شعار جديد، أرفعه بعد الحرب
العالمية الثانية: ما أُخِذَ بالقوة لا يُستردُّ إلا بالعلم و العمل و التخطيط الاستشرافي و ليس بالمقاومة المسلحة.
مواطن العالَم د. محمد كشكار
للتدليل على وجاهة الشعار
الذي أطرحه للنقاش، و أنا غير واثق تمام الوثوق من وجاهته لأنه لم يُجرّب في
العالم العربي الإسلامي، سأكتفي على سبيل الذكر لا الحصر ببعض الأمثلة العالمية
الدالة:
1.
استرجعت الصين الشعبية "المسلحة جدا" و
المتطورة علميا و النامية اقتصاديا مقاطعة هونڤ كونڤ من الاستعمار البريطاني عن
طريق المفاوضات السلمية دون إراقة قطرة دم واحدة و دون استشهاد جندي صيني أو
بريطاني واحد.
2.
هُزمت اليابان و ألمانيا في الحرب العالمية الثانية
(1939- 1945) أشرّ هزيمة عسكرية في التاريخ الحديث على أيدي جنود الحلف الأطلسي و تحت
قيادة الجيش الأمريكي الأقوى عالميا، لم تطلق الدولتان المهزومتان رصاصة واحدة بعد
الهزيمة النكراء ضد المحتل الجديد، بل التفتتا إلى الاستثمار في العلم و العمل و
التخطيط الاستشرافي، و أصبحتا في غضون عقد أو عقدين من الزمن من أكثر البلدان
تقدما، اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا.
3.
على عكس الصين و
اليابان و ألمانيا، خاضت البلدان العربية مجتمعة أو منفردة عدة حروب مسلحة متتالية
(1948 و 1967 و 1973 و 1989 و 2003 و 2008
و 2009) و لم تنتصر في أي واحدة منها بل خسرت مزيدا من الأراضي العربية أو أبقت
الوضع المزري على ما هو عليه:
-
عند تقسيم الأمم المتحدة لفلسطين المستعمرة العثمانية سنة
1947، و بعد حرب 1948 التي شاركت فيها كل الجيوش العربية المحيطة بإسرائيل مجتمعة
(مصر و الأردن و سوريا و لبنان)، خسر العرب مجتمعين53 % من أرض فلسطين التاريخية.
-
بعد حرب 1967 خسرت النصف المتبقي من فلسطين بما فيها
القدس الشرقية و الضفة الغربية المحتلتين سابقا من الأردن، و خسرت أيضا قطاع غزة
المحتل سابقا من مصر عبد الناصر "القومية الوحدوية الشعبية التقدمية
الاشتراكية"، عوض تحرير القدس و استرجاع فلسطين، كل فلسطين. و احتلت إسرائيل
قطاع الجولان السوري (الذي لا يزال محتلا حتى اليوم 2013) و قطاع سيناء المصرية
(التي حُرِّرت نسبيا بالمفاوضات، أقول نسبيا لأن ليس للجيش المصري حق تمركز جيوشه
داخلها إلا بإذن إسرائيلي، حسب اتفاقية كامب ديفيد سارية المفعول حتى الآن 2013) و
احتلت جنوب لبنان.
-
بعد حرب 1973 التي حقق فيها الجيش المصري انتصارا عسكريا
بطوليا باختراقه خط بارلاف المحصن عسكريا أفضل تحصين، و للأسف الشديد، حول السادات
هذا الانتصار العسكري إلى نصف انتصار بإمضائه على اتفاقية كامب ديفيد المذلة - حسب
ما ذكرنا أعلاه في الفقرة السابقة - للشعب
و المحبطة للجيش المصري و لجميع الجيوش العربية التي أبلت البلاء الحسن في تلك
الحرب مثل الجيش المغربي و الجيش الجزائري و الجيش العراقي و الجيش السوري.
-
المقاومة العربية المسلحة الناجعة و الناجحة الأولى بعد
الحرب العالمية الثانية: بعد الحروب العربية الإسلامية التحريرية من الاستعمار
الفرنسي و الإيطالي و الأنڤليزي، في تونس (عيد الجلاء 1963 ) و الجزائر ( 1962) و
المغرب ( 1965 ) و ليبيا (1951 ) و مصر ( 1952) و العراق (1920). لكن و للأسف الشديد
حررنا الأرض و لم نحرر الإنسان فبقي الاستعمار غير المباشر جاثم على قلوبنا حتى
اليوم 2013: هجّر عمالنا المهرة و استقطب خريجي جامعاتنا الأوائل و سرق آثارنا
ليعرضها بكل صفاقة و وقاحة في متاحفه و نهب ثرواتنا المنجمية الخامة بأبخس
الأثمان. لم يكفه هذا التعدي السافر على حقوقنا الاقتصادية بل زاد في إذلالنا و
تبعيتنا الغذائية و باعنا بذورا معدلة جينيا لا تنتج إلا مرة واحدة و صدّر لنا
معها أبقارا لا تتلاءم مع بيئتنا المتوسطية حتى يجبرنا على استيراد أدوية و تقنيين
سامين لمعالجة أمراضها المستعصية و المنتظرة، و بهذا التمشي الغادر و المبرمج
أفقدنا تنوعنا البيولوجي الأصيل و المتأقلم مع بيئتنا التونسية و المتكون من بذورنا
و فسائل أشجارنا و شجيراتنا و حيواناتنا. كل غذاء مستورد يجر حتما إلى التبعية
الغذائية التي تمهد رويدا رويدا إلى فقدان استقلالية القرار السياسي و التربوي و
التنموي الاجتماعي. بعد الربيع العربي، لم
يقف جشع الغرب عند هذا الحد بل بدأ يخطط و يموّل بسخاء و ينفذ سياسة تتمثل في بث و
تأسيس مئات الجمعيات تحت عدة مسميات (خيرية و ثقافية و ديمقراطية و مواطنة و حرية
و غيرها) تقوم بمهمة مستقبلية بهدف التوجيه و التأثير على بداية إمكانية بناء ذاتي بكل حرية
و استقلالية لتصوراتنا العلمية و الديمقراطية المستقبلية. فهل يصطاد القط لوجه
الله؟ أنا لا أعتقد ذلك و أشك في نواياهم "الديمقراطية"، ليس تنبؤا أو تدجيلا
بل بناءً على تاريخهم الاستعماري معنا، لكنني و من باب المنهجية العلمية، لا أعمم و
أبقي للشك نصيب في الشر مهما كبر و نصيب في الخير مهما صغر.
و
السؤال العلمي الملح هنا: كيف نوقف هذا النزيف العربي الإسلامي في اليد العاملة
الماهرة و في الأدمغة العالمة (ما يقارب 100 ألف باحث علمي عربي الأصل يعملون في
أوروبا ) و في إتلاف البذور النباتية الأصلية المتأقلمة مع مناخنا المتوسطي الحار
فاقد الأمطار؟ هل نوقف هذا النزيف القاتل بالمقاومة المسلحة التي لا نستورد من
سلاحهم إلا أسوءه، أم نوقفه بالمقاومة العلمية و العملية و التخطيط الاستشرافي كما
فعلت اليابان و ألمانيا و الهند و البرازيل و كوريا الجنوبية و هونڤ كونڤ و
سنغفورة و فرموزا و الصين الشعبية و دول أوروبا الشرقية الاشتراكية سابقا؟ يبدو لي
أنه ليس لنا اختيار بين الطريقتين!
-
المقاومة العربية المسلحة الناجعة و الناجحة الثانية بعد
الحرب العالمية الثانية: أثناء حرب لبنان و إسرائيل سنة 1982، خرج جيشان محتلان قويان
بسرعة البرق تحت ضربات عمليتين استشهاديتين بطوليتين مدبرتين من حزب أمل أو حزب
الله الشيعيين (و هذه الحالة الوحيدة التي أجيز و أحلّل فيها العمليات الاستشهادية
العربية الإسلامية، جيش مقاوِم ضد جيش
محتل). خسر فيها الجيش الأمريكي 200 جندي و الجيش الفرنسي 51 جندي. لكن و للأسف
الشديد رجع بعدها السلاح اللبناني إلى نحور اللبنانيين في حرب أهلية مدمرة، أتت
على الحياة و العمران و الحضارة و التعايش السلمي بين الطوائف الشيعية و السنية و
المسيحية و الدرزية.
-
بعد غزو العراق من قبل أمريكا و حلفائها سنة 2003،
قاومنا بالسلاح فقتلنا من العراقيين أضعاف أضعاف ما قتلنا من الجنود الأمريكيين
المحتلين. خرجت أمريكا بجنودها نسبيا من العراق سنة 2011، و بقينا نجاهد شيعة ضد
سنة و سنة ضد شيعة، نتقاتل في حرب أهلية تقتل بمعدل مائة عراقي مدني بريء يوميا. فحتى
في الحالات القليلة التي نستفيد منها من المقاومة المسلحة في تحرير الأرض من
المستعمر، لا نستثمر هذا الانتصار و لا نستغله للاستقرار و البناء و النمو الداخلي
بل نحوله بقدرة تدميرية عربية إسلامية جهادية غريبة إلى حرب أهلية أشوم و أشرس من
الاستعمار ألف مرة. رحماء عل الأعداء، أشدّاء على بعضنا البعض!
-
المقاومة العربية المسلحة الناجعة و الناجحة الثالثة بعد
الحرب العالمية الثانية: بعد حرب 2006 بين حزب الله و الجيش الإسرائيلي، انتصر
الأول على الثاني نصرا عسكريا و سياسيا باهظ الثمن، فهو إذن انتصار على
المنهزم مع تكلفة مدمرة للمنتصر:
Une victoire à la
Pyrrhus est une victoire avec
un coût dévastateur pour le vainqueur
انتصار
لم يغير من خارطة الأراضي اللبنانية المحتلة قبل حرب 2006 و لو مترا مربعا واحدا! مزارع شبعا التي يطالب بتحريرها حزب الله بناءً
على أنها لبنانية و ليست سورية، بقيت تحت الاحتلال الإسرائيلي حتى اليوم 2013.
-
بعد حرب 2008 و حرب 2009 علي غزة من قبل العدو
الإسرائيلي، دُمرت غزة و لم نحرر شبرا واحدا من الأراضي المحتلة بعد حرب 1967.
-
بعد حرب 1989 على إيران من قبل العراق، خسرنا نصف مليون
عراقي و نصف مليون إيراني بين جنود و مدنيين و لم نحرر شط العرب و لا طنب الصغرى و
لا طنب الكبرى و لا الأهواز المحتلة من قبل إيران.
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، في 3 أوت 2013.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire