Affichage des articles dont le libellé est نقد التعليم في العالم.. Afficher tous les articles
Affichage des articles dont le libellé est نقد التعليم في العالم.. Afficher tous les articles

lundi 19 octobre 2015

أشياءٌ لا تحدثُ إلا في تونس السبعينات ويَمَنِ الثمانينات! مواطن العالَم د. محمد كشكار

أشياءٌ لا تحدثُ إلا في تونس السبعينات ويَمَنِ الثمانينات! مواطن العالَم د. محمد كشكار

هبطتُ اليوم صباحا فرحا مسرورا من حمام الشط إلى وسط العاصمة مع أنني نادرا ما أفرح ونادرا ما أفارق الأحواز الجنوبية إلا "للشديد الآوي". نزلتُ لأقابل صديق دراسة لم أره منذ تخرجنا من جامعة مونفلوري (ENSET-ENPA,  transformée aujourd`hui en ENSIT) سنة 1974، أي  منذ  41 سنة. كنت نفسيا مرتاحا جدا وأنا في الطريق إليه، راحة لا تشبهها إلا راحة المواعيد الغرامية أيام الشباب. خِفت أن لا أتعرف عليه، هاتَفني وأنا في ميترو حمام الأنف صديق مشترك (أبو صديقي الجميل الطريف هذا كان مدير مدرسة في الخمسينات ومن سنة 1958 إلى سنة 2014 أي على امتداد أكثر من نصف قرن كان له كل عام ابن أو اثنين يزاول تعليمه في الابتدائي، في الجملة 16 بين بنت وولد من زوجتين متلاحقتين ولا زال يأمر وينهى مديرا في الدار بعد ما كان مديرا في المدرسة). قلت له: كيف سأعرفه؟ قال: "صَلُعَ الرجل وسَمِنَ". وصلتُ إلى مقهى باريس وكان لنا فيها جلسات ونقاشات وصَولات وجَولات، أجمل وأقدم وأرخص مقهى في شارع بورقيبة، تفرّستُ قليلا في الوجوه الجالسة على السطيحة الخارجية وقصدته متأكدا، احتضنته واحتضنني وكأننا أولاد عشرين، ضحكنا ومزحنا مزاح الشباب وكأننا لم نفترق يوما وتذكرنا مقهى تونس ومقهى ثلاثة نجوم والاستعراض الذي قام به بكل-كل شفافية ثلاثة أبالسة منّا فوق سطح قاعة الرياضة بمعهد باردو وإضراباتنا التي كنا نملؤها غناءً ونهج الولي الصالح الذي كنا نزوره بحثا عن الغذاء الروحي  عند دانيال، أستاذة الروحانيات. مرّ شريط شقاواتنا التلمذية بسرعة في ساعتين، شقاوات لا يمكن أن يتخيلها ولا يقدر على إيتائها أشقى أشقياء تلامذة اليوم ولذلك كنا من أكثر الأساتذة تسامحا مع تلاميذنا طيلة 38 عام من الكد والجد. لم نربح من التعليم إلا شرف المهنة وفقر الجيب.

روى لي صديقي وزميلي بعض الطرائف الغريبة التي عاينها في يمن الثمانينات عندما كان يعمل فيها كأستاذ متعاقد (في تونس كان يدرّس علوم الحياة والأرض باللغة الفرنسية):
- في نفس العام الدراسي اليمني كنت أدرّس باللغة العربية الفصحى الفيزياء خلال الثلاثية الأولى والكيمياء خلال الثلاثية الثانية وعلم الأحياء خلال الثلاثية الثالثة.
- قِسمي الواحد في الحصة الواحدة كان يضم 110 تلميذ، كلهم مسلحون بالخنجر التقليدي أو المسدس لكنهم كانوا طيبين إلى درجة أنهم كانوا يتقبلون التأديب بالعصا لكنهم يثورون وقد يردّون الفعل بالعنف إذا صفعهم الأستاذ على الوجه. من حسن حظ الأستاذ أن جل التلاميذ لا يرجعون إلى قاعة الدرس بعد أول فسحة راحة صباحية ليلتحقوا بأعمالهم الأصلية اليومية  كمعاوني بنّائين (مرمّة) أو سواق تاكسي. أحد تلامذتي في السنة الأولى ثانوي كان عمره 37 سنة أكبر من عمري.
- وأزف إلى قُرّائي الأعزاء أغرب حكاية حول التعليم سمعتها في حياتي: قال صديقي مسترسلا: تلميذ آخر من تلامذتي في السنة الأولى ثانوي كان بعد الدرس يشتغل رسميا مدير مدرسة ابتدائية عمومية في اليمن. والسبب أن كل المدرسين في اليمن أساتذة ومعلمين كانوا متعاونين قادمين من الدول العربية الشقيقة فاضطرّت الحكومة اليمنية مُكرَهة على حصر تعيين المديرين في أصحاب الجنسية اليمنية فقط،، وهذا يُعتبرُ نوعٌ من أنواعِ التكريس المشوّه لمبدأَيْ سيادة الدولة وهيبتها.

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط، الاثنين 19 أكتوبر 2015.

samedi 26 avril 2014

ما هي المعارف البيولوجية الضرورية لفهم عالم متحول؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

ما هي المعارف البيولوجية الضرورية لفهم عالم متحول؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 21 ماي 2010.

يعتبر هذا المقال ترجمة مختصرة مع إضافة متواضعة لمحاضرة ألقاها، صديق الملتقيات التعلمية، العالم الفرنسي في علوم التربية "أندري جيوردان" خلال مؤتمر الأيام الوطنية الثانية للجمعية التونسية لتعلّمية علوم الحياة و الأرض(أو فلسفة تعليم العلوم (La Didactique des Sciences) أو إبستمولوجيا التعليم كما كادت التعلمية أن تُسمّى و كما يحلو لي أنا تسميتها)، المنعقد  بالحمامات  من 28 إلى 31 مارس سنة 2007.
قَلَبَتْ البيولوجيا و تكنولوجيتها و ما زالتا تقلبان يوميا أوضاع واقعنا و مجتمعنا. هل نحن بصدد مراقبة  تأثيراتهما في المحيط و قيسهما ؟ ما مدى سيطرتنا عليهما؟
تبدو العلوم بما فيها البيولوجيا معقدة و مجردة و شكلية...جل التلامذة لا يفهمون منها شيئا !!! قال تلميذ و هو ينظر إلى صورة حيوان منوي: "هذه صورتي عندما كنت صغيرا". العلوم معقدة...أصبحت العلوم بما فيها البيولوجيا مملّة.
نلاحظ نقصا في التساؤل و الحيرة العلمية لدى التلاميذ خلال مدة الدراسة و هبوطا في عدد الطلبة المنتسبين للشعب العلمية.
من 1996 إلى 1999، نزل عدد الطلبة الفرنسيين المسجلين بكليات العلوم بنسبة 13 بالمائة و كانت شعبة الفيزياء المتضررة الكبرى (Nature vol. 401, 21/10/99).

في ألمانيا، تدنّى عدد طلبة السنة الأولى فيزياء إلى النصف بالمقارنة مع سنة 1991 و أصبح عدد المتخرجين لا يستجيب لاحتياجات الصناعة و البحث العلمي (Nature vol. 394 6/08/98).
في اليابان، رغم أن عدد الباحثين الشبان في الاختصاصات العلمية هبط من 11 في المائة سنة 1977 إلى 4 في المائة سنة 1995 فإنهم يواجهون اليوم صعوبات كبيرة في الانتداب (Nature vol. 391 1/01/98).

العلوم، هي شيء معقد...العلوم تزعج. تبدو ساعات درس العلوم منفّرة و متجهّمة و كريهة و غير سائغة...نفس الأخطاء تستمر من الروضة إلى الجامعة. لا نعرف موضعنا في هذا العالم. عالم العلوم هو عالم الاصطلاحات و الاعتباطي. الصرامة العلمية صرامة خانقة و غير إنسانية. لا تهتم العلوم إلا قليلا بالحياة اليومية و مسائل البيئة و المجتمع و علم الأخلاق (Éthique ).
لفظت المدرسة العديد من التلامذة الأذكياء بسبب العلوم. العلوم تخدم سياسة الانتقاء
لكن...ماذا نتعلّم؟ و لماذا؟
نتعلم علوم الحياة و الأرض  و العلوم المرجعية و تاريخ الطبيعة و علم النباتات و علم الحيوانات و علوم الحياة و علم كيمياء الأحياء و علم الوراثة و علم "ما بعد الوراثي المخي" (Épigenèse cérébrale ) الذي يقول أن الذكاء تصنعه مليون مليار وصلة عصبية بين الخلايا المخية في تفاعل مستمر بين الوراثي و المكتسب اليومي
يقول صاحب السيارة: "أخيرا نقص ثمن البنزين"، يعلّق المترجل: "و ارتفع ثمن علاج سرطان الرئتين".

نتعلم حتى نحافظ على البيئة من تبذير المياه و مبيدات الأعشاب و مبيدات الحشرات و المعادن الثقيلة و الملوثات العضوية الدائمة و الفضلات المنزلية و  الأجسام المعدلة وراثيا و النفايات النووية و الاحتباس الحراري و ثقب الأوزون و السيدا [ ليس لها علاج شاف و لا تلقيح حتى الآن ] و الأمينت أو الورق الحراري و الدم الملوث [منذ 10 سنوات تقريبا، أصاب دم ملوث بفيروس السيدا العديد من الكهول و خاصة الأطفال بالعدوى في منشئه بفرنسا و في بعض الدول التي استوردته كالعراق و تونس] و انفلونزا الطيور و الخنازير [ التي أصابت الملايين من المواطنين بالهلع الفارغ و أصابت بعض الدول بالعجز المالي من جرّاء شراء التلاقيح المضادة] و الأمراض الناتجة عن العدوى داخل المستشفيات و التلوث الجوي و البحري و البري و الصوتي

نتعلم البيولوجيا حتى نشارك في حل مشاكل البشر   بالطرق الطبية الحديثة التالية
العلاج الجيني (Thérapie génique):
العلاج الجيني هو إستراتيجية علاجية ترتكز على إدخال جينات في خلايا أنسجة الفرد لعلاج المرض. يهدف العلاج الجيني إلى استبدال أو تكملة لجينة أو مورثة متحولة معيبة بجينة سليمة وظيفية أو الإفراط في إنتاج بروتين قد يكون لنشاطه تأثير علاجي على الجسم



.
الاستنساخ العلاجي (Clonage thérapeutique ):
يمكن أن يؤدي  الاستنساخ البشري العلاجي إلى إنتاج أعضاء أو خلايا و يحتوي على التحدي الأساسي المتمثل في تعزيز زرع أعضاء لتحل محل أعضاء أو خلايا مدمرة أو متضررة  مع ضمان توافقها الجيني مع المريض. وبالتالي قد يكون للاستنساخ العلاجي فائدة مزدوجة لمعالجة الأزمة الناتجة عن النقص في الأعضاء الممنوحة و تجنيب المريض المستفيد مشقة أخذ العلاج مدى الحياة ضد الرفض من قبل الجسم للعضو المزروع

الإنجاب بمساعدة طبية (Procréation médicalement assistée):
تمثل التكنولوجيا الإنجابية مجموعة من الممارسات الطبية والبيولوجية حيث تسمح بشكل شبه مباشر  للأزواج العقم من إنجاب أطفال. على الرغم من الارتباك الشائع ، لا ينحصر الإنجاب بمساعدة طبية  في الإخصاب في الأنابيب أو التخصيب في المختبر ونقل الأجنة فقط و هي ليست سوى طريقة من بين طرق أخرى (تسمى هذه التقنية البيولوجية عادة بأطفال الأنابيب و هي تسمية قد تجر التلميذ إلى الخطأ فيذهب في ظنه أن الجنين يكبر و يتكون داخل أنبوب و الواقع أن تلقيح البويضة بواسطة الحيوان المنوي هو فقط الذي يتم داخل أنبوب في المختبر ثم ينقل "الجنين- المضغة" إلى رحم أمه حيث يكمل التسعة أشهر مثل أي جنين عادي

نحاول الآن إدماج تطلعات جديدة في التعليم مثل التربية البيئية و التنمية المستديمة أو المستدامة و التربية الصحية و الجنسية
نبحث في الميدان و نحتك بالمحترفين ليس فقط في المعارف المدرسية النظامية (  Savoirs disciplinaires) بل في المعارف الأفقية (Savoirs transversaux) و المواقف (Attitudes) و التمشيات (Démarches) و كيف أكون (Savoir-être) و ما هي مواقفي؟ أحاول اكتساب الحيرة العلمية و الثقة بالنفس و الحس النقدي و الرغبة في البحث و الفهم و التواصل و الانفتاح على المحيط و الخيال الإبداعي. ما هي مهاراتي؟ (Savoir-faire) و تمشياتي مثل المنهجية التجريبية (Méthode expérimentale) و المقاربة الشاملة (Approche systémique) و تملّك المعلومة (Maîtrise de l’information ) و توضيح "الوضعية-المشكل" (Clarification de la situation-problème)  و النمذجة و التطبيق الافتراضي (Modélisation et simulation)   و المحاججة (Argumentation)  
 و توظيف المعرفة في المكان و التوقيت المناسب (Mobilisation du savoir  ) و المشاهدة و الملاحظة (Observation) و طرح الفرضيات (Hypothèse) و التجريب (Expérience) و التفكير (Raisonnement ) و التأويل (Interprétation ) ثم نستنتج (Conclusion).

محطات منفصلة في البحث العلمي، لا تربطها إلا علاقات خطية متكلّسة، فاتها البحث العلمي و عوّضها بشبكة معقدة من العلاقات بين الفرضية و التجربة و الإشكالية و الاستنتاج. يراوح الباحث و يجسّر [ يبني جسورا ] بين الأربع محطات المذكورة أعلاه دون ترتيب و دون تمييز و دون تزمين.

علينا أخيرا ربط الاستهلاك بالمواطنة من خلال مقاربات محسوسة و ذات معنى لا أن نضيع جهدا و نلوث محيطات من أجل صنع دراجة بسيطة مثلا: تصنع قطع غيارها في 30 بلد مختلف، منها على سبيل الذكر لا الحصر، إيطاليا، البرتغال، بلجيكا، تايلندا، اليابان، ايرلندا، الصين، تايوان، ألخ... و تجمّع في سلوفاكيا. تنقل قطع غيارها من أقصى العالم إلى أدناه عبر الزوارق في الأنهار و فوق الشاحنات في السهول و الجبال و الطائرات و داخل البواخر في البحار و المحيطات.

خلاصة الموضوع:
نحاول إخضاع تدريس البيولوجيا و تكنولوجيتها إلى وقفة تأمل في الأهداف و الغايات و نضيف في البرنامج تدريس علم الأخلاق و الإبستومولوجيا و علم الاجتماع و تاريخ العلوم  و "إدراك عملية الإدراك" (La Métacognition)  حتى نفهم التعقّد أو التعقيد (La complexité) و الصُّدْفَوِي أو الصدفة (L’aléatoire)  و غير المحقق أو المشتبه فيه (L’incertain) في العلوم. لكن يبدو أن تغيير السلوك مهمة صعبة.

ملاحظة: العالم الفرنسي "أندري جيوردان" خَلَفَ العالم السويسري المشهور البيولوجي و الابستومولوجي "جان بياجي" و أسس مخبر تعلّمية و ابستومولوجيا العلوم بجنيف (Laboratoire de didactique et épistémologie des sciences (LDES) منذ وفاة الأخير في 1980.

إمضائي المختصر
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسان المجتمع، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه من أجل بناء أفراده الذاتي لتصورات علمية مكان تصوراتهم غير العلمية و على كل سلوك غير حضاري نرد بسلوك حضاري و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي.
"و إذا فهمت نفسك فكأنك فهمت الناس جميعا". هاشم صالح.
"الفلسفة هي القبض على الواقع من خلال الفكر". هيغل.
"الذهن غير المتقلّب غير حر".ّ
قال الرسول محمد، صلى الله عليه و سلم: "مَن قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدَهُما" (يعني: إن اتهمته ظلما فقد تتحمل أنت عقاب الكفر.
قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا، عليكم أنفسكم لا يضرّكم مَن ظلّ إذا اهتديتم إلى الله.
الشك طريق إلى مزيد من الشك (في العلم بالطبع و ليس في الدين، فالدين بطبيعته لا يتحمل الشك و هو يقين من أوله إلى آخره). مواطن العالم د. م. ك.






samedi 12 avril 2014

الإشكاليات العامة في التعليم ؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

الإشكاليات العامة في التعليم ؟ مواطن العالم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النات: حمام الشط في 16 ماي 2010.

يعتبر هذا المقال ترجمة مختصرة مع إضافة متواضعة لمحاضرة ألقاها صديقي في المنتديات التعلمية، العالم الفرنسي في علوم التربية "أندري جيوردان" خلال مؤتمر الأيام الوطنية الثالثة للجمعية التونسية لتعلّمية علوم الحياة و الأرض [ فلسفة تعليم العلومLa Didactique des Sciences ]  المنعقد  بسوسة من 22 إلى 23 نوفمبر سنة 2007.

نبدأ بطرح الأوهام الثلاثة المقترحة لحل إشكاليات التعليم:
يتمثل الوهم الأول في الاعتقاد أن الحل يكمن في الرجوع إلى الماضي و يتوهم الدعاة إلى هذا الحل، و هم عادة من المتقدمين أو المتوسطين في السن، أن تعليمهم القديم أفضل و أجدى من التعليم الحالي و أن جيلهم أذكى من هذا الجيل. يعتقد أصحاب الوهم الثاني أن وسائل التكنولوجيا الحديثة ستجيب على كل الإشكاليات المطروحة و أن الحاسوب سيأخذ مكان المدرس. أما دعاة الوهم الثالث فيقولون أنه يكفي أن تقوم بالدرس حتى يتعلّم التلاميذ و لا فائدة من التفلسف في الموضوع.

لنعرض بعجالة إشكاليات التعليم:
لماذا نقصت الرغبة في التعلم عند تلامذتنا؟ لماذا لا نأخذ في الاعتبار بما فيه الكفاية أسئلة التلاميذ و تصوراتهم العلمية و غير العلمية؟ لماذا يتعرّض بعض صغارنا إلى صعوبات في التعلم؟ ما هي الطرق البيداغوجية المجدية؟ كيف نعلّم؟ أين؟ متى؟ مع من؟ بأي تواتر؟ من خلال أي استراتيجيات؟ ...لكن ما معنى "تعلّم"؟ يبدو بسيطا... يكفي أن نستمع و نحفظ و نعيد. لا، قد يكون معقدا. لا، بسيطا، يكفي أن تكون مغرما و تباشر و تعمل داخل فريق. لا، قد يكون معقدا.

أ‌.             نذكّر ببعض النماذج التعلّمية المستعملة:

1.    التعلّم التقليدي عن طريق التلقين:
يتمثل هذا النموذج في نقل خطّي و مباشر للمعلومات من باثّ إلى متلق. يتصرف المتعلم كآلة يقبل و يسجل في مخه. مخ دائم الاستعداد مثل الصفحة البيضاء أو الإناء الفارغ و المعلم يخطّ في الصفحة  ما يشاء و يملأ الإناء بما يريد

2.    التعلّم عن طريق العقوبة و الجزاء:
برز هذا النموذج في الستينات في أمريكا على أيد العالمين، مؤسسي المدرسة السلوكية، واتسون و سكينر. يتعامل المدرس مع التلميذ بأسلوب الإثارة و رد الفعل مثل ما يدرّب "بافلوف" كلبه، يجازيه عند الإجابة الصحيحة و يعاقبه إن أخطأ.

3.    التعلّم عن طريق البناء المعرفي الذاتي:
أسس هذه المدرسة البنائية العالم السويسري بياجي. يبني المتعلّم معرفته بالتفاعل مع محيطه و بالتعبير عنه. يصوغ المدرس درسه انطلاقا من حاجيات التلميذ و اهتماماته. نترك التلميذ يكتشف وحده معرفته بعد بحث متردد و تعبير حر و إبداع. عندما ينضج مخ المتلقي، نضعه في "وضعية-مشكل" حتى نثير داخله صراعا معرفيا. لا يحتفظ المتعلم إلا بالمعلومات التي ينتظرها و التي تنضوي تحت قناعاته الشخصية و التي تجلب له اللذة و تمسه و تستدرجه و تريحه في موقفه. لا يهتم المتعلم بكل المعلومات الأخرى أو يرفضها حتى و لو كانت عملية وتملك احتمالا هائلا من اليقين. لا يرى التلميذ إلا ما يريد مخه أن يرى فهو إذا لا يرى الحقيقة مباشرة بل يراها من خلال مصفاة مركبة في مخه. لا يتم اكتساب المعرفة إلا في ظروف معينة، ففي أكثر الأوقات يرفض التلميذ المعلومات الملقنة أو التي يعاد اكتشافها أمامه بطريقة غبية. يتعلم التلميذ بإفراغ المعلومات غير الملائمة بمثل ما يتملّك الملائمة. ينتج التعلّم عن سياق من التغييرات المتعددة، تغييرات في الأسئلة و في الفكرة الأولية و في طريقة التفكير الاعتيادية، ألخ

4.    التعلّم عن طريق البناء المعرفي الاجتماعي:
أسس هذه المدرسة البنائية الاجتماعية العالم السوفياتي فيقوتسكي في الثلاثينات. اكتشف هذا العالم منطقة في النموّ الذهني و سمّاها "المنطقة الأقرب للنمو الذهني (ZPD: Zone proximale de Développement).
يعرّفها في النقاط التالية:
-         ما يقدر الطفل على إنجازه، بالتفاعل مع محيطه و بمساعدة المدرسين و بحضور أقرانه، و هو الذي يحدّد مستوى "منطقته الأقرب لنموه".
-         ما يقدر الطفل على إنجازه اليوم بمساعدة المدرّسين و بحضور أقرانه، قد يستطيع تحقيقه بمفرده غدا.
-         يختلف مستوى حل المشاكل الذهنيّة الذي يصل اليه الطفل بمفرده عن مستوى حل المشاكل الذي يصل إليه مع أقرانه و تحت إشراف مدرّسيه ومساعدتهم.

5.    التعلّم عن طريق التفكيك و البناء في آن:
أضاف هذا النموذج أخيرا العالم الفرنسي المذكور في المقدمة و المدعو جيوردان. تعتمد هذه المقاربة الحديثة على تغيير نمط التفكير بالتأثير في محيط المتعلّم الذي يتفاعل مع تصوراته. ينتج التعلّم عن سيرورة من الصراع المعرفي لدى  المتعلم حيث يفكك تصوراته غير العلمية القديمة و يبني مكانها تصورات علمية جديدة. يتعلم المتلقي وحده لكن ليس وحده تماما، يتعلّم مع و ضد تصوراته غير العلمية، يتعلّم بالتفاعل مع محيط وثيق الصلة بتصوراته، يتعلّم عندما يكون التعليم المطروح عليه يعني شيئا بالنسبة له و يرى فيه قيمة، يتعلّم عندما تستوقفه المعطيات و تربكه و تعينه على الإبداع. ينطلق المدرس من التصورات غير العلمية للتلميذ ليبدلها بمعية التلميذ نفسه إلى تصورات علمية. تحتاج العملية التربوية إلى محيط معقد و مفارق و ظاهري التناقض. يحاول المعلّم نقل شغفه بالعلم للتلميذ حتى يحضى بحبه و تقديره.

6.    التعلّم عن طريق نقل مهمة التعليم من المدرس إلى التلميذ:
يستقيل المدرس مجازيا من مهمة التدريس و يسلّم إلى التلميذ مهمة التعلّم. من المفروض أن يجلس مدرب فريق كرة على خط التماس و لا يلعب مكان لاعبيه.  يحضّر المدرس جيدا الوضعية التعلّمية في المنزل ثم يعرضها عل تلامذته مع توفير المحيط الملائم و يتركهم أحرارا يبحثون عن الحل دون شرح و توجيه هم في غنى عنه

7.    التعلّم عن طريق التقليد:
يتعلّم الولد من أمه أشياء كثيرة دون برنامج مسبق، يتعلم اللغة و الأخلاق و السلوكيات. يتعلّم صبي النجار أو الحداد أو الميكانيكي المهنة من صاحبها دون تنظير أو منهجية محددة. يتعلّم الابن من والده الفلاحة أو صيد السمك بالتقليد المباشر و الممارسة اليومية دون كتابة و لا قراءة.


ب‌.                 نمر إلى وسائل التعلّم:
1.    معرفة تصورات التلميذ:
سبق أن كتبت و نشرت مقالين على النات في هذا الموضوع: "التصوّرات غير العلمية لا تزول بسهولة" و "هل يستطيع التلميذ بناء معرفة علميّة جديدة فوق معرفته غير العلميّة القديمة.

2.    بعض صفات التلميذ:
يقول التلميذ: أنا معني بعملية التعلّم, إذن أنا مسؤول عنها. أجد فيها متعة و فائدة و معنى. أثق في نفسي و في أقراني و في معلّمي، أكوّن علاقات معهم. أرسّخ معطيات و أبحث عن وسائل تساعدني على التفكير مثل الرموز و الرسوم البيانية و الاستعارات و المجازات و النماذج. أعطي قيمة للمعرفة و فائدتها. أوظف معارفي في المكان المناسب و التوقيت المناسب. أواجه نفسي بمعلومات مغايرة و مختلفة. أتراجع ثم أتكئ وقتيا على تصوراتي القديمة. أنهض و أستوعب ثم أكتسب التصورات العلمية الجديدة و أنطلق.
  
3.    بعض صفات المدرس:
على المدرس أن يكون و في الوقت نفسه ناقلا للمعلومات و مخرجا للوضعيات التعلّمية و مرافقا و سندا للتلميذ. عليه خلق رغبة التعلّم عند التلميذ و توفير المحيط المناسب لها. عليه تمرير دوافعه و محفّزاته و رغباته المعرفية للتلميذ. عليه إضفاء معنى لمحتوى درسه.

4.    بعض استراتيجيات المدرس
يخلق المدرس الاحتياج للمعرفة عند التلميذ. يشجع التلميذ بتشريكه في مشروع يحتوي على ألعاب و مواجهات فكرية و أعمال مجموعات و تحدّيات و أشياء جديدة فيها بعض المجازفة و هامش من الاستقلالية. يوفّر المدرس للتلميذ نشاطا يشدهه و يرغب فيه. يحتوي هذا النشاط على مشروع للوجود و الفعل لدى التلميذ.

ج. خلاصة القول:
التعلّم هو سيرورة معقدة لا تمرّر بوصفات جاهزة. قد يكون التلقين صالحا في وضعية تعلّمية لا يقدّم فيها الحوار و لا يؤخر. إذا أردنا التغلب على العقبات بسهولة فعلينا تداول استعمال النماذج التعلّمية بيسر حسب الجمهور المستهدف و الوضعية التعلّمية.

إمضائي المتكرّر و المحيّن و المتطور و المتغيّر دائما حسب قراءاتي الجديدة و المتنوّعة في كل المجالات المعرفية الحديثة غربيا و عربيا. مواطن العالم د. محمد كشكار

ينبغي التوضيح بداية أن النقد يعني عندي الكشف عن الاستخدامات المتعددة و المتباينة للمفهوم في السياقات الاجتماعية و التاريخية المختلفة. مما يعني أيضا كسر صنمية المفهوم أو عدم تحويل المفهوم إلى صنم جامد، له دائما المعنى نفسه و الاستخدام نفسه و الوظيفة ذاتها (إضافة د. م. ك: كالمفاهيم القاموسية المتداولة غير الدقيقة مثل مفهوم اليسارية و العَلمانية و الديمقراطية و الإسلام و الاشتراكية و حقوق الإنسان و حرية التعبير و المساواة بين المرأة و الرجل و حرية المعتقد و غيرها. و هذا هو النقد الذي وجهته و لا زلت أوجهه لمفاهيم العلم و المعرفة و التعليم و التربية و التكوين و اليسارية و العَلمانية و  القومية و التراث الإسلامي و الإسلاميين و الستالينيين و القوميين و المنبتين ثقافيا و المنحازين للغرب دون غربلة أو نقد و حاولت من خلال هذا النقد الهدام و البنّاء في الوقت نفسه أن أبين الاستخدامات غير العلمية التي تعرضوا لها في السياق الغربي و العربي الحديث). برهان غليون
أنا أعتبر نفسي سليل الفكر الإسلامي و القومي و الماركسي و الليبرالي و الإنساني معا (إضافة د. م. ك: أعيد الترتيب و أقول: أنا أعتبر نفسي سليل الفكر الماركسي و اليساري الليبرالي الإنساني النقدي و الإسلامي في العقد الأخير معا). فليس هناك تمثل من دون نقد. فأنا أعتبر نفسي ثمرة النقد المثلث للإرث الإنساني الليبرالي و الماركسي و القومي (إضافة د. م. ك: و الإسلامي منذ عام 2000) و لا أعتبر نفسي غريبا عنه في مكوناته المختلفة. و أنا سليل هذه المكونات الفكرية بمعنى أنني ثمرة لها و في الوقت نفسه ثمرة التأمل النقدي فيها. برهان غليون

Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites. Sartre
جميع الأديان و النظريات الفكرية تتحول بعد فترة معينة من أنظمة منفتحة إلى أنظمة منغلقة و دغمائية. هاشم صالح
فأي دين يستخدم سياسيا بدون أي تأطير علمي أو نقدي يتحول بسرعة إلى إيديولوجيا ظلامية. محمد أركون
العقل الفلسفي هو نقدي تساؤلي استفزازي بالضرورة. و بالتالي فيشكل السلاح الفعال ضد جميع الانغلاقات الدغمائية و الأيديولوجية. هاشم صالح
الذهن غير المتقلّب غير حرّ
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي
الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد
عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين
البديل يُصنع بيني و بينك، لا يُهدى و لا يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و واهم أو غير ديمقراطي من يتصور أنه يملك البديل جاهزا
L’intellectuel est une création du XIXè siècle qui disparaîtra à la fin du XXè ou du XXXè parce qu’il est fait pour disparaître. L’homme qui pense pour les autres, cela n’a pas de sens. Tout homme qui est libre ne doit être commandé par personne que par lui-même. Jean-Paul Sartre
Faire avec les conceptions non scientifiques pour aller contre ces conceptions et construire en même temps des conceptions scientifiques. Citoyen du monde Dr Mohamed Kochkar
الحوار (د. م. ك: الحوار بين اليساريين التونسيين و الإسلاميين التونسيين) لا يمكن أن يتم بالعقليات التقليدية، لا بد له من عقلانية مركبة ذات رؤية منفتحة لا مغلقة وصيغة مرنة لا جامدة وبنية مركبة لا بسيطة ومنهج تعددي لا أحادي ونظام متحرك لا ثابت، خصوصاً ونحن نلج في عصر تبدو فيه المعطيات في حركة متواصلة وسيلان دائم. علي حرب
في النهاية أنا مواطن فقير بسيط عادي و أقرب المثقفين اليساريين ماديا إلى طبقة البروليتاريا، مواطن  منعزل و معزول قصدا من اليسار و اليمين بسبب نقدي للاثنين معا. لا أنتمي لأي حزب و لا أومن بأية إيديولوجية يسارية كانت أو يمينية لكن أومن بالمُثل العليا سماوية المصدر أو إنسانية الإبداع
لا حول لي و لا قوة إلا بالله و الشعب و الفكر و الثقافة الإنسانية و العلم و التكنولوجيا و المعرفة و نقد المعرفة و ليس لي أي وزن أو تأثير مباشر على الأحداث و أمارس النقد الفكري و السياسي و الاجتماعي و العلمي و الثقافي كهواية أدبية دون اختصاص في هذا المجال الواسع و لا أملك بدائل جاهزة لِما أنقد لأن النقد مؤسسة قائمة بذاتها و غنية بما تقدّمه للمبدعين و الناس العاديين، كل في مجاله، و أرى أن البديل ينبثق انبثاقا من صنع و تفاعل أصحاب المشكلة فيما بينهم و أهل مكة أدرى بشعابها
يبدو لي أن المثقف العربي توغّل في نقد الإنتاج الثقافي العربي و نسي نقد آلة الإنتاج نفسها المتمثلة في المثقف العربي نفسه
محمد كشكار, أستاذ تعليم ثانوي أول فوق الرتية في علوم الحياة و الأرض منذ 37 سنة و دكتور في تعلّميّة البيولوجيا متخرج سنة 2007 تحت إشراف مشترك من جامعة تونس وجامعة كلود برنار بليون 1 بفرنسا
         أعرّف نفسي كديمقراطي مُعجب بالنمط الأسكندنافي لكن متماهي مع مجتمعي التونسي الإسلامي العربي الأممي (تونس تبربرت و ترومنت و تقرطجت و تأسلمت و تعرّبت و تعولمت فتتونست و هي انبثاق من تفاعل كل هذه الحضارات جميعا)، و هذا تعريف لوحده مُبِين، أتبناه حيطة و حذرا علميا، لا هروبا و تقية من التعريفات السائدة كاليسارية و العَلمانية و الحداثة، هذه المفاهيم الثلاثة الأخيرة التي شُوهت عن قصد سياسي و غير علمي من قبل أعدائها و غير المطلعين على تراثها العالمي الرحب و الغني، هم اليمينيون المثقفون و غير المثقفين الذين حمّلوها ما لا تتحمل و نسبوا لها جهلا و ظلما و بهتانا مفاهيم غريبة عنها كالميوعة و "قلة الرجولية" و  الكفر و الإنبتات و الخيانة الوطنية. لكن في المقابل - و للأسف الشديد - لم يطورها محتكروها الشيوعيون و القوميون و الاشتراكيون و لم يخلّصوها من بعض المفاهيم الشوائب التي لصقت بها منذ ثلاثة قرون تقريبا  و لم يسلّطوا نقدهم الذاتي العلني على بعض مفاهيمها المتكلّسة كشيطنة الإسلام السياسي (أفهمه فقط كرد فعل شرعي للدفاع عن النفس ضد تهديدات المتطرفين منهم، الداعون لقتلهم و نفيهم و صلبهم و تقطيع أيديهم و أرجلهم من خلاف، لا لشيء سوى معارضتهم لهم سياسيا و سلميا بالمظاهرات و الاعتصامات التي لا تعطل مرفقا عاما) و دكتاتورية البروليتاريا  و الحزب الطلائعي الأوحد  و عبادة و تقديس الشخصيات التاريخية السياسية مثل الحكام الدكتاتوريين كلينين و ستالين و ماو و كاسترو و عبد الناصر و صدام و الأسد مع احتفاظي باحترامي التام للتابعين لهؤلاء من الرفاق المعاصرين المناضلين التونسيين النقابيين القاعديين اليساريين الصادقين النزهاء الذين تربيت وسطهم و ناضلت معهم و أعترف و أشهد لهم بالوطنية و الشجاعة أيام معارضتهم لبورقيبة و بن علي و الحكومة الحالية
أنهي إمضائي بمقولتين توفيقيتين جميلتين من مصدرين ظاهريا مختلفين بل متناقضين لكنهما ينتميان إلى التراث الإنساني العالمي المتسامح و لا يستطيع أن ينكرهما أي من الخصمين الفكريين، اليساريون و الإسلاميون: حديث للرسول صلى الله عليه و سلم: "لن يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" و مقولة ماركسية، نهاية في نكران الذات: "مِن كل حسب جهده و لكل حسب حاجته" و السلام على اليسار و اليمين المطبوعين تونسيين رغم أنفهما

ملاحظة:

 أندري جيوردان هو خلف العالم السويسري المشهور بياجي. أسس مخبر تعلّمية و ابستومولوجيا العلوم بجنيف منذ وفاة بياجي في 1980 ( Laboratoire de didactique et épistémologie des science - LDES ).

vendredi 11 avril 2014

يبدو أنّ مهنة الأستاذ المباشر في القسم تسير في طريق الانقراض ! مواطن العالَم د. محمد كشكار

يبدو أنّ مهنة الأستاذ المباشر في القسم تسير في طريق الانقراض ! مواطن العالَم د. محمد كشكار

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 5 ماي 2009.

يبدو أنّ الأستاذ المباشر (الأستاذ الذي يحضر في قاعة القسم و يباشر التدريس لتلاميذ حاضرين معه) ينفذ سياسة تربويّة لم يشارك في إعدادها ويبدو أيضا أنّه يتعرّض يوميّا لمشاكل عديدة منها على سبيل الذكر لا الحصر : طول البرنامج و ضيق الوقت المخصّص لإنجازه و اكتظاظ القسم بالتلاميذ و عدم انضباطهم و نقص وسائل الإيضاح التعلمية. لذلك ما زال هذا الأستاذ يستعمل السبّورة العاديّة و يكتب بالطباشير و مازال يمتثل لتوجيهات متفقّد مجاز مثله و لا يتميّز عليه بأيّ شهادة جامعيّة في المجالات الأخرى مثل علوم التربية و الإبستمولوجيا و علم نفس الطفل و علم التقييم و آليات التواصل ( أستثني المتفقدين المتخرّجين الجدد). لذلك آليت على نفسي أن ألفت نظر زملائي و أنا أستاذ مباشر مثلهم منذ 37 سنة إلى بروز منافس خطير على السّاحة التربويّة يدعى الأستاذ غير المباشر (الأستاذ الذي يمارس التدريس عن بعد عن طريق الأنترنات أو عن طريق الرسائل الرقميّة).  يمتاز هذا الأخير عن الأوّل بأشياء أساسيّة في الحياة ما فتئ الأستاذ المباشر يناضل من أجل تحقيقهما: التكوين الأكاديمي في المجالات المشار إليها أعلاه و الحرّية في اتخاذ القرار و الأجر المشجّع على الخلق والدعم المادّي و توفير التجهيزات لتأدية رسالته وفق الطرق التربويّة العصريّة.

بعد هذا التمهيد القصير, سأحاول تقديم مقارنة بين الأستاذ المباشر و الأستاذ غير المباشر:

الأستاذ المباشر:
-         يحبّ و يكره و يكلّ و يملّ و يغضب و في بعض الأحيان يخرج عن موضوع الدرس حتّى يروّح عن نفسه و عن تلامذته.
-         يختصّ في مادّة معيّنة فقط و لا يلمّ في جل الأحيان بكل معارفها.
-         يقدّم للتلميذ بعض وسائل الإيضاح التعلمية القديمة.
-         يقوم بالتجارب عوضا عن التلميذ لنقص في التجهيزات.
-         ينفّذ سياسة تربويّة واحدة و يرتبط ببرنامج سنوي موحّد.
-         لم يدرس أكاديميّا علوم التربية و لا علم نفس الطفل و لا الابستومولوجيا و لا علم التقييم.
-         يعتمد في القسم على نفسه فقط.
-         لا يجد عادة الوقت لإنجاز التمارين التطبيقيّة.
-         يوفّر للتلميذ وضعيّة تعلّميّة مباشرة فيها تفاعل مع أقران قارّين و مفروضين عليه.
-         يدرّس في القسم بمرتّب زهيد.
-         لا يختار التلميذ أستاذه المباشر بل يفرض عليه.

الأستاذ غير المباشر أو الأستاذ الافتراضي في الأنترنات أو الجاهز في الأقراص:
-         يقدر على إعادة الدرس ألف مرّة إن شاء المتلقّي. يحترم و يشجّع و لا يكره و لا يغضب و لا يقصي من القسم.
-         يتقن كلّ الاختصاصات لأنه يوفر عدة أساتذة مختلفين في اختصاصاتهم يقومون بإعداد الدرس المعروض في الأنترنات.
-         يعرض صورا رائعة و متحرّكة ذات ثلاثة أبعاد.
-         يقوم التلميذ بنفسه بالتجارب الافتراضية.
-         يختار التلميذ برنامجا يتناغم مع قدراته و مستواه الذهني و نسقه الشخصي في الفهم.
-         يعدّ الأسئلة عن دراية و بدقّة مختص في التقييم.
-         يستطيع التلميذ أن يستشير عدّة أساتذة افتراضيين.
-         ينجز التلميذ كما يشاء و متى يشاء تمارين فرديّة و تفاعليّة.
-         يوفّر للتلميذ تفاعلا افتراضيّا مع أقران من اختياره يستطيع تغييرهم حسب الوضعيّة.
-         جاهز تحت الطلب في كل زمان و مكان دون مقابل.
-         يختار التلميذ أستاذه الإفتراضي حسب حاجته و ذوقه أيضا.

بعد هذا العرض السريع و غير الشامل لمزايا التعليم غير المباشر في الجدول المذكور أعلاه, أسوق لكم على سبيل الذكر لا الحصر أمثلة منه في تونس:
-         أوجدت وزارة التربية و التكوين مدرسة افتراضيّة في موقع على الأنترنات.
-         تقدّم جامعة تونس الافتراضية - التي كانت تسمى سابقا المعهد الأعلى للتربية و التكوين المستمر بباردو - "تعليما عن بعد" يفوق بكثير "التعليم المباشر" في الجامعات الأخرى. يمتاز هذا المعهد بانضباط طلبته من أساتذة ثانوي و معلّمين و ينفرد بقلّة عدد الحاضرين في الحصّة المباشرة مع الأستاذ المحاضر (يحضرها المئات من الطلبة في مدرّجات الجامعات الأخرى) ممّا يزيد التعلّم جودة و فائدة. يختار المعهد أفضل الأساتذة من الجامعات التونسيّة و الفرنسيّة. يختار الطالب فيه نسق تعلّمه بنفسه حسب قدراته و تفرّغه، مثلا ثلاث وحدات تعليمية كل ستة أشهر عوض خمسة. من شروط النجاح في هذا المعهد، التحصّل على معدّل عشرة في كل وحدة تعليمية (Unité de valeur)  يدرسها الطالب وليس على المعدّل العام ممّا يجبر المتلقّي على عدم إهمال أيّ مادة فيتخرّج ملمّا بجميع فروع اختصاصه. ينظّم المعهد إقامات مغلقة (séjours bloqués)  للقيام بالأشغال التطبيقيّة لصالح طلبة العلوم التجريبيّة. من سوء التخطيط لا يتمتّع هذا المعهد بميزانيّة محترمة و لا بدعاية كافية رغم الخدمات الجليلة التي يقدّمها للتعليم بجميع مراحله في تونس من بنقردان إلى بنزرت. ساعد هذا المعهد " الأساتذة - الطلبة " المنتسبين إليه على الإرتقاء المهني عن طريق التحصيل العلمي و ليس عن طريق الأقدميّة في الرتبة. كان، قبل 2000، أستاذ التعليم الثانوي أو التقني يرتقي مباشرة إلى رتبة أستاذ اوّل فور حصوله على ديبلوم الدّراسات المعمّقة (DEA ) و هذا الإجراء ساهم في تشجيع المدرّسين على اكتساب العلم و المعرفة. حوالي سنة ألفين, فرّطت في هذا المكسب نقابتنا العامة للثانوي الموقّرة السّابقة و اتّفقت مع وزارة التربية  على شرط قضاء سبع سنوات كاملة في الرتبة الواحدة قبل الإرتقاء إلى ما هو أعلى منها حتّى لو تحصّل الأستاذ القديم على شهادة الدكتورا. في الاتفاق الجديد, تمسّكت الوزارة، بموافقة النقابة، بالارتقاء المهني على أساس الأقدميّة في الرتبة مع تنفيل الشهادة العلميّةَُ (DEA ) بثلاث نقاط فقط و الدكتورا بخمسة عشر نقطة.
-         نظام "التعليم عن بعد" بدأ قبل اكتشاف الحاسوب و تطوّر بعد عصر الأنترنات فأصبح يضاهي تقريبا نظام التعليم المباشر. و أنا من خرّيجي النظامين, 15 عام تعليم مباشر و 11 عام تعليم مختلط مباشر و عن بعد.
-         يتابع مئات الملايين من طلبة المرحلة الثالثة,  في كل الاختصاصات و في كل البلدان من العالم المتطوّر إلى العالم الثالث,  تكوينهم عن طريق الأنترنات و لا يقابلون مؤطّريهم مباشرة إلاُ في مواعيد قليلة و رغم ذلك يبدعون كلّ في مجاله.

أتساءل في نهاية المقال:
 "هل اطمأنّ زملائي إلى أن وظيفتهم التربوية لن تنقرض أبدا ؟" لا بل  على العكس, سيخلّدون كمبرمجي الذكاء الصناعي  للحاسوب و كركن أساسي من أركان المعرفة مع الركنين المكمّلين و هما التلميذ و المعرفة  و ستتحسّن صورتهم عند التلميذ و يزيد عطاؤهم و يتخلّصون من مضارّ الطباشير و عبء الاكتظاظ و التنقّل و ملاحظات المدير و توجيهات المتفقّد و احتجاجات الأولياء.

خلاصة القول:
"التعليم الافتراضي" و "التعليم عن بعد" نوعان من التعليم غير المباشر يتمتّعان بخاصّيات متعدّدة منها الحضور السّريع  في كل مكان و زمان  و التأقلم مع القدرات الذهنيّة المختلفة لدى المتعلّمين، أي البيداغوجيا الفارقية (La pédagogie différenciée) لذلك انتشرا بسرعة في كل أنحاء العالم.

إمضاء مواطن العالَم د. م.  ك.
"الذهن غير المتقلّب غير حرّ".
لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه. عبد الله العروي.
يطلب الداعية السياسي أو الفكري من قرائه أن يصدقوه و يثقوا في خطابه أما أنا - اقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات و أنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى تجريب وجهة نظر أخرى و على كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف الرمزي أو اللفظي أو المادي أو الرمزي.
"الكاتب منعزل إذا لم يكن له قارئ ناقد".
عزيزي القارئ, عزيزتي القارئة، أنا لست داعية، لا فكري و لا سياسي, أنا مواطن عادي مثلك، أعرض عليك  وجهة نظري المتواضعة و المختلفة عن السائد, إن تبنيتها, أكون سعيدا جدا, و إن نقدتها, أكون أسعد لأنك ستثريها بإضافة ما عجزت أنا عن إدراكه, و إن عارضتها  فيشرّفني أن يصبح لفكرتي معارضين.
البديل يُصنع بيني و بينك، لا يُهدى و لا يُستورد و لا ينزل من السماء (قال تعالى: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم) و واهم أو ديكتاتور من يتصور أنه يملك البديل جاهزا.