دفاعا عن منهجيتي و أسلوبي في
الكتابة و النشر. مواطن العالَم د. محمد كشكار
الإهداء: إلى كل قرائي الكرام و كل أصدقائي الأعزاء، و أخص
بالذكر منهم صديقي الحميم مراد جرادي بالذات.
تعرضت و لا زلت أتعرض و
سأتعرض في المستقبل إلى حيف و ظلم كبيرين من قبل بعض الأصدقاء و بعض القراء جراء منهجيتي
و أسلوبي الخاص و الشخصي في الكتابة و النشر، لذلك أرى نفسي مضطرا للدفاع عن منهجيتي
و توضيح أصولها العلمية التي تعلمتها في اختصاصي العلمي "تعلمية
البيولوجيا" (La
didactique de la biologie) تحت إشراف أساتذة أجلاء و أكفاء،
متنقلا، طيلة سبع سنوات بحث في المرحلة الثالثة، بين جامعة تونس و جامعة كلود
برنار ليون 1 بفرنسا. وليسمح لي القارئ الكريم أن أذكّر بها بين الفينة و الأخرى،
إذا اقتضى الأمر ذلك.
تتلخص منهجيتي في السبع نقاط التالية:
1.
أنا أعمل جاهدا من
أجل الحث على التغيير الذاتي للتصورات غير العلمية (المفاهيم العامة غير الدقيقة
أو السحرية أو الغيبية أو العقائدية أو الأسطورية أو الخرافية أو الشائعة، في
العلم و التعليم و التربية و التدين و السياسة) و أسعى
إلى تفكيكها من
الداخل و تسليط الضوء على كل جوانبها و زواياها و تشريحها و تشخيص نقاط ضعفها و مرافقة
حامليها إبستمولوجيا و بيداغوجيا عند التركيب من جديد لكي يعيدوا البناء الذاتي
الاجتماعي المعرفي لتصورات علمية جديدة مكانها.
Faire avec » les conceptions non scientifiques dans
la science, l’enseignement, l’éducation, la religiosité et la politique, « pour
aller contre » ces mêmes
conceptions,
et en même temps laisser le choix aux lecteurs d’auto-socio-construire leurs propres conceptions scientifiques autour de
ces sujets complexes. Didactique, Piaget, Vygotsky
يبدو أن هذا الأسلوب العلمي التعلمي لم ينل إعجاب بعض
القراء و هم أحرار في ذلك، لكنهم ليسوا أحرارا في فهمهم الإيديولوجي لأسلوبي و
تأويلهم لمعانيه على أنها مجاملة و مغازلة للقارئ أو لبعض الأحزاب السياسية، مثلا
عندما أتمسك موضوعيا و أخلاقيا بعدم ثلب أو شتم أو سب النهضاويين في مقالاتي،
يُفسر هذا الموقف القيمي السامي على أنه مغازلة أو مجاملة لحزب حركة النهضة، رغم
أنني نشرت 51 مقالا أنقد فيهم سياسة هذا الحزب الحاكم، أو عندما أنقد الأحزاب
الستالينية التونسية الثلاثة، يُفسر هذا الموقف الفكري الحر بأنه عداء لليسار
السياسي، رغم أنني أعلن و بصراحة و وضوح انتمائي لنفس العائلة اليسارية، جذع الفكر
اليساري غير الماركسي.
2.
أعتمد عن وعي الخطاب الحواري مع القارئ و أتجنب الخطاب
الجبهوي الصادم للقارئ.
Présenter ou mener
un dialogue ou un débat avec le lecteur et non un discours frontal qui pourrait
choquer ce dernier
أوضح
أن تجنب الخطاب الجبهوي الصادم للقارئ، لا يُعد جبنا فكريا كما يفهمه بعض
المتعصبين إيديولوجيا، و إنما هو حرص مني على إيصال، المعرفة العلمية المكتسبة
أكاديميا (Le savoir savant)
التي تعلمتها، إلى القارئ و محاولة تجاوز العوائق النفسية و الإبستمولوجية التي قد
تعرقل أو تعوق وصولها إليه.
3.
آخذ في الاعتبار العامل العاطفي الذي يقرّب و لا ينفّر بين
الكاتب و القارئ، خاصة و أنني درست و تعلمت في فرنسا أن هذا العامل قد أعيد إحياؤه
و توظيفه في التعلم، بعد ما أهمِل لسنوات عن خطأ باسم الصرامة العلمية و الموضوعية
و الحيادية في تناول المواضيع العلمية "الصحيحة" أو التجريبية، لذلك قد
يتبادر إلى ذهن بعض القراء و بعض الأصدقاء أن في توظيفه من أجل هدف سام (مثل
محاولة تغيير التصورات غير العلمية لدى القارئ) هو بمثابة استجداء لعواطف القارئ و
جلبه إلى فكرتي دون حجج موضوعية. أرد عليهم بكل لطف و احترام و أقول لهم: أنا لست داعية،
لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلكم، أعرض عليكم وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, و
لا يضيرني إن قرأها واحد منكم أو ألف، لكن إن تبنيتموها, أكون سعيدا جدا, و إن
نقدتموها, أكون أسعد لأنكم ستثرونها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتموها فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.
4.
آخذ في الاعتبار نظرية التعقيد (La théorie de complexité) التي تعتبر أن كل الظواهر
الاجتماعية معقدة و هي نظرية تمتاز و تتميز بتناول كل موضوع من جميع جوانبه و لا
تستهين بأي ركن من أركانه مهما بدا لأول وهلة بديهيا، خاصة و أنني درست و تعلمت في
فرنسا أن هذه النظرية قد أعيد إحياؤها و توظيفها في التعلم بعد ما أهمِلت لسنوات
عن خطأ باسم الوضوح و التبسيط في تناول المواضيع العلمية "الصحيحة" أو
التجريبية، لذلك قد يتبادر إلى ذهن بعض القراء و بعض الأصدقاء أن في توظيفها من
أجل شرح بعض المسائل يُعدّ بمثابة تفلسف في غير موضعه. أرد عليهم بكل لطف و احترام
و أقول لهم: تطلبون مني البت بوضوح في مسائل هي بطبيعتها معقدة و غير واضحة و
متعددة المتغيرات، و أنا مواطن معزول و لست مؤسسة، و لا أعلم من متغيراتها إلا
النزر القليل، لذلك قد تبدو بعض تحليلاتي متناقضة و مهتزة أو غير متماسكة، و هذا
ناتج عن تناقض الواقع الاجتماعي الخارج عن نطاقي، فأراني مجبر على عدم جر القارئ
إلى التبسيط الذي قد يؤدي به إلى الخطأ. و مَن يطلب التوضيح و التبسيط في واقع
ضبابي معقد، تتداخل فيه العوامل الخارجية مع العوامل الداخلية، فهو كمَن يطلب
المستحيل، و لن يجد ضالته عندي على الأقل، و ذلك التزاما مني بتوخي المقاربة
الشاملة غير الأحادية (L’approche systémique)
في محاولة شرح و تحليل كل الظواهر الاجتماعية المنبثقة عن الثورة بعد 14 جانفي
2011.
5.
أرجو من القراء العرضيين أو الوقتيين أن لا يتسرعوا في
الحكم على جملة أفكاري و طروحاتي من خلال قراءة مقال واحد من بين قرابة الألف مقال
الذين كتبتهم و نشرتهم على النت، قبل و بعد الثورة، بين سنة 2008 و سنة 2013. الكاتب
يحمل كتلة من الهموم و الاهتمامات الفكرية موزعة بين كتاباته المتعددة، فأرجو
التأني قبل التجني.
6.
أتجنب في كل مقالاتي تقديم البديل للإشكاليات التي
أطرحها، و هذا الموقف النقدي الفاقد للبديل قد يبدو لبعض القراء هروبا من تحمل
المسؤولية الأدبية. أرد عليهم بكل لطف و احترام و أقول لهم: لو كنت أملك البديل
لما بخلت به عليكم، لكن البديل حسب وجهة نظري يُصنع و لا يُهدى، يُبتكر و ليس
جاهزا، يأتي بعد الحوار و التشاور بين أهل مكة و ليس قرارا فوقيا مسقطا من مفكر
قاصر قصور علمه مهما علا شأنه و كثرت شهائده. التغيير و البديل ينبثقان من الداخل
و لا يُفرضان من الخارج.
7.
أنا أتوجه في مقالاتي قصدا إلى الناس العاديين المتعطشين
للثقافة و المعرفة العلمية في المجال البيولوجي و التربوي و الاجتماعي و السياسي و
الديني، و يشرفني أنهم يمثلون أغلبية قرائي و قارئاتي، و هم أو هن جمهوري المستهدف
(Public cible)،
و لو وددت الاتجاه للأكاديميين، و مستواي العلمي يسمح لي بذلك، لكتبت و نشرت في
المجلات الفرنسية العلمية المختصة في تعلمية البيولوجيا.
تاريخ
أول نشر على النت:
حمام الشط، السبت 31 أوت 2013.