mercredi 23 avril 2014

هل يستطيع التلميذ بناء معرفة علميّة جديدة فوق معرفته غير العلميّة القديمة؟ مواطن العالَم د. محمد كشكار


هل  يستطيع التلميذ بناء معرفة علميّة جديدة فوق معرفته غير العلميّة القديمة؟  مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 14 ماي 2009.

استوحيت هذا المقال من محاضرة حضرتها في سوسة بمناسبة الأيام الوطنيّة الثالثة لتعلّميّة علوم الحياة و الأرض في 22 و 23 نوفمبر 2008 بسوسة.  قدّم هذه المحاضرة الأستاذ   (André Giordan مدير مخبر الفلسفة و تعلميّة العلوم بجامعة "جنيف" في سويسرا، حول تصوّرات التلميذ أو المكتسبات التي يأتي بها للقسم (Les conceptions de l’apprenant) وبدأ بطرح النماذج المختلفة التي نستعملها لمعالجة هذه التصورات غير العلمية:

.- النموذج الأول:

نتجاهل هذه التصورات غير العلمية لدى التلميذ و نعتبر  هذا الأخير  وعاءً فارغا، و على المدرس أن يملأه بالمعرفة، أو نعتبره صفحة بيضاء يكتب فيها المعلّم ما يشاء.  سادت هذه المقاربة في التعليم آلاف السنين حيث يعرف المعلم كل شيء و لا يعرف التلميذ أي شيء.

-. النموذج الثاني:

نتجنّب هذه التصورات غير العلمية حتى لا ترسخ في ذهن التلميذ أو تعيق اكتسابه للمعرفة العلميّة الجديدة. هذه مقاربة "المدرسة السلوكيّة" (واتسون و سكينر) التي تسود الآن في التعليم التونسي و تعتبر التلميذ علبة سوداء لا يعنينا ما بداخلها و لا نحاول فهم آلية تشغيلها. نلقّن التلميذ معارف متفرقة وفق مواد منفصلة عن بعضها البعض و نطلب منه حفظها و استرجاعها يوم الامتحان كما تلقاها دون اجتهاد ذاتي. لا يتساءل أصحاب هذه المقاربة عن "ميكانيزم" أو كيفية فهم التلميذ للدرس أو آلية اكتسابه للمعرفة. لقد توصل التلامذة بذكائهم الجمعي إلى كشف و فضح الخلل الأساسي في هذه المقاربة و عبّروا عنه بشعارهم الواقعي و الساخر مخاطبين مدرّسيهم أثناء الامتحان "بضاعتكم ردّت إليكم!" و هي في الحقيقة بضاعة المدرس و ليست بضاعة التلميذ لأن هذا الأخير لم يشارك في صنعها و في اكتسابها بل فُرضت عليه غصبا فحفظها و كررها كالببغاء و حملها دون فهم أو تملّك.

-. النموذج الثالث:

 نتعرّف علي هذه التصورات غير العلمية حتّى نحدّد الرسالة المعرفية التي نريد تمريرها في البرامج. هذه مقاربة "المدرسة البنائيّة" (بياجي) التي حررت التلميذ من التبعية للأستاذ و منحته الثقة في قدراته الذهنية و أكدت أن المتلقي قادر عل بناء معرفته بنفسه لو وفرنا له الوسط المناسب و المدرس الكفء.

-. النموذج الرابع:

نعالج هذه التصورات غير العلمية و هذه مقاربة "المدرسة الاجتماعيّة-البنائيّة" (فيڤوتسكي و دواز و مونيي). ينقسم هذا النموذج إلى قسمين:

- القسم الأول من النموذج الرابع:

نعالج تصورات التلميذ غير العلمية بالإفصاح عنها داخل القسم  حتّى تصبح مصدر تحفيز له.

- القسم الثاني  من النموذج الرابع:

نعالج التصورات غير العلمية للتلميذ بتوظيفها في عمليّة التعلّم. يتفرّع هذا القسم الأخير إلى ثلاثة فروع:

- الفرع الأول من القسم الثاني للنموذج الرابع:

 نستفيد من التصورات غير العلمية للتلميذ و لا ننفيها و نحاول إبرازها و مكافحتها بالمعرفة العلميّة الجديدة.

- الفرع الثاني  من القسم الثاني للنموذج الرابع:

نحاول تفنيد التصورات غير العلمية للتلميذ و تفكيكها و هذه "مقاربة القطيعة الإبستومولوجيّة" لباشلار. في هذه الحالة قد تعترضنا الصعوبة التالية: إذا جابهنا التلميذ بأخطائه فقد نصل إلى نتيجة معاكسة تتمثل في تعطّل تفكيره و فقدان توازنه الذهني أو إصابته غير المقصودة بالإحباط النفسي. مثلا: يتصور التلميذ أنّ القلب هو مصدر الحب. نفنّد هذا التصور غير العلمي لديه بالتذكير بعمليّات زرع القلب فإذا زرعنا قلب أحد ميت للتو  في جسم آخر حي فهل ينتقل شعور الميّت للحي؟ قد يجد التلميذ نفسه مجبرا على القطيعة التامة مع معارفه السابقة مما قد يسبب له حرجا و فشلا و عائقا في مستقبله الدراسي.

- الفرع الثالث من القسم الثاني للنموذج الرابع:

يجمع الفرع الثالث بين الفرعين الاثنين السابقين و يتمثّل في الاستفادة من التصورات غير العلمية للتلميذ و نفيها في نفس الوقت. مثلا: يتصور التلميذ أنّ النبتة الخضراء تتغذّى من التربة فقط. نفنّد تصوره هذا الذي يتأرجح بين العلمي و غير العلمي بالتذكير بالنباتات التي تعيش خارج التربة تماما  في الماء أو في الهواء مجهريه كانت أو مرئيّة و النباتات الطفيليّة التي تعيش على كاهل نباتات أخرى دون تربة. نتساءل و نقول: لماذا ننفي دائما تصور التلميذ ؟ فتصوره قد يحتوي على جزء من الجواب الصحيح فالنبتة تأخذ بعض غذائها المتمثّل في الأملاح المعدنيّة و الماء من التربة و تكمل أكثر غذائها من ثاني أكسيد الكربون المتوفّر في الهواء المحيط بها عن طريق وظيفة التركيب الضوئي. يتعلّم التلميذ في هذه الحالة بالاعتماد على تصوراته القديمة (تتغذّى النبتة من التربة) و في نفس الوقت ضدّ هذه التصورات (تتغذّى النبتة أيضا من الهواء). يتكوّن هذا النموذج الثنائي المتضاد من العمل مع/و ضد التصورات غير العلمية للتلميذ و يتضمن عدة متناقضات يجب المحافظة عليها و إذكائها عند اختفائها و هي التالية:

Ø     يتطلب التعلم مجهودا يتناقض مع اللذة, لكن قد يحتوي هذا المجهود على لذة تسمى لذة بناء المعرفة و هي محرك مهم للبحث عن الجديد.

Ø     يعارض المدرس التلميذ و يكشف له عدم علمية تصوراته لكن في نفس الوقت يساعده على تجاوزها و على بناء تصورات علمية بديلة كمن يهدي عكازين طبيين لمعوق عضوي قبل أن ينتزع منه عكازيه التقليديين.

Ø     يفقد المتعلم توازنه الذهني عندما يتلقى معارف تنفي معارفه الراسخة و المريحة لكن في نفس الوقت يستطيع هضم هذه المعارف الجديدة بمساعدة المدرس و الأقران فيستعيد توازنه الذهني و يبقى في حالة "توازن ولا توازن دائم"، وضعية غير مريحة لكنها محفزة و مفيدة.

نحن المدرسون، نعلم التلميذ كيف يجيب و لا نعلمه كيف يسأل. فهل طلبنا مرة من التلميذ أن يعد فرضا تأليفيّا على شكل تمرين في القسم قبل أن يجتاز الفرض التأليفي الرسمي؟ لقد حاولت في قسمي القيام بهذه التجربة الطريفة و المفيدة و اكتشفت من التلامذة أنماطا من الأسئلة لم تكن تخطر على بالي قبل هذا التمرين و استفاد التلاميذ من المراجعة و الاستعداد للامتحان و العمل الجماعي.

 قديما كان المتعلم يكتسب زادا معرفيا صالحا مدى الحياة مثلا: أستاذ علوم الحياة و الأرض يتخرج مجازا و يبقى كامل حياته المهنية يجتر هذا الزاد و لا يجدده لأنه لم يتعلم كيف يتعلم بنفسه و قس على هذا المثال الطبيب الذي يعالج حالات مرضية جديدة بعقلية طبية قديمة و المسؤول المتخرج في الستينات من القرن العشرين الذي يتعامل مع مرؤوسيه بعقلية البايات و المعلم القديم الذي لا يزال يربي الأجيال الجديدة بعصا مؤدب الكتّاب التقليدي.

أما اليوم فالعلوم البيولوجية تتجدد كليا  تقريبا كل سبع سنوات و علوم الإعلامية كل أربع سنوات. انتهت مدة صلوحيته زاد الأمس و لو أصررنا على مواصلة استعماله لأصِيب تلامذتنا بالتخلف الذهني. لذلك نرى أنه من واجبنا تعليم التلميذ طريقة "التعلم الذاتي" حتى يكون قادرا على تجديد زاده العلمي بنفسه كل ما جدّ جديد. لذلك قد ينطبق اليوم المثل الصيني الشهير تماما على طريقة "التعلم الذاتي": "لا تعطني سمكة بل علمني كيف أصطاد".

كل النماذج البيداغوجية و التعلمية  التي تعرضنا إليها في هذا المقال تبقى صالحة على شرط استعمال كل واحد منها في موضعه المناسب و وقته الملائم. مثلا: في مؤتمر علمي حيث يتقارب المستوى العلمي للمشاركين و المحاضرين، يذهب المشاركون مباشرة لنموذج المواجهة ( Discours frontal) و يدخلون في نقد و تفنيد المعارف المقدمة من طرف المحاضر دون مقدمات و مجاملات فارغة.
  
خلاصة القول:
 بعد نيل شهادة الدكتورا في تعلميّة البيولوجيا, أشعر و كأنني لست واثقا من معارفي تمام الوثوق و أشعر في نفس الوقت أنني متأكد من كل شيء و بما أنني في حالة تعلّم متواصل أشعر دائما بالتوازن و فقدان التوازن المعرفي و القيمي و هذا قدر الباحث.


إمضائي المتكرّر و المحيّن و المتطور و المتغيّر دائما حسب قراءاتي الجديدة و المتنوّعة في كل المجالات المعرفية الحديثة غربيا و عربيا. مواطن العالم د. محمد كشكار

ينبغي التوضيح بداية أن النقد يعني عندي الكشف عن الاستخدامات المتعددة و المتباينة للمفهوم في السياقات الاجتماعية و التاريخية المختلفة. مما يعني أيضا كسر صنمية المفهوم أو عدم تحويل المفهوم إلى صنم جامد، له دائما المعنى نفسه و الاستخدام نفسه و الوظيفة ذاتها (إضافة د. م. ك: كالمفاهيم القاموسية المتداولة غير الدقيقة مثل مفهوم اليسارية و العَلمانية و الديمقراطية و الإسلام و الاشتراكية و حقوق الإنسان و حرية التعبير و المساواة بين المرأة و الرجل و حرية المعتقد و غيرها. و هذا هو النقد الذي وجهته و لا زلت أوجهه لمفاهيم العلم و المعرفة و التعليم و التربية و التكوين و اليسارية و العَلمانية و  القومية و التراث الإسلامي و الإسلاميين و الستالينيين و القوميين و المنبتين ثقافيا و المنحازين للغرب دون غربلة أو نقد و حاولت من خلال هذا النقد الهدام و البنّاء في الوقت نفسه أن أبين الاستخدامات غير العلمية التي تعرضوا لها في السياق الغربي و العربي الحديث). برهان غليون.
أنا أعتبر نفسي سليل الفكر الإسلامي و القومي و الماركسي و الليبرالي و الإنساني معا (إضافة د. م. ك: أعيد الترتيب و أقول: أنا أعتبر نفسي سليل الفكر الماركسي و اليساري الليبرالي الإنساني النقدي و الإسلامي في العقد الأخير معا). فليس هناك تمثل من دون نقد. فأنا أعتبر نفسي ثمرة النقد المثلث للإرث الإنساني الليبرالي و الماركسي و القومي (إضافة د. م. ك: و الإسلامي منذ عام 2000) و لا أعتبر نفسي غريبا عنه في مكوناته المختلفة. و أنا سليل هذه المكونات الفكرية بمعنى أنني ثمرة لها و في الوقت نفسه ثمرة التأمل النقدي فيها. برهان غليون.

Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites. Sartre

جميع الأديان و النظريات الفكرية تتحول بعد فترة معينة من أنظمة منفتحة إلى أنظمة منغلقة و دغمائية. هاشم صالح
فأي دين يستخدم سياسيا بدون أي تأطير علمي أو نقدي يتحول بسرعة إلى إيديولوجيا ظلامية. محمد أركون.
العقل الفلسفي هو نقدي تساؤلي استفزازي بالضرورة. و بالتالي فيشكل السلاح الفعال ضد جميع الانغلاقات الدغمائية و الأيديولوجية. هاشم صالح.
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".
عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين
البديل يُصنع بيني و بينك، لا يُهدى و لا يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و واهم أو غير ديمقراطي من يتصور أنه يملك البديل جاهزا.

L’intellectuel est une création du XIXè siècle qui disparaîtra à la fin du XXè ou du XXXè parce qu’il est fait pour disparaître. L’homme qui pense pour les autres, cela n’a pas de sens. Tout homme qui est libre ne doit être commandé par personne que par lui-même. Jean-Paul Sartre
Faire avec les conceptions non scientifiques pour aller contre ces conceptions et construire en même temps des conceptions scientifiques. Citoyen du monde Dr Mohamed Kochkar

الحوار (غضافة بين قوسين لـ م. ع. د. م. ك: الحوار بين اليساريين التونسيين و الإسلاميين التونسيين) لا يمكن أن يتم بالعقليات التقليدية، لا بد له من عقلانية مركبة ذات رؤية منفتحة لا مغلقة وصيغة مرنة لا جامدة وبنية مركبة لا بسيطة ومنهج تعددي لا أحادي ونظام متحرك لا ثابت، خصوصاً ونحن نلج في عصر تبدو فيه المعطيات في حركة متواصلة وسيلان دائم. علي حرب.
في النهاية أنا مواطن فقير بسيط عادي و أقرب المثقفين اليساريين ماديا إلى طبقة البروليتاريا، مواطن  منعزل و معزول قصدا من اليسار و اليمين بسبب نقدي للاثنين معا. لا أنتمي لأي حزب و لا أومن بأية إيديولوجية يسارية كانت أو يمينية لكن أومن بالمُثل العليا سماوية المصدر أو إنسانية الإبداع.
لا حول لي و لا قوة إلا بالله و الشعب و الفكر و الثقافة الإنسانية و العلم و التكنولوجيا و المعرفة و نقد المعرفة و ليس لي أي وزن أو تأثير مباشر على الأحداث و أمارس النقد الفكري و السياسي و الاجتماعي و العلمي و الثقافي كهواية أدبية دون اختصاص في هذا المجال الواسع و لا أملك بدائل جاهزة لِما أنقد لأن النقد مؤسسة قائمة بذاتها و غنية بما تقدّمه للمبدعين و الناس العاديين، كل في مجاله، و أرى أن البديل ينبثق انبثاقا من صنع و تفاعل أصحاب المشكلة فيما بينهم و أهل مكة أدرى بشعابها.
يبدو لي أن المثقف العربي توغّل في نقد الإنتاج الثقافي العربي و نسي نقد آلة الإنتاج نفسها المتمثلة في المثقف العربي نفسه.
محمد كشكار, أستاذ تعليم ثانوي أول فوق الرتية في علوم الحياة و الأرض منذ 37 سنة و دكتور في تعلّميّة البيولوجيا متخرج سنة 2007 تحت إشراف مشترك من جامعة تونس وجامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا.
         أعرّف نفسي كديمقراطي مُعجب بالنمط الأسكندنافي لكن متماهي مع مجتمعي التونسي الإسلامي العربي الأممي (تونس تبربرت و ترومنت و تقرطجت و تأسلمت و تعرّبت و تعولمت فتتونست و الهوية التونسية هي انبثاق من تفاعل كل هذه الحضارات جميعا)، و هذا تعريف لوحده مُبِين، أتبناه حيطة و حذرا علميا، لا هروبا و تقية من التعريفات السائدة كاليسارية و العَلمانية و الحداثة، هذه المفاهيم الثلاثة الأخيرة التي شُوهت عن قصد سياسي و غير علمي من قبل أعدائها و غير المطلعين على تراثها العالمي الرحب و الغني، هم اليمينيون المثقفون و غير المثقفين الذين حمّلوها ما لا تتحمل و نسبوا لها جهلا و ظلما و بهتانا مفاهيم غريبة عنها كالميوعة و "قلة الرجولية" و  الكفر و الإنبتات و الخيانة الوطنية. لكن في المقابل - و للأسف الشديد - لم يطورها محتكروها الشيوعيون و القوميون و الاشتراكيون و لم يخلّصوها من بعض المفاهيم الشوائب التي لصقت بها منذ ثلاثة قرون تقريبا  و لم يسلّطوا نقدهم الذاتي العلني على بعض مفاهيمها المتكلّسة كشيطنة الإسلام السياسي (أفهمه فقط كرد فعل شرعي للدفاع عن النفس ضد تهديدات المتطرفين منهم، الداعون لقتلهم و نفيهم و صلبهم و تقطيع أيديهم و أرجلهم من خلاف، لا لشيء سوى معارضتهم لهم سياسيا و سلميا بالمظاهرات و الاعتصامات التي لا تعطل مرفقا عاما) و دكتاتورية البروليتاريا  و الحزب الطلائعي الأوحد  و عبادة و تقديس الشخصيات التاريخية السياسية مثل الحكام الدكتاتوريين كلينين و ستالين و ماو و كاسترو و عبد الناصر و صدام و الأسد مع احتفاظي باحترامي التام للتابعين لهؤلاء من الرفاق المعاصرين المناضلين التونسيين النقابيين القاعديين اليساريين الصادقين النزهاء الذين تربيت وسطهم و ناضلت معهم و أعترف و أشهد لهم بالوطنية و الشجاعة أيام معارضتهم لبورقيبة و بن علي و الحكومة الحالية.
أنهي إمضائي بمقولتين توفيقيتين جميلتين من مصدرين ظاهريا مختلفين بل متناقضين لكنهما ينتميان إلى التراث الإنساني العالمي المتسامح و لا يستطيع أن ينكرهما أي من الخصمين الفكريين، اليساريون و الإسلاميون: حديث للرسول صلى الله عليه و سلم: "لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" و مقولة ماركسية، نهاية في نكران الذات: "مِن كل حسب جهده و لكل حسب حاجته" و السلام على اليسار و اليمين المطبوعين تونسيين رغم أنفيهما.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire