قرأتُ أخيرًا في كتاب علمي جدًّا، يقول فيه كاتبه:
"تجربة كِبارِ السنِّ توفر للصغار
وسطًا ثقافيًّا غنيًّا (un milieu intellectuellement riche)، تساهم مساهمة فعّالة
في تدريب الصغار
وتعليمهم، تمدّهم بمعلومات ثقافية مهمة خلال
المرحلة الطويلة والحساسة (période critique) التي تلي الولادة،
وهي مرحلة هامة جدًّا في اكتساب المعرفة (l’importance cognitive)" (Prochaiantz, 2019).
أبني على قوله وأضيف: ونحن أطفالاً في جمنة
الخمسينيات والستينيات، تربينا داخل وسط اجتماعي متنوع ومفتوح بالمعنى المجازي للكلمة
الأخيرة والمعني الحرفي لها: كنا نعيش مجموعة من الجيران من عروش مختلفة في زنـﭬـة
حادة (impasse)، أبوابنا لا توصَد،
ندخل إلى بيوت بعضنا بعضنا متى نشاء ودون استئذان، كان بعضهم ينشر
غسيله عندنا، نجتمع في العيدَين، الصغير والكبير، في دار كبيرنا (كان أبي ثم ورثها
عنه جارنا عمي نصر، عَمٌّ بالجيرة وليس عمًّا بيولوجيًّا). كنا نكوّن عائلة ممتدة
موسعة، ممتدة بالجيرة وليس بالقرابة الدموية. أطفالاً كبرنا داخل وسط متنوع
عمريًّا، الأكبر فينا ينهى الأصغر، والأصغر يتعلم الحياة من تجربة الأكبر. وسطٌ
تعلّمي، للأسف، لم يعُد موجودًا اليومَ، وذلك لأسباب عدّة يطول شرحها. أذكر منها:
نَمَطٌ اجتماعيٌّ واحدٌ وموحَّد من العيش الغربي، نَمَطٌ متوحِّشٌ غازٍ فرضته
علينا العولمة الغربية الاقتصادية والثقافية (l’eurocentrisme)، ونحن، العرب، للأسف،
لم نقاومْه، ربما بسبب ضعفنا السياسي وتبعيتنا الاقتصادية وسلبيتنا السلوكية، على
العكس انبهرنا به وانسقنا وراءه ناسين أو متناسين شعار الأنتروبولوجيا المنصِف والقائل
"لا حضارة أفضل من حضارة".
خاتمة: تربية الصغار، مهمة أساسية وكبيرة من
مهمات الكبار: لم يجنِ الصغارُ على أحدٍ، بل نحن، الكبار، نحن الذين جنينا عليهم،
وها نحن اليوم نحصدُ ما زرعْنا!
إمضائي (مواطن العالَم، أصيل جمنة ولادةً وتربيةً، يساري
غير ماركسي مستقل، غاندي الهوى ومؤمن بمبدأ "الاستقامة الأخلاقية
على المستوى الفردي" - Adepte de
l’orthodoxie spirituelle à l’échelle individuelle):
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر"
(جبران)
À un mauvais discours, on répond par un bon discours
et non par la violence. Le Monde diplomatique
تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 24 سبتمبر 2019.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire