mercredi 22 juin 2022

حكاية واقعية معبِّرة لو يتعظ اليساريون التونسيون ! مواطن العالَم

 

 

الحكاية كما رواها لي، في مقهى البلميرا بِحمّام الشط الشرقية، صديقي وزميلي اليساري رضا بركاتي أخو نبيل بركاتي المرشح السابق لعضوية حزب العمال وشهيد القمع البورڤيبي سنة 1987:

"في بداية الستينيات زار وفدٌ من الحزب الشيوعي التونسي (قبل حَظْرِهِ مِن قِبل بورڤيبة سنة 1963) دولةَ الصين الشيوعية للمشاركة في مؤتمرٍ عالمي للأحزاب الشيوعية. وَجَّهَ له الحزبُ الشيوعي الصيني سؤالا عن هيكلته في تونس فأجاب: لدينا تمثيلياتٍ في الجامعات ومكاتبَ في بعض الجهات وحضورٌ في المنتديات الثقافية. ردّ الصيني متعجِّبًا: نحن نعلم أن الشعبَ التونسي مسلمٌ بنسبة 99%، ونعلم أيضًا أن أكثرهم يرتادون المساجدَ والجوامعَ. فهل لديكم حضورٌ في هذه الفضاءات ؟ قال التونسي مرتبِكًا: وما صِلتنا نحن الشيوعيون بهذه الفضاءات الدينية ؟"

 

تعليقي:

مِن المفروض أن يكون المناضلُ الشيوعي داخل شعبه كالسمكة في الماء كما قال ماوتستونڤ (الزعيم الصيني الشيوعي ومؤسس الصين الشعبية الحديثة سنة 1945) ونحن نرى اليوم اليساريين في تونس كالألواحِ فوق الماء، يطفون على السطح ولا ينفذون للأعماق ! وعِوض أن يقاوموا الظلمَ والفقرَ نراهم يتعالون على هُويةَ شعبهم الإسلامية وأنتروبولوجيته، ويجهلون تراثَه وينسون أو يتناسَون أن ماركس قد قال أن الدين هو صرخةُ المظلوم. وأول الفقراء والمظلومين في تونس هم الأجراء عُمّالاً وفلاحينَ، وإذا هَجَرَ هؤلاء الأحزابَ اليساريةَ فالمشكلة في هذه الأحزابِ وليست في الأجراء، لو كان اليساريون صادقين مع يسارِيتِهِم ومتماهين مع شعبِهِم في آن.

 

توضيحٌ حول مقولة ماركس الشهيرة "الدين أفيون الشعوب" التي وظفها ماركسيّونا خطأ ضد مسلمينا وإسلاميينا:

تعريف المفاهيم: الإسلامي التونسي هو مسلم يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية إسلامية (نهضاوي، سلفي، تحريري).

الماركسي التونسي قد يكون مسلمًا أو ملحدًا يحمل مشروعًا سياسيًّا ذو مرجعية ماركسية-لينينية-ستالينية-ماوية (بوكت، وطد).

"الدين أفيون الشعوب"، جملةٌ فعلاً أخرِجت من سياقها. أنقل لكم سياقها كاملاً من كتاب ماركس الشاب (1818-1883)، الفيلسوف الأكثر عمقًا من ماركس الكهل (حسب فيلسوف حمام الشط). كتابٌ نشره سنة 1844 تحت عنوان "مقدمة لنقد الفلسفة وقانون هيڤل"، حيث وردت هذه المقارنة بين الدين والأفيون أي بين جنة اصطناعية وسعادة وهمية.

ماركس قال: "البؤس الديني هو في نفس الوقت تعبيرةٌ عن البؤس الحقيقي وشكوى ضد هذا البؤس. الدين هو صرخة المظلوم، هو روحُ عالَمٍ بلا روحٍ، هو أيضًا أخلاقُ عالَمٍ بلا أخلاقٍ. الدين أفيون الشعوب".

هذه الجملة التي يُشهِرُها الماركسيون التونسيون خطأ في وجه المتدينين التونسيين كحكم غير قابل للاستئناف، هي جملةٌ استُعمِلت فيها كلمة أفيون كمرادف لكلمة تسليةٍ، تسليةٍ عن بؤس حقيقي وليس استبلاهًا أو عجزًا أو جُبنًا. الأفيون (البؤس الديني) كوسيلةٌ نظيفة لطيفة للتخلص من حقيقة كريهة بغيضة (البؤس الحقيقي). الدين هو عبارةٌ عن لوحةٍ فنية جميلة تزيّن جدارًا قبيحًا كقبح عالَمِنا المعاصر. الدين هو التحصّنُ بعالَم اللامادة المقدّس هروبًا من عالَم المادة المدنّس.

جملةُ ماركس ليست جملةَ إدانةٍ بل جملةُ فهمٍ دون تقديم تنازلات للايديولوجيات الدينية (L`intégrisme islamique). ماركس يقبل المتدينين كما هم، خاصة المضطهَدين منهم اجتماعيًّا الذين لا ملاذ لهم إلا ملاذ الدين ولا صوت لهم إلا الشكوى للخالق.

الماركسيون التونسيون يلوّحون بالمسألة الدينية عند الأزمات كفزّاعةٍ  يلوّحون بها للتغطية على المسائل الديمقراطية التي تقضّ مضاجعهم لقلة عددهم مقارنة بالإسلاميين (أما الدواعش التونسيون، فهُم ليسوا بفزّاعةً بل هُمُ واقعٌ خطيرٌ مريرٌ ووبالٌ رهيبٌ على الإسلام والمسلمين والناس أجمعين).

ماركس لا يهتم بمعتقدات العمال بقدر اهتمامه بتحريرهم من رِبْقَةِ استغلال الرأسماليين الذين لا دين لهم حسب رأيه إلا دين الربح السريع، متدينين كانوا أو لا دينيين.

ماركس الشاب الحالِم رهيف الإحساس، قبل أن يطلب من الفقير المتدين التخلي عن حلمه المشروع بجنة سماوية ، يريد أن يهبه جنّة أرضية ويطمح إلى تحقيق فلسفة الدين فوق أرض دون دين.

وأنتَ أيها الماركسي التونسي ماذا قدمت للفقير المسلم التونسي ؟ خاصة بعد أن سفّهتْ التجربة السوفياتية حلم ماركس ؟ بعد ماركس، أصبح الحلم كابوسًا بفضل بركات ستالين وماو وبول بوت، وضحاياهم من العمال والفقراء يُعدّون بعشرات الملايين.

ماركس، كان مثاليًّا في طرحه إلى حد السذاجة لأنه أراد تخطّي تعقيد الوجود البشري (La condition humaine) حيث يبدو البؤس قدرًا منزّلاً لا فصال فيه، والدين أفيونٌ لا غنَى للبشرية عنه. في وطننا يبدو لي أن للدين الإسلامي مستقبلٌ طويلٌ زاهرٌ، لا بل أزليٌّ دائمٌ كديمومة الخالق.

أختي (77 عام) ضريرةٌ منذ سن الست سنوات، مؤمنةٌ إيمانًا راسخًا أنه سيأتي يومٌ تُبصِرُ فيه وترى أمها بواسطة النور الإلهي، ترى أباها وإخوتها وأخواتها وأبناءهم، ترى صديقاتها وزميلاتها القدامى في معمل النسيج للمكفوفين بمدينة سوسة. ائتني بإيديولوجية تمنح لها هذا الأمل وأنا أتبعها صاغرًا لك ممنونًا  !

خاتمة: يقول العامل المسلم التونسي (Le prolétaire) للماركسي التونسي: أرجوك يا رفيقي، أرأفْ بحالي، فأنا بلا إسلامٍ معاقٌ، تمهّلْ.. تريّثْ.. أرزُنْ.. أو أعطني عكّازًا قبل أن تكسر عكّازي ! عكّازي هو عكّازٌ ربانيٌّ لم يُصنَع أفضل منه بعدُ.. ولن يُصنعَ ! عكّازٌ رفعني من الحضيضِ إلى السماء. ملجأ ألجأ إليه حيث لا تصلُ يدُ المتكبّرِ الظالِمِ.

العامل المسلم التونسي يضيف: صيحةُ "لا إله إلا الله" التي أرفعُها صباحًا مساءً ويوم الجمعة، أرفعُها في وجه الطغاة فترفعني إلى السماء السابع، سماء لا يطالها جبروت العباد، فضاء ينتقمُ فيه رب العباد ممن استباح دم العباد، فضاء تنعدم فيه المذلّة والمسكنة، فضاء يُذلّ فيه كل ظلاّمٍ للعبيد، أم تراكَ تبغي أن تمنعني من الشكوى للخالق بعد ما بُليتُ بظلم المخلوق ؟ اذهبْ في حال سبيلك، أنت حرٌّ، لكنني -ورأفةً بك وبأمثالك- أنصحك نصيحةً صادقةً خالصةً لوجه الله، اتركْ هذه التجارة الخاسرة واشتغلْ فيما ينفعُ الناس، كل الناس دون تمييزٍ دينيٍّ أو عرقيٍّ أو إيديولوجيٍّ، واتركْ لي عكّازي فلا عكازَ لي اليومَ غيرهُ.

 

إمضائي

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الخميس 6 أفريل 2017.


 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire