vendredi 25 septembre 2020

اقتراحٌ تربويٌّ قد يكون جزءاً من الحل لإصلاح التعليم في تونس؟ ترجمة وتأثيث مواطن العالَم

 

 (Docteur en didactique de la biologie, UCBL1, 2007)

 

ملاحظة:

سبق لي وأن نشرتُ هذا المقال لأول مرة حوالي سنة 2008، واليوم السبت 26 سبتمبر 2020 أعيدُ نشرَه بطلبٍ من صديقٍ، رجل تعليمٍ فاضلٍ ومدير مدرسة ابتدائية (Doctorant en sciences neurocognitives)، اسمه Mohamed Jemel، وطلب مني أيضاً اقتراح كيفية تطبيق هذا النموذج في تونس. أنا -عادةً- لا أكتبُ تحت الطلب، لكن طلباتُك أوامرٌ سيدي المديرُ.

 

1.     نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب:

-         يُطبق في الشيلي بعد رحيل "بينوشيه" لأن الدولة الجديدة تبحث عن شرعية في الحكم من خلال  اعتماد خطة  لإلغاء الفوارق الجهوية في التنمية. ويُطبق أيضا في بعض مقاطعات سويسرا وفي بعض البلدان النامية كـ"سيرلنكا" مثلا بمساعدة بعض المنظمات غير الحكومية.

-          هذا النموذجُ يَنتقِدُ النموذجَ الأول (نموذج التفقد الكلاسيكي الذي يُعدّ النموذج الأكثر شعبية في بعض الدول الفرنكوفونية مثل فرنسا وتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان وفيتنام والسنغال وتنزانيا والمكسيك، وفي بعض الدول الأنڤلوفونية أيضاً.) يَنتقِدُ الثاني أيضاً (نموذج التفقد المركزي، يُطبَّقُ في بريطانيا): هذا النموذجُ الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب يَعتبرُ أن كل مدرسة تُمثلُ حالة فريدة من نوعها وعلى نظام التفقد عن قرب أن لا يعامل كل المدارس بنفس الكيفية (مثلما هو جارٍ به العمل في نموذجَي التفقد الكلاسيكي والتفقد المركزي).

-         يعتمد هذا النموذج على المراقبة عن بعد والدعم والعلاج عن قرب. يتركَ المدارسَ المتفوقةَ نسبيا تتصرف بحرية واستقلالية وتسيير ذاتي. هذا النموذج يهتم خاصة بالمدارس الأكثر ضعفا والتي تعاني من مشاكل وتحتاج إلى دعم.

-         اختار نظام التفقد في الشيلي 900 مدرسة ضعيفة -حسب نتائجها- من بين 9000 مدرسة موجودة في البلاد وقرر مساعدتها ودعمها للنهوض برسالتها التربوية على أحسن وجه ممكن.

-         لم يَعُد يُسمَّى القائم بمهمة التفقد متفقدا بل يُسمَّى "مشرفًا تقنيًّا بيداغوجيًّا".

-         يتكفل كل مشرفٍ بمدرستين أو ثلاث مدارس فقط، ولا يقتصر دوره على المراقبة فقط مثل متفقد النموذج المركزي بل يقوم بالعمل مع إطارات المدرسة في ورشات على مدى ثلاث سنوات لتحسين النظام التربوي داخلها. مهمة المتفقد-المشرف ليست بسيطة بل معقدة وهي توفر حلولا أكثر من أن تخلق مشاكل. يقوم المتفقد-المشرف بدوره كممثل للإدارة المركزية وفي الوقت نفسه كمرافق للمدرِّسين، يشرّكهم في تحمّل المسؤولية التربوية ويحثهم على الاجتهاد لإيجاد حلولٍ من صنعهم، حلول تكون ملائمة لهم ولبيئتهم ومدرستهم. يتكون فريق العمل من المتفقد-المشرف والمدرّسين والمدير، ويرأس هذا الأخير الفريقَ وله الحق في تفقد المدرّسين العاملين في مدرسته.

-         يتكون سلك التفقد في الشيلي من نواةٍ مركزيةٍ قليلةِ العددِ، متركبةٍ من خمسة أو ستة متفقدين-مشرفين تقنيين بيداغوجيين عامّين (هم الذين يحددون سياسة نظام التفقد)، ومن جهازٍ جهويٍّ (يتكفل بتكوين المتفقدين-المشرفين التقنيين البيداغوجيين المحليين)، ومن جهازٍ قريبٍ من المدارس (حيث يوجد العدد الأكبر من المتفقدين-المشرفين التقنيين البيداغوجيين).

-         قللَ النظام التربوي في الشيلي من عدد المدارس المحتاجة حتى يستطيع توفير متفقد-مشرف تقني بيداغوجي عن قرب لكل مدرستين أو ثلاثة مدارس  ضعيفة.

-         يُعْفَى المتفقد-المشرف التقني البيداغوجي من الاهتمام بالمسائل المالية الخاصة بالمدرسة لكي يتفرغ لمهمة الدعم والعلاج.

 

2.     ما هي نقاط القوة في نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب؟

-         نظامُ تفقدٍ هرميٍّ حيث يوجد عددٌ قليلٌ من المتفقدين-المشرفين التقنيين البيداغوجيين في القمة، والعدد الأكبر من المتفقدين-المشرفين يتواجد في القاعدة قرب المدارس، يعني في المكان المناسب الذي نحتاجهم فيه. بيروقراطية قليلة ورجالُ ميدانٍ كُثرٌ.

-         طاقم عمل قادر على تقديم خدمة مرنة للمدرسة والمجتمع، يركّز على المدارس الأكثر ضعفا من غيرها.

-         هذا النموذج من التفقد تخلّصَ من عِبءِ التفقد الإداري وركّز على التفقد البيداغوجي والدعم والعلاج عن قرب للمدارس الضعيفة.

 

3.     ما هي نقاط الضعف في نموذج التفقد الذي يعتمد طريقة الدعم عن قرب؟

-         هذا النموذج لا يشمل كل المدارس في البلاد.

-         عند تطبيق هذا النموذج، تتحسن المدرسة ببطء شديد.

-         يتطلب هذا النموذج قاعدة بيانات رقمية مفصلة جدا قد لا تكون متوفرة في البلدان النامية.

-         يتطلب تغييرا جذريا في ثقافة التفقد البيداغوجي: لماذا لا نطلب من المتفقد تغيير مقاربته الذاتية فرديا حتى نحرره من سيطرة جهاز تفقد يعتمد على المقاربة القديمة التي تنظر بنفس العين إلى كل المدارس، وكأنها متساوية، وهي في الواقع متفاوتة حتى في بلدان النموذج الكلاسيكي والمركزي المتقدمة كفرنسا أو النامية كتونس والمغرب والجزائر وموريتانيا ولبنان.

-         من حسن حظ الشيلي أين يُطبق هذا النموذج أن عددَ مدارسها الضعيفة قليلٌ نسبيا، لذلك قد يَصعب تطبيق هذا النموذج في جل البلدان النامية حيث تحتاج 90 في المائة من مدارسها للدعم والعلاج عن قرب. لكن يبقى دائما من الأفضل أن نقدّم الدعم والعلاج عن قرب بصفة جدية لثلاث مدارس ضعيفة فقط عوض أن نقدمه بصفة سطحية لـ25 مدرسة ضعيفة.

-         المدرسة، التي تمتعت بمساعدة المتفقد-المشرف لمدة ثلاث سنوات فقط، قد تنتكس بعد مدة قصيرة وتعود من جديد لمجابهة مشاكل جديدة، لذلك يفكر المتفقدون-المشرفون على هذا النموذج في الشيلي في تمديد مدة الإشراف على المدرسة والدعم عن قرب إلى خمس سنوات عوض ثلاث فقط.

-         استعانت الوزارة في هذا البرنامج  بالمتفقدين القدامى الذين عملوا في فترة حكم "بينوشيه" بعد ما أقنعتهم بالمقاربة الجديدة وهي مقاربةُ الدعم والعلاج عن قرب عوض التفقد الكلاسيكي المعمول به قبل 1990 أي في عهد "بينوشيه".

 

4.     اقتراح كيفية تطبيق هذا النموذج في تونس

تَحَدٍّ تربويٌّ أوجّهه إلى وزارة التربية وجيشها العرمرم من المتفقدين البيداغوجيين!

ما سأحبّره قد يبدو للبعض بِدعةً لكنها بِدعةٌ علميةٌ، وبِدَعُ العلم تمثل معالِمَ على الطريق، حتى ولو كانت شاذة عن السائد.

محمد كشكار يُنبّه ويقول ويكرّر: متفقدونا البيداغوجيون ينقصهم التكوين في الديداكتيك (هي فلسفة التعليم والتعلّم) وفي علوم التربية (Pédagogie, Docimologie, Psychologie de l’enfant, TICE, etc).

محمد كشكار  يضيف: متفقدونا البيداغوجيون ينقصهم التعمّق العلمي في اختصاصاتهم، وزادهم العلمي لا يفوق ما يتمتع به جل المدرسين، أغلب متفقدينا لم يحصلوا على كفاءة "التبريز" في اختصاصاتهم (L’agrégation n’est pas un diplôme universitaire)، لكنها في التعليم الثانوي أكثر نَفْعًا من شهادة الدكتورا (في فرنسا كل المتفقدين مبَرَّزين).

محمد كشكار يستنتج: متفقدونا البيداغوجيون -على حالتهم اليوم- يمثلون جزءًا من المشكل وليس جزءًا من الحل!

متفقدونا البيداغوجيون الأجلاء يؤكدون العكس، ويزعمون أنهم الأقدر والأكفأ على إبتكارِ حلولٍ ملائمةٍ لجل الإشكاليات العامة في النظام التربوي التونسي!

محمد كشكار يرد الحجة بحجة أقوى: " ﻧﺎﺱ ﺑﻜﺮﻱ ﻗﺎﻟﻮ: حصاني يصف السدرة.  قالُّو: هاو الحصان وهاي السدرة".

 

هيّا تعالوا نفعل مثلما فعلت دولة الشيلي عندما قرّرت إصلاحَ نظامها التربوي:

في تونس، عندنا حوالي 6000 مؤسسة تربوية (مدارس وإعداديات وثانويات) وعندنا حوالي 600 متفقدًا. فلماذا لا نفعلُ مثلما فعلت دولة الشيلي: أي نختارُ منها 600 مؤسسة تربوية الأقل حظًّا (تعاني من ضعف النتائج في الامتحانات الوطنية أو من تزايد الانقطاع المبكّر أو من التغيّب المكثف للمدرسين والتلامذة، إلخ.)، ثم نبعث لكل واحدة منها متفقدًا يسكن فيها، يتعاون يوميًّا مع إدارتها ومدرّسيها على تذليل الصعوبات اللوجستية وتجاوز العوائق التعلمية، ولا يغادرها إلا بعد تحسّن نتائجها حتى ولو تطلب الأمر تمديد إقامته فيها بعامٍ أو عامين.

 

ملاحظة: سيحتجون عليّ ويقولون: "لكل متفقد اختصاصه". أجيبُ سادتي الأفاضل: البيداغوجيا هي معرفة أفقية عامّة وليست خاصة بمادة معيّنة (الديداكتيك أو إبستمولوجيا التعليم هي وحدها الخاصة والمتعددة: ديداكتيك البيولوجيا، ديداكتيك الفيزياء، ديداكتيك العربية، إلخ.).

 

Source d’inspiration : Conférence d’Anton DE GRAUWE, spécialiste des programmes, Institut International de la planification de l’éducation, UNESCO

 

 

إمضائي:

"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إلى فجر آخر" (جبران)

 

 

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire