mercredi 17 mars 2021

مقارنة طريفة بين المقاربة بالمناهج ونظرية المافَوقَ وراثي ؟ المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


Comparaison entre la réforme du  curriculum et l`épigenèse

 

نظامنا التربوي التونسي يعتمد حتى اليوم المقاربة بالبرامج وليس المقاربة بالمناهج. تتمثل المقاربة المستعملة حاليا في تصميم برنامج دقيق لكل مادة (Discipline) وكل مستوى تعليمي (Niveau scolaire) والسير على نهجه دون انحراف وكأنه الصراط المستقيم ودون الأخذ بعين الاعتبار المحيط التربوي الذي يشمل المستوى الذهني المحتمل للتلميذ والمنطقة الوشيكة للنمو (Développement mental potentiel ou la ZPD de Vygotsky-La Zone Proximale de Développement) وحالته الاجتماعية والمادية، كما يشمل أيضا المدرّس والتجهيزات والخدمات المتوفرة داخل المؤسسة التربوية ومكان المدرسة الجغرافي. 

أما بعد الإصلاح الموعود فالحوار التربوي يتطلع إلى العمل بالمقاربة بالمناهج. تتلخص هذه الأخيرة في تصميم برنامج متحركٍ، مَرِنٍ، أي يأخذ بعين الاعتبار كل مكونات المحيط التربوي. برنامج قابلٍ للتغيير والتعديل والتأقلم مع المتغيرات التي قد تعترض تطبيقه. وقد تصل مرونة هذه المقاربة الجديدة إلى أقصاها في تربية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة  وتخصص برنامجا انفراديا خاصا لكل طفل على حِده.

Les handicapés moteurs ou mentaux.

 

أسوق لكم مثالا أولا يبيّن مدى انعدام المرونة في المقاربة بالبرامج (المطبقة حاليا في مدارسنا) من خلال إجراء مقارنة بين مقاربة ببيداغوجيا الأهداف  (PPO: Pédagogie Par Objectifs)  ونظرية الكل وراثي (Le tout génétique)، سيئتَي السمعة، الأولى سيئة تربويا والثانية سيئة علميا: تقوم هذه البيداغوجيا المتروكة (PPO) على رسم أهداف الدرس قبل إنجازه ولا تأخذ بعين الاعتبار بيداغوجيا جميع مكونات المحيط التربوي. وعلى أساس هذه المقاربة الأخيرة (PPO)، يتعامل المدرس التونسي الحالي مع التلميذ كما يتعامل عالم النفس السلوكي مع فأر التجارب: يرسم المدرّس مسبقا للتلميذ مُدْخَلاتِ الدرس ومُخْرَجَاتِه، وينظر إلى التلميذ وكأنه إناء فارغ يملؤه بما يريد أو صفحة بيضاء يخط فيها ما يشاء، ويعتبره شيئا سلبيا (Objet) عوض أن يعتبره ذاتا حرة مستقلة  (Sujet)، ويركّز على تحقيق الأهداف المسبقة التي رسمها هو لدرسه، ولا يعير اهتماما للأهداف الأخرى التي قد تتحقق في الدرس خارج إرادته القاصرة والخالية من الخيال (Manque d`imagination). 

كذلك تبدو لي أيضا نظرية الكل وراثي التي تعتبر الـADN برنامجا متكلسا ينفي إمكانية انبثاق صفات ذهنية كالذكاء نتيجة تفاعل الوراثي (L`inné) مع المكتسب (L`acquis) كما ينفي البرنامج في المقاربة بالبرامج أي جديد  (L`intelligence potentielle)   الذي  قد ينبثق (L`émergence)  نتيجة تفاعل المبرمَج مع الطارئ (Le contingent) .

 

أسوق لكم مثالا ثانيا يبيّن مدى المرونة الكامنة في المقاربة بالمناهج وفي نظرية مافَوقَ الوراثي: على عكس نظرية الكل وراثي تعتبر نظرية مافَوقَ الوراثي برنامج الـADN  برنامجا قابلا للتفاعل مع المكتسب، تفاعلٌ قد تنبثق منه صفاتٌ ذهنية غير منتظرة كالذكاء المحتمل كما قد ينبثق من العمل بالمقاربة بالمناهج تلميذٌ جديدٌ واعدٌ يتقن مهارات القرن الواحد والعشرين (المبادرة، النقد، التواصل، إلخ).

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 167-168).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire