vendredi 2 août 2013

فكرة قرأتها في كتاب: يقولون: عاد الدين و عاد الإسلام، و إنهم لواهمون! نقل مواطن العالم د. محمد كشكار

فكرة قرأتها في كتاب: يقولون: عاد الدين و عاد الإسلام، و إنهم لواهمون! نقل مواطن العالم د. محمد كشكار

كتاب "مخاضات الحداثة التنويرية. القطيعة الإبستمولوجية في الفكر و الحياة."، هاشم صالح، دار الطليعة للطباعة و النشر، بيروت، لبنان، الطبعة الأولى 2008، 391 صفحة. استعرته من المكتبة العمومية بحمام الشط. كتاب من أفضل الكتب التي قرأتها في السنوات الأخيرة و أعتبر كاتبه من أعلم و أنضج الفلاسفة التنويريين العرب، و أعُدّه من أهم رواد النهضة العربية الإسلامية المعاصرة.

تنبيه ضروري:
ما أنشره في هذه السلسلة من نقل و تعليق، تحت العنوان المشترك "فكرة قرأتها في كتاب"، لا يمثل بالضرورة موقفي الفكري بل هو عبارة عن مذكّرة خاصة، أعتمدها شخصيا عند الرجوع إلى الكتاب الأصلي. لا تغني هذه المذكرة عن قراءة الكتاب كاملا. يجب إذن توخّي الحذر الشديد في التعامل مع ما ورد فيها لأن لا تصل إليكم فكرة الكاتب ناقصة أو مشوّهة. أنشر هذه السلسلة مساهمة مني في رد الاعتبار لفن ثامن في طريق الانقراض، اسمه "مطالعة الكتب" و فكرة الكتاب تلزم الكاتب و لا تلزم الناقل دون أن نتغافل عن كون الأفكار هي وقائع فكرية تستقل عن قائلها

نص هاشم صالح:
صفحة 268: طيلة سنوات عديدة كنت أعتقد أن الحل يكمن في الإبستمولوجيا (علم العلوم، علم فلسفة العلوم). و ككل باحث عربي غادر بلاده إلى أوروبا و جامعاتها كنت مسحورا قبل كل شيء بالحداثة و العلم و التكنلوجيا. و كنت مسحورا بتلك النظرية التي أتاحت نشأة هذه الأشياء في أوروبا، و أتاحت لأوروبا أن تتفوق على جميع الأمم الأخرى منذ القرن السادس عشر و حتى اليوم. ففلسفة العلوم أو فلسفة المعرفة هي التي تدرس شروط إمكانية وجود المعرفة الصحيحة و تمييزها عن المعرفة الخاطئة (إضافة د. م. ك: و أنا أقول تدرس شروط إمكانية وجود المعرفة "العلمية" و تمييزها عن المعرفة "غير العلمية" و لا أقول "الخاطئة" لأن خطأها لا يظهر إلا للعالِم بينما هي - حتى و لو كانت خاطئة فعلا – فهي معرفة عملية و حياتية  على الأقل النسبة لحاملها و مستعملها). و هي التي تبلور معايير التقدم و طرائق الاكتشاف و البحث العلمي. و لكن بعد فترة طويلة من التخبط و التيه رحت أكتشف - و يا لدهشتي الكبرى! - أن الحل يكمن أولا في التيولوجيا لا في الإبستمولوجيا! إنه يكمن في علم الكلام، في علم الله، في علم اللاهوت قبل أن يكمن في علم الطبيعة أو الفيزياء أو الرياضيات. و فهمت عندئذ أن تحرير السماء سوف يسبق حتما تحرير الأرض. و عرفت ألا جدوى من تحرير الأرض قبل تحرير السماء. هذه السماء الضاغطة كالسقف فوق رؤوسنا، هذه السماء التي تراكمت فيها الغيوم السوداء و ادلهمّت على مر القرون السكولائية.

لا يفهمنَّ أحدٌ من ذلك أني أدعو إلى الإلحاد، فهذا حل سهل لم يخطر لي على بال. ذلك أني لا أعتقد بإمكانية قيام مشروع نهضوي كبير إلا على الإيمان: أقصد الإيمان الذي يزحزح الجبال، الإيمان المنبعث من تحت الأنقاض أو من تحت الرماد. فالتحرير اللاهوتي الذي ندعو إليه سوف يقدم لنا شحنة هائلة من الانبعاث و التجدد و الخلاص. كنا قد ذكرنا أن القرار اللاهوتي الحاسم الذي اتخذه مارتن لوثر 1517م لم يخلّص المسيحية فقط من الأوشاب التي علقت بها عبر التاريخ و ينتشلها من الوهدة التي سقطت فيها، و إنما سرعان ما تُرجم على أرض الواقع سياسيا و اقتصاديا و اجتماعيا، فشمل التحرير كل جوانب الحياة. و كان أن عادت الثقة إلى روح أوروبا و المسيحية من جديد، و كانت انطلاقتها الكبرى و تحررها من عُقَدِها التاريخية المُزمنة.

اسمحوا لي أن أقول في الختام بأن المقدس عندنا قد استنفذ طاقته، و فُرِّغَ من معناه. لقد فرغ من تنزيهه و تعاليه الذي كان القرآن العظيم قد دشنه لأول مرة في اللغة العربية قبل خمسة عشر قرنا من الزمن. لقد تحول إلى شكليات طقوسية و قوالب قسرية جفّ فيها نبض الإيمان. هذا اللهب الأوّلي، هذه الشرارة المقدسة التي أشعلها محمد بن عبد الله في روابي مكة و الحجاز، ماذا بقي منها الآن؟ كيف تحولت و تشوهت على أيدي الحركات الحالية حتى أصبحت غريبة عن مقاصدها الأولية؟ كيف طُمِرت طزاجتها الغضة تحت ركام العصور و الخلافات المذهبية؟ كيف استُهلكت من كثرة الاستخدام بحق و بدون حق؟ كيف هرمت و شاخت و أصبحت عالة على التاريخ، هي التي كانت تشحن التاريخ و تدفع بالعرب نحو الفتوحات و الأمجاد؟ كيف خارت القوى، و انحطت العزائم؟ كيف أصبحت الآيات القرآنية تُسحب في هذا الشأن أو ذاك، لتأييد هذا الزعيم أو ذاك بحسب الحالة و الحاجة؟ كيف دخلنا في معركة الفتاوى الحامية التي تُقذف ضد البعض كالرجم بالصواريخ؟

يقولون: عاد الدين و عاد الإسلام، و إنهم لواهمون. فما عاد ليس إلا أيديولوجيات سياسية مغلّفة بغلافات تيولوجية. ذلك أن ما يحصل تحت أعيننا اليوم ليس عودة إلى الإسلام و لا انبعاثا أو تجديدا لروح الإسلام، و إنما عَلمنة كاسحة تتم تحت غطاء المعجم اللاهوتي القديم. و لا أحد يرافق هذه العَلمنة الجارية فعلا على أرض الواقع بخطاب نظري عربي إسلامي حديث. لا أحد يشرح لنا ما يجري، و لماذا يجري ما يجري بهذه الطريقة لا بتلك. ذلك أن الأفق مسدود و الخطاب الأيديولوجي الأعمى يغطي الساحة فلا يترك أي مساحة للفكر الحر و المستنير. و من المعروف أن المجتمع عندما يُكبت طويلا ينفجر، و عادة ما يلجأ إلى لغة آبائه و أجداده للتعبير عن نفاذ صبره و ضيق عيشه. و هذا ليس تزمتا خاصا بالإسلام و المسلمين كما يزعم الغربيون، و إنما هو تعبير عن الاحتجاج السياسي و الاجتماعي المشروع في ظل إخفاق التنمية و غياب الحد الأدنى من الديمقراطية و التعددية الفكرية و السياسية. افتحوا المجتمع قليلا، دعوه يتنفس شيئا ما، عندئذ يعبّر عن نفسه بغير لغة الانفجارات و التفجيرات.

لذلك نقول بأن ما نحن بحاجة إليه اليوم كخطوة أولى نحو الحل هو الانخراط في حركة تاريخية - روحية أو بالأحرى روحية - تاريخية تأخذ بعين الاعتبار النقطة الجوهرية التالية:
القيام بعملية تحليل نفسي جماعية للتراث. أقصد بذلك الشروع - أخيرا - بتطبيق منهجية النقد التاريخي على النصوص الإسلامية الكلاسيكية الكبرى و العصور الأولى للإسلام حين تشكلت الذاكرة الجماعية و الوعي الجماعي الإسلامي كله. إن التراث الإسلامي هو من العظمة و الكبر بحيث أنه يستحق منا أكثر من مجرد التبجيل و التبرير و التعلق العاطفي و الطفولي. لقد آن الأوان لأن نرتفع به إلى مستوى الدراسة العلمية، أو أن نرتفع بالدراسة العلمية إلى مستواه. إنه يتطلب منا أن نحترمه بطريقة أخرى، أي بواسطة الدراسة التاريخية و المنهجية المقارنة المطبقة الآن في أحدث الجامعات الأوروبية.

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
نحن العربَ، مسلمي و مسيحيي القرن الحادي و العشرين، نتموضع حضاريا في الوقت الراهن في المنعطف التاريخي الفاصل بين القرن الثامن عشر و العصور الوسطى الذي تموضع فيه الأوروبيون قديما. هذه حقيقة أصبحت شبه متأكد منها الآن بعد حوالي ثلاثين سنة من التيه و الدوران و الضياع الأيديولوجي، قضيتها في شك دائم و يقين مؤقت، قضيتها في قراءات متعددة و متنوعة باللغة الفرنسية، جلها ماركسي و بعضها علمي بيولوجي و وجودي و قومي و إسلامي. لذلك احتطت اليوم لنفسي و ارتبطت منذ سنوات بمشروع النهضة العربية الإسلامية كتابة و نشرا، ثم نقلا و تعليقا على رواد النهضة الفكرية العربية الإسلامية من أمثال المفكرين العرب المسلمين النهضويين التنويريين المعاصرين: الطاهر الحداد و طه حسين و محمد الغزالي و جمال البنّا و نصر حامد أبو زيد و علي عبد الرازق و  صادق جلال العظم و هاشم صالح و عبد الله العروي و محمد أركون و حسين مروة و علي حرب و محمد الشريف الفرجاني و عبد المجيد الشرفي و هشام جعيط و محمد الطالبي و غيرهم كثيرون. و كان ذلك لي عزاء من غربتين أو عدة غروبات دفعة واحدة: غربة عن اللغة العربية، غربة عن الأرض و التاريخ، غربة عن التراث العربي الإسلامي، غربة عن المجتمع التونسي البربري الإسلامي العربي الأممي، غربة عن الأصالة و الذات - غربة الغربات.
"و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا". هاشم صالح
"الفلسفة هي القبض على الواقع من خلال الفكر". هيغل
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
قال الرسول محمد، صلى الله عليه و سلم: "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدَهُما". أي يتحمل القائل مسؤولية الكفر إن كانت التهمة باطلة و هي في جميع الأحوال باطلة لأن القائل لا يعلم ما في السرائر فهو إذن متجنِّ حتى و لو كان المتهم كافرا فعلا لأن علم الكافر و حسابه عند الله و الله وحده العلاّم بما في  القلوب.

قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا، عليكم أنفسكم لا يضرّكم مَن ظلّ إذا اهتديتم إلى الله".
الشك طريق إلى مزيد من الشك (في العلم بالطبع و ليس في الدين، فالدين بطبيعته لا يتحمل الشك و هو يقين من أوله إلى آخره). مواطن العالم د. م. ك
و كما قال هاشم صالح: "ليس بالماديات وحدها يحيا الإنسان، على عكس ما علّمتنا تلك الوضعية الاختزالية (Le positivisme réducteur)، أو الماركسوية الفجّة و الكسيحة".



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire