jeudi 11 mars 2021

التفقد البيداغوجي في تونس: هل هو الحل أم هو المشكل ؟ (جزء 5 وقبل الأخير: سأروي لكم سبع طُرف واقعية حول التفقد في تونس). المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


سأروي لكم سبع طُرف واقعية حول التفقد في تونس:

الطرفة الأولى: جاء متفقد لزيارة الأستاذ عمار، أستاذ علوم الحياة والأرض، فلم يجده لأنه متغيب لسبب نجهله فتفقد مختار أستاذ العلوم الجديد والمتواجد بنفس المعهد. تم كل شيء بخير ونجح الدرس ورجع المتفقد إلى قواعده سالما. بقي مختار أسابيع ينتظر التقرير والفرحة تغمره مسبقا. جاء التقرير مذيّلا بعدد 14 على 20 لكنه باسم عمار الغائب وليس باسم مختار الحاضر يوم التفقد. شكى مختار مرارا وتكرارا ورغم ذلك لم يتغير التقرير وبقي إلى يوم الناس هذا باسم عمار، هنيئا لعمار بعدد مختار: منتهى الفوضي (وكما يقال شاشية هذا على رأس هذا).


الطرفة الثانية: حدث أن زارني في توزر متفقد في إطار الترقية المهنية. كان الدرس عاديا حتى وصلنا إلى تجربة هضم النشا داخل الأنبوب وتحويله إلى سكر العنب أو الجليكوز تحت تأثير اللعاب. فشلت التجربة لعدة أسباب كيميائية لا ذنب لي في فشلها. امتعض سيدنا وقام وغادر القاعة مسرعا وأمرني بالالتحاق به فورا. دون تعليق.


الطرفة الثالثة: حدثت لي الحادثة الطريفة التالية في يوم تكوين أنجزتُه في مركز التكوين ببنعروس لفائدة متفقدي الابتدائي: كنتُ اشرح لهم أسباب الحركات التنفسية عند الإنسان وقلتُ: يأتي التلميذ إلى الإعدادي وهو يعتقد جازما أن الهواء يدخل إلى الرئتين وينفخهما فيرتفع الصدر. هذا جواب غير علمي والجواب الصّحيح هو الآتي: تتقلّص عضلات الصدر وعضلة الحجاب الحاجز فتتبعها الرئتان الملتصقتان بهما فيزيد حجم القفص الصدري مما يخلق فراغا في الداخل، فراغٌ يجذب الهواء من الخارج عن طريق الفم والأنف. دخول الهواء إذن هو نتيجة وليس سببا في حركات التنفّس. يتشبث التلميذ صاحب التصورات غير العلمية ويدافع عن نفسه بقوله أن المعلّم في الابتدائي لم يدرّسه المعلومة الصّحيحة وهذا مخالف للواقع لأن بعض التلامذة يحتفظون بهذا التصوّر غير العلمي رغم تصحيحه من قِبل المعلم أو الأستاذ ويعيدون استعمال هذا التصور في الثانوي و في العالي رغم بطلانه. رويتُ للمتفقدين المشاركين ما وقع لي عندما كنتُ أشرح هذا الموضوع (حركات التنفس عند الإنسان) في معهد برج السدرية بعد نقلتي من إعدادية حمام الشط: نهض تلميذ مدافعا عن تصوراته غير العلمية و قال لي: أستاذ الإعدادي هو الذي علمنا خطأ. من سوء حظ هذا التلميذ أنني ما زلت أذكره من بين تلامذتي في الإعدادية وأنا نفسي الذي درسه حركات التنفس بطريقة صحيحة طبعا. ضحكتُ وقلت في قرار نفسي، يظلم أستاذ الثانوي المعلم ويظلم الأستاذ الجامعي أستاذ الثانوي بتحميل كل طرف الطرف الآخر وزر تصورات التلاميذ غير العلمية التي لا تريد أن تزول من أذهانهم بسهولة !

النكتة هي التالية: في آخر الحصة التكوينية جاءني متفقد قديم وقال لي: قل ما تريد يا أستاذ فلن أقتنع بشرحك رغم احترامي لشخصك ولن أغير تصوري غير العلمي حول حركات التنفس وأنا على قاب قوسين من التقاعد المبكر وسأواصل الاعتقاد بأن الهواء يدخل وينفخ الرئتين فيرتفع القفص الصدري. أجبته بالجملة المفيدة والمحببة عندي: أنا أتيتُ هنا، لا لإقناعكم بالبراهين أو الوقائع، بل بكل تواضع لأعرض عليكم وجهة نظر علمية.

 

الطرفة الرابعة: روتْ لي مرة أستاذة متربصة في علوم الحياة والأرض ما يلي: كنت أخاف المتفقد والمدير، تصوّر يا زميلي العزيز، لقد هجم علىّ الاثنان في وقت واحد وعندما فتحا الباب دون استئذان طبعا، من هول ما رأيت تراجعتُ إلى الوراء حتى انكسر كعب حذائي العالي الأيسر ومن كثرة الرهبة والخوف بقيت أدرّس وأنا محافظة على توازني طيلة ساعتين وكلما رأيتهما يتهامسان ويبتسمان، أقول في قرارة نفسي ضاع مرتبي وقد يضيع معه خطيبي الطامع في مرتبي.


الطرفة الخامسة: كنا في مؤتمر علمي حول تعلمية علوم الحياة والأرض في سوسة وكنت أترأس الجلسة وكلما صعدتُ إلى منصة الرئاسة كنت أستغل الفرصة الفرصة لنقد المتفقدين البيداغوجيين المتسلطين. لكن قبل كل هجوم أعتذر من زملائي المتفقدين و زميلاتي المتفقدات (
Les inspecteurs didacticiens et les inspectrices didacticiennes) الحاضرين والحاضرات، كل باسمه أو اسمها، وأستثنيهم أو أستثنيهن من النقد إلا متفقدة واحدة لم أسمّها ضمن المستثنيات وهي صديقة لي ورفيقة مرحلة ثالثة، كانت صديقتي صغيرة السن والجسم ورقيقة الملامح وخفيفة اللباس يستر سفورها خمار العلم والصدق والعمل. جاءتني بعد الجلسة ولامتني بلطف وابتسامة على عدم ذكر اسمها في كل اعتذار أوجهه لزملائها المتفقدين وقالت: أوَ لست متفقدة ؟ قلت: بلى، لكنك جميلة وترقصين جيدا وأنا لم أشاهد في حياتي متفقدا يرقص ! فأنت في مخيلتي لا تنطبق عليك مواصفات المتفقد ولو أصبحتُ وزيرا لفصلتك عن العمل كي لا تمسّي من هيبة المتفقدين ووقارِهم.


الطرفة السادسة: وهي شهادة ذاتية على العصر: كنت وأنا أستاذ شاب في غار الدماء، كلما علِمتُ بقدوم المتفقد إلى معهدنا ينتابني إسهال فظيع وأذهب عَدْوًا إلى بيت الراحة واليوم (1994) شُفيت من هذا الخوف والحمد لله.

Fin de l’article demain.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 140-148).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire