mercredi 28 janvier 2015

نساء مناضلات في جمنة الستينات. مواطن العالَم أصيل جمنة ولادةً و تربيةً د. محمد كشكار


نساء مناضلات في جمنة الستينات. مواطن العالَم أصيل جمنة ولادةً و تربيةً د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، في 2 جانفي 2010.

الإهداء: إلى المرحومة أمي يامْنَه بنت حْمِدْ بن حْمُودَه.

لم تنهرني و لم تصح يوما في وجهي. لم تضربني و لو مرة واحدة في حياتها. لم تلمني على ما فعلت في مراهقتي من تجاوزات في حقها و لم تشكرني على ما أديت من واجب نحوها. لم تقل لي بتاتا أحبك و لكنني كنت على يقين أنها تحبني حبا لا يوصف  و ربما يكون اليقين الدنيوي الوحيد في حياتي .

كنا خمسة أفراد في الدار عندما مات أبي سنة 1967, أمي و أخت كبرى ضريرة و ثلاثة أولاد, اثنين منهم في الثانوي و واحد في الابتدائي. عائلة دون عائل. لم تيأس و لم تمرّر لنا يوما بؤسها و معاناتها. واصلنا تعليمنا و كأن شيء لم يحدث. كانت تقوم بشؤون البيت و السانية و تشتغل في نسجِ "الحُولِي" ليلا نهارا، صباحا مساءً و قبل الصباح و بعد المساء و ليس لها يوم أحد. و من نسجِها كانت تربح حينذاك ثلاثة دنانير في الشهر.

لا أذكر يوما خاصمَت جارا أو جارة من أجلنا. لم تعلّمني أي شيء و علمتني كل شيء. أحببتها في حياتها إلى درجة العشق و تقاسمتُ معها منحتي الدراسية عندما كنت طالبا و تكفلتُ بها نهائيا عند التخرج و شاركني أخي الأكبر و أخي الأصغر في إعالتها و رعايتها في آخر سنوات عمرها. بعد التخرج و عند التعيين الأول اصطحبتها معي إلى جزيرة جربة للعيش بجانبي. لم تطق الإنبتات من قريتها الجميلة جمنة فاحترمتُ رغبتها. بنيتُ لها في حوشنا حجرة محترمة و من أجل راحتها وفرتُ لها الماء و الضوء.

لا تكتب حرفا و لا تقرأ كلمة و مَن تُربي أجيالا لا يليق بنا أن نطلق عليها صفة أمِّية. لم تتأثر لا من بعيد و لا من قريب بالثقافة الأجنبية، فهي تعبير عميق عن ثقافة تونسية عربية إسلامية إنسانية خالصة.

لم تكن أمي حالة فريدة من نوعها في ذلك الزمن الجميل و قد تُوجد مثيلاتها بالمئات في جمنة و بالملايين في كل قرى تونس.

الهامش:
"جمنة": قرية جميلة تقع في الجنوب الغربي التونسي تحديدا بين أخواتها الكبار دوز و قبلي.
"الحولِي": نوع من الكساء الرجالي الصوفي الخارجي الأبيض (يشبه البرنس عندنا), يُصنع في الجنوب التونسي و يُصدّر إلى الجارة ليبيا.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire