mardi 27 août 2013

بعض "النهضاويين القاعديين"، مَلَكِيّونَ أكثر من الملك! مواطن العالم د. محمد كشكار

بعض "النهضاويين القاعديين"، مَلَكِيّونَ أكثر من الملك! مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 25 فيفري 2012 .

يبدو لي أن بعض النهضاويين القاعديين يحاولون جاهدين الدفاع باستماتة و شراسة و حماسة عن حزبهم و هذا أمر طبيعي - و لم أقل منطقي - و هم لا يختلفون عن غيرهم من المتحزبين اليساريين و القوميين و الليبراليين. تعصّب لا أحبّذه و أمارس عكسه، أنا أنتمي تاريخيا إلى اليسار النقابي القاعدي لكنني أُعْتَبَرُ من أشدّ منتقدي اليسار الماركسي الحزبي الانتهازي قبل اليمين، و قد أقسو أكثر في بعض الأحيان على بيروقراطية الاتحاد العام التونسي للشغل و نظامه الداخلي المتهرئ و المتكلس و أكون أكثر قساوة عند نقد غياب الديمقراطية في انتخابات النقابات الأساسية و الجهوية و العامة و المكتب التنفيذي. و هذا لا يدخل في باب النقد الذاتي أو جلد الذات، و إنما يندرج في باب نقد شأن أعرفه و عشته فعلا قبل نقد من لا أعرفهم جيدا و لم أعايش نضالاتهم و عذاباتهم، لا أحكم مسبقا على النوايا قبل أن أرى الأفعال و ألامس الممارسات الاجتماعية المادية المحسوسة و التي تخضع لمعايير القياس و المقارنة.

أعطي أمثلة حية و البيّنة على من ادعى:
1.     سمعت حكومة النهضة عيّنت (لم أقل حكومة الثلاثي و أنا أعي ما أقول و لا أتجنى لأن "بن جعفر" قال في التلفزة أن النهضة لم تستشرنا قبل هذه التعيينات) السيد بوبكر الصغير (لمن لا يعرفه، هو نسخة داخلية من برهان بسيّس بوق بن علي في قناة الجزيرة) على رأس مؤسسة إعلامية كبيرة. نقدت بشدة هذا الخطأ الفظيع. دافع بعض النهضاويين على قرار حزبهم ففاجأتنا قيادة "النهضة" بتراجعها عن القرار و اعترافها بالخطأ.

2.     صرّح النائب "شورو" تصريحه الشهير في المجلس التأسيسي ضد قاطعي الطرقات و معطّلي المرافق العمومية من المعتصمين. نقدت هذا التصريح الذي يغالي في تجريم المعتصمين دون الأخذ بظروف التفهم و التخفيف. بارك بعض النهضاويين و برّروا استشهاده بالآية القرآنية. خرجت علينا قيادة "النهضة" و لطّفت التصريح و وصفه الفيلسوف أبو يعرب المرزوقي بالقروسطي (نسبة إلى قرون الجهل و الظلامية الأوروبية المتزامنة مع الفترة الذهبية العبّاسية في تاريخ الحضارة العربية الإسلامية لكن للأسف الشديد، استيقظ الغربيون بعد ما كانوا نائمين و نحن نمنا بعد ما كنا مستيقظين.

3.     قبضت النيابة العمومية التونسية النهضاوية (لعلم الجميع، حتى في الدول الراسخة في الديمقراطية لا يمكن أن تكون النيابة العمومية مستقلة عن السلطة التنفيذية حتى في ظل استقلال القضاء) على مدير جريدة "التونسية" بتهمة التعدي على الأخلاق الحميدة و أحالته فورا على المحكمة بمقتضى الفصل 121 و هو قانون ظالم سنّه بن علي لضرب حرية الصحافة و الصحافيين. نقدت هذا الإجراء لكونه مخالفا لمجلة الصحافة.هلّل بعض النهضاويين و صفّقوا لهذه العدالة الانتقالية الاستعجالية. و فجأة أكد "الغنوشي" و "المرزوقي" و "بن جعفر" معارضتهم لإيقاف هذا الصحافي.

4.     اشتعلت نار أسعار المواد الغذائية في تونس. ثُرت ضد هذا الغلاء الفاحش الذي مسّني في أسرتي و قوتي و عظامي و قلت: كان بإمكان حكومة الثلاثي أن تقضي فوريا على قلة من الوسطاء الانتهازيين الجشعين فتنخفّض أسعار البيع بالتفصيل أوتوماتيكيا و فوريا، "توّا توّا". قال بعض المدافعين عن حزب النهضة: هذا مطلب تعجيزي و لا يحق لك أن تطلب المستحيل من حكومة عمرها شهران و تطالبها بحل معظلة مزمنة موروثة من العهد البائد. باغتني اليوم صديق نهضاوي، و ما أكثرهم حواليَّ، و قال لي: لقد فكرت فعلا حكومة النهضة في هذا الحل السحري العاجل "القضاء على الوسطاء المحتكرين للسلع الغذائية" و شرعت في تطبيقه و سوف ترى نتائجه بأم عينيك عن قريب إن شاء الله. صدّقته و بنيت على وعده قصورا و قصورا و إن غدا لناظره قريب.

5.     أحرق جنود أمريكيون عنصريون متعصبون نسخا من مصحف القرآن الكريم في أفغانستان. تظاهر مئات الآلاف من الأفغانيين و الباكستانيين و اليمنيين ضد هذه الفعلة الشنيعة و لم يتظاهر نهضاوي تونسي واحد مثلما تظاهر منذ شهور الإسلاميون التونسيون ضد قناة نسمة احتجاجا على عرضها الفيلم الإيراني "برسيبوليس". نقدت هذا التخاذل الإسلامي التونسي الرسمي و الشعبي عن نصرة الدين رغم أنني أؤمن أن الزبد يذهب جفاء و أن ما ينفع الناس يمكث في الأرض و على كل سلوك همجي نرد بسلوك حضاري راق متعقل و رصين كما علّمنا رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه و سلّم عندما واجه أذى كفّار قريش و رميهم القمامة أمام بيته و صبر عليهم و صابر سنينا و سنينا و عندما انتصر و استلم السلطة في مكة، لم ينتقم منهم و عفا عنهم و سامحهم عند المقدرة فأسلم منهم الكثيرون. و من غرائب الصدف و من سوء طالع "النهضة" تزامن هذا الاعتداء الأمريكي على أقدس مقدسات المسلمين مع استقبال الجبالي للصهيوني الأمريكي "ماك كين" بالأحضان (شُهر الأخير بعدائه و عنصريتة ضد العرب و انحيازه المطلق و الصارخ إلى عدوتنا الثانية إسرائيل، عدوتنا الأولى هي حكومة الولايات المتحدة الأمريكية) و تشريفه هو و وزيرة الخارجية الأمركية الأفعى "هيلاري كلينتون" بمقابلة رئيس الدولة التونسية. كالعادة دافع بعض النهضاويين على حكمة و واقعية قيادتهم. و ما راعني إلا و نفس الصديق النهضاوي المذكور أعلاه يثني على نقدي لحكومة و حزب النهضة و يوافقني الرأي و يقول لي: لقد وجهنا نفس النقد لبعض قيادات حزب النهضة و هم الآن بصدد الإعداد لرد مناسب على تجاوزات الجنود الأمريكيين، رد مزلزل يليق باستقلالية قرارنا السياسي و العقائدي.

و مَن وراءه نبّار مثل "كشكار"، لا يستطيع - حتى و إن أراد و اشتهى - أن يكون مَلَكيّا أكثر من الملك و السلام.

خاتمة جديدة، أضفتها اليوم، الثلاثاء 27 أوت 2013:   
أدلى الأستاذ راشد الغنوشي، رئيس حزب حركة النهضة، بتصريح ديمقراطي جدا - على مستوى الخطاب على الأقل - يوم الاثنين 26 أوت 2013 على قناة نسمة و فتح الأبواب واسعة للمفاوضات مع المعارضة دون إقصاء لأحد من مكوناتها الحزبية المتعددة و دون قيد أو شرط مسبق، فثارت ثائرة جل النهضاويين القاعديين و بعض قيادييهم البارزين رافضين هذا التنازل الديمقراطي الكبير لصالح الخصوم السياسيين من قبل قائدهم المفدى.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire