jeudi 23 juin 2022

هل بيئتنا ومدرستنا تنمّيان ذكاءَنا ؟

 

لماذا نركِّز في تعليمنا على تنمية الذكاء المرتبط بالمخ فقط (رياضيات، آداب، هندسة، تاريخ، إلخ) ونُهمل أنواع الذكاء الأخرى المرتبطة بباقي أعضاء الجسم (الحِرف اليدوية، الرسم، الرقص، الموسيقى، الفلاحة، التمريض، المسرح، الطبخ، التعلم من اللعب بكل حرية مع الأقران، إلخ) وكأن ”الجسم لا يعدو أن يكون سوى وسيلة نقل للمخ“ ؟

بيئة "جمنة" الريفية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، علمتني ما يلي:

-         التدرب على النُطق السليم لللغة العربية الفصحى عن طريق تحفيظ جزء "عمّ" من القرآن الكريم في الكُتّاب الوحيد بالقرية.

-         التعلّم عن طريق الانغماس الكامل في اللعب مع الأقران دون مراقبة الكهول وتوجيهاتهم. كنا نصنع لعبنا بأنفسنا. كنا نُمسرِح عاداتنا في عيد عاشوراء ونجسّم في الليل وفي كل حيٍّ جملا بأرجل آدمية. كنا نسهر ليلا على الحكايات الخيالية من التراث وكانت كلها تستهوينا وكنا نصدقها ببراءة الأطفال. كنا ننوّع وسائل لَهوِنا حسب الفصول (خُوطَة، غُمِّيضَة، بِيسْ، مَشَّاية عند نزول المطر، دِرْڤِيلة، كَرُّوسة، بالُّون ابرِيزُونييه، نحَلْ، إلخ).

-         تعلّم فلاحة الأرض في الصّغر. وأنا تلميذ في سن 14، مارستُ القلب والسقي والزرع وتسلق النخيل للتلقيح أو قطع العراجين أو جني التمر "بِسْرًا أو رُطْبًا" .

-         تعلّم تربية الماعز من تشييع وحلبٍ وعَلفٍ.

-         تعلّم الرقص دون خجل على نغمات الحضرة العيساوية.

-         تعلّم صيد العصافير والجرابيع بواسطة أفخاخٍ من صنع أناملنا الصغيرة (أعترف أنني لم أكن بارعا في هذا المجال المعادي لحرية الحيوانات البرية).

-         تعلّم الاعتماد على النفس والسفر بعيدا للدراسة دون مرافقة الأولياء.

-         تعلّم تحمّل مشاقّ العمل اليدوي  12 ساعة "مرمّة" (مناول بناء) في اليوم تحت لهيب شمس الجنوب وكنت حينها تلميذًا في سن الرابعة عشرة.

-         تعلّم التكفل بمصاريف عائلتي أثناء عطلتي المدرسية وأنا في سن الرابعة عشرة عوض اللجوء إلى الراحة واللهو مثل أترابي.

ماذا تعلم البيئة الحضرية لأطفالنا في مدينة القرن الواحد والعشرين وفي مدينة حمام الشط تحديدا ؟

-         الذهاب يوميا إلى الروضة أو المدرسة أو إلى حصص المراجعة الخاصة (Etude) حيث يُستهان بالذكاء التجريبي والجسماني وتُقمع المبادرة الفردية ويُركّز فقط على الذكاء الذهني وكأن لا وجود لذكاء غيره: لا أعمال يدوية ولا رقص ولا نحت ولا رسم ولا مسرح ولا موسيقى ولا طبخ ولا خياطة، باختصار لا وجود حياة طبيعية حرة في الروضة ولا في المدرسة.

-         لا تسلية في الدار سوى تسلية المخ بالألعاب الافتراضية أما الجسم فلا عمل له سوى نقل سيده المخ من البيت إلى المدرسة أو في بعض الأحيان إلى مدينة ألعاب جامدة رغم حركتها الأوتوماتيكية المبرمجة سلفا لكل الأطفال رغم اختلاف مستوياتهم وميولاتهم.

 

 


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire