lundi 27 juin 2022

هل يحق لي أو لا يحق أن أقارن بين نظامنا التربوي في الستينيات ونظام فنلندا الحالي ؟ (الجزء الثالث والأخير)

 

عندما طالبتُ بتطبيق النموذج التعليمي الفنلندي (النموذج المجاني الأفضل والأنجع في العالم) في تونس بعد ثورة 14 جانفي 2011، رد عليّ أصدقائي الفيسبوكيين ووصفوني بالمثالية الأفلاطونية وحمّلوني خطأ الاستشهاد بالنماذج التربوية الخارجية وإهمال الخصوصية التونسية واستيراد البرامج المسقطة وغيرها من التهم الجاهزة مثل "هذا على الحساب قبل أن أقرأ الكتاب". أرجوكم، اقرؤوا تجربتي الذاتية إلى الآخر وتمعّنوا في حججي قبل أن تحكموا لي أو عليّ.
3 العالي من 1972 إلى 1974:
3.1 كنا نقيم مجانا أو بمقابل رمزي في مبيتات جامعية محترمة، غرفة لكل طالبين اثنين في مبيت حي الزهور بتونس العاصمة.
3.2 كنا ندفع 100 مليم لا غير، ثمن وجبة غذائية صحية متوازنة في الغداء والعشاء.
3.3 كانت إدارة المبيت الجامعي بحي الزهور تتكفل بتنظيف ملابسنا الداخلية والخارجية وأغطيتنا مجانا.
3.4 كانت الحافلة الخاصة تنقلنا مجانا، ذهابا وإيابا، من المبيت الجامعي بحي الزهور إلى مدرسة الترشيح العليا للتعليم التقني بباب عليوة (ENSET).
3.5 كنا نتمتع بمنحة جامعية قدرها 35 دينارا تونسيا (كان مرتب معلم الابتدائي أو مرتب موظف بنكي في ذلك الزمن الرومنطيقي الجميل في الذاكرة لا يفوق 45 دينارا تونسيا). كنت أرسل من منحتي حوالة شهرية بـ10 دنانير تونسية مصروف أمي بجمنة حيث لا وجود وقتها لفاتورة ماء أو ضو ولا وجود لتلفزة في البيت ولا وجود لمشروبات غازية أو ياغورت أو حليب أو مرطبات في الحانوت ولا وجود في الطعام للحم أو دجاج ولا وجود لجزار من أصله لو لم تخني ذاكرتي المتعبة. كان لي زميل طالب صفاقسي مشترك في الصندوق الوطني للسكن (ancien CNEL ou banque de l`habitat en 2016) بمبلغ خمس دنانير تونسية في الشهر وقد تسلّم منزلا محترما بصفاقس عند التخرج سنة 1974 وكان صديقي الآخر يتعلم السياقة بمقابل أما الأكثرية الغالبة من الشباب الجامعي فكانت تدخل الملاعب وقاعات المسرح والسينما أو تشتري كتبا ومجلات مثيرة أو تحتسي قهوة أو جعة أو تتسكع في بعض أنهج الأولياء الصالحين وأزقتهم الحادة وتسجد تقديسا لأيقوناتهم العارية الباردة الجميلة في أعينهم، عيون مراهقين حيارى عطاشى مساكين، عيون لا ترى إلا ما تريد أن ترى في صحراء المدينة.
خلاصة القول
هل تونس الستينيات كانت أفقر من تونس2011 ؟
نعم كانت أفقر ماديا لكنها أغنى ألف مرة في القِيم العلمية والإنسانية والدينية وأقوى في الإرادة السياسية وأكثر استقلالية في اتخاذ القرار الداخلي وأقل ارتباطا بالبنك العالمي والدول الرأسمالية المانحة والشركات متعددة الجنسيات و كانت أكثر إيمانا بالله وحبا في الوطن وأصدق في القول وأخلص في العمل.
كانت تونس الستينات تراهن على التعليم وتعتبره أساس التقدم والرقي ولو لم تتدخل القوى الأجنبية الامبريالية في شؤوننا لوصلنا إلى نفس ما وصلت إليه كوريا الجنوبية من ديمقراطية ورفاهية بحسن تدبير مسؤوليها ووطنية مواطنيها وعبقرية مفكريها وأدبائها ومسرحيّيها وسينمائييها وأساتذتها ومعلميها.
ملاحظة أخيرة
قبل نشرها على النت، من عادتي أن أطرح مواضيع مقالاتي للنقاش في الجلسات الثقافية بمقهى النت بحمام الشط الغربية صباحا وبمقهى البلميرا بحمام الشط الشرقية مساء.
قال لي أستاذ فلسفة سابقا، كاتب عام نقابة أساسية سابقا ومدير معهد حاليا، نقابي نُصب مديرا بالوفاق من قِبل زملائه، قال لي: "الستينات من القرن الماضي مرحلة، و2011 مرحلة أخرى، لقد ساد في الستينات وفي كل العالم تقريبا نمط تنموي وطني أما اليوم فيسود العكس، يهيمن على تونس نمط اقتصادي تابع مائة بالمائة للدوائر الامبريالية. زد على ذلك، نظام التعليم ليس نظاما معزولا عن بقية الأنظمة الإدارية في الدولة، يوجد نظام التعليم داخل نظام سياسي تنموي أشمل فلا تستطيع إذن-حتى ولو أردت-أن تصلح قطعة واحدة فاسدة في سيارة كل قِطَعِها بالية ولن تستطيع أن تطلب من هذه السيارة "الخربانة" أن تنطلق بسرعة وتأخذك إلى موطنك العزيز جمنة وحتى وإن حدثت المعجزة وسارت السيارة دون بنزين فلن تجد جمنتك، جمنة الستينات.
رددتُ عليه بلطف وقلت له: "لقد حدثت مثل هذه المعجزات في أواخر القرن الماضي، في كوريا الجنوبية وتركيا وإيران وماليزيا، صمّمت هذه البلدان الأربعة على النهوض والإقلاع الاقتصادي واللحاق بركب الدول المتقدمة فبدأت أولا بتطوير نظام التعليم معتمدة على إرادة سياسية وطنية صلبة ويبدو لي أنها وُفِّقت في مسعاها، على الأقل نسبيا وبالمقارنة مع الدول العربية التي ما زال معظمها يتخبط في التخلف والفوضى.
قال متدخل آخر متوجها بالخطاب إليّ مباشرة: "تمتعتَ أنتَ بالمجانية لأنك فقير". أجبته: وهل طلبتُ، أنا شخصيا، الحق والعدل لغير المعوزين من الفقراء والموظفين أمثالي وأمثالك ؟ أما الأغنياء فهم قادرون على الاستغناء على النظام التعليمي التونسي المتخلف لأنهم يستطيعون تدريس أبنائهم في أفضل النظم التعليمية الجامعية في ألمانيا أو فرنسا أو أمريكا.
و قلتُ له أيضا: "يكمن العدل يا سيدي الكريم في عدم العدل في توزيع الثروات الوطنية على طبقات المواطنين وأنا أؤمن بالمبدأ الإنساني السامي والنبيل القائل، أؤمن بالحكمة الماركسية العادلة التالية: "من كل حسب جهده ولكل حسب حاجته". وأتمنى أن يكون هذا "الكل" إنسانا يأتم معنى الكلمة للإنسانية التي أتصورها في مخيلتي وأتمنى حدوثها في المستقبل القريب ولو بطفرة جينية نوعية ونادرة كالطفرة الجينية التي وقعت في الحمض النووي لأسلافنا ونقلتنا من "شبه شبه إنسان" إلى شبه "إنسان".

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire