lundi 8 mars 2021

التفقد البيداغوجي في تونس: هل هو الحل أم هو المشكل ؟ (جزء 2: المثلث التقييمي -Le triangle d’évaluation). المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


سأعتمد في طرحي التالي على المثلث التعلّمي (ثلاثة أقطاب: المدرس، التلميذ والمعرفة) (Le triangle didactique ou pédagogique) وسأنحت من رحمه المثلث التقييمي (Le triangle d’évaluation) إن لم يكن موجودا، وسأحدد أقطابه الثلاثة وهي المتفقد والمدرس والتقييم. من المؤسف جدا أن المتفقد والمدرس لم يدرسا أكاديميا علم التقييم ومن يقيّم دون علم تقييم كمن يبيع سلعة دون ميزان وفاقد العلم لا يعطيه. يطالبنا المتفقدون بتقييم إجمالي جزائي وتقييم تكويني وتقييم استباقي وسَمِّ ما شئت من الأنواع وهي كلها مفيدة للتلميذ والمدرس لكن من المتناقضات أن المتفقدين لا يطبقون علينا، نحن الأساتذة، إلا نوعا واحدا من التقييمات السابقة وهو التقييم الإجمالي الجزائي. الخطير أن وراء هذا النوع الأخير من التقييم تختبئ نظريات وايدولوجيا المدرسة السلوكية.

برزت هذه  النظريات في أمريكا الستينيات على أيدي العالِمين، مؤسسي المدرسة السلوكية، "واتسون" و"سكينر". يتعامل المتفقد مع المدرس بأسلوب الإثارة ورد الفعل مثلما يدرّب "بافلوف" كلبه، يجازيه عند الإجابة الصحيحة ويعاقبه إن أخطأ. يطالبنا المتفقدون وبأسلوب رب العمل وأوامره بمدّ التلميذ بمقياس الإصلاح (Barème de correction) مع ورقة الامتحان. يا أساتذة علوم الحياة والأرض، هل مدّكم يوما متفقد بمقياس تقييمه قبل التفقد ؟ لقد بلغني أخيرا أن مثال مقياس التفقد متوفر على النت. يوصوننا بل ويمنعوننا بالقانون بعدم إجراء فرض مراقبة فجائي احتراما للتلميذ واجتنابا لوقوعه في الخطأ، بارك الله فيهم وفي تفهّمهم لحقوق التلميذ ومشاعره باعتباره محور العملية التربوية، وهم يباغتوننا بزياراتهم الفجائية بِنيّة القبض على المدرس متلبسا ! فهل يوجد بعد هذا التناقض تناقظا ؟

 

لقد شاركتُ مرة في مؤتمر علمي في المنستير من 15 إلى 18 ماي 2006 نظمته "الجمعية العالمية للبيداغوجيا الجامعية"، فاسمحوا لي قرائي الكرام أن أعلمكم أن الأساتذة الجامعيين لا يخضعون للتفقد وكأنهم رضعوا علوم التربية في الحليب أو ورثوها في جيناتهم، وهم أيضاً لا يمدّون طلبتهم بمقياس الإصلاح ولا يرجعون ورقة الامتحان ولا يناقشون العدد مع الطالب كأن تقييمهم قرآن وهُم، مع الأسف الشديد، مثلهم مثل الأساتذة والمعلمين لم يدرسوا علم التقييم ولا علوم التربية (ما عدا المدرّسين الجامعيين الذين يدرّسون هذه الاختصاصات). هل الأساتذة الجامعيون يتمتعون بثقة عمياء إلى درجة كونهم يعفون من التفقد ولا تطالبهم الوزارة بتطبيق القواعد الأساسية في التقييم ؟ وهل نحن مدرّسو الأساسي والإعدادي والثانوي متهمون بالقصور البيداغوجي وعلينا إثبات براءتنا وولائنا لشخص المتفقد الذي لا يفوقنا علما ولا تجربة ؟ ما هي مقاييس انتداب المتفقدين ؟ وهل هي علمية وموضوعية ؟ وهل قرار المتفقد هو قرارٌ مستقل تماما عن إملاءات الوزارة ؟ أقصد بالإملاءات أن لا يوظف المتفقد لخدمة أغراض إدارية غير بيداغوجية مثل إخضاع الأستاذ المتنطع والمشاكس نقابيا أو إداريا وأن لا يُستغل تقريره السلبي لأهداف تأديبية لا علاقة لها بالبيداغوجيا.

أنا لا أشك في الأشخاص ولا اقرأ النوايا ولا أحاكمها، إن نقدي موجّه لنظام التفقد الذي يفتقد فيه المتفقد للتكوين الأكاديمي في علوم التربية وعلم التقييم. مع العلم أنه ليس من السهل الفصل التعسّفي بين المهنة وأصحابها وقد سمعت مرات عديدة بعض المتفقدين المستنيرين رفاقي في المرحلة ثالثة ديداكتيك، اختصاص تعلمية البيولوجيا، يتذمّرون من الأساليب البالية والمتخلفة واللاعلمية وغير الموضوعية في مهنتهم وينتقدونها بغيرة المحب لمهنته ونزاهة المحترف.

Un log article à suivre demain et après demain.

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 133-134).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire