيداغوجيا والديداكتيك والإبستمولوجيا وعلم التقييم وTICE ؟

الأستاذ الجامعي لا يزوره المتفقد والمعلم وأستاذ الثانوي يزورهما المتفقد. لماذا هذا التمييز ؟ هل  المعلم وأستاذ الثانوي أقل كفاءة ؟

المتفقد جاء ليكوّن المعلم وأستاذ الثانوي في البيداغوجيا والديداكتيك والإبستمولوجيا وعلم التقييم وTICE. هل هو مختص في هذه العلوم ؟

هل الزيارات المتباعدة للمتفقد (من سنة إلى 5 سنوات) تكفي لتوجيه المدرسين ؟ وهل الاجتماعات الدورية توفر تكوينًا أكاديميًّا للمدرّسين ؟

في فنلندا (من أفضل الأنظمة التربوية في العالَم) لا يوجد تفقد. وفي الشيلي، المتفقد يسكن في المدرسة الضعيفة ويتعاون مع أسرتها التربوية حتى تتحسن نتائجها.

لماذا لا نعوّض زيارات المتفقد الفوقية والجزائية (notes) بزيارات أفقية تكوينية غير جزائية متبادَلة بين المدرّس في قسمه والباحث التربوي في مخبره ؟

أربعة نماذج للتفقد البيداغوجي في مختلف الأنظمة التربوية في العالم ؟ ترجمة المؤلف محمد كشكار

 

Source : Conférence d’Anton DE GRAUWE, spécialiste des programmes, Institut International de la planification de l’éducation, UNESCO.

1.  نموذج التفقد الكلاسيكي

-       يُعدّ النموذج الأكثر شعبية في بعض الدول الفرنكوفونية مثل فرنسا وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان وفيتنام والسنغال وتنزانيا والمكسيك، وفي بعض الدول الأنڤلوفونية أيضًا.

-       المدرّس هو متعاقد مع الوزارة، من حقها إذن مراقبته عن طريق المتفقد.

-       تعتمد الوزارة في مراقبتها للمدرّسين على تقرير المتفقد وعلى نتائج التلامذة.

-        لا تُعِير الوزارة اهتماما كبيرا للتقييم الذاتي في المدرسة ويبقى المتفقد يمثل لديها الأداة الأساسية للمراقبة.

-       يتمتع سلك التفقد بنوع من الاستقلالية عن الإدارات الأخرى في الوزارة.

-       يتمتع مدير المؤسسة التربوية بحق تفقد المدرّس.

ما هي نقاط القوة في نموذج التفقد الكلاسيكي ؟

-       يُغطّي التفقد جميع مدارس البلاد فهو موحّدٌ ثقافي للشعب وحارس على نشر الثقافة الوطنية في كل أرجاء الوطن.

-       يوفّر التفقد دعمًا للمدرّسين ويفرض عليهم مراقبة.

ما هي نقاط الضعف في نموذج التفقد الكلاسيكي ؟

-       بيروقراطية  مُكلِفة لأن التفقد يشمل كل المدارس: قال مدير إعدادية نلسن مانديلا في فنلندا عندما سُئِلَ: لماذا تكون تكلفة التلميذ الفنلندي أقل من تكلفة التلميذ الفرنسي رغم أنكم لا تأخذون مقابلاً للتسجيل والدراسة وتوفّرون وجبة غذائية مجانية بالمدرسة وتتكفّلون بمصاريف نقل التلاميذ من البيت إلى المدرسة ؟ أجاب: لأننا ألغينا سلك التفقد واستفدنا من الميزانية التي كانت مخصصةً له.

-       بيروقراطية ثقيلة لأن عدد المتفقدين لا يكفي فتكون زياراتهم للمدرّسين متباعدة زمنيا (مواطن العالَم: زارني المتفقد 6 مرات خلال 30 سنة تدريس في تونس).

-       تنسيق معقّد بين الولايات والمعتمديات وبين المتفقدين أنفسهم وبين المدرّسين المستفيدين من عملية التفقد.

-       تناقُض بين المهمة الكبيرة والواعدة للتفقد وبين الإمكانات المحدودة والمتواضعة المتوفّرة خاصة في البلدان النامية حيث تَوَسَّعَ التعليم ولم تَتبَعه نهضة اقتصادية (مواطن العالَم: مثل ما هو الحال في تونس). يَنتج عن هذه الزيادة السريعة في عدد المدرّسين، نقصٌ في عدد المتفقدين المخصصين لتفقدهم. لذلك يستوجب هذا الوضع التربوي الجديد مراجعات وإصلاحات جذرية.

-        صراع حول الأدوار: صراع بين دور المتفقد كمراقب إداري ودوره كمرشد بيداغوجي  جاء ليدعم المدرّس في أداء عمله مما يجعل النجاح في المهمتين صعبًا جدا أو شبه مستحيل. لو تقمّص المتفقد دور المراقب فالأستاذ لن يثق فيه ولن يتكلم عن المصاعب الحقيقية التي تعترضه يوميا ولن يبوح له بنقاط ضعفه خوفا من تقييمه ومحاسبته. ولو تقمّص المتفقد دور المرشد البيداغوجي فهو في هذه الحالة  لن يقوم بدور المراقب للمدرّس. يبدو لي أنه من الأفضل أن يتخلّى المتفقد عن دور المراقبة ويلتفت لدور الدعم. في هذه الحالة الأخيرة، يجب أن لا تحتكر الإدارة دور مراقبة نفسها بنفسها لذلك وجب خلق جهاز مراقبة مستقل نوعا ما عن الإدارة وهذا سيحيلنا على الجزء الثاني من هذه المحاضرة وهو نموذج التفقد المركزي.

 

2.  نموذج التفقد المركزي

-       يُطبّق هذا النموذج في بريطانيا وفي بعض الدول الأنڤلوفونية.

-       يتكون فريق التفقد من 12 متفقدًا. تُراقَب المدرسة كل ثلاث سنوات. يتفقد الفريق التجهيزات وطرق التعليم والنتائج وغيرها، ثم يبعثون بتقريرهم إلى الوزارة، وفي نفس الوقت ينشرونه على النت دون ذكر أسماء المدرّسين  المعنيين ويُرتِّبها حسب نتائجها. قد يخلق هذا التمشي منافسةً بين المدارس مما قد ينتج عنه تحسينُ النظام التربوي في بعض المدارس المتفوقة نسبيا أو ينتج عنه أيضًا غلق بعض المدارس الفاشلة لأن الأولياء سيختارون المدرسة الأكثر تفوّقا.

-       ما دام الأولياء هم الذين يموّلون المؤسسات العمومية فمن حقهم معرفة مصير تمويلاتهم.

-       يُطلَب من المدرسة تقديم تقييمٍ ذاتي قبل مجيء الفريق بشهرين لذلك تقوم المدرسة المقصودة بـ"بروفة" تقيّم فيها نقاطَ قوتها لعرضها وإبرازها ونقاط ضعفها لتحسينها.

-       بعد نشر التقرير على النت، قد تَكتسب المدرسة المتفوّقة سمعة طيبة لدى الأولياء ويزداد  مدرّسوها ثقة بالنفس، أما المدارس الأقل تفوّقا، فهي مطالبةٌ بإعداد خطة للدعم والعلاج حسب توجيهات الفريق: مثلا، المدرسة المعنية تشتكي من مشكل العلاقات مع الأولياء قبل التفقد لكن الفريق اكتشف فيها خللا في تدريس الرياضيات، فعليها إذن الإسراع بإصلاح خلل الرياضيات قبل مشكل الأولياء تماشيا مع توصيات الفريق الموافقة لتعليمات الوزارة.

-       يتمتع سلك التفقد ببعض الاستقلالية في إصدار قراراته.

-       يَحتكر الجهاز المركزي للتفقد مهمة التفقد في الوطن فلا وجود إذن لمتفقدين على المستوى الجهوي ولا المحلي.

-       تتمتع المدارس بنوع من التسيير الذاتي مع ميزانية خاصة لتمويل مشاريعها التكوينية لإطاراتها الخاصة كتكليف جامعة أو شركة تكوين خاصة للقيام بهذه المهمة.

ما هي نقاط القوة في نموذج التفقد المركزي ؟

-       توزيع المهام الواضح: تقتصر مهمة فريق التفقد على المراقبة فقط ويترك مهمة الدعم والعلاج للمدرسة نفسها. ولو اجتمع الدوْران في شخص واحد، فقد يفقدا نجاعتهما مثل ما هو جاري به العمل في النموذج الكلاسيكي الأول المطبق في تونس.

-       التخفيف من ثقل البيروقراطية: يمتاز هذا النموذج بأقل عدد من المتفقدين لأن فريق التفقد مجمّع في وحدة مركزية تراقب كل مدارس القطر.

-       يحمّل هذا النموذج كل مدرسة مسؤولية إيجاد حلول ملائمة لمشاكلها.

ما هي نقاط الضعف في نموذج التفقد المركزي ؟  

-       تعاني المدارس الضعيفة من غياب الدعم المقدم لها: مثلا مدرسة لا تتمتع بمساندة الأولياء لأنهم مهاجرون جدد مثلا ولا يعرفون اللغة أو أن مدرسيها يرغبون في مغادرتها لضعف نتائجها لذلك يصعب على هذه المدرسة اختيار وتطبيق الحلول الناجعة لتخطي أزمتها وتحسين النظام التربوي داخلها. وتحتاج هذه المدرسة إذن لدعم خارجي يقود خطاها إلى شاطئ السلام. أضِف إلى هذه المشاكل ما يترتب عن الرتبة السيئة التي تحصلت عليها المدرسة بعد التفقد فقد تُخفَّض ميزانيتها لضعف مساندة محيطها وقد تهجرها الأدمغة التلمذية بحثا عن مدارس أفضل.

-       يَنتج عن هذا النموذج من التفقد المركزي كثير من التوتر المسلط على المدرسة وعلى مديرها. يأتي هذا التوتر من الشعور بالنقص أو من الوعي بانعدام الإمكانات للخروج من المأزق في بعض المدارس المحرومة.

-       قد يساهم هذا النموذج من التفقد المركزي بصفة سلبية في تحديد مستقبل المدارس الضعيفة مما قد يخلق فروقا كبيرة بين المدارس المتفوقة والأقل تفوقا. وقد يخدم هذا النموذج المدارس المتفوقة على حساب المدارس الضعيفة. فيجلب للأولى عددا وافرا من التلامذة المتفوقين مما يجعلها في وضعية مريحة جدا تمكّنها من اختيار الأفضل وتحصل على تلامذة متجانسين مما قد يحسّن نتائجها بصفة سريعة وملحوظة. وفي المقابل، تتفاقم مشاكل المدارس الضعيفة وتتراكم لأن هذا النموذج من التفقد المركزي يكشف لها عيوبها ولا يساعدها على تخطّيها.

 

3.  نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة المراقبة عن بعد والدعم والعلاج عن قرب

-       يُطبق في الشيلي بعد رحيل "بينوشيه" لأن الدولة الجديدة تبحث عن شرعية في الحكم من خلال اعتماد خطة  لإلغاء الفوارق الجهوية في التنمية. ويُطبق أيضا في بعض مقاطعات سويسرا وفي بعض البلدان النامية كـ"سيرلنكا" مثلا بمساعدة بعض المنظمات غير الحكومية.

-        هذا النموذجُ يَنتقِدُ النموذجَ الأول والثاني: كل مدرسة تُمثلُ حالة فريدة من نوعها وعلى نظام التفقد عن قرب أن لا يعامل كل المدارس بنفس الكيفية مثلما هو جارٍ به العمل في نموذجَي التفقد الكلاسيكي والتفقد المركزي.

-       يعتمد هذا النموذج على المراقبة عن بعد والدعم والعلاج عن قرب. يتركَ المدارسَ المتفوقةَ نسبيا تتصرف بحرية واستقلالية وتسيير ذاتي. هذا النموذج يهتم خاصة بالمدارس الأكثر ضعفا والتي تعاني من مشاكل وتحتاج إلى دعم.

-       اختار نظام التفقد في الشيلي 900 مدرسة ضعيفة -حسب نتائجها- من بين 9000 مدرسة موجودة في البلاد وقرر مساعدتها ودعمها للنهوض برسالتها التربوية على أحسن وجه ممكن.

-       لم يَعُد يُسمَّى القائم بمهمة التفقد متفقدا بل يُسمَّى "مشرفًا تقنيًّا بيداغوجيًّا".

-       يتكفل كل مشرفٍ بمدرستين أو ثلاث مدارس فقط. لا يقتصر دوره على المراقبة فقط مثل متفقد النموذج المركزي بل يقوم بالعمل مع إطارات المدرسة في ورشات على مدى ثلاث سنوات لتحسين النظام التربوي داخلها. مهمة المشرف ليست بسيطة بل معقدة وهي توفر حلولا أكثر من أن تخلق مشاكل. يقوم المشرف بدوره كممثل للإدارة المركزية وفي الوقت نفسه كمرافق للمدرِّسين، يشرّكهم في تحمّل المسؤولية التربوية ويحثهم على الاجتهاد لإيجاد حلولٍ بأنفسهم، حلول تكون ملائمة لهم ولمدرستهم. ويتكون فريق العمل من المشرف والمدرّسين والمدير الذي يرأس الفريقَ وله الحق في تفقد المدرّسين العاملين في مدرسته.

-       يتكون سلك التفقد في الشيلي من نواةٍ مركزيةٍ قليلةِ العددِ، مركبةٍ من خمسة أو ستة مشرفين تقنيين بيداغوجيين وهم الذين يحددون سياسة نظام التفقد، ومن جهازٍ جهويٍّ يتكفل بتكوين المشرفين التقنيين البيداغوجيين المحليين، ومن جهازٍ قريبٍ من المدارس حيث يوجد العدد الأكبر من المشرفين التقنيين البيداغوجيين.

-       قللَ النظام التربوي في الشيلي من عدد المدارس المحتاجة حتى يستطيع توفير مشرف تقني بيداغوجي عن قرب لكل مدرستين أو ثلاث مدارس  ضعيفة.

-       لا يهتم المشرف التقني البيداغوجي بالمسائل المالية الخاصة بالمدرسة لكي يتفرغ لمهمة الدعم والعلاج.

ما هي نقاط القوة في نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب ؟

-       نظامُ تفقدٍ هرميٍّ حيث يوجد عددٌ قليلٌ من المشرفين التقنيين البيداغوجيين في القمة، والعدد الأكبر من المشرفين يتواجد في القاعدة قرب المدارس، يعني في المكان المناسب الذي نحتاجهم فيه. فهي بيروقراطية قليلة ورجالُ ميدانٍ كُثرٌ.

-       طاقم عمل قادر على تقديم خدمة مرنة للمدرسة والمجتمع، يركّز على المدارس الأكثر ضعفا من غيرها.

-       هذا النموذج من التفقد تخلّصَ من عِبءِ التفقد الإداري وركّز على الدعم والعلاج عن قرب للمدارس الضعيفة.

ما هي نقاط الضعف في نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب ؟

-       هذا النموذج لا يشمل كل المدارس في البلاد.

-       عند تطبيق هذا النموذج، تتحسن المدرسة ببطء شديد.

-       يتطلب هذا النموذج قاعدة بيانات رقمية مفصلة جدا قد لا تكون متوفرة في البلدان النامية.

-       يتطلب تغييرا جذريا في ثقافة التفقد: لماذا لا نطلب من المتفقد تغيير مقاربته الذاتية فرديا حتى نحرره من سيطرة جهاز تفقد يعتمد على المقاربة القديمة. مقاربةٌ تنظر بنفس العين إلى كل المدارس، وكأنها متساوية، وهي في الواقع متفاوتة حتى في بلدان النموذج الكلاسيكي والمركزي المتقدمة كفرنسا أو النامية كتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان.

-       من حسن حظ الشيلي أين يُطبق هذا النموذج أن عددَ مدارسها الضعيفة قليلٌ نسبيا، لذلك قد يَصعب تطبيق هذا النموذج في جل البلدان النامية حيث تحتاج 90 في المائة من مدارسها للدعم والعلاج عن قرب. لكن يبقى دائما من الأفضل أن نقدّم الدعم والعلاج عن قرب بصفة جدية لثلاث مدارس ضعيفة فقط عوض أن نقدمه بصفة سطحية لـ25 مدرسة ضعيفة.

-       المدرسة، التي تمتعت بمساعدة المشرف لمدة ثلاث سنوات فقط، قد تنتكس بعد مدة قصيرة وتعود من جديد لمجابهة مشاكل جديدة، لذلك يفكر المشرفون على هذا النموذج في الشيلي في تمديد مدة الإشراف على المدرسة والدعم عن قرب إلى خمس سنوات عوض ثلاث فقط.

-       استعانت الوزارة في هذا البرنامج  بالمتفقدين القدامى الذين عملوا في فترة حكم "بينوشيه" بعد ما أقنعتهم بالمقاربة الجديدة وهي مقاربةُ الدعم والعلاج عن قرب عوض التفقد الكلاسيكي المعمول به قبل 1990 أي في عهد "بينوشيه".

 

4.  النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي والمراقبة الإدارية

-       في سنة 1991، قرّر الفنلنديون إلغاء العمل نهائيا بنظام التفقد بنماذجه الثلاثة السابقة (أحيّيهم وأشدّ على أياديهم بصدق وإخلاص وسوف يأتي يوم -في تونس- نلتحق بركبهم رغم مقاومة المحافظين الجدد والمتكلسين فكريا وعلميا والمحنطين من سياسيين وصانعي برامج ومتفقدين وأساتذة).

-       يمتاز التعليم الفنلندي بمدرّسين أكفاء. لا يدرّس في الثانوي ولا في الابتدائي، إلا حامل شهادة جامعية تساوي الماجستير في الاختصاص. يتمتع المدرس في فنلندا بوضع مميّز بين الموظفين الآخرين (ليس في المرتب فقط) والدليل أنه في استفتاء لدى الشباب حول أفضل مهنة ترغب في ممارستها بعد التخرج، كان الجواب بأكثرية ساحقة: "مهنة التدريس".

-       يتجمع الأولياء ويكوّنون جمعيات مساندة لمدرستهم التي تُشغّل أولا أولاد منطقتهم وكلّهم يعتبرون المدرسة ملكهم الشخصي ويحافظون عليها كما يحافظون على منازلهم وممتلكاتهم الخاصة.

-       يراقب المدرسون أنفسَهم بأنفسِهم وقد تتدخل لجنة المدرسة المتكونة من المدير والأولياء والمدرسين بالمراقبة الإدارية وتوجه مثلا، لومًا لأستاذ كثير التغيّب عن العمل.

-       تتمتع فنلندا بشعب متجانس الثقافة والتراث والدين والعرق ولا توجد فيه أقليات ذات تأثير محسوس. لذلك لا يحتاج إلى جهاز تفقد يكون من أبرز مهامه التوحيد بين الثقافات المختلفة في  الجهات والبلديات في جميع أرجاء الوطن فهي موحدة بطبيعة سكانها المتجانسين (نحن أيضًا في تونس شعبٌ متجانسٌ).

-       تتمتع المدرسة الفنلندية باستقلالية في التسيير والدعم والعلاج والمراقبة الإدارية والبيداغوجية،  وتُطبِّق نظاما تربويا متكاملا ومستقلا لكنه بطبيعته متجانسٌ مع ما يقع في المدارس الوطنية الأخرى ومع شعب فنلندا المتجانس ثقافيا.

-       توجد مراقبة مركزية عن بعد لكن لا تتدخل إلا عند اللزوم في شؤون أي مدرسة في القطر.

ما هي نقاط القوة في النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي والمراقبة الإدارية ؟

-       تحميل المسؤولية للأولياء والمدرسين في تسيير مدرستهم. ويرتكز هذا التحسيس بالمسؤولية  على فكرة أن التغيير لا يأتي إلا من الداخل (قرآن: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم"، أنشد المعذرة من المليار ونصف مسلم المحترمين وأنسج على منوال الآية لغويا وليس عقائديا ما يلي: "إن التفقد البيداغوجي لا يغيّر ما بمدرسة حتى يغيّر مدرّسوها ما بأنفسهم").

-       يمتاز هذا النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي بغياب البيروقراطية.

ما هي نقاط الضعف في النموذج الخالي من التفقد البيداغوجي والمراقبة الإدارية ؟

-       يتسبب هذا النموذج في مزيد من التوتر المسلط على المدارس الأقل تفوقا. قد تتمتع بمزايا هذا النموذج المدارس المتفوقة على حساب المدارس الأقل تفوقا رغم ندرتها في فنلندا.

-       لو استوردنا هذا النموذج في البلدان النامية فلن يُكتب له النجاح وذلك لتدهور المستوى العلمي والبيداغوجي والتعلّمي للمدرسين والمتفقدين وواضعي البرامج والساهرين على السياسة التربوية، ولانعدام الوعي التربوي الداعم للمدرسة عند جل الأولياء والمتمثل في استعدادهم مجانيا للإحساس بالخوف والرهبة من تعقيدات  النظام التربوي وسلطته الأدبية المُضخمَة قصدا من الوزارة والمدير والمدرسين (أخص بالذكر تُجار العلم ومحتكري المعرفة، المدرسون "مقاولو" الدروس الخصوصية الذين لا يحترمون ضوابط الدروس الخصوصية ومنها توفير مكان مناسب للتعلّم وليس "ڤاراجًا" ضيقًا وغير صحي).

-       لو أوكلنا للمدرسة جانبا كبيرا من التسيير الذاتي في بلدان ذات شعوب غير متجانسة ثقافيا فقد لا تصل نفس الرسالة الثقافية الوطنية الموحِّدة والمجمِّعة لكل التلامذة ولهذا السبب بالذات نجح هذا النموذج أيما نجاح في فنلندا دون غيرها من البلدان غير المتجانسة ثقافيا.

 

خاتمة المؤلف محمد كشكار

-       أستشرف سؤالا، قد يخطر على بال القارئ: هل نستطيع تفضيل نموذج على نموذج آخر من بين الأربعة نماذج المذكورة آنفًا ؟

-       الجواب: هي أمثلة متعددة لواقع متنوع في العالم وكل نموذج منها يتعرّض إلى مصاعب وقد يتأقلم مع بلاد أكثر من بلاد أخرى.

-       السؤال الآخر المهم: ما هي العوامل التي قد تؤثّر على نجاح أي نموذج من هذه النماذج الأربعة المطروحة سابقًا ؟

-       الجواب: 5 عوامل:

1.  إمكانات البلاد المعنية: نأخذ مثلا بلدان العالم الثالث: حتى ولو أرادت تبنّي برنامج طموح فلن تقدر على تطبيقه لقلة مواردها المادية والبشرية.

2.  المستوي العلمي والبيداغوجي والتعلّمي ومِهَنية المدرسين.

3.  نقص الاهتمام بالشأن التربوي وعدم إعطائه الأولوية عند الأولياء والرأي العام في البلاد.

4.  لم نتدرّب على التسيير الذاتي داخل المدرسة.

5.  مستوى وطبيعة الفروقات الاجتماعية والثقافية في بعض البلدان (المفروض أن واجبَ كل سلطة سياسية سوية يتمثل في السعى إلى تخطي هذه العوائق الحضارية والتاريخية).

 

 


 

واجب تغيير نموذج التفقد البيداغوجي الحالي في تونس

 

في تونس، عندنا حوالي 6000 مؤسسة تربوية (مدارس وإعداديات وثانويات) وعندنا حوالي 600 متفقدًا. فلماذا لا نفعلُ مثلما فعلت دولة الشيلي: أي نختارُ منها 600 مؤسسة تربوية الأقل حظًّا (عُشْرُ العدد الجملي تقريبًا الذي يعاني من ضعف النتائج في الامتحانات الوطنية أو من تَزايُدِ الانقطاع المبكّر أو من التغيّب المكثف للمدرسين والتلامذة، إلخ.)، ونُعيِّن لكل واحدة منها متفقدًا يسكن فيها، يتعاون يوميًّا مع إدارتها ومدرّسيها على تذليل الصعوبات اللوجستية وتجاوز العوائق التي تعترضهم، ولا يغادرها إلا بعد تحسّن نتائجها، حتى ولو تطلب الأمر تمديد إقامته فيها بعامٍ أو عامين.

بعض المتفقدين البيداغوجيين يُملون وصفات جاهزة على المدرّسين الطيعين (recettes et standardisation) فيسلبونهم مَلكة التجديد وحرية المبادرة  !

 

ملاحظة هامّة:

يبدو لي جُلّ متفقدينا لا يملكون شهادة جامعية في البيداغوجيا ولا في الديداكتيك (ماجستير أو دكتورا والاسثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها)، وليسوا مبرّزين في اختصاصهم، ورغم ذلك يكوّنون المدرّسين ويقيّمونهم.

في الاجتماعات البيداغوجية، جُلّ متفقدينا يقدّمون محاضرات في غير اختصاصهم: إبستمولوجيا، ديداكتيك، علم نفس، علم التقييم، علوم التواصل، إلخ. كان الأجدر بهم أن يستقدموا مختصين في هذه العلوم من التعليم الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي أو الجامعي.

متفقدونا يتخرّجون من المركز الدولي لتكوين المكونين والتجديد البيداغوجي في قرطاج (CIFFIP ) بعد عام واحد من التكوين في علوم التربية. تكوينٌ غيرُ كافٍ.

أطالب بتعويض زيارات المتفقد بزيارات متبادلة بين المدرّس في قسمه والباحث التربوي في مخبره، أي مراوحة وتَفاعُل بين النظري والتطبيقي.

واجب تغيير نموذج الاجتماعات البيداغوجية مع المتفقد

 

يبدو لي أن المدرّسين لا يستفيدون معرفيًّا من الاجتماعات البيداغوجية مع المتفقد في مراكز التكوين الجهوية (CREFOC). لماذا ؟

لأن المتفقد عادةً ما يحاضر في كل الاختصاصات (البيداغوجيا، الديداكتيك، الإبستمولوجيا، تاريخ العلوم، المنهجية، علم نفس الطفل، علم التقييم، علوم التواصل، إلخ) وهو في الواقع ليس مختصًّا في أي علمٍ من هذه العلوم. ما ضرَّ لو استدعى في كل حصة قمةً من القِمم الجامعية وترك لها مهمة تكوين المكونين، واحترم نفسَه واكتفى بمهة التنسيق، وعاش مَن عَرَفَ قدرَه ووقفَ عندَه.

المتفقدون البيداغوجيون ليسوا منظرين في علوم التربية. هم (des techniciens) وليس لهم أي شهادة في الاختصاص إلا بعض الاستثناءات.

صديقي بلـﭬاسم عمامي، متفقّد ديداكتيكي، قال في مجلة المرصد، العدد الأول، 2018:

-       قلة من المتفقدين يأتون محمّلين للتفقّد بـ"مشروع" تربوي أو إنساني لفلسفة التربية ولأدوار المدرسة في الرقيّ بالمجتمع.

-       لا يزال في تصور الإدارة أن دور التفقد البيداغوجي هو "ضبط" جمهور المدرّسين بما يعطيه له القانون من صلاحيات تتوجه أساسا للجانب الردعي.

-       المدرس عادةً ما يرى في المتفقد "مفتشا وعينا رقيبة عليه" لذلك يعيش حالتين متناقضتين في تعامله مع موعد الزيارة.

-       سؤال: "ما الذي دفعك إلى سلك التفقد ؟" جواب: "الخروج من القسم، قيمة اعتبارية، مسؤولية، حرية في العمل، التخلص من غطرسة المتفقدين، ممارسة السلطة".

-       التفقد البيداغوجي خطة تم التخلي عنها في الأنظمة التربوية السيادية في دول راهنت على الثروة البشرية (مثل فنلندا).

-       سوف يتخذ المتفقد أدوارا جديدة تحرره من "واجب الرقابة والتقييم" ليحتل فضاءات أكثر جدوى من خلال التجديد والتكوين والبحوث والإسناد.

 

وأنا أقول:

أتمني أن يُحذف سلك التفقد البيداغوجي تدريجيا، ويُعوَّض بزيارات متبادلة بين مدرّسين وباحثين في علوم التربية: تَفاعُل بين التنظير والتطبيق. المفارقة أن لي بينهم أصدقاء وقبل تخصصي في الديداكتيك، كم تمنيت في شبابي أن أكون متفقدا لكن هذا لا يمنعني من نقد وظيفتهم والقول بأن عاما واحدا من التكوين النظري غيرُ كافٍ في عدّة اختصاصات تربوية في المركز الدولي لتكوين المكونين والتجديد البيداغوجي في قرطاج (CIFFIP ).

 


 

نشرتُ تدوينة ضد المتفقدين، تدوينة تبدو غير منطقية فردّ عليّ بعض المدافعين عنهم بتدوينة تبدو منطقية لكن رُبَّ عذرٍ قد يكون أقبحَ من ذنبٍ

 

التدوينة المعنية: "المتفقدون هم مصمّمو السياسة التربوية الحالية المتأزمة والمشرفون على تطبيقها. فكيف نكلّفهم بإيجاد حلول لأزمة هم أول من تسبّب فيها ؟".

ردُّ المدافعين عن المتفقدين: "هم منفذون مأمورون للسياسة التربوية الحالية المتأزمة وليسوا مصمّمين لها".

ردُّ مواطن العالَم على ردّ المدافعين عن المتفقدين:

أولا، عادة ما يكون المنفذ أقل شأنًا من المصمّم. يبدو لي أنني قد رفعتُ من شأنهم عندما نعتّهم بالمصممين لكن يبدو أنهم مصرّين على التقليل من شأنهم عندما يقولون بأنفسهم على أنفسهم أنهم منفذون وليسوا مصممين لذلك قلتُ في العنوان "رُبَّ عذرٍ قد يكون أقبحَ من ذنبٍ".

ثانيًا،

Empr. au gr. paedagogus  « le pédagogue est l’esclave chargé de conduire les enfants à l'école ». (Google)

قياسًا على تعريفهم لأنفسهم كـ"منفذين للسياسة التربوية الحالية المتأزمة وليسوا مصمّمين لها" وقياسًا على الأصل اللغوي الإغريقي لكلمة "بيداغوجي" (étymologie)، أغيّر فحوى تدوينتي السابقة وأقول عن المتفقد البيداغوجي التونسي ما يلي:

المتفقد البيداغوجي التونسي هو عبارة عن عبد (esclave)، عبد على ذمّة وزارة التربية مكلّف من جنابها بإقناع المدرّس بجدوى سياستها التربوية الحالية المتأزمة ويا لخيبة الدور المناط بعهدته. يوجد في السلك استثناءات من المتفقدين المقاومين لهذه السياسة وخاصة لدى الديداكتيين منهم لكن الاستثناء للأسف يؤكد القاعدة ولا ينفيها. لو كنتُ مكانه لَـقدّمتُ استقالتي فورًا وقد فعلتُها مرتين، ثلاثة أيام فقط إثر تعييني مدير إعدادية، مرة قبل الثورة ومرة بعد الثورة.

 


 

 

 

 

 

 

13

حول فلسفة الديداكتيك وعلم البيداغوجيا

الديداكتيك (اختصاصي) ليست البيداغوجيا:

البيداغوجي سائق يقود التلميذ إلى المعرفة أما الديداكتيكي فيعلم التلميذ فن بناء معرفته بنفسه.

البيداغوجيا تبحث في علاقة المدرّس بالتلميذ والديداكتيك تبحث في علاقة الطفل بالمعرفة، تأتيه من مدرّسيه أو والديه أو أقرانه أو إمامه أو عَرْفه.

 

 


 

نقد علم البيداغوجيا

 

سَيِّدُ العصر (رأس المال) استعان بالبيداغوجيا ليجعل منا كلنا بروليتاريا العصر (مدرس، طبيب، مهندس)، نعمل ونفكر كما يشاء هو لا كما نشاء نحن !

واهمٌ أو غافلٌ مَن ينتظر أن يعلمه مدرّسه الخصال التالية: التضامن، الشجاعة، الإصداع بالحق، الكرم، الاعتزاز بالنفس، نكران الذات، الصدق، عمل الخير، التعفف وهو ناسٍ أو متناسٍ أن الشجاعة لا تُورَّث ولا تُدرَّس بل تُكتسَب ! المدرّس لا يحب في التلميذ إلا التمثال الذي صنعته بيداغوجيته الرسمية وينزعج جدًّا من التمثال الذي يصنعه التلميذ لنفسه وبنفسه. المدرّس صنع تمثالا لتلميذ نجيب مطيع وكسر تمثالا لتلميذ تواق للمبادرة الحرة ! اليوم لم تعد البيداغوجيا تلعب الدور التي كانت تلعبه بالأمس، اصطحاب التلميذ إلى مدارج المعرفة، بل أصبحت تقنية تحكُّم في أيدي الرأسماليين ! عصا المعلم الخشبية مُنِعَتْ في التعليم فعوضتها البيداغوجيا بعصا التقييم الجزائي والإشهادي(les notes et les diplômes)   وهي عصًا أشد إيذاءً للتلميذ من الخشبية ! البيداغوجيا لا تعترف بنظرية التعقيد (la complexité)  وتقسّم المجتمع إلى معلم ومتعلم وإلى ذكي وغبي متجاهلة حقيقة أن الذكاء لا يُصنَّف !! البيداغوجيا، مثلها كمثل التكاثر اللاجنسي، لاتنتج الجديد ولا تغير المجتمع إلى الأفضل: إنسانيا لا تنتج إلا نُسَخًا مطابقةً للأصل وكفاءات تقنية دون رسالة إنسانية ! المفارقة أن الأم -أفضل مربية لأولادها- لم تَدْرُسْ البيداغوجيا ولا الديداكتيك وربما نجحت بفضل عاطفتها وبفضل رغبة الابن في التعلم من أمه دون سواها ! مدرّس جاهل بالبيداغوجيا قد يكون أفضل من عالم بها لأنه ليس بارعا في آليات التحكم مما قد يفتح مجالا للمبادرة الحرة لدى التلميذ نفسه !

أفضَلُ تعريف لِـ"علم" البيداغوجيا:
ببّغاوات تُعلّمُ ببّغاوات كيف يُدرّسون لـببّغاوات،
ولذلك أصبحنا كلنا ببّغاوات ولا أستثني نفسي  

Pour en savoir plus, prière lire ma source d’inspiration, le livre de Roland GORI, La fabrique des imposteurs, BABEL, 2015 (308 pages, 8,7 euros).


 

ما الفرق بين البيداغوجيا والديداكتيك ؟

 

ما الفرق بين البيداغوجيا والديداكتيك ؟

الأولى بافلوفية (تدريب على التقليد) وبيهافيورية (جزاء/عقاب)، أما الثانية فبنائية جدلية نقدية (épistémologique). في الأولى، المدرس هو محور العملية التربوية، في الثانية، التلميذ هو محور العملية التربوية. الأولى تحث التلميذ على التأقلم مع مجتمعه، الثانية تحث التلميذ على نقد مجتمعه. الأولى مصنعٌ للمحافظينَ الممتثلينَ الملتزمينَ، الثانية مصنعٌ للناقدينَ المجددينَ. الأولى مسلك دراسي جامعي عام يدخله الحاصل على الباكلوريا، الثانية مرحلة ثالثة لا يدخلها إلا الحاصل على الإجازة في اختصاصه.

البيداغوجي هو بمثابة طبيب عام والديداكتيكي هو بمثابة طبيب مختص.

مهمة الديداكتيكي الأساسية تتمثل في اقتفاء أثر التصورات غير العلمية عند التلميذ، وهي اختصاصٌ قائم بذاته وعملية بناء مشترك للمعرفة، وهو غير مطالَب بتقديم وصفات جاهزة مثلما يفعلُ عادةً المتفقد.

الديداكتيك هدّامة أو لا تكون، هدمٌ من أجل البناء ولكنه هدمٌ وليس بناءً. لا وجود لـ"ديداكتيك بنّاءة"، وإلا أصبح ترميم من أجل تأبيد التصورات غير العلمية. هدمُ ماذا ؟ الديداكتيك تهدمُ التصورات غير العلمية، لكنها تتوقى الحذر في ذلك حتى لا تهدم التلميذ نفسه.

الديداكتيكي الناجح هو الذي يقدم معاول علمية للتلميذ ويقنعه بهدم تصوراته غير العلمية بنفسه وبناء مكانها تصوراته العلمية بنفسه أيضا.

 

الديداكتيكي الناجح الذي أتحدث عنه، ليس أنا بالتأكيد، بل هو أستاذ المستقبل، أستاذ الثانوي-الباحث. وما أحلام اليومِ إلا حقائقُ الغدِ.

 

"تلميذ-مدرّس-معرفة"، هو مثلثٌ مشترك بين البيداغوجيا والديداكتيك، لكن الأولى تركّز على "كيف الأستاذ يُعلم" والثانية تركّز على "كيف التلميذ يَتعلم".

 

البيداغوجيا، تُصنَّف في علوم التربية، والديداكتيك قَنطرةٌ بين علوم التربية وفلسفة التربية، وشتّانَ بين العالِم والعالِم الفيلسوف !

أرفض تصنيف الديداكتيك في علوم التربية. أصنفها في فلسفة التربية. البيداغوجيا علم والديداكتيك نقد العلم (Épistémologie de l’enseignement).

 

La didactique a failli s’appeler « épistémologie de l’enseignement ».

La didactique, comme la philosophie, ne sert à rien ou presque-rien, mais ce presque-rien est le tout en éducation.

تنبيه هام:

زملائي، رجاء لا تستهينوا بتنظير الديداكتيك فلا وجود لتطبيق جيد دون نظرية جيدة. طبقوا ما تقدرون عليه. "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها".

 

 

 

 


 

مقولات مأثورة في الديداكتيك بقلم أندري جيوردان، أستاذي وصديقي عالِم البيداغوجيا والديداكتيك. ترجمة مواطن العالَم

 

-  التلميذ يتعلم باستعمال تصوراته القديمة ويتعلم أيضًا من أجل هدم تصوراته القديمة. التلميذ يتعلم وحده لكن ليس بالضبط وحده.

 -  عددٌ غير قليلٍ من أخطاء التلامذة تتكرر وترجع ثلاث وأربع مرات حتى بعد تصحيحها من قِبل المدرس.

-  لو المدرس يتجاهل تصورات التلميذ غير العلمية، التلميذ بدوره يتجاهل معارف المدرس رغم علميتها وتبقى تصورات التلميذ الأولية مفصولة عن الدرس.

-  معرفة تصورات التلميذ قبل الدرس، غير العلمية أو العلمية، تُمكِّن المدرس من تكييف درسه لاحتياجات التلميذ وانتظاراته.

- ماذا يجب أن يفعل المدرس تجاه تصورات التلميذ غير العلمية ؟ يتجاهلها ؟ يتجنبها ؟ يبحث عنها ؟ يشتغل عليها ؟ يغيرها؟ يهدمها ؟

 -  النماذج التعلمية: التلقين، التقليد، السلوكية، البنائية، البنائية الاجتماعية، تفويض التدريس، هدم/بناء، الصمت، الدرس المعكوس (Jongler avec ces modèles).

-  نماذج بيداغوجية: بيداغوجيا المشروع، بيداغوجيا الخطأ، الجمع بين التخصصات، التعليم عبر المواضيع، البحث الميداني، التعلّم الذاتي، لعب أدوار  (Jeu de rôles) .

 -  التعلم عن طريق التلقين: تُنقَلُ المعرفة مباشرة من باثٍّ إلى متلقٍّ. حركة ميكانيكية بسيطة تقتصر على استقبال المعلومة وتسجيلها.

 - التعلم عن طريق التقليد: إعادة إنتاج نموذج سلوك مع الشرح أو دونه وضرورة العمل به ومعه  (faire avec)  مثل صانع الميكانيكي.

 - التعلم عن طريق المدرسة السلوكية: اختيار وتوضيب وضعيات تعلمية مناسبة. جزاء وعقاب. تجزئة عملية التعلم. المعرفة = مجموعة أجزاء.

-  التعلم عن طريق المدرسة البنائية: الانطلاق من احتياجات المتعلم واهتماماته. استقلالية، محاولة، حرية تعبير، إبداع، حوار، صراع معرفي اجتماعي بين التلميذ وأقرانه أو بين التلميذ ومدرّسه (CSC)، وصراع معرفي داخلي بين التلميذ ونفسه أي بين تصوراته غير العلمية الموروثة وبين تصوراته العلمية المكتسبة (CIC).

 - كيف نراقب عملية التعلم ؟ إجراء اختبار قبل الدرس وبعده. تحليل العوائق. دراسة مقارنة بين تلميذ وتلميذ، مدرس ومدرس، قسم وقسم، مستوى وآخر.

- المدرسة البنائية: 1. إيجابيات: تثير الاهتمام. تسمح بهضم الجديد. 2. سلبيات: لا تغير التصورات المتجذّرة. لا تغير القيم والسلوكات.

- ضرورات الإصلاح التربوي: تنويع المقاربات البيداغوجية. وضعيات تعلمية دالّة. التدريب على الملاحظة. تشجيع التعلم الذاتي والمتواصل.

- معلومات تحت معرفية  (infra-cognitif): أوزون، ثاني أوكسيد الكربون (bon ou mauvais). غذاء بيو، دواء ناجع (J’en prends plus).

- التلميذ يُقبل على التعلم لو رغب في ذلك ووثق في نفسه وفي مدرسه وفي مدرسته ونقدَ نفسه ووظف وألّف بين معارفه الجديدة والسابقة.

 


 

العقد البيداغوجي (Le contrat pédagogique)

 

هذا ما كنتُ أقوله لتلامذتي في الحصّة الأولى:

"العقد البيداغوجي" هو عقد ضمني يربط بين المدرّس وتلاميذه وهو عقد غير مكتوب ومسكوت عنه للأسف من جل مدرسي التعليم الابتدائي والثانوي والعالي وسأحاول شرح هذا العقد للتلامذة حتى يتبينوا حقوقهم من واجباتهم:

هنالك حقوق كفلها لكم القانون ولكنكم لا تتمتعون بها فعليا إما لِتقصير منكم أو بسبب تعسف صادر من غيركم وعليكم أيضا بعض الواجبات.

لن أستعمل قانون العقوبات المدرسية التأديبية مهما فعلتم حتى وإن وصل الأمر لا قدّر الله إلي التعرض لي في الشارع رغم إيماني الراسخ بأن انعدام الانضباط في المعهد قد يمثل صورة من صور إهمال تربية التلميذ.

يُسند واحد علي عشرين لكل مَن يُضبط في محاولة أو عملية غش في الامتحان لأن التلميذ الغشاش قد يتفوق علي زملائه دون وجه حق لو أسنِد له عدد مرتفع لا يدل على مستواه العلمي الحقيقي وقد يعلمه هذا السلوك غير التربوي الكسلَ والاعتماد على الحيلة لتحقيق النجاح. ولن أحيله على مجلس التربية لكي لا يُعاقَب على جرم دفعته إليه الظروف المحيطة على ارتكابه مثل الضغوطات الخارجة عن نطاقه كاكتظاظ القسم أو كثافة البرنامج أو عدم ملاءمته لاهتمامات التلميذ.

سأقترح عليكم بعض الأدوات المدرسية وأترك لكم حرية اختيار النوعية الغالية منها أو المتواضعة حسب إمكانياتكم المادية.

أرى أن من حق التلميذ المطالبة بمقياس الإصلاح في بداية الامتحان حتى يستفيد منه أثناء الإجابة على الأسئلة وعند إصلاحها بعد الفرض.


واجب الاستعانة بكل الطرق البيداغوجية في التدريس (Il faut jongler avec les modèles d’apprentissage)

 

أذكّر ببعض الطرق البيداغوجية:

-       طريقة التعليم التقليدي (la scolastique): هو التعليم الذي يعتمد على التلقين مثل التعليم الزيتوني الذي ساد في جامع الزيتونة قبل تأسيس التعليم الحديث في مدرسة الصادقية سنة 1875.

-       طريقة التقليد في تعلّم الحِرف في ورشات الحِرفيين (l’imitation).

-       طريقة المحاضرة في التعليم العالي (le cours magistral).

-       طريقة السلوكية (le béhaviorisme de Watson et Skinner):  التلميذ يجازَى إذا أصاب ويُعاقَب إذا أخطأ. الأستاذ يتعامل مع التلميذ كما يتعامل عالم النفس مع الفأر، يضعه في متاهة (labyrinthe) فيها مخرج واحد.

-       طريقة البنائية الذاتية (le constructivisme de Piaget) :  التلميذ يبني معرفته بنفسه.

-       طريقة البنائية-الاجتماعية (le socio-constructivisme de Montessori & Vygotski) :  التلميذ يبني معرفته بنفسه وبمساعدة أقرانه ومدرّسه.

-       طريقة الهدم والبناء في آن (la déconstruction/construction de Giordan): التلميذ يبني معرفته الجديدة على أنقاض معرفته القديمة.

-       طريقة التفويض (la dévolution) :  الأستاذ يَعُدُّ درسه، يتخلي عن التدريس في القسم ويوكل مهمة التعلم إلى التلميذ الذي يصنع معرفته بنفسه ولا يتدخل إلا إذا سُئل.

 

-       طريقة التعلّم بواسطة الصمت: إنجاز دقيقة صمت في كل حصة وفي كل المستويات فالصمت يهذّب الذوق ويَصقل السمع ويعلّم الانضباط والاحترام (بيداغوجيا مونتيسوري 1870-1952).

 

خاتمة:

يجب على المدرّس أن لا يفضّل طريقة بيداغوجية على طريقة أخرى ويستعمل الطريقة الملائمة في الوضعية التعلّمية المناسبة.

Le pédagogue-didacticien André Giordan a dit : « Il faut jongler avec les modèles d’apprentissage ».


 

"المنطقة الوشيكة للنموّ" (ZPD)

 

ZPD : Zone Proximale de Développement cognitif ou Intelligence en puissance ou le potentiel d'un enfant à apprendre plus efficacement.

"المنطقة الوشيكة للنموّ" (ZPD) هي:

-       لتطوير النمو الذهني عند التلميذ، نستبق نموّهَ المستقبليَّ ونقدّم له أنشطة أعلى بقليل من مستواه الحاليّ (QI)، أنشطة تقع في "المنطقة الوشيكة للنموّ"، أي أنشطة غير مستحيلة الإنجاز خاصة بحضور أقرانه وتحت إشراف ومساعدة مدرّسيه.

 

-       كل ما يقدر الطفل على إنجازه اليوم، بمساعدة المدرسين وبحضور أقرانه، قد يستطيع تحقيقه بمفرده غدًا.

-       مستوى حل المشاكل الذهنيّة الذي يصل إليه الطفل بمفرده، يختلف عن مستوى حل المشاكل الذي قد يصل إليه مع أقرانه وتحت إشراف ومساعدة مدرّسيه.

-       نستطيع تحديد حالة النموّ الذهنيّ (الذكاء) عند الطفل بالاعتماد على مستوَين من النموّ الذهنيّ: "النموّ الذهنيّ الفعليّ" (أي الذكاء الحينيّQI ) و"المنطقة الوشيكة للنموّ الذهني" (أي الذكاء المحتمَل).

-       لو تركنا الطفل المتخلّف ذهنيّا وحده ودون رعاية تربويّة لَمَا وصل إلى أيّ شكل من أشكال التفكير المجرّد. التفكير ينبثق من التفاعل بين الجينات والمحيط.

-       لو أخذنا مثلا طفلا سليما يعيش في عزلة مع والدين "صم- بكم"، سيبقى هذا الطفل أصم-أبكم رغم تمتّعه بالملكات البيولوجية للنطق والسمع، ونتيجة لذلك لا تتطور في مخه الوظائف الذهنيّة العليا (الذكاء) المرتبطة بالكلام واللغة.

-       لو أخذنا في الاعتبار في التعليم مستوى "النموّ الذهنيّ الفعليّ" فقط (أي الذكاء الحينيّ QI) ، لَمَا اكتشف الطفل طاقاته الكامنة والممكنة مستقبلا (أي الذكاء المحتمل).

في الخلاصة، نصل الي الإستنتاج التالي : على التعليم الحديث أن يسبق الذكاء الحينيّ للطفل (QI)
ويوظف طريقة "المنطقة الوشيكة للنموّ" (ZPD) حتى يوقظ في الطفل استعداداته الكامنة للتعلم.


 

توظيفُ التصوّرات غير العلمية من أجل بناء تصورات علمية مكانها (Faire avec pour aller contre)

 

لتبليغ المعلومة للتلميذ ومساعدته على تقبلها يبدو لي أنه يكون من الأفضل أن نستعمل خطابًا غير إقصائي وغير جبهوي وغير صادم.

Un discours non frontal, un discours qui préconise de faire avec les conceptions non scientifiques pour aller contre ces mêmes conceptions et en même temps laisser le choix aux élèves d’auto-construire leurs  propres conceptions scientifiques.

 الخطاب الجبهوي (discours frontal)، خطابٌ ينفّر ولا يبشّر، علينا إذن استحضارُ التصورات غير العلمية وعدم إهمالها ثم استعمالها وتوظيفها بهدف تفنيدها علميا وتعويضها بتصورات علمية.

Avant d’enlever à quelqu’un ses béquilles sur lesquelles il s’appuie (ses conceptions non scientifiques), il faut lui fournir d’autres meilleures (des conceptions scientifiques).

التصورات غير العلمية ليست تصورات دائمًا خاطئة بما أنها قد تنفع الفرد أحيانًا مثل الاعتقاد في العلاح بالقرآن عند المسلمين (effet placebo).    

La thérapie coranique agit par effet placebo.          

تصورات التلميذ تنبثق من مثلث (KVP de Clément): المعارف التي يتلقاها في القسم (Knows: connaissances) والقِيم السائدة (Valeurs) والممارسات الاجتماعية المرجعية (Pratiques sociales de référence).

تصريحات العلماء لا تخلو من خلفية إيديولوجية أو انتهازية وقد تقف وراءها مصالحُ المخابر العلمية الكبرى وحتى بعض الدول المنتجة والمحتكِرة للعلم.

 


 

لماذا أفضِّلُ الخطابَ غير الصداميِّ على الخطابِ الصداميِّ ؟

 

أفضّلُ الخطاب التوافقيّ غير الصداميّ وغير العدوانيّ، أعتمده دائما في مقالاتي، إنتاجًا أو تأثيثًا، ليس تقية أو نفاقا ولا حتى مجاملة كما قد يتبادر إلى أذهان بعض القرّاء الصادقين النزهاء غير المتأدلجين، بل هو منهجية علمية تعلّمية درَستها في المرحلة الثالثة تعلمية البيولوجيا في جامعة كلود برنار بليون 1 فرنسا. هذه المنهجية العلمية البيداغوجية تتلخّصُ في تجنّب الخطاب الجبهوي الصادم العدواني (le discours frontal agressif)، أتجنبه لأنه خطابٌ عقيمٌ لا يوصل المعلومة سليمة من الباث إلى المتلقي. أفضّل اعتماد منهجية "توظيفُ التصوّرات غير العلمية (التصورات الموروثة والموجودة فعلا في كل المجالات وفي كل الإيديولوجيات) من أجل بناء تصورات علمية مكانها" (Faire avec pour aller contre)، إلا في المسألة الدينية، فالدينُ لا يقع تحت سلطان العلم، الإيمانُ نورٌ قذفه الله في القلب كما خَلُصَ إلى ذلك الفيلسوف القروسطي أبو حامد الغزالي، والإيمانُ أسمَى من العلم بكثيرٍ.

أفضِّلُ مرافقة المتلقي بأسلوب علمي بحت للوصول به ومعه إلى مرحلة البناء الذاتي-الاجتماعي لتصوراته العلمية ويتجاوز تصوراته غير العلمية بكل حرية ودون ضغط. هذه المنهجية تعتمد على نظرية "المدرسة البنائية" (Le constructivisme) للعالِم بياجي والتي طوّرها زميله فيڤوتسكي فأصبحت "المدرسة البنائية الاجتماعية" (Le socio-constructivisme).

خاتمة:

تصوّروا معي لو اعتمَدَ المدرّسون التونسيون مع تلامذتهم منهجية "توظيفُ التصوّرات غير العلمية من أجل بناء تصورات علمية مكانها" (Faire avec pour aller contre) عوض الخطاب الجبهوي الصادم العدواني (le discours frontal agressif)، لأنقذنا مئات الآلاف من التلامذة من ظاهرة الانقطاع المبكر بسبب خطابات صادمة ومنفّرة ومُحبِطة ومُهينة يوجهها بعض المدرّسين التونسيين عادةً لتلامذتهم الذين يعانون من صعوبات في التعلّم،  خطابات من نوع: "بهيم ومصطك"، "ما تفهم شيء"، "غالط على طول الخط"، إلخ.

 


 

بحوث جديدة في التربية العصبية ؟

(Neuroéducation, 2019)

 

من أهداف التعليم الحالية تقوية معدل الذكاء (QI) عند التلميذ من الابتدائي إلى العالي. الأفضل أن ندربه على التحكم فى النفس (contrôle de soi) وبلوغ "المنطقة الوشيكة للنموّ" (ZPD).

بينت الدراسات (neuroéducation) أن التدريب على التحكم فى النفس (contrôle de soi) في الصغر هو عامل مهم للنجاح في الدراسة والحياة، عاملٌ يأتي بعد المستوى الاقتصادي لعائلة التلميذ وقبل (QI). "85% من المهن الحالية لن نجدها بعد 20 عامًا" يجب أن ندرب أولادنا، لا على حفظ المعارف الحالية بل على اكتساب كفاءات التأقلم مع الجديد.

 

لمقاومة التفكير الأوتوماتيكي أقترحُ التمرينَين التالييَين:

اكتبْ على السبورة بالأحمر كلمة أزرق ثم اسأل ما لونها (التلميذ يفكر قبل أن يتكلم).

Une tablette et son étui coûtent 240 D. La tablette coûte 200 D de plus que l’étui. Combien coûte l’étui ?

 

Source : Conférence présentée par Grégoire Borst, chercheur en neuroéducation à l’Université de Montréal.

 

 

 

 

 

 

 

 

14

حول التعليم الافتراضي

 


 

المدرسة الافتراضية هي مستقبل التربية في العالَم. بقلم فيلسوف حمام الشط، حبيب بن حميدة (2016)

 

ثمة ظاهرة حضارية معاصرة أحدثت تغييرات جذرية داخل المؤسسات التربوية وخارجها، لقد خرج الشباب وحتى الأطفال عن حدود المدرسة إلى فضاءات جديدة بسبب الثورة الرقمية الافتراضية. إن هذا الخروج الجماعي التلقائي أدى إلى اتساع سريع لحركة التواصل والتعبير والانفتاح على الآخر ومنذ البدء كانت هذه الحركة كونية إذ ذابت فيها كل الفروقات العِرقية والجهوية والقومية والطبقية والجنسية والدينية والعُمرية لكنها تحوي معلومات (informations) لا معرفة (savoir). فيلسوفي المفضّل ميشال سار يحذرنا ويقول: "العالم الافتراضي يحوي معلومات لا معرفة، والدليل النصائح الطبية الافتراضية لا تغنيك عن زيارة الطبيب الذي يملك المعرفة.

وهكذا تحرر الجيل الصاعد وحتى الشيوخ من كل أشكال الهيمنة والقمع خاصة على مستوى التعبير والتفكير، فلم يعد بإمكان أي سلطة أن تحتكر لنفسها وسائل التواصل وأن تعيد أشكالا من الهيمنة واللامساواة في مجال الإعلام. إن سلسلة اللذائذ التي تتمتع بها هذه الشريحة المستفيدة من الثورة الرقمية تفسر تحمسها للتحرر من سجن المدرسة.

إن انتشار التكنولوجيا الرقمية يؤسس لمرحلة انتقالية بدأت تضفي على شبابنا المدرسي خصائص نفسية قد تجعل منه جيلا نموذجيا، جيل متمرد على بعض التقاليد البالية المُقيدة للحرية. إننا أمام حدث تاريخي، أمام ولادة إنسان جديد يمتلك وسائل إنتاج الإعلام وآلياته، وسائل قد تحقق له استقلالية سوف يشعر من خلالها بحرية لامتناهية يتحرك بها داخل هذا العالم بصفة مباشرة دون انتظار أي رخصة من أحد ودون أي نوع من القيود أو الشروط ودون مشقة التعلم المطوّل أو حفظ ما لا يجب حفظه إذ بِنقرة واحدة على فأرة الحاسوب تنفتح أمامك بنوك المعرفة العالمية من بداية تاريخ الإنسانية إلى اليوم.

لذلك نرى شبابنا تستهويه المدرسة الافتراضية وينفر من المدرسة التقليدية، إنه اليوم في وضع بين بين. إن هذه الازدواجية تجعل التعليم يتأرجح بصفة مرَضية بين عالمين: عالم سهل وسريع وممتع، وآخر ممل وثقيل وفي بعض الأحيان محبط ومقرف، وهذا ما يفسر الواقع المأساوي الذي تعيشه مؤسساتنا التربوية حيث تفجرت صورتها من الداخل والخارج. إننا نعيش اليوم شبه ثورة كوبرنيكية لأن الفضاء التعليمي التقليدي لم يعد مركزا مشعّا ثابتا يفرض جاذبية على العناصر المحيطة به، جاء مَن ينافسه، جاء الفضاء الافتراضي ذو الإشعاع الأكبر والأفق الأوسع والأرحب والأفضل والأسهل والأسرع.

فضاء جديد، سرعان ما استغله الشباب لكل أنواع التمرد والثورة والمتعة إلى حد المجون في بعض الأحيان لمحاولة الخروج عن النظام الأخلاقي المتكلس السائد ولا دواء لأمراض الحرية المطلقة إلا مزيد من الحرية. هذا الفضاء الساحر جعل من مستعمليه أطفالا وشبابا وشيوخا، نساءَ ورجالا، فقراء وأغنياء، يخطون خطوات عملاقة في التمتع بحياتهم وكأنهم في حلم ويحققون بالتالي ذواتهم في ما يشبه النشوة الدائمة. إن الثقافة الرقمية ليست فقط طريقا لاكتشاف المعلومات بقدر ما هي طريقة للانعتاق من رقابة العائلة والمجتمع، طريقة تحول الآخرين إلى أصدقاء تسعد بلقائهم في تحدٍّ للجغرافيا والتاريخ والدين والأعراف وكل أنواع الحواجز المكبلة لحرية الفرد من أجل تجاوز المواطنية القومية العنصرية الضيقة إلى المواطنية العالمية الرحبة.

ATTENTION
عندما تقرأ في الأنترنات عن علامات مرض ما وكيفية علاجه فلا تغترّ وتظنّ أنك أصبحت طبيبا معالِجًا. الأنترنات = معلومات (informations générales). والطبيب = معرفة (savoir spécialisé).


مقارنة طريفة بين الأستاذ التقليدي والأستاذ الافتراضي

 

1.  الأستاذ التقليدي:

-       عادةً يحبّ، يكره، يكلّ، يملّ، يغضب، ويُقصِي، وفي بعض الأحيان يخرج عن موضوع الدرس حتّى يروّح عن نفسه أو عن تلامذته.

-       غالبًا ما يختصّ في مادّة معيّنة فقط ولا يُلمّ بكل معارفها.

-       غالبًا ما يقدّم للتلميذ وسائل إيضاح تعلمية قديمة.

-       غالبًا ما يقوم بالتجارب عوضا عن التلميذ لنقص قد يكون في التجهيزات.

-       غالبًا ما ينفّذ سياسة تربويّة واحدة ويرتبط ببرنامج سنوي موحّد.

-       غالبًا لم يَدرُس أكاديميّا علوم التربية ولا علم نفس الطفل ولا الابستومولوجيا ولا علم التقييم ولا الديداكتيك.

-       في القسم، غالبًا ما يعتمد على نفسه ولا يشرّك تلامذته.

-       غالبًا ما لا يجد الوقت لإنجاز التمارين التطبيقيّة.

-       في القسم، يوفّر وضعيّة تعلّميّة فيها تفاعل مع أقران قارّين ومفروضين على التلميذ.

-       يدرّس في القسم بمرتّب زهيد.

-       لا يختار التلميذ أستاذه التقليدي بل يُفرَضُ عليه فرضًا.

 

2.  الأستاذ الافتراضي:

-       يقدر على إعادة الدرس ألف مرّة إذا شاء المتلقّي ذلك. يحترم، يشجّع، لا يكره، لا يغضب، ولا يُقصِي.

-       يُتقِن كلّ الاختصاصات لأنه يوفر أساتذة مختصين في عدة مجالات يقومون بإعداد الدرس المعروض في الأنترنات.

-       يعرض صورًا رائعة ومتحرّكة ذات ثلاثة أبعاد وذات جودة عالية في الصورة والصوت.

-       يقوم التلميذ بنفسه بالتجارب الافتراضية.

-       يختار التلميذ برنامجًا يتناغم مع قدراته ومستواه الذهني ونسقه الشخصي في الفهم.

-       يعدّ الأسئلة عن دراية وبدقّة مختص في التقييم.

-       يستطيع التلميذ أن يستشير عدّة أساتذة افتراضيين من نفس الاختصاص أو من اختصاصات مختلفة.

-       ينجز التلميذ كما يشاء ومتى يشاء تمارين فرديّة وتفاعليّة.

-       يوفّر للتلميذ تفاعلا افتراضيّا مع أقران من اختياره يستطيع تغييرهم حسب الوضعيّة.

-       جاهزٌ تحت الطلب في كل زمان ومكان ودون مقابل.

-       يختار التلميذ أستاذه الإفتراضي حسب حاجته وذوقه أيضا.

 

أثبتت بحوث التربية العصبية (neuroéducation) أن الكتابة باليد على ورقة عوض لوحة المفاتيح (clavier) تساعد التلميذ على التركيز أكثر وعلى الحفظ أفضل (mémorisation).

"يفترض الفيلسوف هيغل أن أرقى فعل لليد هو الكتابة: كل كتابة تنطوي على قدر ما. وذلك أنها تأخذ عبر اليد وجودا أكثر رسوخا من أي فعل عضوي." (فتحي المسكيني، الهجرة إلى الإنسانية، 2016، ص. 173)

استعمال البورتابل خلسة في القسم جعل الأستاذ يحرس تلامذة منشغلين بمتابعة أشياء بعيدة كل البعد عن موضوع الدرس لذا يجب ترك  "البورتابل" خارج القسم.

الحجر الصحي الشامل أثبت أن التعليم الافتراضي ليس دائما ناجعا 100% وليس مشخصنا 100% وليس منفتحا وليس أفقيا وليس تفاعليا بين الأقران.

Source d’inspiration : Le Monde diplomatique, avril 2021, extraits de l’article « Ėcole et Covid-19 ‘’Le plaisir d’apprendre’’ », par Clothilde Dozier.

التواصل الافتراضي (كتابة، تعليق، رد على تعليق) قد يأخذ من وقتنا أكثر مما يأخذه التواصل المباشر وقد ينتج سوء تفاهم نحن في غنى عنه.

الحجر الصحي الشامل أثبت أن التعليم الافتراضي لا يوفّر نفس الفُرص لكل التلامذة ولا يحفّز التلميذ على التركيز ولا يمنحه متعة التعلم.

التعليم الافتراضي جعل الأساتذة يتلقون يوميا ما لا طاقة لهم به من كَمٌّ هائل من الرسائل الخاصة من تلامذتهم مستفسرين عن الأعداد والدروس.

Les géants du numérique (GAFAM) récupèrent le travail des développeurs bénévoles de logiciels et le vendent à des prix exorbitants.

تنبيه: للعلم ثلاثة مصادر موثوقة وموثقة لا رابع لها: الجامعة والمؤتمرات العلمية والمجلات العلمية المختصة والمحكّمة. لا تثقوا في الكتب والأنترنات والتلفزة والراديو والجرائد والمجلات غير المختصة وغير المحكّمة.

 

 


 

 

 

 

 

 

15

حول التعليم النموذجي


 

واجب التخلي عن الإعداديات والمعاهد النموذجية العمومية

 

« Une réforme du système éducatif n’est un enjeu majeur que si elle profite, en priorité, aux élèves qui ne réussissent pas à l’école. » Philippe Perrenoud, 1997

الدولة نفسها أصبحت تصنّف الذكاء، وتمارس التمييز، وتعمّق الهوّة بين التلامذة ولا تجسّرها، بل تُقِيمُ للحَيْفِ إعدادياتٍ ومعاهدَ نموذجية عمومية. إن تكلفة معهد نموذجي واحد في ولاية ما (يؤمه حفنة من التلامذة) تكفي لترميم البنية التحتية وتحسينها في جميع المعاهد العادية لهذه الولاية (يؤمها آلاف من التلامذة). الدولة لا تهدف لخير الأكثرية، بل تهدف لانتقاء الأقلية "الأفضل" (ironie)، تسقي الزهرة بعرقنا (تلامذة النموذجي)، وعندما تصبح الزهرةُ ثمرةً يانعة، يقطفها الغربُ دون عناء (هجرة جل أصيلي النموذجي بعد تخرّجهم). أيوجد غباء يفوق هذا الغباء ؟ تلامذة النموذجي "الممتازون المتميزون المحظوظون" (ironie)، استفادوا من مبدأ التضامن الوطني في القطاع العام، فضلناهم وميزناهم -غصبًا عنا- أفضل تمييز، نحن الموظفون العموميون دافعو الضرائب والمموّلون الأساسيون للقطاع العام  لكنهم بعد التخرّج جلهم يهاجر طمعًا في المال، لكن قرار إنشاء المعاهد والإعداديات النموذجية ليس قرارنا بل هو قرار نظام تربوي انتقائي مسنَدٍ من قِبل نظام سياسي ليبرالي (بورڤيبة وبن علي وبعد الثورة).

خاتمة:

للتلميذ المتوسط معلِّمانِ، مدرّسُه الرسمي وزميله المتفوق. عزلنا النجباءَ في معاهدَ نموذجية فحرمنا الأغلبية المتوسطة من معلمٍ ثانٍ     !


 

La face cachée des lycées pilotes en Tunisie

30 Aug 2021 / Feriel Terras

Le système des lycées pilotes est un concept purement tunisien, implémenté dans les années 80, qui clame cultiver l’élite de demain, l’excellence tunisienne. Ces établissements et ce système ont longtemps été idéalisés. Mais voici que des élèves de ces établissements d’élite font état de ségrégation sociale, de dépression, et de compétition malsaine. Le prix de la «réussite» serait-il exorbitant ?

Cette recherche a pour but de mettre en lumière les implications de cette structure pour en étudier les conséquences sur les élèves et la société tunisienne en général. Plus de 800 élèves ou anciens élèves de ces établissements à travers toute la Tunisie ont répondu à un formulaire anonyme. Ils ont été questionnés sur leur appartenance sociale ainsi que sur leurs opinions au sujet des lycées pilotes. Les réponses ont montré que les élèves aux appartenances socio-économiques privilégiées sont non seulement surreprésentés au sein de ces établissements, mais ils ont plus de chance d’y réussir. Ceci crée une ségrégation qui exacerbe les inégalités sociales déjà prépondérantes en Tunisie. Les réponses ont aussi mis en valeur l’environnement hostile de ces établissements, engendré par une compétition maladive et un traitement outrageant de la part des professeurs et du cadre administratif, se répercutant sur la santé mentale des élèves. Ces conclusions initiales pourraient établir les bases pour de futures enquêtes, dans l’espoir d’améliorer le système éducatif tunisien et d’en diminuer les disparités régionales et sociales.

Le concours de 9ème année de base, l’évènement incontournable qui clôture 3 années de collège pour enfin rejoindre le lycée, ce lycée où on est désormais grand, indépendant. Vais-je donc réussir? Arriverais-je à intégrer un de ces établissements prestigieux, où se concentrent l’élite, les bosseurs, les leaders de demain? Ce sont des questions que se posent la majorité des collégiens entrant dans leur dernière année suite à laquelle ils entameront le cycle ultime avant les études supérieures. Deux aboutissements sont possibles: l’élève échoue (si l’échec se résumait à avoir moins d’un 16/20 de moyenne), perd le moral, se convainc qu’il n’aboutira à rien, qu’une formation dans un lycée normal le vouera à l’échec, et que toute possibilité de réussir dans la vie venait de s’éteindre à jamais. L’autre possibilité, c’est qu’il réussit son concours et accède à un de ces établissements si idéalisés, y entre les étoiles pleins les yeux, et en sort 4 ans plus tard souffrant d’une dépression sévère accompagnée d’un sentiment qu’il a passé ses années lycée à bûcher matin et soir pour avoir la moyenne, et qu’un 18 au bac ne valait pas son épanouissement. C’est bien évidemment deux cas extrêmes, mais qui reviennent plus souvent qu’on ne le croie.

Dans l’envie d’étudier le système éducatif Tunisien, dont la structure des lycées pilotes (jugeant mon opinion personnelle insuffisante pour en faire un portrait complet), j’ai posté un formulaire ou des élèves de lycées pilotes ont anonymement répondu à des questions à propos de leurs appartenances sociales, leur impression sur le système pilote, etc.

Au départ, j’avais plutôt pour plan d’effectuer une recherche sur l’éducation en Tunisie en général, avec un petit volet sur le système pilote qui me paraissait inégalitaire d’un point de vue socio-économique. Pour tout vous dire, en postant ce formulaire, je ne cherchais aucunement à provoquer une certaine réaction de la part des élèves pour prouver la malignité de ces institutions, mais plutôt à me faire une idée générale de l’opinion publique sur ce sujet pour guider mon travail. 800 réponses des quatre coins de la Tunisie et un nombre incommensurable de partages plus tard, les mots me manquent pour exprimer la nature accablante des témoignages que j’ai reçus. Je m’attendais à des réponses brèves et synthétiques, et j’ai été agréablement surprise en voyant que la grande majorité n’a pas hésité à écrire des paragraphes, vidant leurs sacs, visiblement pleins. Plusieurs ont aussi manifesté leur envie d’en parler depuis longtemps et d’exposer ce système qui leur a fait tant de mal. En tant qu’ancienne élève de lycée pilote (j’ai quitté l’établissement par choix avant ma 3ème année pour intégrer un lycée français où la formation serait plus diversifiée et adaptée à mes ambitions universitaires), je fus violemment touchée par la confiance de ces élèves et surtout leur détresse émotionnelle, ce qui m’a encouragée à examiner la nature de ces établissements en profondeur.

En rédigeant ce texte, je me suis souvent demandée si je n’étais pas une traîtresse, pour exposer ainsi les lacunes d’un système auquel j’appartenais. Je me suis vite rendue compte que le concept de cuisine interne et le fait tyrannique d’ignorer tout ce qui ne va pas par allégeance à un système néfaste était justement ce qui laissait les choses dégénérer. Réduire les élèves au silence par peur de nuire à la réputation d’un lycée ne fait que les enfoncer et exacerber les problèmes déjà présents. La critique est avant tout constructrice.

Quand on pense à ce système, c’est vrai qu’il y a une certaine fierté dans le fait d’avoir un rythme accéléré, des devoirs compliqués, de survivre dans un environnement stressant. Il nourrit notre besoin de prestige et notre estime de nous-même. Il y a de la fierté quand on dit “mon fils est élève au lycée pilote.” Ce n’est qu’humain après tout, mais je vous appelle à vous demander ne serait-ce qu’une seconde si ce système privilégie votre enfant plus qu’il ne l’handicape, si obtenir une formation accélérée vaut la peine de sa santé mentale, de son bien-être, de sa jeunesse. Après tout, la raison pour laquelle il est hors de question que votre enfant intègre le lycée d’à côté n’est-elle pas parce que le système pilote a centralisé les bons éléments, baissant donc la qualité de l’enseignement public ? Je ne cherche pas à pousser un agenda quelconque. Pour tout vous dire, sur le long terme, j’ai “bénéficié” de ce système dont la compétitivité m’a appris à travailler sous pression et à viser l’excellence, mais mon expérience est bien différente de celle de plusieurs.

Introduction:

Le système des lycées pilotes est un concept purement tunisien, implémenté dans les années 80, qui clame cultiver l’élite de demain, l’excellence tunisienne. Ces établissements et ce système ont longtemps été idéalisés. Mais les impacts sociaux collectifs et les répercussions sur les élèves au sein de ces établissements, n’ont pas vraiment été étudiés. En me basant sur des données quantitatives et qualitatives, ce travail de recherche a pour but d’explorer les différents aspects de ces établissements. Après avoir introduit le concept des lycées pilotes à travers leurs origines et leur évolution, nous étudierons les implications de l’appartenance socio-économique des élèves de ce système. Pour finir, nous éluciderons la nature de l’environnement engendré par ce système et ses répercussions sur les élèves.

Pilote, ses origines, évolution

En 1983, le système pilote est introduit dans le but de former l’élite du pays dans des établissements spécialisés. A cette époque, l’intégration du lycée commençait juste après l’école primaire et durait 7 ans (c’est-à-dire, le collège et le lycée n’étaient pas séparés comme ils le sont aujourd’hui.)

Pour accéder à ces établissements, les élèves passaient un concours à la fin de leur enseignement primaire, et les plus brillants étaient assignés à un lycée pilote. Au départ, il y avait 2 lycées pilotes: l’ancien Lycée Carnot qui a été transformé en Lycée Pilote Bourguiba, et le lycée pilote de l’Ariana, où la formation était destinée à être en Anglais à la place du Français, ce qui a été rectifié en 1989 pour “unifier” linguistiquement tous les lycées.

À partir de l’année scolaire 19951996 et ce durant trois ans, le ministère de l’Education organise un concours ouvert aux élèves de troisième année secondaire (qu’on appelle aujourd’hui 9ème année de base) en vue de les recruter en quatrième année (qu’on appelle aujourd’hui 1ère année secondaire).

Les élèves suivent un cycle commun lors de la première année puis se spécialisent lors de la deuxième année. En plus des programmes classiques, l’enseignement met l’accent sur l’informatique, les sciences physiques et l’anglais pour tous les élèves à partir de la première année. Une section en Lettres vient compléter les choix proposés aux élèves dans 5 des 24 établissements à partir de la rentrée 2016.

Le passage à la classe supérieure est tributaire de l’obtention d’une moyenne générale supérieure à 12 sur 20 et, à défaut de ce résultat, l’élève doit choisir un autre établissement public. À partir de 1995, le passage doit tenir compte de la moyenne arithmétique des matières de base qui doit être supérieure ou égale à 12 sur 20 et une moyenne générale supérieure ou égale à 13 sur 20.

Le ministère de l’Éducation devait ouvrir en 2011 deux nouveaux lycées pilotes à El Menzah VIII et Kasserine ; il envisage aussi de consolider l’infrastructure des lycées pilotes et de porter le nombre de classes disponibles de 81 à 133. En juillet 2011, le nombre de lycées pilotes s’élève à 14 dont trois pour la ville de Tunis et sa banlieue. Les lycées pilotes offrent 2653 places aux élèves issus de l’enseignement de base pour l’année scolaire 2013-2014. Le lycée pilote compte 23 structures en 2017.

Ce type d’établissements est très sélectif. Pour l’année 2013, le pourcentage d’élèves admis aux lycées pilotes ne représente que 2,1 % de l’ensemble des élèves des classes de neuvième année et 16 % de l’ensemble des élèves ayant réussi au concours (ayant obtenu la moyenne).

Une structure inégalitaire.

Les données enregistrées via le formulaire ont fait apparaître des inégalités prononcées. Même si les lycées pilotes sont des institutions étatiques, le pourcentage d’élèves issus de milieux socio-économiques privilégiés y est disproportionné: 65% des élèves des lycées pilotes ont des parents qui appartiennent à la catégorie socio-professionnelle “Cadres et Professions Intellectuelles Supérieures”(CPIS), alors que cette catégorie ne représente que 6% des travailleurs en Tunisie. Ceci veut dire que des enfants de CPIS ont presque 11 fois plus de chance d’accéder à ces institutions qui forment “l’élite du pays”. En outre, les enfants d’ouvriers ne comptent qu’un maigre 2.8% des élèves au lycée pilote, alors que cette catégorie comprend 39,2% des travailleurs en Tunisie, indiquant qu’ils ont 14 fois moins de chances d’accéder à ces institutions. Une élève affirme dans son témoignage que “le lycée pilote est une manière de garder les élites dans un certain cercle social.”

Ces disparités sont non seulement aberrantes, mais ce qui choque encore plus, c’est que les élèves des lycées pilotes sont inconscients du manque de représentations d’élèves issus de milieux plus modestes: 68,5% d’entre eux affirment qu’il y a bel et bien de la diversité sociale dans leurs établissements. Ceci est une preuve de l’isolement, de la bulle qui enclave les élèves dans leurs prestigieuses institutions, leur faisant oublier la réelle diversité des milieux sociaux en Tunisie.

Maintenant que nous avons démontré la sous-représentation sévère des élèves de milieux modestes dans les lycées pilotes, pensons aux causes et implications de cette répartition.

Pour commencer, l’accès aux lycées pilotes est défectueux. Le concours de 9ème ne qualifie pas l’élève le plus créatif, le plus capable académiquement, celui qui pourra prendre de bonnes décisions pour l’avenir de son pays, mais celui qui connaît un programme sur le bout des doigts. Or, ce privilège est réservé aux élèves qui reçoivent des cours particuliers. En effet, 87,6% des élèves des lycées pilotes ayant répondu à mon formulaire affirment avoir reçu des cours particuliers pour préparer le concours. Un en particulier, ne se contentant visiblement pas des cases “oui” et “non”, a créé sa propre réponse Et comment!

L’élève le moins fortuné, qui non seulement doit se soucier de problèmes financiers au sein de sa famille, ne peut s’offrir ces cours qui constituent un facteur de la réussite. Les élèves de milieux aisés sont alors mieux disposés à intégrer le lycée pilote. Si la majorité des élèves viennent d’un milieu social privilégié, même les quelques élèves qui n’y appartiennent pas font face à des difficultés puisque la majorité écrasante des élèves suivent des cours particuliers dès la 1ère année pour pouvoir rester à jour et mieux se préparer pour les examens.

La popularité des cours particuliers ne se limite pas aux lycées pilotes, mais comme la pression de réussir y est beaucoup plus élevée, et que les élèves visent l’excellence, le taux d’adhésion à ces cours est beaucoup plus élevé. Selon un article de La Presse, le taux d’élèves prenant des cours particuliers en Tunisie est de 70%. Ce nombre s’élève à 98% dans les établissements pilotes (98% des élèves ont eu des cours particuliers ne serait-ce qu’une année durant leur parcours au lycée. Les 2% restants appartiennent aux générations 1990-2000, quand cette pratique n’avait pas vraiment commencé).

Plusieurs élèves ont avoué que le coût des cours particuliers était un énorme poids financier pour leurs parents...

Conclusion

Le concept des lycées pilotes renferme bien plus que l’image prestigieuse de l’élite tunisienne. Le joli taux de réussite a un prix très cher que payent les élèves et leurs parents. Après avoir étudié les implications de l’inégalité d’accès aux lycées pilotes ainsi que le caractère élitiste de ces institutions, nous avons analysé l’ambiance de ces établissements caractérisés par une compétition maladive. Le traitement abusif et souvent injustifié de la part des professeurs et de l’administration, causent souvent de graves problèmes psychiques chez les élèves. Le but de cette recherche est essentiellement de mettre en valeur les implications ainsi que l’impact social de ces lycées, qui s’avère plus nocif que bénéfique. S’il s’agit d’une simple réforme ou d’un chamboulement radical du système, une chose est sûre: un changement s’impose.

NB :

Pour ceux qui veulent en savoir plus, prière lire les témoignages des anciens élèves des lycées pilotes dans l’article original en entier de Feriel Terras, publié in site nawaat, et à vous d’en juger.

 

 

 

 


 

 

 

 

 

16

حول مشروع إصلاح التعليم

مخ الإنسان يستهلك 25% من طاقة الجسم (عند الحيوان 8%).
لو كانت حكومتنا حكيمة كجسمنا لَخصصت للتعليم، (مخ المجتمع) ربع ميزانيتها.

مدرّسونا ومتفقّدونا مسؤولون جزئيا عن تردّي تعليمنا (incompétence,sous-formation,absence,grève,étude)

فكيف نكلّفهم وحدهم بإصلاحه ؟


 

مشروع إصلاح التعليم

 

مَن ينتظر إصلاحًا للتعليم من المنظومة الليبرالية الحاكمة (1970-2024) التي أفسدت التعليم، مثله كمثل من ينتظر عسلا من خلية دبابير !

إصلاح التعليم يبدأ بطرح الأسئلة التالية على التلميذ في نهاية كل نشاط: ماذا ترى ؟ ما هو رأيك ؟ هل استفدت ؟ هل تعلمت جديدا أم لم تتعلم ؟

إصلاح التعليم يبدأ برفض تصنيف الذكاء وإلغاء المعاهد النموذجية، تصنيف نبرر به الفشل المدرسي ونقيس به الذكاء المكتسب ونهمل المحتمل !

إصلاح التعليم يبدأ بخلق جيل من المدرسين أصحاب رسالة لأنه لن يحرر التلميذ من التفكير المكرر والمقلد إلا مدرس متحرر يجدد ولا يقلد  !

إصلاح التعليم يبدأ بالتخلص من بيداغوجيا التقليد والخنوع وحذف سلك التفقد الساهر على تطبيقها واستبدالها ببيداغوجيا التجديد والتحرر لـمونتيسوري!

إصلاح التعليم يبدأ عندما يؤمن المدرس أن حظوظ تلامذته متساوية حتى لوكانت ذكاءاتهم غير متساوية ويسعى لإعانة الأضعف قبل الأقوى!

إصلاح التعليم يبدأ عندما نهتم بالجانب الخلاّق في الإنسان (الفنون والتفكير النقدي) وليس فقط بالجانب الوظيفي فيه (علوم وتكنولوجيا)  !

 

Pour en savoir plus, prière lire le livre de Roland GORI, La fabrique des imposteurs, BABEL, 2015 (308 pages, 8,7 euros).

 


 

إصلاحُ التعليم لا يمكن أن يأتي من رجال التعليم وحدهم !

 

Boris Cyrulnik, auteur et neuropsychiatre a dit :

"الأساتذة ببّغاوات تَحْمِلُ شهائد تُلَقِّنُ ببّغاوات تَبْحَثُ عن شهائد".

 

إصلاحُ التعليم لا يمكن أن يأتي من رجال التعليم المباشرين ولن يأتي قطعًا من المتفقدين المباشرين وذلك لسبب منطقي: جلهم، مدرسون ومتفقدون، محافظون (Des conservateurs) وممتثلون للمقاربات البيداغوجية السائدة (Des conformistes). أعداء التجديد. هم غير مغرَمين ولا يؤمنون برسالة التعليم وغير مستعدين لبذل أي مجهود إضافي في القسم ولا خارجه وهم قوم لا يقرؤون المراجع العلمية ولا المجلات العلمية المختصة. هم غير متكونين في علوم التربية ولم يدرسوا البيداغوجيا في الجامعة ولا التعلمية (Didactique ou épistémologie de l`enseignement) ولا علم نفس الطفل ولا علم التقييم (L`évaluation) ولا علوم التواصل ولا الإعلامية (L`informatique est un outil d`apprentissage normalement utilisé dans toutes les disciplines). يَغارون من التلميذ ولا يعترفون بمركزيته كـمحور العملية التربوية، يستكبرون ويتوهمون أنهم هم محور العالم. وليعلم مَن لا يعلَم بعدُ أن أعظم المنظِّرِين في مجال التربية ليسوا رجالَ تعليم بداية من الفيلسوف روسّو (Émile ou De l'éducation) إلى الطبيبة مونتيسوري (Aide-moi à faire seul) وعالِمَيْ النفس والنمو، بياجي (Le constructivisme) وفيڤوتسكي (Le socioconstructivisme et la ZPD).


 

على المدرّس أن يبذل مجهودًا ذاتيًّا للمساهمة في إصلاح التعليم (جزء 1)

 

1.  أحث زملائي على التكوين الذاتي عن طريق الاطلاع على المحاضرات الافتراضية على اليوتوب في المعارف الضرورية للنجاح في مهنة التدريس التالية:

Pédagogie, didactique des disciplines, épistémologie de la spécialité, psychologie d’enfant, TICE, histoire des sciences, évaluation, méthodologie.

2.  يستطيع الأستاذ أن يعامل التلميذ بلطف واحترام فاللطف والاحترام (L’affect et le respect)  يجعلان التلميذ يفهم أحسن ويُقبِل على التعلّم أكثر (résultat prouvé biologiquement sans entrer dans les détails).

En 1792, Jean-Jacques Rousseau écrivait dans l`Émile : « Donnez à l`enfant le désir d`apprendre et toute méthode sera bonne ». 

3.  "التعلم هو حالة صراع دائم بين التوازن وانعدام التوازن: هدمُ التصورات غير العلمية/بناء تصورات علمية مكانها" André Giordan

"التوازن الفكري الدائم عند الإنسان هو موت فكري دائم"  Michel Serres, mon philosophe préféré

 

يستطيع الأستاذ أن يخلق بين التلميذ وأقرانه حوارًا أو صراعًا معرفيًّا (CIC : Conflit Inter-Cognitif)، ويولّد داخل كل تلميذ صراعًا معرفيًّا ذاتيًّا بين تصوراته غير العلمية التي جاء بها إلى القسم والتصورات العلمية التي اكتسبها في القسم (CIC : Conflit Intra-Cognitif).

4.  أيها الزملاء استعيدوا بلطف سلطتكم الأدبية على تلامذتكم ولا تبكوا على الأطلال أو تجعلوا من الضحية (التلميذ) جلادًا. قديمًا كان الأستاذ يستمدّ هيبته من هيبة النظام السياسي، لذلك حتى الأستاذ الفاشل كان يتمتّع بسلطة. اليوم عِلمك وحكمتك هما السلطة  !

5.  يستطيع الأستاذ أن ينفخ في صورة تلامذته ويحسّسهم بالثقة بالنفس ولا يحبطهم أو يهينهم حتى ولو أخطؤوا، فخطأ التلميذ هو محرّك القسم (L’erreur de l’élève est le moteur de la classe). يستطيع أيضًا أن يشجعهم وذلك عن طريق النشر في صفحته الفيسبوكية لأفضل إنتاجات تلامذته في الامتحانات أو إنتاجاتهم الحرة التي يرى أنها تستحق النشر.

« Le prof augmente ses élèves » Le grand philosophe Michel Serres

6.  يستطيع الأستاذ أن يدرّب تلامذته على اجتياز الفروض قبل الامتحان وأن يمدّهم يوم الامتحان بمقياس الإصلاح (Le barème de correction) مع ورقة الامتحان وأن يسمح لهم بمناقشة أعدادهم بعد الامتحان في كنف الاحترام المتبادَل.

7.  يستطيع الأستاذ أن يستدعي ضيفًا في قسمه بعد إعلام المدير، من داخل المعهد أو خارجه، حتى يشدّ اهتمامَ تلامذته إلى موضوع ما، مثلاَ: يستدعي عامل نظافة يحدّث التلامذة عن الصعوبات التي تصادفه أثناء أداء عمله حتى يحسسهم بقيمة المحافظة على بيئة نظيفة، أو فلاح بيولوجي، أو طبيب، أو زميله في اختصاص مغاير يهم موضوع درسه، إلخ.

8.  في حصة ساعتين متتاليتين، يستطيع الأستاذ أن يخصص خمس دقائق لـ"التشويش الحر" حتى يُفْرِغَ التلامذة شحنتهم المقموعة ساعة كاملة.

9.  في كل حصة يستطيع الأستاذ أن يخصص دقيقة صمت كاملة حتى يدرّب تلامذته على آداب الإنصات. الصمت يصقل السمع ويعلم الانضباط.

10.                في أول كل ثلاثي، يستطيع الأستاذ أن يذكّر بالعقد البيداغوجي الضمني الذي يربطه بتلامذته: ماذا ينتظر منهم بالضبط ؟ كيف سيتصرّف معهم لو خرجوا عن المعقول ؟ يفعل هذا من باب الوقاية خيرٌ من العلاج، ومن باب من أنذر فقد أعذر، ومن باب التربية أفضل من العقاب، ومن باب الحب الذي يكنّه لهم، ومن باب خوفه على مستقبلهم وكأنهم أولادُه من صُلبه.

11.                 يستطيع الأستاذ أن يَعد تلامذته ويفي بوعده بتعويض كل حصّة قد يغيبها لأسباب مرضية أو نقابية.

12.                يستطيع الأستاذ أن يأتي للمعهد في الوقت بالدقيقة ويخرج منه في الوقت بالدقيقة ويدخل قسمه في الوقت بالدقيقة ويخرج منه بعد التلاميذ.

13.                في راحة العاشرة وراحة الرابعة، يستطيع الأستاذ أن يخرج من القاعة إلا خمس دقائق (9h55 ou 15h55) ويرجع إلى القاعة بعد خمس دقائق (10h05 ou 16h05).

14.                يستطيع الأستاذ أن يُحضّر درسَه تحضيرًا جيدًا قبل دخول القسم، وإن توفرت له الفرصة عن طريق الأنترنات يُحضّر تلامذته أيضًا باستعمال مقاربة القسم المعكوس (La classe inversée)، وعند ذلك فقط يحق له أن ينعت امتهان التدريس بالمهنة الشاقة.

15.                عند أول الحصة يفتح قاعته بالمفتاح، وعند انتهاء الحصة يخرج بعد تلامذته ويغلق قاعته بالمفتاح (passe-partout)، وبهذا الصنيع البسيط يساهم في نظافة القاعات ويحفظ التجهيزات المخبرية من الإتلاف.

16.                يحمل أدواته المهنية اليومية في محفظته  ولا يبعث تلميذًا يجلبها من الإدارة (طباشير، طلاسة، أقلام جافة، منديل يمسح به كرسيَّه ومكتبَه).

17.                لو أخطأ الأستاذ في حق تلميذه باستعمال العنف المادي أو اللفظي ضده، ولا قدّر الله ردّ التلميذُ الفعلَ بفعلٍ مماثلٍ ومن نفسِ الجنسِ، يَسقط حقُّ الأستاذِ المعتدِي في تتبعِ التلميذِ المعتدَى عليه، إداريًّا أو قضائيًّا، والبادئ أظلَمُ، ولا يحق له أن يضاعِفَ العقابَ ويكتب فيه تقريرًا، بل يعتذر منه ومن والديه.

18.                يُعطي الفرصة لتلامذته للقيام بتجارب في القسم. يَشغِّلهم ليضمن انتباههم ويقلص من تشويشهم. لا يحتكر التعبير الشفوي في القسمِ، وإذا تكلم في حصص المواد العلمية في الثانوي (علوم، رياضيات، فيزياء، تقنية، إعلامية، اقتصاد)، يتكلم بالفرنسية، اللغة الرسمية في البرنامج إلى أن يأتي ما يخالف ذلك.

19.                لا يوبِّخ المخطئ لأن خطأ التلميذ هو محرِّك القسم، يستفيد منه المخطئ نفسُه، أقرانُه والأستاذُ نفسه.

20.                يشرح لتلامذته مقياس إصلاح الامتحان قبل الامتحان (Barème de correction)، ويناقش معهم العدد بعد الامتحان بكل شفافيةٍ وأريحيةٍ.

21.                أستاذ الدروس الخصوصية خارج المعهد، يجب عليه أن لا يخرج على القانون المنظِّم لهذه الدروس: 12 تلميذًا لا أكثر، على شرط أن يكونوا من خارج أقسامه المباشرة، مقسّمين على ثلاث مجموعات منفصلة ودون شططٍ في المقابل المادّي.


 

على المدرّس أن يبذل مجهودًا ذاتيًّا للمساهمة في إصلاح التعليم (جزء 2)

 

ملاحظة: لقد سبق لي ونقدتُ أدائي كمدرس في مقالات تربوية سابقة واليوم أعرض على زملائي الجدد بعض السلوكيات البيداغوجية البسيطة التي ساعدتني كثيرا في التدريس (خاصة في السنوات 1992-2011 التي قضيتها بمعهد برج السدرية).

1.  كنتُ أدَرِّسُ في الثانوي وأدْرُسُ الديداكتيك في الجامعة في نفس الوقت.

2.  كنتُ أدرّس في قاعة ذات نوافذ بلورية مطلية باللون الأزرق أي مفصولة بالرؤية عن الساحة مما ساعد التلاميذ على التركيز في الدرس.

3.  كنت أفتحها بالمفتاح وأدخلها أول واحد وأخرج منها آخر واحد وأغلقها بالمفتاح ولذلك كانت أنظف قاعة بالمعهد.

4.  كنت دومًا أحمل في محفظتي الطلاسة والطباشير والأقلام اللبدية (stylos-feutres) ومنديل أمسح به الكرسي والمكتب ولم أبعث يومًا تلميذًا يجلب لي أدوات عملي من الإدارة أو قاعة الأساتذة.

5.  بعد راحة العاشرة صباحًا أو راحة الرابعة مساءًا، كنت دومًا ألتحق بقاعتي دون تأخير، أنا وسميرالخليفي (أستاذ تاريخ وجغرافيا ونقابي).

6.  كنت أستاذا جديًّا والطبع غلاّب، وهذا لا يُعتبرُ شكرًا لدى مَن يفقه قليلا في البيداغوجيا.

7.  كنت لا أطالب بمثول التلميذ المخطئ في حقي أمام مجلس التأديب إلا حالة واحدة: تلميذ سبّ الجلالة ورفع كرسيّا في وجهي وكاد أن يضربني به لولا تدخل زملائه الذين أخرجوه من القاعة. ذنبي أنني طلبتُ منه غلق النافذة لتجنب الضوضاء السائدة في الساحة أيام الثورة، لم يستجب فقلتُ له: "هذا سلوك متخلف". رُفِتَ نهائيا من المعهد والتحق بمعهد حمام الأنف القريب من معهدنا.

8.  كنت لا أسْنِدُ صفرًا لأي تلميذ. وكنت أحاسب مرتكب عملية الغش بإسناد واحد على عشرين ولم أكتب يومًا تقريرًا في تلميذٍ اقتناعًا مني بأن للغش حلولاً علمية وليست تأديبية.

9.  كنت لا أدخّن ولا أستعمل جوّالي أثناء الدرس وأطالب تلاميذي بنفس السلوك. أمنحهم خمس دقائق راحة غير رسمية في التاسعة لكي يهاتفوا مَن يشاؤوا.

10.                 كل هذه السلوكيات البسيطة أتت أكلها مع جل تلامذتي وساعدتني كثيرا في التدريس.

 


 

واجب التركيز على تدريس اللغات في كل المستويات وإعطائها الأولوية في التوقيت فاللغات هي الحاملة للأفكار (supports et véhicules)

 

الفيلسوف ميشيل سارّ قال في تعريف اللغة الحية ما يلي:

"اللغة الحية هي اللغة التي تستطيع أن تقول كل شيء في كل المجالات المعاصرة... تستطيع أن تخلق وترتجل وتستنبط كلمات ومعاني جديدة... اللغة الحية كاليد البشرية تستطيع أن تقوم بكل الحركات المعروفة (كَتَبَ، أشار، مسّد، إلخ) ولها قدرة كامنة واستعداد للقيام بحركات لا نعرفها اليوم... اللغة الحية، تُعَرَّفُ بقدرتها على الفعل في المستقبل، لا بما تفعله في الحاضر (La langue n’est pas, elle peut)... تموت اللغة عندما تعجز عن قول كل شيء... بين إصدار 1935 وإصدار 1992 () اغتنى قاموس الأكاديمية الفرنسية بـ35 ألف كلمة جديدة جلها علمية وتكنولوجية".

هل لغتنا الفصحى تستطيع ؟ إذا لم تستطع فالذنبُ ذنبُنا وليس ذنبَها !

الأمم المتحدة تستعمل ست لغات رسمية والاتحاد الأوروبي يستعمل أربعًا وعشرين لغة، ونحن العرب نستعمل لغة واحدة ونعتنق دينًا واحدًا ولكننا بقينا متفرقون في إثنين وعشرين دولة.

هيمنة اللغة العربية في بعض البلدان العربية قد (قد) ينجرّ عنها ظلمًا للأقليات (الأكراد في العراق والأمازيغ في شمال إفريقيا) أما التنوع اللغوي فقد ينعش الديمقراطية فيها.

اللغة العربية الفصحى لغة محكمة  لكنها قليلة التداول خارج الدوائر الرسمية والمعرفية خلافا للدارجة (la langue vernaculaire locale).

التنوّع اللغوي في العالم، البعض يراه عقوبة إلهية لذرية آدم أما الأكثرية فتراه أساس الإنسانية وسبب من أهم أسباب ثرائها الثقافي.

"اللغة هي أداة تواصل وعلامة خارجية على الثراء المادي والثقافي وهي أيضًا أداة سلطة وهَيمنة" (Pierre Bourdieu). مثال: اللغة الأنـﭬليزية.

ازدواجية اللغة عند النخبة التونسية قد تصبح نقمة عوض أن تكون نعمة خاصة إذا تمت لصالح الفرنسية على حساب العربية. عندي أنا، وبالتجربة والتمرين أصبحت نعمة والحمد لله.

العربية الفصحى يتهددها خطران: الأول يتمثّل في نُدرة تداولها خارج الدوائر الرسمية والمعرفية. والثاني  يتمثّل في أنها لم تَعدْ مُنتِجَةً للعلم ولا للتكنولوجيا.

أربعة أنواعٍ فقط من حروف الكتابة تهيمن على العالم: اللاتينية والعربية والسيريليّة (cyrillique: russe, ukrainien, biélorusse) والصينية.

اليوم، لم يَبقَ في العالم إلا 7100 لغة فقط والخبراء يتنبّؤون بانقراض أكثرها خلال هذا القرن، أي في القرن 21 ميلادي سوف ينقرض منها حوالي 50% إلى  90%.

Pour en savoir plus, prière lire Le Monde diplomatique, Manière de Voir, Décembre 2022-Janvier 2023.

مفارقة كبرى:

عندنا أكبر نسبة من الأساتذة المرتقين (أول، فوق الرتبة، مميز)، وعندنا سنويا 100 ألف منقطع و7 آلاف صفر في الباك فرنسية ومثلها في الأنـﭬليزية ؟

 


 

واجب تدريس الترجمة كمادة مستقلة مع أستاذ مختص

 

عندما أصرّ على الترجمة والنشر بالعربية فإنني أدافع بصفة غير مباشرة على حق كل لغات العالم في التواجد ضد هيمنة لغة واحدة.

حسب تجربتي الخاصة في ترجمة مقالات جريدة "لوموند ديبلوماتيك" ونشرها في حسابي الفيسبوكي في العشرية الأخيرة (2012-2022)، تبيّن لي أنها حسّنت في أدائي باللغتَين. وجب إذن تدريس الترجمة كمادة مستقلة من قِبل أستاذ مختص.

ولتكون عروبيا أكثر، عليك أن تتعلم لغة أوروبية حديثة كالألمانية أو الفرنسية أو الإنـﭬليزية!  

أقدم فقرة معبِّرة من كتاب "الإسلام و الانغلاق اللاهوتي"، هاشم صالح، دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى 2010، 376 صفحة. صفحة 28، هامشة 1: "لا توجد في اللغة العربية مراجع كافية لكي تفهم التراث العربي الإسلامي بطريقة علمية وتاريخية جادة ومسؤولة. أكاد أقول بأن المثقف الذي لا يتقن إلا اللغة العربية أصبح شبه أمي الآن!  يؤسفني أن أقول هذا الكلام ويحز في نفسي. ولكن هذه هي الحقيقة. الكتب الاستشراقية الكبرى التي تسلط أضواء المنهج التاريخي على تراث الإسلام موجودة في اللغات الأوروبية الحديثة كالألمانية والفرنسية والإنـﭬليزية وليس في اللغة العربية. إنها ممنوعة في العربية حتى الآن في قسم كبير منها على الأقل. أحيانا أقول بيني وبين نفسي: لو لم أخرج إلى الغرب وأعش تجربة أوروبا لكنت قد عشت ومت من دون أن أفهم  شيئا.. كنت قد مررت في هذا العالم مرور الكرام.. كان قد فاتني كل شيء تقريبا.. أكبر جريمة تُرتكب الآن في حق  الثقافة العربية والأجيال العربية الراهنة والمقبلة هي عدم وجود مركز قومي عربي للترجمة  الشاملة، أي لنَقْلِ كل فتوحات العلم والفلسفة إلى لغتنا العربية. ما معنى أن تعيش وتموت من دون أن تستمتع بأنوار العلم والفلسفة ؟ ولا أستثني من ذلك بالطبع فلسفة الدين بل أضعها في المقدمة. فدين بدون فلسفة يؤدي غالبا إلى الانغلاق ثم إلى الظلامية العمياء.. وهنا تكمن مشكلتنا  الأساسية. هنا يكمن الداء العضال. من سيترجم ثلاثية هانز كونغ  عن المسيحية واليهودية والإسلام لكي نعرف معنى التداخل التفاعلي أو الجدلية الخلاقة بين الدين والفلسفة ؟".

قال الفيلسوف بول ريكور (1992): "أن نترجم لا يعني فقط أن ننقل من لسان شعب إلى لسان شعب آخر. بل بالآساس أن نقبل بوجود شيء من قبيل مبدا القابلية الكونية للترجمة". وأضاف "أن نرفع عبقرية لساننا إلى مستوى عبقرية اللسان الأجنبي". وبعبارة أخلاقية: "يتعلق الأمر أن نسكن عند الآخر, من أجل أن نقوده إلى بيتنا بصفته ضيفًا مدعوًّا". وليس من سند مناسب لهذه المهمة مثل "تبادل الذاكرات الثقافية" (المصدر:  فتحي المسكيني، الهجرة إلى الإنسانية، نشر كلمة، 2016. ص. ص. 197-198).

NB : « On ne peut jamais traduire intégralement un mot arabe, car toute traduction supprime les réseaux de communication qui lient entre eux et colorent les mots d’une même racine. Toute traduction est dès lors un appauvrissement et une distorsion » (Source : Ma Religion c’est la liberté, Mohamed Talbi, traduit par Mohamed Salah Barbouche, éd. Nirvana, Tunis, 197 pages. p. 61).


واجب إعادة النظر في تدريس العلوم بالعربية في التعليم الأساسي

 

إن المواطن التونسي المعاصر هو مترجِم بامتياز لأنه يعيش يوميا في بلد متعدد اللغات ومتعدد الثقافات. قلّما يقضي شؤون يومه بالعربية وحدها.

"لا معنى لأي تخرّص أنثروبولوجي على أي لغة قومية (وخاصة اللغة العربية الفصحى) باتهامها بكونها لا تصلح لإنتاج العلم أو بأنها لا تلائم التطور المعلومتي للعلوم أو للثقافة الغربية" (فتحي المسكيني، الهجرة إلى الإنسانية، 2016)

مبدئيًّا أنا مع تدريس العلوم باللغة العربية لكنني اليوم وبصفة ظرفية أدعو إلى التراجع عن تدريسها بالعربية في المرحلة الأساسية بشقيها الابتدائي والإعدادي وإعادة تدريسها باللغة الفرنسية (أو من الأفضل بكثير بالأنـﭬليزية) كما فعلت دولة المغرب الشقيقة. للأسف لغتي الأم لا تنتج اليومَ علمًا. لن يطوّر العرب لغتهم العربية نفسها ما لم يُلِمّوا بآليات تطوير اللغات الحية الأخرى، وهذه الآليات مكتوبة ومنشورة بالفرنسية والأنـﭬليزية والألمانية، والدليل أن جل مبدعينا بالعربية هم أناس مُلمِّون على الأقل بلغة من اللغات الأجنبية، مثل طه حسين والحكيم ومحفوظ وجعيط ودرويش والمسعدي وغيرهم والشاذ يُحفظ ولا يُقاس عليه ويكفي العربية شرفا أن تكون لغة تدريس العلوم الإنسانية ناقلة قِيم هويتنا العربية الإسلامية. أضيف وأقول أن العجزَ ليس في لغتنا العربية الفصحَى بل فينا نحن العرب !

 

Prière, sachez bien que je ne suis pas contre le principe d`enseigner les sciences en arabe, ma langue maternelle avec laquelle j`écris la majorité écrasante de mes articles de vulgarisation scientifique ou autres, mais dans l`enseignement scientifique contemporain c`est différent car j`ai remarqué en Algérie (j’étais prof coopérant entre 80-88) que l`apprenant, qui étudie les sciences en arabe au lycée et la médecine en français à l`université, trouve beaucoup de difficultés à lire des revues spécialisées comme "Sciences & Vie" ou "La recherche" et cet handicap pourrait nuire à ses performances scientifiques dans le futur.

À mon avis il faut préparer un bon terrain si on veut enseigner correctement les sciences en arabe (traduction et production comme à l`époque glorieuse et florissante des abbassides, précisément la période d`Elmaamoun, pendant laquelle tout le savoir grecque a été traduit en arabe.). Enfin je vous rapporte que les scientifiques européens avaient étudié sans complexe les sciences arabes en arabe en Andalousie et sans complexe aussi le chercheur français contemporain est obligé d`écrire ses articles en anglais si non il ne sera ni publié ni reconnu mondialement par la communauté scientifique internationale.

 


واجب تشجيع المدرّسين على البحث العلمي
الميداني (Recherche-Action)

 

ماريا مونتيسوري، مؤسِّسة البيداغوجيا العلمية، قالت:  "المدرّس باحثٌ أو لا يكون". باحثٌ في الجامعات والثانويات والإعداديات والابتدائيات والروضات. فهل مدرّسونا يبحثون أو حتى يطالعون ؟

يجب تشجيع التكوين البيداغوجي الذاتي المبنِي على البحث العلمي الميداني، وهو مجال بحثٍ علمي مهمل بل مغيّب تماما في التعليم التونسي العمومي والخاص داخل المدارس والإعداديات والثانويات ومراكز التكوين المهني.

أسرد عليكم بعض أهداف البحث العلمي الميداني: يُدرَّب المدرس على اكتساب بعض المهارات والسلوكات المفيدة في مهنته مثل الثقة بالنفس وتحمل المسؤولية وممارسة النقد ومقارعة الحجة بالحجة وقبول الرأي الآخر والتدرّب على استعمال الوسائل التكنولوجية الحديثة (Les T. I. C. E.) والاستفادة من فوائدها في عملية التعلّم، واكتساب مَلَكَة النقد العلمي الهدّام بطبيعته للتصورات غير العلمية السائدة في نظامنا التعليمي المهزوم والمأزوم من أجل البناء العلمي على قاعدة علمية صلبة.

في مدارسنا، يدرِّس المعلم أو أستاذ الثانوي ويكرر ما درَسه في الجامعة ولا يقرأ الجديد ولا يقوم بِبحوث ميدانية بنفسه وفي بيئته، فهو إذن مقلّدٌ وليس مجددًا عكس ما يفعله زملاؤه في الصين وفنلندا والمَجَرْ وبولونيا إلا مَن رحم ربّي.

 


 

بعض الاقتراحات في "مشروع الإصلاح التربوي" التي أخالُ أنني أنفرد بنشرها وتبنّيها مجتمعة

 

1.  واجب إلغاء حق الإضراب الذي يتمتع به اليوم المدرّسون في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي. وإذا أصرّوا، وحتمًا سيصرّون، فيجب عندئذٍ مطالبتهم بتعويض ساعات الغياب عن التدريس وهذا حق التلميذ الذي لا ناقة له ولا جمل في تردّي وضعية المدرّسين مادّيًّا واجتماعيًّا وبيداغوجيًّا. التلميذ ضحية لا ذنب لها. البديلُ النضالي ليس جاهزًا عندي. النقدُ فردي والبديلُ جماعي.

2.  واجب تمكين المدارس الابتدائية من ميزانية تصرّف سنوية على غِرارِ ما هو معمول به حاليًّا في الإعداديات والمعاهد والكليات.

3.  واجب إلغاء عقوبة الطرد النهائي للتلميذ من جميع المعاهد.

4.  واجب إعادة العمل بنظام الانضباط الذي كان سائدًا في مؤسساتنا التربوية في الستينيات من القرن العشرين لكن دون عنف أو تعسّف.

Le pédagogue suisse Philippe Perrenoud a dit : « L’absence d’autorité chez les enfants est une forme de maltraitance ».

5.  واجب تكليف تلامذة المعاهد بأربعين ساعة عمل تطوّعي داخل وخارج المعهد موزّعة على أربع سنوات. لا يُمنَحُ شهادة الباكلوريا مَن لم ينجزها كاملةً مهما ارتفع معدّلُه (إجراءٌ معمول به حاليًّا في دولة كندا متعددة القوميات والأديان والأعراق)، لأن الأخلاق تُمارَس ولا تُدرَّس. قالها الفاروق منذ خمسة عشر قرنًا ولم نسمعها ولم نَعِها: "انصحوا الناس بصمت". قالوا: "كيف يا عمر؟" قال: "بأخلاقكم (أي بسلوككم)". لو عمِلنا بهذه النصيحة فقط لَقطعنا نهائيًّا مع وعظ تُجار الدين وإرشادهم العقيم (La morale moralisante).

 

6.  اقتراحٌ ديداكتيكي لحل مسألة حجب الأعداد سوف يكون في صالح التلميذ والمدرس في آن: يجب سَحْبُ مهمة التقييم الجزائي (الأعداد-l’évaluation sommative) من جميع مدرّسي التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي وإسنادها إلى لجنة محايدة مثل ما هو معمولٌ به في الامتحانات الوطنية الثلاثة (السيزيام والنوفيام والباكلوريا) وإبقاء الحق لهم في التقييم التكويني فقط (l’évaluation formative). يجب على المدرس أن يهتم بالتقييم التكويني عوض التقييم الجزائي: الجزائي يعتمد على الجزرة والعصا (le modèle béhavioriste de Watson & Skinner) أما التكويني فيعتمد على البناء الذاتي للمعرفة (le modèle constructiviste et socioconstructiviste de Piaget & Vygotski). في التقييم الجزائي، المدرس يعامل تلميذَه "كما عامل بافلوف كلبَه" (قد يكون التعبيرُ جارحًا أو غيرَ لائقٍ، لذلك أعتذر من الزملاء والأولياء والتلامذة. قصدي علمي وليس أخلاقيًّا.). في التقييم التكويني المدرس يعامل تلميذَه كما يعامل الأب ابنَه، بِـودٍّ وإخلاصٍ. وراءَ كل مدرسٍ ناجحٍ نظريةٌ ناجحةٌ لكن المُنظّرُ التربويُّ الناجحُ ليس بالضرورة مدرسًا ناجحًا وأسوأ مثال هو روسو أسس علم التربيةَ وأهمل أبناءَه !.

(Émile ou De l’éducation est un traité d'éducation de Jean-Jacques Rousseau publié en 1762. Il demeure, aujourd’hui encore, l’un des ouvrages les plus lus et les plus populaires de philosophie de l'éducation.).

« On ne catégorise pas l’intelligence » Albert Jacquard

7.   واجب أن لا يُنتدَبَ في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي إلا الحاصلون على شهادة في إبستمولوجيا اختصاصهم وشهادة في علم التقييم وشهادة في علم نفس الطفل.

8.  واجب حَذْفُ نظام التفقد البيداغوجي في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي وتعويضه بنظام الزيارات المتبادلة بين المدرّس في قسمه والباحث التربوي في مخبره.

9.  واجب حَذْفُ سِلك القيّمين تدريجيًّا في الإعداديات والمعاهد وإسناد مهمتهم إلى الأساتذة بالتناوب على غِرارِ ما هو معمول به حاليًّا في المدارس الابتدائية وفي دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية.

في المدارس الابتدائية لا يوجد قيمون. هل تلامذة الإعدادي والثانوي أحوج للانضباط أكثر من تلامذة الابتدائي ؟ معاهد أمريكا دون قيمين.

القيم يُسَمّى عندنا مؤطرًا بيداغوجيًّا مرافقًا للتلميذ. هل دَرَسَ أكاديميًّا البيداغوجيا وعلم نفس الطفل وعلوم التواصل ؟

في المدارس الابتدائية المعلم يقوم بدور القيم دون مقابل. لماذا لا يفعل الأستاذ مثله ؟ هل مهنة الأستاذ أكثر مشقة من مهنة المعلم ؟

10.                واجب حَذْفُ جميع الإعداديات والمعاهد النموذجية لضمان العدلِ والإنصافِ وتكافئِ الفُرصِ.

11.                 واجب إلحاقُ مؤسسات التربية ما قبل المدرسية (الروضات، 3-6 سنوات) بوزارة التربية.

12.                واجب تأنيث الإطار التربوي في مؤسسات التربية ما قبل المدرسية (المحاضن والروضات، 0-6 سنوات)، لأن المرأة عادة ما تكون مهيّأةً جينيًّا (prédisposée génétiquement) لتربية الصغار أكثر من الرجل (الأم مدرسةٌ...).

الأم هي أول المعلمين، أحَبهم، أقرب للأولاد من الأب، لها دور هام في تطوير شبكة خلايا المخ عن طريق الرعاية والتدريب (Épigenèse cérébrale).

Ma source d’inspiration : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

13.                واجب رَفْعُ سن الدخول إلى المدرسة الابتدائية من سنّ ست سنوات إلى سنّ سبع سنوات كما هو معمولٌ به حاليًّا في دولة فنلندا (من أفضل الأنظمة التربوية في العالم) وذلك حتى يلعب الطفلُ أكثر ويَنضَجُ مُخّهُ أكثر قليلاً (la maturation du cerveau au niveau des synapses grâce au jeu ).

كيف ينضج المخ ؟ ينضج ببناء وصلات عصبية بين الخلايا المخية نتيجة تفاعل مستمر بين الجينات والمحيط (اللعب والتعلم مع الأقران). كل خلية مخية تَقدَر على إقامة عشرة آلاف وصلة عصبية مع مثيلاتها ليبلغَ العدد عند البلوغ إلى حوالي مليون مليار وصلة عصبية (Synapses).

 

14.                 الإصلاح التربوي لا يصحّ أن نسمّيه إطلاقًا إصلاحًا إلا إذا استفاد منه التلامذة الذين يتعرّضون لصعوبات في التعلّم لأسباب مادّية أو اجتماعية أو نفسية، وشمل التعليم بجميع مراحله (التعليم ما قبل المدرسي والابتدائي والإعدادي والثانوي والجامعي).

Le pédagogue suisse Philippe Perrenoud a dit : « Une réforme du système éducatif n’est un enjeu majeur que si elle profite, en priorité, aux élèves qui ne réussissent pas à l’école ».

 

 

 

 

 

 

 

 


 

ما الفرقُ بين الأساتذة الجامعيين الذين يدرّسون في الدول المتقدمة وزملاءَهم الذين يدرّسون في الدول العربية ؟

 

في الدول المتقدمة (الغرب واليابان وغيرها) يشتغل الأساتذة الجامعيون على الواقع (Le réel) مُراوحَةً بين النظري والتطبيقي. التجريبيون منهم يسكنون المخابر ويقومون بالتجارب، والإنسانيون يَسبُرون غورَ مجتمعاتهم ومجتمعاتنا ويفككون تعقدها (La complexité). هم إذن منتِجو معرفة عقلانية ومولِّدو علماء شبان جدد. مَثَلهم كَمَثَلِ التكاثر الجنسي لا ينتج إلا الأفضل المختلف المغاير.

أما في الدول العربية فالأساتذة الجامعيون يشتغلون على النصوص مركزين على الجانب النظري مهملين التطبيقي. ليست لهم مخابر مجهزة حتى يسكنوها ولا تجارب يجرونها (في أول التسعينيات، قال لي بودبّوس، أستاذي في الميكروبيولوجيا، أن ميزانية مخبره السنوية في كلية العلوم بتونس لا تتجاوز الألف دينار، مبلغٌ زهيدٌ لا يشري ثلاجة خاصة) ويُحرّم عليهم سياسيًّا سبرُ عمق مجتمعاتهم. هم إذن يكتفون مكرَهين بِنقل المعرفة ولا يولِّدون إلا أمثالهم أي ناقلي معرفة شبان. مثلهم كمثلِ التكاثر اللاجنسي لا ينتج إلا النسخ الباهتة المطابقة للأصل الباهت.

يُعرّف العلمُ الحديثُ بأنه اشتغالٌ على الواقع من أجل تفكيكه وفهمه واستنتاج قوانين علمية جديدة تُسَمّى خطأ "اكتشافات"، وتُعرّف السفسطة بالعنعنة والنقل دون استعمال العقل.

يبدو لي - دون الاعتماد على دراسة علمية - أن الجيل المؤسس، جيل الستينيات والسبعينيات، من أساتذة جامعاتنا التونسية في العلوم الإنسانية (الفلسفة والتاريخ والأدب) درَسوا في الخارج على علماء، فتخرجوا فلاسفة وأدباء وأساتذة مرموقين في علوم التاريخ والاجتماع، وأنتجوا لنا وللعالَم العربي معرفة، وهم على سبيل الذكر لا الحصر: محمود المسعدي، توفيق بكار، عبد الوهاب بوحديبة، هشام جعيط، عبد المجيد الشرفي، محمد الطالبي، يوسف الصديق، حمادي بن جابلله، أبو يعرب المرزوقي، محمد الشريف الفرجاني وغيرهم ممن لا أعرفهم أنا وهم أكيدٌ كُثْرُ.

أما الجيل الثاني، جيل الثمانينيات والتسعينيات، الذي درَس في الداخل على الجيل الأول، فقد تخرّج دون القيام بتجارب لغياب المخابر، لذلك نراهم أساتذة جامعيين، ناقلِي معرفة وليسوا منتِجِي معرفة كأساتذتهم من الجيل الأول. ثم بعد ذلك أصبح جل أساتذة جامعاتنا ببّغوات (ناقلو معرفة وليسوا منتجي معرفة) وجل متخرجينا ببّغوات تعلّموا على ببّغوات.

ما الحل؟

الحلُّ ليسَ جاهزًا.. ولا يمكن أن يملكه شخصٌ واحدٌ مهما بلغ من العبقرية. لكن ملامحَه واضحةٌ لمَن كان جادًّا في طلبِ الحلولِ العلمية وليست السياسية، وبعضها كالآتي: تقوية ميزانية التعليم في الابتدائي والثانوي والمهني والعالي، التركيز على الجانب التطبيقي دون إهمال النظري، تجهيز المخابر، تشجيع البحث الميداني في كل المؤسسات التربوية الابتدائية والثانوية والمهنية (Recherche Action) وهو رافدٌ أساسيٌّ للبحث الأساسي (La Recherche fondamentale) في مخابر الجامعات، تدريس الإبستمولوجيا في كل العلوم الصحيحة منها والتجريبية والإنسانية، وغيرها من الإصلاحات الضرورية المستعجلة.

 


 

 

 

 

 

 

17

حول التوجيهِ المدرسيِّ

 
فكرةٌ طريفة حول التوجيهِ المدرسيِّ

 

زارني اليوم مساءً مهندس كندي من أصل تونسي، رشاد حفيّظ الجمني، فردٌ محترمٌ جدًّا جدًّا من العائلة الموسّعة، جاء ليقدم لي واجبَ التعزية في المرحوم صالح كشكار، أخي الأكبر. حدّثني عن التوجيه في معاهد كندا وقال: دعتني مرة مستشارة التوجيه لألقِي محاضرةً تطوّعًا في معهد لتلامذة شعبة العلوم (ما يقابل مستوى ثانية ثانوي عندنا) حول مهنة المهندس وآفاقها. محاضرةٌ تدومُ تقريبًا ساعةً وساعةٌ ثانيةٌ خصّصتُها للرَّدِّ على تساؤلات التلامذة الحاضرين. قد يكون المدعوُّ المتطوّعُ طبيبًا أو مهندسًا معماريًّا أو تقنيًّا ساميًا أو غيره من الاختصاصات العلمية في الجامعة.

 

فكرةٌ، أودّ أن يقتنعَ بجدواها مسؤولو وزارة التربية ومستشارو التوجيه الميامين ويُنفّذوها بدايةً من السنة القادمة فهي لا تتطلّبُ ميزانيةً ونفعُها مضمونٌ بِحولِ الله.

 

تعليق فيسبوكي (Hassen Abdelaziz Chouk):

قمنا بنفس الفكرة سنة 2017 أو 18 في مدرستي بسوسة لسنوات السادسة وذلك باستدعاء رجال ونساء من أهل الإختصاص وكل مِهَنِي ارتدى بدلته المهنية بقدر الإمكان. فحضر الطبيب والقاضي والمهندس والنجار واللحام والصياد والفلاح. سهرنا على أن تكون مُحكمة وهادفة ومكنّا أبناءنا بالتفاعل التلقائي. كان لها إفادة عميقة لهم ولنا الانشراح والسعادة.


 

 

 

 

 

 

 

18

أي مدرسة أعددنا في تونس للأجيال القادمة سنة 2050 ؟

 

 

 


 

أي مدرسة أعددنا في تونس للأجيال القادمة سنة 2050 ؟ ترجمة وتونسة مواطن العالَم

 

قال أستاذي وصديقي، عالِم البيداغوجيا والديداكتيك الفرنسي (فلسفة أو إبستمولوجيا التعليم) ، الأستاذ أندري جيوردان في كتابه "تعلّمّ" 1998، صفحة 247:

في القرن الثامن عشر، كانت موسوعة واحدة تكفي للتوثيق لجميع معارف العصر. أما اليوم فعلوم المخ وحدها تنتج كل عام ما يعادل كمية من المنشورات العلمية بسُمك خمسين متر.

بعض الخبراء يقدّرون أن المعارف البيولوجية تتضاعف كل خَمس أو ست سنوات، وكل سبع أو ثمان سنوات في التكنولوجيا. أما في الروبوتيك أو تقنية المعلومات فصلوحية بعض المعطيات لا تصمد أكثر من ثلاث سنين، وكل ثمانية عشر شهر يُولد جيل جديد من الشرائح الألكترونية. ما هي المعارف التي ستبقى "صالحة" في 2020 أو 2040 ؟   وما هي المعارف الجديدة التي ستنبثق من رحم القديمة ؟

القراءة والكتابة والحساب، صحيح أنها كفايات أساسية، لكنها أصبحت غير كافية للتأقلم مع متطلبات الألفية الثالثة (2050). الألفية الثالثة تتناقص فيها أهمية الأخبار المكتوبة (الجرائد) وتطغى فيها الصورة (التلفزة والأنترنات)، فبأي زاد معرفي سيحل تلميذ المستقبل شفرة تواترات الصور (L`enchaînement d`images dans les journaux télévisés et les documentaires) والنصوص الرقمية (Hypertexte) ويحدد مصدرها ونجاعتها ووجاهتها. عليه إذن أن يتعلم كيف يتعلم: "لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد". شيء يحتاج إلى بعض التفكير وإلا فَقَدَ المَثَل الصيني معناه. على الأفراد تحضير أنفسهم لإدارة المنَظَّم (L`organisé) وغير المؤكد (L`incertain) وغير المنتَظر (L`inattendu). تغيرت الأولويات، لم يعد مطلوبا من المدرسة أن تكتفي بتعليم محتوى المواد بل عليها إتاحة الفرصة والوقت للتلميذ للإلمام بجميع معارف عصره واكتشاف ما خفي منها ("أن الغباوة في اعتقاد الفرد فهم الأشياء، لا بكشف ما حجب منها، بل بتصديق ما كشف منها") وما ليس واضحًا أو مألوفا وتدريبه على طريقة استقصاء تجعله قادرًا على مجابهة التحديات الحالية والمحتملة.

تطوير ملكة التعلم عند التلميذ تُعدّ أهم من حشو دماغه بمعلومات قد تفقد قيمتها بسرعة جنونية.  يصبح من الأكيد إذن وقبل كل شيء أن نكوّن عقولاً قابلة للتساؤل حول العالَم وحول نفسها، ونربي مواطنين قادرين على مناقشة الرهانات الاجتماعية المعاصرة. فلنرجّح إذن تملّك منهجية في التفكير ونمنحها مكانة هامة في التعليم. على التلميذ أن يضع موضع التنفيذ البحوث الوثائقية والتجريبية والشمولية (Systémiques) وممارسة النمذجة (La modélisation) والحِجاج (L`argumentation) والمحاكاة (La simulation).

لم يعد المطلوب فقط تعلّم حل المسائل بل أصبح المُلِحُّ أكثر هو التوصّل إلى بسط المسائل بوضوح داخل وضعية تعلمية. ولم تعد الأولوية في التعليم تتمثل في البحث عن المعلومة بل أصبحت الأولوية في فرزها وترتيبها ومناقشة وثاقة صلتها بالموضوع...

إعطاؤنا الأهمية لتملّكِ تمشيات في التفكير وتطوير شخصية التلميذ لا يجب أن يحجب عنا أهمية المعلومات (Les connaissances). لكن وفي هذا الإطار بالذات فإن التغييرَ في علاقتنا بالمعارف (Les savoirs) يفرض نفسه هنا أيضا، ولا زال للمعلومات سببٌ للوجود، ودونها لا نستطيع تطوير سلوكيات (Des comportements) أو معالجة منهجيات (Des méthodes) شريطة أن تكون معلومات قابلة للتلف البيولوجي (« biodégradables ») حتى لا تُحنِّط الفكر في لحظة يحتاج فيها إلى مرونة قصوى. لكن من ناحية أخرى يجب استغلال بعض المفاهيم "الكبرى" كعناصر منظِّمة أو ضابِطة للفكر. هذه المبادئ الأساسية يجب أن تُختار من أجل إيجاد رابط بين أخبار العالم ومن أجل تمكين الفرد من التموقع وتجديد ترسانته التخيلية (الزمن، الفضاء، المادة، الأخبار، التنظيم، الضبط، الذاكرة، التطوّر، إلخ).

وفي نفس الوقت يصبح من الضروري نقد المعارف التي نتناولها. والأهم من المعارف نفسها هو التفكير في الرابط بين المعرفة والثقافة والمجتمع أو بين المعارف والقِيم (Les connaissances ne changent pas automatiquement les valeurs).

وعلى التلميذ أن يتفطن لإمكانية تواجد عدة حلول لمشكل واحد، وكل حل منها يُفهم في سياقه. أو قد لا يوجد حل بالمرة أو قد تكون الحلول أسوأ من المشاكل نفسها ويصبح السؤال أهم من الجواب... أو يحيلنا الحل على إطار جامد متكلس، والسؤال على استقلالية التفكير لدى الفرد. وفي هذا الاتجاه تصبح المعرفة تساؤلا وجيها في محله أو ربطا وإبداعا وبلورة لوجهة نظر. فتصبح أداة في خدمة مشروع: مشروع فرد يحضنه مجتمع.

 

 

 


 

 

 

 

 

19

مسلّمة خاطئة:

"التعليم في عهد بورقيبة كان أفضل"


 

في عهد بورقيبة التعليم كان أفضل: مسلّمة خاطئة

 

التعليم في عهد بورﭬيبة كان انتقائيا: من 100 يدخلون الابتدائي، 14 فقط يصلون إلى الجامعة. والمفارقة الكبرى أن ضحاياه هم الذين يمجّدونه. وكل الكهول الذين يشيطنون الشباب يتناسون أنهم يتحملون مسؤولية جزئيّة في تربيتهم والجزء الأكبر تتحمله هيمنة العولمة الثقافية الغربية.

أيّهما أولَى بالتقريع، جيلي أم جيل أبنائي ؟

جيلُ الكهولِ وجيلُ الشيوخِ، جِيلِي، جيلُ الخمسينياتِ والستينياتِ والسبعينياتِ، يلومُ جيلَ الشبابِ على عدمِ إقبالِه على المطالعةِ والقراءةِ والكتابةِ. نصَبَ له محكمةً، حَكَمَ عليه وانتهى.

يبدو لي أن التهمةَ نفسَها باطلةٌ لأن جيلَ الشباب جيلٌ يقرأُ، يكتبُ، يشاهدُ، يسمعُ، يعلقُ، ويحاورُ أكثر ألف مرة من جيلِي، والدليلُ موثق بالصوتِ والصورةِ، في صفحاتِ الفيسبوكِ وفيديوهاتِ اليوتوبِ ومهرجاناتِ السينما والمسرحِ. جيلٌ يقرأُ ما لا نقرأُ ويشاهدُ ما لا نشاهدُ، اهتماماتُه علميةُ، تكنولوجيةُ، سينمائيةُ، مسرحيةُ، موسيقيةُ، فكريةُ، تربويةُ، تعليميةُ، مُتْعَوِيةُ، أدبيةُ، اجتماعيةُ وسياسيةُ، لكنهااهتماماتٌ تختلف عن اهتماماتِنا، وهذا ما لم يستوعبْه جِيلِي، لكن العينَ لا ترى إلا ما تريدُ أن ترى !

وهل رأينا كبارَنا يقرؤون في الفضاءات العامة حتى نلومَ صغارَنا ؟ من أنتم حتى يتخذَكم جيلُ المستقبلِ قُدوةً ؟ أرى مع الأسف أنه جيلٌ أغلبُه فاشلٌ في دراستِه، فاشلٌ في حياتِه، فاشلٌ في تربِية أولادِه وبناتِه، فاشلٌ في نضالِه، فاشلٌ مع المرأةِ والمرأةُ فاشلةٌ مع الرجلِ، فاشلٌ مع النظافةِ، متأقلم مع الوساخةِ، فاشلٌ في الإبداعِ، متأقلمٌ مع الفشلِ نفسِه ! وأعتذر مرة أخرى عن الحِدّة والتعميم.


 

20

حول شهادة الدكتورا

 

شهادة الدكتورا !

 

اِقرأْ، قُصّْ، لَصِّقْ، اسأل عيّنةً صغيرةً أو لا تسأل ورَكِّبْ، رَتِّبْ، صَنِّفْ، لَخِّصْ، استنتجْ، اسرقْ علمًا ولا تَنسِبْ ولا تُنَسِّبْ، انتهزْ فرصة، استشهدْ ومن عملِ غيرك ودون جهدٍ استنفعْ، أعِدْ بناءَ عِلمَ العلماء الغربيين ودون تجديدٍ حقيقيٍّ جدّدْ، اجترْ اكتشافاتهم، صُغْها كما يحلو لك ولصورتِهم البهيةِ شوِّهْ، ولكلامهم دون رقيبٍ ودون ضميرٍ حَرّفْ، ثم ضعْ كل ما جنيتَ في سلّةٍ جميلةٍ وسمِّها أطروحةً، اعجنْ محتواها، اعصِرْ، جفّفْ وانشُرْ، وقبل النشرِ لا تغفل عن عرضِ بضاعتك-بضاعته على المؤطّرِ، أمامه اِركعْ وسَلِّمْ لعل اجتهادك في طاحونته يُصلَح أو يُهمَلْ، شأن لا يعنيكْ حتى ولو لم "يُرضِيكْ"، يُعدّلْ وعلى هواه دون استشارتك يُشطِبْ ويُبدّلْ، ومن عليائه ودون تمحيصٍ يَحذفْ. مطرقة مدير الأطروحة وسندان البحث العلمي، بينهما إرادتَكَ تُطحنْ وعفويتَكَ تُكبَتْ وعبقريتَكَ تُكتَمْ وحريتَكَ تُقمَعْ وشجاعتَكَ تقتَلْ، أكيدٌ تنجحْ، زَوِّقْ عملَك زَوِّقْ، وفي النهاية وعلى شكل مسرحيةٍ وأمام لجنةٍ غير مختصة فيلمَكَ قدّمْ، عشرون دقيقة لا أكثر لتقديمِ وشرحِ بحثٍ دام سنوات، في كل الحالات يصفق لك جمهورٌ أبكمٌ ويشكركَ أعضاء اللجنة، يدخلون الخُلوةَ وأنت تخرجُ، تُشعِلُ سيجارةً بينما اللجنةُ تقرّرْ، وقبل رَفْسِ الثانية يدعونك فتهرولْ لتسمع دون مفاجأةٍ ما على الملأ سيُعلَنُ: مبروك الحج (الدكتورا) يا حاج (دكتور). حاجٌّ لم يزُرْ مكةَ (مخبر البحث العلمي الذي لم يُدَشَّنْ). نِلتَها وكأن ما نالَها قبلك أحدٌ، نِلتَها دون عناءْ أو بعناءْ ولكن دون لذةٍ أوانتشاءْ. (مقال مستوحَى من محاضرة للفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفري)

 

 

 


 

 

21

حول العلم والإيديولوجيا

 

 

 

 


 

Science et idéologie : exemples en didactique et en épistémologie de la biologie.

Extraits d`un article de Pierre CLÉMENT (mon ancien encadrant français de DEA & thèse, 1998-2007), LIRDHIST, université Claude Bernard, Lyon I, colloque Sciences, Médias et Société, 15-17 juin 2004, Lyon, ENS-LSH, http://sciences-medias.ens-lsh.fr/article.php3 ?id_article=58

 

Mots-clés: biologie,  idéologie, didactique, épistémologie.

 Je souhaiterais proposer ici la pertinence d’une approche didactique et épistémologique pour contribuer à l’analyse des rapports entre médias, sciences et société.

L’interaction entre science et idéologie est au cœur des travaux des philosophes des sciences, à partir des écrits des scientifiques. Mais les caractéristiques que les pratiques d’enseignement ou de vulgarisation confèrent à cette interaction sont plus rarement objet de recherches.

J’entendrai ici par « idéologie » à la fois l’idéologie scientifique que Georges Canguilhem, dans le sillon de Gaston Bachelard puis Michel Foucault et Louis Althusser, a magistralement mise en évidence dans l’histoire des sciences de la vie, mais aussi l’idéologie de tout enseignant ou autre médiateur culturel des sciences. C’est l’interaction entre les systèmes de valeurs et les connaissances scientifiques qui nous intéressent. À une époque où l’enseignement et la vulgarisation scientifiques tentent de fonder une nouvelle citoyenneté sur plus de connaissances scientifiques, il est nécessaire de clarifier les limites de ces connaissances, et d’identifier les systèmes de valeurs de ceux qui sont chargés de les diffuser, pour qu’ils en soient moins prisonniers à leur insu, et ne proposent pas aux futurs citoyens des discours contradictoires d’un pays à un autre au moment même où se construit, lentement et laborieusement, l’idée d’une identité européenne.

Nouveaux regards de la didactique des sciences

La didactique des sciences s’intéresse aux processus de  transmission/appropriation de connaissances scientifiques dans toute situation : aussi bien face à des médias que dans des contextes d’éducation formelle. La didactique ne peut se passer d’une approche épistémologique et historique des contenus scientifiques, ni de l’analyse de leurs enjeux sociaux.

Emprunteuse de démarches et concepts issus d’autres champs des sciences humaines et sociales - sciences de la cognition, sciences du langage, anthropologie, sociologie, psychologie, etc. -, la didactique des disciplines a aussi forgé ses propres démarches et concepts. Ces derniers relèvent de trois approches complémentaires (Clément 1998), que je vais présenter successivement.

Analyse des conceptions des apprenants et des autres acteurs du système éducatif

Dans une perspective constructiviste, il est essentiel d’analyser les conceptions initiales de ceux à qui est destiné un message scientifique  que ce soit dans un contexte scolaire ou autre : pour mieux comprendre leurs difficultés à assimiler ces nouvelles connaissances - analyse des obstacles éventuels à ces acquisitions -, comme pour évaluer les changements conceptuels à la suite d’un apprentissage.

Les conceptions sont ici entendues dans le sens le plus large 

1) En y incluant les motivations par rapport à une question scientifique,  nous savons en effet que ces dimensions affectives sont essentielles aux apprentissages. Si un cours, une conférence ou une exposition scientifique donne, à celui ou à celle qui l’a suivi, l’envie d’en savoir plus, de faire des enquêtes, alors c’est gagné !

1)     En les analysant comme l’interaction entre trois pôles : KVP (figure1).

Figure 1 : Les conceptions en tant qu’interaction entre les trois pôles KVP

Le pôle K représente les connaissances scientifiques. La référence est ce que les chercheurs publient, mais les connaissances de chacun sont à la fois assez proches, dans leur contenu, de ces connaissances spécialisées, tout en s’en différenciant fortement.

Or cette personnalisation de l’assimilation individuelle de connaissances s’effectue en fonction des deux autres pôles, P et V. D’une part, c’est l’usage de mes connaissances qui me permet d’en assimiler, retenir, refaçonner tout ce qui est utile à mes pratiques : professionnelles, personnelles et/ou sociales (pôle P). D’autre part, l’attention que chacun porte à des connaissances, l’importance qu’il leur donne, dépend souvent de l’interaction entre ces connaissances et ses propres systèmes de valeurs (pôle V).

C’est l’ensemble de ces interactions qui est l’objet de nos recherches et projets de recherche. La spécificité de ces travaux (au sein du LIRDHIST) est d’utiliser une méthode contrastive :

- d’une part par une approche historique qui permet a posteriori d’analyser l’évolution des connaissances scientifiques sous l’angle de leurs interactions avec les pratiques sociales et avec les valeurs dominantes de chaque époque. L’approche historico-épistémologique s’intéresse aux connaissances des chercheurs - ou plutôt à leurs conceptions = leurs KVP. L’approche historico-didactique analyse celles des enseignants et des autres acteurs du système éducatif, à chaque époque. Elle pourrait aussi être étendue aux acteurs de la médiatisation des sciences ;

- d’autre part par une comparaison de pays à pays, à l’époque actuelle, avec le même objectif - interactions KVP : par exemple, au sein des pays européens, ou tout autour de la Méditerranée, les auteurs des programmes et les enseignants ont-ils les mêmes conceptions sur un certain nombre de questions vives qui font partie des enseignements scientifiques (évolution, sexualité, santé, environnement, éducation civique, etc.) ? (…).

Analyse comparative des conceptions d’enseignants

Les conceptions craniologiques d’enseignants et étudiants sur les cerveaux d’hommes et de femmes : En 1861, Paul Broca, éminent neurobiologiste et chef de file de la craniologie, mesura le poids des cerveaux d’hommes et de femmes, ces derniers étant nettement moins lourds. Broca mit en relation cette « infériorité physique » avec ce qui était admis à cette époque : l’« infériorité intellectuelle » des femmes. Cent vingt ans après, Stephen J. Gould (1983) a réanalysé les données originales de Broca, et a montré que les différences de poids de ces cerveaux étaient d’abord liées à la taille des individus, puis à leur âge, puis à la présence ou absence de méninges, etc. : le paramètre sexe n’intervient pas ! Par ailleurs, d’autres travaux ont prouvé que, dans l’espèce humaine, il n’existe aucune relation entre le poids du cerveau et l’intelligence (synthèse dans Vidal 2001).

Mais plus d’un siècle de croyances craniologiques a marqué des générations d’enseignants et de journalistes scientifiques, ainsi que leurs élèves ou publics ; il s’est inscrit dans notre langage quotidien - « grosses têtes », etc. Les conceptions des enseignants ont-elles pour autant évoluées de la même façon dans tous les pays ?

Nous avons mené une enquête, dans plusieurs pays européens ou méditerranéens. (…). Il ressort de ces résultats que l’argument craniologique (poids et/ou taille du cerveau lié aux performances cérébrales dans l’espèce humaine) est encore très présent dans certains pays, alors même qu’il n’a plus aucun fondement scientifique : cette thèse est désormais uniquement idéologique. Cet exemple montre que :

- le discours des scientifiques peut ne pas être dénué d’une idéologie ici mise en évidence avec le recul historique ;

- quand l’idéologie sexiste est largement nourrie de ces discours scientifiques, elle peut résister aux nouvelles démonstrations scientifiques. En particulier dans certains contextes sociopolitiques, particulièrement au Liban (où un enseignant ou étudiant sur deux invoque cet argument, quelle que soit sa discipline), et en Tunisie (un enseignant sur trois) ;

- dans ces derniers cas, et de façon plus générale, la formation des enseignants et futurs enseignants mériterait d’être attentive à ces interactions entre science et idéologie. Il en est de même pour la formation des journalistes et autres médiateurs scientifiques.

Notons enfin que l’idéologie déterministe dont témoigne cet exemple sur la craniologie, se retrouve dans bien d’autres domaines très médiatisés, qu’ils soient scientifiques ou non : la prédestination divine, l’astrologie, la chiromancie, la physiognomonie relayée par la morphopsychologie, l’iridologie, etc., et plus récemment le déterminisme génétique.

Nous sommes pourtant à l’heure où les scientifiques proclament la « fin du tout-génétique » (Atlan 1999 ; Kupiec, Sonigo 2000), à l’heure où le séquençage du génome humain montre que nous sommes loin de posséder les 150 mille gènes initialement escomptés, et que nous en avons moins de 25 mille (deux fois moins que le riz ou la rose), à l’heure où l’importance des processus épigénétiques commence à être reconnue : épigénèse cérébrale mais aussi épigénèse de l’ADN et lors de la synthèse des protéines. Les journalistes ne commencent que très timidement à diffuser ces nouvelles approches de la complexité qui contestent l’idéologie réductionniste du tout-génétique (voir par exemple le hors-série de Sciences et Avenir, 136, 2003). Mais les programmes et manuels scolaires sont jusqu’ici restés plus timides, continuant par exemple à enseigner la notion pourtant très contestée de « programme génétique » (Abrougui, Clément 1997b ; Forissier, Clément 2003a). (…).

Analyse comparative de documents scientifiques

Un exemple dans une publication scientifique primaire : les cerveaux des hommes et des femmes : En février 1995, la célèbre revue Nature reprenait en couverture de son numéro 373 deux images de coupes de cerveau humain, avec différents niveaux de gris sur lesquels se détachent quelques taches rouges, symétriques sur une des coupes, d’un seul côté sur l’autre. Sous ces images, une seule légende en gros caractères : gender and language. À côté du sommaire, un commentaire présente cette image : [...] A long-suspectedsexdifference in the functionalorganization of the brain for languageisconfirmed [...]. Le titre de la publication est: « Sex differences in the functional organization of the brain for language » (Shaywitz et al. 1995).

Les journalistes ont largement repris le message illustré par cette image spectaculaire, dont j’ai analysé qu’il est plus idéologique que scientifique (Clément 1997, 2001b). Ils ont expliqué que le cerveau est à l’origine des performances cérébrales telles que le langage, et que les différences de latéralisation observées seraient à l’origine de caractéristiques spécifiquement masculines ou féminines.

 

J’ai analysé de façon détaillée ces articles dans différentes revues de vulgarisation scientifique. Je ne présente ici que deux points.

Tout d’abord, les neurobiologistes savent aujourd’hui que le cerveau humain naît immature, et qu’il se configure progressivement par épigénèse cérébrale au cours de laquelle des réseaux neuronaux se stabilisent progressivement en fonction de l’expérience individuelle (voir par exemple Changeux 1983, 2002 ; Edelman 1987 ; Fottorino 1998).

La relation entre le cerveau et le langage est à double sens, incluant la rétroaction de l’épigénèse cérébrale généralement oubliée par les journalistes et, ce qui est plus inquiétant, par les éditeurs de la revue Nature. Une éventuelle différence de latéralisation entre cerveaux d’hommes et de femmes ne prouve pas que ce serait une donnée biologique de naissance. Elle peut tout aussi bien être la conséquence de comportements différenciés. Le commentaire de la revue Nature - « A long-suspected sex difference » - est donc plus idéologique que scientifique.

Une lecture attentive de cet article de la revue Nature (Clément 1997, 2001b) montre également que les résultats concernent aussi une absence de différence entre cerveaux d’hommes et de femmes pour les deux autres fonctions testées - nommées « orthographiques » et « sémantiques » par les auteurs - ; et que la différence « phonologique » est à peine significative au seuil de 5 %, la spectaculariser par le choix du titre et des illustrations, et par la reprise en couverture, relève donc de choix idéologiques, qui sont assumés par les éditeurs mêmes d’une publication primaire aussi prestigieuse. Comment s’étonner ensuite que les journalistes scientifiques aient repris ce message idéologique clair, sans distance critique sur ses fondements scientifiques - difficiles à appréhender? (…).

 

Est-ce que le débat entre l`inné (le tout génétique) et l`acquis (l`épigenèse) est un débat idéologique ou scientifique et est-ce qu`il est dépassé aujourd`hui ?


 

22

حول مسيرتي الجامعيةٌ

 


 

مسيرتي الجامعيةٌ، مسيرةٌ متعثِّرةٌ ومتقطعةٌ، مسيرةٌ لا يُحتذَى بها

 

-       في سن 22 تخرجتُ أستاذ إعدادي (Ecole normale des professeurs adjoints-ENPA, Tunis, CAPES sans Bac en 1974). (سنتان جامعة)

-       في سن 28 حصلت على الباكالوريا الجزائرية (Annaba, 1980).

-       العودة الأولى للدراسة بالجامعة سنة 1983: في سن 31 درست فلسفة بالمراسلة في جامعة فرنسية (Université de Reims, France, 1983)، عامٌ تُوِّجَ بالفشلِ جرّاءَ كُلفةِ التنقل المالية لإجراء الامتحانَيْنِ، الكتابي والشفاهي، المتباعدينِ زمنيًّا، والتي لم أقدر على مجابهتِها (سنة واحدة جامعة).

-       العودة الثانية للدراسة بالجامعة سنة 1990: في سن 41 حصلت على الأستاذية في علوم الحياة والأرض (Université Tunis1, 1993)، (3 سنوات جامعة).

-       العودة الثالثة للدراسة بالجامعة سنة 1998: في سن 48 حصلت على ديبلوم الدراسات المعمقة في ديداكتيك البيولوجيا (Cotutelle Université Tunis1 & UCBL1, France, 2000)، (سنتان جامعة).

-       انقطاعٌ دام سنتين لأسباب نفسية من شدة الإرهاق جرّاء تجمّع مشقة التدريس ومشقة الدراسة متنقلاً سنويًّا بين تونس وفرنسا (Dépression).

-       العودة الرابعة للدراسة بالجامعة سنة 2002: في سن 55 حصلت على شهادة الدكتورا في ديداكتيك البيولوجيا (Cotutelle Université Tunis1 & UCBL1, France, 2007)، (5 سنوات جامعة). لِمَن لا يعلم، أقول أن شهادة الدكتورا لا تمثل قِمَّةَ العلمِ في الاختصاص بل تمثل بطاقة دخول إلى مجال البحث العلمي وهي في سن الـ25 أفضل منها في سن الـ55.


 

نقائص ثقافتي العامّة خمس نقائص ؟

 

1.  أهمّها وأخطرها: لا أتقن اللغة الأنـﭬليزية قراءة وكتابة ونطقًا، وأقِرّ بأن هذه النقيصة تُعدّ بمثابة "فقر دم ثقافي".

2.  أجهل تقريبًا جل معارف التاريخ والجغرافيا وعيبي أتى من ضيق تخصصي.

3.  لم أكتسب ذائقة فنية تمكنني من الاستمتاع بلوحات الرسم المشهورة والسمفونيات الموسيقية الراقية والسبب يكمن في نظامنا التربوي الذي لم يوفر لي الفرصة.

4.  لم أدرس علم الأنتروبولوجيا واليوم أعتبره أهم مجال من مجالات معرفة الإنسان.

5.  أنفقتُ أغلب وقت فراغي في سن الشباب في مطالعة كتب الإيديولوجيات وخاصة الماركسية منها ويا ليتني ما فعلت.

 

 

 

 

23

حول اليوم المفتوح للأولياء

وحول الأوقاف لخدمة التعليم

 


 

يومٌ مفتوحٌ للأولياء

 

أقترح سَنّ عادة سنوية تربوية حميدة نطلق عليها اسم "يومٌ مفتوحٌ للأولياء". تظاهرة تُنظَّم داخل كل مؤسسة تربوية في آخر السنة، يومٌ يَعرِضُ فيه التلامذة المهارات والكفاءات التي اكتسبوها في المدرسة بعد سنة من التدريب: مثلاً، تلامذة الشعب العلمية يعرضون في الساحة تجاربهم المخبرية حتى يطّلع الولي على المعرفة المتقدمة التي يدرسها ابنه ليطمئن قلبه وعقله فيشجّع ابنه أكثر على تحصيل العلوم والتقنيات والأدب والفلسفة.


 

أوقاف لخدمة التعليم (des fondations caritatives)

 

لماذا لا نسعي لتمكين كل مؤسسة تربوية من مساحة فلاحية تقدر بهكتار أو هكتارين يُنشِئون عليها وقفًا فلاحيًّا (un fond agricole) يكون على ملك المؤسسة وباسمها، مساحة يزرعها التلامذة أنفسهم ويرعونها في نطاق العمل التطوّعي. سمعتُ عن مدرسة في الجرسين (ولاية ﭬبلي) تملك بستان "دﭬلة نور" يدرّ عليها دخلاً سنويًّا يُقدّر بحوالي عشرين ألف دينار (في مقهى الشيحي، قال لي المعلم-المدير الجمني المتقاعد مختار الـﭬـلالي أنه مؤسسها، مريّض الله يشفيه)، ورأيت بأم عيني نفس الشيء في معهد جمنة، مسقط رأسي.

 

قبل إلغاء نظام الأوقاف من قِبل بورﭬيبة كانت مجموعة من المتاجر في نهج الصادقية (جمال عبد الناصر حاليا) تنفق على مدرسة الصادقية. (المصدر: علي تريعة، متفقد عام سابق في علوم الحياة والأرض).

لماذا لا نوفر فرصة لبعض الميسورين لتقديم خدمة للتعليم وذلك بتمكينهم من وَقْفِ بعض أملاكهم أو كلها وتوريثها شرعًا لفائدة بعض مؤسساتنا التربوية.

 

 

 

 


 

24

تكريم ماريا مونتيسوري

 


 

ماريا مونتيسوري مؤسِّسة البيداغوجيا العلمية لا يعرفها الكثيرُ من مدرّسينا

 

مكتشفة "البنائية" (le constructivisme) قبل بياجي وفيـﭬوتسكي ومؤسِّسة البيداغوجيا العلمي، وُلدت سنة 1870 في إيطاليا من عائلة بورجوازية، تخرجت طبيبة نفسية، فتحت عيادة ثم تخلت عن مهنة الطب وتوجهت للبيداغوجيا، جددت فيها، ابتكرت، نظّرت، ألفت كتبًا ودرّستها في الجامعة. حوالَي سنة 1921، هاجرت إلى إسبانيا بعد ما أغلق المعلّم الفاشي موسولوني  كل مدارسِها في إيطاليا. رحَّبَ بها العالَمُ الغربي، هلّل لها وصفّق في بريطانيا وأمريكا أين التقت برئيسها. في الهند قضت سبع سنوات في شبه إقامة جبرية بسبب ابنها الذي خرج من سجن هندي بأمرٍ من غاندي لكنها واصلت هنالك تجاربَها وبثت في محيطها أفكارَها العبقريةَ. رحلت إلى هولاندا سنة 1947، أين "استقرت" خمس سنوات ثم ماتت سنة 1952.

مونتيسوري قالت: "رغم أنني خصصتُ 40 عامًا من عمري في البحث عن الحقيقة لدى الأطفال، فالطفولةُ ما زالت في نظري ينبوعًا لا ينضب أبدًا ومُولّدًا خصبًا لكل أملٍ. الطفولةُ جسّمت أمام عينَيَّ وحدةَ الإنسانيةِ: يتكلمون تقريبًا في نفس العُمر مهما كان المحيط الذي يعيشون فيه ومهما كانت هُويتهم أو ظروفهم الاجتماعية. يتعلمون المشيَ، يفقدون أسنانَ الحليبِ في فترةٍ معروفةٍ من حياتِهم. أما في المجالِ النفسي، فهم يتّصفون بنفس الصفات ويحملونَ نفسَ الإحساس".

صاحبة المقولة الشهيرة "ساعِدْنِي على أن أتعلّمَ بنفسي" (Aide-moi à faire seul).


 

25

حول ذكرياتي الطريفة مع أساتذتي وتلامذتي

 


 

بعض ذكرياتي الطريفة مع تلامذتي، لو لم تخنّي الذاكرة ؟ 

 

1.   عام 1976، مع السنة الثانية ثانوي (الثامنة اليوم)، إعدادية غار الدماء: تلميذٌ أخذ عددًا ضعيفًا، قال لي: " اهْرَدْتْنِي في العدد ميسيو"، تعوذتُ من الشيطان، الكلمة قبيحة في جمنة.

2.   عام 1977، مع السنة الثالثة ثانوي (التاسعة اليوم)، إعدادية غار الدماء: كنتُ بصدَدِ تقديم معوّضتي في هذا القسم، وظنًّا مني أنهم يعشقونني ككل أستاذ شاب (25 عام)، جئتُ لأخفّفُ عنهم وطأة فقدان الدرّة النادرة. أنهيتُ تقديم زميلتي الجديدةَ، وعند مغادرتي القاعة وقبل أن أغلق الباب، سمعتُ تلميذًا من تلامذتي السابقين يقول: "ارْتِحْنا من رَبَّكْ". درسٌ قاسٍ، لن أنساه ! (أعتذر للقارئ عن ذكر "الجملة" كما وردت على لسان التلميذ).

3.   عام 1992، مع السنة السابعة، معهد بومهل في بدايته: تلميذٌ نحيفٌ وسيمٌ، التحق بالمعهد في الثلاثية الثانية، سألته عن السبب، قال: "رفتوني نهائيًّا من المعهد الذي كنتُ فيه". قلتُ: ما السبب ؟ قال وعيناه في الأرض: "صفعتني أستاذتي على وجهي، فقلت لها: كَفْ من إيديكْ كِي العسلْ". تبسمتُ وربّتُّ على كتفيه بلطفٍ.

4.   عام 1995، مع السنة الثالثة رياضيات، معهد برج السدرية، الحصة الأولى، حصة التعارف: تلميذٌ جدِّيٌّ، بادرني وقال: "أنا أكره العلوم وأستاذ العلوم". نزل عليّ وقتها "العْقَلْ"، لا أعرفُ من أين نزلْ (ليست عادتي)، وأجبته مبتسمًا: إن شاء الله معي أنا هذه السنة سوف تحب العلوم وأستاذ العلوم. وكان الأمر كذلك والحمد لله وللسنّ، وهو اليوم "باش مهندس أدْ الدنيا". بعد التخرّجِ، كان كلما لاقاني يحييني بأدبٍ.


 

بعض ذكرياتي الطريفة مع أساتذتي الأجانب في الستينات، لو لم تخنّي الذاكرة ؟ 

 

1.   عام 1967، سنة ثالثة ثانوي (التاسعة اليوم)، إعدادية سيدي مرزوڤ بڤابس، أستاذ الأنڤليزية أمريكاني، مِيسْتَر...: كان لطيفًا معنا، كان يخالف القانون الداخلي ويُخرِجنا للراحة في التاسعة والعاشرة طبعًا. كان يستقبلنا في داره يوم الأحد لنتحدث بالأنڤليزية ويعوم معنا في الشط. سلوك ودّي حبّبنا في أستاذنا ورغّبنا في المعرفة، حركةٌ لم يفعلها معنا أي أستاذ تونسي خلال دراستنا الثانوية.

2.   عام 1968، سنة رابعة ثانوي علوم فلاحية (الأولى ثانوي اليوم)، المعهد الفلاحي ببوغرارة صفاقس، أستاذ الرياضيات، مِيسِيو شاسّاني: كان رقيقًا معنا، زارني مرة في دارنا بجمنة، أكل معنا وأخذنا في فسحة بسيارته. زيارة وفسحة ودّيتان حبّبتاني في أستاذي، حركتان جميلتان لم يفعلهما معي أي أستاذ تونسي خلال دراستي الثانوية.

3.   عام 1969، سنة خامسة  ثانوي علوم فلاحية (الثانية ثانوي اليوم)، المعهد الفلاحي ببوغرارة صفاقس، أستاذ الفرنسية، مِيسِيو برڤاسّولي: خلال كامل السنة الدراسية لم يشرح لنا إلا ثلاثة أو أربع نصوص. كان مهرّجًا في القسم، يقفز فوق طاولاتنا، يرمي سيجارة في الهواء، يتلقفها بفمه ويطلب منّا تقليده. سلوكٌ لم نَعِ عيوبَه آنذاك.

4.   عام 1969، المعهد الفلاحي ببوغرارة صفاقس، أستاذ الفيزياء، مِيسِيو بونّيه: كان محبِطًا لطموحاتنا، ينتقي أنجب التلامذة ويدرّسهم ساعات زائدة. كان عليه أن يفعل هذا مع التلامذة الذين يُلاقون صعوبات في فهم أولِ وأهمِّ علمٍ في التاريخ وأنا كنتُ واحدًا منهم.

5.   استثناء: عام 1959، السنة الثانية ابتدائي، مدرسة الجامع الابتدائية (قاعتان فقط) جنب "العين الڤديمة" (عين طبيعية)، معلّم تونسي، سِيدِي...: كنتُ أنامُ في القسم لأسبابٍ نسيتُها، لا يوقِظني، وعندما أستيقظُ، لا ينهرني بل كان يقولُ لي: "بَرَّ اغسِلْ وجهكْ وليدِي في العين وارجعْ اقرأ". كم أحببتُه حينذاك، كان أحنَّ عليَّ من أبي، الله يرحم الاثنين.

 


 

26

مبادرات بيداغوجية عالمية طريفة ومفيدة

 

1.  المبادرة الأولى في جينيف

كان أستاذنا الكبير "أندري جيوردان" يدرّس  أطباء المستشفى مادة تعلّمية البيولوجيا (La didactique de la biologie) وعند أول درس، يسحب أستاذنا طلبته الأطباء في آخر النهار إلى حاويات مهملات المستشفى الذي يشتغلون فيه، يفتشونها بأيديهم باهتمام وجدية، يرتِّبون الأدوية غير المستعملة الملقاة فيها ويقارنوها بالأدوية التي وصفوها لمرضاهم في نفس اليوم. ويا لخيبة الأمل، يكتشف الأطباء المجتهدون أن مرضاهم لم يقتنعوا بوصفاتهم ورموا جل ما فيها أو كله في سلة المهملات حتى يتخلصوا منها ومن هنا تُطرح إشكالية الدرس: لماذا لا يستعمل المريض الدواء الذي وصفه له طبيبه ؟ هل لعدم نجاعته ؟ هل لتعقيد في استعماله ؟ هل خوفا من الأعراض الجانبية ؟ هل لانعدام الثقة في طبيبه ؟

عند الدرس الثاني، يواجه الأستاذ طلبته بما أنتجه مرضىاهم المصابون بِداء السرطان من تصورات علمية وغير علمية تصف مرضهم لحظة بلحظة، يتصفح الطلبة ما أنتجه مرضاهم ويكتشفون هذا الكم الهائل من المعلومات الدقيقة، معلومات لم يرَوا مثلها في الجامعة فيندهشون لغزارة المعارف ودقة الوصف الذي لا يقدر عليه غير المرضى ولا يراه الطبيب المعالِج مهما علت شهائده. هل يمثل المريض وعاءً فارغًا يملؤه الطبيب بما يشاء ؟ هل يمثل المريض صفحة بيضاء يخط عليها الطبيب وصفته ؟ هل الطبيب يَعْلم أكثر من المريض ؟ هل الطبيب المختص في عضو فقط هو قادر على علاج هذا العضو في المريض دون الاهتمام بالأعضاء الأخرى ؟ هل يحق للطبيب فرض علاجه على مريضه ؟ هل يحق للمريض رفض علاج طبيبه ؟ هل يحق للمريض التدخل في كيفية علاجه وتوقيته ؟

أستغلُّ هذه الفرصة وألفِت نظر القارئ إلى اهتمام العالَم المتقدم بهذا العلم الجديد (تعلّمية البيولوجيا أو فلسفة تعليم البيولوجيا) وتعميم تدريسه في كل الاختصاصات وليس في التعليم  الجامعي فقط وانظرْ لماذا لا ندرّسه نحن في تونس حتى لأساتذة المستقبل  لا بل نهمله وفي بعض الأحيان نتركه لغير أهل الاختصاص يشوّهونه عن غير قصد.

 

2.  المبادرة الثانية أيضا في جينيف

حدثت مع نفس الأستاذ المبدع "أندري جيوردان" الذي ورث مهمة ومنصب العالِم المشهور "جان بياجي" في مخبر الإبستومولوجيا بجينيف. المبادرة: بينما كان الأستاذ يقوم بدرس علمي داخل مخبر العلوم، إذ بمهرج "كلون" يقتحم القسم ويقوم بحركات بهلوانية فيضحك التلامذة ويمرحون مع الممثل لمدة ربع ساعة. يغادر المتطفل خفيف الظل -المبرمَج من قِبل الأستاذ- القاعة فيرجع التلامذة إلى الجد والعمل بروح يقظة وتركيز متجدد.

 

3.  المبادرة الثالثة في تونس

حدثتْ بمعهد نموذجي تونسي. زارت بعثة تعليمية بريطانية المعهد وفي نطاق تنشيط التلامذة أثناء الراحة، طرحت عليهم هذه البعثة "وضعبة تعلمية" في صيغة مشكل ينتظر حلا: طلبت البعثة من تلامذة المعهد قيس طول العمود الخشبي أو المطاطي الرافع للعَلَمِ الوطني. حاول التلامذة حل المشكل بشتى الطرق المعقدة كما تعودوا في تعليمهم النظري، استعملوا قواعد رياضية وقاسوا ظل العمود وتسلّقوا العمود ليقيسوه بمتر قماشي طويل ولكنهم لم يتوصلوا إلى الحل رغم أن الحل بسيط جدا وهو قيس طول الحبل الذي ينزل عندما يصعد العَلَمُ. في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا التونسية، نملأ عقول تلامذتنا وطلبتنا بمعلومات كثيفة ومعقدة لحل مسائل نظرية لا وجود لها في واقعنا المتخلف وفي نفس الوقت نتجاهل تعليم أولادنا توظيف معلومات بسيطة لحل مسائل بسيطة كمشاكلنا اليومية مثل تغيير فانوس محروق أو إبدال مربع زجاجي مهشم أو إصلاح عطل كهربائي أو تحضير وجبة غذائية متوازنة في المنزل أو في المعهد.

 

4.  المبادرة الرابعة في غار الدماء

سنة 1980، كنتُ أدرس محور "التناسل عند الإنسان" لتلامذة الثالثة ثانوي (التاسعة أساسي الآن) بإعدادية غار الدماء. تغيبت عن عملي أسبوعا في معهد الكاف وذلك للمشاركة في تربص تكويني في الميكروبيولوجيا. فوجئت بوصول رسالة باسمي إلى الكاف واكتشفت أن الباعث تلميذ من تلامذتي النجباء بغار الدماء. يقول في رسالته هذه أن أستاذ الرسم الفني -المتعصب لرأيه- استغل غيابي عن الإعدادية وشن حملة مضادة لشخصي منتقدا تدريسي للجهاز التناسلي البشري ومكذبا المعلومات البيولوجية التي سجلناها في القسم. قال هذا الزميل غير المختص في البيولوجيا أن الحيوانات المنوية للرجل تأتي من الصلب كما يقول القرآن الكريم وليس من الخصيتين كما يقول أستاذكم في العلوم. عدت من الكاف واتصلت مباشرة بمدير المعهد وأبلغته ما  سمعته عن التدخل السافر في اختصاصي من زميل غير مختص ولم أطلب من المدير التدخل بيني وبين زميلي الفاضل بل اكتفيت بإعلامه أنني أسير وفق البرنامج الرسمي وأستقي معلوماتي من مصادر علمية موثوق بها. أما ردي فهو الآتي: حملت مجهري وأتيت بأرنب ذكر،  نصبت طاولة وسط الساحة أثناء راحة العاشرة صباحا، التف حولي تلامذة الإعدادية وكلهم تلامذتي، خدّرت الأرنب الضحية وبالمبضع قطعت جزءا مجهريا من خصيته ووضعت مسحة منها بين صَفيحة وصُفيحة زجاجيتين ثم طلبت من تلامذتي مشاهدة الحيوانات المنوية الأرنبية وهي تتحرك برشاقة وترقص بذيلها الطويل كأنها تساندني الرأي ضد مَن يتمسك بالتأويل الحرفي الخاطئ للنص الديني. وقلت لتلامذتي: منذ الآن، لا تقولوا، قال أستاذ العلوم بل قولوا شاهدنا بأم أعيننا الحيوانات المنوية في الخصية. أقول عن زميلي إنه متعصب، وصفا ليس ثلبا والعياذ بالله. ومن سوء حظ زميلي أن القرآن والعلم الحديث في هذا الموضوع بالذات لا يختلفان بل يتكاملان في عقول أولي الألباب وأهل الذكر من علماء الأجنة الماديين التجريبيين. يبدو لي أن الخلايا الجذعية الجنينية جمعاء تنشأ في منطقة تشبه صلب الجنين ثم تهاجر شيئا فشيئا ويختص بعضها في التناسل وتستقر في الخصيتين وقد يكون لعلم الأجنة 2010 رأي أحدث من هذا. أود أن يتصل بي كل من يختلف معي في هذه المعلومة حتى أستفيد من علمه.

 

5.  المبادرة الخامسة في حمّام الشط

في أوائل التسعينات، كنت أنشّط نادي البيئة في إعدادية حمّام الشط. اقترحت على تلامذتي النشاط التالي: تجولوا في حيّكم وصوِّروا بالكاميرا كل ما يظهر لكم مخالفا لسلامة البيئة وابعثوا الصور إلى رئيس بلدية حمّام الشط وادعوه في نفس الوقت لحضور الحصة القادمة. فعل التلامذة ما كلفتهم به على أحسن وجه وحضر رئيس البلدية ومساعده وأدرت بينهما وبين التلامذة المحتجين وكان حوارًا شيقا وديمقراطيا.

 

6.  المبادرة السادسة في غار الدماء أيضا

مشاهدة مجهرية بسيطة في حصة علوم الحياة و الأرض، تعوض مشاهدة معقدة

تعودنا نحن أساتذة علوم الحياة والأرض على مشاهدة الكريات الحمراء وهي تدور في الدم تحت المجهر باستعمال الجلد الرقيق الشفاف الموجود بين أصابع الأطراف الخلفية للضفدعة. يتطلب تحضير الضفدعة تحت المجهر وقتا إضافيا وهو أمر نسبيا صعب، فإذا خدرناها تنقص سرعة دوران الدم في شعيراتها الدموية وإذا لم نخدرها تتحرك وتفسد علينا المشاهدة وتضيع لنا وقتا كبيرا في إعادة تحضيرها.

في السبعينات وأنا أدرّس في إعدادية غار الدماء، نصحني أحد الزملاء من بوسالم بوضع شرغوف (صغير الضفدعة) فوق صَفِيحة دون صُفَيْحة ومشاهدة دوران الدم في ذيله الشفاف. والشرغوف لا يتطلب تخدير ولا تحضير، وأي تلميذ قادر على وضعه فوق صفيحة تحت المجهر ومشاهدة الكريات الحمراء وهي تدور في أوعية ذيله.

 

7.  المبادرة السابعة

عندما ندرس وظيفة النظر، كثير ما نغفل عن دور الأذن الداخلية: والأذن تري قبل العين أحيانا ! وظيفة النظر وظيفة معقّدة جدا لأنها ترتبط بجلّ المراكز المخيّة والعصب البصري والعين وعضلات العين والأذن الداخليّة والضوء والحالة الانفعاليّة للجسم. لنعلم أوّلا أن "المِهاد البصري" (le thalamus) هو عضو في المخ تلتقي فيه الأعصاب البصريّة والحسيّة المثيرة للعاطفة ويستقبل المعلومات الضروريّة للنظر، 80 % منها تأتيه من المخ مباشرة و20 % فقط تأتيه من العين.

لنفهم أكثر نوضح دور العناصر الضرورية المتدخلة في النظر

1. المراكز المخيّة : يتدخّل عدد كبير منها في النظر ونذكر منها علي سبيل الذكر لا الحصر:

- "المراكز العصبيّة البصريّة" (les aires visuelles) التي تدرك الأشياء وتتعرّف عليها وتراها  بواسطة العين.

- "غدّة تحت المهاد البصري"  (l'hypothalamus)    التي تمثّل ملتقى  عصبيّا هرمونيّا  مسؤولا علي الشبع والجوع والعطش والانفعال والتأثّر والذاكرة وضبط الحرارة ومقاومة العدوان والسلوكيّات الجنسيّة والدفاعيّة.

- "وحدة شبكيّة متوسّطة" (la formation réticulée médiane) وهي غرفة صنع الأحلام.

 - "مركز عصبيّ يتحكّم في حركات العين" (Le colliculus).

2. العصب البصريّ : ينقل من العين إلي  المخّ ذبذبات كهروكيميائيّة وهي عبارة عن رسالة مشفّرة لا يفكّ رموزها إلا المراكز العصبيّة البصريّة.

3. العين السليمة: يستعين بها المخ لتجميع المعلومات الواردة من العالم الخارجيّ لذالك فاقدها لا يري.

4. عضلات العين: توجّه و تضبط حركات العين مثلما نتحكّم نحن في الكاميرا لكي لا تتحرك الصورة.

5. يبدو أن دور "الأذن الداخليّة" (L`oreille interne) في النظر مغيّب تماماّ في التعليم. في الحقيقة تتمثّل مهمة الأذن الداخليّة في المحافظة علي توازن الجسم في كل الوضعيّات بما فيها توازن العين وهذا الدور المهم لا نحسّ به إلا إذا تعطّلت هذه الأذن أو تلف العصب الذي يصلها بالمخ (le nerf vestibulaire). لنوضّح أكثر, نذكر ما ورد في  محاضرة الأستاذ كليمان وهو يتحدّث عن مرض ألمّ به سابقا ويتمثّل في التهاب العصب الذي يربط بين دهليز الأذن الداخليّة والمخّ، قال :  "لم أفقد السمع لأنّ هذا العصب ليس مسؤولا علي السمع. كنت أحسّ بدوار ودوخة وإغماء وتقيّء وأفقد توازني كلّما حاولت الوقوف أو قيادة السيّارة. لم أعد قادرا علي القراءة والكتابة ومشاهدة التلفاز رغم سلامة مخّي وعصبي البصريّ وعينيّ. أثناء هذه المحنة عايشتُ في الواقع ما  كنت  أعرفه   نظريّا وتأكّدت من وجود تنسيق دائم بين العين والأذن الداخليّة وأستطيع أن أقنعكم بتجربة بسيطة: انظروا إلي السبّورة وحرّكوا رؤوسكم. هل السبّورة تتحرّك معكم ؟ طبعا لا ! لو أخذتم الآن كاميرا ووجّهتموها صوب السبّورة وحرّكتموها فسترون بعد التصوير فيلما تتحرّك فيه السبّورة كأفلام المبتدئين. جسم الإنسان إذن هو جسمٌ مجهّزٌ بكاميرا وهي العين وبضابط توازن الكاميرا وهو الأذن الداخليّة التي تلائم باستمرار بين الصّورة والحركة. العبرة من هذا المثال ليست فقط في التّعريف بدور الأذن الداخليّة في النظر وإنما في الإشادة بقدرة المخّ البشريّ علي إصلاح العطب في العصب الجمجمي دون علاج ولا أدوية لأن الخلايا العصبيّة السليمة في العصب المصاب أنبتت أليافا عصبيّة جديدة انتشرت وتوجهت نحو مكان العطب تلقائيا وعوّضت ما أتلِف في عصب الأذن المصابة.

 

خلاصة القول

              وظيفة النظر ليست حكرا علي العين والعصب البصري والمراكز العصبيّة البصريّة فقط, كما هو شائع عند عامة الناس وحتى عند بعض أساتذة البيولوجيا,  بل تتدخّل فيها عدّة مراكز عصبيّة أخرى,  مثلا : يتدخّل المركز العصبيّ القفائيّ   (l'aire occipital) في معالجة الألوان والمركز العصبيّ الصدغيّ   (l'aire temporal) في تعريف الأشياء التي نراها. أما المركز العصبيّ الجداريّ (l'aire parietal) فيحدّد مكان الأشياء. يرتبط   النظر أيضا بالحالة العاطفيّة التي تقع تحت مراقبة "غدّة تحت المهاد البصري"  (l'hypothalamus) وهي نفسها تتأثر بما نري.  أما "الوحدة الشبكية المتوسطة" (la formation réticulée médiane) فهي تلعب دورا أساسيّا في الأحلام حيث نري  الصور تتحرك دون استعمال العينين. هذه الشبكة من الأعضاء التي تؤثّر في عملية النظر وتتأثّر بما تجلبه العين من معلومات خارجية, تفسّر كيف ندرك اسم الشّيء الذي نراه دون تركيز وغالبا ما لا نري الجزئيّات التي لا نعطيها أهميّة فلا نري إلا ما نريد أن  نرى لأننا لا نستطيع أن نري دون تأويل ما نري.

 

Références bibliographiques :

Clément P., Mouelhi L. & Abrougui M. (2006). Aster 42. Paris : INRP.

Varela F.J. (1989). Autonomie et connaissance, Essai sur le vivant, Paris, Editions du Seuil.

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، 2017، 488 صفحة (ص.ص. 293-303).

 


 

27

لقائي مع وزير التربية

 

اليوم الأربعاء 12 أفريل 2023 الثامنة ونصف صباحًا، قابلتُ وزير التربية في مكتبه بناءً على دعوة وجهها لي عبر رسالة على المسّينجر يوم الأحد  9 أفريل وهذا نصها حرفيًّا:

"صباح الخير محمد كشكار. كيف حالك. أريد أن أتحدث معك حول ما أنت متخصص فيه بعلاقة بالبيداغوجيا ورؤيتك لإصلاح التعليم في تونس. أوجه لك دعوة لزيارتي بمكتبي بوزارة التربية يوم الأربعاء صباحا. الوزارة منفتحة على كل الأفكار النيرة وأنا أعرف وطنيتك وصدقك".

أجبته مباشرة ودون تردد: avec plaisir cher ami

ملاحظة: ربطتني بمحمد علي بوغديري علاقة نقابية في الاتحاد الجهوي للشغل ببنعروس. علاقة زمالة ونقابة وصداقة واحترام متبادَل منذ 1990.

دامت المقابلة مع الوزير حوالي ساعة بحضور مستشاره حسين العِزِّي وعرضت عليه رؤيتي الديداكتيكية حول مشروع الإصلاح التربوي والتي تتلخص في النقاط التالية:

1.  أربعون ساعة تطوّع مقسّمة على أربع سنوات لتلامذة المعاهد اقتداءً بتجربة كندا.  (les connaissances ne changent pas les valeurs)

2.  حذف سلك المتفقدين البيداغوجيين أو حصر دورهم في مراكز الرسكلة الجهوية (توفير محاضرين مختصين في الاجتماعات البيداغوجية الدورية) أو تجربة الشيلي أو تبادل الزيارات بين الباحثين والمدرسين.

3.  حذف معهد قرطاج للمتفقدين وتعويضه بكليات تربية جهوية لتخريج المدرسين (des IUFM comme en France). (سلك غير موجود في فنلندا -أفضل نظام تربوي- وفي كندا وفي كل جامعات العالم).

4.  حذف سلك القيمين (سلك غير موجود في النظام التربوي الأمريكي ولا الخليجي ولا في المدارس الابتدائية عندنا).

5.  سحب مهمة التقييم الجزائي من المدرسين وإسنادها إلى لجنة مستقلة ومحايدة مثلما هو معمول به في الامتحانات الوطنية كالباكلوريا وتكليف المدرسين بالتقييم التكويني فقط (تجربة الأستاذ الفرنسي).

6.  لا يُنتدَب في التعليم إلا الحاصلون على شهادة جامعية في علم التقييم وشهادة في إبستمولوجيا اختصاصهم.

7.  لا يُنتدَب في إدارة المعهد إلا المدرسون المتكوّنون في علم التصرف (la gestion des entreprises).

8.  حذف الإعداديات والمعاهد النموذجية.

Albert Jacquard: « On ne catégorise pas l’intelligence car elle est 100% héréditaire et 100% acquise» (ZPD de Vygotski au lieu du QI).

9.  حذف إجراءات الترسيم السنوي المتجدد ونفقاته.

10.                 إلغاء الحق في الإضراب عن التدريس في التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي والعالي.

11.                 إلغاء الترقيات المهنية وتعويضها بالترقيات العلمية (بحث أساسي أو ميداني).

12.                 ميزانية لكل مدرسة ابتدائية.

13.                 التدريب على الصمت (دقيقة في أول حصة): الصمت يُدرّب على الانضباط ويَصقل السمع ويُعلّم الإنصات.

14.                 تشجيع البحث العلمي الميداني.

15.                 تطبيق بيداغوجيا المشروع (تجربة نانسي بفرنسا).

16.                يجب إعادةُ الاعتبار لأهمية الانضباط في معاهدنا.

Philippe Perrenoud: « L’absence d’autorité chez les enfants est une forme de maltraitance ».

17.                يجب إعادة الاعتبار لدور المتعة في عملية التعلم.

Jean-Jacques Rousseau: « Donnez à l`enfant le désir d`apprendre et toute méthode sera bonne ». Michel Foucault: « Il faut érotiser le savoir ».

18.                  يجب إعادة الاعتبار للرسالة التربوية للمدرسين (l’enseignant n’est pas un prolétaire qui vend sa force de travail).

19.                 يجب إعادة الاعتبار لدور العاطفة (l’affectif) في عملية التعلم (les amygdales).

20.                 يجب إعادة الاعتبار لدور الجمال في عملية التعلم (la beauté est éducatrice).

21.                 يجب إعادة النظر ظرفيًّا في تدريس العلوم بالعربية في التعليم الأساسي (ابتدائي وإعدادي).

22.                 إضافة تدريس مواد جديدة مثل الترجمة والطب الوقائي ومعالجة الصورة رقميًّا.

23.                 إلزامية تدريس مواد قناطر لـشُعبتَي العلوم الإنسانية والعلوم الصلبة (التجريبية و"الصحيحة") مثل الإبستمولوجيا والأنتروبولوجيا وتاريخ العلوم والإيكولوجيا حتى نتجنب تخريج علماء جهلة بالثقافة ومثقفين جهلة بالعلوم.  (idée inspirée par Michel Serres)

24.                 ضم الروضات (3-6 سنوات) إلى وزارة التربية.

25.                 الترفيع في سن الدخول المدرسي من 6 إلى 7 سنوات مثل فنلندا.

26.                  يجب إحياء التعليم المهني وتثمينه وفتح الآفاق للمنتسبين إليه مثل ألمانيا.

27.                 للغِش حلولٌ علمية لا تأديبية.

28.                 إلغاء عقوبة الطرد النهائي للتلميذ من جميع المعاهد.

29.                 إنشاء لجنة أزمة تنظر بجدّية في مسألة الـمائة ألف منقطع سنويًّا وفي مسألة كثرة الأصفار في باكلوريا الفرنسية والأنـﭬليزية.

30.                 تطبيق قانون الساعات الخصوصية ومعاقبة المدرّسين المخالفين بالرفت الوقتي أو النهائي.

 

أهديته ثلاثة من كتبي حول التربية والتعليم وأهديت مكتبة الوزارة عشر نُسَخٍ من كتابي عدد 2:

1. Le système éducatif au banc des accusés ! «Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas», Édition libre, Tunis 2016, 160 pages. Ce livre a été traduit en 2022 en 7 langues occidentales par la maison d’édition numérique « Presses Universitaires Européennes (PUE) ».

2. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، تونس 2017 ، 488 صفحة.

3. المدرّسون لا يفهمون لماذا تلامذتهم لا يفهمون !، طبعة حرة، تونس 2023، 240 صفحة.

 

واستجابةً لرغبة الوزير كتبتُ إهداءَين على نسختين من كتابي عدد 2، واحدة موجهة إلى رئيس الدولة وأخرى موجهة إلى رئيسة الحكومة.

 

إمضائي المحيّنُ: وإذا كانت كلماتي لا تقنعك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ. (مستوحاة من جملة لِـجبران خليل جبران). هي دعوةٌ وديةٌ إلى التَّرَيُّثِ.

 

ملاحظة: بعض الأصدقاء الافتراضيين (face book) قالوا لي أن مقالي هذا قد أحدث ضجة فكرية كبيرة على صفحات الفايسبوك وفي جل قاعات الأساتذة بين مؤيدٍ ومعارضٍ أو في نفس الوقت مؤيد لبعض المقترحات ومعارض لأخرى، والله أعلَم.

 


28

خاتمة

 

يجب تسخير المدرسة لخدمة المجتمع، كل المجتمع وليس فئة قليلة منه (الطبقة البورجوازية، المستفيدة الأولى من النظام التربوي العالمي المعاصر).

Le pédagogue suisse Philippe Perrenoud a dit :

-       « L’absence d’autorité chez les enfants est une forme de maltraitance ».

-       « Une réforme du système éducatif n’est un enjeu majeur que si elle profite, en priorité, aux élèves qui ne réussissent pas à l’école ». 

L’épistémologue français Gaston Bachelard a dit :

-       « Les professeurs ne comprennent pas

que leurs élèves ne comprennent pas ».

 

الترجمة:

-       "غيابُ الانضباط في المؤسسات التربوية يُعتبرُ سوءُ معاملة للتلميذ"

-       "الإصلاح التربوي لا يُعتبَر إصلاحًا إلا إذا استفاد منه التلامذة الذين يتعرّضون عادةً إلى صعوبات في التعلّم"

-       "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون"

 

ثلاثُ جملٍ بليغة، تمنيتُ لو كُتِبت على ثلاث لافتات كبيرة وعُلِّقت في قاعة الأساتذة في كل المؤسسات التربوية التونسية.

 

 

29

صيحة فزع تربوية أرسلها من الصين الشعبية أستاذ مغربي استقال من التعليم في المغرب الشقيق (in Guangzhou, China. Tareq Aihi)

 

بعد تسع سنوات خدمة في المدرسة العمومية بالمغرب، جاء الوقت لأضع حدا لهاته التجربة. اليوم، لم أعد موظفا عموميا. تخلصت وأخيرا من كاهل أثقل على كتفاي طوال هذه المدة، تخلصت من الأقسام البالية والمكتظة بالمراهقين، ومن تدريس مقرر جاف تبول عليه التاريخ، ومن تمثيليات "المفتشين" وعجرفة بعض الإداريين.  لن أفكر بعد اليوم في جدول حصص كئيب ولا في أقسام مسندة. لن يغض مضجعي استكمال حصص ولا تدبير فائض، لن أضطر للعمل في الخاص لأغطي مصاريف الشهر، اليوم ولأول مرة منذ زمن، لن يشغل بالي حراسة تمثيلية الامتحانين الوطني والجهوي، ولن أقحم نفسي في صراع خاسر مع محاولات الغش لتلميذ يراك عدوا ويهددك خارج أسوار المؤسسة في غياب تام لأي شكل من أشكال الحماية.  لن أسأل بعد اليوم عن الرتبة الهزيلة ولن أضطر للمشاركة في إضراب عقيم يقتطع من أجري الأعقم.  لن أحضر بعد اليوم "لقاء تربويا" لـ"مفتش" منفصل عن واقع الأقسام بالمغرب. لن أضطر لسماع ترهاته وداخلي صوت يعلو Shut the f*ck up mother fuc*er . لن أنتظر بعد اليوم "ترقية" مضحكة بثمانين أو تسعين درهم كل عامين أو أحيانا ثلاثة ! لن أشارك في مهزلة "الامتحان المهني" ولن أتنقل من جماعة لأخرى لأصحح المئات من أوراق الامتحانات مقابل "ربعة و ربعين ريال" للورقة.  لن أرضخ لوظيفة تستعبدني وتجبرني على العمل حتى سن الخامسة والستين مقابل دريهمات سأنفقها على مخلفات القسم والمراهقين. ولن أستمر في وظيفة يرتفع فيها راتبي اليوم، بعد تسع سنوات من العمل، بـخمس مئة درهم عن راتبي الأول.  لن أشارك في مهزلة اسمها "التعليم" وأنا مدرك أن القائمين على هذه البلاد لا رغبة لهم في إصلاحه، بل ويساهمون في تجهيل ممنهج لأجيال أبناء بلدي.  أحببت تلاميذي بكل صدق وقدمت أكثر مما هو مطلوب مني رغم غياب الحافز، ابتكرت أسلوبا مغايرا لتعليم الوليدات وصادقتهم كأخ أكبر. شاركت في مسابقات تعليمية وغنائية، أحييت حفلات ومسابقات، اقتنيت هدايا للمتفوقين وحاولت جاهدا أن أغير ولو قليلا من عتمة الظلام الدامس الذي ألقت ظلاله على شمعتي التي انطفأت سنة تلو الأخرى.  اليوم أستقيل من عملي وأهاجر نحو بلد يحترم شهادتي وقدراتي.  اليوم أودّع عائلتي وأحبابي بقلب حزين ودمعة في العين. وداع اضطراري آملا في مستقبل أفضل لي ولكل من أحب.  أشكر كل من ترك أثرا جميلا من تلاميذ وزملاء وإداريين، وأعتذر إن أسأت لأحد دون قصد. نلتقي مجددا وأحييكم من جمهورية الصين الشعبية.

 

ملاحظة الناقل محمد كشكار: النظام التربوي المغربي والنظام التربوي التونسي نظامان متشابهان والهمّ واحدٌ والربّ واحدٌ.

 

إمضاء الناقل: "وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" (جبران خليل جبران)

 

30

مجموعةٌ من الأسئلةِ، أرّقتني طيلةَ عقود، وجدتُ لها اليومَ جوابًا في كتابْ ؟ فكرة كريستيان دو دوف، ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

الأسئلة التي كانت تُحيّرني:

-       لماذا يتحارب البشر فوق الأرض وفيها من الخيراتِ ما يكفيهم وزيادة ؟

-       لماذا ننفق أموالاً طائلةً على الهدمِ ولو أنفقناها على البناء لأصبحت الدنيا جنة على وجه الأرض، ولَانْقرضَ الفقرُ والجهلُ والجوعُ وزالت جل الأمراضِ ؟

-       لماذا لا نرى للأخلاق الوضعية ولا للأخلاق الدينية أيّ تأثيرٍ على السلوكات الأنانية والعُدوانية للبشر ؟

-       لماذا لم يجلب لنا العِلمُ كل المنافع التي كنا ننتظرها منه ؟

-       لماذا تَبنّيتُ مفهوم المواطنة العالمية ؟ (justification a posteriori)

-       لماذا اخترتُ مفهوم "ما فوق الوراثي" أو "التخلق" (L`épigenèse) كموضوع لأطروحة الدكتورا سنة  2007 ؟ (justification a posteriori)

نص صاحب الجواب في كتابه، صفحة 165:

"الانتقاء الطبيعي الدارويني" (La sélection naturelle) انتقى في النوع البشري نوعَين من المميزات (Les traits):  مميزات تعزّز اللحمة داخل مجموعة بشرية معيّنة (عائلة، قبيلة، نقابة، وطن، عِرق، طائفة، لون، دين، إلخ.)، وفي نفس الوقت مميزات تدعّم العداوة حيال المجموعات الأخرى:

على المستوى الاجتماعي، انتقى "الانتقاء الطبيعي" بعض القِيم، مثل التضامن، التعاون، التسامح، الشفقة، الإيثار. قِيمٌ وصلت إلى حد التضحية بالنفس من أجل مصلحة مجموعة بشرية معيّنة، قِيمٌ إيجابيةٌ كوّنت أسس العيش المشترك داخل المجتمعات البشرية المختلفة، كلّ على حِدَةٍ. لكن خراجَ هذه القِيم بقي بشكل عام مقتصرًا على أعضاء المجموعة دون سواها.

هذه القيم الإيجابية ولّدت لدى أفراد المجموعة الواحدة النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعِدائية حيال أعضاء المجموعات الأخرى. المفارقة الكبرى أن هذه القِيم السلبية وُلِدَتْ من رحم قيم إيجابية وهي التي كوّنت بذور الصراعات والحروب التي تركت بصماتها على طول تاريخ البشرية جمعاء حتى يومنا هذا.

هذا التحليل يرجع بنا إلى عشرة آلاف سنة قبل عصرنا الحالي، عصر كانت فيها مجموعات قليلة من البشر البدائيين تعيش في القارّة الأفريقية وتتخاصم حول أهم المصادر الغذائية التي توفرها لهم الغابة أو السافانا (la savane). في البداية كانت تُحدَّد المجموعة حسب علاقات القرابة الدموية السائدة داخل العائلة أو القبيلة طِبقًا للصفات المبرمجة في الجينات. (إضافة مواطن العالَم: Notre ADN est un logiciel performant et sophistiqué mais il est très ancien et conçu pour l`homme primitif de la forêt.

لا تغترّ أيها الإنسان، فأنتَ والشانبانزي تتشابهان في 98،5% من الجِينات المشتركة (des gènes communs)، وأنت وشجرة المَوز في 60%، ونبات الأرز يفوقُك في الجينات عددًا: هو 30-40 ألف جِينة، وأنتَ 25-30 ألف فقط !). مرّ زمنٌ وأتى آخر، وتوسعت المجموعة البشرية المعيّنة الصغيرة، فضمّت أراضي مشتركة، مصالح مشتركة، امتيازات مشتركة، اعتقادات مشتركة، قِيم مشتركة (des valeurs partagées)، أحكام مسبقة مشتركة (des préjugés)، أحقاد مشتركة، أي الاشتراك في سلوكات (des comportements) تدعم وحدة هذه المجموعة لا غيرها، "مجموعتنا ضد مجموعتهم" (إضافة مواطن العالَم: مقولة "مجموعتنا ضد مجموعتهم" تُتَرجَم بلغة عصرنا، فتصبح:  يهود ضد عرب، غرب ضد باقي العالَم أي المركزية الأوروبية، دار الإسلام ضد دار الحرب، بورجوازية ضد بروليتاريا، شيوعية ضد رأسمالية، يسار ضد يمين، داعش ضد بشار، إخوان ضد السيسي، مدينة ضد ريف، الرجل ضد المرأة، الحاكم ضد المحكوم، الأغنياء ضد الفقراء، العالَم الأول ضد العالم الثالث، أعراف ضد عمال، محامون ضد قضاة، إلخ.).

ما هي الإيديولوجيات العصرية التي تدعم اليوم الوحدة داخل المجموعة الواحدة وتؤجج الصراعات وتشعل الحروب بينها وبين المجموعات الأخري ؟

هي إيديولوجية القومية، غربية كانت أو عربية. هي الإيديولوجية الدينية، إسلامية (سوريا، العراق، ليبيا، مصر، أفغانستان) كانت أو يهودية (إسرائيل) أو بوذية (بيرمانيا، التيبت، الكشمير). (إضافة مواطن العالَم: هي الإيديولوجية الامبريالية، رأسمالية أمريكا كانت أو شيوعية الصين).

صفحة 166:

من سوء حظ البشر أن "الانتقاء الطبيعي الدارويني" لم  ينتقِ لفائدتنا قيمتَي الحيطة والحكمة الضروريتَين لتوليد الرغبة في تقديم التضحية بالامتيازات الحينية في سبيل التحضير لمستقبل أفضل للإنسانية جمعاء. على العكس انتقى لنا قيمة البحث عن المصلحة الحينية، سواء كانت فردية أو جماعية، وهذا ما يفسّر استغلالنا اللامسئول للثروات الطبيعية، ويفسر أيضًا تجاهلنا للعواقب الوخيمة التي قد تنجر عن فعلنا المشين هذا. عواقبٌ بدأت اليوم تهدد جنسنا البشري وتهدد بالانقراض أنواعًا كثيرة من الكائنات الحية الأخرى، حيوانات ونباتات.

لم يعد يشغلنا كل ما يتجاوز مستقبلنا الحيني مثل ما بعد التقاعد أو أمل حياتنا (l’espérance de vie) أو مصير أولادنا وأحفادنا من بعدنا.

ما أردتُ تبليغَه كعالِم بيولوجيا يتمثل في التأكيد على أن القيم السلبية (النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعدائية حيال أعضاء المجموعات الأخرى) هي قيم فطرية جينية وراثية  مبرمجة لإنتاج إنسان لزمانٍ غير زماننا، زمان سبقنا بعشرة آلاف سنة عند بداية تشكل المجموعات البشرية الصغيرة في إفريقيا أولا (من 3.000 إلى 10.000 نسمة). قيم وسلوكات كانت صالحة وضرورية في ذلك العصر، عصر ندرة الموارد الغذائية أو صعوبة التحصل عليها. صفات ساعدتنا على الصمود في طورٍ من أطوار تطورنا الطبيعي (L`évolution) ولولاها لانقرضنا كالديناصورات ولَذهبت ريحنا ولم تبق إلا أحافيرُنا (Fossiles humains). هذه القيم أو الصفات أو السلوكات أصبحت اليوم عبئًا ثقيلاً نحمله منذ الولادة، وباتت معطِّلة للقيم الإيجابية فينا (التضامن مع المجموعات الأخرى، التعاون معها والتسامح والشفقة والإيثار والمساواة). انتهى الاستشهاد.

خلاصة القول وليس خاتمته:

الإنسانُ لا يولدُ إنسانًا متحضّرًا منذ البداية بل يصبح متحضِّرًا بجهده وعلمه وثقافته: لا أقيسُ على الإنسان الغربي الحالي، فهو في الواقع أقل منا في العمق تحضرًا، وإلا لَما احتلنا وقتل منا الملايين ظلمًا وبهتانًا، ولَما قصفنا بالطائرات في بور سعيد وبنزرت والساقية ودمشق وبغداد وطرابلس و.. و... ولَما باع لنا سلاحًا فتّاكًا من صنعه وترويجه وتآمره وانتهازيته.

يولد الإنسان طبيعيًّا  (L`homme de la nature)، وهو حضاريًّا أقرب لإنسان القرن  3000 قبل-الميلاد، أكثر من قُربه إلى إنسان القرن 21 ميلادي. إنسانٌ تولد معه غرائزه المحدَّدَة شبه كليًّا من قِبل جيناته، غرائزٌ تشده إلى الأسفل، أي إلى الحيوانية، إلى الطبيعة، إلى الأنانية. غرائز تحدّد القيمَ السلبية فينا (النزعة الدفاعية المفرطة، انعدام الثقة في الآخر، التنافسية والعِدائية حيال أعضاء المجموعات الأخرى).

المتدينون يسمّونها "النفس الأمّارة بالسوء"، وعلماء النفس يسمّونها "الهُوَ" في اللاوعي (Le Ça ).  نفسٌ أمّارةٌ بالسوء وهي نفسٌ موروثةٌ (Le tout-génétique)، تقابلها  نفسٌ مكتسبةٌ بواسطة ما ينبثق عن التفاعل المستمر بين الجينات الموروثة والمحيط (محيط الجينات الخلوي والمحيط الخارج عن الجسم تمامًا – c’est ce qu’on appelle l`épigenèse, sujet de ma thèse de doctorat, UCBL1, 2007) وهي نفسٌ أمّارةٌ بالخير وإذا كنتَ علمانيًّا سمّها النفس المتحضرة المتسلحة بالقيم الإيجابية فينا (التضامن مع المجموعات الأخرى، التعاون معها والتسامح والشفقة والإيثار)، وإذا كنتَ متديّنًا سمّها جهادًا ضد "النفس الأمّارة بالسوء"، وإذا كنتَ فرويديًّا (la psychanalyse de Freud) سمّها صراعًا مريرًا بين الثقافة والطبيعة (Interaction entre culture et nature d`où émerge l`homme de l`homme au dépens de l`homme de la nature)، صراعًا بين "الأنا" في الوعي (Le Moi) و"الهُوَ" في اللاوعي (Le Ça ).

المهم هو الجهادُ الذي قد يحدّ من سيطرة شهواتنا وغرائزنا على سلوكاتنا اليومية. جهادٌ يهذبها، يعلمها، يربيها، يَشْكُمُها، يطهِّرها من أدرانها ويقودها برفقٍ نحو الرقي والتمدن والتحضر والرقة واللياقة والأدب والذوق الفني الرفيق وصقل الحواس والحب والتواضع ونكران الذات والتطوع من أجل خدمة الغير.

نصقلها بالدين، بالفلسفة، بالفن، بالتصوف، بالعلم، بالزهد، بالتقوى، كلها أنواع راقية من مواد التطهير: وسائل نبيلة لبلوغ غايات أنبل.

وإذا لم نبذل هذا الجهد فرديًّا وجماعيًّا، ونحن التونسيون في الواقع وللأسف لم نبذله (يساريون وإسلاميون وقوميون وليبراليون)، لذلك لم تُغيِّرنا الأخلاق الإسلامية ولا اليسارية، فلا دين فينا نفع ولا علمَ ولا فلسفةَ !

 

أما كيف ثَبَّتَ فيّ هذا الكتابُ اختياري للمواطنة العالمية (justification a posteriori)، فأظنه سؤالٌ لا يتطلب شرحًا على الشرح الذي سبق. المواطنة العالمية، أراها تمرّدًا على الفطرة وعلى التقوقع وخروجٌ إراديٌّ عن الهوية الأمازيغية-العربية-الإسلامية دون انبِتاتٍ فجٍّ، خروجٌ عن الانتماء القومي الضيق أو الديني المتعصب، خروجٌ إلى آفاقٍ أرحبَ، آفاقٍ لا نرثها بل نكتسبها. المواطنة العالمية هي الاستعداد للشعور بالحب لكل البشر دون تمييزٍ، هي سموٌّ على غرائز العصبيات القبلية والوطنية والدينية والعِرقية والطائفية واللغوية، هي مستقبلُ العالَم خاصة في عصر الاتصالات والمواصلات، عصرٌ افتراضي (Facebook, Twitter, YouTube, etc)، عصرٌ اختفت فيه الحدود ومعها التأشيرات والجدران العازلة، عصرٌ أصبح فيه للإنسان جناحان افتراضيان وأصبحنا كالعصافير لا نمرّ من البوابات الحدودية، حلمٌ تحقق، حلمٌ غير مبرمجٍ في جيناتنا.

أحلامي كل يومٍ تكبرُ، ويومي أصبحَ أفضلَ من أمسِي. يبدو أن واقعي أصبح أسرع من أحلامي: أكتبُ مقالاً وأنا في "مقهى الشيحي التعيسة التي لم تعد تعيسة"، فيتفاعل معي في الحين صديقٌ افتراضيٌّ في موسكو أو واشنطن، حلمٌ للإنسانية تحقق. للأسف واقعي يسبق جيناتي، مورّثاتي لا تطاوعني، خَطْوَتُها بمليون سنة، ما أبطأَها، لم أعُدْ أطِيقُ انتظارَها.. جيناتي المتخلفة !

آه يا جيناتي لو تلحقي بأحلامي، وتزرعي في جنبَيَّ جناحَين كجناحَي طير، أزورُ بهما ابنتي عبير حبيبتي في كندا، لم أرها منذ ثمان سنوات، أعِدُكِ، أضمّها مرة واحدة ثم أقفل راجعًا، حفيدتي سلمى دخلت المدرسة ولم أقبّلها لا عند الذهابِ إلى المدرسة ولا عند الإيابِ منها !

 

المصدر:

Livre : Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine en 1974, Un biologiste et moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

 

 


 

31

إصداراتي

 

ثمانيةُ كُتُبٍ من سنة 2010 إلى سنة 2023:

  1. Enseigner des valeurs ou des connaissances? L’épigenèse cérébrale ou le "tout génétique" ? Édition électronique, Presses Universitaires Européennes. (PUE), 2010, 386 pages. 

2. Le système éducatif au banc des accusés ! «Les professeurs ne comprennent pas que leurs élèves ne comprennent pas», Édition libre, Tunis 2016, 160 pages. Ce livre a été traduit en 2022 en 7 langues occidentales par la maison d’édition numérique « Presses Universitaires Européennes (PUE) ».

3. جمنة وفخ العولمة، طبعة حرة، تونس 2016، 224 صفحة.

4. الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حرة، تونس 2017 ، 488 صفحة.

5. حكايات طريفة، طبعة حرة، تونس 2021، 95 صفحة.

6. حدّث ميشيل سارّ قال...، طبعة حرة، تونس 2022، 110 صفحة.

7. مواقف وآراء حول الإسلام والمسلمين و الإسلاميين، دار علوي للنشر، تونس 2023، 350 صفحة.

8. حدّث ﭬاستون باشلار قال: "الأساتذة لا يفهمون أن تلامذتهم لا يفهمون !"، دار يس للنشر، تونس 2023، 285 صفحة.

 

31

من أفضلِ الكتبِ التي قرأتُها أخيرًا في فترة التقاعد (2012-2022)

 

1. La fabrique des imposteurs,  éd. Babel essai, 2015, 308 pages, Prix 8,7  ; Roland Gori  (psychanalyste et professeur émérite de psychologie et de psychopathologie clinique à l'université Aix-Marseille).

2. Commentaires sur la société du spectacle, Guy Debord, éd. Gallimard, 1979.

3. La fin du "tout génétique" ? Vers de nouveaux paradigmes en biologie, Henri Atlan, 1999.

4. Génétique du péché originel. Le poids du passé sur l`avenir de la vie. Christian de Duve (Prix Nobel de médecine 1974, biologiste-moraliste), Editions Poches Odile Jacob, Paris, 2017, 240 pages.

5. Le naufrage des civilisations, Amin Maalouf, Grasset, 332 p, 22 €.

6. Sapiens. Une brève histoire de l’humanité Yuval Noah Harari, Ed. Albin Michel, 2015, 492 pages, prix=24€.

7. La Médiocratie. Avec Politique de l’extrême centre et « Gouvernance », Alain Deneault, Ed. LUXE, Québec 2016, 330 pages, prix 8 €.

8. L'Opium des intellectuels», un livre écrit par le philosophe français Raymond Aron et paru en 1955.

9. Le Coran des historiens ? Sous la direction de Mohammad Ali Amir-Moezzi & Guillaume Dye, Les Éditions du Cerf, 2019, Paris.  Prix : 69 euros (environ 240 dinars). Paru en trois volumes (total=3400 pages).

10. La pensée islamique contemporaine, Alain Roussillon, éd. Cérès, 2007, 182 pages, prix : 8 DT.

11. Zygmunt Bauman (sociologue-philosophe), La vie liquide, Ed. Fayard/Pluriel, 2016.

12. L’amour liquide. De la fragilité des liens entre les hommes, Zygmunt Bauman (sociologue-philosophe), Ed. Pluriel, 2010, 185 pages, 7,60€.

13. Le présent liquide, peurs sociales et obsession sécuritaire, Zygmunt Bauman, Ed. du Seuil, 2007, 142 pages.

14. Les enfants de la société liquide,  dialogue entre Zygmunt Bauman (sociologue-philosophe, 91 ans) & Thomas Leoncini (journaliste, 31 ans), Ed. Fayard, 2018.

15. C`était mieux avant ! Michel Serres, éd. Le Pommier, 2017.

16. Henri Atlan, Croyances, éd. Autrement, Paris, 2014, 413 pages, prix : 10 €.

17. Abonné au journal mensuel « Le Monde diplomatique » & sa revue bimensuelle « Manière De Voir » et lecteur assidu de ce journal depuis 50 ans.

 

 

 

 

 

 

 


 

32

إمضائي المحيّنُ:

 

النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ، هدّامٌ للتصورات غير العلمية. إنني لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل ودٍّ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل خطابٍ قد يبدو لكم سيِّئًا يكون الرد بخطابٍ جيّدٍ.

وإذا كانت كلماتي لا تقنعك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ. (مستوحاة من جملة لِـجبران خليل جبران). هي دعوةٌ وديّةٌ إلى التّرَيُّثِ.

دخلتُ عالَم الكتابة والنشر منذ خمسة عشر سنة وليس لي من زادٍ سوى الصدقِ في القولِ والأمانةِ في النقلِ. ألّفتُ خلالها ثمانية كتب فاكتشفتُ أنه زادٌ هزيلٌ. في عالَمِ الكتابةِ والنشرِ يَنقصني الزادُ اللغويُّ ويُعيقني تكويني العلمي. بعد تجربةٍ قصيرةٍ اكتشفتُ أن التكوينَ الأدبيَّ والتكوينَ الفلسفيَّ ضروريّانِ جدًّا.

أنا اليومَ لا أرى خلاصًا للبشريةِ في الأنظمةِ القوميةِ ولا اليساريةِ ولا الليبراليةِ ولا الإسلاميةِ، أراهُ فقط في الاستقامةِ الأخلاقيةِ على المستوى الفردِيِّ وكُنْ كما شِئتَ (La rectitude morale et la spiritualité à l`échelle individuelle).

"النقدُ هدّامٌ أو لا يكونْ" محمد كشكار

"المثقّفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العموميةِ" فوكو

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغُ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

لا أقصدُ فرضَ رأيِي عليكم بالأمثلةِ والبراهينَ بل أدعوكم بكل تواضعٍ إلى مقاربةٍ أخرى، وعلى كل مقالٍ سيءٍ نردُّ بِمقالٍ جيّدٍ، لا بالعنفِ اللفظيِّ.

 


قبل عصر التعليم الممنهَج والعمومي المعمَّم، كانت مسؤولية تربية الأبناء تعود إلى الوالدَين (علاقة حب متبادَل) وكان قليل منهم يتمردون عل سلطة أوليائهم.
جاءت الدولة الحديثة فأخذت على عاتقها تربية الأطفال (علاقة كُره متبادَل) فأصبح كثير منهم يتمردون عل سلطة أوليائهم وعلى سلطة الدولة (نموذج: أحداث الشغب الأخيرة في فرنسا في بداية شهر جويلية 2023).
ربّي قال "وبالوالدين إحسانًا" ولم يقل "وبالدولة إحسانًا" !

فهرس الكتاب

 

مقدمة بقلم لطفي بكوش، دكتور في الديداكتيك ومتفقد وإمام جمعة.....8

1 حول التعليم في العالم.....................................................20

2 حول التعليم في تونس....................................................31

3 كيف نعلّم التلامذة الأخلاق والانضباط ؟.................................42

4 كيف نعامل التلميذ المخطئ ؟............................................47

5 بالموجود، كيف نبلغ بعض المنشود ؟...................................59

6 حول المدرّس..............................................................71

7 ما هي المجالات المنسية في تكوين المدرسين ؟........................76

8 حول التقييم الجزائي.......................................................81

9 واجب إعادة الاعتبار لبعض المفاهيم التربوية..........................88

10 الأنتروبولوجيا والتربية ما قبل المدرسية.............................92

 11  واجب تدريس مسائل علمية جديدة...................................99

12 حول التفقد البيداغوجي الحالي........................................121

13 حول فلسفة الديداكتيك وعلم البيداغوجيا.............................142

14 حول التعليم الافتراضي.................................................158

15 حول التعليم النموذجي..................................................164

16 حول مشروع إصلاح التعليم...........................................179

17  حول التوجيهِ المدرسيِّ................................................204

18 أي مدرسة أعددنا في تونس للأجيال القادمة سنة 2050 ؟.......206

19 مسلّمة خاطئة: "التعليم في عهد بورقيبة كان أفضل"..............210

20 حول شهادة الدكتورا...................................................213

21 حول العلم والإيديولوجيا...............................................214

22 حول مسيرتي الجامعيةٌ................................................228

23 حول اليوم المفتوح للأولياء...........................................231

24 تكريم ماريا مونتيسوري..............................................233

25 حول ذكرياتي الطريفة مع أساتذتي وتلامذتي.........................235

26 مبادرات بيداغوجية عالمية طريفة ومفيدة..........................239

27 لقائي مع وزير التربية................................................248

28 خاتمة...................................................................253

29 صيحة فزع تربوية لأستاذ مغربي مستقيل...........................254

30 مجموعةٌ من الأسئلةِ...................................................256

31 إصداراتي...............................................................264

32 من أفضلِ الكتبِ التي قرأتُها أخيرًا...................................265

33 إمضائي المحيّنُ.......................................................268


 


 

 

 

 



[1]      Pete Johnson, comment éduquer ses parents, Éditeur Folio Junior, publié 23 août 2007.

) Je m'appelle Louis. Je ne suis pas ce qu'on appelle un enfant difficile, mais je ne suis pas non plus du genre à me tuer au travail, à rester des heures devant un exercice de maths. Enfin, vous voyez ce que je veux dire… Moi, j'aime bien rigoler. Tout allait bien dans ma vie, jusqu'au jour où mes parents ont décidé de faire de moi un enfant modèle. Alors là, j'ai carrément dû prendre les choses en mains !»

Louis vient de déménager avec sa famille et il a beaucoup de mal à se faire à sa nouvelle vie et à son nouveau collège. D'autant plus que ses parents sont influencés par leurs nouveaux voisins qui ne laissent pas un instant de libre à leurs enfants, estimant qu'ils doivent être excellents dans tous les domaines… Louis, jusque-là, menait une existence tranquille, rêvait de devenir un jour un acteur comique et n'accordait pas trop d'importance aux études !

Écrit sous la forme d'un journal, ce roman humoristique, plein de rythme et de fantaisie, est également une réflexion sur les méthodes d'éducation « intensives » de certains parents. (

[2]  سورة النحل، الآية103

[3] سورة إبراهيم، الآية4

[4]  انظر محمّد كشكار، سيرة ذاتيّة وغير ذاتية، موضوعية وغير موضوعية كتاب "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي، سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956 - 2016)" تونس، 2017م

[5]  باشلار، غاستون، تكوين العقل العلمي، ترجمة خليل أحمد خليل، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، لبنان، ط.2، 1982م، ص.16

« J'ai souvent été frappé du fait que les professeurs de sciences, plus encore que les autres si c'est possible, ne comprennent pas qu'on ne comprenne pas. Peu nombreux sont ceux qui ont creusé la psychologie de l'erreur, de l'ignorance et de l'irréflexion. » Gaston Bachelard, La formation de l'esprit scientifique, 1938

[6]  هدف-عائق: مصطلح الهدف-العائق وضعه الباحث الفرنسي (مار تيناند Martinand 1986 )، وهو مفهوم يرتبط بحقل ديداكتيك العلوم الفيزيائية والطبيعية، ولقد وظّفه العديد من العلماء، وهو مصطلح مركب يتألف من: لفظ هدف objectif المأخوذ من بيداغوجيا الأهداف ولفظ عائق obstacle المستمد من إيبستيمولوجيا باشلار.

إن التوليف بين هذين اللفظين في إطار هدف عائق يفقدهما المعنى الأصلي مما يضفي على المصطلح دلالة جديدة، فهناك من جهة تراكم التأثير الدينامي للعائق بمعناه الابيستيمولوجي، ومن جهة ثانية يفقد لفظ "هدف" مقدار من الشفافية التي يتصف بها وهو مستعمل داخل بيداغوجيا الأهداف. كما أن جدة هذا المصطلح "هدف-عائق" تظهر على مستوى آخر: فعوض تحديد الأهداف انطلاقا من تحليل قبلي للمادة الدراسية فقط، وتحديد العوائق الابستيمولوجية والسيكولوجية انطلاقا من نشاط الذات، يتم انتقاء الأهداف بناء على طبيعة العوائق كمرجع أساسي؛ البيداغوجي والهدف العائق، وقد يشير اللفظ إلى الإستراتيجية التي يتبعها الممارس البيداغوجي؛ تلك البيداغوجيا القائمة على أساس إمكانية رفع العوائق التي يكشف عنها لدى التلاميذ، وتفترض هذه الإستراتيجية أن يتم فرز العوائق، على أن البعض منها قابل للتجاوز، بينما لا يمكن تجاوز البعض الآخر. وينبغي من جهة أخرى التمييز بين مفهومي: الهدف العائق ومفهوم الحصر Blocage وذلك اعتبارا للدلالة السلبية التي ينطوي عليها مفهوم الحصر Blocage. وهكذا فإذا كان مفهوم الهدف العائق يتمتع بقابلية التجاوز فإن مفهوم الحصر يتسم بالعقم، بل ويعكس إحساس الذات بالعجز وذلك لكون كيفية تجاوزه غير معروفة.

[7]  "ألاحظ أن مدارسنا كئيبة يعلو البؤس محيّاها، بوّاباتها صدئة وجدرانها غير مطلية ومشققة احيانًا وحديقتها مفقودة أو مهملة وطاولاتها وكراسيها مضرّة بالظهر وحدتها الصحية غير صحية وفضاءاتها خالية من النوادي الثقافية أو عامرة بالمزيفة منها (على الورق فقط). لا أكل ولا شرب صحيين فيها ولا بشاشة ولا استقبال طيب ولا حتى ابتسامة أو كلمة طيبة." محمد كشكار، المدرّسون لا يفهمون لماذا تلامذتهم لا يفهمون، ص.......

[8]  ذكرني مقطع محمّد كشكار بأبيات شعرية قلتها أيام الدراسة الثانوية سنة 1981م:

نحن قوم (littéraire)           ما فهمنا ال(math) قطّ

ما فهمنا (équation)           وما عرفنا ما يخطّ

فاستمع لي يا صديقي          وافهمني يا مغطّ

هل سمعت (x) يوما           فوق (y) تنطّ

[9]  محمد كشكار، حدّث ميشيل سار قال: نسخة رقمية، ص.16و وص.47

[10]  محمّد وفيدي، العلوم الإنسانية والإيديولوجيا، الطبعة 1، جانفي 1983م، دار الطليعة، بيروت، لبنان، ص.17-18

[11]  باولو فرايري، المعلمون بناة ثقافة: رسائل إلى الذين يتجاسرون على اتخاذ التدريس مهنة، الدار المصرية اللبنانية، ص: 41

[12]  يقول باشرر:

)On ne doit pas enseigner des pensées, mais apprendre à penser ; on ne doit pas porter l’élève, mais le conduire si l’on veut qu’à l’avenir il soit en état de marcher de lui-même..(    Kant : Fondements de la métaphasique des mœurs p.8

[13]  باشلار، تكوين العقل العلمي، م. س. ص.13

[14]  باشلار، تكوين العقل العلمي، م. س. ص.14

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire