قال لي صاحبي: لماذا أنت
مُحبط يا صديقي؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار
تنهدت و أجبته بكل حزن و
مرارة و قلت له:
-
أنا مُحبط، لأن القيادات العربية في الستينات من القرن
العشرين وعدتنا بتحرير فلسطين و رمي الصهاينة في البحر، و للأسف الشديد لقد نفذ
أحفادهم العرب وعدهم بالفعل في أواخر العشرية الأولى من القرن الواحد و العشرين، و
كانوا صادقين لكن في مَن نفذوه يا تُرى؟ لم ينفذوه في الصهاينة المسلحين مغتصبي
أرض عرب فلسطين، بل نفذوا وعيدهم ضد إخوانهم في الدين و الملة و العرق، اقتتل
الإسلاميون مع بعض الجيوش العربية الحاكمة ففقدنا
- بسبب جهل و استبداد الاثنين - 200
ألف
مسلم في الجزائر بين مدني و عسكري، و 100 ألف في سوريا، و مئات الآلاف في العراق و
السودان، و بعض المئات أو العشرات في ليبيا و اليمن و تونس. قتل المسلم أخاه
المسلم بدم بارد و دون وجه حق، و أجهز عليه بالرصاص المستورد، ثم ذبحه بالسكين و
مثّل بجثته، بل وصل غل و كره المسلم لأخيه المسلم إلى حد تشريح صدر الضحية بالسكين
و اجتثاث قلبه و أكله على الملأ أمام عدسات كاميرات الفضائيات العربية و الأجنبية.
و تريدون من المواطنين المدنيين الغربيين أن لا يقولوا عنا، نحن المسلمون، أننا
إرهابيون؟ أما حكومات حلف الناتو الغربية، فهن محترفات في الإرهاب و نحن لا زلنا
هواة، ليس لقلة الحيلة بل لفقدان الوسيلة (أسلحة الدمار الشامل ينتجها و يملكها و
يتحكم في تجارتها الغرب و ليس المسلمين)!
-
هذه الفقرة الثانية هي فقرة مستوحاة و ليست مستنسخة
حرفيا من ميثولوجيا العهد القديم في سفر الخروج: خروج 2:2. صفحة 41 من كتاب
"العنف و المقدّس و الجنس في الميثولوجيا الإسلامية"، تركي علي الربيعو،
المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية 1995، بيروت، 191 صفحة: حين تنعدم الرؤيا و
يغيب العقل و يستبد التعصب و الإقصاء الديني الإسلامي، يبرز العنف مهددا. و في
حالة السوريين فالعنف فائق الوفرة يفيض على الجنبين (النظام و المعارضة)، و يعززه
غياب التفوق العسكري بين المتخاصمين حيث تدوم الحرب الأهلية أكثر و أكثر و ينتعش و
يتجدد الكره خلالها و يُتوارث مغطيا ساحة المعركة، و تصبح الساحة مسرحا للعنف
التبادلي بين الأخ و أخيه و الأب و بنيه. إن
الحرب الأهلية تجد تعبيرها في سيادة العنف التبادلي، في اقتتال الأخوة السوريين
الأعداء. و ما أن يضع المتجالدون سيوفهم و "كلاشنكوفهم" و مدافعهم، و
تتضح أعداد المذبوحين بعد زوال الظلمة، حتى يرى العربي المسلم السوري ما فعله
بأخيه العربي المسلم السوري.
-
أنا مُحبط، عندما أرى الإسلاميين الناشطين السياسيين
القياديين و أكثر المسلمين المهاجرين يتنكرون لمزايا الأنظمة العَلمانية عليهم و على
أولادهم، و قد استفادوا و استغلوا عَلمانيتها أكثر منا نحن العَلمانيون غير
المنتمين و غير المهاجرين. ألا يعيش المسلم في فرنسا و يمارس شعائره الدينية بأكثر
حرية من أي مسلم في دولة عربية مسلمة، حتى و لو كانت السعودية أو إيران؟ مَن آوى و
حمى و ساعد القيادات الإسلامية عندما هُجرت قسرا من بلدانها الإسلامية؟ أين عاش الأستاذ
راشد الغنوشي نفسه (رئيس حزب حركة النهضة التونسية و مؤسسها الأول) زهاء عقدين من
الزمن؟ أليست البلدان الأوروبية العَلمانية (فرنسا و ألمانيا و أنقلترا) هي من
منحتهم اللجوء السياسي و سمحت لهم بممارسة
نشاطهم الدعوي علنا و ممارسة نشاطهم السياسي بغض الطرف؟ ألا يعيش 40 بالمائة من
الأمة العربية الإسلامية كأقليات محترمة في عديد الدول العَلمانية؟
-
أنا مُحبط، لأن علماء أمتي العربية الإسلامية - كابن رشد
- كانوا يُعتبرون مراجع علمية مهمة و عظيمة في جامعة السربون بفرنسا في القرن
الثاني عشر ميلادي، و اليوم نفس الأمة تستورد قدّاحة المطبخ الكهربائية من الصين!
-
أنا مُحبط، لأن أمتي قامت بثورات لفصل المقدس عن السياسي
فسيطر الجهل المقدس، و هو جهل تجار الدين من بعض الغلاة من الدعاة الإسلاميين
الذين يبثون فكرا يكفّر إخوانهم المسلمين العَلمانيين و يقصي باقي المواطنين من
العرب غير المسلمين!
-
أنا مُحبط، لأن أمتي قامت بثورة من أجل استرداد الكرامة
و ضمان التشغيل، ففقدت الاثنين معا، لأن
مَن لا شغل له لا كرامة له!
-
أنا مُحبط، لأنني كنت أحلم بتحسين أحوالي الاجتماعية بعد
الثورة، فانخفضت قدرتي الشرائية إلى النصف!
-
أنا مُحبط، لأننا استرجعنا لباس السلف الصالح و لم
نستحضر عبقريته في تغيير واقعه إلى الأفضل!
-
أنا مُحبط، لأننا قمنا بثورة إسلامية في القرن السابع
ميلادي، وحدنا قبائل مشتتة متقاتلة و بنينا دولة و أمة، و اليوم نفعل العكس
بالضبط، نهدم ما بنيناه بأيدينا و نخرّب وحدتنا المجتمعية التونسية الدينية و المذهبية
و الثقافية و نقسم مجتمعنا إلى مجتمعين متناحرين، مظاهرة للنساء المواليات للحكومة
في شارع بورقيبة و أخرى للنساء المعارضات في باردو، مظاهرتان من أجل نفس الهدفين و
هما الاحتفال بذكرى عيد المرأة يوم 13 أوت 2013 و اعتبار مجلة الأحوال الشخصية
التونسية مكسبا نسويا لا تراجع عنه، و هذه قناعة موجودة لدى الفريقين - على الأقل
على مستوى الخطاب و الممارسة الظاهرة، و أنا لا أقرأ النوايا و لا أتنبؤ بالغيب - مع
اختلاف في استعمال المصطلحات للتعبير على نفس الفكرة!
-
أنا مُحبط، لأننا قمنا بثورة من أجل الديمقراطية (الضامن
الوحيد للكرامة و الحرية)، و صفقنا - نحن العرب "الديمقراطيون" - لأول
انقلاب عسكري بغطاء شعبي على الديمقراطية عندما لم تعجبنا نتائج الصندوق!
-
أنا مُحبط، لأننا بعد الثورة توقفنا تقريبا عن العمل،
بعد ما كان جهدنا بطيئا قبلها، فأصبحنا نستجدي قوت يومنا من البلدان العَلمانية التي
ننعتها بالكفر و الإلحاد و نسب و نشتم معتقداتها صباحا مساء و يوم الأحد. أنا محبط
لأن شعبا لا يعمل، شعب لا يستحق حرية و لا كرامة!
-
أنا مُحبط، لأنني تعبت في اكتساب علم جديد اسمه
"تعلّميّة البيولوجيا" على مدى سبع سنوات متنقلا بين أرقى الجامعات
الفرنسية (جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا) و جامعة تونس، و لم أدرّس هذا العلم
يوما واحدا في الجامعة، و لم ينتفع من بحوثي العلمية طالب تونسي واحد، و الأدهى و
أمرّ أنني سمعت أن متفقدي ثانوى لم يتعلموا هذا العلم أكاديميا و لو شهرا واحدا، سمعت
أنهم يدرّسوه في المعهد الأعلى لتكوين المتفقدين!
تاريخ
أل نشر على النت: حمام الشط،
الأربعاء 14 أوت 2013.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire