mercredi 2 avril 2014

شَبِعَت البطنُ و لم تَسْتحِ العينُ: مقال تقييمي نقدي للندوة الوطنية حول "منظومة التربية و التعليم و التكوين". مواطن العالم د. محمد كشكار

شَبِعَت البطنُ و لم تَسْتحِ العينُ: مقال تقييمي نقدي للندوة الوطنية حول "منظومة التربية و التعليم و التكوين". مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 6 نوفمبر 2010.

ملاحظة هامة:
بعد مرور ثلاث سنوات تقريبا على نشر هذا التدخل ، يبدو لي أن محتواه لا يزال معاصرا إلى حد اليوم  الأربعاء 2 أفريل 2014)، لأن شيئا لم يتغير في منظومة التربية و التعليم و التكوين في تونس ثلاث سنوات بعد الثورة.

شاركت أخيرا في الندوة الوطنية حول "منظومة التربية و التعليم و التكوين" المنعقدة بالحمامات الجنوبية بنزل خمس نجوم "سفير بلاس" من 1 إلى 3 نوفمبر 2010.

لماذا اختاروني أنا بالذات من بين نقابيّ بنعروس؟ لست مسؤولا نقابيا لا محليا و لا جهويا و لا وطنيا، أنا نقابي قاعدي. قال أحد المعارضين النقابيين القاعديّين: اختاروك ليسكتوك و يتجنّبوا مقالاتك الافتراضية النقدية للبيروقراطية النقابية. تهمة أنفيها و شرف لا أدّعيه. لم يخترني المكتب التنفيذي، اختارني الكاتب العام للنقابة الجهوية للتعليم الثانوي ببنعروس لتخصّصي الأكاديمي في علوم التربية بعد استشارة سريعة بسبب ضيق الوقت و قد بلغه تاريخ الندوة قبل انعقادها بثلاثة أيام. لا أظن أن أحدا قد يعترض على هذا الاختيار لما أتمتع و أتشرّف به من احترام و تقدير متبادل مع كل النقابين مسؤولين و قاعديّين في جهة بنعروس مع اختلاف مشاربهم السياسية.

إثر المحاضرة التي ألقاها الدكتور محجوب عزام، أستاذ جامعي في الاقتصاد و خبير دولي لدى المنظمات العالمية، بعنوان "منظومة التعليم و التكوين: أهم التحديات" و بعد تناول الكلمة في النقاش من قبل عشرين متدخلا، شاركت في الندوة بتدخل صغير دام دقيقتين و هو الآتي مع تحوير بسيط.

أضيف إلى ما قاله الدكتور المحاضر ملخّصا بسرعة مشاكل التعليم في تونس:
أقدم نفسي: محمد كشكار، دكتور في تعلّمية البيولوجيا و أستاذ علوم الحياة و الأرض في معهد برج السدرية، باشرت التعليم الثانوي منذ 36 سنة.
أتكلّم من منطلق اختصاصي في علوم التربية فرع "التعلّمية" و هي الأخت غير المعترف بها للبيداغوجيا، غير معترف بها لأنها تبدأ أولا بنقد أختها الكبرى البيداغوجيا و تنقد أيضا كل من له صلة بعملية التعلّم مثل: المدرسّين و التلاميذ و المعرفة و المتفقّدين و واضعي البرامج و الكتب المدرسية و طرق التدريس، و لذلك هي مكروهة و منبوذة من الجميع و لا تُدرّس إلا في بعض الكليات التونسية.
أبدأ بالسرد السريع لمشاكل التعليم في تونس رغم ما قد يشوب وجهة نظري من انعدام التواصل تحت ضغط الوقت المخصص لمداخلتي، لذلك فمن أراد الاطلاع على مقالاتي في موضوع التعليم، أحيله بكل رفق و مودّة على النات في مدونتي التي تحمل العنوان الرقمي التالي: mkochkar.unblog.fr

1.     التعليم في تونس، هرم مقلوب:
تخصّص الدولة التونسية ميزانية أكبر للتعليم العالي مقارنة بالثانوي و الأساسي، فمصيرنا إذن كمصير من يبني و يعلّي على قاعدة هشة. تبلغ ميزانية مدرسة ابتدائية مائة دينار في السنة، تصل ميزانية معهد إلى خمسين ألف دينار و للأسف، لا أعرف ميزانية أيّة كلية مع اعتبار الفارق في المصاريف و التجهيزات بين الكليات العلمية و الإنسانية. تشتكي كل مرحلة من مراحل التعليم من ضعف ميزانيتها لذلك إذا طالب المعلم بالترفيع في ميزانية مدرسته فهذا لا يعني أن يَحرُمَ أستاذ الثانوي و أستاذ الجامعة من نفس الحق الشرعي.

و قد كرّست الندوة هذا الانحياز المبالغ فيه و غير المبرّر للأساتذة الجامعيين في المنظومة التربوية وفي مخيلة الرأي العام، عندما اختار مُنظموها ستة محاضرين من الجامعة على الثلاثة أيام للندوة. رغم أهمية ما طرحه أساتذتنا الجامعيون و خاصة محاضرة الدكتور حسين الديماسي حول "التعليم و التمويل" و التي سأفرد لها مقالا مستقلا فقد أهمل المنظمون تماما وجهة نظر الأساتذة و المعلمين و لم تُبرمج محاضرا واحدا من الصنفين الأخيرين مع العلم أن أهل مكة أدرى بشعابها و لا تنقص الابتدائي و الثانوي الكفاءات العالية في البحث الميداني المستند للنظريات العلمية الحديثة.

2.     يعتمد التعليم التونسي من الأساسي إلى الجامعي على التعليم النظري أكثر من التطبيقي و على التعليم العام الطويل أكثر من المهني القصير:
في ألمانيا، يُوجه 70 بالمائة من تلاميذ الأساسي إلى المعاهد المهنية المتخصصة و من ثم إلى كليات الهندسة و نحن ألغينا المهني من إعدادياتنا و معاهدنا بعد ما حقّرنا من جدواه عند الرأي العام.

3.     الطريقة البيداغوجية السائدة و البائدة:
يسود في مدارسنا نموذج  بيداغوجي تلقيني واحد، هو نموذج المدرسة السلوكية حيث يتعامل المدرّس مع التلميذ كما يتعامل علم النفس التجريبي مع فأر المخبر ، تنبيه ثم رد فعل، سؤال و جواب في الامتحان، دون الأخذ بعين الاعتبار ما يدور داخل مخ التلميذ أو الطالب من عملية الإدراك: لا تعطني سمكة بل علّمني كيف أصطاد.

4.     النجاح الآلي خرّب المستوى العلمي للتعليم التونسي:
تخلّت الدولة عن الغربالين المهمين الاثنين، السيزيام و النوفيام و هي الآن في طريق توسيع ثقب الغربال المتبقي و هو الباكلوريا و فرّطت في الشروط العلمية للارتقاء من مستوى إلى آخر فأصبح التلامذة  ينجحون دون بذل الجهد الأدنى من التحصيل العلمي.

5.     أسباب العنف المدرسي ليست أخلاقية بل ناتجة عن تفاعل عوائق تعلّمية مع عوامل أخرى:
يرتقي التلميذ و هو ليس أهلا لذلك فيجد نفسه في مستوى أعلى من مستواه الذهني الحقيقي. يؤدي هذا الوضع غير المتوازن بين المعرفة و التلميذ إلى تبرّم المدرس و تتعطل قدرة الاستيعاب لدى التلميذ. يفقد هذا الأخير الثقة بالنفس و يحاول فرض وجوده أمام زملائه بكفاءاته غير العلمية مثل العنف و تعطيل سير الدرس.

6.     النظام التأديبي الحالي نظام جزائي و ليس تربويا:
تتهرب الدولة من الإصلاحات و الحلول العلمية الجذرية لارتفاع تكلفتها و تلجأ لنظام العقوبات مثل عقوبة الغش القاسية و لا تنظر إلى الأسباب العلمية العميقة التي تكمن وراء عملية الغش مثل المضمون القديم للبرامج و اكتظاظ القسم و طريقة التقييم  المُحبطة للتلميذ  و طريقة التدريس الوحيدة التلقينية العقيمة و النقص في تكوين المدرس في عديد المجالات ذات الصلة بالتعليم.

7.      نقص فادح في التكوين العلمي للمكوَّنين و المكوِّنين:
يقيّم المدرّس تلاميذه و هو لم يدرُس أكاديميا علم التقييم. يربّي المدرّس و هو لم يدرُس أكاديميا علوم التربية. يتعامل المدرّس مع الأطفال و هو لم يدرُس أكاديميا علم نفس الطفل. يتواصل المدرّس مع الأطفال و هو لم يدرُس أكاديميا علم التواصل. يدرّس أستاذ العلوم العلمَ و هو لم يدرُس أكاديميا تاريخ  العلم  و لا فلسفته. يرشَدُ و يُوجَّه أستاذ الثانوي من قبل متفقد لا يملك أية شهادة أكاديمية في علوم التربية (أستثني المتفقدين المتخرجين من معهد قرطاج الجديد) و لا يفوق الأستاذ في التكوين العلمي في الاختصاص.

أنهي تدخلي بنقطة خلافية مع الدكتور محجوب عزام حول تقييم التعليم ما قبل المدرسي. قال الدكتور: من حسن حظ أولاد روسيا البيضاء أن نسبة التحاق أبنائهم بالروضات بلغت مائة بالمائة. أقول ساخرا: من حسن حظ أولاد تونس الخضراء أن نسبة التحاق أبنائهم بالروضات لم تبلغ عشرين بالمائة  لأن روضاتنا:
-          ينقصها الإطار المنشط المتكوِّن في البيداغوجيا و علم نفس الطفل و علم التواصل.
-         يقوم المنشطون أو المنشطات بتدريس برنامج السنة أولى لتلامذة التحضيري و هذا مناف لأبسط قواعد البيداغوجيا و ممنوع من وزارة التربية.
-         لا يتوفر فيها فضاء واسعا و مجهزا حسب المواصفات البيداغوجية و الصحية  لاستقبال الأطفال و الغذاء داخلها غير مُراقَب.

ملاحظة 1
"الكاتب مهووس بأهمية ما يكتب و ما يقول": لم يعلّق المحاضر على نقطة الخلاف التي أثرتها في آخر مداخلتي و لم يعرّج على الأفكار، التي طرحها الأربعة متدخلون الذين تكلموا بعدي. اثنان فقط من مجموع 130 مشارك في الندوة، مربي و مربية لا يعرفاني مسبقا، شكراني عند الخروج على تدخلي و قالا لي بالحرف الواحد: تدخلك يا أستاذ هو أفضل نقد ذاتي للتعليم سمعناه في الحصة الصباحية الأولى في الندوة.

ملاحظة 2
حضر الندوة ثمانية أعضاء من المكتب التنفيذي الوطني بما فيهم الأمين العام. يرى البعض أن هذا الحضور المكثف دليل على اهتمام المكتب التنفيذي بالمنظومة التربوية. و لو كان ذلك كذلك - و هو ليس كذلك - فأنا أتمنى أن لا يتعامل المكتب التنفيذي مع هذا الملف كما تعامل مع ملف التأمين على المرض. خوفي ليس اعتباطيا بل مبني على الأدلة الآتية:
-         الاستدعاء و الإعلام المتأخر الذي وصل المشاركين في الندوة يدل على أن مشاركتهم مبرمجة لذر الرماد في العيون.
-         ندوة بيومين و نصف لا يمكن أن تكون تاريخية و لا يمكن أن تبني بديلا لتصورات الوزارات المعنية بالتعليم كما وصفها الأمين العام في كلمته الافتتاحية الحماسية.
-         لو كان أعضاء المكتب التنفيذي الوطني جادّين في طرحهم هذا لوقع إعلام مبكّر للنقابات الجهوية للتعليم الثانوي و الأساسي و العالي حتى تعقد بدورها ندوات استشارية على مستوى النقابات الأساسية و الجهوية (وعد الأمين العام المساعد، و وعد الحرّ دين، أن هذا التمشي من القاعدة إلى القمة سوف يقع بعد هذه الندوة، و هي ليست نهاية بل بداية لمسيرة نضالية للدفاع عن مكتسبات مجانية و نجاعة التعليم التونسي الذي كان، قبل الثمانينات، يتمتع بسمعة علمية طيبة بين دول العالم الثالث و العالم العربي خاصة، أتمنى ذلك). سوف ينبثق عن هذه الندوات القاعدية مشروعا بديلا  يقدَّم و يناقَش خلال مثل هذه الندوات الوطنية عوض احتكار المحاضرات من قبل أساتذة التعليم العالي الذين ركز أكثرهم على المشاكل التربوية في الجامعة و كأن الثانوي و الابتدائي لا يوجد فيه أصحاب شهائد جامعية و منظّرون ميدانيون في علوم التربية. المعلم هو أقدر الناس على تقييم تجربته في التعليم الأساسي و أستاذ الثانوي أقدر الناس على تقييم تجربته في التعليم الإعدادي و الثانوي.

أنهي مقالي ببيت مشهور لأحمد شوقي:
قم للمعلم وفه التبجيلا......كاد المعلّم أن يكون رسولا.
بغض النظر عن المعنى العام لكلمة معلم، معلم يعني مدرّس، لم يقل الشاعرحرفيا: قم لأستاذ الثانوي أو أستاذ الجامعة. المعلم هم المكوّن الأول و الأساسي لكل المكوِّنين في المهن التربوية من أساتذة الثانوي و أساتذة الجامعة و   المديرين و العُمداء و القيّمين و المرشدين التربويّين و المتفقدين. سمّيَ التعليم الأساسي أساسيا لأنه أساس البنيان و باني نهضة الشعوب و من كان أساسه هشا فلن يبني أهرامات.

ملاحظة 3
كان الإعداد للندوة و تنظيمها ممتازا على المستوى الشكلي إلى درجة أن موظف الاستقبال في النزل ذي الخمس أو عشر نجوم، عندما سلّمني بعد التسجيل البطاقة المغناطيسية الصالحة لفتح الباب و الإنارة في النزل الفاخرة، قلت له كالقَرَوي في العاصمة: أين مفتاح الغرفة؟
في الآخر قد يردّد القارئ بعد قراءة المقال حكمة عمرو بن معدي كرب الزبيدي:
لقد أسمعت لو ناديت حيّا.............و لكن لا حياة لمن تنادي.

إمضاء م. ع. د. م. ك.
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.







Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire