dimanche 7 mars 2021

التفقد البيداغوجي في تونس: هل هو الحل أم هو المشكل؟ (جزء 1). المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


الإهداء: إلى بطلة قصتنا، المعلمة الصامدة، التي لم يحبطها الفهم الخاطئ والاستعمال السيئ لمهنة التفقد من قِبل بعض المتفقدين ولم يثنها ظلمهم لها عن أداء رسالتها التربوية كما يجب.

من الصعب جدا أن تخوض في موضوع شائك ومعقد وحساس مثل علاقة المدرس بالمتفقد والأصعب أن تكتب فيه دون بحث علمي ميداني مسبق (La recherche-action). مع العلم أن وزارة التربية تعرقل الأستاذ التونسي المباشر في المعاهد التونسية والباحث العلمي في علوم التربية حين يحاول، دون ترخيص، إجراء بحوث علمية تربوية داخل المؤسسات التربوية، أما إذا أراد الباحثُ دخول الأقسام فيجب عليه الاستظهار بترخيص رسمي من وزارة التربية. لكنني لست خاويَ الوفاض، لقد درستُ علم التقييم أكاديميا لمدة سنة في بداية المرحلة الثالثة، أعددتُ ماجستير ودكتورا في تعلمية البيولوجيا لمدة سبع سنوات تحت إشراف مشترك بجامعة كلود برنار بليون 1 في فرنسا وبجامعة تونس، أمارس مهنة التعليم منذ ست وثلاثين سنة، اختلفتُ مع المتفقدين سنينا طويلة وتصالحت معهم سنينا أطول ولي بينهم أصدقاء أعزاء كثر ومنهم رفاق مرحلة ثالثة، عملتُ معهم مكونا في مادة علوم الحياة والأرض، كما سبق لي وأن أشرفت على حصة تكوين يتيمة موجهة لمتفقدي التعليم الابتدائي، قمتُ بتربص بيداغوجي قصير في نانسي بفرنسا حيث شاركتُ في يوم بيداغوجي وزرتُ مخابر معهد ثانوي وحضرتُ درسا نموذجيا في علوم الحياة والأرض وواكبتُ مناقشة بحث قام بها فريق من تلاميذ المعهد في إطار بيداغوجيا المشروع.

سأحيّدُ منهجيا الأشخاص في مقالي هذا ولن أعمّم استنتاجاتي وبكل وضوح في الرؤيا سأنقدُ بكل شفافية وجرأة لكن في كنف الاحترام ودون الخروج عن حدود اللياقة والأدب ودون تجريح في أشخاص نعزّهم ونكرّمهم ونعتبرهم أساتذتنا بعد أساتذة الجامعة.

أبدأ بشهادة من أهل مهنة التفقد: مِن بين المتفقدين أنفسهم يوجد مَن وافقني على النقد الوارد في هذا المقال عندما طرحته في منابر عدة. سأنقد نظام التفقد البيداغوجي في تونس: هو نظام لاعلمي وغير موضوعي مسلط على المدرس من قِبل سلطة الإشراف، فالمتفقد بطبيعته إذن، شاء أم أبى، عَلِمَ أم لم يعلم، هو أداة هذا النظام ما دام هو نفسه يفتقد للتكوين الأكاديمي. أقصد بالتكوين الأكاديمي التكوين الذي يُتوّج عادة بشهادة جامعية معترف بها كالأستاذية أو الماجستير أو الدكتورا، ولا أقصد وحدات التكوين النظري القصير والسريع ولا التربصات التطبيقية مع احترامي لهذا النوع الأخير من التكوين. لم يتلق المتفقد التونسي تكوينا جامعيا في علم التقييم ولا في علوم التربية ولا في فلسفة وتاريخ العلوم ولا في علوم التواصل ولا يملك شهادة علمية أعلى من شهادة المدرس الذي يتفقده (في فرنسا، المتفقد مبرّز أو لا يكون). سبق لي وإن وجهتُ هذا النقد إلى متفقدي علوم الحياة والأرض خلال ندوة حضرها الوزير منصر رويسي في مركز أريانة للتكوين المستمر عندما دعتهم مديرة التعليم الثانوي ليلى البوزايدي (سنة 2000)، بعد استشارتي شخصيا حول قائمة المتفقدين المدعوين. كنتُ حينذاك في أيام العز و"السردكة الفكرية" (فعل سردك مشتق من كلمة سردوك أي الديك بالعربية الفصحى ويعني "نفخ الديك ريشه مزهوّا ومضخِّما جسمه الضئيل والنحيل"). اقتصرت أيام العز وهي قليلة جدا على فترة صداقتي العلمية وليست الذاتية مع وزير التربية السابق والمثقف المحترم، الأستاذ الجامعي القدير الدكتور منصر رويسي. وجّهتُ هذا النقد مباشرة للمتفقدين الحاضرين دون مجاملة ودون نفاق بل بصدق مَن يغار على مهنة التفقد ويريد النهوض بها. من الصدف المنعشة أن الوزارة أسست بعد هذا التدخل، أو قد تكون خططت له منذ سنين، معهد تكوين متفقدي الثانوي والأساسي في قرطاج ولي فيه رفاق مرحلة ثالثة كثر أيضا، فيهم رجال ونساء، نساء جميلات جدا يدخلن على المدرس الابتسامة والرقة واللطف الذي لم نعهده في متفقدينا القدامى ذكورا وإناثا. أود جلب انتباهكم أنني لا أقول هذا الكلام من باب النكتة فابتسامة المتفقد صدقة ورحمة وجواز عبور وقرص أو "حربوشة" تزرع الثقة بالنفس والاطمئنان والأمن والأمان في قلب المدرس فيؤدي درسه ويبدع أمام متفقد متعاون متعاطف ومتفهم لظروف العمل القاسية التي يمارس المدرس التونسي تحت قساوتها أشرف مهنة في الوجود بأقل أجر موجود. استجاب معهد المتفقدين بقرطاج لشروط التكوين البيداغوجي والتعلمي (لكن عام واحد تكوين بهذا المعهد، مدة قصيرة وتكوين ناقص)، وبقي التكوين العلمي في الاختصاص ناقصا جدا. لسد هذا النقص، أقترح أن لا يُقبل في هذا المعهد إلا "الأساتذة المبرزون" في اختصاصهم وهذا الإجراء معمول به في فرنسا. يمتاز الأستاذ المبرز على الأستاذ العادي بسِعة اطلاعه على معارف اختصاصه وتملّكها والقدرة على توظيفها توظيفا جيدا ومفيدا، لكن في الوقت نفسه يفتقد الأستاذ المبرز إلى التكوين في فلسفة العلوم وتاريخها، ولم يدرس أكاديميا "إدراك عملية الإدراك" ( La métacognition)، وهي أعلى درجات المعرفة وتتمثل مهمتها في "التفكير في آليات التفكير وفي معرفة أننا نعرف وفي اختيار الطريقة الأنسب لحل المشاكل" وكما قال بيار ﭬريكو: [لو أن الإنسان الذي يقول "لا" أعرف, عرف لماذا يقول "لا", لكان قادرا على تحديد "نَعَمْ" المستقبلية]. عندما أشترط نظريًّا "كفاءة التبريز في الاختصاص" لدخول معهد المتفقدين بقرطاج، أشعر أنني ظلمت زملائي أساتذة علوم الحياة والأرض الطامحين إلى خطة متفقد لأن اختصاصنا هو الاختصاص العلمي الوحيد، على ما أذكر، المحروم من اجتياز مناظرة التبريز غير الموجودة في تونس منذ الاستقلال. بهذه المناسبة أوجه سؤالا مفتوحا إلى وزير التربية التونسية: لماذا يُحرم أساتذة علوم الحياة والأرض من نيل أهم كفاءة علمية يفتخر بها أستاذ الثانوي؟

un log article à suivre demain et après demain

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 130-132).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire