mercredi 2 septembre 2020

يبدو لي أن للمعرفةِ في حمام الشط أربعةُ مستوياتٍ؟ مواطن العالَم

 


La connaissance, non le savoir 

 

المستوى الصفر: وهي المعرفة التي يبثها المتحزبون الملتزمون والنقابيون المحترفون، من كل حدبٍ وصوبٍ، يساريون وقوميون وإسلاميون ودستوريون، بِهدف كسبِ المتعاطفين واستقطابِ المريدين ثم تأطيرهم وتأهيلهم (Embrigadement et Encadrement). وهي من أسوء أنواع المعرفة وأتفهها لأن القائمين عليها والمروجين لها أشخاصٌ الغايةُ عندهم تبرر الوسيلة، غاياتهم عادة ما تكون نبيلة لكن وسائلهم غالبًا ما تكون غير نبيلة.

من حسن حظنا أن عددهم قليلٌ في حمام الشط.

 

المستوى الأول: وهي المعرفة التي يلوكها ويجترّها مَن لم يسعفهم الحظ في الالتحاق بالجامعة. هي الدرجة الأولى في سلم المعرفة 

(Le sens commun ou le 1er degré de connaissance).

 تراهم يرددون الشعارات الجوفاء والكليشيهات المتكلّسة والقوالب الجاهزة مثل "العقل السليم في الجسم السليم" ولو عكسوا لأصابوا ! يتكلمون بلسان خشبي، يمتهنون الوعظَ والإرشادَ ولا يطبقون نصائحَهم على أنفسهم. لا يوظفون ولو ملّيمتر مكعّب واحد من المادة الشخمة  التي وهبهم الله إياها (La matière cérébrale grise).

من سوء حظنا أن هؤلاء يمثلون الأغلبية الغالبة والسائدة بحمام الشط ونجدهم للأسف في كل الشرائح والطبقات، أغنياءً وفقراءً، شباباً وكهولاً وشيوخاً، مباشرينَ ومتقاعدينَ، موظفين ومِهن حرة، بطّالة وعمّالاً، رجالاً ونساءً.

 

المستوى الثاني: وهي المعرفة العلمية 

(La connaissance scientifique ou le 2ème degré de connaissance)،

 وهي حِكرٌ على أصحاب الشهائد الجامعية العليا (معلمين، أساتذة، مربين، أطباء، مهندسين، تقنيين سامين). لكنهم، كلهم أو جلهم كـ"الحمارِ يحملُ أسفارًا"، تعلموا علومًا في الجامعة وشرعوا يرددونها في كل المناسبات كالببغاوات دون توظيف إبستموليجياتها الجوهرية المختلفة (الإبستمولوجيا هي نقدُ المعرفةِ، اختصاصٌ لا نُدرّسه للأسف في جامعاتنا التونسية).

 

المستوى الثالث والأعلَى: وهي أم المعارف، أعني بها الفلسفة أو حب الحكمة (وليست الحكمة الكاملة التي لن يبلغها أحدٌ إلا الله سبحانه وتعالى)، حيث يفكر الفرد بعقله ولا يكتفي بإعادة نشر الاستشهادات الانتهازية (Les citations opportunistes) أو تلاوة ما حفظه دون تَرَوٍّ في كتبِ المفسرين ورجال الدين والمفكرين والعلماء والمؤرخين.

للأسف الشديد، لم أصادِف في حمام الشط إلا عيّنةً واحدةً وحيدةً من هذا الطراز العالي 

(Mon unique échantillon

 عيّنةٌ يجسمها جليسي المسائي اليومي بمقهى الأمازونيا بحمام الشط، المفكر الماركسي الحر غير المتعصب وغير المتطرف وغير الإقصائي وغير المنبت عن تربته العربية الإسلامية، هو أستاذ فلسفة متقاعد ذو سبعين حَوْلاً، تلميذ سابق في الصادقية ومدرّس سابق بمعهدها، هو فيلسوف حمام الشط السيد حبيب بن حميدة (هذا لا يعني أنه الوحيدُ زمانه وإنما الأكيد عندي أن أمثالَه قليلون، نادرون ندرة المعادن النفيسة).

 

ملاحظة منهجية: لا يخلو أي مستوى من المستويات المذكورة أعلاه من فلتات، والاستثناء يؤكد القاعدة ولا ينفيها.

 

كيف خطر على بالي هذا التصنيف: لي صديقان حميمان بحمام الشط (سهيل وعلي)، عاشقان مثلي للفلسفة، ومثلي أيضًا جرّبا مجالسة الأنماط الأربعة من سكان حمام الشط. وفي آخر المشوار فضلنا، ثلاثتنا، عن قناعةٍ ورضاءٍ، الترسيمَ في زاويةِ الوليِّ التقيِّ الصالحِ، وليٌّ من طينةٍ لا شرقيةٍ ولا غربيةٍ، طينةٌ عقلانيةٌ لاميتافيزيقيةٌ، وليٌّ يكرهُ استقطابَ المريدين، وليٌّ يفضلُ محاورةَ المفكرينَ الذين هم بعقولهم وحدها لا بغيرها يستنيرونَ، وعن شخصه بآرائهم يستقلونَ، وبألسنتهم فقط لا بألسنة الآخرين ينطقون. الله ينفعنا ببركاته! آمين يا رب العالمين.

 

إمضائي

"المثقفُ هو هدّامُ القناعاتِ والبداهاتِ العمومية" فوكو

"إذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمَك فدعْها إلى فجرٍ آخَرَ" جبران

"على كل مقال سيء نرد بمقال جيد" مواطن العالَم

 

تاريخ أول نشر على حسابي ف.ب: حمام الشط، الأحد 26 نوفمبر 2017.

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire