mercredi 10 mars 2021

التفقد البيداغوجي في تونس: هل هو الحل أم هو المشكل ؟ (جزء 4: سؤال يلحّ عليّ غالبا). المؤلف مواطن العالَم والديداكتيك

 


سؤال يلحّ عليّ غالبا:

لماذا لا يُعلِم المتفقد المدرس مسبقا بزيارته ؟ لقد سبق وناقشتُ هذه المسألة مع صديق متفقد علوم الحياة والأرض ورفيق مرحلة ثالثة ديداكتيك البيولوجيا فقال لي بالحرف الواحد: أنا موافق على الإعلام المسبق للمدرس وما الضرر لو حضّر درسه وهيأ تلامذته وبذل مجهودا أكبر في البحث والتمحيص ؟ أليس هذا هو هدفنا في التكوين وبهذه الطريقة الجديدة فقد نبلغه بأيسر السبل وبطريقة بنائية ذاتية ؟ واستطرد يقول لي: تصور وقل لي حسب رأيك من عارض هذه الفكرة أثناء نقاشها في اجتماع المتفقدين ؟ الشباب أم الكبار في السن ؟ قلتُ: الكبار طبعا. قال: آسف ! عارضها الشباب للحفاظ على هالة سلطتهم وسطوتها وبَهرجها وناموسها، جنون العظمة الذي من أجله دخلوا المهنة.

أنقل لكم شهادة الزميل عفيف ساسي، مجاز في الآداب العربية وهو الذي راجع لغويا كتابي هذا: "المتفقدون الأجانب (وبالذات الفرنسيون) كانوا-أو جلهم لا أدري- يعلمون الأستاذ مسبقا لأن هذا الأمر عشته شخصيا عندما كنت أدرّس الفرنسية في السبعينيات في ڤبلي، عشته مع متفقدة فرنسية لا زلت أذكر اسمها (Tatiana Orsini)، وأذكر عدد الترسيم الذي أسندته لي، كان (B). كانت تعلمنا بالهاتف يومين أو أكثر (نسيت). يا له من ماضٍ جميل !".

 

لماذا لا يتم التفقد عبر لجنة متكوّنة من المتفقد والمدير وزميلين قديمين ؟ قد تُضفي اللجنة على التقييم قليلا من التعددية والديمقراطية والعدل والإنصاف وتُبعد عن المتفقد الشريف أخطار المهنة التي قد يتعرض لها والمتمثلة في شبهات المحسوبية و"البنعمية" والرشوة والانتقام والتحرش الجنسي.

 

كيف يكون التقييم علميا وموضوعيا وأنا كأستاذ لم يزرني المتفقد إلا سبع مرات فقط خلال ثمانية وثلاثين عاما في مهنتي (6 في تونس و1 في الجزائر). ثمان سنوات منها في الجزائر، زارني خلالها المتفقد مرة واحدة وكنت حينذاك أدرّس في غير اختصاصي (اللغة الفرنسية عوض البيولوجيا)، بقي معي ربع ساعة أمضاها في الشكر والإطراء على مدرس في غير اختصاصه ! في الجزائر، يسمون المتفقد مفتشا لأنه ما جاء إلا ليفتش عن نقاط ضعف المدرس حتى يذله ويحبطه. يستمد المفتش قوته من ضعف المدرس وانعدام مقاومته وغياب صموده وافتقاده للثقة بالنفس. وفي مصر أيضا يُسمى المتفقد مفتشا.

سنة  1976، زارني متفقد فرنسي في جربة في آخر عامي الثاني تربص (دائما الأستاذ الجديد يقول في نفسه: هذه مهنة وقتية وسوف أكمل تعليمي وأنتقل إلى التدريس في العالي وفي أكثر الحالات يبقى في الثانوي طوال عمره أستاذا كما دخل أو أقَل، بحكم العمر والمرض)، رفضتٌ قبوله في قسمي لعدم توفر درس أقدمه في حضوره بعد أن أتممتُ البرنامج. عاقبتني الوزارة على عدم قبول المتفقد في قسمي واستغنت عن خدماتي نهائيا. من حسن حظي توصلتُ إلى استرجاع عملي في نفس السنة عن طريق النقابة مع نقلة عقاب من جربة إلى غار الدماء.

سنة  1978، زارتني متفقدة فرنسية في غار الدماء وأنا أعيد التربص بعد الرفت من جربة، قالت لي أثناء النقاش: لقد ارتكبت خطأ علميا. أقنعتُها أنني لم أفعل فاقتنعت ورسّمتني بعدد 16على 20.

سنة  1988، زارني متفقد في غار الدماء و خفّض لي العدد من 16 إلى 10 ورجع بعد شهر وأوصل العدد إلى 9 عقابا لي على تجربة طريفة ومقنعة قمتُ بها وهي ليست موجودة في البرنامج الرسمي وعلى معلومة علمية صحيحة علمتها لتلامذتي ومن سوء طالعي ونحسي كان المتفقد يجهلها في ذلك الوقت ولم يقتنع بعلمي كما اقتنعت المتفقدة الفرنسية وشكرتني. ليس العيب في جهل المعلومة في حد ذاتها، وهذا وارد لدى أعلم الأساتذة، ولكن كل العيب يبرز عندما يعتبر المتفقد المعلومة الصحيحة خطأ لأنه يجهلها والأغرب أن يسجلها في تقريره مع العلم أن هذا المتفقد بالذات كان يفوقني حينها علما وتجربة وهو من أكفأ المتفقدين وأنزههم وأعلمهم وهو متحصل على شهادة الدراسات المعمقة في علم الوراثة على ما أذكر (AEA).

سنة  1994، زارني متفقد في برج السدرية، طرق الباب قبل الدخول وطلب مني الإذن بالدخول، فتحتُ له الباب ورحبتُ به ترحيبا كبيرا وقلتُ له: أول مرة في حياتي يحترمني متفقد ! زادني أربع نقاط ونصف فأصبح عددي البيداغوجي 13.5.

سنة 2000 وبعد عشر سنوات من مروري بغار الدماء، لحقني صدفة إلى ولاية بن عروس متفقد غار الدماء المذكور أعلاه فوجدني أستاذا مكونا مع زميله الذي عوضه. جاءني في حصة تكوين وطلب مني بكل لطف وروح رياضية أن أنسى المشكلة التي وقعت بيننا في غار الدماء، فاستجبت لطلبه فورا بسبب فرط أدبه وسلوكه الحضاري. "تشاء الأيام كما يشاء كشكار"، زارني هذا الأخير في برج السدرية وأنصفني أيما إنصاف بعد ما ظلمني في غار الدماء أيما ظلم وأسند لي عددا بيداغوجيا محترما (20\17), عدد ما زلت أفتخر به حتى الآن.

كيف يكون التقييم علميا وموضوعيا والمتفقد يزور المدرس بمعدل مرة كل خمس سنوات ويقيمه خلال ساعة واحدة بعد أن يُفقده توازنه النفسي بِطلته البهية وتكبّره وتجهّمه (أتحفظ ولن أعمم تجربتي الشخصية على كل المتفقدين) ؟ ينهار المدرس منذ البداية وهو لا يرى في عينَي زائره إلا الترصد لأخطائه وتدوينها بحضور المدير أحيانا.

Un log article à suivre demain et après demain

 

المصدر: كتابي، الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي - سَفَرٌ في الديداكتيك وعِشْرَةٌ مع التدريس (1956-2016)، طبعة حمرة، 2017 ، 488 صفحة (ص.ص. 137-140).

 

إلى المنشغلين والمنشغلات بمضامين التعليم:

نسخة مجانية من كتابي "الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي" على شرط التسلم في مقهى الشيحي أو نسخة رقمية لمَن يرغب فيها ويطلبها على شرط أن يرسل لي عنوانه الألكتروني (mail).

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire