عشرون وضعية تنتهي بنقطة
استفهام، رصدتها في الثورات العربية الأخيرة! مواطن العالم د. محمد كشكار
حسب تجربتي النقابية -
السياسية المتواضعة و اطلاعي الثقافي المحدود، أشخّص ما عشت و ما رأيت كمواطن
تونسي، قاطن بأحواز العاصمة تونس، مشارك في الثورة التونسية إعدادا و تنفيذا و
نقدا و تعليقا، شاهد عيان غير منتم حزبيا و لا أيديولوجيا و أروي ما سمعت عن
الثورات العربية الأخرى.
1.
أصغر "دولة - إمارة" قطرية عربية رجعية
صهيونية عميلة أمريكية تحرّض و تعدّ و تسلّح و تقود أكبر "الثورات" العربية
في التاريخ العربي الإسلامي.
2.
أكثر الدول العربية بُعدا عن الديمقراطية، قطر و
الإمارات و السعودية، الذين لم يجروا في تاريخهم القديم و الحديث انتخابات
برلمانية أو رئاسية واحدة، لا يخجلون من أنظمتهم الرجعية القروسطية (بالمقياس الزمني
الأوروبي للمفهوم و ليس العربي الإسلامي) و يحثون جميع الدول العربية الأخرى على
الانتقال الديمقراطي.
3.
مؤتمر أعداء الشعب السوري يُعقد في تونس - و الغير منطقي
في المشهد أن المشاركين فيه يسمونه مؤتمر أصدقاء الشعب السوري - أول دولة عربية
ثارت على الظلم و الاستبداد. "أصدقاء" الشعب السوري هم "أصدقاء"
الشعب الليبي، الناتو و حلفاؤه أو قل عملاؤه من العرب، و قد رأينا ما فعلوه بالشعب
الليبي و بنيته التحتية، هم الذين استعانوا بمستعمر أجنبي للقضاء على مستبد محلي
(القذافي أو بشار) و مثلهم كمثل الذي يحتمى من الرمضاء بالنار.
4. التونسيون
الشجعان من نقابيين يساريين و قوميين قاعديين و عاطلين و مهمّشين و مثقفين
فقراء و فنانين و محامين و قضاة و صحافيين، قاموا بثورة ضد بن علي. و مَن تسلّم السلطة بعد الثورة؟ بقيت السلطة بأيدي أركان النظام
القديم و على رأسهم سلطة ثلاثية شكلية، ترأس و لا تحكم، مكونة من ثلاثة أحزاب
مناضلة تاريخيا لكن لم تشارك في إنجاز الثورة من 17 ديسمبر 2010 - 14 جانفي 2011
5. قام ثلة من الشباب المهمّش بقطع الطريق الوطنية
على مستوي برج السدرية قرب المعهد، قدمت سيارة حرس فضربوها بالحجر و هشموا زجاجها
الحامي الأمامي، لم يرد أعوان الأمن على الاعتداء و قفلوا راجعين من أين أتوا و
كأنها سيارة خاصة لمواطن مغلوب على أمره، حدث كل هذا و الجيش الوطني "حامي
الثورة" يتفرّج بل فاوض قاطعي الطريق و استجاب لمطلبهم المتمثل في استقدام
والي الجهة.
6. قبيل استلامه المبرمج للسلطة، تحالف حزب النهضة
مع عدو الأمس أمريكا، الشيطان الأكبر حسب تعبير الخميني و عدو اليوم للعراقيين و
الفلسطينيين و الأفغانيين و عدو المستقبل للمستضعفين أجمعين، عمالا و فلاحين و
مثقفين فقراء أمريكيين و أوروبيين و مسيحيين و مسلمين و بوذيين و هندوسيين و
وثنيين و ملحدين.
7. في عز الثورة التونسية و في ذروة تأجّجها و
احتياج منفّذيها للاتصالات الهاتفية، تُوفّر مجانا شركة "تليكوم" النصف
دولية و شركة "تونيزيانا" متعددة الجنسيات خمسة دنانير لكل مشترك و كأني
بها "تسعى للخير" و تسهّل الاتصالات بين المتظاهرين و تشجّعهم على
التظاهر ضد الحاكم.
8. بين عشية و ضحاها في يوم من أيام الثورة، جاء أمر
من عَلِِ و أُخليت جميع المراكز الأمنية في وقت واحد مدّعين أنهم لا يرغبون في قتل
المهاجمين و هذا خُلُقٌ لم نعهده من شيمهم و كأني بهم يقولون للناس المتردّدين و
الخائفين من القمع: اخرجوا و تظاهروا و أطيحوا بهذا النظام المافيوزي و بعصابة
الطرابلسية التي أضرّت بتجارة الرأسماليين الأحرار الأغنياء التونسيين و الأجانب و
ضيّقت عليهم الخناق و خفّضت من نسبة ربحهم و منعتهم مشاركتها اسغلال و سرقة و نهب
ثروات تونس الطبيعية و امتصاص دم و عرق عمالها بالفكر و الساعد.
9. هاجم نفر غفير من شباب حمام الأنف و شباب حمام
الشط مركز الحرس الوطني بحمام الشط و أتلفوا محتوياته و نهبوا محل سكنى رئيس
المركز و أحرقوه و أحرقوا بجانبه مركز البريد المحلي، حدث كل هذا و جيشنا الوطني
الباسل "حامي الثورة" يتفرّج و هو مرابط أمام بلدية حمام الشط على بعد
عشرة أمتار من مكان الحادث و كان بإمكانه بطلقة نارية بيضاء واحدة حماية الممتلكات
العمومية من الحرق و الإتلاف الذي سيسدّد ثمنه دافعو الضرائب من الموظفين و العمّال
و الفلاحين و تجار التفصيل و صغار الصناعيين.
10.
بعد الثورة و بعد انتخابات ظاهريا و شكليا نزيهة (أما الباطن فالعلم لله و حده و من
بعده للأمريكان و حلفائهم)، سمعت أن حكومة
النهضة عينت السيد بوبكر الصغير على رأس مؤسسة إعلامية، بوبكر الصغير للذي لا
يعرفه، هو بوق النظام القديم باعترافه الشخصي و الذي يعتبره كل التونسيين بمثابة نسخة
باهتة من برهان بسيس، المدافع عن بن علي لآخر دقيقة في قناة الجزيرة.
11.
قناة الجزيرة التي تحرّض على الثورة العربية هي
أول قناة يظهر فيها يوميا و منذ عشر سنوات رموز العدو الصهيوني و رموز الإدارة
الأمريكية، يتكلمون على راحتهم و لا تقاطعهم كما تفعل مع المتدخلين العرب،
يسمّموننا بأفكارهم "النيّرة" و يزيّنون لنا الشرّ خيرا و الاحتلال
تحريرا و الانتكاس ثورة.
|
12.
تظاهر مئات الآلاف من الأفغانيين و الباكستانيين و اليمنيين ضد حرق نسخ من
القرآن الكريم من قبل جنود أمريكيين محتلين متغطرسين عنصريين متعصبين و هذا من حق
المسلمين الغيورين على مقدساتهم و من واجبهم أيضا لكن في المقابل لم يتظاهر هؤلاء
المسلمون الصادقون بمثل هذا الزخم ضد احتلال أفغانستان بأكملها، بنسائها و رجالها
و أطفالها و جوامعها و مدارسها ، احتلال داس على كرامة الأفغاني و الأفغانية على مدى عشر سنوات و انتهك
عرضهما آلاف المرات على مسمع و مرأى من العالم. لم يتظاهر الإسلاميون التونسيون ضد
هذا الفعل الشنيع، ربما لأن عدو الأمس أصبح حليف و صديق اليوم! من المطلوب و
المحمود أن يثور الإنسان ضد حرق نسخ من القرآن الكريم مع أن "الكتاب" له
رب يحميه من الانقراض و التلف و الضياع، قال تعالى " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ". لكن يبدو لي أنه من الواجب المؤكد أيضا حماية
الإنسان من ظلم أخيه الإنسان لأن الله تعالى قد يسامح ويغفر في حقه و هو العادل الذي لا يظلم أحداً، ولكن في ظلم العبد للعبد لا يسامح و يطالبنا بالقصاص.
13.
لم أسمع و لم أقرأ عن نظام سياسي جديد واجه ما تواجهه حكومة
"النهضة" في الأشهر الأولى من استلامها للسلطة بعد انتخابات شعبية
ديمقراطية. نحن نعرف أن المواطنين يستبشرون خيرا بالأنظمة الجديدة حتى الانقلابية و
الدكتاتورية المغلفة بالثورية منها كنظام لينين و ماو و كاسترو و عبد الناصر و
صدام و القذافي و الأسد، على الأقل في بداياتها ثم ينقلبون عليها بعد اكتشاف
عيوبها. حكومة النهضة، انقلب عليها و منذ الوهلة الأولى جميع أركان النظام القديم
(الداخلية و الاتحاد و الإعلام و الإدارة و الديوانة و البيروقراطية الإدارية و
البيروقراطية النقابية "الجرادية" - نسبة إلى عبد السلام جراد الأمين
العام السابق المتهم بخيانة العمّال و الفساد و الانتهازية و الانبطاحية لبن علي -
أما الجيش فـ"شاهد ما شافش حاجة") و المعارضة بشقيها الليبرالي و
اليساري-القومي و المثقفين و الفنانين و حتى السلفيين الجهاديين.
14.
جيش وطني تونسي مدجّج بالسلاح يرى مواطنيه يُقتلون برصاص
القناصة و الشرطة و لا يحرك ساكنا بدعوى الحياد، بربكم أي حياد هذا الذي يمنعك من
أداء واجبك الوطني المتمثل في حماية الشعب التونسي من الاعتداءات الخارجية و
الداخلية مهما كان مأتاها؟
15.
بعد الثورة، كنا ننتظر تهافت و قدوم العلماء و المثقفين
الأجانب و المحليين من أمثال أحمد زويل و فاروق الباز و محمد الأوسط العياري و
هشام جعيط و أبو يعرب المرزوقي و عبد المجيد الشرفي، ينيرون لنا الطريق فما راعنا
إلا و الدعاة الرجعيين أمثال عمرو خالد و وجدي غنيم "يُدَمْغِجُونَ" و
يهيّجون شبابنا المسلم المتعطش للمعرفة بجميع أنواعها الدنيوية و الدينية.
16.
يمثُلُ مدير جريدة "التونسية" أمام القضاء
بمقتضى الفصل 121، الفصل الزجري الموروث من العهد البائد، عهد بن علي. هذا الفصل
من القانون الذي مَثُلَ بمقتضاه في العهد البائد محمد المنصف المرزوقي، رئيس
الجمهورية الحالي المؤقت و مصطفى بن جعفر رئيس المجلس التأسيسي الحالي المؤقت.
17.
يصرّح راشد الغنوشي، رئيس حزب النهضة الحاكم و بن جعفر
رئيس حزب التكتل الحاكم و المرزوقي الرئيس السابق لحزب المؤتمر الحاكم، ثلاثتهم
يؤكدون على عدم موافقتهم على إيقاف مدير جريدة "التونسية". فمن أوقفه يا
ترى بغض النظر عن فعلته؟ فعلته يحاسبه عليها الساهرون على أخلاقيات المهنة الصحفية
و يقاضيه القضاء المستقل حسب مجلة الصحافة و ليس عن طريق فرقة الآداب في القرجاني
و عن طريق الفصل 121 القمعي الذي سنّه بن علي. إذا لم توقفه حكومة الثلاثي، فهل
أوقفته الأشباح و زجّت به في السجن لمدة أسبوع؟ أم أوقفته النيابة العمومية
الممثلة للسلطة داخل جهاز القضاء حتى و لو كان مستقلا فالنيابة العمومية دائما غير
مستقلة و تابعة للسلطة مائة بالمائة و هي اليد الطويلة للسلطة التي تضرب بها متى
تشاء و من تشاء.
18.
خرجَت كل المفاهيم عن المنطق بعد الثورة في تونس فأصبحت
الضحية مُدانَة و الجَلْدُ مبرّرا. يَضرب عمال البلدية المسحوقين من أجل تفعيل
اتفاقية ممضاة من قبل حكومة السبسي فيتهمهم بعض منتمي أو متعاطفي حزب النهضة
بتعطيل الاقتصاد و إتباع أجندا سياسية يسارية رغم أن حزب النهضة سبق له و أن ساند
إضرابهم الأول بشهر عندما كان في المعارضة في عهد السبسي.
19.
يثور اليمنيون ثورة سلمية و هم المدجّجون بالسلاح و يلقّنون
العالم درسا بليغا في التظاهر السلمي الحضاري المنظّم و في الآخر يُجَازون من قبل
زعيمة الإرهاب، الإدارة الأمريكية و حلفائها الخليجيين بمهزلة انتخابية رئاسية، لا
يترشح لها إلا مرشح واحد و هو نائب الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح اللاجئ في
الولايات المتحدة الأمريكية و المُحَصَّن ضد المتابعة القضائية و المحاسبة.
20.
يحمّل منتمو و متعاطفو حزب النهضة مسؤولية تردّي الأمور
في تونس للمعارضة اليسارية بشقيها الثوري و الانتهازي، صاحبة صفر فاصل كما
ينعتونها. أنا أطرح سؤالا إنكاريا غير بريء: إذا كان الصفر فاصل قادرا على كل هذا التحريض
و الحشد و التجييش، فكيف لم تقدروا أنتم أصحاب الأربعين بالمائة على حل مشاكل
التونسيين المستضعفين و قد سبق لكم و أن وعدتموهم بأكثر من هذا في حملتكم
الانتخابية! أرجوكم لا تخطئوا الهدف و صوّبوا سهامكم نحو عدوكم الحقيقي الذي يتمثل
في أركان النظام البائد التي ما زالت تعشش و تفرّخ و تنخر في الجيش و الديوانة و
الشرطة و الحرس و الإعلام و البيروقراطية الإدارية و البيروقراطية النقابية
الموروثة عن جراد و عصابته.
تاريخ
أول نشر على النت: حمام
الشط في 25 فيفري 2012.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire