vendredi 11 avril 2014

يبدو أنّ مهنة الأستاذ المباشر في القسم تسير في طريق الانقراض ! مواطن العالَم د. محمد كشكار

يبدو أنّ مهنة الأستاذ المباشر في القسم تسير في طريق الانقراض ! مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 5 ماي 2009.

يبدو أنّ الأستاذ المباشر (الأستاذ الذي يحضر في قاعة القسم و يباشر التدريس لتلاميذ حاضرين معه) ينفذ سياسة تربويّة لم يشارك في إعدادها ويبدو أيضا أنّه يتعرّض يوميّا لمشاكل عديدة منها على سبيل الذكر لا الحصر : طول البرنامج و ضيق الوقت المخصّص لإنجازه و اكتظاظ القسم بالتلاميذ و عدم انضباطهم و نقص وسائل الإيضاح التعلمية. لذلك ما زال هذا الأستاذ يستعمل السبّورة العاديّة و يكتب بالطباشير و مازال يمتثل لتوجيهات متفقّد مجاز مثله و لا يتميّز عليه بأيّ شهادة جامعيّة في المجالات الأخرى مثل علوم التربية و الإبستمولوجيا و علم نفس الطفل و علم التقييم و آليات التواصل ( أستثني المتفقدين المتخرّجين الجدد). لذلك آليت على نفسي أن ألفت نظر زملائي و أنا أستاذ مباشر مثلهم منذ 37 سنة إلى بروز منافس خطير على السّاحة التربويّة يدعى الأستاذ غير المباشر (الأستاذ الذي يمارس التدريس عن بعد عن طريق الأنترنات أو عن طريق الرسائل الرقميّة).  يمتاز هذا الأخير عن الأوّل بأشياء أساسيّة في الحياة ما فتئ الأستاذ المباشر يناضل من أجل تحقيقهما: التكوين الأكاديمي في المجالات المشار إليها أعلاه و الحرّية في اتخاذ القرار و الأجر المشجّع على الخلق والدعم المادّي و توفير التجهيزات لتأدية رسالته وفق الطرق التربويّة العصريّة.

بعد هذا التمهيد القصير, سأحاول تقديم مقارنة بين الأستاذ المباشر و الأستاذ غير المباشر:

الأستاذ المباشر:
-         يحبّ و يكره و يكلّ و يملّ و يغضب و في بعض الأحيان يخرج عن موضوع الدرس حتّى يروّح عن نفسه و عن تلامذته.
-         يختصّ في مادّة معيّنة فقط و لا يلمّ في جل الأحيان بكل معارفها.
-         يقدّم للتلميذ بعض وسائل الإيضاح التعلمية القديمة.
-         يقوم بالتجارب عوضا عن التلميذ لنقص في التجهيزات.
-         ينفّذ سياسة تربويّة واحدة و يرتبط ببرنامج سنوي موحّد.
-         لم يدرس أكاديميّا علوم التربية و لا علم نفس الطفل و لا الابستومولوجيا و لا علم التقييم.
-         يعتمد في القسم على نفسه فقط.
-         لا يجد عادة الوقت لإنجاز التمارين التطبيقيّة.
-         يوفّر للتلميذ وضعيّة تعلّميّة مباشرة فيها تفاعل مع أقران قارّين و مفروضين عليه.
-         يدرّس في القسم بمرتّب زهيد.
-         لا يختار التلميذ أستاذه المباشر بل يفرض عليه.

الأستاذ غير المباشر أو الأستاذ الافتراضي في الأنترنات أو الجاهز في الأقراص:
-         يقدر على إعادة الدرس ألف مرّة إن شاء المتلقّي. يحترم و يشجّع و لا يكره و لا يغضب و لا يقصي من القسم.
-         يتقن كلّ الاختصاصات لأنه يوفر عدة أساتذة مختلفين في اختصاصاتهم يقومون بإعداد الدرس المعروض في الأنترنات.
-         يعرض صورا رائعة و متحرّكة ذات ثلاثة أبعاد.
-         يقوم التلميذ بنفسه بالتجارب الافتراضية.
-         يختار التلميذ برنامجا يتناغم مع قدراته و مستواه الذهني و نسقه الشخصي في الفهم.
-         يعدّ الأسئلة عن دراية و بدقّة مختص في التقييم.
-         يستطيع التلميذ أن يستشير عدّة أساتذة افتراضيين.
-         ينجز التلميذ كما يشاء و متى يشاء تمارين فرديّة و تفاعليّة.
-         يوفّر للتلميذ تفاعلا افتراضيّا مع أقران من اختياره يستطيع تغييرهم حسب الوضعيّة.
-         جاهز تحت الطلب في كل زمان و مكان دون مقابل.
-         يختار التلميذ أستاذه الإفتراضي حسب حاجته و ذوقه أيضا.

بعد هذا العرض السريع و غير الشامل لمزايا التعليم غير المباشر في الجدول المذكور أعلاه, أسوق لكم على سبيل الذكر لا الحصر أمثلة منه في تونس:
-         أوجدت وزارة التربية و التكوين مدرسة افتراضيّة في موقع على الأنترنات.
-         تقدّم جامعة تونس الافتراضية - التي كانت تسمى سابقا المعهد الأعلى للتربية و التكوين المستمر بباردو - "تعليما عن بعد" يفوق بكثير "التعليم المباشر" في الجامعات الأخرى. يمتاز هذا المعهد بانضباط طلبته من أساتذة ثانوي و معلّمين و ينفرد بقلّة عدد الحاضرين في الحصّة المباشرة مع الأستاذ المحاضر (يحضرها المئات من الطلبة في مدرّجات الجامعات الأخرى) ممّا يزيد التعلّم جودة و فائدة. يختار المعهد أفضل الأساتذة من الجامعات التونسيّة و الفرنسيّة. يختار الطالب فيه نسق تعلّمه بنفسه حسب قدراته و تفرّغه، مثلا ثلاث وحدات تعليمية كل ستة أشهر عوض خمسة. من شروط النجاح في هذا المعهد، التحصّل على معدّل عشرة في كل وحدة تعليمية (Unité de valeur)  يدرسها الطالب وليس على المعدّل العام ممّا يجبر المتلقّي على عدم إهمال أيّ مادة فيتخرّج ملمّا بجميع فروع اختصاصه. ينظّم المعهد إقامات مغلقة (séjours bloqués)  للقيام بالأشغال التطبيقيّة لصالح طلبة العلوم التجريبيّة. من سوء التخطيط لا يتمتّع هذا المعهد بميزانيّة محترمة و لا بدعاية كافية رغم الخدمات الجليلة التي يقدّمها للتعليم بجميع مراحله في تونس من بنقردان إلى بنزرت. ساعد هذا المعهد " الأساتذة - الطلبة " المنتسبين إليه على الإرتقاء المهني عن طريق التحصيل العلمي و ليس عن طريق الأقدميّة في الرتبة. كان، قبل 2000، أستاذ التعليم الثانوي أو التقني يرتقي مباشرة إلى رتبة أستاذ اوّل فور حصوله على ديبلوم الدّراسات المعمّقة (DEA ) و هذا الإجراء ساهم في تشجيع المدرّسين على اكتساب العلم و المعرفة. حوالي سنة ألفين, فرّطت في هذا المكسب نقابتنا العامة للثانوي الموقّرة السّابقة و اتّفقت مع وزارة التربية  على شرط قضاء سبع سنوات كاملة في الرتبة الواحدة قبل الإرتقاء إلى ما هو أعلى منها حتّى لو تحصّل الأستاذ القديم على شهادة الدكتورا. في الاتفاق الجديد, تمسّكت الوزارة، بموافقة النقابة، بالارتقاء المهني على أساس الأقدميّة في الرتبة مع تنفيل الشهادة العلميّةَُ (DEA ) بثلاث نقاط فقط و الدكتورا بخمسة عشر نقطة.
-         نظام "التعليم عن بعد" بدأ قبل اكتشاف الحاسوب و تطوّر بعد عصر الأنترنات فأصبح يضاهي تقريبا نظام التعليم المباشر. و أنا من خرّيجي النظامين, 15 عام تعليم مباشر و 11 عام تعليم مختلط مباشر و عن بعد.
-         يتابع مئات الملايين من طلبة المرحلة الثالثة,  في كل الاختصاصات و في كل البلدان من العالم المتطوّر إلى العالم الثالث,  تكوينهم عن طريق الأنترنات و لا يقابلون مؤطّريهم مباشرة إلاُ في مواعيد قليلة و رغم ذلك يبدعون كلّ في مجاله.

أتساءل في نهاية المقال:
 "هل اطمأنّ زملائي إلى أن وظيفتهم التربوية لن تنقرض أبدا ؟" لا بل  على العكس, سيخلّدون كمبرمجي الذكاء الصناعي  للحاسوب و كركن أساسي من أركان المعرفة مع الركنين المكمّلين و هما التلميذ و المعرفة  و ستتحسّن صورتهم عند التلميذ و يزيد عطاؤهم و يتخلّصون من مضارّ الطباشير و عبء الاكتظاظ و التنقّل و ملاحظات المدير و توجيهات المتفقّد و احتجاجات الأولياء.

خلاصة القول:
"التعليم الافتراضي" و "التعليم عن بعد" نوعان من التعليم غير المباشر يتمتّعان بخاصّيات متعدّدة منها الحضور السّريع  في كل مكان و زمان  و التأقلم مع القدرات الذهنيّة المختلفة لدى المتعلّمين، أي البيداغوجيا الفارقية (La pédagogie différenciée) لذلك انتشرا بسرعة في كل أنحاء العالم.

إمضاء مواطن العالَم د. م.  ك.
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي أو الرمزي.
"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".
عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.
البديل يُصنع بيني و بينك، لا يُهدى و لا يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و واهم أو ديكتاتور من يتصور أنه يملك البديل جاهزا.




Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire