mercredi 14 août 2013

قال لي صاحبي: لماذا أنت مُحبط يا صديقي؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار

قال لي صاحبي: لماذا أنت مُحبط يا صديقي؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار
                                                                           
تنهدت و أجبته بكل حزن و مرارة و قلت له:

-         أنا مُحبط، لأن القيادات العربية في الستينات من القرن العشرين وعدتنا بتحرير فلسطين و رمي الصهاينة في البحر، و للأسف الشديد لقد نفذ أحفادهم العرب وعدهم بالفعل في أواخر العشرية الأولى من القرن الواحد و العشرين، و كانوا صادقين لكن في مَن نفذوه يا تُرى؟ لم ينفذوه في الصهاينة المسلحين مغتصبي أرض عرب فلسطين، بل نفذوا وعيدهم ضد إخوانهم في الدين و الملة و العرق، اقتتل الإسلاميون مع بعض الجيوش العربية الحاكمة ففقدنا  - بسبب جهل و استبداد الاثنين -  200   ألف مسلم في الجزائر بين مدني و عسكري، و 100 ألف في سوريا، و مئات الآلاف في العراق و السودان، و بعض المئات أو العشرات في ليبيا و اليمن و تونس. قتل المسلم أخاه المسلم بدم بارد و دون وجه حق، و أجهز عليه بالرصاص المستورد، ثم ذبحه بالسكين و مثّل بجثته، بل وصل غل و كره المسلم لأخيه المسلم إلى حد تشريح صدر الضحية بالسكين و اجتثاث قلبه و أكله على الملأ أمام عدسات كاميرات الفضائيات العربية و الأجنبية. و تريدون من المواطنين المدنيين الغربيين أن لا يقولوا عنا، نحن المسلمون، أننا إرهابيون؟ أما حكومات حلف الناتو الغربية، فهن محترفات في الإرهاب و نحن لا زلنا هواة، ليس لقلة الحيلة بل لفقدان الوسيلة (أسلحة الدمار الشامل ينتجها و يملكها و يتحكم في تجارتها الغرب و ليس المسلمين)!

-         هذه الفقرة الثانية هي فقرة مستوحاة و ليست مستنسخة حرفيا من ميثولوجيا العهد القديم في سفر الخروج: خروج 2:2. صفحة 41 من كتاب "العنف و المقدّس و الجنس في الميثولوجيا الإسلامية"، تركي علي الربيعو، المركز الثقافي العربي، الطبعة الثانية 1995، بيروت، 191 صفحة: حين تنعدم الرؤيا و يغيب العقل و يستبد التعصب و الإقصاء الديني الإسلامي، يبرز العنف مهددا. و في حالة السوريين فالعنف فائق الوفرة يفيض على الجنبين (النظام و المعارضة)، و يعززه غياب التفوق العسكري بين المتخاصمين حيث تدوم الحرب الأهلية أكثر و أكثر و ينتعش و يتجدد الكره خلالها و يُتوارث مغطيا ساحة المعركة، و تصبح الساحة مسرحا للعنف التبادلي بين الأخ و أخيه و الأب  و بنيه. إن الحرب الأهلية تجد تعبيرها في سيادة العنف التبادلي، في اقتتال الأخوة السوريين الأعداء. و ما أن يضع المتجالدون سيوفهم و "كلاشنكوفهم" و مدافعهم، و تتضح أعداد المذبوحين بعد زوال الظلمة، حتى يرى العربي المسلم السوري ما فعله بأخيه العربي المسلم السوري.
  
-         أنا مُحبط، عندما أرى الإسلاميين الناشطين السياسيين القياديين و أكثر المسلمين المهاجرين  يتنكرون لمزايا الأنظمة العَلمانية عليهم و على أولادهم، و قد استفادوا و استغلوا عَلمانيتها أكثر منا نحن العَلمانيون غير المنتمين و غير المهاجرين. ألا يعيش المسلم في فرنسا و يمارس شعائره الدينية بأكثر حرية من أي مسلم في دولة عربية مسلمة، حتى و لو كانت السعودية أو إيران؟ مَن آوى و حمى و ساعد القيادات الإسلامية عندما هُجرت قسرا من بلدانها الإسلامية؟ أين عاش الأستاذ راشد الغنوشي نفسه (رئيس حزب حركة النهضة التونسية و مؤسسها الأول) زهاء عقدين من الزمن؟ أليست البلدان الأوروبية العَلمانية (فرنسا و ألمانيا و أنقلترا) هي من منحتهم اللجوء السياسي  و سمحت لهم بممارسة نشاطهم الدعوي علنا و ممارسة نشاطهم السياسي بغض الطرف؟ ألا يعيش 40 بالمائة من الأمة العربية الإسلامية كأقليات محترمة في عديد الدول العَلمانية؟

-         أنا مُحبط، لأن علماء أمتي العربية الإسلامية - كابن رشد - كانوا يُعتبرون مراجع علمية مهمة و عظيمة في جامعة السربون بفرنسا في القرن الثاني عشر ميلادي، و اليوم نفس الأمة تستورد قدّاحة المطبخ الكهربائية من الصين!

-         أنا مُحبط، لأن أمتي قامت بثورات لفصل المقدس عن السياسي فسيطر الجهل المقدس، و هو جهل تجار الدين من بعض الغلاة من الدعاة الإسلاميين الذين يبثون فكرا يكفّر إخوانهم المسلمين العَلمانيين و يقصي باقي المواطنين من العرب غير المسلمين!

-         أنا مُحبط، لأن أمتي قامت بثورة من أجل استرداد الكرامة و ضمان التشغيل، ففقدت الاثنين معا،  لأن مَن لا شغل له لا كرامة له!

-         أنا مُحبط، لأنني كنت أحلم بتحسين أحوالي الاجتماعية بعد الثورة، فانخفضت قدرتي الشرائية إلى النصف!

-         أنا مُحبط، لأننا استرجعنا لباس السلف الصالح و لم نستحضر عبقريته في تغيير واقعه إلى الأفضل!

-         أنا مُحبط، لأننا قمنا بثورة إسلامية في القرن السابع ميلادي، وحدنا قبائل مشتتة متقاتلة و بنينا دولة و أمة، و اليوم نفعل العكس بالضبط، نهدم ما بنيناه بأيدينا و نخرّب وحدتنا المجتمعية التونسية الدينية و المذهبية و الثقافية و نقسم مجتمعنا إلى مجتمعين متناحرين، مظاهرة للنساء المواليات للحكومة في شارع بورقيبة و أخرى للنساء المعارضات في باردو، مظاهرتان من أجل نفس الهدفين و هما الاحتفال بذكرى عيد المرأة يوم 13 أوت 2013 و اعتبار مجلة الأحوال الشخصية التونسية مكسبا نسويا لا تراجع عنه، و هذه قناعة موجودة لدى الفريقين - على الأقل على مستوى الخطاب و الممارسة الظاهرة، و أنا لا أقرأ النوايا و لا أتنبؤ بالغيب - مع اختلاف في استعمال المصطلحات للتعبير على نفس الفكرة!

-         أنا مُحبط، لأننا قمنا بثورة من أجل الديمقراطية (الضامن الوحيد للكرامة و الحرية)، و صفقنا - نحن العرب "الديمقراطيون" - لأول انقلاب عسكري بغطاء شعبي على الديمقراطية عندما لم تعجبنا نتائج الصندوق!

-         أنا مُحبط، لأننا بعد الثورة توقفنا تقريبا عن العمل، بعد ما كان جهدنا بطيئا قبلها، فأصبحنا نستجدي قوت يومنا من البلدان العَلمانية التي ننعتها بالكفر و الإلحاد و نسب و نشتم معتقداتها صباحا مساء و يوم الأحد. أنا محبط لأن شعبا لا يعمل، شعب لا يستحق حرية و لا كرامة!

-         أنا مُحبط، لأنني تعبت في اكتساب علم جديد اسمه "تعلّميّة البيولوجيا" على مدى سبع سنوات متنقلا بين أرقى الجامعات الفرنسية (جامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا) و جامعة تونس، و لم أدرّس هذا العلم يوما واحدا في الجامعة، و لم ينتفع من بحوثي العلمية طالب تونسي واحد، و الأدهى و أمرّ أنني سمعت أن متفقدي ثانوى لم يتعلموا هذا العلم أكاديميا و لو شهرا واحدا، سمعت أنهم يدرّسوه في المعهد الأعلى لتكوين المتفقدين!


تاريخ أل نشر على النت: حمام الشط، الأربعاء 14 أوت 2013. 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire