dimanche 27 septembre 2020

وجهة نظر نقدية شخصية ومحدودة حول "الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة". مواطن العالَم

 

 

يكفي القرآن الكريم شرفا عند المسلمين أنه كتاب إيمان وهداية، يحثّ ويشجّع على العلم والعمل وإعمال العقل ولن يزيده رفعة أو شرفا احتواءه للاكتشافات العلمية الحديثة المادية البشرية ولن ينتقص من قيمته الروحية عند المسلمين خلوّه من النظريات العلمية الحديثة التي لا ترتقي في مجملها إلى حقائق ثابتة ثبوت النص المقدّس.

 

يهدف القرآن إلى بناء علاقة روحية ثابتة بين المخلوق والخالق (علاقة عمودية سرية  شخصية ومتعالية على العلم والمادّة)، يبنيها مع المسلم العالم والجاهل على حد السواء ليهديه ويجذبه ويقرّبه من ربه، ويهدف أيضاً إلى بناء علاقة أفقية بين الإنسان وأخيه في الإنسانية  دون تمييز على أساس ديني أو طائفي أو قومي أو عرقي أو لوني.

أما العلم فيبني علاقة ظرفية إشكالية (problématique) أفقية منفعية عمومية مشتركة ونِديّة بين الإنسان وأخيه الإنسان، مسلما أو غير مسلم ليربطه بواقعه المادّي المحسوس ويشدّه إلى جذوره المادية الطبيعية. لن يزيدَ المسلمَ إيماناً فوق إيمانه، رحابةُ القرآن ليشمل نظرية النشوء والارتقاء  لداروين أو نظرية النسبية لأينشتاين، كما لا ينقص إيمانه عدم وجود النظريتين بوضوحٍ وتفصيلٍ في النص المقدّس. والمسلم الذي ينتظر من القرآن شواهدَ وإثباتات علمية مادية محسوسة وواضحة حتى يُسلّم بإعجاز القرآن ويُسلّم بمصدره الإلهي هو إنسان مادّي بالقوة (en puissance) وقد يلتقي في شكّه مع الملحد.

الملحد هو الذي لا يؤمن بالقرآن كتاباً مقدّساً (كان فيه علمٌ أو لم يكن فيه)، وهو الذي يؤكد جازما أن هذا الكتابَ بشريٌّ صِرْفٌ، لأنه لا يحتوي البتة على حجج وقرائن مادية مقنعة ودالة على وجود خالق وراء هذا الوجود المادي المحسوس وغير المحسوس والمرئي وغير المرئي. أما الملحد الذي يبحث في الغيبيات ويحاول تكذيب حقيقة إلهية غير مادية مستعينا بالمنطق البشري فهو يمتهن تجارةً خاسرةً.

 

لو فرضنا جدلا أن كل الاكتشافات العلمية الغربية البشرية الحديثة موجودة في القرآن الكريم منذ 14 قرنا، فهذا إعجازٌ رباني وليس إعجازاً بشريّاً والله رب البشرية كلها مسلمين وغير مسلمين، وهل هذا الإعجازٌ الرباني يضيف شيئا من الاستحقاق العلمي للمسلمين المعاصرين الذين لم يشاركوا في صنع هذه الاكتشافات؟ لم يشاركوا إلا قلة منهم تشتغل في المخابر العلمية الغربية مثل أحمد زويل جائزة نوبل في الكيمياء. وهل تضيف هذه الاكتشافات العلمية الغربية شيئا إلى قدرة الله أو تنقص منها شيئا، الله الذي يقول للشيء: "كن فيكون"؟ ولماذا لا نقول الحق كما أمرنا رسولنا الكريم صلوات الله عليه وننسب المجهود إلى أصحابه، علماء الغرب الذين ألهمهم الله -أليسوا من عباده الصالحين؟-، ألهمهم فاجتهدوا وعملوا ونجحوا بواسطة جهدهم البشري ووصلوا إلى بناء العلم وسهروا وحرصوا على تطويره؟ أما نحن المسلمون العرب المقيمون في البلدان الإسلامية، فقد فشلنا أيما فشل في بناء العلوم وصنع أبسط الآلات، ولم يبق لنا سوى الادعاء الوهمي وانتحال صفة العلماء الغربيين (مسلمين وغير مسلمين) ونسبة اكتشافاتهم لأنفسنا زورا وبهتانا، والله تعالى غني عن عملهم وعملنا، ووجوده سبحانه ليس مرتهنا إلى دليل مادي ولا يحتاج إلى برهان علمي إلا لدى ضِعاف الإيمان من أمثالنا ولكنه في الوقت نفسه كريم وسيجازِي العلماء الغربيين على ما فعلوه من أجل تقدم ورقي البشرية وسوف يحاسب المسلمين المتقاعسين على ما فعلوه بأنفسهم.

 

و أخيرا أنوّه بالعلماء الغربيين المسلمين الذين شاركوا زملاءهم العلماء الغربيين غير المسلمين في بناء العلم والمعرفة (بناءٌ وليس اكتشافاً كما يُقال عادةً خطأ) وأشُدُّ على أياديهم وأقول لإخوانهم المسلمين المقيمين في البلدان الإسلامية: ما فعله إخوانكم المسلمون المقيمون في البلدان العَلمانية الديمقراطية هو الإعجاز العلمي البشري بعينه، فعلوه بالعمل والمثابرة في المخابر العلمية الغربية جنب زملائهم العلماء غير المسلمين، ولم يفعلوه بالتعسف اللغوي والإسقاط اللاتاريخي في تأويل آيات القرآن الكريم،  القرآن المنزّل الخاتم هو كتاب يقين وإيمان ولا يجوز حسب رأيي مقارنته بكتب العلم البشرية المبنية أساسا على الجائز والطارئ والشك والخطأ والصواب والقابلة أصلاً وطوعاً للدحضِ والتعديلِ أو الإضافة والتأكيد أو الحذف والنفي والتكذيبِ 

(Les sciences sont par définition toutes falsifiables et réfutables. Karl Popper )، 

والإيمان أرقى ألف مرة من العلم لو كانوا يفقهون!

 

خاتمة:                                                                                             

عزاؤنا الوحيد نحن المسلمون العرب أننا لسنا وحدنا مَن اتبعنا هذا التمشي غير العلمي في إثبات إعجازٍ علميٍّ في غير محله وفي غير زمنه، مَثَلنا كمَثَل مَن -C’est comme chercher 14h à midi - j’ai modifié le proverbe. لقد اتبعه قبلنا كثيرٌ من الغربيين المسيحيين في أمريكا وسمّوه "الإعجاز العلمي في الإنجيل".

زمن العلم الحديث بدأ  تقريباً في أوروبا مع ديكارت في القرن السادس عشر ميلادي وله ثلاثة عناوين لا غير: نجده في مدارج الجامعات وعلى منابر المؤتمرات العلمية وعلى صفحات المجلات العلمية المحكّمة  (Les revues scientifiques cotées, exemples « Nature » en anglais et « La Recherche » en français, la revue «Sciences & Vie» n’est pas cotée). للأسف الشديد لا توجد -على حد علمي- مجلة علمية محكّمة واحدة ناطقة باللغة العربية وفي أي اختصاص.

لن أقول على مَن آمنوا بـ"الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة" أنهم جهلة أو رجعيين أو متخلفين أو ظلاميين أو مغفلين أو مخطئين، ولن أقول أيضاً أن لديهم عقدة نقصٍ إزاء التطور الغربي خاصة وأن هذه الظاهرة ("الإعجاز العلمي في الكتب المقدسة") موجودة في أفضل الدول تطوراً (أمريكا) وبكثافة أكثر مما هي عندنا.

لن أقول، لا لأنني أجاملهم (النقد العلمي لا يجامل)، بل لأنهم فعلاً ليسوا كذلك تماماً، ففيهم مثقفون وعلماء وأطباء ومهندسون من أعلى المستويات، أقول فقط أن تَمشِّيَهم هذا هو تَمَشٍّ غير علمي (Leur démarche n’est pas une démarche scientifique et je m’arrête, volontairement et déontologiquement, là).

 

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الجمعة 15 نوفمبر 2013.

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire